بسم الله الرحمن الرحيم
مؤلف هذا الكتاب هو العالم
الفقيه المحدث الكبير الشيخ يوسف ابن العلامة الحجة الشيخ أحمد الدرازي البحراني.
ولد في البحرين سنة 1107 هـ في
قرية ماحوز، ونشأ تحت رعاية والده الكريم، وتصدى والده لتدريسه و تهذيبه حتى أتقن
القراءة والكتابة، ثم هاجر مع والده الى القطيف و درس العلوم العربية والفنون
الادبية هناك.
وبعد وفاة و الده ـ في سنة
1131 هـ ـ بسنتين عاد الى البحرين
و بقي فيها يواصل دراسته عند
المشايخ والعلماء هناك...ثم عاد الى القطيف و قرأ الحديث عند العلامة الشيخ حسين
الماحوزي، حتى زوده بالاجازة في الرواية فرجع الى البحرين.
وحدثت اضطرابات داخلية في
البحرين اضطر المؤلف أن يغادر بلاده و
يُهاجر الى ايران، ليواصل مسيرته العلمية هناك، واستقر به المقام في شيراز،
حيث تفرغ للارشاد والتدريس و التأليف واقامة صلاة الجماعة.
وفي عام 1163 هـ قامت ثورة
في شيراز بقيادة الطاغية (بغم دارخان) فقُتل حاكم شيراز، وتعرضت دار المؤلف للهجوم
من قبل المعتدين الثوار، ونُهبت مجموعة من كتبه ومؤلفاته وكاد أن يُقتل على يد
اولئك الطغاة، لولا أن نجّاه الله تعالى فهاجر الى مدينة اصطهبانات، ليواصل مسيرته
العلمية هناك.
وأخيراً.. قرر الهجرة من
ايران الى العراق، فاختار مدينة كربلاء المقدسة مسكناً له، وكانت كربلاء مركزاً
للعلم والفقهاء وكعبة للفضيلة والادب ومجمعاً للمجتهدين والعلماء وعلى رأسهم:
الفقيه الكبير الوحيد البهبهاني(رضوان الله عليه).
وهناك في كربلاء المقدسة راح
يزاول أعماله الفقهية من تدريس وتأليف وأجوبة على المسائل الدينية، وفيها كتب أكثر
مؤلفاته التي ناهزت الخمسين.
ومن مؤلفاته: كتاب الكشكول،
وهو الكتاب الذي بين يديك.. وهو كتاب رائع يجمع بين الفقه والحديث والادب والشعر
والتاريخ وغير ذلك، وجدير بأهل العلم
والمعرفة
أن ينهلوا من هذا المنهل العذب.
ولم يزل(رضوان الله عليه) في
كربلاء المقدسة مشتغلاً بالتدريس والتأليف زهاء عشرين سنة، حتى فارق الحياة يوم
السبت بتاريخ 4 ربيع الاول سنة 1186 هـ فشيّع جثمانه تشييعاً ضخماً، ودفن في حرم
سيد الشهداء الامام الحسين((عليه السلام)) فرحمة
الله عليه وعلى علمائنا الابرار الذين أناروا الطريق و نشروا العلم والمعرفة بين
الناس.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شق ليل العدم
بفلق نهار الوجود، واظهر صنعه من خفاء اللبس الى فضاء الأنس والشهود، وابرز عينه
الى عرصة الظهور والجنان بعد ان كان كامناً تحت سرادقات غيب الامكان، دلع لسان
صباح وجوده بنطق تبلجه و سرح قطع ليل عدمه بغياهب تلجلجه و ششع ضياء شمس ابداعه
بنور تأججه واتقن صنع فلك تكوينه في مقادير تبرجه، والصلاة على نبيه الهادي اليه
بعد ما وقب غاسق الجهالة والدليل عليه بعد ما احتجب وجه الهدي بظلم الضلالة محمد
وآله الراكبين على متون العز والأيالة والسابقين في مضامير الفخر والبسالة.
(اما بعد) فيقول الفقير الى
جود ربه الكريم يوسف بن أحمد بن ابراهيم الدرازي البحراني (ملكه الله نواصي
الأماني وذلل له شوامس المعاني) : غير خفي على ذوي الأفهام الوقادة والأذهان
النقادة والعقول السليمة والطباع القويمة ان الانسان في هذه الدار لما كان غرضا
للهموم والاكدار وهدفا للغموم والآصار سيما عند امتطاء مطايا الأسفار وارتكاب مشقة
الغربة في الأمصار، وعند عروضها يتوزع منه البال ويعتريه الضجر والملال و تعتوره
ايدي السآمة والاختلال فلربما منعه ذلك من مطالعة العلوم الدينية والاقتطاف من
لذيذ ثمارها الجنية بل التقلب في جملة اموره الضرورية فيضطر الى ترطيب الدماغ
بلطائف المدعبات وترويح الروح بطرائف المطايبات من ايراد النكت الفائقة والنوادر
الرائقة اراحة لتلك الافكار المعتلة وتنشيطاً لتلك القلوب المختلة لما روي عن
الامام الصادق الصادع بالحكمة والناطق الذي بنور علمه انكشف دياجير الظلمة: «ان
الارواح تكل كما تكل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة» وعن جده سيد الساجدين
ومصباح المتهجدين: سلام من الرحمن نحو جنابهم فان سلامي لا يليق ببابهم «ان القلوب
اقبالا وادباراً فاذا اقبلت فاقبلوا على النوافل واذا ادبرت فدعوها» وما روي عن
ابن عباس (رض) انه كان اذا فرغ من التدريس ورواية الأحاديث يقول لتلاميذه: حمضونا
حمضونا، فيخوضون عند ذلك في الاشعار والطرائف والاخبار. وهذا الأمر وان كان قد
يحصل بالاجتماع باخوان الصفا من اولي الألباب وخلان الوفا من الاحباب الا انهم في
مثل هذا الزمان الخوان لايدخلون في حيز الوجود بل ولا في حيز الامكان، فرأيت ان
اصنع كتابا متضمنا لطرائف الحكم والأشعار مشتملا على نوادر القصص والآثام قد حاز جملة من الأحاديث المعصومية
والمسائل العلمية والنكات الغريبة والطرائف العجيبة يروح الخاطر عند الملال ويشحذ
الذهن عند الكلال جليس انيس يأمن الناس شره يذكر انواع المكارم والنهى ويأمر
بالاحسان والبر والتقى و ينهى عن الطغيان والشر والأذى.
وقد
وسمته بعد الاتمام بتوفيق الملك العلام وبركة اهل الذكر عليهم الف صلاة وسلام بـ
(أنيس المسافر وجليس الخاطر) حيث ان المسافر مع الوحدة يحتاج الى الأنيس والخاطر
مع فقد المسامر يضطر الى الجليس.
ولعمري لا جليس ولا انيس
احسن من الكتاب لا امين ولا معين اعود نفعاً منه في هذا الباب
ولا سيما في زماننا هذا الذي قد التبست فيه الاصحاب بالذباب وتبدلت فيه الأحباب
بالكلاب، وحاشا الكلاب والذئاب مما عليه اولئك الأحباب والأصحاب من قبح البواطن
والسرائر والاظهار لخلاف ما اضمرت عليه الضمائر. قال المسعودي قالت الحكماء:
الكتاب نعم الجليس والقعيد ان شئت ألهتك نوادره وان شئت اشجتك مواعظه وان شئت
تعجبت من فوائده، وهو يجمع لك الاول
والآخر والناقص والوافر والشاهد والغائب والبادي والحاضر والشكل وخلافه والحسن
وضده، وهو ميت ينطق عن الموتى ويترجم عن الاحياء، وهو مونس ينشط بنشاطك وينام
بنومك ولا ينطق الا بما تهواه، ولا تعلم جاراً ولا خليطا ولا رفيقا اطوع ولا معلما
اجمع ولا صاحبا اظهر كفاية ولا اقل جناية ولا آبد نفعا ولا احمد اخلاقا ولا اروم
سروراً ولا اسكت غيبة ولا اعجل مكافأة ولا اخف مؤنة، ان نظرت فيه اطال امتاعك وشحذ
طباعك وايد فهمك واكثر علمك، وتعرف منه في شهر ما لا تأخذه من افواه الرجال الا في دهر، ويغنيك عن كد الطلب والخضوع فمن اثبت منه اصلا
واشمخ منه فرعا؟ وهو المعلم الذي لا يجفوك وان قطعت عنه المادة لم يقطع عنك
الفائدة، وهو الذي يصحبك في السفر كصحبته لك في الحضر. فقد كان عبدالله بن
عبدالعزيز بن عبدالله بن عمر لا
يجالس الناس ونزل مقبرة وكان لا يرى الا في يده كتاب يقرأه فسئل عن ذلك فقال: لم
أر واعظا اوعظ من قبر ولا ممتعا امتع من
كتاب و لا شيء اسلم من الوحدة. وقال بعضهم فيمن يجمع الكتب ولا يعمل بما
فيها:
(فائدة) روى
ثقة الاسلام في الكافي عن معمر بن خلاد قال: سألت ابا الحسن((عليه السلام)) فقلت: جعلت فداك الرجل يكون مع القوم
فيجري بينهم الكلام يمزحون ويضحكون ؟ فقال لا بأس ما لم يكن، فظننت انه عنى الفحش
ثم قال: ان رسول الله((صلى الله عليه وآله)) كان
يأتيه الاعرابي فيهديه الهدية ثم يقول مكانه: اعطنا ثمن هديتنا، فيضحك رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وكان اذا اغتم يقول: ما فعل
الاعرابي ليته اتانا. وروي فيه عن ابي عبدالله((عليه
السلام)) قال: ما من مؤمن الا و فيه دعابة، قلت: و ما الدعابة؟ قال:
المزاج. و روي فيه عن يونس الشيباني قال: أبو عبداللّه((عليه
السلام)): كيف مداعبة بعضكم بعضاً؟ قلت: قليل، قال: فلا تفعلوا فان
المداعبة من حسن الخلق وانك لتدخل بها السرور على اخيك ولقد كان رسول الله((صلى الله عليه وآله)) يداعب الرجل يريد ان يسره. قال
بعض شراح الحديث: قوله((عليه السلام)): «فلا
تفعلوا» اي فلا تفعلوا ما تفعلون من قلة المداعبة بل كونوا على حد الوسط فيها لما
يأتي من ذم كثرتها.
(اقول) والأظهر حمل قوله((عليه السلام)): فلا تفعلوا على الاستفهام بحذف همزته
كما يعطيه التعليل بعده. وروى الصدوق عطر الله مرقده في كتاب معاني الأخبار عن
الصادق((عليه السلام)) قال: المرؤة مرؤتان مرؤة
الحضر ومرؤة السفر فأما مرؤة الحضر فتلاوة القرآن وحضور المساجد وصحبة اهل الخير
والنظر في الفقه، واما مرؤة السفر فبذل الزاد والمزاح في غير ما يسخط الله وقلة
الخلاف على من صحبك وترك الرواية عليهم اذا أنت فارقتهم.
(هذا) وقد روي في ذم المزاح
أيضا اخبار عنهم((عليهم السلام)) منها ما رواه في
الكافي عن الصادق((عليه السلام)) انه قال: اياكم
والمزاح فانه يذهب بماء الوجه. ويمكن الجمع بين هذا الخبر وما بمعناه و بين
الأخبار المتقدمة إما بحمل اخبار النهي على ما اذا تضمن فحشا كما دل عليه الخبر
الأخير وهو الظاهر من الأول ايضا، ويدل عليه أيضا ما روي عن الباقر((عليه السلام)) قال: « ان الله يحب المداعب في الجماعة
بلا رفث» او على ما كثر منه كما روي عن احدهما قال: «كثرة المزاح تذهب بماء الوجه»
ولقد اجاد من قال:
او
على ما تضمن استهزاء و سخرية كما يدل عليه ما روي عن امير المؤمنين((عليه السلام)) قال: «اياكم والمزاح فانه يجر السخيمة
ويورث الضغينة وهو السب الأصغر» وحينئذ فتحمل اخبار الجواز و الأمر به على ما عدا
ذلك. ولله در من قال وهو ابو الفتح كما نص عليه الجزائري في اول كتابه:
(ومن هذا)
روي انه ((صلى الله عليه وآله)) كان ذات يوم يأكل
رطباً مع ابن عمه أمير المؤمنين((عليه السلام)) و
كان يضع النوى مما يليي علياً فلما فرغ من الأكل كان النوى كله مجتمعا عند علي
فقال له: يا علي انك لأكول! فقال: يا رسول الله الأكول من يأكل الرطب ونواه. وروي
عنه انه ذات يوم اتته امرأة عجوز من الأنصار فقالت: يا رسول الله ادع الله لي ان
يدخلنيى الجنة، فقال لها: اما علمت ان الجنة لا يدخلها العجائز ؟ فولت المرأة تبكي
فتبسم رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) فقال لها:
اما قرأت قول الله تعالى: (انا انشأناهن انشاء. فجعلناهن ابكاراً. عربا اترابا).
وروي انه اتته امرأة في حاجة لزوجها فقال لها: ومن زوجك ؟ قالت: فلان، قال: الذي
في عينيه بياض؟ فقالت: لا، فقال: بلي، فانصرفت عجلا الى زوجها وجعلت تتأمل في
عينيه. فقال: ما شأنك ؟ فقالت: اخبرني رسول الله ((صلى
الله عليه وآله)) ان في عينيك بياضا، فقال لها: اما ترين بياض عيني اكثر من سوادها. وروي عنه ((صلى
الله عليه وآله)) انه جاء رجل فقال: يا رسول الله احملني على جمل، فقال: لا
احملك الا على ولد الناقة، فقال: لا يطيقني، فقال الناس: ويحك وهل الجمل الا ولد
الناقة؟!. وكان نعيمان الصحابي من اولع الناس بالمزاح وكان بدويا. قيل انه ذكر عند
النبي ((صلى الله عليه وآله)) انه يكثر المزاح
ويضحك فقال: انه يدخل الجنة وهو يضحك. فمن مزح نعيمان انه مر يوما بخزيمة بن نوفل
وهو ضرير، فقال له: قدني ابول، فأخذ بيده حتى اتى به الى المسجد فأجلسه في مؤخره
فصاح الناس به: انك في المسجد، فقال: من قادني ؟ قالوا: نعيمان. قال: لله علي ان
اضربه بعصاتي هذه ان وجدته. فبلغ ذلك نعيمان فجاء اليه وقال: يا ابا المسور هل لك
في نعيمان ؟ قال: نعم، قال: ها هو قائم يصلي، وجاء به الى عثمان بن عفان و هو يصلي
فقال: هذا نعيمان، فعلاه بعصاه فصاح الناس به: امير المؤمنين، فقال: من قادني؟
قالوا: نعيمان. فقال: والله لا تعرضت له بسوء ابداً. وحكى عطا بن سائب قال: كان
سعيد بن جبير يقص علينا حتى يبكينا وربما ليم يقم حتى يضحكنا. وكان رجل يسمى (تاج
الواعظ) يعظ الناس و يقص عليهم حتى
يبكيهم ثم لم يقم حتى يضحكهم و يبسط
آمالهم. ومن لطائفه انه حكى يوماً بعد فراغه من وعظ فقال: سمعت الناس يتكلمون في
التصحيف وكنت لا اعرفه فوقع في قلبي ان اتعلمه فدخلت سوق الكتابين واشتريت كتابا
في التصحيف فمن اول ما تصفحته وجدت
فيه سكباج نيك تاج فرميت الكتاب من يدي وحلفت ان لا اشتغل به، فضحك الناس من قوله
حتى غشي عليهم.
اول ما خلق الله: القلم. اول
جبل وضع على وجه الأرض: ابوقبيس. أول مسجد وضع: المسجد الحرام. أول ولد ولد لآدم:
قابيل. اول من خط وخاط: ادريس. اول من اختتن، وضاف الضيف: ابراهيم. اول من دخل
الحمام: سليمان. اول من طبخ الآجر: هامان. اول من سيب السوائب: عمرو بن يحيى. اول
من سن الدية من الابل: عبدالمطلب. اول من قطع في السرقة في الجاهلية، وقضى
بالقسامة، وخلع نعليه عند دخول الكعبة: الوليد بن المغيرة. اول عربي قسم للذكر مثل
حظ الانثيين: عامر بن خيثم. أول ما نزل من القرآن (اقرأ
باسم ربك). اول اية نزلت في القتال (أذن للذين يقاتلون).
اول من اسلم: علي بن أبي طالب((عليه السلام)). اول
من هاجر الى الحبشة: خاطب بن عمرو، وإلى المدينة: مصعب بن عمير، و من النساء: ام
كلثوم بنت عقبة. اول من أذن: بلال. اول من بني مسجداً في الاسلام: عمار. اول شهيد
في الاسلام: سمية. اول ظهار كان في الاسلام: ظهار اويس بن صامت من المجادلة. اول
خلع كان في الاسلام: حبيبة بنت سهل بن ثابت بن قيس. أول لعان كان في الإسلام: لعان
هلال ابن امية مع زوجته. اول مرجوم كان في الإسلام: ماعز. اول من أوصى بثلث ماله:
البراء بن معرور. اول من دفن بالبقيع: عثمان بن مظعون. أول من وضع النحو:
ابوالأسود الدؤلي، أخذه عن امير المؤمنين((عليه السلام)).
اول من نقط المصاحف: يحيى ابن معمر. اول ما يرفع من الناس: الخشوع. اول ما تفقدون
من دينكم: الامانة. اول الايات: طلوع الشمس من مغربها.
(روى الصدوق (رض) في كتاب الأمالي)
عن النبي((صلى الله عليه وآله)): أنه قال: «ان
موسى((عليه السلام)) سأل ربه عزوجل ان يعرفه بدء
الدنيا: منذ كم خلقت؟ فأوحى الله اليه أتسألني عن غوامض علمي ؟ فقال يا رب: أحب أن
أعلم ذلك. فقال: يا موسى خلقتها منذ مئة الف الف عام عشر مرات، وكانت خرابا
خمسين الف عام. ثم بدأت في عمارتها،
فعمرتها: خمسين الف عام. ثم خلقت
فيها خلقا على مثل البقر يأكلون رزقي، ويعبدون غيرى: خمسين الف عام، ثم أمتهم كلهم في ساعة واحدة.
ثم خربت الدنيا خمسين الف عام. ثم بدأت في عمارتها فمكثت عامرة: خمسين الف عام. ثم خلقت فيها بحراً، فمكث البحر
خمسين الف عام، لا شيء في الدنيا
محتاجا يثرب منه. ثم خلقت دابة و سلطتها على ذلك البحر فشربته بنفس واحد. ثم خلقت
خلقا اصغر من الزنبور واكبر من البق، فسلطت ذلك الخلق على هذه الدابة، فلدغها
فقتلها، فمكثت الدنيا خرابا خمسين الف عام. ثم بدأت في عمارتها فمكثت خمسين الف عام. ثم جعلت الدنيا كلها آجام
القصب، فخلقت السلاحف وسلتها عليها فأكلتها حتى لم يبق منها شيء. ثم اهلكتها في
ساعة واحدة، فمكثت الدنيا خرابا خمسين الف عام. ثم بدأت في عمارتها، فمكثت عامرة
خمسين الف عام. ثم خلقت ثلاثين الف
آدم، وجعلت عمر كل آدم ثلاثين الف
عام. ومن كل آدم الى آدم ثلاثين الف
سنة، فافنيتهم كلهم بقضائى وقدري. ثم خربتها فمكثت خرابا خمسين الف عام. ثم بدأت بعمارتها. ثم خلقت فيها
الف الف مدينة من الفضة البيضاء
وخلقت في كل مدينة مئة الف الف قصر من
الذهب الأحمر فملأت المدن والقصور خردلا الى ان سد الهواء. والخردل يومئذ
الذّ من الشهد وأحلى من العسل وأبيض
من الثلج. ثم خلقت طيراً واحداً
اعمى وجعلت طعامه في كل سنة حبة من الخردل، فأكلها حتى فنيت ثم خربتها، فبقيت
خرابا خمسين الف سنة. ثم بدأت في
عمارتها، فمكثت عامرة خمسين الف
عام. ثم خلقت فيها أباك آدم بيدي يوم الجمعة، وقت الظهر، ولم اخلق من الطين غيره أخرجت من صلبه محمد المصطفى ((صلى الله عليه وآله)).
(اقول) : وروى هذا الحديث
ايضاً صاحب كتاب جامع الأخبار في الكتاب المشاراليه ـ قال بعض الفضلاء(ذيل) هذا
الخبر: وتحته معاني الفاظ هذا الخبر، من لمعان الأسرار وغوامض والغوار، لا نهتدي
الى رموزها ولا يمكننا أن نعثر على كنوزها، وليس لنا منها إلا الاعتراف بالعجز
والقصور. سوى ما يفهم من ظاهرها من
طول امتداد مدد الأزمنة والدهور من جهة بدء العالم، وكثرة أعداد وبني آدم ـ انتهى.
(فائدة) اختلف علماءنا في
تعيين (اسحاق بن عمار) الواقع في الأسانيد واتحاده وتعدده، فالاكثر، ومنهم العلامة
في (الخلاصة) وميرزا محمد في (كتاب الرجال)، والشيخ عبد النبى الجزائري في
(الحاوي) وشيخنا العلامة ابو الحسن في (حواشي الخلاصة) وشيخنا المجلسي (رض عليهم):
على القول بالإتحاد.
وذهب جماعة منهم شيخنا
البهائي في (كتاب مشرق الشمسين )، وتلميذه الشيخ علي بن سليمان في (حواشي كتب
الحديث): الى التعدد، وانهما اثنان: احدهما اسحاق بن عمار بن موسى الساباطي، وهو واقفي. والثاني ـ
اسحاق بن عمار بن حيان إمامي. حتى أن الشيخ علي (قدس) صرح في حواشي الحديث: بانه
متى وردت رواية اسحاق بن عمار عن أبي عبدالله، فهو ابن حيان الثقة الإمامى.
ويظهر منه أن اسحاق بن عمار الساباطي
لم يدرك الصادق((عليه السلام)). وحينئذ فاحتمال
الإشتراك إنما يحصل فيما اذا روى إسحاق بن عمار عن الكاظم((عليه السلام)).
(اقول) والأظهر عندي هو القول بالتعدد. كما هو المستفاد
من التتبع في كتب الرجال والمعلوم
من القرائن و الإمارات الواردة في هذا المجال، والظاهر أن منشأ الشبهة عند من ذهب
إلى الاتحاد، هو كلام العلامة في الخلاصة، حيث أنه جمع بين عبارتي النجاشي
والفهرست على وجه كأنهما عبارة واحدة والعبارتان عند الرجوع الى الكتابين على غاية
من التنافي.
قال النجاشي في كتابه: اسحاق
بن عمار بن حيان، مولى بني تغلب الصيرفي: شيخ من أصحابنا ثقة واخوته: يونس، ويوسف،
وقيس، واسماعيل. وهو في بيت كبير من الشيعة. وابناء اخيه: على بن اسماعيل، وبشر بن
اسماعيل كانا من وجوه من روى الحديث. روى اسحاق عن ابي عبدالله وابي الحسن((عليهم السلام)) انتهى.
وقال في الفهرست: اسحاق بن
عمار الساباطي له أصل، وكان فطحيا إلا أنه ثقة وأصله معتمد عليه ـ انتهى.
والعلامة في الخلاصة جمع بين
أخذه من العبارتين، فقال: اسحاق بن عمار ابن حيان مولى بني تغلب، ابو يعقوب
الصيرفي، كان شيخا في أصحابنا ثقة، روى عن الصادق، و الكاظم((عليهم السلام))، وكان فطحيا، قال الشيخ: إلا أنه ثقة
وأصله معتمد عليه. وكذا قال النجاشي، فالأولى عندي التوقف فيما ينفرد به ـ انتهى.
ومن هذه العبارة سرى الوهم
والإشتباه عند من تأخر عنه ممن لم يحقق الحال ولم يتدبر في قرائن الأحوال. ومما
يدل على التعدد أن المذكور في (جش) اسحاق ابن عمار بن حيان، وانه صيرفي وأن له
اخوة و أبناء أخوة مشاركين له في النسب، والنسبة. والمذكور في (ست) ابن عمار بن
موسى الساباطي، وله اخوة أيضاً متصفون بهذه النسبة، ولم يذكر في ترجمة أحد من ولد
عمار ابن حيان مع تعددهم في كتب الرجال، ورواياتهم للاخبار أنه ساباطي، ولا في احد
من ولد عمار بن موسى أنه صيرفي، مع استقصاء علماء الرجال لذكر الصفات المميزة، ففي
ترجمة قيس من (صه) أنه قيس بن عمار بن حيان، قريب الأمر، وفي ترجمة اسماعيل: أنه
اسمائيل بن عمار بن حيان الصيرفي الكوفي وانه اخو اسحاق، وفي الحديث أن الصادق((عليه السلام)) كان اذا رآهما قال «وقد يجمعهما لاقوام»
يعني الدنيا والآخرة. وفي الكافي في الصحيح عن عمار ابن حيان قال: أخبرت أبا
عبدالله((عليه السلام)) ببرّ اسماعيل ابني بي،
فقال لقد كنت احبه، وقد ازددت له حبّا. وفي ذلك. ما يشهد بجلالتهما.
وفي ترجمة محمد بن اسحاق من (كش) و (صه): محمد بن اسحاق بن عمار ابن
حيان التغلبي الصيرفي: ثقة عين.
وروي في كتاب العلل عن اسحاق
بن عمار قال: دخلت على أبي عبدالله((عليه السلام))
فخبرته أنه ولد لي غلام فقال «ألا سميته محمدا» فقلت قد فعلت فقال «لا تشمته، جعله
اللّه لك قرة عين في حياتك و خلف صدق بعدك» في هذا الحديث لمتضمن لدعاء الامام((عليه السلام)) لمحمد المذكور ما يدفع ما ذهب اليه
ابن بابويه من كونه واقفيا.
وفي ترجمة يونس بن عمار
الصيرفي تغلبي وفي ترجمة يوسف من الخلاصة ابن عمار بن حيان ثقة، وبشر بن اسماعيل
المشار اليه في ترجمة اسحاق بن عمار من (جش)، ولم يذكر له ترجمة في كتب الرجال
لكن وقفت على حديث رواه في (يب) في
باب الزيادات في فقه الحج وفيه: فلقي اسماعيل بن حميد بشر بن اسماعيل بن عمار
الصيرفي، فاخبره، فدخل فسأله عنها، فقال: نعم واجب الحديث. وأنت خبير بان المستفاد
من جميع ذلك كون اسحاق بن عمار المذكور في (جش) من الشيعة الامامية وأن جميع أخوته وابناء أخوته المذكورين كذلك،
وان جهل الامر في بعض ولم يوصف أحد منهم بالفطحية ولا بكونه ساباطيا بخلاف عمار بن
موسى الساباطي فانه حيث يذكر هو أو احد من ولده وأخوته يوصف بذلك، ففي عبارة
(الفهرست) في اسحاق ما عرفت، وفي ترجمة عمار أنه ابن موسى الساباطي اخو عمار
الساباطي ثقة وفي ترجمة اخيه صباح من (صه) انه ابن موسى الساباطى أخو صباح
الساباطي ثقة، وفي حواشي شيخنا الشهيد الثاني على (صه): ولم يكن فطحيا كاخيه عمار.
اذا عرفت ذلك فاعلم انه في
عدة من الاخبار وصف عمار بكونه صيرفيا، ففي باب اخراج القيمة في زكاة الفطرة من
الاستبصار رواية اسحاق بن عمار الصيرفي عن ابي عبدالله((عليه السلام)) والواجب النظر الى ما ذكرنا حمله على
المذكور في (جش) فيكون حديثه صحيحا وصاحب المدارك عده في الموثق بناء على حكمه
بالاتحاد في باب من افتى المحرم بتقليم الظفر فأدماه فعليه شاة: زكريا المؤمن عن
اسحاق بن عمار الصيرفي قال: قلت لأبي عبدالله((عليه
السلام)) الحديث. ومما ورد، دالا على روايته عن الكاظم((عليه السلام)) ما رواه في كتاب (ثواب الاعمال) عن محمد
بن سليمان الديلمي عن ابيه سليمان الديلمى عن اسحاق بن عمار الصيرفي عن ابي الحسن الماضي((عليه السلام)) وفي باب الصرف من كتب الاخبار روايات عن اسحاق بن عمار
عنه((عليه السلام)) والواجب حمله على ابن حيان
المذكور في (جش) فتكون احاديثه مع السلامة عن مطعون فيه صحيحة. وفي حاشية (كتاب
الرجال الصغير) ما يدل على عدول (المصنف) الى القول بالتعدد، حيث قال: والظاهر
من التتبع: ان اسحاق ابن عمار
اثنان: ابن عمار بن حيان الكوفي، وهو المذكور في (جش) واسحاق بن عمار بن موسى
الساباطي وهو المذكور في (ست) وإن الثاني فطحي دون الاول ـ انتهى.
قال: كنت أساير معتمد الدولة
(ابا المنيع قرواش) بن المقلد ما بين سنجار ونصيبين، فنزلنا ثم استدعاني بعد
الزوال وقد نزل بقصر هناك يعرف بقصر العباس ابن عمرو الغنوي وكان مطلا على
بساتين ومياه كثيرة، فدخلت عليه،
فوجدته قائما يتأمل كتابة على الحائط فقرأتها فاذا هي:
وتحتها
مكتوب (كتبه علي بن عبدالله بن حمدان بخطه في سنة احدى وثلاثين وثلثمائة) وهذا الكاتب هو سيف الدولة بن حمدان ممدوح
المتنبي. وقال الرواي وكان تحت ذلك مكتوب:
وتحته
مكتوب (وكتبه الغضنفر بن الحسن بن علي بن حمدان بخطه في سنة اثنين وستين
وثلاثمائة) وهذا الكاتب هو عدة الدولة بن ناصر الدولة، الحسن اخو سيف الدولة وتحت
ذلك ايضا مكتوب:
وتحته
مكتوب (وكتبه المقلد بن المسيب بن
رافع بخطه سنة 388) وهذا الكاتب هو ابو حسان المقلد بن حسام الدولة المسيب العقيلي
صاحب الموصل و تحت ذلك مكتوب:
وتحته
مكتوب (وكتبه قرواش بن المقلد بن المسيب بخطه في سنة احدى واربعمائة) قال الراوي: فتعجبت
من ذلك وقلت لقرواش الساعة كتبت هذا ؟
قال:
نعم، وقد هممت بهدم هذا القصر فانه مشوم قد دفن الجماعة فدعوت له بالسلامة
وانصرفنا ولم يهدم القصر.
وبين
ما كتبه سيف الدولة وما كتبه قرواش سبعون سنة، ذكر ذلك ابن خلكان في تاريخه (وفيات
الاعيان).
حكى بعض الثقات قال اجتزت في
بعض أسفاري بحيى بني عذرة، فنزلت في بيت من بيوته فرأيت جارية قد ألبست من الجمال
حلة الكمال، فاعجبني حسنها وجمالها وكلامها فخرجت في بعض الايام أدور في الحي،
واذا انا بشاب حسن الوجه عليه أثر الوجد، اضعف من الهلال وانحف من الخلال، وهو
يوقد ناراً تحت قدر ويردد أبيات ودموعه تجري على خديه فمما حفظت منه قوله:
فسألت
عن الشاب وشأنه، فقيل: هوى الجارية التي أنت نازل في بيت أبيها، وهي محتجبة عنه
منذ أعوام، فرجعت الى البيت، وذكرت لها ما رأيت، فقالت: ذاك ابن عمي، فقلت يا هذه
إن للضيف لحرمة، فنشدتك الله إلا ما متعته بالنظر اليك في يومك هذا، فقالت صلاح
حاله أن لا يراني، فحسبت أن امتناعها فتنة فما زلت اقسم عليها حتى أظهرت القبول،
وهي مكرهة، فلما قبلت مني قلت لها: انجزي وعدك، فداك ابي وأمي، فقالت: تقدمني فإني
ناهضة في أثرك فأسرعت نحو الغلام وقلت أبشر بحضور من تريد فانها مقبلة نحوك الآن.
فبينما أنا اتكلم معه إذ خرجت من خباها مقبلة تجر أذيالها، وقد أثارت الريح غبار
أقدامها حتى ستر الغبار شخصها، فقلت للشاب: هذه قد اقبلت، فلما نظر الى الغبار سقط
وخر على النار على وجهه، فما أقعدته إلا وقد أخذت النار من صدره ووجهه، فرجعت
الجارية وهي تقول: من لا يطيق مشاهدة غبارها كيف يطيق مطالعة جمالها.
(اقول)
وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجباعي(ره) قال الشيخ محمد بن مكي (ره): وجدت بخط
جمال الدين ابن المطهر وجدت بخط والدي (ره) قال: وجدت رقعة مكتوب عليها بخط عتيق
ما صورته (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أخبرنا به الشيخ الأجل العالم عز الدين
أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي، املاء من لفظه عند نزوله بالحلة
السيفية، وقد وردها حاجا سنة اربع وسبعين وخمسمائة) ورأيته يلتفت يمنة ويسرة
فسألته عن سبب ذلك فقال: إني لأعلم أن لمدينتكم هذه فضلا جزيلا، قلت: وما هو؟ قال:
أخبرني عن أبيه عن جعفر بن محمد بن قولويه عن الكليني قال: حدثنا علي بن ابراهيم
أبي عن أبيه عن ابن ابي عمير عن أبي حمزة الثمالي عن اصبغ بن نباتة، قال: سمعت
أمير المؤمنين((عليه السلام)) عند وروده الى صفين،
وقد وقف على تل عرير اثم أومى الى اجمة ما بين بابل والتل، وقال (مدينة وأي مدينة) فقلت
له: يا مولاي أراك تذكر مدينة أهنا كان مدينة وانمحت اثارها؟ فقال (لا وستكون
مدينة يقال لها الحلة السيفية يمدنها رجل من بني أسد يظهر بها قوم أخيار لو اقسم
احدهم على الله لأبر قسمه). (بيان) عرير : بالمهملتين أي صفرد قال في القاموس
العرير الغريب في القوم أو بالمعجمتين أي منيع رفيع، والحلة بالكسر بلدة معروفة، ووصفها
بالسيفية، لانها بناها سيف الدولة.
حديث شريف و خبر لطيف: روى
الديلمي (قده) في كتابه عن جابر بن عبدالله الانصاري، وعبدالله بن عباس، قال: كنا
جلوسا عند ابي بكر في ولايته وقد آضى النهار، واذا بخالد بن الوليد المخزومي قد
وافي في جيش قام غباره، وكثر صواهل خيله، واذا بقطب رحى ملوي في عنقه، قد فتل
فتيلا فاقبل حتى نزل عن فرسه، ودخل المسجد، ووقف بين يدي ابي بكر، فرمقه الناس
باعينهم، فهالهم منظره ثم قال: إعدل يا ابن ابي قحافة حيث جعلك الناس في هذا
الموضع الذي لست له بأهل وما ارتفعت الى هذا المكان الا كما يرتفع الطافي من
السمك على الماء، وانما يطغو ويعلو حين لا حراك به، ما لك ولسياسة الجيوش وتقديم العساكر، وأنت حيث
أنت من لين الحسب ونقص النسب، وضعف القوى وقلة التحصيل، لا تحمي ذماراً ولا تضرم
ناراً، فلا جزى الله أخا ثقيف، وولد صهاك خيراً إني رجعت منكفيا من الطائف الى جده
في طلب المرتدين، فرأيت علي بن أبي طالب ومعه رهط عتاة من الذين شرزت حماليق أعينهم من حسدك وبدرت
حنقا عليك، وقرمت آماقهم بمكانك منهم أبن ياسر، والمقداد، وابن جنادة أخو غفار،
وابن العوام، وغلامان أعرف احدهما بوجهه وغلام أسمر لعله من ولد عقيل أخيه فتبين
لي المنكر في وجوههم والحسد في احمر اراعينهم، وقد توشح علي بدرع رسول الله((صلى الله عليه وآله)) ولبس رداءه. السحاب، ولقد أسرج له
دابته العقاب، وقد نزل على عين ماء اسمها روية، فلما رآنى اشمأز وبرز وأطرق موحشا
يقبض على لحيته، فبادرته بالسلام استكفاء لشره واتقاء وحشته، واستغنمت سعة المناخ،
وسهولة المنزل، فنزلت ومن معي، بحيث نزلوا اتقاء مراوغته فبدأني ابن ياسر بقبيح
لفظه، ومحض عداوته، فقر عني هزءاً بما تقدمت به الي بسوء رأيك، فالتفت الي اصلع
الرأس وقد ازدحم الكلام في حلقه. كهمهمة الأسد او قعقعة الرعد، فقال لي بغضب منه:
(أو كنت فاعلا يا أبا سليمان) فقلت أي والله لو أقام على رأيه لضربت الذي فيه
عيناك فأغضبه قولي إذ صدقته وأخرجه الي طبعه الذي أعرفه به عند الغضب، فقال: (يا
ابن اللخناء أمثلك من يقدم على مثلي
أو يجسر أو يدير اسمي في لهواته التي لا عهد لها بكلمة حكمة، ويلك إني لست من
قتلاك، ولا من قتلي صاحبك، وإني لأعرف بمنيتي منك بنفسك) ثم ضرب بيده الى ترقوني
فنكسني عن فرسي وجعل يسوقني دعا الى رحى للحارث بن كلدة الثقفي، فعمد الى القطب الغليظ، فمد عنقي بكلتي يديه
وأداره في عنقي ينفتل له كالعكك المسخن، وأصحابي هولاء وقوف ما أغنوا عني شرته،
فلا جزاهم الله عني خيراً، فانهم لما نظروا اليه كأنهم نظروا الى ملك موتهم،
فوالذي رفع السماء بلا اعماد، لقد اجتمع على فك هذا القطب مائه رجل أو يزيدون
من اشد العرب فما قدروا على فك دور،
فدلني عجز الناس عن فكه أنه سحر منه أو قوة الف ملك قد ركبت فيه، ففكه الآن عني إن
كنت فاكه، وخذ لي بحقي إن كنت آخذه، والا لحقت بدار عزي، ومستقر مكرمتي قد البسني
ابن ابي طالب من العار ما صرت به ضحكة لاهل الديار.
فالتفت ابو بكر الى عمر،
وقال: ما ترى الى ما يخرج من هذا الرجل كان ولايتي ثقل على كاهله أو شجى في صدره،
فالتفت اليه عمر، فقال: فيه دعابة لا يدعها حتى تورده، فلا تصدره، وجهل، وحسد قد
استحكما في خلده، فجريا منه مجرى الدم، لا يدعانه حتى يهينا منزلته، ويورطاه ورطة
الهلكة. ثم قال ابوبكر لمن بحضرته ادعوا لي سياف النبي((صلى
الله عليه وآله)) ، وكان (قيس بن سعد بن عبادة الانصاري) فليس لفك هذا
القطب غيره، قال: وكان قيس رجلا طويلا طوله ثمانية عشر شبراً في عرض خمسة اشبار،
وكان أشد الناس في زمانه بعد امير المؤمنين((عليه السلام))
فحضر قيس، فقال له: يا قيس إنك من شدة البدن بحيث أنت، ففك هذا القطب من عنق أخيك
خالد، فقال قيس: ولم لا يفكه خالد من عنقه؟ قال لا يقدر عليه. قال: فما لا يقدر
عليه أبو سليمان وهو نجم عسكركم، وسيفكم على أعدائكم، فكيف أقدر عليه أنا. قال
عمر: دعنا من هزئك وهزلك. وخذ فيما أحضرت له، فقال أحضرت لمسألة تسألونها طوعا او
كرهاً تجبروني عليه، فقال له إن كان طوعا، وإلا فكرها، قال قيس يا ابن صهاك، خذل
الله من يكرهه مثلك إن بطنك لعظيمة، وان كرشك لكبيرة، فلو فعلت أنت ذلك ما كان منك
بعجب، فخجل عمر من كلام قيس، وجعل ينكت أسنانه بانامله، فقال أبوبكر: وما بدلك منه
أقصد لما سئلت، فقال قيس: والله لو أقدر على ذلك لما فعلت، فدونكم وحدادي المدينة،
لانهم أقدر على ذلك مني، فأتوا بجماعة من الحدادين، فقالوا لا ينفتح حتى تحميه
بالنار، فالتفت أبو بكر إلى قيس مغضبا، فقال: والله ما بك من ضعف عن فكه، ولكنك لا
تفعل فعلا يعيب عليك فيه امامك وحبيبك ابو الحسن، وليس هذا بأعجب من ان اباك رام
الخلافة ليبغي الاسلام عوجا فحصد الله شوكته واذهب نخوته وأعز الأسلام بوليه وأقام
دينه بأهل طاعته، وأنت الآن في حال قيد وشقاق. قال: فاستشاط قيس غضبا وامتلأ غيضا.
فقال يا ابن أبي قحافة ان لك عندي جواباً حمياً بلسان طلق وقلب جريء ولولا البيعة
التي لك في عنقي لسمعته مني، والله لئن بايعتك يدي لم يبايعك قلبي، ولا لساني ولا
حجة لي في علي بعد يوم الغدير، و لا كانت بيعتي لك إلا «كالتي نقضت غزلها من بعد
قوة انكاثا» أقول قولي هذا غير هائب منك ولا خائف من معرتك، ولو سمعت هذا القول
منك بداءة،لما فتح لك مني صلاح إن كان أبي رام الخلافة، فحقيق يرومها بعد من
ذكرته، لانه رجل لا يقعقع بالشنان، ولا يغمز حاجبه كغمز التيه، ضخم صنديد، وسمك
منيف، وعز باذخ أشوس، فقام بخلافك والله ايها النعجة العرجاء، والديك النافش، لا
عز صميم، ولا حسب كريم، وايم الله لئن عاودتني في أبي لألجمنك بلجام من القول يمج
فوك منه دما دعنا نخوض في عمايتك، ونتردى من غوايتك على معرفة منا بترك الحق
واتباع الباطل. واما قولك إن علياً إمامي،
ما أنكر امامته، و لا أعدل عن ولايته، و كيف أنقض، و قد أعطيت اللّه عهداً بامامته
وولايته يسألني عنه، فانا إن الق الله بنقض بيعتك أحب إلي من أن انقض عهد الله
ورسوله وعهد وليه ووصيه وخليله. وما انت الا امير قومك إن شاؤا تركوك وإن شاؤا
عزلوك فتب الى الله فيما اجترمته وتنصل اليه فيما ارتكبته، وسلم الأمر الى من هو
أولى منك من نفسك، فقد ركبت عظيما
بولايتك دونه وجلوسك في موضعه، وتسميتك باسمه، وكأنك بالقليل من دنياك وقد انقشع
عنك كما ينقشع السحاب، وتعلم أي الفريقين شر مكاناً وأضعف جنداً.
واما تعييرك إياي بانه مولاي
فهو ـ والله ـ مولاي ومولاك ومولى المؤمنين أجمعين، آه آه إن لي بثبات قدم أو تمكن
وطأة حتى الفظك لفظ المنجنيق الحجر، ولعل ذلك يكون قريباً، ويكتفي بالعيان عن
الخبر، ثم قام ونفض اثوابه ومضى.
وندم أبو بكر عما أسرع اليه
من القول الى قيس، وجعل خالد يدور في المدينة والقطب في عنقه أياماً. ثم اتى آت
إلى ابي بكر، فقال له: قد وافى علي بن ابي طالب الساعة من سفره، وقد عرق
جبينه واحمر وجهه، فأنفذ اليه ابو بكر الأقرع بن سراقة الباهلي والأشوس بن الاشجع
الثقفي يسألانه المضي الى ابي بكر في مسجد رسول الله ((صلى
الله عليه وآله)) فاتياه وقالا له: يا أبا الحسن أبا بكر يدعوك لأمر قد
احزنه وهو يسألك أن تصير اليه في مسجد رسول الله((صلى
الله عليه وآله)) فلم يجبهما فقالا: يا أبا الحسن ما ترد علينا فيما جئناك
له؟ فقال: بئس ـ والله ـ الأدب ادبكم اليس يجب على القادم أن لا يصير الى الناس في
إجابتهم إلا بعد دخوله منزله، فان كان لكم حاجة فاطلعوني عليها في منزلي حتى أقضيها
إن كانت ممكنة إنشاء الله تعالى، فصار الى أبي بكر فأعلماه بذلك، فقال أبو بكر:
قوموا بنا اليه.
ومضى الجميع باسرهم الى
منزله فوجدوا الحسين((عليه السلام)) على الباب
يقلب سيفاً ليبتاعه، فقال له أبو بكر: يا أبا عبدالله إن رأيت أن تستأذن لنا على
أبيك. قال: نعم. ثم استأذن للجماعة، فدخلوا، ومعهم خالد بن الوليد فبدا به الجمع
بالسلام، فرد عليهم مثل ذلك فلما نظر الى خالد قال: نعمت صباحا يا أبا سليمان نعم
القلادة قلادتك، فقال ـ والله ـ يا علي لا نجوت مني إن ساعدني الأجل، فقال له علي((عليه السلام)): أف لك يا ابن دميمة إنك ـ ومن فلق الحبة
و برىء النسمة ـ عندي لأهون، وما روحك في يدي لو أشاء إلا كذبابة وقعت على ادام
حار، فطفقت منه، فاعن عن نفسك غناها، ودعنا حكماء علماء، والا لألحقنك بمن أنت احق
بالقتل منه، ودع عنك يا ابا سليمان ما قد مضى. وحذ فيما بقي، والله ما تجرعت من الجرار المختمة إلا علقمها والله لقد
رأيت منيتي ومنيتك، وروحي وروحك، فروحي في الجنة وروحك في النار.
قال: وحجز الجميع بينهما
وسألوه قطع الكلام، فقال ابو بكر لعلي((عليه السلام))
: انا ما جئناك لما تفاوض فيه، وانما حضرنا لغيره وأنت لم تزل يا أبا الحسن مقيما
على خلافي، والاجتراء على اصحابي، وقد تركناك، فاتركنا ولا تردنا فيرد عليك منا ما
يوحشك ويزيدك سوء على سوءتك فقال له علي((عليه السلام))
: لقد اوحشني الله منك ومن جمعك وانس بي كل مستوحش. واما ابن الوليد الخاسر فاني
أقص عليك نبأه إنه لما رآى تكاثف جنوده وكثرة جمعه زها في نفسه فاراد الوضع مني في
موضع رفع، ومحل ذي جمع ليصول بذلك عند أهل الجمع، فوضعت منه عندما خطر بباله وهمّ
بي، وهو عارف بي حق معرفته وما كان الله ليرضى بفعله، فقال له ابو بكر: فتضيف هذا
إلى تقاعدك عن نصرة الاسلام وقلة رغبتك في الجهاد افبهذا أمرك الله و رسوله ام عن
نفسك تفعل هذا؟ فقال له علي((عليه السلام)) : يا
ابا بكر أو على مثلي يتنكر الجاهلون ان رسول الله((صلى
الله عليه وآله)) امركم ببيعتي وفرض عليكم طاعتي وجعلني فيكم كبيت الله
الحرام يؤتى ولا يأتي فقال: يا علي ستغدر بك الامة بعدي كما غدرت الأمم بعد مضي
الانبياء باوصيائها الا قليل وسيكون لك ولهم بعدي هناة وهناة فاصبر أنت كبيت الله
من دخله كان آمنا ومن رغب عنه كان كافراً. قال الله عزوجل (واذ جعلنا البيت مثابة الناس وامنا)
وانا وانت سواء الا النبوة فاني خاتم النبيين وانت خاتم الوصيين، وأعلمني عن ربي
بأني لست اسل سيفاً الا في ثلاثة مواطن بعد وفاته فقال: تقاتل الناكثين والقاسطين
والمارقين ولم يقرب اوان ذلك بعد، فقلت فما افعل يا رسول الله بمن ينكث بيعتي منهم
و يجحد حقي؟ قال : فاصبر حتى تلقاني وتستسلم لمحنتك حتى تلقى ناصرا عليهم فقلت:
افتخاف علي منهم ان يقتلوني؟ فقال تالله لما اخاف عليك منهم قتلا ولا جراحا واني
عارف بمنيتك وسببها وقد اعلمني ربي ولكني خشيت ان تفنيهم بسيفك فيبطل الدين وهو
حديث فيرتد القوم عن التوحيد، ولولا ان ذلك كذلك وقد سبق ما هو كائن لكان لي فيما
انت فيه شأن من الشان فاروي اسيافا وقد ضمثت الى شرب الدماء وعند قراءمتك صحيفتك
تعرف نبأ ما احتملت من وزري ونعم الخصم محمد والحكم الله.
فقال ابو بكر: يا أبا الحسن
إنا لم نرد هذا كله ونحن نأمرك ان تفك لنا الآن عن عنق خالد هذه الحديدة فقد آلمه
ثقلها واثر في حلقه بحملها وقد شفيت غليل صدرك فقال علي((عليه
السلام)): لو اردت ان اشفي غليل صدري لكان السيف أشفى للداء واقرب للفناء،
ولو قتلته والله ما قدرته برجل ممن قتلهم يوم فتح مكة وفي كرته هذه وما يخالجنى
الشك في ان خالداً ما احتوى قلبه من الإيمان على مقدار جناح بعوضة.
واما
الحديد الذي في عنقه فلعلي لا اقدر على فكه، فيفكه خالد عن نفسه أو فكوه انتم عنه
فانتم أولى به إن كان ما تدعونه صحيحاً، فقام اليه بريدة الاسلمي وعامر بن الأشجع
فقالا: والله يا ابا الحسن لا يفكه من عنقه إلا من حمل باب خيبر بفرد يد، ودحى به
وراه وحمله وجعله جسراً يعبر الناس عليه وهو فوق زنده، وقام اليه عمار بن ياسر
فخاطبه فلم يجب احداً الى أن قال له ابو بكر: سألناك بالله وبحق اخيك المصطفى رسول
الله ((صلى الله عليه وآله)) إلا ما رحمت خالداً و
فككته من عنقه، فلما سأله بذلك استحيى و كان علي((عليه
السلام)) كثير الحياء فجذب خالداً اليه وجعل يحذف من الطوق قطعة قطعة
ويفتلها في يده فتنفتل كالشمع ثم ضرب بالأولى رأس خالد ثم الثانية فقال : آه يا
امير المؤمنين فقال له: (يا امير المؤمنين) قلتها على كره منك ولو لم تقلها لاخرجت
الثالثة من اسفلك ولم يزل يقطع الحديد جميعه إلى ان ازاله عن عنقه وجعل الجماعة
يكبرون ويهللون ويتعجبون من القوة التي اعطاها الله سبحانه امير المؤمنين((عليه السلام)) وانصرفوا شاكرين .. الى هنا ما في تلك
الرواية.
وفي رواية اخرى زيادة على ما
تقدم شاكرين له وهم متعجبون من ذلك
فقال ابو بكر: لا تعجبوا من ابي الحسن، والله لقد كنت بجنب رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) يوم قلع علي((عليه السلام)) باب خيبر فرأيت رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) قد ضحك حتى بدت ثناياه ثم بكى حتى
اخضلت لحيته فقلت: يا رسول الله اضحك وبكاء ساعة واحدة؟! فقال (نعم. اما ضحكي ففرح
بقلع علي الباب. واما بكائي فلعليَّ فانه ما قلعه إلا وهو صائم منذ ثلاثة ايام على
الماء القراح ولو كان فاطراً على طعام لدحى به من وراء السور) انتهى.
(بيان) قال بعض الاعلام في
ذيل هذا الخبر «الذمار وما يلزمك حفظه ورعايته، فلا جزى الله اخا ثقيف» اراد باخي
ثقيف المغيرة بن شعبة، وقيل اريد به عمر وهو كناية عن الخلل في نسبه، ويؤيده ان في
الرواية الأخرى «فلا جزاك الله من ابن صهاك واخي ثقيف اجلسك مجلساً لست له باهل آه
يا بن الخنا» قال في الصحاح (الخن) السقاء اي انتن ومنه قولهم: امة لخناء
ويقال: اللخنّا التي لم تختن و (الشنان) بالكسر جمع شن و القربة الخلوة كانوا إذا
ارادوا حث الابل على السير حركوا الدابة اليابسة لتفزع فتسرع وقعقعة الشنان يضرب
مثلا للرجل الصعب الذي لا يفزع لما ينزل به من حوادث الدهر ولا يروعه ما لا حقيقة
له. و(غمر التين) كناية عن سرعة الانقياد ولين الجانب فانه إذا غمر في ظرف او غيره
انعم سريعاً. و(الشوس) بالتحريك النظر بمؤخر العين تكبراً وتغيظا (لا تجرّعت من
الجرار المختمة الا علقمها) اي لم اشرب من الكيزان التي ختمت روسها ولم يعلم ما
فيها الا مرّها يعني إني لا ابالي بالشدائد والفتن ولم يقدر في الدنيا من الامور
الا شدائدها و(الزهو) التكبر والهناة الداهية.
(نقل شيخنا البهائى) عطر
الله مرقده في كتاب الكشكول ان اباه الشيخ حسين بن عبدالصمد الحارثي وجد في مسجد
الكوفة فصا من عقيق عليه مكتوب:
قال
السيد علي خان الشهير بصدر الدين في كشكوله بعد نقل ذلك: ووجدنا في نهر تستر صخرة
صفراء اخرجها الحفارون من تحت الأرض وعليها مكتوب بخط من لونها: بسم الله الرحمن
الرحيم لا اله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله.
(روى) عن
سلمان الفارسي ان رسول الله((صلى الله عليه وآله))
قال «انا مدينة العلم وعلي بابها» فلما سمع الخوارج بذلك حسدوا عليا((عليه السلام)) على ذلك فاجتمع عشرة نفر من رؤساء
الخوارج، وقالوا: يسأل كل واحد عليا مسألة واحدة لننظر كيف يجيبنا فيها، فان أجاب
كل واحد منا جوابا واحداً علمنا انه لا علم له، فجاء واحد منهم وقال له : يا علي
العلم افضل أم المال؟ فاجاب «إن العلم افضل» فقال له باي دليل فقال «لان العلم
ميراث الانبياء والمال ميراث قارون وهامان وفرعون وعاد وشداد»، فذهب الرجل الى
أصحابه بهذا الجواب، فاعلمهم فنهض آخر منهم وسأله كما سأل الاول فقال: يا على
العلم افضل ام المال ؟ فقال «العلم افضل» فقال بأي دليل، فقال «لان المال تحرسة
والعلم يحرسك» فرد الى اصحابه فاخبرهم، فقالوا صدق علي، فنهض الثالث، وقال : يا
علي العلم أفضل ام المال؟ فقال «بل العلم أفضل» فقال بأي دليل فقال «لان لصاحب
المال اعداء كثيرة ولصاحب العلم اصدقاء كثيرة» فرجع الى اصحابه فاخبرهم، فنهض
الرابع، وقال : يا علي العلم افضل أم المال؟ فقال «بل العلم افضل» فقال بأي دليل،
فقال «لان المال إذا تصرفت فيه ينقص والعلم إذا تصرفت فيه يزيد» فرجع الى اصحابه
واخبرهم بذلك، فقام الخامس وقال: يا علي العلم افضل ام المال؟ فقال «بل العلم
افضل» فقال بأي دليل، فقال«لان صاحب المال يدعى باسم البخل واللوم، وصاحب العلم
يدعى باسم الاكرام والاعظام» فرد الى اصحابه واعلمهم بذلك، فنهض السادس، وقال: يا
علي العلم افضل أم المال، فقال((عليه السلام)) «بل
العلم» فقال باي دليل، فقال «لان المال يخشى عليه من السارق والعلم لا يخشى عليه»
فذهب الى اصحابه واعلمهم بذلك فنهض السابع، وقال: يا علي العلم افضل أم المال،
فاجاب «بل العمل أفضل» فقال بايى دليل، فقال «لان المال يندرس بطول المدة ومرور
الزمان والعلم لا يندرس ولا يبلى» فرجع الى اصحابه وأخبرهم بذلك (واما الثامن
فساقط من الاصل) فنهض التاسع وقال : ياعلى العلم افضل أم المال قال «بل العلم»
فقال بأي دليل فقال «لان المال يقسي القلب والعلم ينور القلب» فرجع الى اصحابه
فاخبرهم بذلك فقام العاشر وقال : يا علي العلم افضل أم المال فقال «العلم» فقال
بايى دليل فقال لان صاحب المال يتكبر و يتعظم بنفسه و ربما ادعى الربوبية وصاحب
العلم خاشع ذليل مسكين» فرجع الى اصحابه وأخبرهم بذلك فقالوا صدق الله ورسوله ولا
شك أن عليا باب العلوم كلها، فعند ذلك قال علي((عليه
السلام)) «والله لو سألنى الخلق كلهم ما دمت حيا لم اتبرم، ولأجبت كل واحد
منهم بجواب غير جواب الآخر الى آخر الدهر من فضل الله علينا ونعمته.
(في الخبر) عن جابر عن
أميرالمؤمنين((عليه السلام)) قال : «خرجت انا
ورسول الله((صلى الله عليه وآله)) الى صحراء
المدينة، فلما صرنا في الحدائق من النخل صاحت مخلة لنخلة : هذا النبي المصطفى، وذا
على المرتضى. ثم صاحت ثالثة لرابعة هذا موسى، وذا هارون. ثم صاحت خامسة لسادسة هذا
خاتم النبيين وذا خاتم الوصيين. فعند ذلك تبسم النبي ((صلى
الله عليه وآله)) وقال: يا اباالحسن اما سمعت قلت : بلي يا رسول الله، قال:
ما يسمى هذا النخل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: تسميه الصيحاني، لأنهم صاحوا
بفضلى و فضلك».