(روى الصدوق)
(عطر الله مرقده) باسناده عن الصادق((عليه السلام))
عن أبيه عن جده عن رسول الله((صلى الله عليه وآله))
قال: عاش آدم ابوالبشر سبعمائة وثلاثين سنة وعاش نوح الفي سنة وأربعمائة سنة
وخمسين عاما. وعاش ابراهيم مائة وعشرين سنة، وعاش اسحاق بن ابراهيم مائة وثمانين سنة.
وعاش اسماعيل بن ابراهيم مائة وعشرين سنة، وعاش يعقوب بن اسحاق مائة واربعين سنة،
وعاش يوسف بن يعقوب مائة وعشرين سنة، وعاش موسى بن عمران مائة وستا وعشرين سنة،
وعاش هارون مائة وثلاث وثلاثون سنة، وعاش داود مائة سنة، منها اربعون سنة ملكه،
وعاش سليمان بن داود سبعمائة واثنى عشر سنة.
(من كتاب نهج البلاغة) قال((عليه السلام)) لقد علق نياط هذا الأنسان بصفة هي اعجب ما
فيه، وهو القلب، وذلك أن له مواد من الحكمة، واضدادها من خلافها فان سنح له الرجاء
اذ له الطمع، وان هاج به الطمع اهلكه الحرص، وان ملكه اليأس قتله الأسف، وإن عرض
له الغضب اشتد به الغيظ، وان أسعده الرضي نسي التحفظ، وان غلبه الخوف شغله الحذر،
وان اتسع له الا من استلبته العزة، وان اصابته مصيبة فضحه الجزع، وان أفاد مالا
اطغاه الغنى، وان عضته الفاقة شغله البلاء وان جهده الجوع قعد به الضعف، وإن افرط
به الشبع كظّته البطنة، فكل تقصير به مضر وكل افراط له مفسدة.
ومنه
ايضاً قال((عليه السلام)) : غيره المرأة كفر، وغيرة
الرجل إيمان.
وقال((عليه السلام)): لا يترك الناس شيئا من امر دينهم لا
صلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو اضرّ منه.
ومنه ايضاً قال ((عليه السلام)): تنزل المعونة على قدر المؤنة، ما عال من
اقتصد. قلة العيال احد اليسرين والتودد نصف العقل، والهم نصف الهرم. ينزل الصبر
على قدر المصيبة، ومن ضرب يده على فخذه حبط اجرء. المرء مخبؤ تحت عليّ لسانه لا
طليسانه.
(ان هارون الرشيد) كان كل
يوم يجمع العلماء يتناظرون عنده في العلوم العقلية والنقلية، فارسل الي يوماً
فمضيت والمجلس عاص بالعلماء، وكان الشافعي جالساً على يمينه، فنظر الي هارون وقال:
كم تروي حديثاً في فضائل علي بن ابي طالب((عليه السلام))
فقلت: خمسة عشر الف حديث مسندة، ومثلها مرسلة. ثم نظر الى محمد بن اسحاق ومحمد بن
يوسف فقالا له مثلما قلت، فسأل الشافعي فقال: انا اروى خمسمائة حديث في فضائله،
فقال هارون: عندى حديث خير من كل ما تروون لاة نه بالمشاهدة، فقلت له: اروه
لنا قال: كتب ابن عمي لي ـ وقد جعلته والياً على الشام ـ أن بها خطيباً يسب علي بن
ابي طالب في كل جمعة وينال منه، فكتبت اليه أرسله الي مقيداً بالحديد، فلما حضر
بين يدي اخذ بالسب، فقلت له: يا ملعون ولأي شيء تسبه؟ فقال: إنه قتل آبائي و
أجدادي، فقلت: أما علمت انه ماقتل إلا من وجب عليه القتل، أنا لا اترك عداوته،
فامرت به فضرب خمسمائة سوط حتى غشي عليه ثم أمرت به فحبس وبقيت ليلتي متفكراً في
كيفية قتله، فتارة قلت احرقه بالنار، وتارة قلت ارميه بالماء، فاخذني النوم آخر الليل
فرأيت أن رسول الله((صلى الله عليه وآله)) نزل من
السماء، ومعه أمير المؤمنين علي بن ابي طالب والحسن والحسين((عليهم السلام)) وجبرائيل((عليه
السلام)) نزلوا في قصري. وبيد جبرائيل((عليه
السلام)) قدح من لؤلؤ يأخذ شعاعه بالأبصار، فأخذه النبي((صلى الله عليه وآله)) ونادى: يا شيعة آل محمد قوموا من
منامكم و اشربوا من هذا الماء، وكان الذي يحرسني في تلك الليلة خمسة آلاف، فقام من
اعاظمهم اربعون رجلا اعرفهم باسمائهم، لاني أراهم كل يوم فأتوا اليه، وشربوا من
ذلك الماء. ثم قال((صلى الله عليه وآله)): ابن
الخطيب الدمشقي؟ فقام رجل من المجلس واتى به، فلزمه بيده، وقال: يا كلب غير الله
ما بك من نعمة لأي شيء تسب علي بن ابي طالب ؟! فنسخ الخطيب من ساعته كلباً اسوداً،
فامر برده الى الحبس وضرب عليه الأقفال، وصعد النبي((صلى
الله عليه وآله)) ومن معه إلى السماء فاستيقظت فزعا مرعوبا تضطرب عظام
مفاصلي، فطلبت مسرور الخادم وقلت له علي بالخطيب الدمشقي، فمضى الى دار الحبس واتى
قابضاً اذني كلب اسود يجرّه على وجه الأرض واذنه كأذن الآدمي، وقال لي: ما رأيت في
الحبس إلا هذا الكلب الأسود، فقلت: رده الى الحبس هذا هو الخطيب الدمشقي فهذا هو في
المحبس إن اردتم النظر اليه، فقال الشافعي: نحب ذلك فامر مسرور ومضى الى المحبس
واتى بالكلب الأسود يجره من اذنه، فقال له الشافعي: يا ملعون أرأيت عذاب الله؟
فبكى وحول رأسه، فقال الشافعي: ابعده عنا فانا نخاف من نزول العذاب فامر به الى
المحبس، فبعد ساعة سمعنا صوتاً هائلا، فقالوا: نزلت عليه صاعقة من السماء فاحرقته
والمحبس الذي كان فيه.
(قال جامع هذا الكشكول) وحاكي
هذا النقول: و من هذا القبيل ما رواه غير واحد من اصحابنا رضوان الله عليهم وغيرهم
من ان الحجاج بن يوسف كتب الى الحسن البصري، والى عمرو بن عبيد، والى واصل بن عطا،
والى عامر الشعبي، أن يذكروا ما عندهم وما وصل اليهم في القضاء والقدر.
فكتب
اليه الحسن البصري: إن أحسن ما انتهى الي ما سمعت أمير المؤمنين علي بن ابي طالب((عليه السلام)) انه قال: «اتظن ان الذي نهاك دهاك إنما
دهاك اسفلك واعلاك والله بريء من ذاك».
وكتب اليه عمرو بن عبيد:
أحسن ما سمعته في القضاء والقدر قول علي بن ابي طالب ((عليه
السلام)): «لو كان الوزر في الاصل محتوماً كان الوازر في القصاص مظلوماً».
وكتب
اليه فاضل بن عطا: احسن ما سمعت في القضاء والقدر قول امير المؤمنين علي بن ابي
طالب ((عليه السلام)): «أيّد لّك على الطريق ويأخذ
عليك المضيق».
وكتب
اليه الشعبي: أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول امير المؤمنين علي ابن ابي طالب((عليه السلام)): «كلما استغفرت الله منه فهو منك، وكلما
حمدت الله عليه فهو منه».
فلما
وصلت كتبهم الى الحجاج ووقف عليها قال: لقد أخذوها من عين صافية.
(للسيد حسن الاعرجي) مخمساً
للابيات المنسوبة الى السيد الرضي الموسوي وهي قوله:
(قال
ره) وقد كان البيت يروى مع الأبيات الثلاثة ولا
أظنه من شعر السيد (ره) ولكن اقتضى
الحال تخميسه إذ كان متضمنا لشكوى الزمان فخمسناه.
(يقول جامع هذه الطرف وحامل هذه التحف): لعل استبعاد كون البيت الاخير للسيد (ره) من رجهة
كونه يتضمن كون قائله في ضيق
من العيش وضنك من الدهر مع أن السيد (ره) ليس كذلك بل بعكس
ما هنالك، وفيه أولا أن ذلك ليس بمناف على قاعدة الشعراء، بل مطلق البلغاء في
كلامهم، وثانيا أن السيد (ره) كان على غاية من علو الهمة وشرف النفس، وتمني المقامات
العالية، كما هو مذكور في ترجمة من كتاب الدرجات الرفيعة، وربما كانت نفسه تنازعه
التوصل الى الخلافة وحينئذ فهذا البيت في موضعه، ولعلنا نذكر ترجمته في اثناء هذا
الكتاب إنشاءالله تعالى.
(للسراج الوراق) وقد بلغ في
اللطافة وفاق. وقد قال:
(ومن كتاب الاغاني لأبي الفرج الاصبهاني) كان من خبر سجاح وادعائها النبوة، وتزويج مسيلمة بها:
أن سجاح التميمية ادعت النبوة بعد وفاة رسول الله ((صلى
الله عليه وآله)) واجتمع عليها بنو تميم، وكان فيما ادعته أنه انزل عليها
(يا ايها المؤمنون المتقون لنا نصف الارض ولقريش نصفها، ولكن قريش قوم يبغون)
فاجتمعت بنو تميم كلها وكان مؤذنهم شبث بن
ربعي الرياحي، فعمدت في جيشها الى مسيلمة الكذاب وهو باليمامة، وقالت: يا
معشر تميم أقصدوا اليمامة، فاضربوا فيها كل هامة حتى تتركوها سوداء كالحمامة.
وقالت: يا بني تميم ان الله لم يجعل هذا الأمر في ربيعة وانما جعله في مضر،
فاقصدوا هذا الجمع، فاذا فضضتموه عكرتم على قريش، فسارت في قومها وهم الدهم
الداهم.
وبلغ مسيلمة خبرها فضاق ذرعا
وتحصن في حجر حصن اليمامة، وجاءت في جيوشها فأحاطت به، فارسل الى وجوه قومه وقال:
ما ترون ؟ قالوا: نرى ان تسلم هذا الأمر اليها وتدعها، فان لم تفعل فهو البوار.
وكان مسيلمة داهياً فقال: انظروا في هذا الأمر ثم بعث اليها: ان الله عزوجل أنزل
عليك وحياً وانزل علي فهلمي نجتمع فنتدارس ما انزل علينا، فمن عرف الحق تبعه الاخر
و اجتمعنا، فاكلنا العرب اكلا بقومي وقومك فبعثت اليه افعل فامر بقبة آدم، فضربت
وامر بالعزيمة والعود المندلي يسجر فيها، وقال: اكثروا من الطيب فان المرأة اذا
شمت رائحة الطيب تذكرت المياه ففعلوا ذلك وجاءها رسوله يخبرها بامر القبة المضروبة
لاجتماعهما فاتته، فقالت: هات ما انزل اليك: فقال: الم تر كيف فعل ربك بالحبلى
اخرج منها نسمة تسعى من بين ضياق وحشا من بين ذكر وانثى وامرأة واحيا. ثم إلى ربك
المنتهى، قالت: وماذا؟ قال: (الم تر ان الله خلقنا افواجا وجعل النساء لنا ازواجا فنولج
فيهن قعساً ايلاجا ونخرجه منهن اذا شئنا اخراجا) قالت: باي شيء أمرك ؟ قال:
فقالت:
لا إلا به اجمع. قال فقال: كذلك اوحي الي، فواقعها، فلما قام عنها قالت إن مثلي لا
يجري امرها هكذا، فتكون رخنة علي وعلى قومي، ولكني مسلمة اليك النبوة فاخطبني من
اوليائي ليزوجوك ثم اقود تميما معك، وخرج وخرجت معه وخرج الحيان من حنيفة وتميم،
فقالت لهم سجاح: انه قرأ علي ما انزل عليه، فوجدته حقاً فاتبعته. ثم خطبها فتزوجها
فزوجوه اياها وسألوه المهر، فأسقط عنهم صلاة العشاء الآخرة ونادى مناديه بذلك.
قال: فبنو تميم الى الآن بالرمل لا يصلونها، ويقولون: هذا حق لنا ومهر كريمتنا لا
نرده، قال وقال شاعر من بني تميم يذكر امر سجاح في كلمة له:
قال
وسمع الزبرقان بن بدر الأحنف يومئذ وقد ذكر مسيلمة وما تلا عليهم، فقال الأحنف:
تالله ما رأيت احمق من هذه الانبياء قط، قال الزبرقان: والله لأخبرن بذلك مسيلمة،
فقال إذا والله انك كذبت فيصدقني ويكذبك قال: فامسك الزبرقان وعلم انه قد صدق،
واسلمت سجاح بعد ذلك وبعد قتل مسيلمة ـ انتهى.
(يقول جامع الكشكول وناظم هذه النقول): من مزخرفات مسيلمة في قرآنه قوله: (والزارعات زرعاً والحاصدات
حصداً والذاريات ذرواً والطاحنات طحناً والآكلات اكلاً) قال بعض الظرفاء وينبغي اتمام
الآية (والخاريات خرواً) ومن مصحفه أيضاً: (ان الذين يغسلون ثيابهم ولا يجدون ما
يلبسون اولئك هم المفلسون).
ومنه
ايضاً (وقال الذين اقرضوا للذين استقرضوا لئن لم توفونا حقنا لنذيقنكم مرارة
الافلاس مما كنتم تزلقون) ومنه ايضاً (وضرب بينه بسنور له ناب).
وفي الأثر ان مسيلمة الكذاب
اتى النبي ((صلى الله عليه وآله)) فأسلم ثم ارتد
ورجع الى اليمامة فافسد بها وادعى النبوة، فكتب الى رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) : من مسيلمة رسول الله الى محمد
رسول الله (اما بعد فان الأرض لي ولك نصفان فلا تعتد علينا) ولما انتشر موت النبي
((صلى الله عليه وآله)) أعلن مسيلمة نبوته وتابعه
أهل اليمامة، فأرسل اليه ابو بكر خالد بن الوليد في جيش كثير في أمروه وتفرد بقتله
ابو دجانة ووحشي.
وكان أهل اليمامة يأتون
مسيلمة بأولادهم ويقولون: إن محمداً يمسح يده على رأس صبيان المدينة يتبركون به
فامسح انت على روس صبياننا، فكان كل من يمسح على رأسه يصير أقرعا» واتاه بعض من في
عينيه رمديد عوله، فدعى له فصار أعمى. وأتوه اهل الآبار يشكون قلة مائها وقالوا:
إن رسول المدينة يمج الماء من فيه في الآبار فيطغو ماؤها ففعل مسيلمة فيبست
الآبار، فقاولو: كيف هذا؟ فقال : ان المعجزة خرق العادة، فاما ان يكون من هذا
الطرف أو من هذا الطرف، لبعضهم وقد اجاد:
(لطيفة) نقل انه كان نديمان احد بان احدهما لطيف والآخر كثيف
ولكل منهما حدبة في ظهره وحدبة في صدره، فانفرد اللطيف يوماً عن صاحبه فاشترى له
مدامة وفاكهة وانعزل عن الناس ودخل الحمام وانفرد في خلوة، فبينما هو يتناول ما
معه من الشراب ويغني ويبسط واذا بالحائط قد انشق وخرج منه عفريت في صورة فيل،
فقال: يا إنسي، فلما رآه الأحدب لم يخف ولم ينزعج، وكلمه كلاماً لطيفاً وبسط له
الأنس وعزم عليه فقال له الجني: والله انك احدب لطيف يا انسي ما حاجتك؟ فقال:
والله إن هاتين الحدبتين قد أبلياني بالبلاء واحرموني الناس مما يعيروني بهما،
ويتثاقلان علي، فمسكهما بيده فاقتلعهما، وجعلهما على رأس الحائط الذي في الخلوة
ومد له صدره وظهره بيده فاستوى قائما وخرج فرحا مسروراً، فما رآه رفيقه الأحدب قال
له: ما شأنك يا صاحبي؟ وما الذي جعلك مقوّماً بعد ان كنت احدب؟ فقص له القصة، فمضى
الأحدب الكثيف الى السوق، وكان معه منديل فباعه بثلاثة دراهم ونصف، واشترى بها
مداماً ونقلا ودخل الخلوة، فلم يستقر لحظة الا والجني قد سمع صوته فقال: والله ان
صاحبنا اللطيف قد جاء الينا فشق الحائط وخرج اليه، فلما رآه الأحدب وهو على هيئة
الفيل فزع وجعل يعيط ويصحيح ويقول: حديد حدايد، فقال العفريت: والله ان هذا خارج
فتحيل عليه ولاطفه الى ان سكت فمد زلّومته واخذ الحدبتين من اعلا الحائط فلصقهما
في الأحدب واحدة عن يمينه وواحدة عن يساره، فخرج وله اربع حدبات وهو فرجة من الفرج
فوافاه بعض الناس فقال: ما هذا؟ فقال: هاتان الحدبتان اللتان في ظهري وصدري خلقهما
الله تعالى واللتان في الجنبين اشتريتهما بثلاثة دراهم ونصف من الحمام الفلاني.
(من كتاب كنز الطالب وفخر المناقب في
فضائل علي بن ابي طالب((عليه السلام)) الباب
الثالث والستون) في ذكر سبب اسلام الأسقف النصراني:
ذكر ابن الجوزي في كتاب الواعظي عن محمد بن ادريس قال: رأيت بمكة اسقفاً وهو يطوف
بالكعبة، فقلت: ما الذي رغب بك عن دين آبائك؟ فقال: تبدلت خيراً منه، فقلت له: كيف
ذلك، قال: ركبت البحر فلما توسطنا انكسر بنا المركب فعلوت لوحا فلم تنزل الأمواج
تدفعني حتى رمتني بجزيرة من جزائر البحر فيها اشجار كثيرة ولها ثمر احلى من الشهد
وألين من الزبد وفيها نهر جاري، فحمدت الله تعالى على ذلك وقلت: آكل من هذا الثمر
واشرب من هذا النهر حتى يأتيني الله بالفرج فلما ذهب النهار خفت على نفسي من الدواب،
فعلوت شجرة من تلك الأشجار فنمت على غصن منها، فلما كان في جوف الليل واذا بدابة
على وجه الأرض تسبح وتقول: «لااله الا الله العزيز الجبار محمد رسول الله النبي
المختار علي بن ابي طالب سيف الله على الكفار فاطمة وابنيها صفوة الجبار على
مبغضيهم لعنة الجبار ومأواهم جهنم وبئس القرار» فلم تزل تكرر هذه الكلمات حتى طلع
الفجر ثم قالت: «لا اله الا الله صادق الوعد و الوعيد محمد رسول الله الهادي
الرشيد علي ذو البأس الشديد فاطمة وبنيها خيرة الرب المجيد فعلى مبغضيهم لعنة الرب
المجيد» فلما وصلت الى البر فاذا دابة رأسها رأس نعامة ووجهها وجه انسان وقوائمها
قوائم بعير و ذنبها ذنب سمكة، فخشيت منها على نفسي الهلكة فهربت بنفسي منها فوقفت
ثم قالت لي: قف يا انسان والا هلكت، فوقفت فقالت لي: ما دينك؟ فقلت: دين النصرانية،
فقالت ويحك ارجع الى دين الإسلام فقد حللت بقوم من مسلمي الجن لا ينجو منهم الا من
كان مسلماً، فقلت: فكيف الإسلام؟ قالت: تشهد ان لا اله الا الله وان محمداً رسول
الله فقلتها قالت: تمم ثم الإسلام بموالاتك لعلي بن ابي طالب((عليه السلام)) واولاده الطيبين والصلاة والبراءة من
اعدائهم، فقلت: و من اتاكم بذلك؟ قال: قوم حضروا عند رسول الله((صلى الله عليه وآله)) فسمعوه يقول: اذا كان يوم القيامة
تأتي الجنة فتنادي بلسان طلق: يا الهي قد وعدتني ان تشد أركاني وتزينني، فيقول
الجليل جل جلاله: اليس قد شددت اركانك وزينتك بابنة حبيبي فاطمة الزهراء وبعلها
علي بن ابي طالب وابنيهما الحسن و الحسين والتسعة من ذرية الحسين ؟ ثم قالت
الدابة: هذا المقام تريد ام الرجوع الى اهلك؟ قلت: الرجوع، قالت: اصبر حتى يجتاز
مركب واذا بمركب أقبل فاشارت اليهم فدفعوا زورقاً عندهم فلما علوت المركب واذا
عندهم في المركب اثنى عشر كلهم من النصارى فاخبرتهم بخبري فأسلموا عن آخرهم.
(ولله در القائل) حيث يقول:
(ظريفة) قال يزيد بن عرق: لما مات كثير عزة لم تتخلف امرأة
بالمدينة ولا رجل عن جنازته، وغالب النساء يبكينه ويذكرن عزة في ندبتهن له، فقال
ابو جعفر الباقر((عليه السلام)): افرجوا لي عن
جنازة كثير لاربعها، قال: فجعلنا ندفع عنها النساء وجعل الباقر((عليه السلام)) يضربهن بكمه ويقول: تنحين يا صويحبات
يوسف، فانتدبت له امرأة منهن فقالت: يا ابن رسول الله لقد صدقت انا لصواحباته وقد
كنا خيراً منكم له، فقال ابوجعفر لبعض مواليه: احتفظ بها حتى تجيئني بها اذا
انصرفت، فلما انصرف اتى بتلك المرأة كأنها شرار النار، فقال الباقر((عليه السلام)): انت القائلة انكن ليوسف خيراً منا؟
قالت: نعم تؤمنني غضبك يا ابن رسول الله؟ فقال: انت آمنة، فقالت: دعوناه الى
اللذات من المطعم والمشرب والتمتع والنعم، وانتم معاشر الرجال القيتموه في الجب
وبعتموه بابخس الأثمان وحبستموه في السجن، فأينا كان ارأف به؟ فقال الباقر ((عليه السلام)): لله درك لن تغالب امرأة الا غلبت ثم قال
لها: الك بعل ؟ قالت: لي من الرجال من انا بعله، فقال ابو جعفر((عليه السلام)): ما اصدقك مثلك من تملك زوجها ولا
يملكها.
(ومن كتاب التذكرة) للسيد علي صدر الدين الشيرازي قال: وحدثني من اثق به
ان المولى احمد الأردبيلي عطر الله مرقده ونور ضريحه لما كان في المشهد العلوي على
مشرفه السلام التجأ رجل من امراء السلطان العادل الشاه عباس الأول قد قصر في
الخدمة، فالتمس من المولى احمد ان يكتب له كتابا يطلب العفو فكتب اليه بالفارسية
هكذا: «بأني ملك عاريت عباس بداند اگر چه اين مرد اول ظالم بود اكنون مظلوم مي نمايد
چنانچه از تقصير او بگذري شايد كه حق سبحانه وتعالى از پاره از تقصيرات تو بگذرد كتبه
بنده شاه ولايت احمد الأردبيلي» جواب «بعرض مي رساند عباس خدماتي كه فرموده
بوديد بجان منت دانسته بتقديم رسانيد اميد كه اين محب را از دعاي خير فراموش نكند
كتبه كلب آستانه على عباس».
(ومن
كتاب الأنوار النعمانية) للسيد نعمة الله الجزائري
قال: وكان قريباً من عصرنا مولانا الورع العالم المولى احمد الأردبيلي، وقد كان من
سكان النجف الأشرف. ومن شدة ورعه انه كان يستأجر دابة من النجف ويأخذها من صاحبها
ويمضي بها الى زيارة الكاظميين والعسكريين فاذا أراد الرجوع ربما اعطاه بعض اهل
بغداد من الشيعة كتاباً ليوصله الى بعض أهل النجف، فيضع الكتاب في جيبه ويمشي ويسوق
الدابة وهو يمشي من بغداد الى النجف ويقول: ان صاحب الدابة لم يأذن لي في حمل هذا الكتاب
على دابته، وكان اذا خرج من منزله يضع على رأسه عمامة كبيرة حتى اذا طلب منه احد
عمامة او مقنعة قطع له من تلك العمامة، فاذا رجع الى المنزل ربما بقي على رأسه
منها ذراع واقل، وقد كان عام الغلاء يقاسم الفقراء ما عنده من الأطعمة ويبقي لنفسه
مثل سهم واحد منهم.
وقد اتفق انه فعل في بعض
السنين الغالية هكذا فغضبت عليه زوجته وقالت: تركت اولادنا في مثل هذه يتكففون
الناس، فتركها ومضى الى مسجد الكوفة للاعتكاف، فلما كان اليوم الثاني جاء رجل مع
دواب حملها من الطعام الطيب والحنطة الصافية والطحين الناعم فقال: هذا بعثه اليكم
صاحب المنزل وهو معتكف في مسجد الكوفة، فلما جاء المولى من اعتكافه اخبرته زوجته
بان الطعام الذي بعثته مع الاعرابي طعام حسن، فحمد الله واثنى عليه وما كان له خبر
منه.
وقد
حدثني اوثق مشايخي علما وعملا: ان لهذا الرجل ـ وهو المولى الأردبيلي ـ تلميذاً من
اهل تفرش اسمه مير غلام، وقد كان بمكان من الفضل والورع قال ذلك التلميذ: انه قد
كانت لي حجرة في المدرسة المحيطة بالقبة الشريفة، فاتفق اني فرغت من مطالعتي ـ وقد
مضى جانب كبير من الليل ـ فخرجت من
الحجرة أنظر في حوش الحضرة وكانت ليلة شديدة الظلام، فرأيت رجلا مقبلا الى الحضرة
الشريفة فقلت: لعل هذا سارق جاء ليسرق شيئاً من القناديل. فنزلت وأتيت الى قربه
وهو لا يراني فمضى الى الباب ووقف، فرأيت القفل قد سقط وفتح له الباب الثاني
والثالث على هذه الحال فأشرف على القبر فسلم، فاتى من جانب القبر رد السلام فعرفت
صوته فاذا هو يتكلم مع الامام في مسألة علمية. ثم خرج من البلدة متوجها الى مسجد
الكوفة فخرجت خلفه وهو لا يراني فلما وصل الى محراب المسجد سمعته يتكلم مع رجل آخر
بتلك المسألة فرجع ورجعت خلفه وهو لا يراني فلما بلغ الى باب البلد اضاء الصبح
فاعلنت نفسي له وقلت: يا مولانا كنت معك من الاول الى الآخر، فاعلمني من كان الرجل
الاول الذي كلمته في القبة ومن الرجل الآخر الذي كلمك في الكوفة؟ فاخذ علي
المواثيق اني لا اخبر احداً بسره حتى يموت فقال لي : يا ولدي ان بعض المسائل تشتبه
علي فربما خرجت بعض الليل الى قبر مولانا علي ((عليه
السلام)) و كلمته في المسألة و سمعت منه الجواب او في هذه الليلة أحالني
على مولانا صاحب الزمان وقال لي : ان ولدي المهدي((عليه
السلام)) هذه الليلة في مسجد الكوفة فامض اليه واسأله عن هذه المسألة وكان
ذلك الرجل هو المهدي((عليه السلام)). وهذه نبذة من
بعض احواله فاعتبر احواله الباقية.
(روى) شيخ الطائفة في
التهذيب في اوائل كتاب المكاسب بسند حسن او صحيح عن الحسن بن محبوب عن حريز قال:
سمعت ابا عبدالله((عليه السلام)) يقول: «اتقوا
الله وصونوا أنفسكم بالورع وقووه بالتقية والاستغناء بالله عن طلب الحوائج الى
صاحب سلطان. واعمل انه من خضع لصاحب سلطان او لمن يخالفه عن دينه طلباً لما في
يديه من دنياه احمله الله تعالى مقته عليه ووكله اليه، فان هو غلب على شيء من دنياه
وصار اليه منه شيء نزع الله جل اسمه منه البركة ولم يؤجره على شيء ينفقه منه في حج
ولا عتق رقبة ولا بر».
(قال شيخنا البهائي) عطر
الله مرقده في الكشكول بعد نقل هذا الخبر الشريف ما نصه: اقول صدق((عليه السلام)) فانا قد جربنا ذلك وجربه المجربون قبلنا
واتفقت الكلمة منا ومنهم على عدم البركة في تلك الأموال وسرعة نفادها واضمحلالها،
وهو امر ظاهر محسوس يعرفه من حصل شيئاً من تلك الأموال الملعونة، فنسأل الله تعالى
حلالا طيبا يكفينا ويكفّ اكفنا عن مدها الى هؤلاء وامثالهم انه سميع الدعاء لطيف
لما يشاء ـ انتهى.
(يقول جامع هذه الطرف وحامل هذه التحف) لا شبهة ولا ريب فيما قاله الامام الصادق((عليه السلام)) ولسان العيان فضلا عن البيان به ناطق،
فقد وقع لي برهة من الزمان اتصال عظيم بالسلطان وأجرى علي من الوظيفة والانعام
والامداد ما يزيد في نظري على قدر الحاجة والمراد، ومع ذلك فكلما تعمدت احراز شيء
من ذلك لبعض المطالب والمسالك توجهت لذهابه اسباب ليست في الخاطر ولا في البال
وانفتحت له الأبواب لاتمر بالذهن والخيال، نسأل الله الكريم بمزيد فضله الجسيم ان
يفتح علينا من ابواب كرمه واحسانه وجوده وامتنانه ما يغنينا به عمن سواه ويعيننا
به على التوصل الى رضاه انه القادر على ما يشاء وبيده ازمة الأشياء واليه المفزع
والملتجا.
(قال الحكماء) الفهم والحفظ
لا يجتمعان على سبيل الكمال، لأن الفهم يستدعي رطوبة في الدماغ والحفظ مزيد يبوسة
فيه والجمع بينهما محال.
(روي) انه لما مات جالينوس
وجد في جيبه رقعة مكتوب فيها: ما اكلته مقتصداً فلجسمك وما تصدقت به فلروحك وما
خلفته فلغيرك، والمحسن حي وان نقل الى دار البلا والمسيء ميت وان بقي في الدنيا،
والقناعة تستر الخلة، والتدبير يكثر القليل، وليس لابن آدم انفع من التوكل على
الله سبحانه.
بسم الله الرحمن الرحيم بعد
الحمد والصلاة: فقد سألني بعض الاخوان المخلصين والخلان المتدينين ان اترجم له
ترجمة العالم الرباني والعارف البحراني كمال الدين ميثم ابن علي بن ميثم البحراني
من كتاب مجالس المؤمنين للشهيد الثالث القاضي الشوشتري فأجبته الى ذلك مع توزع
البال وتفاقم الأهوال وتشتت الأحوال وأضفت الى ذلك زيادات انيقة تهش له الأسماع
ونكات رشيفة تستعذبها الطباع، وسميتها بـ (السلافة البهية في الترجمة الميثمية).
(فاقول) هو الفيلسوف المحقق
والحكيم المدقق قدوة المتكلمين وزبدة الفقهاء والمحدثين العالم الرباني كمال الدين
ميثم البحراني غواص بحر المعارف ومقتنص شوارد الحقائق واللطائف، ضم الى احاطنه
بالعلوم الشرعية واحراز قصبات السبق في العلوم الحكمية والفنون العقلية ذوقا جيداً
في العلوم الحقيقية والأسرار العرفانية. كان ذا كرامات باهرة ومآثر ظاهرة، ويكفيك
دليلا على جلالة شأنه وسطوع برهانه اتفاق كلمة أئمة الأعصار واساطين الفضلاء في
جميع الأمصار على تسميته بالعالم الرباني وشهادتهم له بأنه لم يوجد مثله في تحقيق
الحقائق وتنقيح المباني. والحكيم الفيلسوف سلطان المحققين و استاد الحكماء
والمتكلمين نصير الملة والدين محمد الطوسي شهد له بالتبحر في الحكمة والكلام ونظم
غرر مدائحه في ابلغ نظام.
واستاد البشر والعقل الحادي
عشر سيد المحققين الشريف الجرجاني على جلالة قدره في اوائل فن علم البيان من شرح
المفتاح قد نقل عن بعض تحقيقاته الأنيقة وتدقيقاته الرشيقة انه عبر عنه ببعض
مشائخنا ناظما النفسه في سلك تلامذته و مفتخراً بالانخراط في سلك المستفيدين من
حضرته المقتبسين من مشكاة فطرته.
والسيد السند والفيلسوف الأوحد
مير صدر الدين محمد الشيرازي اكثر النقل عنه في حاشية شرح التجريد، سيما في مبحث
الجواهر والأعراض، والتقط فرائد التحقيقات التي ابدعها (عطر الله مرقده) في كتاب
المعراج السماوي وغيره من مؤلفاته التي لم تسمح بمثلها الأعصار ما دار الفلك
الدوار.
وفي
الحقيقة من اطلع على شرحه لنهج البلاغة الذي صنفه الصاحب خواجة عطا ملك الجويني
وهو عدة مجلدات، شهد له بالتبريز في جميع الفنون الاسلامية والأدبية والحكمية
والاسرار العرفانية. و من مآثر طبعه اللطيف وخلقه الشريف على ما حكاه في مجالس
المؤمنين انه (عطر الله مرقده) في اوائل الحال كان معتكفا في زاوية العزلة
والخمول، مشتغلا بحقيق حقائق الفروع والأصول، فكتب اليه فضلاء الحلة و العراق
صحيفة تحتوي على عدله وملامته على هذه الأخلاق وقالوا: العجب منك انك على شدة
مهارتك في جميع العلوم والمعارف وحذاقتك في تحقيق الحقائق وابداع اللطائف قاطن في
طلول الاعتزال ومخيم في زاوية الخمول الموجب لخمود نار الكمال. فكتب في جوابهم هذه
الابيات:
فلما
وصلت هذه الأبيات اليهم كتبوا اليه: انك أخطات في ذلك خطأ ظاهراً وحكمك باصالة
المال عجيب بل اقلب تصب، فكتب في جوابهم هذه الابيات وهي لبعض الشعراء المتقدمين:
ثم
انه (عطر الله مرقده) لما علم ان مجرد المراسلات والمكاتبات لا تنقع الغليل ولا
تشفي العليل توجه الى العراق لزيارة الائمة المعصومين((عليهم
السلام)) واقامة الحجة على الطاعنين، ثم انه بعد الوصول الى تلك المشاهد
العلية لبس ثيابا خشنة عتيقة وتزيا بهيئة رثة بالاطراح الاحتقار خليقة ودخل بعض
مدارس العراق المشحونة بالعلماء والحذاق فسلم عليهم فرد بعضهم عليه السلام
بالاستثقال والامتناع التام، فجلس (عطر الله مرقده) في صف النعال ولم يلتفت اليه
احد منهم ولم يقضوا واجب حقه، وفي اثناء المباحثة وقعت بينهم مسألة مشكلة دقيقة
كلّت عنها أفهامهم وزلت فيها اقدامهم، فاجاب (روح الله تعالى روحه) وتابع فتوجه
بتسعة جوابات في غاية الجودة والدقة، فقال له بعضهم بطريق السخرية والتهكم: يا
حيلك طالب علم، ثم بعد ذلك احضر الطعام فلم يؤاكلوه (قدس اللّه سره) بل أفردوه
بشيء قليل في طرف على حدة واجتمعوا هم على المائدة، فلما انقضى ذلك المجلس قام
(قدس الله سره).
ثم انه عاد في اليوم الثاني
اليهم، وقد لبس ملابسا فاخرة وهيئة الاكمام واسعة وعمامة كبيرة رائقة فلما قرب وسلم
عليهم قاموا اليه تعظيما واستقبلوه تكريما وبالغوافي ملاطفته ومطايبته فاجتهدوا في
تكريمه و توقيره، وأجلسوه في صدر ذلك المشحون بالأفاضل المحققين والاكابر
المدققين. ولما شرعوا في المباحثة والمذاكرة تكلم معهم بكلمات عليلة لا وجه لها
عقلا ولا شرعا، فقابلوا كلماته العليلة بالتحسين والتسليم والاذعان على وجه
التعظيم، فلما حضرت مائدة الطعام بادروا معه بأنواع الادب، فألقى الشيخ (قدس الله
سره) كمه في ذلك الطعام مستعتبا على اولئك الأعلام وقال: كل يا كمي، فلما شهدوا
ذلك الحال العجيبة اخذوا في التعجب والاستغراق واستفسروه (قدس الله سره) عن معنى
هذا الخطاب، فأجاب عطر الله مرقده: انكم انما اتيتم بهذه الأطعمة النفيسة الأجل
اكمامي الواسعة لا للنفس القدسية اللامعة والا فأنا صاحبكم بالامس وما رأيت تعظيما
ولا تكريما ولا منه عينا ولا اثراً، اني جئتكم امس بهيئه الفقراء وسجية العلماء
واليوم جئتكم بلباس الجبارين و تكلمت بكلام الجاهلين فقد رجحتم الجهالة على العلم
والغنى على الفقر. وأنا صاحب الأبيات التي في اصالة المال وفرعية صفات الكمال التي
ارسلتها اليكم و عرضتها عليكم وقابلتموها بالتخطئة وزعمتم انعكاس القضية فاعترف
الجماعة بالخطأ في تخطئتهم واعتذروا مما صدر منهم من التقصير في شأنه (قدس اللّه
سره).
وله
((قدس سره)) من المصنفات البديعة والرسائل الجليلة
ما ليس يسمح بها الزمان ولم يظفر بمثلها احد من الاعيان، منها (شرح نهج البلاغة)
وهو حقيق ان يكتب بالنور على الأحداق لا بالحبر على الأوراق وهو عدة مجلدات، ومنها
(شرحه الصغير على نهج البلاغة) جيد مفيد جداً رأيته في حدود (سنة 1091) الف واحدى
وتسعين، و (كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة) لم يعمل مثله وهو عندي نسخة صحيحة
عتيقة جداً، و (كتاب شرح اشارات) أستفاذه العالم الكامل قدوة الحكماء وامام
الفضلاء الشيخ السعيد الشيخ علي بن سليمان البحراني وهو في غاية المتانة والدقة
على قواعد الحكماء المتألهين، وله (كتاب القواعد) في علم الكلام، و (كتاب المعراج
السماوي)، و (كتاب بحر الخضم)، و (رسالة في الوحي والالهام) وسمعت من بعض الثقاة
ان له شرحا ثالثاً على كتاب نهج البلاغة الكبير. مات عطر الله مرقده (سنة 679) تسع
وسبعين وستمائة ذكر ذلك الشيخ البهائي في المجلد الثالث من الكشكول.
(تتمة) هو ميثم بفتح الميم
والياء المثناة من تحت الساكنة والثاء المثلثة المفتوحة وبالميم اخيراً كما ذكره
بعض المحققين في حواشي خلاصة الأقوال في ترجمة ميثم احمد ابن الحسن الميثمي ما
نصه: هو منسوب الى ميثم التمار، وميثم بكسر الميم ولم يأت مفتوحا لا اسم ميثم
البحراني من المتأخرين ـ انتهى. ويلقب بكمال الدين كما في شرح زاد المسافرين
للفاضل المحقق ابن ابي جمهور الإحسائي في المباحث النبوية، وفي شرح الفصول
النصيرية للشيخ الخضر، وفي حاشية الفاضل الكلبي في أوائل مباحث البيان وفي الكشكول
للشيخ البهائي فى اول المجلد الرابع، وكذا في حاشيته على تفسير القاضي البيضاوي،
وفي مسألة وجوب الأصلح عليه سبحانه. وفي مجالس المؤمنين لقبه بمفيد الدين في موضعين
في ترجمة (يب) افضل المحققين خواجة نصير الدين الطوسي طيب الله مشهده وعطر مرقده.
وله في هذه الترجمة غلط فضيع نسبته الى زلة الفلم اهون من نسبته الى زلة القدم،
ولا باس بالتنبيه عليه فنقول: ذكر (قدس الله سره) نقلا عن اجازة العلامة (قده)
لأولاد زهرة ان افضل الحكماء نصير الدين الطوسي لما قدم الحلة لزيارة افضل
المحققين نجم الدين بن سعيد اجتمع علماء الحلة وفضلاء الامامية بمجلس نجم الدين بن
سعيد فسأل الخواجة السعيد نجم الدين عن أفضلهم؟ فأجاب الشيخ نجم الدين بان قال:
كلهم فضلاء علماء ما برز احدهم في فن الا وبرز آخر في آخر، فقال الخواجة: ايهم افضل
في علم الكلام واصول الفقه؟ فاشار الى والدي سديد الدين يوسف بن المطهر والى الشيخ
مفيد الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني. هذا حاصل ما نقله (قده) في مجالس
المؤمنين وهو نقل عجيب يضحك الثكلى وكأنه من سهو قلم النساخ، فان الموجود في
الرسالة ان الخواجة لما سأل المحقق نجم الدين عن افضل الجماعة في الأصولين، فاشار
المحقق الى الشيخ سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر والى الشيخ مفيد الدين محمد بن
الجهم الحلي وقال: هذان افضل هؤلاء الجماعة في علم الكلام و أصول الفقه، فتكدر
خاطر الفقيه يحيى بن سعيد ابن عم المحقق وارسل الى ابن عمه مكتوبا يعتب عليه وقال:
كيف ذكرت ابن المطهر وابن الجهم ولم تذكرني وضمنه هذه الابيات:
فأجابه
(قده) بما حاصله: انه ربما سألك الخواجة مسألة فوقفت فيحصل لنا الحياء هذا حاصل ما
في الرسالة المذكورة وهي عندي بنسخة عتيقة صحيحة. و مما يشهد ايضاً بان ما في
مجالس المؤمنين سهو صريح ان الشيخ كمال الدين ميثم ليس من علماء الحلة، و ايضاً
وجدت بخط بعض الافاضل المعتمدين ان الخواجة (قده) تلمذ على الشيخ كمال الدين ميثم
في الفقه والشيخ كمال الدين ميثم تلمذ على الخواجة في الحكمة، بالجملة فما في
مجالس المؤمنين غلط بغير ريبة.
(خاتمة) قد كثر استفادة
المشائخ المتأخرين و اقتباسهم من مشكاة تحقيقات شيخنا كمال الدين ميثم المذكور،
ولا بأس بالاشارة الى بعض ذلك فنقول: من تلك الجملة ما نقله عنه السيد الشريف
الجرجاني في شرح المفتاح وفي حاشية المطول معبراً عنه في شرح المفتاح ببعض
مشائخنا، وفي حاشية المطول ببعض الافاضل: قال في شرح المفتاح في تحقيق كون التشبيه
اصلا من اصول البيان ما نصه: والصواب في هذا المقام ما حققه بعض مشائخنا وهو ان
اللفظ بتوسط الوضع انما يفيد المعنى الموضع له او وله علامة معه بحيث ينتقل الذهن
من الموضوع له في الجملة وهو المسمى عندهم باللازم، واللفظ ان استعمل في الموضوع
له كان له حقيقة، وان استعمل في لازمه فأما ان يكون هناك علاقة المشابهة اوغيرها
فعلى الاول ان كان معه قرينة تنافي ارادة المعنى الموضوع له كان استعارة وان لم
يكن كان تشبيها، وعلى الثاني ايضا ان كان معه تلك القرينة المانعة كان مجازاً
مرسلا وان لم يكن كان كناية ـ انتهى.
ثم
قال بعد ذلك في الرد على من قال المقصود الأصلي في التشبيهات هو المعاني الوضعية:
انه ليس بشيء، فان قولك وجه كالبدر مثلا لا تريد به ما هو مفهومه وضعاً بل تريد به
ان ذلك الوجه في غاية الحسن و نهاية اللطافة، لكن ارادة هذا المعنى لا تنافي ارادة
المعنى الوضعي ـ انتهى. وعليها في بعض الحواشي ان المراد ببعض المشايخ كمال الدين
ميثم البحرانى(قد).
وقال في حاشية المطول: (فائدة) قال بعض
الافاضل: اذا قلت وجهه كالبدر ولم ترد به ما هو مفهومه وضعا بل اردت انه في غاية
الحسن و نهاية اللطافة لكن ارادة هذا المعنى لا تنافي ارادة المفهوم الوضعي كما في
الكناية ـ انتهى. قال الفاضل المحقق الچلبي في حاشية المطول: ان الفائدة المذكورة
منقولة من كلام كمال الدين ميثم البحراني وهذا التحقيق الذي افاده في غاية الجودة
والمتانة وعليه السيد السند في شرح المفتاح، وفي آخر كلامه في حاشية المطول:
واما قوله في اوله «الحق ان التشبيه اصل برأسه من اصول هذا الفن و فيه من النكت
واللطائف البيانية ما لا يحصى وله مراتب مختلفة في الوضوح والخفاء مع ان دلالته
مطابقية» فليس بمدافع لذلك كما قد يتوهم لانه بناء على ما ذكره التفتازاني في شرح
المفتاح من ان دلالة التشبيه وضعية، وغرضه توجيه الكلام على ذلك لا انه مختاره،
كيف وقد زيفه في شرح المفتاح. وفي الحاشية المذكورة ما نقله في الفائدة عن العالم
الرباني(قده) قد تنبه لذلك الفاضل الچلبي في حاشية المطول، ويخطر بالبال ايضاً في
توجيه كلامه انه اراد ان المعنى الوضعي مراد ايضاً وهو مدلول مطابقي، لأن دلالته
على تمام المعنى المراد مطابقية.
(ومنها) ما نقله عنه شيخنا
الشهيد الثاني(ره) في شرح اللمعة في مسألة الحج ماشياً من ان الحج راكباً افضل اذا
كان الباعث له على المشي توفير المال لأن دفع رذيلة الشح عن النفس من افضل
الطاعات، وكذا في شرح الشرائع معبراً عنه في الاول ببعضهم وفي الثاني ببعض الافاضل
قائلا فيها بعد نقله «وهو حسن» وفي المدارك صرح بنسبته اليه (قده) فقال بعد نقله:
اختاره الامام الرباني ميثم البحراني في شرح النهج وهو جيد لان الشح جامع لمساوي العيوب
كما ورد في الخبر، فيكون دفعه اولى من العبادة بالمشي. ويدل عليه ايضاً ما رواه
الكليني (ره) عن ابي بصير قال: سألت ابا عبدالله((عليه
السلام)) عن المشي والركوب ؟ فقال:
ان كان الرجل ماشياً ليكون افضل من نفقته فالركوب افضل.
(ومنها) ما نقله عنه شيخنا
البهائي (قدس الله سره) في شرح الحديث السابع عشر من كتاب الاربعين في الرد على
الأشاعرة حيث تمسكوا بالآية الكريمة اعني قوله تعالى: (فان
استقر مكانه فسوف تراني)على جواز رؤيته سبحانه
قالوا: انه سبحانه علق رؤية موسى((عليه السلام))
له تعالى على استقرار الجبل وهو في نفسه ممكن والمعلق على الممكن ممكن. وحاصل الرد
انه ليس المعلق عليه هو استقرار الجبل مطلقا فإن الجبل كان وقت هذا التعليق
مستقراً ايضا بل استقراره حال التجلي، و هو حينئذ غير ممكن لأنه سبحانه قد علق
عليه وقوع الرؤية بعد اخباره تعالى بعدم وقوعها بقوله (لن
تراني) و وقوع الرؤية بعد اخباره تعالى بعدم
وقوعها محال، فاستقرار الجبل الذي علق عليه هذا المحال محال، وتعليق وقوع ما علم
امتناع وقوعه على امر صريح في امتناع وقوع ذلك الامر كما تقول لمن يجاد لك في امر
ان كان كلامك هذا حقا فشريك الباري تعالى موجود، تريد بهذا أن حقية كلامه محال
كوجود الشريك للباري، وظاهر انه لا يلزم من هذا الكلام الاعتراف بوجود الشريك لتعليقه
على الممكن في ذاته وهو الصدق. ثم قال شيخنا البهائي (قده) بعد ذكره فتدبر وكتب في
الحاشية: كل هذا الكلام للشيخ المحقق كمال الدين ميثم البحراني، ووجه التدبر ابتداء
تمامية هذا الكلام على كون لن للنفي التأبيدي، اذ لو كان المعنى لن تراني في
الدنيا لم يتم كما لا يخفى ـ انتهى.
وما افاده (قده) في وجه
التدبر واضح السقوط لان كلام الشيخ كمال الدين ميثم (قده) يرجع الى منع قول الخصوم
ان المعلق عليه امر ممكن و هو الاستقرار.
وما ذكره مستند للمنع ويكفي
فيه التجويز والاحتمال، وحينئذ فلو منع الخصم كون لن للتأبيد كان كلاماً على السند
وهو غير مسموع وقد تقرر في موضعه.
(منها) ما نقله الشيخ
البهائي (قده) ايضاً عنه في حاشية البيضاوي في تحقيق مسألة وجوب الاصلح عليه
سبحانه من ان القائلين بوجوب الاصلح لا يزيدون ان كل ما هو اصلح بحال العبد فهو
واجب عليه تعالى. قال (قده): والمحققون منهم على ان هذه القضية جزئية، وقد نبه
جهابذتهم على ذلك ومنهم المحقق الطوسي (قده) في التجريد وان لم يتنبه لذلك الشارح
القديم والجديد، ويريدون ان كل اصلح لو لم يفعله لكان مناقضاً لغرضه فهو واجب عليه
تعالى، وقد صرح بذلك بعض الاعلام، وكتب (قده) في الحاشية ما نصه: المراد به الشيخ
المحقق كمال الدين ميثم البحراني صاحب شرح نهج البلاغة.
و(منها) ما نقله (قده) في المجلد الرابع من الكشكول عنه
(عطرالله مرقده) قال: في شرح للنهج الشيخ كمال الدين ابن ميثم: ان قلت كيف يجوز ان
يتجاوز الانسان في تفسير القرآن عن المسموع وقد قال النبي((صلى الله عليه وآله)): «من فسر القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار»
في النهي عن ذلك آثار كثيرة؟ قلت: الجواب عنه من وجوه (أ) انه معارض بقوله ((صلى الله
عليه وآله)): «ان للقرآن ظهراً وبطناً وحداً ومطلعاً» و بقول امير
المؤمنين((عليه السلام)): «الا ان يؤتي عبد فهماً
في القرآن» ولو لم يكن سوى الترجمة المنقولة فما فائدة في ذلك الفهم (ب)لولم يكن غير المنقول
لاشتراط ان يكون مسموعا من الرسول ((صلى الله عليه وآله))
وذلك لا يصادف الا في بعض القرآن، فاما ما يقوله ابن عباس وابن مسعود وغيرهم من
أنفسهم فينبغي ان لا يقبل ولا يقال هو تفسير بالرأي (ج) ان الصحابة والمفسرين اختلفوا في تفسير بعض الآيات
وقالوا فيها اقاويل مختلفة لا يمكن الجمع بينها، و سماع ذلك من رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) محال فكيف يكون الكل مسموعا؟ (د) انه صلى الله عليه
واله دعا لابن عباس فقال: «اللهم فهمه في الدين و علّمه التأويل» فان كان التأويل
مسموعا كالتنزيل ومحفوظا مثله فلا معنى لتخصيص ابن عباس بذلك (هـ)قوله تعالى: «لعلمه
الذين يستنبطونه منهم) فأثبت للعلماء استنباطا ومعلوم انه وراء المسموع، فاذاً
الواجب ان يحمل التفسير بالرأي على احد معنيين: (احدهما) ان يكون للانسان في شيء
رأي وله اليه ميل بطبعه فيتأول القرآن على وفق طبعه ورأيه، حتى لو لم يكن له ذلك
الميل لما خطر ذلك التأويل بباله سواء كان ذلك الرأي مقصداً صحيحاً او غير صحيح، كمن
يدعو الى مجاهدة القلب القاسي فيستبدل على تصحيح غرضه من القرآن بقوله تعالى:
(اذهب الى فرعون انه طغى) ويشير الى ان قلبه هو المراد بفرعون كما يستعمله بعض
الوعاظ تحسيناً للكلام وترغيباً للمستمع وهو ممنوع (الثاني) ان يشرع الى تفسير
القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما
فيها من الالفاظ المبهمة وما يتعلق به من الإختصار والحذف والاضمار والتقديم
والتأخير والمجاز، فمن لم يحكم بظاهر التفسير وبادر الى استنباط المعاني بمجرد فهم
العربية كثر غلطه ودخل في زمرة من فسر القرآن بالرأي، مثاله قوله تعالى: (وآتينا
ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها) فالناظر الى ظاهر العربية ربما يظن ان المراد ان
الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء وانما المعنى آية مبصرة ـ انتهى.
(اقول) قد سبقه الى التأويل
الأول ابو حامد الغزالى في اوائل الاحياء، فانه بعد ان بالغ في الرد على الباطنية
ومن يحذو حذوهم قال: ومثال تأويل اهل الطاعات قول بعضهم في تأويل قوله تعالى: (اذهب
الى فرعون انه طغى) انه اشار الى قلبه وقال: المراد بفرعون هو الطاغي على كل انسان،
وفي قوله تعالى: (الق عصاك) كلما تتوكا عليه وتعتمد مما سوى الله تعالى. وذكر
أمثلة اخرى مما تجري هذا المجرى ثم قال: فهذه امور تدرك بالتواتر والحس بطلانها
وبعضها يعلم بغالب الظن، وذلك في امور لا يتعلق بها الاحساس فكل ذلك حرام وضلالة
وافساد للدين على الخلق، ولم ينقل شيء من ذلك عن الصحابة و لا التابعين ولم يظهر
لقول رسول الله ((صلى الله عليه وآله)): «من فسر
القرآن برأيه فليتبوا مقعده من النار» معنى الا هذا النمط، وهو ان يكون غرضه ورأيه
تقرير امر وتحقيقه، فيستخير شهادة القرآن عليه وتحميله عليه من غير ان يشهد
لتنزيله عليه دلالة لفظية لغوية او نقلية. و ينبغي ان يفهم منه انه يجب ان لا يفسر
القرآن بالاستنباط والفكر، فان من الآيات ما نقل فيها عن الصحابة و التابعين
والمفسرين خمسة معاني وستة وسبعة وتعلم ان جميعها غير مسموعة من النبي ((صلى الله عليه وآله)) فانها قد تكون متنافية لا تقبل
الجمع، فيكون ذلك مستنبطا بحسن الفهم وطول الفكر، ولهذا قال النبى ((صلى الله عليه وآله)) لابن عباس: «اللهم فقهه في الدين
وعلمه التأويل» ـ انتهى.
و(منها) ما نقله الشيخ الفاضل المحقق الخضر بن محمد الرازي الحبارودي
(قده) في شرح الفصول النصيرية في مبحث انه لا يصح الاشارة اليه حسا في تحقيق قوله((عليه السلام)) في نهج البلاغة: «من اشار اليه فقد حدّه
ومن حده فقد عدّه» وهذه عبارته: قال شارحه كمال الدين البحراني: (الرابع عشر) كونه
غير مشار اليه، وأراد مطلق الإشارة وبين ذلك بقياس قوله: «فمن اشار اليه فقد حده»
الى قوله: فقد عدّه» بيان الأولى ان الإشارة اما حسية او عقلية، اما الحسية فلأنها
تستلزم الوضع والكون في المحل والحيز، وما كان كذلك فلابد ان يكون له حداً او حدوداً.
واما الاشارة العقلية فلأن المشار اليه حقيقة شيء زاعما انه وجده وتصوره فقد اوجب
له حداً يقف عنده ذهنه ويميزه به عن غيره، وبيان الثانية ان من حده بالاشارة الحسية
فقد جعله مركبا من امور متعددة، إذا الواحد في الوضع لا بمجرد الوحدة فقط وإلا لم
تتعلق الاشارة الحسية بل لابد معها من امور اخر مشخصة مخصصة له، فكان في نفسه
معدوداً لكثرته من تلك الجهة، و من حده بالاشارة العقلية فلابد وان يحكم بتركيبه
كما علمت ان كل محدود مركب في المعني فكان ايضا ذا كثرة معدودة، فاذاً الاشارة
المطلقة ممتنعة في حقه تعالى مستلزمة للجهل به ـ انتهى.
و(منها) ما ذكره الشيخ الفاضل محمد بن علي بن ابراهيم بن ابي
جمهور الإحسائي (قده) في شرح زاد المسافرين في مباحث القدرة نقلا عنه (قده) في
كتاب القواعد من ان القادر المختار هو الذي ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل.
و(منها) ما ذكره (قدس الله سره) ايضا في مباحث النبوة من ان
اعجاز القرآن لاشتماله على العلوم الغريبة. و من نفائس فرائده في شرح النهج ما
افاد في سر النهي عن تعلم النجوم، وهو ان الأحكام النجومية اخبارات عن امور ستكون
وهي تشبه الاطلاع على الأمور الغيبية، واكثر الخلق من العوام والنساء و الصبيان لا
يميزون بينها وبين علم الغيب والاخبار به، فكان تعلم تلك الأحكام والحكم لها
موجباً لضلال كثير من الخلق وموهناً لاعتقاداتهم في المعجزات، اذ الاخبار عن الكائنات
منها وكذلك فى عظمة ياريهم يشككهم في عموم صدق قوله تعالى: (قل لا يعلم من في
السموات و من في الأرض الغيب الا الله) و (عنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو
ويعلم ما في البر والبحر) وقوله تعالى: (عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في
الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي ارض تموت) فالمنجم اذا حكم
لنفسه بانه يصيب كذا في وقت كذا فقد ادعى ان نفسه تعلم ماذا تكسب غداً و بأي ارض
تموت و ذلك عين التكذيب للقرآن ـ انتهى. وقد اوردناه ايضاً في رسالتنا المعمولة في
حكم تعلم النجوم، و انما اطلنا الكلام في نقل جملة مما نقل عنه اعاظم العلماء
للتنبيه على جلالة شأنه وسطوع برهانه واعتماد الأئمة الأعلام على كلامه وحذوهم في
نقضه وابرامه. وكتب مؤلف الترجمة الموسومة بالسلافة الميثمية سليمان بن عبدالله
البحراني حامداً مصليا مسلما مستغفراً في الليلة السابعة والعشرين من شهر جمادي
الأولى سنة (1104) الرابعة والمائة والف من الهجرة النبوية بعد ربع الليل تقريباً.
الى هنا بخطه (قده).
(من كتاب اخلاق الناصري) من تصانيف
افضل المحققين الطوسي(ره):