احاديث في فضل علي (عليه السلام)

 

 (كتاب التذكرة) للسيد البارع السيد علي صدر الدين الشيرازي المشهور بسيد علي خان (قده) الحمد لله الذي اكمل بنبيه احمد نظام الدين و شرح بوصيه علي صدر الدين صلى الله عليهما وعلى ابنائهما الهادين ائمة الأمة والخلفاء الراشدين. وبعد: فيقول الفقير الى ربه الغني علي صدر الدين بن احمد نظام الدين الحسيني الحسني انالهما الله من فضله السني: حدثنا والدي السيد الأجل احمد نظام الدين عن والده السيد الجليل محمد معصوم عن شيخه المحقق المولى محمد امين الاسترابادي عن شيخه طرار المحدثين الميرزا محمد الاسترابادي عن السيد ابي محمد محسن قال: حدثني ابي علي شرف الآباء عن ابيه منصور غياث الدين استاذ البشر عن ابيه محمد صدر الحقيقة عن ابيه منصور غياث الدين عن ابيه محمد صدر الدين عن ابيه ابراهيم شرف الملة عن ابيه محمد صدر الدين عن ابيه اسحاق عز الدين عن ابيه علي ضياء الدين عن ابيه عزتشاه زين الدين عن ابيه ابي الحسن عن ابيه نجيب الدين عن ابيه اميري خطير الدين عن ابيه ابي علي الحسن جمال الدين عن ابيه ابي جعفر الحسين العزيزي عن ابيه ابي سعيد علي عن ابيه ابي ابراهيم زيد الأعشم عن ابيه ابي شجاع علي عن ابيه ابي عبدالله محمد عن ابيه ابي عبدالله جعفر عن ابيه احمد السكين عن ابيه جعفر عن ابيه ابي جعفر محمد عن ابيه زيد الشهيد عن ابيه علي زين العابدين عن ابيه الحسين سيد الشهداء عن ابيه امير المؤمنين علي بن ابي طالب((عليه السلام)) قال: سمعت رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) يقول ـ وقد سئل بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج ـ قال: خاطبني بلسان علي فالهمني ان قلت: يارب خاطبتني ام علي؟ فقال: يا احمد انا شيء ليس كالاشياء لا اقاس بالناس ولا اوصف بالشبهات، خلقتك من نوري وخلقت عليا من نورك، اطلعت على سرائر قلبك فلم اجد في قلبك احب من علي بن ابي طالب فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك.

 (توضيح) اقول: هذا الحديث الشريف رواه ايضاً ابو المؤيد الموفق ابن احمد الخوارزمي المعروف باخطب خوارزم في الباب السادس من كتاب مناقب اميرالمؤمنين((عليه السلام)) بسند آخر وبتغيير يسير في متنه ونصه: اخبرنا ابو القاسم نصر بن محمد بن علي بن زبران المقري حدثنا والدي ابو بكر محمد قال: حدثنا ابوعلي عبدالرحمن ابن محمد بن احمد النيسابوري حدثنا احمد بن محمد بن عبدالله الناينحي البغدادي حدثنا محمد بن جرير الطبري حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا العلا بن الحسين الهمداني حدثنا ابو مخنف لوط بن يحيى الأزدي عن عبدالله بن عمر قال: سمعت رسول الله((صلى الله عليه وآله)) ـ وسئل باي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج ـ قال: خاطبني بلغة علي فالهمني ان قلت: يا رب خاطبتني ام علي؟ فقال : يا احمد انا شيء لا كالأشياء لا اقاس بالناس ولا اوصف بالشبهات، خلقتك من نوري وخلقت علياً من نورك، فاطلعت على سرائر قلبك فلم اجد احداً الى قلبك احب من علي بن ابي طالب فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك ـ انتهى.

 واللغة كاللسان كما يطلق على ما يعبر به كل قوم عن أغراضهم كلغة العرب ولغة العجم يطلق على ما يعبر به الإنسان الواحد عن غرضه من النطق وتقطيع الصوت للذين يمتاز بهما الأشخاص بعضها عن بعض، ويعبر عنها باللهجة فيقول السائل في الحديث: باي لغة خاطبك ربك يحتمل المعنيين. وقوله((صلى الله عليه وآله)): «خاطبني بلسان علي» اي بلغة علي كما في رواية الخوارزمي مراداً به المعنى الثاني، وهو يتضمن الجواب عن المعنى الأول ايضاً إن كان مراداً لان لغة علي((عليه السلام)) كانت عربية. «وقاس الشيء بالشيء» قدره به، اي جعله على مقداره. «والشبهات» جمع شبهة كغرفة وغرفات، قال في القاموس: الشبهة بالضم الالتباس والمثل ـ انتهى. وارادة المعنى الثاني هنا اظهر، اي لا يوصف بالأمثال وان كان المعنى الأول ايضا ظاهراً.

 (رجع) وحدثنا والدي بالسند المذكور انه قال ((صلى الله عليه وآله)): «ان عليا لأخيشن في ذات الله (توضيح)الأخيشن تصغير اخشن افعل تفضيل من خشن خشونة ضد لان، قال في الاساس: ومن المجاز فلان خشن في دينه اذا كان متشدداً فيه ـ انتهى. والتصغير هنا للتعظيم كقوله: (دويهية تصفر منها الأنامل). واخيشن ممنوع من الصرف لوزن الفعل المفتح بزيادة هي بالفعل اولى من الصفة لأن مدار وزن الفعل المذكور على وجود الزيادة وان زالت صورته، وهذه فائدة قلّ من نبه عليها. و «ذات الله» عبارة عما يضاف اليه سبحانه من الأوامر والحدود والاحكام كجنب الله في قوله تعالى: (يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله) وفيه شاذ على استعمال «ذات الله» بهذا المعنى وردّ على ما انكره على انه قد حكى عن صاحب التكلمة جعل الله ما بيننا في ذاته وقال ابو تمام: (ويضرب في ذات الاله) ويرجع والمعنى انه((عليه السلام)) شديد التصلب والتشدد في الأمور الالهية لا يداري فيها ولا يداهن ولا يأخذه لومة لائم

 (رجع) وبالسند المذكور ايضاً انه قال((صلى الله عليه وآله)): «ان علياً((عليه السلام)) ممسوس في ذات الله» (توضيح في الأمساس) رجل ممسوس مجنون، وفي الجمل: الممسوس الذي فيه مس من جن ـ انتهى. وهو اما على التشبيه بحذف الأداة او على الاستعارة كقوله تعالى: (صم بكم عمي) ولأئمة البيان خلاف في هل يسمى ذلك تشبيها او استعارة والمحققون على تسميته تشبيها بليغا لا استعارة، ولبعضهم في ذلك تفصيل ذكرناه في انوار الربيع. والحاصل انه ((صلى الله عليه وآله)) شبهه((عليه السلام)) في تشدده وتصلبه في الأمور الالهية وعدم ملاحظته للوم لأئم او رعاية جانب بالمجنون الذي لا يبالي بما يقال فيه من لوم او مذمة، ولذلك نسبه اعداؤه الى الحمق وعدم المعرفة بتدبير الحروب واستمالة قلوب الرجال حتى فارقه كثير من اصحابه والتحقوا بمعاوية، وهو((عليه السلام)) لا يلتفت الى شيء من ذلك في التصميم على ايثار الحق والعدل والعمل بهما ولو كره الكافرون.

 (حكى الشعبي) قال: دخلت الكوفة وانا غلام في غلمان، فاذا أنا بعلي بن ابي طالب((عليه السلام)) قائما على صبرتين من ذهب وفضة، فقسم ما بين الناس حتى لم ييق شيء ثم انصرف ولم يحمل الى بيته قليلا و لا كثيراً، فرجعت الى ابي وقلت: لقد رأيت اليوم خير الناس او احمق الناس، قال: من هو؟ قلت: علي بن ابي طالب((عليه السلام)) رأيته يصنع كذا فقصصت عليه فبكى وقال: يا بني بل رأيت خير الناس.

 (وقال ابن ابي الحديد) كان((عليه السلام)) شديد السياسة خشنا في ذات الله لم يراقب ابن عمه في عمل كان ولاّه اياه ولا راقب اخاه عقيلا في كلام جبهه به واحرق قوماً بالنار وقطع جماعة وصلب آخرين، ولم يبلغ كل سائس في الدنيا في فتكه وبطشه وانتقامه مبلغ العشر مما فعل((عليه السلام)) في حروبه بيده واعوانه ـ انتهى. ويحتمل ان يكون وجه التشبيه له بالممسوس ما كان يعتريه((عليه السلام)) من الغشية والهزة لخشية الله تعالى عند اشتغال سره بملاحظة جلال الله ومراقبة عظمته سبحانه كما تضمنه حديث ابى الدرداء الذي حكى فيه شدة عبادته((عليه السلام)) حتى قال: فأتيته فاذا هو كالخشبة الملقاة فحركته فلم يتحرك فأتيت منزله مبادراً انعاه، فقالت فاطمة((عليها السلام)): ما كان من شأنه فأخبرتها فقالت: هي والله الغشية التي تأخذه من خشية الله. وعن زين العابدين((عليه السلام)) لما نزلت الآيات الخمس في (طس) ام من جعل الأرض قراراً انتفض علي انتفاض العصفور، فقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)): ما بالك يا علي؟ قال: عجبت يا رسول الله من كفرهم وحلم الله تعالى عنهم ـ الحديث. والله علم بمقاصد انبيائه.

 (رجع) وبالسند المتقدم ان عليا((عليه السلام)) قال: «كان لرسول الله ((صلى الله عليه وآله)) سر قلّما عثر عليه» (توضيح) ما المتصلة بقلّ زائدة كافة للفعل عن عمل الرفع وطلب الفاعلية عند الجمهور، ولا تتصل الا بقلّ او كثر اوطال. وزعم بعضهم انها في ذاك مصدرية لا كافة و هي وصلتها فاعل قلّ اي قل عثور عليه. وعلى كل تقدير فلقل حين اتصال ما بها استعمالان: (احدهما) استعمالها بمعنى النفي لأن القليل اقرب شيء الى النفي فيقوم مقامه وهو الاكثر، ومنه قول الشاعر:


قلّما يبرح اللبيب الى ما***يورث المجد داعياً ومجيبا

 


اي لا يبرح العاقل على احد هاتين الحالتين اما داعيا الى ما يورث المجد او مجيبا لما يدعو اليه. (والثاني) استعمالها بمعنى التقليل حقيقة، فتدل على وجود الشيء نزراً لا على نفيه وهذا هو الأصل فيها. اذا عرفت ذلك فالظاهر ان المراد هنا المعنى الثاني لا الأول اذ كان مفاد اخباره بهذا السر لرسول الله ((صلى الله عليه وآله)) اطلاعه هو عليه دون غيره والا فلكل احد سر قلّما عثرنا عليه، ولولا اطلاعه عليه لما علم ولا اخبر بأن له ((صلى الله عليه وآله)) سراً بهذه المثابة، و فائدة الاخبار بذلك تحدثه بما انعم الله عليه به من اختصاصه برسول الله ((صلى الله عليه وآله)) واطلاعه على سره دون غيره مضافا الى سائر خصائصه الشريفة التي كانت له من رسول الله ((صلى الله عليه وآله)). وتنكير المسند اليه من قوله: «سر» اما للنوعية اي من نوع السر غير ما يتعارفه الناس، او للتعظيم اي سر عظيم بلغ في شأنه ان لا يمكن ان يعثر عليه كل احد. والله اعلم بمقاصد اوليائه.

 (رجع) وحدثنا والدي (قده) بالسند المذكور متصلا الى زيد الشهيد انه قال: سمعت اخي الباقر((عليه السلام)) يقول: سمعت ابي زين العابدين((عليه السلام)) يقول: سمعت ابي الحسين يقول: سمعت علي بن ابي طالب((عليه السلام)) يقول: سمعت رسول الله((صلى الله عليه وآله)) يقول: «نحن بنو عبدالمطلب ما عادانا بيت الا وقد خرب، ولاعاوانا كلب الا وقد جرب، ومن لم يصدق فليجرب» (توضيح)قوله «بيت» اي اهل بيت كقوله تعالى: (فليدع ناديه) وقوله: (واسئل القرية)، وقوله «ولا عاوانا» اي عوي علينا، ايثار صيغة المفاعلة لافادة المبالغة فان الفعل متى غولب فيه بولغ قطعا، وعليه قوله تعالى: (يخادعون الله) على ما قاله الزمخشري وغيره من المفسرين، ومفاد المبالغة في الخبر ان مضمونه مقصور على من تمادى في عناده ولج واصرّ على خصامه دون من وقع ذلك منه نادراً ثم تاب واصلح، والكلب مستعار لمن هو في الخسة بمثابته. والله اعلم.

 (قال راقم هذه السطور) علي صدر الدين بن احمد نظام الدين بن محمد معصوم بن احمد نظام الدين بن ابراهيم بن سلام الله بن مسعود بن محمد صدر الحقيقة ابن منصور غياث الدين المذكور في سلسلة السند: هذه الأخبار الخمسة من مسلسل الحديث بالآباء بسبعة وعشرين اباً، وقل ما اتفق لنا ذلك في اخبار الخاصة حتى قال شيخنا الشيخ زين الدين الشهيد (قده) في شرح الدرايه بعد ايراده الحديث المسلسل المروي عن ابي محمد الحسين بن ابي طالب البلخي باربعة عشر اباً: هذا اكثر ما اتفق لنا روايته من الأحاديث المسلسلة بالآباء ـ انتهى. قال راقمه: واتفق توضيح ما لعله يحتاج الى التوضيح عجالة حال رقم الأخبار في هذه التذكرة، ولم اقف على شيء من ذلك لأحد من السلف فان اصبت فببركات اهل البيت((عليهم السلام)) والله يقول الحق وهدى السبيل، ورقم ذلك عشية يوم السبت لخمس بقين من شهر ربيع الاول سنة (1109) تسع و مائة والف احسن الله ختامها.

 (من الكتاب المذكور) من كلام امير المؤمنين((عليه السلام)): كل حقد حقدته قريش على رسول الله((صلى الله عليه وآله)) اظهرته في وسيظهر في ولدي من بعدي، مالي ولقريش انما وترتهم بأمر الله وامر رسوله فهذا جزاء من اطاع الله ورسوله إكانوا مؤمنين.

 (ومنه) قال لي رسول الله ((صلى الله عليه وآله)): «ان اجتمعوا عليك فاصنع ما امرتك والا فالصق كلكلك بالأرض» فلما تفرقوا عني جررت على المكروه ذيلي واغضيت على القذى جفني وألصقت بالأرض كلكلي.

 

(ما يتعلق بالعلقمي وزير المعتصم)

 

 (ومن الكتاب المذكور) الوزير مؤيد الدين محمد بن عبدالملك العلقمي كان وزيراً للمعتصم بالله ابي احمد عبدالله بن المنتصر. وكان المعتصم بالله ناظم حاشيتي المنظوم وناصب رايتي المعقول والمنقول جبلي الكرم عزيزي الاريحة، ومن شعره:


وقالوا فلان في الورى لك شاتم***وانت له بين الخلائق تمدح

فقلت ذروه ما به وطباعه***فكل اناء بالذي فيه ينضح

اذا الكلب لا يؤذيك عند نبيحه***فدعه الى يوم القيامة ينبح

 


وكان الخليفة المستعصم قد اكب على اللعب والطرب واللهو والتمتع بالملاهي وألقى ازمة اموره الى الوزير المذكور، فاستبد بالحل والعقد والأخذ والرد، الا ان مقربي الحضرة لم يكونوا يحترمونه ولا يجرونه مجرى الوزراء في آداب التوقير والاحترام، فكان كثيراً ما يتألم لذلك حتى تغيرت نيته وتكدر صفو اخلاصه وجرت لذلك أسباب أخر أقواها ان الأمير ابا بكر بن المستعصم حمله التعصب وحمية الجاهلية على ان بعث طائفة من الجند الى محلة الكرخ الذي هو موطن الشيعة فغاروا عليه وعاثوا فيه وقتلوا جماعة من الشيعة وأسروا بعض السادة العلويين و أخرجوا نساءهم وبناتهم حفاة عراة حواسر، و كان الوزير المذكور غاليا في مذهب التشيع فامتعض من هذه الواقعة وقامت عليه القيامة ونوى عليه ما نوى وكتب الى السيد محمد بن نصر الحسني ـ و كان من اكابر السادة ـ هذا الكتاب وابدى ما انطوى عليه امراً خفياً وأبان به ان تحت الضلوع داء دويا، والكتاب هو هذا: «منخدم بدعاء ليلي وثناء عطر مندلي وينهى انه خدم بها من النيل الى سامي مجده الأثيل ومجمل شوقه يغني عن التفصيل وابان عن شدة القرم الى شريف تلك الشيم وينهي بعد الدعاء لايامه لا اخلانا الله من انعامه انه قد نهب الكرخ المعظم وديس البساط النبوي المكرم وقد نهبوا العترة العلوية واستأسروا العصابة الهاشمية، وقد حسن التمثل بقول شخص من غزية:


امور يضحك السفهاء منها***ويبكي من عواقبها اللبيب

 


فلهم اسوة بالحسين((عليه السلام)) اذ نهب حرمه واريق دمه أمرتهم بمنعرج اللوي فلم يستبينوا النصح الأضحى الغدى، وقد عزموا لا أتم الله عرفهم ولا نفذ امرهم على نهب الحلة والنيل بل سولت لهم انفسهم امر فصبر جميل، وينهى ان الحازم اسلفهم الانذار واحلسهم الاعذار وخاطبهم اسراراً وراسلهم جهاراً:


ارى تحت الرماد وميض جمر***ويوشك ان يكون له ضرام

وان لم يطفها عقلاء قوم***يكون وقودها جثث ضخام

فقلت من التعجب ليت شعري***أأيقاض امية ام نيام


وكان جوابهم بعد خطابي ان لابد من الشنيعة و قتل الشيعة و احراق النهامة وتمزيق الذريعة وان لم تكن لكلامنا مطيعا جرّعناك الحمام تجريعا وكلامك كلام وجوابك سلام، ولتتركن في بغداد أضل من الحنا عند الأقرع ومن الخاتم عند الأقطع ولتهملن اهمال الفلاسفة مخطورات الشرائع، و تلقى اهل القرى شرار الطبائع.


وزير رضى من بأسه و انتقامه***بطي رقاع حشوها النظم والنثر

كما تسجع الورقاع وهي حمامة***وليس لها نهي يطاع ولا امر

 


ولأفعلنّ بلبي كما قال المتنب:


قوم اذا أخذوا الاقلام من غضب***ثم استمدوا بها ماء المنيات

نالوا بها من اعاديهم وان بعدوا***ما لم ينالوا بحد المشرفيات

 فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بل ولنخرجنهم منها اذلة وهم صاغرون.

وديعة من سر آل محمد***اودعكها ان كنت من امنائها

فاذا رأيت الكوكبين تقارنا***في الجري عند صباحها ومسائها

فهناك يأخذ ثار آل محمد***طلابه بالترك من اعدائها

 فكن لهذا الأمر بالمرصاد وترقب اول النحل واخر صاد.

سهام الليل منجحة المساعي*** إذا رميت بأوتار الخشوع

تصاب بها المقابل حيث كانت *** فتنفذ في الجواشن والدروع

 


انتهت الرسالة. ثم دبر من الامر ما دبر حتى اهلك تلك الدولة ودمر. وآخر سورة ((صلى الله عليه وآله)) قوله تعالى: (ولتعلمن نبأه بعد حين). واول النحل قوله تعالى: (اتى امر الله فلا تستعجلوه) وفي الوزير المذكور يقول ابن ابي الحديد:


بآل العلقمي ورت زنادي *** وقامت بين اهل الفضل سوقي

فكم ثوب انيق نلت منهم *** ونلت بهم وكم طرف عتيق

ادام الله دولتهم وانحا *** على اعدائهم بالخنعقيق

 


(عن الشقرائي اني) مولى رسول الله((صلى الله عليه وآله)) قال: خرج العطاء ايام ابي جعفر وما لي شفيع فبقيت على الباب متحيراً فاذا أنا به جعفر بن محمد((عليه السلام)) فقمت اليه فقلت: جعلني الله فداك انا مولاك الشقرائي، فرحب بي وذكرت له حاجتي فنزل ودخل وخرج وعطائي في كمه فصبه في كمي ثم قال: يا شقرائي ان الحسن من كل احد حسن وانه منك احسن لمكانك منا، والقبيح من كل احد قبيح وهو منك اقبح لمكانك منا.

وانما قال له ذلك لأن الشقرائي كان يصيب من الشراب، فانظر كيف احسن السعي في استنجاز طلبته وكيف رحب به واكرمه مع اطلاعه على حاله وكيف وعظه على جهة التعريض وما هو الا من اخلاق الأنبياء (قال في القاموس) شقران كعثمان مولى للنبي ((صلى الله عليه وآله)) واسمه صالح.

 (كان يقال) اربعة لم يكونوا ومحال ان يكونوا: زبيري سخي، ومخزومي متواضع، وشامي صحيح النسب، وقرشي يحب آل محمد ((صلى الله عليه وآله)).

 (قعد رجل) في سفينة وركب معه يهودي قد احتضن سلة فيها قديد، فاستولى عليها الرجل فأخذ يأكلها حتى لم يبق إلا عظيمات، فلما أراد الخروج منها رأى اليهودي السلة فارغة فسأل عن ذلك فقيل له: ان هذا الرجل أكل ما فيها، فولول اليهودي فقال: اكلت ابي فسأل عن ذلك فقال: ان ابي كان اوصى ان يدفن ببيت المقدس فلما مات قددناه ليسهل حمله فأكله هذا.

 (حكى) ان عبدالملك بن مروان جلس يوماً وعنده جماعة من خواصه فقال: ايكم يأتيني بحروف المعجم في بدنه وله علي ما يتمناه؟ فقام اليه سويد بن غفلة فقال : انا لها يا امير المؤمنين، فقال: هات قال: انف بطن ترقوة ثغر جمجمة حلق خد دماغ ذكر رقبة زند ساق شفة صدر ضلع طحال ظهر عين غنية فم قفا لسان منخر نغنوغ وجه هامة يافوخ وهذه آخر حروف المعجم والسلام. فقام بعض الحاضرين وقال: يا امير المؤمنين انا اقولها من جسد الإنسان مرتين، فضحك عبدالملك وقال لسويد: اسمعت ما قال؟ قال: اصلح الله الأمير انا اقولها ثلاثاً، فقال عبدالملك: ولك ما تتمناه فأنشد شعراً: انف اسنان اذن بطن بنصر برترقوة تمرة تينه ثغر ثنا ياثري جمجمة جنب جبهة حلق حنك حاجب خد خنصر خاصرة دبر دماغ درادير ذكر ذقن ذراع رقبة رأس ركبة زند زردم زب ساق سرة سبابة شفة شعر شارب صدر صدغ صلفة ضلع ضفيرة طرس طحال طرة طيز ظهر ظفر ظرعين عنق عاتق غيبة غلصمة غنمة فك فم فؤاد قلب قفا قدم كف كتف كعب لسان لحية لوح مرفق منخر منكب نغنوغ ناب ني هامة هيئة هيف وجه وجنة ورك يمين يسار يافوخ، ثم نهض مسرعا فقبل الأرض بين يدي عبدالملك فأعطاه ما تمناه.

 

(شيء من ترجمة الحجاج الثقفى)

 (وفي مروج الذهب للمسعودي) ان أم الحجاج ولدته لا دبر له ثقب له دبر وابى ان يقبل الثدي. (وفي الحديث) ان ابليس تصور لهم بصورة الحارث بن كلدة زوج امه الأول فقال: ذبحوا له تيساً والعقوه من دمه واطلوا به وجهه وبدنه ففعلوا به ذلك فقبل الثدي، فلأجل ذلك لا يصبر عن سفك الدماء. وكان يخبر عن نفسه ان اكبر لذاته في سفك الدماء وارتكاب امور لا يقدر عليها غيره، واحصي من قتل بأمره سوى من قتل في حروبه فكانوا مائة الف وعشرين الفاً، ووجد في سجنه خمسون الف رجل وثلاثون الف امرأة لم يجب على احد منهم حد قتل ولا قطع، وكان يحبس الرجال والنساء في مكان واحد وقيل: لو جاءت كل امة بخبيثها وفاسقها وجئنا بالحجاج وحده لزدنا عليهم. (وفي الأثر) ان هند بنت النعمان كانت احسن اهل زمانها فتزوجها الحجاج وشرط لها بعد الصداق مائتي الف درهم، فأقامت عنده ما شاء الله ثم دخل عليها في بعض الأيام وكانت تنظر في المرآة فتقول شعراً:


وما هند الا مهرة عربية***سليلة افراس تجللها بغل

فان ولدت فحلا فللّه درها***وان ولدت بغلا فجاء به الفحل

 


فانصرف الحجاج ولم تكن علمت به فأرسل اليها عبدالله بن طاهر مع مائتي الف درهم وقال: طلقها بكلمتين، فدخل عليها فقال لها: الحجاج يقول لك كنت فبنت وهذه المائتي الف درهم باقي صداقك، فقالت: يا ابن طاهر كنا فما حمدنا وبنا فما ندمنا وهذه المائتي درهم بشارة لك بخلاصي من كلب ثقيف. ثم بعد ذلك بلغ خبرها عبدالملك بن مروان فأرسل يخطبها فأرسلت اليه كتاباً تقول فيه بعد التحية: ان الاناء ولغ فيه الكلب، فلما قرأ الكتاب ضحك من قولها وكتب اليها يقول: اذا ولغ الكلب في اناء احدكم فاغسلوه سبعا احداهن بالتراب فاغسلي الاناء يحل الإستعمال، فكتبت اليه: اتزوجك بشرط وهو ان يحمل الحجاج محملي من المعرة بلدي الى بلدك التي انت فيها ويكون ماشيا حافيا بحليه التي كان عليها اولا، فلما قرأ عبدالملك الكتاب ضحك وارسل الى الحجاج يأمره بذلك، فامتثل الأمر فركبت في محملها وركب حولها جواريها واخذ الحجاج بزمام البعير يقوده فجعلت هند تضحك عليه مع الهيفاء دايتها، فلما قربت من عبدالملك رمت بدينار على الأرض ونادت يا جمال انه سقط منا درهم فادفعه الينا، فنظر الحجاج الى الأرض فلم يجد الا ديناراً فناولها اياه فقالت: الحمد لله سقط منا درهم عوضنا الله ديناراً، فخجل الحجاج وسكت.

 (ولله در القائل):


اذا نعمت نفسي فأنت نعيمها***وان تلفت وجداً فأنت سقيمها

بأسمائك الحسنى اروح خاطري***اذا هبّ من روض الجنان نسيمها

هواي قديم في هواك وجدته ***وافضل اهواء الرجال قديمها

ابا حسن ان كان حبك مدخلي***جهنم كان الفوز عندي جحيمها

وكيف يخاف النار من هو موقن***بأنك مولاها وانت قسيمها

فوا عجبا من امة كيف ترتجي***من الله غفراناً وانت خصيمها

فيا ليتني يوم القيامة خائضاً***دماء نفوس حاربتك حسومها

ستعلم ليلى أي دين تداينت***واي غريم في التقاضي غريمها

 


(وفي تاريخ ابن الجوزي) عن هشام بن حسان قال: احصينا من قتله الحجاج صبراً فبلغ مائة الف وعشرين الف قال: ووجد في سجنه ثلاث وثلاثون ألفاً ما يجب على احدهم قطع ولا صلب ولا قتل، وكان سجنه حائطا محوطا لا سقف فيه، واذا آوى المسجونون الى الجدران يستظلون بها من حر الشمس رمتهم الحرس بالحجارة وكان يطعمهم خبز الشعير مخلوطا بالملح والرماد، وكان لا يلبث الرجل في سجنه الا يسيراً حتى يسود ويصير كأنه زنجي، حتى ان غلاما حبس فيه فجاءت اليه امه بعد ايام تتعرف خبره فلما تقدم اليها انكرته وقالت: ليس هذا ابني هذا بعض الزنج، فقال: لا والله يا اماه انت فلانة واني فلان فلما عرفته شهقت شهقة كان فيها نفسها، وكان امارة الحجاج على العراق عشرين سنة وآخر من قتل سعيد بن جبير فوقعت الا كلة في بطنه وأخذ الطبيب لحما فشده في خيط وامره بابتلاعه ثم استخرجه فاذا قد لصق به دود كثير فعلم انه ليس بناج.

 (من الديوان المرتضوي) عن الاصبغ بن نباتة قال: دخل الحارث الأعور على أمير المؤمنين((عليه السلام)) كئيبا حزيناً متغير اللون فقال له: يا حارث مالي أراك كئيبا حزيناً متغير اللون؟ فقال: يا امير المؤمنين وكيف لا اكون كذلك وقد كبرت سني ودق عظمي واقترب أجلي، فقال((عليه السلام)):


يا حار همدان من يمت يرني***من مؤمن او منافق قبلا

يعرفني طرفه و اعرفه***بنعته واسمه وما فعلا

وانت عند الصراط معترضي***فلا تخف عثرة ولا زللا

اقول للنار حين توقف***للعرض لا تقربين ذا الرجلا

ذريه لا تقربيه ان له***حبلا بحبل الوصي متصلا

اسقيك من بارد على ظمأ***تخاله في الحلاوة العسلا

قول على لحارث عجب***كم تم اعجوبة له جملا

 


(نغمة الأغاني)للسيد علي المعروف بصدر الدين الشيرازي صاحب الفنون البديعة:

يقول راجي الصمد علي بن احمدحمداً لمن هداني

بالنطق والبيان واشرف الصلاة من واهب الصلاة على النبي الهادي وآله الأمجاد وبعد فالكلام لحسنه اقسام والقول ذوفنون في الجد والمحبون وروضة الاريضي السجع والقريض والشعر ديوان العرب وكم انال من ارب  فاقبل اذا رمت الأدب اليه من كل حدب رواية الأشعار تكسو الأديب العاري وترفع الوضيعا وتكرم الشفيعا وتطرب الاخوانا وتذهب الأحزانا وتنعش العشاقا وتونس المشتاقا  وتنسخ الأحقادا وتثبت الودادا وتقدم الجبانا وتعطف الغضبانا وتنعت الحبيبا والرشأ المريبا وخيره ما أطربا مستمعاً وأعجبا وهذه الأرجوزة في فنها وجيزة بديعة الألفاظ تسهل للحفاظ تطرب كل سامع بحسن لفظ جامع  ابياتها قصير ما شأنها قصور ضمنتها معاني  في عشرة الإخوان  تشرح للألباب محاسن الآداب فان حسن العشرة ما حاز قوم عشرة  واكثر الإخوان في العصر والأوان صحبتهم نفاق ما زانها وفاق يلقي الخليل خله بظا اتى محله بظاهر مموه وباطن مشوه يظهر من صداقته ما هو فوق طاقته والقلب منه خاليكفارغ المخالي حتى اذا ما انصرفا  اعرض عن ذاك الصفا  وان يكن ثم حسد انشب انشاب الاسد في عرضة مخالبه مستقصياً مثالبه مجتهداً في غيبته   لم يرع حق غيبته  فهذه صحبة من تراه في هذا الزمن فلا تكن معتمدا على صديق أبداً وان اطقت الا  تصحب منهم خلا فانك الموفق بل السعيد المطلق  وان قصدت الصحبة فخذ لها في الأهبة واحرص على آدابها تعدّ من اربابها واستنب عن شروطها والزم عرى مشروطها وان اردت علمها وحدها ورسمها فاستمله من رجزي  هذا البديع الموجز فانه كفيل بشرحه حفيل  فصلته فصولا تقرّب الوصولا لمنهج الآداب   في صحبة الاصحاب  تهدي جميع الصحب الى الطريق الرحب  سميتها اذ طربا بنظمنه واغربا بنغمة الأغاني  في عشرة الاخوان والله ربي اسأل وهو الكريم المفضل الهامي  الامدادا ومنجي السدادا .

 

(فصل في تعريف الصديق والصداقة)

قالوا الصديق من صدق  في حبه وما مذق   وقيل من لم يعطنا في قوله انت انا   وقيل لفظ لا يرى  معناه في هذا  الورى وفسروا الصداقة   بالحب حسب الطاقة  وقال من قد اطلقا هي الوداد مطلقا   وآخرون نصوا بأنها اخص وهو الصحيح الراجح والحق فيه واضح   إذ خلة الصديق عند اولى التحيق   محبة بلا غرض  والصدق فيها مفترض ومطلق الحب أعم ومن ابى فقد زعم  وحدها المعقول عندي ما اقول   هي بلا اشتباه اخوة في الله

 

(فصل فيما ينبغي ان يصادق ويصافا ويصاحب ويوافا)

 

اذا صحبت فاصحب ذا حسب ونسب  رب صلاح وتقى ينهاه عما يتقي   من غية وغدر وخدعة ومكر مهذب  لاخلاق   يطرب للتلاقي  يحفظ حق غيبتك يصون ما في عيبتك  يزينه ما زانكا  يشينه ما شانكا يظهر منك الحسنا  ويذكر المستحسنا  ويكتم المعيبا ويحفظ المغيبا   يسره ما سركا ولا يذيع سركا ان قال قولا صدقك   او  قلت انت صدقك  وان شكوت عسرا افدت منه يسرا   يلقاك بالأمان  من حادث الزمان يهدي لك النصيحة   بنية صحيحة  خلته مدانية في العسر والعلانية  صحبته لا لغرض  فذاك في القلب مرض لم يتغير ان ولي   عن الوداد الأول يرعى عهود الصحبة لا سيما في النكبة  لا يسلم الصديقا ان بال يوما ضيقا يعين ان امر عنا  ولا يفوه بالخنا يولي ولا يعتذر عما عليه يقدر   هذا هو الأخ الثقة المستحق للمقة ان ظفرت يداكا  به فكد عداكا فانه السلاح والكف والجناح  وقد روى الرواة السادة الثقاة عن الامام المرتضى سيف الآله المنتضى في الصحب والاخوان انهما صنفان  اخوان صدق وثقة وانفس متفقة هم الجناح واليد  والكهف والمستند والأهل والأقارب اذنتهم التجارب  فافدهم بالروح في القرب والنزوح واسلك بحيث سلكوا وابذل لهم ما تملك  فلا يزول مالكا من دونهم لما لكا  وصاف من صافاهم وناف من نافاهم واحفظهم وصنهم وانف الظنون عنهم فهم اعز في الورى ان عنّ خطب او عرى من احمر الياقوت بل من حلال القوت واخوة للأنس  ونيل حظ النفس هم عصبة المجاملة لا الصدق في المعاملة منهم تصيب لذتك اذ الهموم بدتك فضلهم ما وصلوا  وابذل لهم ما بذلوا من ظاهر الصداقة بالبشر والطلاقة  ولا تسل ان ظهروا  للود عما اضمروا واطوهم مد الحقب  طي السجل للكتب وقال بشر الحافي بل عدة الأصناف  ثلاثة فالأول للدين و هو الافضل وآخر للدنيا  يهديك نجد العليا وثالث للأنس لكونه ابن جنس فأعط كلا  ما يجب  وعن سواهم فاحتجب

 

(فصل في شروط الصداقة وادابها)

 

صداقة الاخوان الخلص الأعوان  لها شروط عدة على الرخا والشدة والرفق والتلطف والود والتعطف وكثرة التعهد لهم بكل معهد  البر بالأصحاب من أحكم الأسباب والنصح للاخوان من اعظم الانسان والصدق والتصافي من أحسن الاوصاف دع خدع المودة للأوجه المسودة فالمحض في الاخلاص كالذهب الخلاص حفظ العهود والوفا  حق لأخوان الصفا عاملهم بالصدق واصحب بحسن الخلق والعدل والانصاف وقلة الخلاف ولا قهم بالبشر  وحيهم بالشكر صفهم بما يستحسن واخف ما يستهجن وان رأيت هفوة فانصحهم في الخلوة بالرمز والاشارة  والطف العبارة  اياك والتعنيفا والعذل والعنيفا  وان ترد عتابهم فلا تسيء خطابهم وأحسن العتاب  ما كان في كتاب فالعتب في المشافهة ضرب من المسافهة  وعن امام النحل قاتل كل فحل عابت اخاك الجاني  بالبر والإحسان حافظ على الصديق في الوسع والمضيق  فهو نصيب الروح ومرهم الجروح وفي الحديث الناطق عن الإمام الصادق من كان ذاحميم نجا من الجحيم  لقول اهل النار  وعصبة الكفار فما لنا من شافع ولا صديق نافع والقرب في الخلائق امن من البوائق  فقارب الأخوانا  وكن لهم معوانا لا تسمع المقالا فيهم وان توالا  فمن اطاع الواشي سار بليل غاش  وضيع الصديقا  وكذب الصديقا وان سمعت قيلا  يحتمل التأويلا فاحمله خير محمل فعل الرجال الكمل  وان رأيت وهنا  فلا تسمهم طعنا فالطعن بالكلام  عند ذوي الأحلام انفذ في الجنان من طعنة السنان فعد من زلاتهم  وسد من خلاتهم سل عنهم ان غابوا وزرهم ان آبوا واستنب عن احوالهم وعف عن اموالهم  اطعهم ان امروا وصلهم ان هجروا فقاطع الوصالا كقاطع الاوصالا  ان نصحوك فاقبل وان دعوك فاقبل واصدقهم في الوعد  فالخلف حق الوغد  واقبل اذا ما اعتذروا  اليك مما ينكر وارع صلاح حالهم واشفق على امحالهم  وكن له غياثا  اذ الزمان عاثا واعطهم ما املوا ان اخثصبوا او امحلوا .

 

(فصل في اعانة الاخوان في نوائب الحدثان وحوادث الزمان وهو كما رقم)

 

حقيقة الصديق  تعرف عند الضيق  وتخبر الاخوان اذا جفى الزمان لا خير في اخاء  يكون في الرخاء وانما الصداقة في العسر والاضاقة  لا تدخر المودة الا ليوم السدة ولا تعدّ الخلة  الا لسد الخلة اعن اخاك واعضد  وكن له كالعضد لا سيما ان قعدا به الزمان أو عدي  بئس الخليل من نكل  من حله اذا اتكل لا تجف في حال اخا ضر الزمان او سخا وان شكى من خطبه فزد من اللطف به  واسع لكشف كربته  واحفظ عهود صحبته وكن له كالنور  في ظلمة الديجور ولا تدع ولا تذر ما تستطيع من نظر  حتى يزول الهم ويكشف الملم ان الصديق الصادقا  من فرّج المضائقا  واكرم الأخوانا اذا شكوا هوانا واسعف الحميما من حمله العظيما وانجد الأصحابا ان ريب دهر نابا اعانهم بماله ونفسه  وآله ولا يرى مقصرا  في بذل مال وقرا فعل ابي امامة مع خلة الحمامة فان اردت فاسمع حديثهم كيما تعي

 

(حديث الفار والحمامة وهو مثل لمعاونة الاخوان في نوائب الزمان)

 

روى اولو الاخبار  وناقلوا الآثار عن سرب طير سارب من الحمام الراعبي  بكر يوماً سحرا وسار حتى اسحرا في طلب المعاش  وهو ربيط الجاش  فابصروا على الثرا حبا منقا منثرا فاحمدوا الصباحا  واستيقنوا النجاحا واسرعوا اليه  وأقبلوا عليه حتى اذا ما اصطفوا حذاءه اصفوا فصاح منهم حازم  لنصحهم ملازم مهلا فكم من عجلة  ادنت لحي اجله  تمهلوا لا تقعوا وانصتوا لي واسمعوا اليّة بالرب   ما نثر هذا الحب في هذه الفلات الا لأمر عاتي  اني ارى حبالا قد ضمنت وبالا وهذه الشباك في ضمنها الهلاك فكابدوا المجاعة وأنظروني ساعة حتى ارى واختبروالفوز حق المصطبر فاعرضوا عن قوله واستضحكوا من هوله  قالوا وقد غطى القدر السمع منهم والبصر  ليس على الحق مرا حب معدي للقرا  القي في التراب للأجر والثواب ما فيه من محذور  لجائع مضرور اغدوا على الغذاء فالجوع شر داء فسقطوا جميعا للقطه سريعا وما دروا ان الردى اكمن في ذاك الغذا فوقعوا في الشبكة وايقنوا بالهلكة  وندموا وما الندم  مجد وقد زلّ القدم فأخذوا في الخبط لحل ذاك الربط فالتوت الشباك والتفت الأشراك فصاح ذاك الناصح ما كل سعي ناجح هذا جزاء من عصى نصيحة وانتقصا  للحرص طعم مر وشره شمّر  وكم غدت امنية  جالبة منية وكم شقا في نعم  ونقم في لقم  فقالت الجماعة دع الملام الساعة ان اقبل القناص فما لنا مناص والفرك في الفكاك  من ورطة الهلاك  اولى من الملام وكثرة الكلام وما يفيد اللاحي  في القدر المتاح فاحتل على الخلاص كحيلة ابن العاص فقال ذاك الحازم طوع النصيح لازم فان اطعتم نصحي ظفرتم بالنجح وان عصيتم امري خاطرتم بالعمر فقال كل هات فكرك في النجاة جميعنا مطيع لما ترى سريع  وليس كل وقت  يضل عقل الثبت فقال لا ترتبكوا  فتستمرم الشبك واتفقوا في الهمة لهذه الملمة حتى تطيروا بالشرك وتأمنوا من الدرك ثم الخلاص بعد لكم علي وعد  فقبلوا مقاله  وامتثلوا ما قاله  واجتمعوا في الحركة  وارتفعوا بالشبكة فقال سيروا عجلا سيراً يفوت الأجلا ولا تملوا فالملل يعوق والخطب جلل فأمهم وراحوا كأنهم رياح   واقبل الحبال في مشيه يختال  يحسب ان البركة  قد وقعت في الشبكة فأبصر الحماما  قد حلقت اماما وفلّت الحبالة واوقعت خياله  فعض غيضاً كفه  على ذهاب الكفه فراح يعدو خلفها  يرجو اللحاق سفها  حتى اذا ما يئسا عادلها مبتئسا  واقبل الحمام كأنه غمام على فلاة قفر من الأنام صفر  فقالت الحمامة بشراكم السلامة  هذا مقام الأمن من كل خوف يغني وان اردتم فقعوا لا يعتريكم فزع  فهذه المومات لنا بها النجات ولي بها خليل احسانه جزيل ينعم بالفكاك  من ربقة الشباك فلجأوا اليها ووقعوا عليها فنادت الحمامة اقبل ابا امامة فأقبلت فويرة  كانها نويرة  تقول من ينادي ابي بهذا الوادي  قال لها المطوق انا الخليل الشيق قولي له فليخرج  واذنيه بالمجي فرجعت واقبلا فار يهد الجبلا فأبطر المطوقا فضمه واعتنقا فقال اهلا بالفتى ومرحبا بمن اتى قدمت خير مقدم  على الصديق الأعظم فادخل بيمن داري  وشرفن مقداري وانزل برحب ودعة  وجفنة مدعدعة واشف جوى القلوب بوصلك المحبوب فالشوق للتلاق قد بلغ التراقي فقال كيف انعم ام كيف يهني المنعم وهل يطيب عيش  ام هل يقرّ طيش واسرتي في الأسر يشكون كل عسر اعناقهم في غل وكلهم في ذل فقال مرني ائتمر عداك نحس مستمر قال اقرض الحباله قرضا بلا ملالة وخلص الأصحابا  واغتنم الثوابا  وحل قيد اسرهم وفكهم من اسرهم  قال امرت طائعا وعبد ودّ سامعا فقرض الشباكا  وقطع الاشراكا وخلص الحماما وقد رءا الحماما فاعلنوا بحمده  واعترفوا بمجده فقال قروا عينا ولا شكوتم اينا وقدم الحبوبا للأكل والمشروبا وقام بالضيافة  بالبشر واللطافة اضافهم ثلاثا من بعد ما اغاثا فقال ذاك الخل الخير لا يمل فقت ابا امامه  جودا على ابن مامة وجيت بالصداقة بالصدق فوق الطاقة البستنا اطواقا وزدتنا اطواقا من فضلك الجميل وفعلك الجزيل مثلك من يدخر لريب دهر يحذر وترتجيه الصحب ان عز يوم خطب فاذن بالإنصراف   لنا بلا تجافي دام لك الانعام  ما غرد الحمام ودمت مشكور النعم  مارن شاد بنغم فقال ذاك الفار جفا الصديق عار ولست ارضى بعدكم لا ذقت يوماً فقدكم ولا ارى خلافكم ان رمتم انصرافكم  عمتكم السلامة في الظعن والإقامة  فودعوا وانصرفوا والدمع منهم يذرف فاعجب لهذا المثل المعرب المؤثل او ردته ليحتذى اذا عرى الخل اذى .

 

(فصل باتحاد الصديقين واتصاف كل منهما بصفات الاخر)

 

الصدق في الوداد يقضي بالاتحاد في النعت والصفات والحال والهيئات فيكتسى المشوق ما كسي المعشوق حتى يظن انه من الحبيب كنهه لشدة العلاقة والصدق في الصداقة وهذه القضية  في حكمها مرضية  اثبتها البيان  النقل والعيان  لذاك قال الأول والحق لا يأوّل  نحن من المساعدة نحيى بروح واحدة  ومثلوا بالجسد والروح ذي التجرد فالروح ان امرعنا تقول للجسم انا وقال جد الناظم  مستند الأعاظم من للعلوم قد نشر  منصور استاد البشر ولم هاذا الحكم لم يقترن بعلم  وانه قد ظهرا مشاهداً بلا مرا فمنه ما جرى لي  في غابر الليالي  اصابني يوم الم  من غير انذار الم  فاحترت منه عجبا لما فقدت السببا واستغرقتني الفكر حتى اتاني الخبر ان صديقا لي عرض  لجسمه هذا المرض فازداد عند علمي  تصديق هذا الحكم فالصدق في المحبة  توجب هذي النسبة فكن صديقا صادقا ولا تكن مماذقا حتى تقول معلنا  اني ومن اهوى انا

 

(فصل في تزاور الأخوان وتلاقيهم)

 

تزاور الإخوان  من خالص الإيمان ان التآخي شجرة لها التلاقي ثمرة  لا تترك الزيارة  فتركها حقارة كل أخ زوار  وان تناءت دار وقد رأوا آراء واختلفوا اهواء  في الحد للزيارة والمدة المختارة فقيل كل يوم كالشمس بين القوم وقيل كل شهر مثل طلوع القمر وقيل ما نص الأثر عليه نصاً واشتهر زر من تحب غبا تزدد اليه حبا واختلفوا في السغب عن اي معنى ينبي  فقيل عن ايام خوفا من الابرام وقيل عن اسبوع  وقفا على المسموع وقيل بل معناه زر يوماً ويوماً لا تزر فاعمل بما تراه في وصل من تهواه وزر اخاك عارفا بحقه ملاطفا وان حللت منزله فاجعل صنيع الفضل له واقبل اذا ما راما منه له الإكراما فمن ابى الكرامة  حلت به الملامة  وان اتاك زائرا فانهض اليه شاكرا  وقل مقال من شكر فضل الصديق وذكر ان زارني بفضله او زرته لفضله فالفضل في الحالين له  ووصل من تهوى صله والضم والمصافحة من سنة المصالحة او كان يوم عيد او جاء من بعيد  هذا هو المشهور يصنعه الجمهور وقد اتى في الأثر عن النبي المنذر تصافح الاخوان يسن كل آن ما افترقا واجتمعا يغشاهما الخير معا.

 

(فصل في محادثة الأخوان)

 

ان رمت ان تحدثا  بما مضى او حدثا  لتونس الأصحابا فأحسن الخطابا واختصر العبارة ولا تكن مهذارة واختر من الكلام ما لاق بالمقام من فائق العلوم ورائق المنظوم  واذكر من المنقول  ما صح في العقول واجتنب الغرائبا  كيلا تظن كاذبا  وان اخوك اسمعا فكن له مستمعا والزم له السكاتا واحسن الإنصاتا ولا تكن ملتفتا عنه الى ان يسكتا وان اتى بنقل سمعته من قبل  فلا تقل هذا الخبر  علمته فيما غير فلا تكذب ما روى ودع سبيل من غوى .

 

(فصل في مزاح الأخوان ومداعبتهم)

المزح والدعابة من شيم الصحابة فانه في الخلق عنوان حسن الخلق تولي به السرورا خليلك المصدورا فامزح مزاح من قسط  وكن على حد وسط واجتنب الايحاشا ولا تكن فحاشا  فالفحش في المزاح  ضرب من السلاح يجر للسخيمة والوظنة الوخيمة  وجانب الاكثارا وحاذر العثارا وكثرة الدعابة  تذهب بالمحابة وعثرة اللسان توقع بالانسان واحمل مزاح الأخوة وخل عنك النخوة  فالبسط في المصاحبة يفضي الى المداعبة وان سمعت نادرة  فلا تفه ببادرة  لا تغضبن فالغضب في المدح من سوء الأدب  وانظر الى المقام وقايل المقام فان يكن وليا  وصاحبا صفيا فقوله وان نبا فهو الولاء المجتبى وان يكن عدوا  وكاشحا مجفوا فقوله وان خلا لسامع هو البلا الا ترى للعرب تقول عند العجب  قاتله الله ولا  تقول ذاك عن قلا .

 

(فصل في ضيافة الاخوان)

اذا صديق طرقا من غير وعد سبقا فقدّمن ما حضر فليس في البر خطر ولا ترم تكلفا خير الطعام ما كفى واعلم بان الالفة مسقطة للكافة  وان دعوت فاحتفل ولا تكن كمن بخل  وقم بحق الضيف في شتوة وصيف واسأله عما يشتهي من طرق التفكه  وأت بما يقترحفاللطف لا يستقبح  واعمل بقول الاول الضيف رب المنزل واظهر الأناسا ولا تكن عباسا فالبشر واللطافة خير من الضيافة  وخدمة الاضياف  سجية الاشراف احرس على سرورهم بالبسط في حضورهم لا تشك دهراً عندهم ولا تكدر وردهم واعلم عن الخدام في الفعل والكلام وان اساؤا الادبا كيلا يروك مغضباً  وقدم الخوانا واكرم الاخوانا عن انتظار من يجي فذاك فعل المهرج وقد رووا فيما ورد  اعظم ما يضني الجسد مائدة تنتظر بأكلها من يحضر  انسهم في الاكل فعل الكريم الجزل واطل الحديثا  ولا تكن حثيثا فاللبث بالطعام من شيم الكرام وشيع الاضيافا ان طلبوا انصرافا وان دعاك من تحب الى طعام فأجب اجابة الصدّيق فرض على التحقيق  فان عجبت دعوته فاحذر وجانب جفوته ولا تذر بصاحب  أو احد الاقارب واجلس بحيث اجلسك وانس به ما آنسك  لا تأب من كرامته وكف عن غرامته  إياك والتنقيلا ولا تكن ثقيلا لا تحتقر ما احضرا ولا تعب ما حضرا  فالذم للطعام من شيمة الطغام لا تحتشم من اكل كفعل أهل الجهل ما جيء بالطعام إلا للالتقام .

 

(فصل في عيادة الاخوان)

عيادة العليل  فرض على الخليل  فعد اخاك ان مرض واعمل بحكم ما فرض واسأله عن احواله باللطف في  سؤاله وسلّه عما به  يسل عن اكتآبه وادع له بالعافية والصحة الموافية واحذر من التطويل يضجّر العليل فمكث ذي الصداقة قدر احتلاب الناقة  إلا اذا ما التمسا بنفسه أن تجلسا والعود للعيادة  بعد ثلاث عادة هذا لمن احبا وان تشأ فغبا وسنة المعتل ايذان كل حل ليقصدوا وفادته ويغنموا عيادته وليترك الشكاية ويكتم النكاية عن عائد وزائر فعل الكريم الصابر وليحمد الله على بلائه بما ابتلى ليحزر الثوابا والاجر والصوابا .

 

(فصل في مكاتبة الاخوان)

 

تواصل  الاحباب  في البعد بالكتاب فكاتب الاخوانا  ولا تكن خوانا فتركك المكاتبة ضرب من المجانبة والبدؤ للمسافر فى الكتب لا للحاظر والرد للجواب فرض بلا ارتياب .

 

(فصل في التحذير من صحبة الاحمق)

لا تصحبن الاحمقا  المائق الشمقمقا عدو سوء عاقل ولا صديق جاهل ان اصطحاب المائق من اعظم البوائق فانه لحمقه   وغوصه في عمقه يحب جهلا فعله وان تكون مثله  يستحسن القبيحا ويبغض النصيحا بيانه فهاهة وحمله سفاهة  وربما تمطى وكشف المغطى  لا يحفظ الأسرارا ولا يخاف عارا يعجب من غير عجب يغضب من غير غضب  كثيره وجيز ليس له تميز وربما اذا نظر اراد نفعا فأضر كفعل ذاك الدب بخله المحب .

 

(حكاية الدب وانعكاس فعله الجميل)

 

رووا اولو الأخبار  عن رجل سيار  ابصر في صحراء فسيحة الأرجاء دبا عظيما موثقا في سرحة معلقا يعوي عواء الكلب من شدة وكرب فأدركته الشفقة عليه حتى اطلقه  وحله من قيده لأمنه من كيده ونام تحت الشجرة منام من قد ضجره طول الطريق والسفر فنام من فرط الضجر  فجاء ذاك الدب عن وجهه يدب وقال ذاك الخل جفاه لا يحل انقذني من اسري وفك قيد عسري فحقه ان ارصده من كل سوء قصده فأقبلت ذبابة  ترن كالربابة  فوقعت لحيته على شفار عينه فجاش غيظ الدب وقال لا وربي لا ادع الذبابا ليسومه عذابا فأسرع الدبيبا لصخرة قريبا فقلها واقبلا يسعى اليه عجلا حتى اذا حاذاه صك بها مجلاه ليقتل الذبابة من غير ما ارابه فرض منه الراسا وفرق الأضراسا واهلك الخليلا  بقصده الجليلا  فهذه الرواية تنهى عن الغواية في طلب الصداقة  عند اولي الحماقة ان كان فعل الدب هذا لفرط الحب   وجاء في الصحيح نقلا عن المسيح عالجت كل اكمه وابرص مشوه لكنني لم أطق قط علاج الأحمق .

 

(فصل في التحذير عن مودة البخيل)

مودة البخيل  جهل بلا تأويل  يستكثر القليلا ويحرم الخليلا يبخل ان جدب عرا ولا يجود بالقرا يمنع ذا الودادا  موارد الامدادا  يقول لا ان سألا بخلا ويوليه القلا يحرمه ما عنده ولا يراعي وده  ان رام منه قرضا  رأى البعاد فرضا يضن بالزهيد في الزمن الشديد فصحبة الشحيح تمسك بالريح لا تحسب المودة  تحل منه عقدة  ان وجوه الحيلة في البخل مستحيلة  واسمع حديثاً عجبا قد نقلته الأدبا في البخل عن مزبد مع ربرب لتهتدي .

 

(حكاية مزبد وربرب المدينة)

حكى اولوالأخبار وناقلو الآثار  عن غادة عطبول تلعب بالعقول بطرفها الكحيل و خصرها النحيل وخدها المورد وصدغها المزرد وقدها القضيب وردفها الكثيب وتعمر المغاني برنة الأغاني كانت تسمى ربربا تحي النفوس طربا وكانت الأشراف والسادة الظراف يجمعهم مغناها ليسمعوا غناها وكان مولاها فتى بكل ظرف نعثا فاجتمعت جماعة للبسط والخلاعة  واستطردوا في النقل  لذكر اهل البخل فاتفقوا بأسرهم ان لم يروا في عصرهم ولا رأوا فيما مضى من الزمان وانقضى بل لا يكون ابدا شخصا على مزبدا في بخله والشح وحرصه الملح  فقالت الفتاة لا الغادة الا لايا اني لكم كفيلة  بأخذه بالحيلة حتى يجود بالذهب  ويستقل ما وهب فقال مولاها لها اشهد ارباب النهى ان تخدعي مزبدا عليك حين ما بدا لانثرن الذهبا عليك حتى يذهبا  قالت اذا جاء فلا تحجبه عني عجلا وخل عنك الغيرة  ولا تنفر طيرة فقال اقسمت بمن  حلاك بالخلق الحسن  لارفعن الغيرة ولو حباك ابره  فأرسلوا رسولا يسأله الوصولا فجاءهم عشية  واحسن التحية  فأهلوا ورحبوا حتى اذا ما شربوا تساكروا عن عمد  وهوموا عن قصد كيما يروا ويسمعوا لربرب ما تصنع  فعندها رأتهم قد سكروا وهوموا مالت الى مزبد بالبشر والتودد واقبلت عليه  مشيرة اليه  قالت ابا اسحق نعمت بالتلاق كانني بنفسك  اذ غرقت بانسك تهوى بأن اغني سار الفريق عني فقال زوجي طالق وخدمي عتائق ان لم تكوني عارفة  بالغيب او مكاشفة فاستمعته وطرب  ثم شقته وشرب وخاطبته ثانية بلطفها مدانية قالت ابا اسحقاق يا سيد الرفاق اني اظن قلبك يهوى جلوس قربك  لتلثم الخدودا وتقطف الورودا فقال مالي صدقة  وامرأتي مطلقة ان لم تكوني في الورى ممن مضى وغبرا عالمة بالغيب حقاً بغير ريب فنهضت اليه  وجلست لديه  فضمها وقبلا وقال نلت الأملا يا غرة الغواني ومنتهى الأماني تفديك امي وابي  وكل شاد مطرب فحين ظنت انها قد اوسعته منّها قالت له الانرا لزلة لن تغفرا  من هؤلاء القوم  في مثل هذا اليوم يدعونني للطرب وكلهم يأنس بي  ولم يكن منهم فتى للبر بي ملتفتا فيشتري ريحانا بدرهم مجانا

فهات انت درهما وفقهم تكرما فقام منها ووثب وصاح يدعو من كثب وقال مه اي زانية  صليت ناراً انية دنست علم الغيب  منك بكل عيب فضحك الأقوام من فعله وقاموا  وعملوا ان الخدع لم تجد في ذاك للكع فأقبلت باللوم عليه بين القوم  فسبها واغضبا وسار عنهم مغضبا  فهذه الحكاية  تكفي اولي الهداية في شيمة البخيل ودائه الدخيل

 

(فصل في التحذير من صحبة الكذاب)

صحابة الكذاب كلا مع السراب يخلف ما يقول معلومه مجهول يقرب البعيدا ويأمن الوعيدا ويحلف الموعودا  ولا يلين عودا يمين في اليمين وليس بالأمين وفي كلام الأدبا العلماء النجبا لم يرفي القبائح  وجملة الفضائح كالكذب اوهى سببا ولا اضل مذهبا ولا اعز طالبا ولا اذل صاحبا يسلم من يعتصم  به ومن يلتزم طلوعه افول وفضله فضول غليله لا ينقع وخرقه لا يرقع صاحبه مكذب وفي غد معذب  فجانب الكذابا واوله اجتنابا فاسمع حديثاً عجبا في ذم من قد كذبا .

 

(حكاية الفتى البغدادي مع الأمير المهلبي)

روى اولو الأخبار وناقلو الآثار عن حدث ذي ادب وخلق مهذب ليسكن في بغداد في نعمه تلادي فارق يوماً والده وطرفه وتالده وحل ارض البصرة بلوعة وحسرة  فظل فيها حائرا يكابد الفواقرا ولم يزل ذا فحص يسأل كل شخص عمن بها من نازل وفاضل مشاكل فوصفوا نديما ذا أدب كريما ينادم المهلب وهو امير العرب فأمه وقصده وحين حل معهده  عرّفه بأمره   وحلوه ومره  فقال انت تصلح بل خير من يستملح لصحبة الأمير السيد الخطير ان كنت ممن يصبر لخصلة يستنكر فقال اي خصلة فيه تنافي وصله فقال هذا رجل  لا يعتريه الملل من افتراه الكذب في حزن وطرب فان اردت طوله  فصدقن قوله في كل ما يختلق ويفتري وينطق حتى تنال نائله ولا ترى غوائله قال الفتى سأفعل  ذاك ولست اجهل فذهب النديم وهو به زعيم  فعرف الأميرا بفضله كثرا حتى دعاه فحضر  وسره عند النظر  فراشه في الحال بكسوة ومال فلازم الملازمة للأنس والمنادمة  ولم يزل يصدقه  في كل افك يخلقه فقال يوماً وافترى بهتاً وكذبا منكرا لي عادة مستحسنة  افعلها كل سنة اطبخ للحجاج  من لحم الدجاج في فرد قدر نزلا يكفي الجميع اكلا فحار ذلك الفتى من قوله وبهتا وقال ليت شعري  ما قدر هذا القدر هل هي بين زمزم ام هي بحر القلزم ام هي في الفضاء بادية الدهناء  فغضب الأمير وغاضه النكير فقال ردوا صلته

منه وقدوا خلعته واخرجوه الآنا عنا فلا يرانا فندم الأديب  وساءه التكذيب  وعاود النديما لعذره مقيما وقال منذ دهري  لم اشتعل بسكر فغالني الشراب وحاق بي العذاب وقلت ما لا اعقل والهفو قد يحتمل فسل لي الاغضاءوالعفو والرضاء قال النديم اني  ارضيه بالتأني  بشرط ان تنيبا وتترك التكذيبا فراجع الأميرا واستوهب التقصيرا واستأنف الانعاما عليه والاكراما فعاد للمنادمة  باللطف والملائمة  فكان كلما كذب  وقال افكا وانتذب صدقه واقسما بكونه مسلما حتى جرى في خبر ذكر كلاب عبقر  ووصفها بالصغر وخلقها المختصر قال الأمير وابتكر ليس العيان كالخبر قد كان منذ مدة لدي منها عدة اضعها في مكحلة   للهزل والخزعبلة وكان عندي مسخرة اكحل منها بصره  فكانت الكلاب في عينه تنساب وهي على مجونه تنبح في جفونه فقام ذلك الفتى يقول لا عشت متى صدقت هذا الكذبا شاء الأمير او ابى ورد ما كساه  به وما حباه وراح يعدو عاريا من البلاء ناجيا

 

(فصل في التحذير من صحبة الاشرار)

 

وصحبة الأشرار اعظم في الأضرار من خدعة الأعداء ومن عضال الداء  يقبحون الحسنا ودأبهم قول الخنا شأنهم النميمة  والشيم الذميمة اذا أردت تصنع خيراً بشخص منعوا الغل فيهم والحسد والشر حبل من مسد ان منعوا ما طلبوا تنمروا وكلبوا واعرضوا إعراضا ومزقوا الأعراضا ليس لهم صلاح حرامهم مباح لا يتقون قبحا ولا يعون نصحا يغرون بالقبيح والضرو التبريح كلامهم افحاش وأنفسهم ايحاش الخير منهم وان والشرّ منهم دان شيطانهم مطاع ودينهم مضاع  لا يرقبون الا ولا يرون خلا اخلاصهم مداهنة  وودهم مشاحنة  صلاحهم فساد رواجهم كساد عزيزهم ذليل صحيحهم عليل ضياؤهم ظلام وعذرهم ملام تقريبهم تبعيد ووعدهم وعيد اذا سألت ضنوا او منحوك منوا وان عدلت مالوا وان سألت قالوا ربحهم خسران  وشكرهم كفران  شرابهم سراب  وعذبهم عذاب  وفاقهم نفاق انجاحهم اخفاق وفاؤهم محال وخصبهم امحال  ودادهم خداع وسرهم مذاع اذعانهم لجاج معينهم اجاج وليس فيهم عار من ادراع العار البعد عنهم خير والقرب منهم ضير فاحذرهم كل الحذر لحاك لاح او عذر  واسمع مقال الناصح سمع اللبيب الراجح وقال ارباب الحكم  العالمين بالأمم ان شئت ان تصاحبا  من الأنام صاحبا من حالة تريدها او حاجة تفيدها  فان اشار ناصحا بالخير كان صالحا فأوله الصداقة ولا تخف شقاقه فالخير فيه طبع واصله والفرع  وان اشار مغريا  بالشر كان مغويا فاجتنب اصطحابه  واوجب اجتنابه فالشيم الردية اضحت له سجية  هذا وقد تم الرجز بعون ربي ونجز وهاكها احكاما احكمتها احكاما كدرر البحور عى نحور الحور  تشنف المسامعا وتطرب المجامعا تفحم كل ناظم  وصادع وباغم  والحمد لله على ابلاغه المؤملا ثم الصلاة ابدا على النبي احمدا وآله الأطهار وصحبه الأبرار ماطار طير وشذى ولاح فجر وبدى  تم رقمه في هذه التذكرة على يد ناظمها عشية يوم الخميس لست بقين من ذي الحجة الحرام احدى شهور سنة (1104) الألف والمائة والأربع بدار السرور يرها ينور هكذا صورة خط الناظم رحمه الله تعالى في ذيل هذه المنظومة ومن خطه نقلت.

 


(القضاء لغير المجتهد عند فقد المجتهد)

 

 (فايدة) هل لغير المجتهدين من طلبة العلم الناقلين عن المجتهدين الماضين القضاء بين الناس مع فقد المجتهد؟ قال بعض المتأخرين بالجواز للضرورة، واختاره الشيخ الصالح الشيخ حسين بن مفلح الصيمري عطر الله مرقده في رسالة عملها في المسألة، ونقل فيها عن الشيخ الفاضل الشيخ حسين بن منصور صاحب الحلوي قال: فانه قال فيه: لو لم يوجد جامع الشرائط جاز نصب فاقد بعضها مع عدالته للحاجة اليه، بل يجب من جهة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيقتصر على حكمه بما يتحققه ام غيره من المسائل الاجتهادية فيعتمد فيها الصلح فان تعذر تركه، ولا يعمل بما في كتب الفقهاء ولو المشهورين بالتحقيق، نعم لو افتاه جامع الشرائط وجب ان يقول بقوله ـ انتهى. قال شيخنا ابو الحسن (قده) في كتاب الفوائد النجفية بعد نقل ذلك عنه قلت: هذا الكتاب عندي بنسخة صحيحة في الغاية وقد وجدت فيه العبارة المنقولة، وقد ينسب هذا الكتاب للعلامة ركن الدين محمد بن علي الجرجاني، ووجدت بعض المعاصرين ينسبه الى العلامة الحلي (عطر الله مرقده) وهو غلط لا ادري ما حمله عليه كما قبله، لأن شيخنا الشهيد في شرح الارشاد نقل عن حاوي الجرجاني تعريف الطهارة بما له صلاحية رفع الحدث واستباحة الصلاة مع بقائه والذي في الحاوي الموجود بأيدينا تعريفها بفعل ماء او تراب مفتقراً الى النية ـ انتهى. ونقل ايضا في الرسالة المذكورة نحوه عن محرر العامة من كتب الشافعية وهذه عبارته المنقولة فيها: واذا تعذرت هذه الشرائط وولي سلطان ذو شوكة فاسداً او مقلداً نفذ قضاؤه للضرورة ـ انتهى. ثم قال صاحب الرسالة: فقد ثبت على المذهبين جواز القضاء للمقلد للضرورة والحاجة اليه، لكن يجب ان يعتمد على ما قاله صاحب الحاوي لأنه احوط انتهى.

 (اقول) الذي صرح به اكثر الأصحاب المنع من ذلك قال شيخنا الشهيد (طاب ثراه) في قواعده: يجوز للآحاد مع تعذر الأحكام تولية احاد التصرفات الحكمية على الأصح، كدفع ضرورة التيمم لعموم (وتعاونوا على البر والتقوى) وقوله((عليه السلام)): «والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه» وقوله((صلى الله عليه وآله)): «كل معروف صدقة» وهل يجوز قبض الزكاة والأخماس من الممتنع وتفريقها في اربابها وكذا بقية وظائف


الحكام غير ما يتعلق بالدعاوي وجهان، ووجه الجواز لما ذكرناه وانه لو منع من ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال وهي مطلوبة لله تعالى قال بعض متأخري العامة: لا شك ان القيام بهذه المصالح اتم من ترك هذه الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقها ويصرفونها لغير مستحقها، فان توقع امام يصرف ذلك في وجهه حفظ المتمكن منه تلك الأموال الى حين التمكن من صرفها اليه وان يئس من ذلك ـ كما في هذا الزمان ـ تعين صرفه على الفور في مصارفه لما في ابقائه من التعزير وحرمان مستحقه من تعجيل أخذه مع مسيس حاجتهم اليه ـ انتهى كلامه زيد اكرامه. وقال المحقق المدقق نور الدين الشيخ علي بن عبد العالي الكركي (قده) في حاشية الشرايع: لا كلام في ان غير المتصف بالأوصاف المذكورة التي من جملتها الاجتهاد لا يجوز له الحكم بين الناس ولو حكم كان حكمه لاغياً لا يعتد به، وكذا لا يجوز له الفتوى بحيث يسند التوى الى نفسه أو يطلق بحيث لا يتميز، فاما إذا حكاها عن المجتهد الذي يجوز العمل بفتواه فانه جائز، ويجوز التمسك به مع عدالته، ولا تعد الحكاية فتوى انما هي حكاية لها، ولو اطلقت عليها الفتوى فانما هي بالمجاز، ثم بالغ في عدم جواز تقليد الميت واكثر الكلام في ذلك ثم قال: فعلى هذا فما يصنع المكلفون اذا خلا العصر عن المجتهد؟ قلنا حينئذ يجب على جميع المكلفين الاجتهاد لأنه واجب على الكفاية. فاذا لم يقم به احد من اهل العصر تعلق التكليف لجميعهم ويجب عليهم جميعا استفراغ الوسع في تحصيل هذا الغرض. ثم قال: فان قيل: فما يصنعون في تكاليفهم وقت السعي والاكتساب للاجتهاد؟ قلنا: عند تضييق وقت الصلاة مثلا يأتي المكلف بها على حسب الممكن كما يقال فيمن لا يحسن القراءة ولا الذكر عند الضيق يقف بقدر زمان القراءة ثم يركع، وعلى هذا النهج حكم سائر التكاليف، وليس ببعيد في هذه الحالة الاستعانة بكتب المتقدمين على معرفة بعض الأحكام. ثم قال: فان قيل: فما تقول فيما نقل عن الشيخ السعيد فخر الدين انه نقل عن والده جواز التقليد للموتى في هذه الحالة. قلت: هذا بعيد جداً لأنه (ره) صرح في الكتب الفقهية بأن الميت لا قول له، واذا كان بحسب الواقع لا قول له لا يتفاوت وعدم الرجوع في حال الضرورة والاختيار، ولعله (رحمه الله) اراد الاستعانة بقول المتقدمين في معرفة صورة المسائل والأحكام مع انتفاء المرجع ليأتي بالعبادة على وجه الضرورة لأنه اراد جواز تقليدهم حينئذ فيحصل من ذلك توهم غير المراد ـ انتهى كلامه زيد اكرامه.

 (وممن بالغ في ذلك ايضا) وحكم بضمان من يتولى الحكم من هؤلاء للاموال


والدماء الشيخ الفاضل المتكلم محمد بن علي بن ابراهيم بن ابي جمهور الإحسائي (قده) في كتاب قبس الإهتداء في آداب الافتاء والاستفتاء، ونقله عن شيخيه الجليلين المتبحرين الشيخ حسن بن عبدالكريم الفتال النجفي والشيخ زين الدين بن علي بن هلال الجزائري (روح الله روحيهما) وقال شيخنا الشهيد الثاني (عطر الله مرقده) في رسالته المعمولة في المسألة بعد ان نقل جواز الحكم كذلك عن كثير من اهل عصره: انه مبني على تقليد الميت، وهو على تقدير جوازه وتحقق طريقه انما يكون في آحاد المسائل الجزئية التي تتعلق بالمكلف في صلاته وباقي عباداته، فكيف سوغه اهل زماننا في كل شيء حتى جوزوا به الحكم والقضاء وتحليف المنكر وما ماثله وتفريق مال الغائب ونحو ذلك من وظائف المجتهدين؟ فان ذلك غير جائز ولا هو محل الوهم لتصريح الفقهاء بمنعه، بل الأغلب منهم ذكره مرتين في كتابه الأولى منهما في كتاب الأمر بالمعروف والأخرى في كتاب القضاء. ولا يحتاج بان ينقل عباراتهم المصرحة بذلك فانها في الموضعين شهيرة واضحة الدلالة جازمة الفتوى بغير خلاف في ذلك بينهم، بل صرحوا ايضاً بأن ذلك اجماعي، وممن ذكر الاجماع على عدم جواز الحكم لغير المجتهد العلامة في المختلف في كتاب القضاء في مسألة استحباب احضار القاضي من اهل العلم من ينبهه، قال في آخرها: انما اجتمعنا على انه لا يجوز ان يلي القضاء المقلد بل هذا اجماع المسلمين قاطبة، فان العامة أيضاً يشترطون في الحكم الاجتهاد، وانما يجوزون قضاء غيره بشرط ان يوليه ذو الشوكة وهو السلطان المتغلب، وجعلوا ذلك ضرورة، فالقول بجواز القضاء لمن قصر عن الدرجة من غير تولية ذي الشوكة كما هو الواقع مخالف لاجماع المسلمين، وحينئذ فالقول في هذه المسألة الاجماعية والحكم لأهل التقليد حكم واضح بغير ما انزل الله سبحانه وعين عنوان الجرأة عليه، فكيف تعملون بفتواهم مرة وتخالفونها اخرى والكل موجود في كتاب واحد، فتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟! بل قد ذكر الاصحاب في كتبهم ما هو اغرب من ذلك واعجب، وهو انه لا يتصور حكم  المقلد بوجه ولا تولية المجتهد الحي له في حكم وذكروا في باب الوكالة ان مما لا يقبل النيابة الفضاء، لأن النائب ان كان مجتهداً في حال الغيبة لم يتوقف حكمه على نيابة والا لم تجز استنابته. ومن هنا يعم على الطبقات السالفة التي بين الناقل وبين المجتهدين، فانكم تعلمون علماً يقينا بأن كلهم او جلهم او من شاهدتم منهم انهم كانوا يتحاشون عن الأحكام ويقع منهم مراراً وكفى جرحا في فعل ما خالف الاجماع


المصرح من مثل العلامة جمال الدين (ره) وغيره، بل ترتب على هذا ضمانهم الأموال التي حكموا بها واحتسبوها من مال الغائب وغيره واستقرارهم في وقتهم كما هو معلوم مفرد في بابه مقطوع به في فتواهم بأن من هو قاصر عن درجة الفتوى يضمن ما اخطأ فيه من الأحكام في ماله ويضمن ما تصرف فيه من مال الغائب انتهى كلامه علت في جنة الخلد اقدامه.

 (اقول) والحق في المسألة ما ذكره هؤلاء الأفاضل، ولكنهم (رضوان الله عليهم) انما اخلدوا في ذلك الى الاجماع مع ان احاديت اهل الذكر (صلوات الله عليهم) صريحة الدلالة في المقام مكشوفة القناع وهي احق واولى بالاقتداء بها والاتباع لكن بالنسبة الى ما به عنوه (رض) من الاختصاص بالمجتهد المبني فتواه في بعض الأحكام الشرعية على مجرد وجوه مخترعة ظنية او وهمية، بل الذي تضمنته تلك الأخبار هو الرجوع الى من تمسك بذيل الكتاب والسنة وأمن العثار، ومدار احكامه انما هو عليهما في الايراد والاصدار، فالعمل بحكمه عمل بحكمهم((عليهم السلام)) والراد عليه راد عليهم في حلال او حرام. فمن الأخبار الدالة على هذا المقام ما رواه ثقة الاسلام في الكافي بسنده عن ابي عبدالله((عليه السلام)) قال: قال امير المؤمنين((عليه السلام)) لشريح: «ياشريح قد جلست مجلسا لا يجلسه الا نبي او وصي نبي او شقي» وما رواه فيه ايضا عن سليمان ابن خالد عن ابي عبدالله((عليه السلام)) قال: «اتقوا الحكومة فان الحكومة انما هي للامام العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبي او وصي نبي» وما رواه فيه في الصحاح عن ابي عبيدة قال: قال امير المؤمنين((عليه السلام)): «من افتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه» وما رواه فيه عن السكوني عن ابي عبدالله((عليه السلام)) قال: قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)): «يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئاً من جوارح فيقول : اي ربي عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئاً؟ فيقال له: خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفك بها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام وانتهك بها الفرج الحرام، وعزتي لا عذبنك بعذاب لا اعذب به شيئاً من جوارحك» وما رواه فيه عن احمد عن ابيه رفعه عن ابي عبدالله((عليه السلام)) قال: «القضاء اربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة: رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة».

 (ومما يدل) على المنع من التقليد لغيرهم ممن يعمل على الاجتهاد المؤدي الى


اخذ الأحكام بمجرد الاستنباطات الظنية والتخريجات الوهمية. واما الناقل عمن لا يعمل الا بقولهم ولا يتمسك الا بحكمهم فهو ناقل عنهم كما تقدمت الاشارة اليه، روى في الكافي ايضا في الصحيح عن ابي بصير ليث المرادي عن ابي عبدالله((عليه السلام)) قال: قلت له: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله؟ فقال: «اما والله ما دعوهم الى عبادة انفسهم ولو دعوهم ما اجابوهم، ولكنهم احلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون» وما رواه فيه ايضا عن ابي جعفر((عليه السلام)) قال: «من اصغى الى ناطق فقد عبده. فان كان الناطب يؤدي عن الله فقد عبد الله وان كان الناطق يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان» وما رواه فيه أيضاً عن ابي عبدالله((عليه السلام)) في حديث قال: «انا والله لنحبكم ان تقولوا اذا قلنا وتصمتوا اذا صمتنا، ونحن فيما بينكم وبين الله ما جعل الله في خلافنا امراً» وما رواه فيه ايضا عنه((عليه السلام)) قال: «حسبكم ان تقولوا ما نقول وتصمتوا عما نصمت، انكم قد رأيتهم ان الله عزوجل لم يجعل لأحد من خلافنا خيراً» وعنه((صلى الله عليه وآله)) قال:«من دان الله بغير سماع عن صادق ألزمه الله التيه الى الغنا، ومن ادعى سماعا من غير الباب الذي فتحه الله فهو مشرك» و ما رواه في الاحتجاج عن أبي محمد العسكري((عليه السلام)) في قوله تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله) قال: هذه لقوم من اليهود الى ان قال: وقال رجل للصادق((عليه السلام)): اذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب الا بما يسمعونه من علمائهم فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم وهل عوام اليهود الا كعوامنا مقلدون علماءهم؟ الى ان قال: فقال((عليه السلام)): بين عوامنا وعوام اليهود فرقة من جهة وتسوية من جهة، اما من حيث الاستواء فان الله ذم عوامنا بتقليد علمائهم كما ذم عوامهم، واما من حيث افترقوا فان عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح واكل الحرام والرشا وتغيير الأحكام واضطروا بقلوبهم الى ان من فعل ذلك فهو فاسق لا يجوز ان يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق و بين الله ولذلك ذمهم، وكذلك عوامنا اذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على الدنيا وحرامها فمن قلد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسة علمائهم، فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه، وذلك لا يكون الا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم، فان ركب من القبائح و الفواحش مراكب العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئاً و لا كرامة ـ الحديث.

 


 (اذا عرفت) ذلك فاعلم ان المأمور بتقليده في احكامهم والقبول عنه ما ينقل عنهم هو الذي اشار اليه((عليه السلام)) في مقبولة عمر بن حنظلة بقوله: «ينظر الى من كان منكم وقد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما، فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله وعلينا ردّ والراد علينا كالراد على الله وهو على حد الشرك بالله» ـ الحديث ـ ورواية ابي خديجة قال: بعثني ابو عبدالله((عليه السلام)) الى اصحابنا فقال: «قل لهم: اياكم اذا وقعت بينكم خصومة او حكومة في شيء من الأخذ والعطاء ان تحاكموا الى احد من هؤلاء الفساق، اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا فاني قد جعلته عليكم قاضيا» وروى محمد ابن علي بن الحسين بن بابويه في الفقيه قال: قال علي((عليه السلام)) قال رسول الله((صلى الله عليه وآله)): اللهم ارحم خلفائى ثلاثا، قيل يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدي يروون حديثي وسنتي. وروى في كتاب اكمال الدين واتمام النعمة عن اسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل الي كتابا قد سألت فيه عن مسائل اشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان: اما ما سألت عنه ارشدك الله وثبتك الى ان قال: واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله...الى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المضمار.

 (سؤال) ما يقول مشائخ الإسلام وفقهاء اهل البيت (دام ظلهم العالي) في اهل قرية حضره مأتم له وقف ينفذ فيه في موضع معين وفيهم مستور الظاهر وغيره فينفذوه حسب التعيين من غير استئذان العدول المشاهير من المؤمنين في زمن فقد المجتهد او تعذيره، هل وقع ذلك موقعه ام لا، وهل فرق بين ما اذا كان المعقود عن الاستئذان جهلا او اقتصاراً ام لا، وهل يفتقر الى التعدد في الأستئذان ام يكفي استئذان واحد، وهل اعتقاد بعض اهل القرية في واحد يكفي استئذانهم له في موقوفاته واموال غيبهم ام لا، وهل لذلك المعتقد فيه التصرف هو بنفسه فيه من غير رخصة من العدول والمشاهير من المؤمنين ام لا؟ افتونا مأجورين مع تحقيق كل سؤال بعينه، وان حصل على ذلك بعض الإستدلال كان حسنا دام ظلكم العالي.

 (الجواب) لشيخنا العلامة الشيخ سليمان بن علي بن ابي ظبية الشاخوري البحراني اذا كان المجتهد متعذراً اما بفقد والعياذ بالله او تعسر الوصول وصرحوا كذلك كان مستور الظاهر مأمونا مضى صرفهم ونفذ، ولا حاجة الى العدول والمشاهير لأن المؤمنين عندنا على العدالة كما هو مذهب ابن الجنيد والشيخ في


الخلاف والمفيد في كتاب الاشراف بدلالة رواية ابن سيابة قال: سألت ابا عبدالله عن شهادة من يلعب بالحمام؟ قال: لا باس اذا كان لا يعرف بفسق. ورواية ابن المغيرة عن الرضا ((عليه السلام)) قال: كل من ولد على الفطرة وعرف بصلاح في نفسه جازت شهادته. وصحيحة ابي بصير قال: سألت ابا عبدالله ((عليه السلام)) عمن يرد من الشهود؟ قال: الظنين والمتهم والخصم، قال: قلت: الفاسق والخائن؟ قال: كل هذا يدخل في الظنين. ورواية عبدالله بن سنان وسليمان بن خالد وقول علي لشريح «كل المسلمين عدول بعضهم على بعض» كما رواه الكليني عن سلمة بن كميد وصحيحة حريز وغيره لا مدفع له والله اعلم حرره سليمان بن علي عفى الله عنهما.

 

(الكلام على سيحون وجيحون)

 

 (فائدة) جيحون هو النهر العظيم الفاصل بين خوارزم وبلاد خراسان وبين بخارا وسمرقند وتلك البلاد، فكل ما كان من تلك الناحية فهو ما وراء النهر. والمراد بالنهر هو هذا، وهو أحد أنهار الجنة الذي جاء ذكره في الحديث انه يخرج منها اربعة انهار نهران ظاهران ونهران باطنان، فالظاهران النيل والفرات، والباطنان سيحون وجيحون، وسيحون وراء جيحون فيما يلي بلاد الترك، و بينهما مسافة خمسة عشر يوما وهذان النهران مع عظمهما وسعة عرضهما يجمدان في زمن الشتاء وتعبر القوافل عليهما بدوا بهما واثقالهما وبقيمان كذلك مقدار ثلاثة اشهر.

 

(قصة عبدالملك بن مروان واهل البحرين)

 

 وجدت في كتاب يشتمل على جملة من فضائل سيدنا امير المؤمنين((عليه السلام)) واخبار تدخل في ذلك الباب قال فيه بعد نقل تملك المختار (رض) الكوفة وقتل مصعب بن الزبير له ما هذا لفظه: واما ما كان من خبر اهل الشام فانه لما قتل عامر بن الطفيل بن ربيعة الشيباني وجاءت الأخبار بذلك الى الشام ـ وقد كان قد مات مروان بن الحكم وتولى الأمر من بعده ولده عبدالملك بن مروان ـ فسار بنفسه الى الكوفة في ألوف لا يحصى عددهم الا الله تعالى وقد آلا على نفسه ان لا يبقي بها احداً من شيعة علي((عليه السلام)) الا قتله، فما سمع بذلك ابراهيم بن مالك الأشتر وصعصعة بن صوحان


وعمرو بن عامر الهمداني المعلم وجماعة من خواص الشيعة (رضوان الله عليهم اجمعين) هربوا من عبدالملك الى جزيرة البحرين وكان زيد بن صوحان العبدي وصعصعة بن صوحان واليا عليها من قبل الحسن((عليه السلام)) ولم يتمكن من عزله بنوأمية خوفا من اهل البحرين لأنهم لم يسلموا أمراً الى بني امية ابداً وهم كانوا أشجع اهل الدنيا واقواهم جناناً وافصحهم لسانا واحبهم لأمير المؤمنين((عليه السلام)) قلبا. قال: فبقي زيد بن صوحان حاكماً في البحرين الى زمان عبدالملك بن مروان الى ان هربوا عنده الجماعة المذكورين، فتبعهم عبدالملك الى القطيف وارسل اليهم في البحرين فدفعت عنهم اهل البحرين وقتلوا جميع من ارسلهم عبدالملك، فجاء اليه الخبر وهو في القطيف بأن اهل البحرين قتلوا جميع أصحابه الذين ارسلهم الى اهل الكوفة، فلما سمع بذلك حشم عليهم من الأعراب والبوادي ما لم يعلم عددهم الا الله تعالى وانحدر على اهل البحرين عبدالملك بنفسه وجلس في الطرف الغربي وكان مجيئهم من اول الدراز الى بني جمرة حتى ملأت عساكره الأماكن والفلوات، وقلعة البحرين يومئذ في البلاد القديم عند المشهد وهو القلعة الذي بناها الملك دقيانوس وهو الذي كان يدعي الربوبية وهربوا عنه اصحاب الكهف والرقيم الى جبل في الاحساء وكان زمان هذا الملك في الفترة التي ما بين موسى ابن عمران وعيسى بن مريم((عليهم السلام)) وبقيت هذه القلعة الى زمان رسول الله((صلى الله عليه وآله)) والى زمان بني امية، وكانت بيوت اهل البحرين يؤمئذ متصلة من خلف القطع الجنوبي الى بربورا و الى كرزكان، و كان الرجل من اهل البحرين في ذلك الزمان يعد بالف فارس. قال: ثم انه لما انحدر عليهم عبدالملك جعل زيد بن صوحان على القلعة من يحرسها وخرج مع اهل البحرين الى قتال عبدالملك وجعل ابراهيم بن مالك الأشتر سند ومعهما عسكر كثير في وسط البلد، وجعل سهلان بن علي ومعه اهل الأطراف الشرقية، وجعل صعصعة اخاه وهو اغلب عسكره في الطرف الجنوبي اقصاه، وجلس الأمير زيد بن صوحان في كرز كان ومعه اهل الأطراف الغربية.

 ثم وقع الحرب بينهم وبين عبدالملك ووقعت بينهم مقاتلة عظيمة يطيل شرحها في هذا المكان. قال: فلما رأى عبدالملك الشجاعة من اهل البحرين وقوة بأسهم على الحروب ورآهم افرس اهل الدنيا، وكان يخرج عليهم بالخمسين ألف وبالمائة الف من اصحابه فتحصدهم اهل البحرين حصد السنبل حتى كادوا يقتلون عبدالملك، فاشاروا عليه بعد ذلك ارباب اهل دولته بأن يستميل اهل البحرين بالرشاء والعطاء،


فاستمال جهالهم واشرارهم بذلك واغرى بعضهم على بعض ففتل شرارهم خيارهم على الطمع وقتلوا ابراهيم بن مالك وسهلان وصعصة بن صوحان العبدي وقتلوا أخاه زيد بن صوحان والجماعة الذين خرجوا معهم من اهل الكوفة والذين نصروهم من اهل البحرين. قال: فلما ظفر عبدالملك بالبحرين واهلها احضر اهل الأطراف الذين نصروه والذين استأمنوا ودعاهم الى الخروج من التشيع فأبوا أن يخرجوا من دينهم وتعصبواو امتنعوا عليهم وقد اخذهم الندم على قتلهم اخيارهم، فلما نظر عبدالملك الى غضبهم واظهارهم العداوة خاف منهم خوفا شديداً فقال لهم: طيبوا نفوسكم فاني أترككم على دينكم ولكم عندي ما اردتم ولكن اريد منكم ان تكونوا في جزيرتكم هذه ولا احد منكم يحمل السيف ولا العصى ولا يشد وسطه الى حرب ابداً ولا احد ينقل السلاح ولكم علي ان لا آخذ منكم شيئاً من خراج بلدكم ولا اتعرض لكم بعد سنتي هذه، وهذا الشرط بيني وبينكم وعلي في ذلك عهد الله وميثاقه. قال: فحالفه اهل البحرين على ذلك و كتب الله عليهم الذلة فلم يشدوا أوساطهم بعد ذلك الى حرب ولم ينقلوا السلاح الى يومنا هذا. ثم ان عبدالملك دفن عين السجور وكانت اقوى عين في البحرين ودفن عيونا كثيرة منها لأن مراده ضعف اهل البحرين وولي راجعا عنها بعد ذلك ـ انتهى.

 (يقول جامع هذه الطرف ومهدي هذه التحف) وحكاية الحكاية وان كانت لا تخلو من ركاكة في التعبير وخلل في التحبير مع اصلاح كثير منها حال النقل الا ان مضمونها موافق لما هو الموجود الآن في تلك البلاد ومشهور بين الخلف والسلف من قبور أولئك الأمجاد، فان قبور هؤلاء المشار اليهم كلهم موجودة في البحرين وقد اتخذوها مزارات يتركون بها وينذرون اليها ويقصدونها من كل جانب ومكان، سيما قبر صعصعة واخوه زيد بن صوحان. واما عين السجور بالسين المهملة ثم الجيم المشار اليها في اخر الخبر فموقعها في قريتنا من البحرين المعروفة بالدراز بالدال المهملة ثم الراء ثم الزاي بعد الألف، وهي في الطرف الغربي من البحرين بقرب الساحل والنظر فيما ظهر من اثار تلك العين وسعة دائرتها الموجودة الان يدل على قوتها و غزارة مائها، وكان ذلك الملعون قد احكم رجمها بالحجارة الهائلة والصخور الثقيلة واخفاء اثرها بالكلية، وبقيت كذلك الى زمن الحاجي يوسف بن ناصر وكان من اكابر اهل البحرين وأعيانهم المشار اليهم وكان ذا حدس صائب وفكر ثاقب في استخراج المياه من الأرض، قد استخرج عيونا كثيرة مبتكرة فعمد من جهة الغرب الى


اخراج مائها وضرب خيامه عندها ووضع العملة فيها واخرج منها احجاراً وصخوراً على ما ذكرنا يعجز المائة الرجل عن سحب واحدة منها، وكان قد نحتها ذلك الملعون من جزيرة بقرب البحرين تسمى قدا وبقي العمل فيها حتى لما قرب خروج اول مائها جاء رجل من الفعلة الى الحاج يوسف المرقوم وقال: اني رأيت في المنام ان هذه العين في صورة امرأة وهي تريد ثوراً سمينا، فأسر الحاجي يوسف في نفسه انه ذلك الثور السمين وأخذته الواهمة فمرض وثقل حاله في ذلك المرض حتى مات وبقيت على ما هي عليه الى الآن. وينقل ان ذلك الرجل انما قال له مداعبة يريد منه ان يطعمهم لحما وطبيخا والى الآن بعض تلك الأحجار موجودة حول العين وبعض قد سحبه الناس ووضعوه في اساس البيوت، وكانوا اذا هموا بسحب شيء منها تجتمع لها جموع عديدة من الرجاال والله العالم بحقائق الأحوال.

 (ومما قاله) صفي الدين الحلي قدس الله سره:


اذا ضاق صدر المر من سر نفسه***فصدر الذي يستودع السر اضيق

اذ المرء أفشى سره بلسانه***ولام عليه غيره فهو احمق

 


وله ايضاً:


عيون لها مرأى الأحبة اثمد***عجبت لها في عمرها كيف ترمد

و عين خلت من نور وجه خليلها***عجبت لها في عمرها كيف ترقد