back page fehrest page  

[1028]

و كقوله تعالى سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ .

و كقوله تعالى لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً .

و كقوله تعالى فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا .

و كقوله تعالى وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها إلى قوله قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها و نحو ذلك من الآيات و كانت كلها كما قال تعالى .

و الأحاديث في مثل ذلك كثيرة لا يتفق أمثالها على كثرتها مع ما فيها من تفصيل الأحكام المفصلة عن المنجمين فتقع كلها صدقا فيعلم أن ذلك بإلهام ملهم علام الغيوب معرفا له حقائق الأمور .

و وجه آخر و هو ما في القرآن و الأحاديث من الإخبار عن الضمائر مثل قوله تعالى إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا من غير أن يظهر منهم قول أو فعل بخلاف ذلك .

و كذلك قوله تعالى وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ من غير أن يسمعه أحد منهم فلا ينكرونه .

و كذلك قوله تعالى وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَ تَوَدُّونَ أَنَّ

[1029]

غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ
فأخبره تعالى بما يريدون في أنفسهم و ما يهمون به .

و كعرضه تعالى تمني الموت على اليهود في قوله تعالى فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ .

و قوله تعالى وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ .

فعرفوا صدقه فلم يجسر أحد منهم أن يتمنى الموت لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لهم إن تمنيتم الموت متم فدل جميع ذلك على صدقه بإخباره عن الضمائر .

و كذلك ما ذكرناه من معجزات الأوصياء يدل على صدقهم و كونهم حججا لله تعالى .

فصل :

فإن قيل فما الدليل على أن أسباب الحيل مفقودة في أخباركم حتى حكمتم بصحة كونها معجزة .

قلنا كثير من تلك المعجزات لا يمكن فيها الحيل مثل انشقاق القمر و حديث الاستسقاء و إطعام الخلق الكثير من الطعام اليسير و خروج الماء من بين الأصابع و الإخبار بالغائبات قبل كونها و مجي‏ء الشجرة ثم رجوعها إلى مكانها لا تتم الحيلة فيها .

و إنما تتم الحيلة في الأجسام الخفيفة التي تحدث بالتفكك و القسر و غير

[ 1030]

ذلك و لا يتم مثله في الشجر و الجبل لأنه لو كان لوجب أن يشاهد .

فإن قيل جوزوا أن يكون هاهنا جسم يجذب الشجرة كما أن هاهنا حجرا يجذب الحديد يسمى المغناطيس .

قلنا لو كان الأمر على هذا لعثر عليه و لظفر به مع تطاول الزمان كما عثر على حجر المغناطيس حتى علمه كل أحد .

و لو جاز ما قالوه للزم أن يقال هاهنا حجر يجذب الكواكب و يقلع الجبال من أماكنها و إذا قرب من ميت عاش فيؤدي إلى أن لا يثق بشي‏ء أصلا و يؤدي ذلك إلى الجهالات و كان ينبغي أن يطعن بذلك أعداء الدين و مخالفو الإسلام لأنهم إلى ذلك أحوج و به أشغف .

و كذلك الول في خروج الماء من بين أصابعه (صلى الله عليه وآله وسلم) إن ادعي طبيعة فيه أو حيلة لزم تجويز ذلك في قلع الجبال و جذب الكواكب و إحياء الموتى و كل ذلك فاسد .

و حنين الجذع لا يمكن أن يدعى أنه كان لتجويف فيه لأنه لو كان كذلك لعثر عليه مع المشاهدة و لكان لا يسكن مع الالتزام .

و تسبيح الحصى و تكليم الذراع لا يمكن فيه حيلة البتة .

و قيل في سماع الكلام من الذراع وجهان أحدهما أن الله تعالى بنى الذراع بنية حي صغير و جعل له آلة النطق و التمييز فيتكلم بما سمع .

و الآخر أن الله تعالى خلق فيه كلاما سمع من جهته و أضافه إلى الذراع مجازا .

و قول من قال لو انشق القمر لرآه جميع الناس لا يلزم لأنه لا يمتنع أن تكون للناس في تلك الحال مشاغيل فإنه كان بالليل فلم يتفق لهم مراعاة ذلك فإنه بقي ساعة ثم التأم .

[1031]

و أيضا فإنه لا يمتنع أن يكون حال بينه و بين من لم يشاهده الغيم فلأجل ذلك لم يره الكل و أكثر معجزات الأئمة (عليه السلام) تجري مجرى ذلك فالكلام فيها كالكلام في هذه و الله أعلم .

باب في الفرق بين المعجزة و الشعبذة

قد فرق قوم من المسلمين بين المعجزات و المخاريق بأن قالوا إن المعجزة لا تكون إلا على يد رسول أو وصي رسول عند الأفاضل من أهل عصره و الأماثل من قومه فيعرفونها عند التأمل لها و النظر فيها على كل حال .

و الشعبذة تظهر على يد أطراف الناس و سقطهم عند الضعفة من العوام و العجائز فإذا بحث عن أسبابها المبرزون وجدوها مخرقة و المعجزة على مر الأيام لا تزداد إلا ظهور صحة لها و لا تنكشف إلا عن حقيقة فيها .

و إن المعجزة ربما لم يعلم من تظهر عليه مخرجها و طريقها و كيف تتأتى و تظهر و الشعبذة إنما يهتدي صاحبها إلى أسبابها و يعلم أن من شاركه فيها أتى بمثل ما أتى هو به .

و إن المعجزة يجري أمرها مجرى ما ظهر في عصا موسى على نبينا و عليه السلام من انقلابها حية تسعى حتى انقادت له السحرة .

[1032]

و خاف موسى على نبينا و عليه السلام أن تلتبس الشعبذة على أكثر الحاضرين .

و إن المعجزة تظهر عند دعاء الرسول أو الوصي ابتداء من غير تكلف آلة و أداة منه أكثر من دعائه لله تعالى أن يفعل ذلك .

و الشعبذة مخرقة و خفة يد تظهر على أيدي بعض المحتالين بأسباب مقدرة لها و حيل متعلمة أو موضوعة و يمكن المساواة فيها و لا يتهيأ ذلك إلا لمن عرف مبادئها و لا بد له من آلات يستعين بها في إتمام ذلك و يتوصل بها إليه .

فصل :

المعجزة أمر يتعذر على كل من في العصر مثله :

و اعلم أن المعجزة أمر يتعذر على كل من في العصر مثله عند التكلف و الاجتهاد على المشعوذين فضلا عن غيرهم كعصا موسى الذي أعجز السحرة أمره مع حذقهم في السحر و صنعته .

و الشعوذة مخرقة و خفة تظهر على أيدي المحتالين بأسباب مقدرة تخفى على قوم دون قوم .

و المعجزة تظهر على أيدي من عرف بالصدق و الصيانة و الصلاح و السداد .

و الشعوذة تظهر على أيدي المحتالين و الخبثاء و الأرذال .

و المعجزة يظهرها صاحبها متحديا و دلائل العقل توافقها على سبيل الجملة و يباهي بها جميع الخلائق و لا تزيده الأيام إلا وضوحا و لا تكشف الأوقات إلا عن صحته .

و للمعجزات شرائط ذكرناها على أنها من باب الممكن للمتوهم الذي لا يمتنع مثله في المقدور لله و نفسه قول المنكرين لكونها من حيث الإحالة

[1033]

لوقوعها و الله سبحانه و تعالى هو المظهر لها تصديقا للنبي أو الوصي .

و لأن أكثر الشعوذة و المخرقة تتعلق بزمان مخصوص و مكان معلوم و يستعان في فعلها بالأدوات و المعاونات و المعالجة .

و المعجزة لا تتعلق بزمان مخصوص و لا ببقعة مخصوصة و لا يستعين فيها صاحبها بآلة و لا أداة و إنما يظهرها الله على يديه عند دعائه و دعواه و هو لم يتكلف في ذلك سببا و لا استعان فيها بعلاقة و لا معالجة و لا أداة و لا آلة .

و أنها على الوجه الناقض للعادات و الباهر للعقول القاهر للنفوس حتى تذعن لها الرقاب و الأعناق و تخضع لها النفوس و تسمو إليها القلوب ممن أراد أن يعلم صدق من أظهرها عليه .

فصل :

المعجزة علامة الصدق حيث وجدت :

و المعجزة علامة الصدق حيث وجدت سواء كان نبيا مرسلا أو وصيا معظما و إنما تظهر للتصديق لمن تظهر عليه إما في دعواه النبوة أو في تحقيق حاله و الذي يدل على أنها علامة التصديق أنه قد ثبت أن خبر المخبر لا بد من أن يكون صدقا أو كذبا .

و الباري تعالى موصوف بالقدرة على التمييز بين الصادق و الكاذب بأمارات ينصبها و علامات يضعها دلالات على صدق الصادق كما أنه القادر على إعلامنا صدق الصادق و كذب الكاذب بأن يضطرنا إلى صدق الصادق و كذب الكاذب و لكنه تعالى لا يفعل الاضطرار فيه مع بقاء التكليف .

و لو لم يكن تعالى موصوفا بالقدرة على نصب دلالة على صدق الصادق لم يمكن المستدل أن يستدل بها على صدقه فيما يقوله كان في ذلك تعجيزه و وصفه بالعجز عما يصح أن يقدر عليه و ذلك باطل لأنه تعالى قادر لذاته فعلم أنه لا بد

[1034]

أن يكون قادرا على نصب دلالة يستدل بها على صدق الصادق .

ثم تلك الدلالة لا تخلو إما أن تكون أمرا معتادا حدوثه أو أمرا يخص الصادق و ينقض العادة بذلك المعنى الذي أشرنا إليه و لا يكون أمرا معتادا بل يكون خارقا للعادات و إذا كان هذا هكذا صح أن الذي ذكرناه من المعجزة علامة الصدق و أنها تخصه كما تخص الأفعال المحكمة إذ أظهرت علم من يظهر ذلك منه و يترتب على حسب علمه بترتيبه لها و لم يجز أن توجد مع الكاذب لأن حكم الأمارة مثل حكم الدلالة و لا يصح أن تكون الدلالة موجودة مع فقد المدلول لأن ذلك يخرجه من أن تكون دلالة كما أن العلة توجب الحكم فإذا وجدت و هي غير موجبة للحكم خرجت من أن تكون علة للحكم .

و المعجزة علامة الصدق و علامة الشي‏ء كدلالته يلزمه حكمه فلا يجوز ظهورها على كذاب .

باب في مطاعن المعجزات و جواباتها و إبطالها

ذكر ابن زكريا المتطبب في مقابل المعجزات أمورا يسيرة لا يتمكن منها إلا بالمواطاة و الحيل و أعجب منها ما يفعله المشعبذون في كل زمان .

فذكر ما نقل عن زرادشت من صب الصفر المذاب على صدره و من بعض سدنة

[1035]

بيت الأوثان أنه كان منحنيا على سيف و قد خرج من ظهره لا يسيل منه دم بل ماء أصفر و كان يخبرهم بأمور .

قال و رأيت رجلا كان يتكلم من إبطه و آخر لم يأكل خمسة و عشرين يوما و هو مع ذلك حصيف البدن .

و أين ما ذكره من فلق البحر حتى صار كل فرق منه كالطود العظيم و من إحياء ميت متقادم العهد و يبقى حيا حتى يولد و انفجار الماء الكثير من حجر صغير أو من بين الأصابع حتى يشرب الخلق الكثير .

فصل

ما ذكره ابن زكريا عن زرادشت :

و الذي ذكره ابن زكريا عن زرادشت إنما يمكن منه بطلاء الطلق و هو دواء يمنع من الاحتراق و في زماننا نسمع أن أناسا يدخلون التنور المسجور بالغضى .

و أما إراءة السيف نافذا في البطن فهو شعبذة معروفة فإنه يكون مجوفا يدخل بعضه في البعض فيري المشعبذ أنه يدخل في جوفه .

و أما الإمساك عن أكل الطعام فهو عادة يعتادها كثير من الناس و المتصوفة يعودون أنفسهم التجويع أربعين يوما .

و قيل إن بعض الصحابة من يصوم صوم الوصال خمسة عشر يوما .

[1036]

و أما المتكلم من الإبط فيجوز أن يكون ذلك أصواتا مقطعة قريبة من الحروف و أن يكون حروفا متميزة كأصوات كثير من الطيور و قد يسمع من صرير الباب ما يقرب من الحروف و هو مبهم في هذه الحكاية .

فيجوز أن يخبر أن ذلك كان كلاما خالصا و يجوز أن يتعمد ذلك الإنسان له و يصل إلى ذلك بالتجربة و الاستعمال و قد رأينا في زماننا من كان يحكى عنه مثل ذلك و الذي يحكى عن الحلاج أغرب و أعجب .

و قد وقع العلماء على وجوه الحيل فيها و كل من تفكر في حيلهم أياما وقف عليها و ما من حيلة إلا و تحصل عقيب سبب و ليس فيها ما تنقض به العادة .

فصل :

طعن ابن زكريا في المعجزات :

و طعن ابن زكريا في المعجزات من وجه آخر فقال و قد يوجد في طبائع الأشياء أعاجيب و ذكر حجر المغناطيس و جذبه للحديد و باغض الخل و هو حجر إذا ألقي في إناء خل فإنه يهرب منه و لا ينزل إلى الخل و الزمرد يسيل عين الأفعى و السمكة الرعادة يرتعد صاحبها ما دامت في شبكته و كان آخذا بخيط الشبكة .

قال فلا يمتنع أيضا فيما يأتي به الدعاة أنها ليست منها بل ببعض

[1037]

الطبائع إلا أن يدعي مدع أنه أحاط علما بجميع طبائع جواهر العالم و امتناع ذلك بين .

و ذكر أبو إسحاق ابن عياش : أنه أخذ هذا على ابن الراوندي فإنه قال في كتاب له سماه الزمرد على من يحتج بصحة النبوة بالمعجزات فقال من أين لكم أن الخلق يعجزون عنه هل شاهدتم الخلق أو أحطتم علما بمنتهى قواهم و حيلهم فإن قالوا نعم فقد كذبوا لأنهم لم يجوبوا الشرق و الغرب و لا امتحنوا الناس جميعا ثم ذكر أفعال الأحجار كحجر المغناطيس و غيره .

قال أبو إسحاق : فأجابه أبو علي في نقضه عليه أنه يجوز أن يكون في الطبائع ما تجذب به النجوم و تسير به الجبال في الهواء و يحيى به الموتى بعد ما صاروا رميما فإذا لا يمكن أن يفصل بين الممكن المعتاد و ما ليس بمعتاد و لا بين ما ينفذ فيه حيلة و بين ما لا ينفذ فيه حيلة إلا أن يجوب البلاد شرقا و غربا و يعرف جميع قوى الخلق .

فأما إذا سلم أن يعلم باضطرار المعتاد و غيره و ما لا تنفذ فيه حيلة لزمه النظر في

[1038]

المعجزات قبل أن يجوب البلاد فليس يحتاج في معرفة كون الجاذب معجزا إلى ما ذكر من معرفة قوى الخلق و طبائع الجواهر .

و لهذا لو ادعى واحد النبوة و جذب بالتراب الجبل علمنا أنه ليس فيه وجه حيلة و إنا نعلم بذلك صدقه قبل أن نجوب البلاد و نعرف جميع الطبائع .

و قال أبو إسحاق إن جميع ما يذكر في خصائص الأحجار أكثره كذب و ذكر أن واحدا أمر أن يجي‏ء بالأفاعي في سبد و جعل الزمرد الفائق في رأس قصبة و وجه به عين الأفاعي فلم تسل .

ثم إن جميع ما ذكره يسقط بما شرطناه في المعجزات و نقش عند أهل البصر .

و من تقوى دواعيه إلى كشف وارة الزمان الطويل فلا يوقف منه على وجه حيلة فيما ذكروه ما هو معناه ظاهر لأكثر الناس كحجر المغناطيس أو يوقف فيه على وجهه .

فصل

يقول المنكرون : إن الأخبار التي يذكرون و الأحاديث التي يعولون عليها في معجزاتهم إنما رواها الواحد و الاثنان و مثل ذلك لا يمكن القطع عليه بعينه و الحكم بصحته :

و ربما يقول المنكرون لمعجزات النبي و الأئمة عليهم أفضل الصلوات و التحية إن الأخبار التي يذكرون و الأحاديث التي يعولون عليها في معجزاتهم و يصولون بها إنما رواها الواحد و الاثنان و مثل ذلك لا يمكن القطع عليه بعينه و الحكم بصحته و أمر المعجزات أمر خارج عن العادات يجب أن يكون معلوما متيقنا غير مظنون متوهم .

و الجواب عن ذلك : أن أخبارنا في معجزات النبي و الأئمة (صلى الله عليه وآله وسلم) جاءت من طرق مختلفة و مواضع متفرقة و مظان متباعدة و فرق مخالفة و موافقة في زمان بعد زمان و قرن بعد قرن و لذلك كررنا المعجزات من جنس واحد من

[1039]

كل واحد منهم (عليه السلام) و لا يمكن أن يتواطأ الناس على مثل هذا فلا يكون مخبرهم على ما أخبروا به جميعا لأن ذلك ينقض عادتهم كما ينقض العادة الاجتماع على الكذب في الجماعات الكثيرة .

و مما يدل على ذلك أنا رأينا من تواطؤ الخبر عنه رجال منفردون بخبر الكذب فأما إن أخبر جمهور من الناس فقال بعضهم إن رجلا له مال من ذهب و ورق .

و آخرون يخبرون عنه أنهم رأوا له أثاثا و جهازا و أواني و آلات و أسبابا .

و فرق يخبرون أنهم رأوا له غلات و ارتفاعات و ضياعا و عقارات .

و آخرون يخبرون عنه أنهم رأوا له خيلا و بغالا و حميرا .

إن الخبر إذا ورد عن الإنسان بما ذكرنا اضطر إلى العلم بأن المخبر عنه غني موسر لا يقدر أحد على دفع علم ذلك عن نفسه إذا نظر بعين الإنصاف في تلك الأخبار و إن كان يجوز على كل واحد من المخبرين الغلط و الكذب في خبره إذ لو انفرد من مضامة غيره .

ثم إن إجماع الفرقة المحقة منعقد على صحة أخبار معجزات الرسول و الأئمة من أهل بيته (عليه السلام) و إجماعهم حجة لأن فيهم معصوما .

فصل

أخبار المعجزات أخبار تقارب أخبار الجماعات الكثيرة :

و من أخبار المعجزات أخبار تقارب أخبار الجماعات الكثيرة نحو خبر الحصاة و إشباع الخلق الكثير بالطعام اليسير و ذلك أن المخبرين بهذه الأخبار إنما أخبروا عن حضرة جماعة فادعوا حضورهم كذلك فقد كانوا خلائق كثيرين مجتمعين شاهدي الحال و كانوا فيمن شرب الماء و أكل من الطعام فلم ينكروا عليهم .

و لو كان الخبر كذبا لمنعت الجماعة التي ادعى المخبرون حضورهم بذلك و أنكروا عليهم و لقالوا لم يكن هذا و لا شاهدناه فلما سكتوا عن ذلك دل

[1040]

على تصديقهم لهم و أن ذلك يجري مجرى المتواتر نقلا في الصحة و القطع به .

و مما يدل على ذلك أن رجلا لو عمد إلى الجامع و الناس مجتمعون و قال لهم إنكم كنتم في موضع كذا في دار كذا لأملاك فلان فأطعمكم كذا من الطعام و كذا من الشراب لم يمتنعوا أن ينكروا عليه و لا يسكتوا على تكذيبه في الأمر الذي لا يمتنع في العادة فكيف في الأمر الذي خرج عن العادة و النفوس إلى إنكار المنكر فيها أشد إنذارا .

و من هذه الأخبار أخبار انتشرت في الأمة و لم يوجد لها منكر و لا مكذب بل تلقوها بالقبول فيجب المصير إليها لاجتماع عليها من الأمة أو من الطائفة المحقة و هم لا يجتمعون على خطأ ففيهم معصوم في كل زمان .

و ما رووا أن زوجين من الطير جادلا إلى أحدهم (عليه السلام) فصالح بينهما أو شكا طير من حية في موضع تأكل فراخه فأمر بقتل الحية فلا خفاء في كونه معجزا .

فأما ما سئل الحسين (عليه السلام) و هو صبي عن أصوات الطيور و الحيوانات فإعجازه من وجه آخر و نحوه قول عيسى في المهد إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ .

و كلاهما نقض العادة إذ ليس في مقدور الأطفال التكلم بما تكلم به و قيل إن نفس الدعوى في بعض المواضع معجز .

فصل

الأخبار المتواترة توجب العلم على الإطلاق :

و الأخبار المتواترة توجب العلم على الإطلاق و كذلك إذا كانت غير متواترة و قد اقترن بها قرينة من أحد خمسة أشياء من أدلة العقل و الكتاب و السنة المقطوع بها أو إجماع المسلمين أو إجماع الطائفة فهذه القرائن تدخل الأخبار و إن كانت آحادا في باب المعلوم فتكون ملحقة بالمتواتر .

و العلوم التي تحصل عند الأخبار المتواترة لكل عاقل مكتسبة عند

[1041]

الشيخ المفيد و ذهب المرتضى إلى تقسيم ذلك فقال العلوم بأخبار البلدان و الوقائع و نحوها يجوز أن تكون ضرورية و يجوز أن تكون مكتسبة .

و ما عداها كالعلم بمعجزات النبي و الأئمة (عليه السلام) و كثير من أحكام الشريعة فيقطع على أنه مستدل عليه و هذا أصح لأن الأدلة في أن الأول فعل لله أو فعل للعباد كالمتكافئة .

و إذا كان كذلك وجب التوقف و تجويز كل واحد منهما .

و الخبر إذا لم يكن من باب ما يجب وقوع العلم عنده و اشتراك العقلاء فيه و جاز وقوع الشبهة عليه فهو أيضا صحيح على وجه و هو أن يرويه جماعة قد بلغت من الكثرة إلى حد لا يصح معه أن يتفق فيها و أن يعلم مضافا إلى ذلك أنه لم يجمعها على الكذب جامع كالتواطؤ أو ما يقوم مقامه و يعلم أيضا أن اللبس و الشبهة زائلان عما خبروا عنه .

هذا إذا كانت الجماعة تخبر بلا واسطة عن المخبر فإن كان بينها و بينه واسطة وجب اعتبار هذه الشروط في جميع من خبرت عنه من الجماعات حتى يقع الانتهاء إلى نفس المخبر .

و إذا صحت هذه الجملة في صحة الخبر الذي لا بد أن يكون المخبر صادقا من طريق الاستدلال بنينا عليها صحة المعجزات و غيرها من أحكام الشرع .

فصل

قد وجدنا في العالم حجرا يجذب الحديد إلى نفسه فلم يجب اتباع من يجذب الشجر إلى نفسه ?

و قد ذكرنا من قبل أنهم كثيرا ما يوردون السؤال علينا و يقولون قد وجدنا في العالم حجرا يجذب الحديد إلى نفسه فلم يجب اتباع من يجذب الشجر إلى نفسه كذلك إذ لا نأمن أن يكون معه شي‏ء مما يفعل به ذلك .

و يؤكدون قولهم بأن المقرين لمعجزات الرسل لم يمحنوا قوى الخلق و لم

[1042]

يعرفوا نهايتها و لم يقفوا على طبائع العالم و كيف يستعان بها على الأفعال و لم يحيطوا علما بأكثرهم و لم يأتوهم في مظانهم و لا امتحنوا قواهم و مبالغ حيلهم و مخرقة أصحاب الخفة و أشكالهم .

الجواب عنه أن يقال قد لزم النفس العلم لزوما لا يقدر على دفعه بأن ما ذكروا ليس في العالم كما لزمها العلم بأن ليس في العالم حجر إذا أمسكه الإنسان عاش أبدا و إذا وضعه على الموات عاد حيوانا و إذا وضعه على العين العمياء عادت صحيحة و لا فيه ما يرد الرجل المقطوعة و لا ما به يزال الزمانة الحالة و لا فيه شي‏ء يجذب به الشمس و القم من أماكنهما .

فلما لزم النفس علم ما ذكرناه كذلك لزم العلم للنفس بأن ليس في العالم حجر يجذب الشجر من أماكنها و يشق به البحور و يحيي به الأموات .

و أيضا فإن حجر المغناطيس لما كان موجودا في العالم طلبه ذوو الحاجة إليه حتى قدروا عليه لما فيه من الأعجوبة و خاصة أمره و لإرادة التكسب به و استخراج نصل السهم من البدن .

فلو كان فيه حجر أو شي‏ء مثله يجذب الشجر فإنه كان أعز من حجر المغناطيس و كان سبيله سبيل الجواهر في عزها لا يخفى على من في العالم .

و هيئتها كالجوهر الذي يقال له الكبريت الأحمر و لعزته ضرب به المثل فقيل أز من الكبريت الأحمر و كانت الملوك أقدر على هذا الحجر كما هم أقدر على ما عز من الأدوية و السموم و غيرها من الأشياء العزيزة .

[1043]

فلما لم يكن لهذا أثر عندهم و لا خبر لكونه بطل أن يكون له كون و وجود و لو كان فكيف قدر الرسل و أوصياؤهم عليه مع فقرهم و عجزهم في الدنيا و ما فيها و يكون معروف المنشأ و لم يغب عنهم طويلا .

back page fehrest page