(قال الحجاج)
ليحيى بن سعيد انك تشبه ابليس فقال وما ينكر الأمير أن يكون سيد الإنس سيد الجن
فأعجبه جوابه.
(قال) بعض الأعراب في
محاوراته: اسكت يا ابن الامة، فقال: لهي والله اعذر منك حيث لم ترض الا حرا.
(قال المنتصر) لابي العيناء
ما احسن الجواب ؟ قال: ما اسكت المبطل وحير المحق.
(قال ابن عباس) البهائم عن
ابهائم كل الأمور الا اربع: معرفة صانعها، وابتغاء النسل، وطلب المعاش، وحذر
الموت.
(خرج المهدي) الخليفة يتصيد
فغار به فرسه حتى وقع الى خباء اعرابي فقال: يا
اعرابي
هل من طعام؟ فأخرج له قرص شعير ولبناً ثم اتى اليه بماء فلما شرب قال: يا اخا
العرب اتدري من انا؟ قال: لا، قال: انا من خدم الخليفة الخاصة، ثم شرب اخرى فقال:
انا من قواد الخليفة: ثم شرب اخرى فقال: يا اعرابي انا الخليفة، فأخذ الأعرابي
الركوة فصبها وقال: والله لو شربت الرابعة لأدعيت انك رسول الله فضحك المهدي حتى
غشى عليه ثم احاطت به الخيل فطار قلب الأعرابي فقال له: لا بأس عليك، فأمر له
بعطاء جزيل.
(قيل) لبعض الأعراب: ان شهر
رمضان قد جاء، فقال: والله لأفرقنه بالأسفار.
(وسمع اعرابي) قارئا يقرأ
القرآن فقرأ (الاعراب اشد كفراً ونفاقا) فقال: لقد هجانا، ثم سمعه بعد ذلك يقرأ: (و من الأعراب
من يؤمن بالله واليوم الآخر) فقال: لا بأس هجا ومدح.
(جلس)
اعرابي على مائدة يزيد بن مزيد فقال لأصحابه: افرجوا لأخيكم، فقال الأعرابي: لا
حاجة لي الى افراجكم ان اطنابي طوال يعني سواعدي، فلما مد يده ضرط فضحك يزيد وقال:
يا اخا العرب اظن ان طنبا من اطنابك قد انقطع؟ فقال: صدقت.
(وسرق) اعرابي غاشية سرج ثم
دخل المسجد يصلي فقرأ الامام: (هل اتاك حديث الغاشية) فقال: يا فقيه لا تدخل في
الفضول، فلما قرأ: (وجوه يومئذ خاشعة) قال: خذوا غاشيتكم ولا يخشع وجهي لا بارك
الله لكم فيها، ثم رماها من يده.
(حضر اعرابي) في مجلس قوم
يتذاكرون قيام الليل فقال: يا ابا امامه أتقوم الليل؟ قال: نعم، قال: ما تصنع؟
قال: ابول وارجع انام.
(حضر اعرابي) على مائدة
الحجاج وكان عليها حلوى فأكل لقمة، فقال الحجاج: من اكل من هذا شيئاً ضربت عنقه،
فامتنع الناس وبقي الأعرابي ينظر الى الحلوى مرة والى الحجاج اخرى ثم قال: ايها
الأمير اوصيك بأهلي خيراً، ثم اندفع يأكل فضحك الحجاج وأمر له بصلة.
(دفع) اعرابي ابنه الى
المعلم فغاب عنه مدة ثم قال: في اي سورة انت؟ فقال في قل يا ايها الكافرون، فقال:
بئس العصابة انت فيهم، ثم تركه مدة ثم قال: في أي سورة أنت؟ فقال: في اذا جاءك
المنافقون، فقال والله ما تقلب الاعلى اوتاد الكفر عليك بغنمك فارعها.
(سرق) اعرابى صرة فيها دراهم
ثم دخل المسجد يصلي وكان اسمه موسى فقرأ الامام: (وما تلك بيمينك يا موسى) فقال:
والله انك لساحر، ثم رمى الصرة وخرج.
(دخل اعرابي) يصلي في المسجد
وكان اسمه موسى فقرأ الامام: (ياموسى ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج اني لك من
الناصحين) فترك الصلاة وولى هاربا فجلس على باب المسجد وبيده عصاه فقرأ الامام:
(وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي) قال: يا فقيه ان خرجت الى عندي عملت لك
قبراً على باب المسجد.
(وحكى) الأصمعي قال: خرجت في
طلب ابل لي وكان البرد شديداً فاذا بجماعة يصلون الظهر و بقربهم شيخ ملتف بكساء من
شدة البرد وهو يقول:
قال
الأصمعي: فقلت: يا شيخ ما تستحي ان تقطع الصلاة وانت شيخ كبير؟ فأنشأ هذه الأبيات
يقول:
فأعجبني
شعره فنزعت قميصا وجبة ووهبتها له وقلت له: قم فصل، فاستقبل القبلة فصلى جالساً
على غير وضوء فقلت له: تصلي وانت جالس بلا وضوء؟ فأنشأ يقول:
فضحكت
منه و تركته.
(صلى) اعرابي مع قوم فقرأ
الامام: (قل ارأيتم ان اهلكني الله و من معي) فقال الأعرابي: بل أهلك الله وحدك
ايش كار الذي معك؟ فقطع القوم الصلاة من شدة الضحك.
(حكى الأصمعي) ان عجوزاً من
الأعراب جلست الى فتيان يشربون نبيذاً
فسقوها
ثم سقوها فتبسمت فقالت: خبروني عن نساءكم أيشربن النبيذ؟ قالوا: نعم، قالت: انكن
ورب الكعبة والله لئن صدقتم فما منكم من يعرف ابوه.
(صلى) اعرابي خلف امام فقرأ:
(انا ارسلنا نوحا الى قومه) ثم وقف وجعل يرددها فقال الأعرابي: ارسل غيره يرحمك الله
وارحنا وأحر نفسك.
(وصلى) اعرابي خلف امام
فقرأ: (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي ابي) فوقف وجعل يرددها فقال الأعرابي: يا فقيه
ان لم يأذن لك ابوك الليلة نظل نحن وقوفا الى الصباح، ثم تركه وانصرف.
(انفرد) يوماً الرشيد عن
عسكره ومعه الفضل بن يحيى فاذا هما بشيخ من الأعراب على حمار وهو رطب العينين فقال
له الفضل: هل أدلك على دواء لعينك؟ فقال: ما احوجني الى ذلك، فقال: خذ عيدان الهوى
وغبار الماء فصيره في قشر بيض الذر واكتحل به ينفعك، فانحنى الشيخ وضرط ضرطة قوية
فقال: هذه اجرة دوائك وان زدتنا زدناك فضحك الرشيد.
(خرج) معن بن زائدة للصيد
فتبع ظبياً وانفرد عن عسكره، ثم انه رأى رجلا معه حمار فقال له: من اين الى اين؟
فقال معي خيار في غير وقته قصدت به معن بن زائدة لكرمه المشهور، قال: وكم املت
منه؟ قال: الف دينار، قال: كثير، قال: خمسمائة دينار، قال: كثير، قال: ثلات مائة
دينار، قال: كثير، قال: خمسين ديناراً، قال: فلا اقل من الثلاثين، قال: فان قال لك
كثير، قال: ادخل اربع قوام حماري في فرج امرأته وارجع الى اهلي خائباً. فضحك معن
منه وسار حتى لحق بعسكره وقال لحاجبه: اذا أتاك شيخ على حمار بقثاء فأدخله علي،
فأتى بعد ساعة وادخله عليه فلم يعرفه لجلالته فقال له: ما الذي اتى بك يا اخا
العرب؟ فقال: املت الأمير واتيته بقثاء على غير اوانه، قال: فكم املت منه، قال:
الف دينار، قال: كثير، قال: خمسمائة، قال: كثير، قال: ثلاث مائة، قال: كثير، قال:
مائتين، قال: كثير، قال: مائة، قال: كثير، قال: كان والله ذلك الرجل شؤماً علي ثم
قال: خمسين ديناراً، قال: كثير، قال: فلا اقل من الثلاثين، فضحك معن فعلم الأعرابي
انه صاحبه فقال: يا سيدي ان لم تجب الثلاثين فالحمار مربوط بالباب وها معن جالس.
فضحك ثم دعا بوكيله فقال: اعطه الف دينار وخمسمائة دينار وثلاث مائة دينار ومائتين
دينار ومائة دينار وخمسين دينار وثلاثين دينار ودع الحمار مكانه، فبهت الأعرابي
وتسلم الألفي دينار ومائة وثلاثين ديناراً. وقال الحسين بن مطر يرثي معن بن زائدة:
(روى)
شيخنا البهائي (قده) ان ابا نؤاس على ما قالوا ملك الشعراء وقد اسرته الروم مرة
وبقي عندهم محبوساً في القيد فنظر يوماً الى حمامة على شجرة تنوح وتغني بالألحان
فاسترق طبعه فأنشد:
(في كلام القدماء) من الحكماء: شر العلماء من لازم الملوك وخير الملوك من لازم
العلماء. ومن كلامهم: اذا رأيت العالم لازم السلطان فاعلم انه لص واياك ان تخدع
بما يقال انه يرد مظلمة او يدفع عن مظلوم فان هذه خدعة ابليس اتخذها فجار العلماء.
(كتب المنصور) العباسي الى
ابي عبدالله جعفر بن محمد الصادق((عليه السلام)):
لم تغشانا كما يغشانا الناس؟ فأجابه: «ليس لنا من الدنيا ما نخافك عليه ولا عندك
من الآخرة ما نرجوك له ولا انت في نعمة فنهنيك ولا في نقمة فنعزيك» فكتب المنصور
اليه: فاصحبنا لتنصحنا فكتب اليه ابو عبدالله((عليه
السلام)): «من يطلب الدنيا لا ينصحك ومن يطلب الآخرة لا يصحبك».
عن عيسى (على نبينا واله
وعليه السلام) قال: مثل عالم السوء مثل صخرة وضعت في فم النهر لا هي تشرب الماء
ولا هي تترك الماء ليخلص الى الزرع.
(الشيخ البهائي) قدس الله
سره من سوائح المجاز:
(ومنها ايضاً):
وله
ايضاً من كتاب رياض الأرواح:
للسيد نعمة الله الجزائري
قدس الله سره في كتاب زهر الربيع كان استاذنا المحقق المولى محمد محسن القاشاني
صاحب الوافي وغيره مما يقارب مائتي كتاب ورسالة وكان نشؤه في بلدة قم، فسمع بقدوم
السيد الأجل المحقق المدقق الامام الهمام
السيد
ماجد البحراني الصادقي الى شيراز فأراد الارتحال اليه لأخذ العلوم عنه، فتردد
والده في الرخصة له ثم بنوا الرخصة وعدمها على الاستخارة، فلما فتح القرآن جاءت
الآية: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ويتذروا قومهم اذا
رجعوا اليهم لعلم يحذرون) والآية اصرح وانص وادل على هذا المطلب مثلها، ثم بعد ذلك
تفأل بالديوان المنسوب الى مولانا امير المؤمنين ((عليه
السلام)) فجاءت الأبيات هكذا:
وهذه
ايضاً انسب في المطلوب سيما قوله (وصحبة ماجد) فسافر الى شيراز واخذ العلوم
الشرعية عنه وقرأ العلوم العقلية على الحكيم الفيلسوف المولى صدر الدين الشيرازي
وتزوج بابنته (يقول)
مؤلف هذا الكتاب نعمة الله الموسوي الحسني عفى الله عنه: ولما وردت شيراز لم اصل
الا الى ولد صدر الدين، وكان جامعاً للعلوم العقلية والنقلية، فأخذت عنه شطراً
وافياً من الحكمة والكلام وقرأت عليه حاشية على حاشية شمس الدين الخفري على
شرح التجريد، وكان اعتقاده في الأصول خير من اعتقاد ابيه، وكان يتمدح ويقول:
اعتقادي في اصول الدين مثل اعتقاد العوام، وقد اصاب في هذا التشبيه، واسمه
ميرزاابراهيم.
(ومن كتاب بحار الانوار) اقول: وجدت رسالة مشتهرة بقصة الجزيرة الخضراء في
البحر الأبيض احببت ايرادها لاشتمالها على ذكر من رآه((عليه
السلام)) ولما فيه من الغرائب، وانما افردت لها بابا لأني لم اظفر بها في
الأصول المعتبرة ولنذكرها بعينها كما وجدتها.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدللّه الذي هدانا لمعرفته. والشكر له على ما منحنا للاقتداء بسنن سيد بريته
محمد الذي اصطفى من بين خليقته، وخصنا بمحبة علي والائمة المعصومين من ذريته، صلى
الله عليهم اجمعين الطيبين الطاهرين
وسلم تسليماً كثيراً.
(وبعد) فقد وجدت في خزانة
امير المؤمنين و سيد الوصيين وحجة رب العالمين وامام المتقين علي بن ابي طالب((عليه السلام)) بخط الشيخ الفاضل والعالم العامل الفضل
ابن يحيى بن علي الطيبي الكوفي (قده) ما هذا صورته: الحمد لله رب العالمين، وصلى
الله على محمد واله الطاهرين (وبعد) فيقول الفقير الى عفو ربه ورضوانه سبحانه
وتعالى الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الامامي الكوفي عفى الله عنه: قد كنت سمعت من
الشيخين الفاضلين العالمين العاملين شيخ شمس الدين بن نجيح الحلي والشيخ جلال
الدين عبدالله بن الحرام الحلي (قدس الله روحيهما ونوّر ضريحهما) في مشهد سيد
الشهداء وخامس اصحاب الكساء مولانا وامامنا ابي عبدالله الحسين((عليه السلام)) في النصف من شهر شعبان سنة تسع و تسعين
وستمائة من الهجرة النبوية (على مشرفها محمد افضل الصلاة ثم التحية) حكاية ما
سمعناه من الشيخ الصالح النقي والفاضل الورع الزكي زين الدين علي ابن فاضل
المازندراني المجاور بالغري (على مشرفه السلام) حيث اجتمعا به في مشهد
الامامين الزكيين الطاهرين المعصومين السعيدين((عليهم
السلام)) بسر من رأى، وحكى لهما حكاية ما شاهده وراى في البحر الأبيض
والجزيرة الخضراء من الغرائب، فمر بي روايته. وعزمت على الانتقال الى سر من رأى
للاجتماع به، فاتفق ان الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني انحدر من سر من
رأى الى الحلة في اوائل شهر شوال من السنة المذكورة ليمضي على جاري عادته وبقيم في
المشهد الغروي. فلما سمعت بدخوله الى الحلة وكنت يومئذ بها انتظر قدومه فاذا أنا
به وقد اقبل راكبا يريد دار السيد الحسيب ذي النسب الرفيع والحسب المنيع السيد فخر
الدين الحسن بن علي الموسوي المازندراني نزيل الحلة (اطال الله بقاه) ولم اكن اذ
ذاك الوقت اعرف الشيخ المذكور ولكن خرج في خاطري انه هو، فلما غاب عن عيني تبعته
الى دار السيد المذكور، فلما وصلت الى باب الدار رأيت السيد فخر الدين واقفاً على
باب داره مستبشراً فلما رآني مقبلا ضحك في وجهي وعرفني بحضوره، فاستطار قلبي فرحا
وسروراً ولم املك نفسي على الصبر عن الدخول اليه في غير ذلك الوقت فدخلت الدار مع
السيد فخر الدين فسلمت عليه وقبلت يديه، فسأل السيد عن حالي فقال له: هو الشيخ فضل
بن الشيخ يحيى الطيبي صديقكم، فنهض واقفا واقعدني فى مجلسه ورحب بي وأحفى السؤال
عن حال ابى واخي الشيخ صلاح الدين لانه كان عارفا بهما سابقا ولم اكن في تلك
الأوقات حاضراً بل كنت في بلدة واسط اشتغل في طلب العلم عند الشيخ العامل العالم
الشيخ ابي اسحاق ابراهيم بن
محمد
الواسطي الإمامي تغمده الله برحمته وحشره في زمرة ائمته، فتحادثت مع الشيخ الصالح
المذكور متع الله المؤمنين بطول بقائه فرأيت في كلامه امارات تدل على الفضل فى
اغلب العلوم من الفقه والحديث والعربية بأقسامها، وطلبت منه شرح ما حدث به الرجلان
الفاضلان العالمان العاملان المؤملان الشيخ شمس الدين والشيخ جلال الدين الحليان
المذكوران سابقاً (عفى الله عنهما) فقص لي القصة من اولها الى آخرها بحضور السيد
الجليل السيد فخر الدين نزيل الحلة صالح الدار وحضور جماعة من علماء الحلة
والأطراف قد كانوا أتوا لزيارة الشيخ المذكور (وفقه الله) وكان ذلك في اليوم
الحادي عشر من شهر شوال من سنة تسع وتسعين وستمائة، وهذه صورة ما سمعته من لفظه
(اطال الله بقاه) وربما وقع في الألفاظ التي نقلتها من لفظه تغيير لكن المعاني
واحدة، قال (حفظه الله تعالى): قد كنت مقيما في دمشق الشام منذ سنين مشتغلا بطلب
العلم عند الشيخ الفاضل الشيخ عبدالرحيم الحنفي (وفقه الله لنور الهداية) في علمي
الأصول والعربية وعند الشيخ زين الدين علي المغربي الاندلسي المالكي في علم
القراءة لأنه كان عالماً فاضلا عارفا بالقرا آت السبع، وكان له معرفة في اغلب
العلوم من الصرف والنحو والمنطق والمعاني والأصولين، وكان لين الطبع لم يكن عنده
معاندة في البحث ولا في المذهب لحسن ذاته، فكان اذا جرى ذكر الشيعة قال: علماء
الامامية بخلاف غيرهم من المدرسين فانهم يقولون عند ذكر الشيعة: قال علماء الرافضة
فاختصصت به وتركت التردد الى غيره، فأقمنا على ذلك برهة من الزمان اقرأ عليه في
العلوم المذكورة، فاتفق انه عزم على السفر من دمشق الشام يريد الديار المصرية
فلكثرة المحبة التي كانت بيننا عزّ علي مفارقته وهو ايضاً كذلك، فآلى الأمر الى
انه (هداه الله) صمم العرب على صحبتي له الى مصر، وكان عنده جماعة من الغرباء مثلي
يقرأون عليه فصحبه اكثرهم فسرنا في صحبته الى ان وصلنا مدينة بلاد مصر المعروفة
بالفاخرة وهي اكبر المدائن كلها، فأقام بالمسجد الأزهر مدة يدرس فتسامع فضلاء مصر
بقدومه فوردوا كلهم لزيارته والانتفاع بعلومه، فأقام في فاخرة مصر مدة تسعة اشهر
ونحن معه على احسن حال، واذا بقافلة قد وردت من الأندلس ومعها رجل معه كتاب من
والد شيخنا الفاضل المذكور ويعرف فيه بمرض شديد قد عرض له وانه يتمنى الاجتماع به
قبل الممات ويحثه فيه على عدم التأخير، فرق الشيخ من كتاب ابيه فبكى وصمم العزم
على المسير الى جزيرة الأندلس، فعزم بعض التلامذة على صحبته ومن الجملة انا لأنه
(هداه
الله) قد كان احبني محبة شديدة وحسن الي المسيرمعه. فسافرت الى الأندلس فى صحبته
فحيث وصلنا الى اول قرية من الجزيرة المذكورة عرض لي حما منعتني عن الحركة، فحيث
رآني الشيخ على تلك الحالة رق لي وبكى وقال: يعز علي مفارقتك فاعطى خطيب تلك
القرية التي وصلنا اليها عشرة دراهم وامره ان يتعاهدني حتى لا يكون مني احد
الأمرين وان منّ الله علي بالعافية اتبعه الى بلده، هكذا عهد إلي بذلك (وفقه الله
لنور الهداية الى صراط الحق المستقيم) ثم مضى الى بلد الأندلس ومسافة الطريق من
ساحل البحر الى بلده خمسة ايام، فبقيت في تلك القرية ثلاثة ايام لا استطيع الحركة
لشدة ما اصابني من الحمى ففي اخر اليوم الثالث فارقتني الحمى وخرجت ادور في
سكة تلك القرية، فرأيت قفلا قد وصل من جبال قريبة من شاطيء البحر الغربي يجلبون
الصوف والسمن والأمتعة، فسألت عن حالهم فقيل: ان هؤلآء يجيئون من جهة قريبة من ارض
البوبرة وهي قرية من جزائر الرافضة، فحيث سمعت ذلك منهم ارتحت اليهم وجذبني باعث
الشوق الى ارضهم فقيل لي: ان المسافة خمسة وعشرين يوماً منها يومان بغير عمارة ولا
ماء وبعد ذلك فالكرى متصلة، فاكتريت معهم من رجل حمار بمبلغ ثلاثة دراهم لقطع تلك
المسافة التي لا عمارة فيها، فلما قطعنا تلك المسافة ووصلنا ارضهم العامرة فمشيت
راجلا وتنقلت على اختياري من قرية الى اخرى الى ان وصلت الى اول تلك الأماكن فقيل
لي: ان جزيرة الروافض قد بقى بينك وبينها ثلاثة ايام، فمضيت ولم اتأخر فوصلت الى
جزيرة ذات اسوار اربعة ولها ابراج نعكمات عاليات شاهقات، وتلك الجزيرة بحصونها
راكبة على شاطيء البحر، فدخلت من باب كبير يقال له باب البربر فدرت فى سككها اسأل
عن مسجد البلد فهديت عليه ودخلت اليه فرأيته جامعاً كبيراً معظما واقعاً على البحر
من الجانب الغربي من البلد، فجلست في جانب المسجد لأستريح واذا بالمؤذن يؤذن للظهر
ونادى بحيى على خير العمل ولما فرع دعى بتعجيل الفرج للامام صاحب الزمان((عليه السلام)) فأخذتني العبرة بالبكاء فدخلت جماعة بعد
جماعة الى المسجد وشرعوا في الوضوء على عين ماء تحت شجرة في الجانب الشرقي من
المسجد وانا انظر اليهم فرحا مسروراً لما رأيته من وضوئهم المنقول عن ائمة الهدى
(سلام الله عليهم)، فلما فرغوا من وضوئهم واذا برجل قد برز من بينهم بهي الصورة
عليه السكينة والوقار فتقدم الى المحراب وقام الصلاة فاعتدلت الصفوف وراءه وصلّى
بهم اماماً وهم به مُأِمّون صلاة كاملة بأركانها المنقولة عن ائمتنا((عليهم السلام)) على الوجه
المرضاة
فرضاً ونفلا وكذا التعقيب والتسبيح، ومن شدة ما لقيته من وعثاء السفر وتعبي في
الطريق لم يمكني ان اصلي معهم الظهر. فلما فرغوا ورأوني انكروا علي بعدم الاقتداء
بهم فتوجهوا نحوي بأجمعهم وسألوني عن حالي ومن أين اصلي وما مذهبي؟ فشرحت لهم
احوالي واني عراقي الأصل واما مذهبي فإني رجل مسلم اقول: «اشهد ان لا اله الا الله
وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله ارسله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين
كله ولو كره المشركون» فقالوا لي : لا تنفعك هاتان الشهادتان الا تحقن دمك فى دار
الدنيا لم لا تقول الشهادة الأخرى لتدخل الجنة بغير حساب؟ فقلت لهم: وما تلك
الشهاة الأخرى اهدوني اليها يرحمكم الله ؟ فقال لي امامهم: الشهادة الثالثة هي ان
تشهد ان امير المؤمنين و يعسوب المتقين وقائد الغر المحجلين علي بن ابي طالب
والائمة الأحد عشر من ولده اوصياء رسول الله وخلفاؤه من بعده بلا فاصلة قد اوجب
الله عزوجل طاعتهم على عباده وجعلهم اولياء امره ونهيه وحججاً على خلقه في ارضه
واماناً لبريته لأن الصادق الأمين محمداً رسول الله ((صلى
الله عليه وآله)) سماهم واحداً بعد واحد صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.
فلما سمعت مقالتهم هذه حمدت
الله سبحانه على ذلك وحصل عندي اكمل السرور وذهب عني تعب الطريق من الفرح وعرفتهم
اني على دينهم، فتوجهوا الى توجه اشفاق وعينوا لي مكانا في زوايا المسجد وما زالوا
يتعاهدوني بالعزة والاكرام مدة اقامتي عندهم، وصار امام المسجد لا يفارقني ليلاً
ونهاراً فسألته عن ميرة أهل بلده من اين تأتيهم فلا ارى لهم ارضاً مزروعة؟ فقال:
تأتي لهم ميرة من الجزيرة الخضراء من البحر الأبيض من جزائر اولاد الامام صاحب
الأمر((عليه السلام)) فقلت له: كم تأتيكم ميرتكم
في السنة؟ فقال: مرتين و قد اتت مرة و بقيت اخرى، فقلت: كم بقي حتى تأتيكم؟ قال:
أربعة اشهر، فتأثرت لطول المدة ومكثت عندهم مقدار اربعين يوماً ادعوا الله ليلا
ونهاراً بتعجيل مجيئهم وكنت عندهم في غاية الإعزاز والاكرام، ففي آخر يوم من
الأربعين ضاق صدري لطول المدة فخرجت الى شاطيء البحر انظر الى جهة الغرب التي ذكر
اهل البلدان ميرتهم تأتي اليهم من تلك الجهة فرأيت شبحا من بعيد يتحرك فسألت من
شيخ من اهل البلدة وقلت له: هل يكون في البحر طيراً ابيض؟ فقال لي: لا فهل رأيت
شيئاً ؟ قلت: نعم، فاستبشروا وقالوا: هذه المراكب التي تأتي الينا في كل سنة من
بلاد اولاد الامام((عليه السلام)) فما كان الا
قليل حتى قدمت تلك المراكب وعلى قولهم ان مجيئها كان في غير الميعاد، فقدم مركب
كبير وتبعه آخر
وآخر
حتى كملت سبعاً فصعد من المركب الكبير شيخ مربوع القامة بهي المنظر حسن الزي ودخل
المسجد فتوضأ الوضوء الكامل على الوجه المنقول عن ائمة الهدى((عليهم السلام)) وصلى الظهرين فلما فرغ من صلاته التفت
نحوي مسلما علي فرددت عليه فقال لي: ما اسمك واظن ان اسمك علي؟ قلت: صدقت، فحادثني
محادثة من يعرفني فقال: اسم ابيك و يوشك ان يكون فاضلا؟ قلت: نعم، ولم اكن
اشك في انه قد كان في صحبتنا من دمشق الشام الى مصر فقلت ايها الشيخ: ما اعرفك بي
بأبي هل كنت معنا حيث سافرنا من دمشق الشام الى مصر؟ فقال: لا، قلت: ولا من مصر
الى الأندلس؟ قال: لا ومولاي صاحب العصر، قلت له: ومن اين تعرفنى باسمي واسم ابى؟
قال: اعلم انه قد تقدم الي وصفك واصلك ومعرفة اسمك وشخصك وهيئتك واسم ابيك (رحمه
الله) وانا اصحبك معي الى الجزيرة الخضراء، فسررت بذلك حيث قد ذكرت ولي عندهم اسم،
وكان من عادته انه لا يقيم عندهم الا ثلاثة ايام فأقام اسبوعا واوصل الميرة الى
اصحابها المقررة لهم، فلما اخذ منهم خطوطهم بوصول المقرر لهم عزم على السفر وحملنى
معه وسرنا في البحر، فلما كان اليوم السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماء ابيض
فجعلت اطيل النظر اليه فقال لي الشيخ واسمه محمد: ما لي اراك تطيل النظر الى هذا
الماء؟ فقلت له: اني اراه على غير لون ماء البحر فقال لي: هو البحر الأبيض وتلك
الجزيرة الخضراء وهذا الماء مستدير حولها مثل السور اي من اي الجهات أتيته وجدته وبحكمة
الله تعالى ان مراكب اعدائنا اذا دخلته غرقت وان كانت محكمة ببركة مولانا وامامنا
صاحب العصر((عليه السلام)) فاستعملته وشربت منه
فاذا هو كماء الفرات.
ثم انا قطعنا ذلك الماء
الأبيض ووصلنا الى الجزيرة الخضراء لا زالت عامرة آهله، ثم صعدنا من المركب الكبير
الى الجزيرة ودخلنا البلد فرأيته محصناً بقلاع وابراج واسوار سبعة واقعة على شاطىء
البحر ذات انهار واشجار مشتملة على انواع الفواكه والأثمار المنوعة، وفيها اسواق
كثيرة وحمامات عديدة واكثر عمارتها برخام سفاف، واهلها في احسن الزي والبهى.
فاستطار عقلي سروراً لما رأيته. ثم مضى بي رفيقي محمد بعد ما استرحنا في منزله الى
الجامع المعظم فرأيت فيه جماعة كثيرة وفي وسطهم شخص جالس عليه المهابة والسكينة
والوقار ما لا اقدر اصفه والناس يخاطبونه بالسيد شمس الدين محمد العالم ويقرأون
عليه في القرآن والفقه والعربية بأقسامها واصول الدين والفقه الذي يقرأونه عن صاحب
الأمر((عليه السلام)) مسألة مسألة
وقضية
قضية وحكما حكما، فلما مثلت بين يديه رحب بي واجلسني في القرب منه واحفى السؤال عن
تعبي في الطريق و عرفني انه تقدم اليه كل احوالي وان رفيقي الشيخ محمد انما جاء بي
زاوية من زوايا المسجد وقال لي: هذا يكون لك اذا اردت الخلوة والراحة، فنهضت ومضيت
الى ذلك فاسترحت فيه الى وقت العصر واذا أنا بالموكل بي قداتى الي وقال لي: لا
تبرح من مكانك حتى يأتيك السيد (سلمه الله تعالى) وقد اقبل ومعه اصحابه فجلسوا
ومدت المائدة فاكلنا ونهضنا الى المسجد مع السيد الأجل صلاة المغرب والعشاء، فلما
فرغنا من الصلاتين ذهب السيد الى منزله ورجعت الى مكاني واقمت على هذه الحالة مدة
ثمانية عشر يوماً ونحن في صحبته (اطال الله بقاه) فأول جمعة صلينا معهم رأيت السيد
صلى الجمعة ركعتين فريضة واجبة، فلما انقضت الصلاة قلت: ياسيدي رأيتكم صليتم
الجمعة ركعتين فريضة واجبة؟ قال: نعم لأن شروطها المعلومة قد حضرت ووجبت، فقلت في
نفسي: ربما كان الامام((عليه السلام)) حاضراً ثم
في وقت آخر سألت منه في الخلوة هل كان الإمام حاضرا؟ فقال: لا ولكني انا النائب
الخاص بأمر صدر عنه((عليه السلام)) فقلت: يا سيدي
وهل رأيت الامام((عليه السلام))؟ قال: لا ولكن
حدثني ابي (رحمه الله) انه سمع حديثه ورأى شخصه، فقلت له: ولم ذلك يا سيدي مختص
بذلك رجل دون اخر؟ فقال: يا اخي ان الله سبحانه وتعالى يؤتي الفضل من يشاء من
عباده وذلك بحكمة بالغة وعظمة قاهرة كما ان الله اختص من عباده الأنبياء والمرسلين
والأوصياء المنتجبين فجعلهم اعلاما لخلقه وحججا على بريته ووسيلة بينهم وبينه
ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة ولم يخل ارضه بغير حجة على عباده،
ولابد لكل حجة من سفير يبلغ عنه.
ثم ان السيد (سلمه الله
تعالى) اخذ بيدي الى خارج مدينتهم وجعل يسير معي نحو البساتين فرأيت فيها انهاراً
جارية وبساتينا كثيرة مشتلة على انواع الفواكه عظيمة الحسن والحلاوة من العنب
والرمان والكمثرى وغيرها ما لم ارها في العراقين ولا في الشامات كلها. فبينما نحن
نسير من بستان الى آخر اذ مر بنا رجل بهي الصورة مشتمل ببردتين من صوف ابيض، فلما
قرب منا سلم علينا وانصرف عنا فأعجبتني هيئته فقلت للسيد سلمه الله: من هذا الرجل؟
قال لي: انظر الى هذا الجبل الشاهق، قلت: نعم، قال: ان في وسطه لمكان حسن و فيه
عين جارية تحت شجرة ذات اغصان كثيرة وعندها قبة مبنية بالآجر وان هذا الرجل مع
رفيق له خادمان لتلك القبة وانا امضي الى هناك في كل صباح جمعة وازور الامام عنها
منها واصلي ركعتين واجد هناك ورقة مكتوب فيها
ما
احتاج اليه من المحاكمة بين المؤمنين، فمهما تضمنته الورقة اعمل بها فينبغي لك ان
تذهب الى هناك وتزور الامام((عليه السلام)) من
القبة. فذهبت الى الجبل فرأيت القبة على ما وصف لي (سلمه الله تعالى) ووجدت هناك
خادمين فرحب بي الذي مرّ علينا وانكرني الآخر فقال له: لا تنكره فاني رأيته في
صحبة السيد شمس الدين العالم، فتوجه الي ورحب بي حادثاني واتياني بخبز وعنب فأكلت
وشربت من ماء تلك العين التي عند تلك القبة و تؤضأت وصليت ركعتين وسألت الخادمين
عن رؤية الامام، فقالا لي: الرؤية غير ممكنة اذ ليس معنا اذن في اخبار احد. فطلبت
منهما الدعاء فدعيا لي وانصرفت عنهما ونزلت من ذلك الجبل الى ان وصلت الى المدينة.
فلما وصلت اليها ذهبت الى دار السيد شمس الدين العالم فقيل لي: انه خرج في حاجة
له، فذهبت الى دار الشيخ محمد الذي جئت معه في المركب فاجتمعت به وحكيت له عن
مسيري الى الجبل واجتماعي بالخادمين وانكار الخادم علي، فقال لي: ليس لأحد رخصة في
الصعود الى ذلك المكان سوى السيد شمس الدين وامثاله فلهذا وقع الانكار منه عليك.
فسألته عن احوال السيد شمس الدين (ادام الله افضاله) فقال، انه من اولاد الامام((عليه السلام)) وان بينه وبين الامام خمسة آباء وانه
النائب الخاص عن امر صدر منه.
قال الشيخ الصالح زين الدين
علي بن فاضل المازندراني المجاور بالغري (على مشرفه السلام) واستأذنت السيد شمس
الدين (اطال الله بقاه) في نقل بعض المسائل الذي يحتاج اليها عنه وقراءة القرآن
المجيد ومقابلة المواضع المشكلة من العلوم الدينية وغيرها فأجاب الى ذلك وقال: اذا
كان ولابد من ذلك فابدأ اولا بقراءة القرآن العظيم، فكان كلما قرأت شيئاً فيه خلاف
بين القرآن اقول: قرأ حمزة كذا وقرأ الكسائي وقرأ عاصم كذا وابو عمرو وابن كثير
كذا. فقال السيد: نحن لا نعرف هؤلاء وانما القرآن نزل على سبعة احرف قبل الهجرة من
مكة الى المدينة وبعدها لما حج رسول الله((صلى الله عليه
وآله)) حجة الوداع نزل عليه الروح الأمين جبرئيل((عليه
السلام)) فقال: يا محمد اتل علي القرآن حتى اعرفك اوائل السور واواخرها
وشأن نزولها، فاجتمع اليه علي بن ابي طالب و ولداه الحسن و الحسين((عليهما السلام)) و ابي بن كعب وعبدالله بن مسعود وحذيفة
بن اليمان وجابر بن عبدالله الأنصاري و ابوسعيد الخدري و حسان بن ثابت و جماعة من
الصحابة (رضي الله عن المنتجبين منهم) فقرأ النبي ((صلى
الله عليه وآله)) القرآن من اوله الى آخره، فكان كلما مرّ بموضع فيه اختلاف
بينه له جبرئيل وامير المؤمنين((عليه السلام))
يكتب ذلك في درج من ادم، فالجميع قراءة امير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين
فقلت
له: يا سيدي ارى بعض الآيات غير مرتبطة بما قبلها وبما بعدها وكان فهمي القاصر لم
يصل الى غروبه ذلك؟ فقال: نعم الأمر كما رأيته وذلك لما انتقل سيد البشر محمد بن
عبدالله((صلى الله عليه وآله)) من دار الفناء الى
دار البقاء وفعلا صنما قريش ما فعلاه من غصب الخلافة الظاهرة جمع امير المؤمنين((عليه السلام)) القرآن كله ووضعه في ازار و أتي به اليهم
وهم في المسجد فقال لهم: هذا كتاب الله سبحانه امرني رسول الله((صلى الله عليه وآله)) ان اعرضه اليكم بقيام الحجة عليكم
يوم العرض بين يدي الله تعالى، فقال له فرعون هذه الأمة ونمرودها: لسنا محتاجين
الى قراءتك فقال له((عليه السلام)): قد اخبرني
حبيبي رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) بقولك هذا
وانما اردت بذلك القاء الحجة عليكم. فرجع اميرالمؤمنين((عليه
السلام)) به الى منزله وهو يقول: لا اله الا انت وحدك لا شريك لك لا رادّ
لما سبق في علمك ولا مانع لما اقتضته حكمتك فكن انت الشاهد لي عليهم يوم العرض
عليك. فنادى ابن ابي قحافة بالمسلمين وقال لهم: كلمن عنده قرآن من آية او سورة
فليأت بها، فجاءه ابوعبيدة بن الجراح وعثمان وسعيد بن العاص ومعاوية ابن ابي سفيان
وعبدالرحمن بن عوف وطلحة بن عبدالله وابو سعيد الخدري وحسان بن ثابت وجماعات
المسلمين وجمعوا هذا القرآن واسقطوا مما كان فيه من المثالب التي صدرت منهم بعد
وفاة سيد المرسلين ((صلى الله عليه وآله))، فلهذا
ترى الآيات غير مرتبطة، والقرآن الذي جمعه امير المؤمنين((عليه
السلام)) بخطه محفوظ عند صاحب الأمر((عليه السلام))
فيه كل شيء حتى ارش الخدش، واما هذا القرآن فلا شك ولا شبهة في سحته وانه كلام
الله سبحانه هكذا صدر عن صاحب الامر((عليه السلام)).
قال الشيخ الفاضل علي بن
فاضل: ونقلت عن السيد شمس الدين (حفظه الله تعالى) مسائل كثيرة تنوف على تسعين
مسألة وهي عندي جمعتها في مجلد واحد وسميتها بالفوائد الشمسية ولا اطلع عليها الا
الخلص من المؤمنين وستراه انشاءالله، فلما كانت الجمعة الثانية وهي الوسطى من جمع
الشهر وفرغنا من الصلاة وجلس السيد (سلمه الله تعالى) في مجلس الافادة للمؤمنين
واذا انا اسمع هرجا ومرجا وجزلة عظيمة خارج المسجد فسألت من السيد عما سمعته فقال
لي: ان امراء عسكرنا يركبون في كل جمعة من وسط كل شهر وينتظرون الفرج، فاستأذنته
في النظر اليهم فأذن لي فخرجت لرؤيتهم واذا هم جمع كثير يسبحون الله ويحمدونه
ويهللونه جل وعز ويدعون الفرج للامام القائم بأمر الله والناصح لدين الله محمد بن
الحسن المهدي الخلف الصالح صاحب الزمان((عليه السلام))
ثم عدت الى مسجد السيد (سلمه الله تعالى)
فقال
لي: رأيت العسكر؟ فقلت: نعم، قال: فهل عددت امراءهم؟ فقلت: لا، قال: عدتهم ثلثمائة
ناصر وبقي ثلاثة عشر ناصراً ويعجل الله لوليه الفرج بمشيئته انه جواد كريم. فقلت:
يا سيدي ومتى يكون الفرج؟ فقال: يا اخي انما العلم عند الله والأمر متعلق بمشيئته
سبحانه وتعالى حتى انه ربما كان الامام ((عليه السلام))
لا يعرف ذلك بل له علامات وامارات تدل على خروجه من جملتها ان ينطق ذو الفقار بأن
يخرج من غلافه ويتكلم بلسان عربي مبين: قم يا ولي الله على اسم الله فاقتل اعداء
الله، و منها ثلاثة اصوات يسمعها الناس كلهم: الصوت الأول ازفت الآزفة يا معشر
المؤمنين ، والصوت الثاني الا لعنة الله على القوم الظالمين لآل محمد، والثالث
يظهره الله فيرى في قرن الشمس يقول: ان الله بعث صاحب الأمر محمد بن الحسن المهدي
((عليه السلام)) فاسمعوا له واطيعوا. فقلت: يا
سيدي قد روينا عن مشائخنا احاديث رويت عن صاحب الأمر ((عليه
السلام)) انه قال لما امر بالغيبة الكبرى: من رآني بعد غيبتي فقد كذب،
فقال: فيكم من يراه؟ فقال: صدقت انه ((عليه السلام))
انما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة اعدائه من اهل بيته وغيرهم من فراعتة بني العباس
حتى ان الشيعة يمنع بعضها بعضاً عن التحدث بذكره، وفي هذا الزمان تطاولت المدة
وأيس منه الأعداء وبلادنا نائية عنهم وعن ظلمهم وعتاتهم، وببركته ((عليه السلام)) لا يقدر احد من الأعداء على الوصول
الينا، قلت: يا سيدي قد روت علماء الشيعة حديثاً عن الامام ((عليه السلام)) انه اباح الخمس لشيعته فهل رويتم عنه
ذلك؟ قال: نعم انه رخص و أباح الخمس لشيعته من ولد علي ((عليه
السلام)) و قال: هم في حل من ذلك، فقلت: وهل رخص للشيعة ان يشتروا الاماء
والعبيد من سبي العامة؟ قال: نعم ومن سبي غيرهم لأنه ((عليه
السلام)) قال: عاملوهم بما عاملوا به انفسهم. وهاتان المسألتان زائدتان على
المسائل التي سميتها لك.
وقال السيد (سلمه الله
تعالى) انه ((عليه السلام)) يخرج من مكة بين الركن
والمقام في سنة وتر فليرتقبها المؤمنون، فقلت: يا سيدي قد احببت المجاورة عندكم
الى ان يأذن الله لي بالفرج، فقال لي: اعلم يا اخي انه تقدم الي كلام بعودك الى
وطنك ولا يمكنني واياك المخالفة لانك ذو عيال وغبت عنهم مدة مديدة ولا يجوز لك
التخلف عنهم باكثر من هذا. فتأثرت من ذلك فبكيت وقلت: يا مولاى وهل يجوز المراجعة
في امري؟ قال: لا، قلت: يا مولاي وهل تأذن لي ان احكي كلما رأيته وسمعته؟ قال: لا
بأس بان تحكي للمؤمنين لتطمئن قلوبهم الا كيت وكيت وعين ما لا اقوله، فقلت: يا
سيدي اما يمكن النظر الى جماله وبهائه ((عليه السلام))؟
قال: لا ولكن اعلم يا اخي ان كل
مؤمن
مخلص يمكن ان يرى الامام ولا يعرفه، فقلت: يا سيدي انا من جملة عبيده المخلصين و
لا رأيته، فقال لي: بل رأيته مرتين مرة لما اتيت الى سرّ من رأى و هي اول مرة
جئتها وسبقك اصحابك وتخلفت عنهم حتى وصلت الى نهر لا ماء فيه فحضر عندك فارس على
فرس شهباء وبيده رمح طويل وله سنان دمشقي، فلما رأيته خفت على ثيابك فلما وصل اليك
قال: لا تخف اذهب الى اصحابك فانه ينتظرونك تحت تلك الشجرة، فاذكرني والله ما كان
فقلت: قد كان ذلك يا سيدي، قال: والمرة الأخرى حين خرجت من دمشق تريد مصراً مع شيخك
الاندلسي وانقطعت عن القافلة وخفت خوفاً شديداً فعارضك فارس على فرس غراء محجلة
وبيده رمح ايضاً وقال لك: سر ولا تخف الى قرية على يمينك ونم عند اهلها الليلة
واخبرهم بمذهبك الذي ولدت عليه ولا تبق منهم فانهم مع قرى عديدة جنوبي دمشق مؤمنون
مخلصون يدينون بدين علي ابن ابى طالب والائمة الطاهرين المعصومين من ذريته ((عليهم السلام)) أكان ذلك يا ابن فاضل؟ قلت: نعم وذهبت
عند اهل القرية ونمت عندهم فاعزوني وسألتهم عن مذهبهم فقالوا لي من غير تقية مني:
نحن على مذهب امير المؤمنين و وصي رسول رب العالمين علي بن ابي طالب والائمة
المعصومين من ذريته ((عليهم السلام))، فقلت لهم:
من اين لكم هذا المذهب ومن اوصله اليكم؟ قالوا: ابوذرالغفاري رضي الله عنه حين
نفاه عثمان الى الشام ونفاه معاوية الى ارضنا هذه فعمتنا بركته، فلما اصبحت طلبت
منهم اللحوق بالقافلة فجهزوا معي رجلين ألحقاني بها بعد أن صرحت لهم بمذهبي. فقلت
له: يا سيدي هل يحج الامام ((عليه السلام)) في كل
مدة بعد؟ قال لى: يا ابن فاضل الدنيا خطوة مؤمن فكيف بمن لم تقم الدنيا الا بوجوده
ووجود ابائه ((عليهم السلام)) نعم يحج في كل عام
ويزور ابائه في المدينة والعراق وطوس (على مشرفها السلام) ويرجع الى ارضنا هذه.
ثم ان السيد شمس الدين حث
علي بعدم التأخير بالرجوع الى العراق وعدم الاقامة في بلاد المغرب وذكر لي ان
دراهمهم مكتوب عليها لااله الا الله محمداً رسول الله علي ولي الله محمد بن الحسن
القائم بامر الله وأعطاني السيد منها خمسة دراهم وهي محفوظة عندي للبركة. ثم انه
(سلمه الله) وجهني مع المراكب التي اتيت معها الى ان وصلنا الى تلك البلدة التي
اول ما دخلتها من ارض البربر وكان قد اعطاني حنطة وشعيراً فبعتها في تلك البلدة
بمائة واربعين ديناراً ذهباً من معاملة بلاد المغرب، فتوجهت منها الى طرابلس من مدن
المغرب ولم اجعل طريقي على الاندلس امتثالا
لأمر
السيد شمس الدين العالم (اطال الله بقاه) وسافرت منها مع الحاج المغربي الى مكة
شرفها الله تعالى وحججت الى العراق واريد المجاورة في الغري (على مشرفها السلام)
حتى الممات.
قال الشيخ زين الدين علي بن
فاضل المازندراني: ولم ار العلماء الامامية عندهم ذكر سوى خمسة السيد المرتضى
الموسوي و الشيخ ابوجعفر الطوسي ومحمد بن يعقوب الكليني و ابن بابويه والشيخ ابو
القاسم جعفر بن اسماعيل الحلي (قده). وهذا آخر ما سمعته من الشيخ الفاضل التقي
والصالح الزكي علي بن فاضل المذكور (ادام الله افضاله وكثر من علماء الدهر
واتقيائه امثاله) والحمد لله اولا وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله على خير خلقه
سيد البرية محمد و على آله الطاهرين المعصومين وسلم تسليما كثيراً.
(اقول) ولنلحق بتلك الحكاية
بعض الحكايات التي سمعتها عمن قرب من زماننا.
(فمنها)
ما اخبرني به جماعة عن السيد الفاضل أمير غلام قال: كنت في بعض الليالي في صحن
الروضة المقدسة بالغري (على مشرفها السلام) وقد ذهب كثير من الليل فبينما انا اجول
فيها اذ رأيت شخصاً مقبلا نحو الروضة المقدسة فأقبلت اليه فلما قربت منه عرفت انه
استاذنا الفاضل العالم الزكي التقي مولانا احمد الأردبيلي (قده) فأخفيت نفسي عنه
حتى اتى الباب وكان مغلقا فانفتح له عند وصوله إليه ودخل الروضة فسمعت يتكلم كأنه
يناجي احداً ثم خرج وأغلق الباب فمشيت خلفه حتى خرج من الغري و توجه نحو مسجد
الكوفة فكنت خلفه حيث لا يراني حتى دخل المسجد وصار الى المحراب الذي استشهد امير
المؤمنين ((عليه السلام)) عنده ومكث طويلا ثم رجع
و خرج من المسجد و اقبل نحو الغري فكنت خلفه حتى قربت من الجبانة فأخذني سعال لم
اقدر على دفعه فالتفت الي فعرفني وقال: انت مير غلام؟ قلت: نعم قال: ما تصنع
هاهنا؟ قلت: كنت معك حيث دخلت الروضة المقدسة الى الآن واقسم عليك بحق صاحب هذا
القبر ان تخبرني بما جرى عليك في هذه الليلة من البداية الى النهاية؟ فقال: اخبرك
على ان لا تخبر به احداً ما دمت حيا فلما توثق ذلك
مني
قال: كنت افكر في بعض المسائل وقد اغلقت علي فوقع في قلبي ان آتي امير المؤمنين((عليه السلام)) و اسأله عن ذلك فلما وصلت الى الباب فتح
لي بغير مفتاح كما رأيت ودخلت الروضة وابتهلت الى الله سبحانه في ان يجيبني مولاي
عن ذلك، فسمعت صوتا من القبر ان ائت مسجد الكوفة واسأل القائم ((عليه السلام)) فانه امام زمانك فاتيت عندالمحراب وسألته
عنها واجبت وها انا راجع الى بيتي
(ومنها)
ما اخبرنى به والدي (ره) قال: كان في زماننا رجل شريف كان يقال له اميراً يسمى
الاسترابادي، وكان قد حج اربعين حجة ماشياً، وكان قد اشتهر بين الناس انه تطوى له الارض
فورد في بعض السنين بلدة اصفهان فأتيته وسألته عما اشتهر فيه فقال: كان سبب ذلك
اني كنت في بعض السنين مع الحاج متوجهين الى بيت الله الحرام فلما وصلنا الى موضع
كان بيننا وبين مكة سبعة منازل او تسعة تأخرت عن القافلة لبعض الأسباب حتى غابت
عني وضللت عن الطريق وتحيرت وغلبني العطش حتى ايست من الحياة فناديت: يا صالح
ارشدونا الى الطريق يرحمكم الله فترا آى لي في منتهى البادية شبح فلما تأملته حضر
عندي في زمان يسير، فرأيته شاباً حسن الوجه نقي الثياب اسمر على هيئة الشرفاء
راكبا على جمل ومعه اداوة فسلمت عليه فرد علي السلام وقال: انت عطشان؟ قلت: نعم،
فأعطاني الأداوة فشربت ثم قال: تريد ان تلحق القافلة؟ قلت نعم، فاردفني خلفه
وتوجهت نحو مكة وكان من عادتي قراءة الحرز اليماني في كل يوم فأخذت في قراءته فقال
في بعض المواضع: اقرأ هكذا قال: فما مضى الا زمان يسير حتى قال لي: تعرف هذا
الموضع؟ فنظرت فاذا أنا بالأبطح فقال: انزل فلما نزلت رجع وغاب عني فعند ذلك عرفت
انه القائم ((عليه السلام)) فندمت وتأسفت على
مفارقته وعدم معرفته، فما كان بعد سبعة ايام اتت القافلة فرأوني في مكة بعد ما
ايسوا من حياتي فلهذا اشتهرت بطي الأرض. قال الوالد (ره) فقرأت عنده الحرز اليماني
وصححته واجازني والحمد لله.
(ومنها)
ما اخبرني به بعض الأفاضل الكرام والثقات الأعلام قال: اخبرني بعض من اثق به يرويه
عمن يثق به و بطريه انه قال: لما كانت بلدة البحرين تحت ولاية الافرنج جعلوا
واليها رجلا من المسلمين ليكون ادعى الى تعميرها واصلح بحال اهلها، وكان هذا الولي
من النواصب وله وزير اشد نصباً منه يظهر العداوة لأهل البحرين لحبهم لأهل البيت ((عليهم السلام)) ويحتال في اهلاكهم واضرارهم بكل حيلة،
فلما كان في بعض الأيام دخل الوزير على الوالي وبيده رمانة فأعطاها الوالي فاذا
مكتوب عليها: «لا اله الا الله محمد رسول الله ابو بكر وعمر وعثمان وعلي خلفاء
رسول الله» فتأمل الوالي فرأى الكتابة من اصل الرمانة بحيث لا يحتمل عنده ان يكون
من صناعة بشر، فتعجب من ذلك وقال للوزير: هذه آية بينة وحجة قوية على ابطال مذهب
الرافضة فما رأيك في اهل البحرين؟ فقال له: اصلحك الله ان هؤلاء جماعة متعصبون
ينكبون عن البراهين و ينبغي لك ان تحضرهم و تريهم هذه الرمانة فان قبلوا ورجعوا
الى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك وان ابوا الا المقام على ضلالتهم فخيرهم بين
ثلاث اما ان يؤدوا الجزية وهم صاغرون، او يأتوا بجواب عن هذه الآية البينة التي لا
محيص لهم عنها، او تقتل رجالهم وتسبي نساءهم واولادهم وتأخذ الغنيمة من اموالهم.
فاستحسن الوالي رأيه وارسل الى العلماء والأفاضل الأخيار والنجباء والسادات
الأبرار من اهل البحرين واحضرهم وأراهم الرمانة واخبرهم بما رأي فيهم ـ ان لم
يأتوا بجواب شاف ـ من القتل والأسر واخذ الاموال او اخذ الجزية على وجه الصغار
كالكفار، فتحيروا في امرها ولم يقدروا على الجواب وتغيرت وجوههم وارتعدت فرائصهم
فقال كبراؤهم: امهلنا ايها الأمير ثلاثة ايام لعلنا نأتيك بجواب ترتضيه والا فاحكم
فينا بما شئت فأمهلهم فخرجوا من عنده خائفين مرعوبين متحيرين، فاجتمعوا في مجلس
واجالوا الرأي في ذلك فاتفق رأيهم على ان يختاروا من صلحاء البحرين وزهادهم
عشرة ففعلوا ذلك، ثم اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا لأحدهم: اخرج الليلة الى الصحراء
واعبد الله فيها واستغث بامام زماننا وحجة الله علينا لعله يبين لك ما هو المخرج
من هذه الداهية الدهماء، فخرج وبات طول ليلته متعبداً خاشعا باكياً يدعو الله
ويستغيث بالامام حتى اصبح ولم ير شيئاً فأتاهم واخبرهم، فبعثوا في الليلة الثانية
الثاني منهم فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخبر فازداد قلقهم وجزعهم، فاحضروا الثالث وكان
تقيا فاضلا اسمه محمد بن عيسى فخرج الليلة الثالثة حافيا حاسراً للرأس الى الصحراء
وكانت ليلة مظلمة فدعى وبكى
وتوسل
الى الله سبحانه وتعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البلية عنهم واستغاث
بصاحب الزمان، فلما كان في آخر الليل اذ هو برجل يخاطبه ويقول: يا محمد بن عيسى ما
لي اراك على هذه الحالة ولماذا خرجت في هذه البرية؟ فقال: ايها الرجل دعني فإني
خرجت لأمر عظيم وخطب جسيم لا اذكره الا الى امامي ولا اشكوه الا لمن يقدر على كشفه
عني، فقال: يا محمد بن عيسى انا صاحب الأمر فاذكر لي حاجتك، فقال: ان كنت هو فأنت
تعلم حاجتي وقصتي ولا تحتاج ان اشرحها اليك، فقال له: نعم خرجت لما دهمكم من امر
الرمانة وما كتب عليها وما اوعدكم الأمير به، قال: فلما سمعت ذلك منه توجهت اليه
وقلت له: نعم يا مولاي قد تعلم ما اصابنا وانت امامنا وملاذنا والقادر على كشفه
عنا فقال ((عليه السلام)): يا محمد بن عيسى ان
الوزير (لعنه اللله) في داره شجرة رمان فلما حملت تلك الشجرة صنع شيئاً من الطين
على هيئة الرمانة، وجعلها نصفين وكتب فى داخل كل نصف بعض تلك الكتابة ثم وضعها على
الرمانة وشدهما عليها وهي صغيرة فأثر فيها وصارت هكذا فاذا مضيتم غداً الى الوالي
فقل له: جئتك بالجواب ولكني لا ابديه الا في دار الوزير فاذا مضيتم الى داره فانظر
عن يمينك ترى فيها غرفة فقل للوالي: لا اجيبك الا في تلك الغرفة، وسيأبى الوزير عن
ذلك وانت بالغ في ذلك ولم ترض الا بصعودها، فاذا صعد فاصعد معه ولا تتركه وحده
يتقدم عليك، فاذا دخلت الغرفة رأيت كوة فيه كيس ابيض فانهض اليه وخذه فترى فيه تلك
الطينة التي عملها لهذه الحيلة، ثم ضعها امام الوالي وضع الرمانة فيها لينكشف له
جلية الحال، وايضاً يا محمد بن عيسى قل للوالي: ان لي معجزة اخرى وهي ان هذه
الرمانة ليس فيها الا الرماد والدخان، وان اردت صحة ذلك فأمر الوزير بكسرها فاذا
كسرها طار الرماد والدخان على وجهه ولحيته. فلما سمع محمد بن عيسى ذلك من الامام
فرح فرحا شديداً وقبل ما بين يدى الامام وانصرف الى اهله بالبشارة والسرور، فلما
اصبحوا مضوا الى الوالي وفعل محمد بن عيسى كلما امره به الامام وظهر كلما اخبره،
فالتفت الوالي الى محمد بن عيسى وقال له: من اخبرك بهذا؟ فقال: امام زماننا وحجة
الله علينا، فقال: ومن امامكم؟ فأخبره بالائمة واحداً بعد واحد الى ان انتهى الى
صاحب الزمان((عليه السلام)) فقال الوالي: مديدك
فأنا اشهد ان لا اله إلا الله وان محمداً رسول الله((صلى
الله عليه وآله)) وان الخليفة من بعده امير المؤمنين علي((عليه السلام)) ثم اقر بالائمة الى آخرهم وحسن ايمانه
وامر بقتل الوزير واعتذر الى اهل البحرين واحسن اليهم واكرمهم. قال : وهذه القصة مشهورة
عند اهل البحرين، وقبر
محمد
بن عيسى معروف تزوره الناس ـ انتهى ما اردنا نقله من بحار الانوار.
(يقول جامع هذه الظرائف وناقل هذه اللطائف) قد وقعت في بعض كتب اخرى يتضمن بيان تلك الجزائر
العامرة احببت حكايتها على نحو ما رأيته وهذه صورته.
روى
الشريف الزاهد ابو عبدالله محمد بن علي بن الحسين بن عبدالرحمن العلوي الحسيني في
كتابه باسناده عن الأجل العالم حجة الإسلام سعيد بن احمد بن الرضي عن الشيخ الأجل
المقري خطير الدين حمزة بن المسيب بن الحارث وانه حكى في داري بالنظر فيه بمدينة السلام
في ثامن عشر شهر شوال سنة اربع واربعين وخمسمائة قال: حدثني شيخي العالم ابو
القاسم عثمان بن عبدالباقي بن احمد الدمشقي في سابع عشر جمادي الآخر سنة ثلاث
واربعين وخمسمائة قال: حدثني الأجل العالم الحجة كمال الدين احمد بن محمد بن يحيى
الأنباري بداره بمدينة السلام ليلة الخميس عاشر شهر رمضان سنة ثلاث واربعين
وخمسمائة قال: كنا عند الوزير العزيز عون الدين يحيى بن هبيرة في رمضان بالسنة
المقدم ذكرها ونحن على طبقه و عنده جماعة، فلما افطر من كان حاضراً وتقوض اكثر من
حضر اردنا الانصراف فأمرنا بالتمسي عنده، وكان في مجلسه في تلك الليلة شخص لا
اعرفه ولم اكن رأيته من قبل ورأيت الوزير يكثر اكرامه ويقرب مجلسه ويصغي اليه
ويسمع قوله دون الحاضرين، فتجارينا الحديث والمذاكرة حتى امسينا واردنا الانصراف
فعرفنا بعض اصحاب الوزير ان الغيث ينزل وانه يمنع من يريد الخروج، فأشار الوزير ان
نتمسى عنده فأخذنا نتحادث فأفضى بنا الحديث حتى تحادثنا في الاديان والمذاهب
ورجعنا الى دين الإسلام وتفرق المذاهب فيه فقال الوزير: اقل طائفة مذهب الشيعة وما
يمكن ان يكون اكثر منهم في خطتنا هذه وهم الأقل من اهلها، واخذ يذم احوالهم و يحمد
الله على قلتهم في اقاصي الأرض، فالتفت الشخص الذي كان الوزير مقبلا عليه مصغيا
اليه فقال: ادام الله ايامك احدث بما عندي فيما قد تفاوضتم فيه او اعزب عنه، فصمت
الوزير ثم قال: قل ما عندك، فقال: خرجت مع والدي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة من
مدينتنا وهي المعروفة بالباهية ولها الرستاق الذي تعرفه التجار وعدة ضياعها الف
ومأتا ضيعة في كل ضيعة من الخلق ما لا يحصى عددهم الا
الله
تعالى وهم قوم من نصارى وجميع الجزائر التي كانت حولهم على مذهبهم ومسير بلادهم
عشرون يوماً وكل من في البر وغيرهم نصارى ويتصل بالحبشة والتوبة وكلهم نصارى ويتصل
بالبربر وهم على دينهم، فان حد هذا كان يملأ كل من في الارض ولم نصف اليهم الا
فرنج والروم، وغير خفي عليكم من بالشام والحجاز والعراق، واتفق انا سرنا في البحر
و أوغلتا وتعدينا الجهات التي كنا نصل اليها ورغبنا في المكاسب ولم نزل على ذلك
حتى صرنا الى جزائر عظيمة كثيرة الأشجار مليحة الجدران فيها المدن المدورة
والرساتيق، فأول مدينة وصلنا اليها وارسى الركب فيها وقد سألنا النو اخذا: اي شيء
هذه الجزيرة؟ فقال: والله ان هذه الجزيرة لم اصل اليها ولا اعرفها وانا وانتم فى
معرفتها سواء.
فلما ارسينا بها وصعد التجار
الى مشرعة تلك المدينة وسألنا ما اسمها فقيل: هي المباركة، فسألنا عن سلطانها وما
اسمه فقالوا: اسمه الطاهر، فقلنا: واين سرير مملكته؟ فقالوا: بالزاهرة، فقلنا:
واين الزاهرة؟ فقالوا: بينكم و بينها عشر ليال في البحر وخمس وعشرون ليلة فى البر
وهم قوم مسلمون، فقلنا: من يقبض زكاة ما في المركب لنشرع فى البيع والا بتاع؟
فقالوا: تحضرون عند نائب السلطان، فقلنا: واين اعوانه؟ فقالوا: لا اعوان له و هو
في داره وكل من عليه حق يحضر عنده فيسلم اليه فتعجبنا من ذلك وقلنا: ألا تدلونا
عليه، قالوا: بلى، وجاء معنا من ادخلنا داره فرأينا رجلا صالحا عليه عباءة وتحته
عباءة وهو مفترشها وبين يديه داواة وهو يكتب منها من كتاب ينظر اليه، فسلمنا عليه
فرد علينا السلام وحيانا وقال: من اين اقبلتم؟ فقلنا: من كذا وكذا، فقال: كلكم
مسلمون؟ فقلنا: لا بل فينا المسلم واليهودي والنصارى، فقال: يزن اليهودي جزيته
والنصراني جزيته ويناظر المسلم عن مذهبه، فوزن والدي عن خمسة نصارى عنه وعني وعن
ثلاثة نفر كانوا معنا ثم وزن تسعة نفر كانوا يهوداً وقالوا للمسلمين: هاتوا
مذهبكم، فشرعوا معه في مذاهبهم فقال: لستم مسلمين وانما انتم خوارج واموالكم تحل
للمسلم المؤمن وليس بمسلم من لا يؤمن بالله ورسوله وبالوصي والأوصياء من ذريته حتى
مولانا صاحب الزمان((عليه السلام)) فضاقت بهم
الأرض ولم يبق الا اخذ اموالهم، ثم قال لنا: يا اهل الكتاب لا معارضة لكم فيما
معكم حيث اخذت الجزية منكم.
فلما عرف أولئك ان اموالهم
معرضة للنهب سألوه ان يحملهم الى سلطانه، فأجاب سؤالهم وتلا (ليهلك من هلك عن بينة
ويحيى من حي عن بينة) وقلنا للربان: هؤلآء قوم
قد
عاشرناهم وصاروا رفقة وما نحب ان نتخلف عنهم اينما يكونون نكون معهم حتى نعلم ما
يسفر حالهم عنه، فقال الربان: والله ما اعلم هذا البحر اين المسير فيه فأستاجرنا
ربانا ورجالا وقلعنا القطع وسرنا ثلاثة عشر يوماً بلياليها حتى كان قبل طلوع الشمس
او الفجر كبر الربان فقال: هذه والله اعلام الزاهرة ومنابرها وجدرانها قد بانت،
فسرنا حتى تضاحى النهار فقدمنا الى مدينة لم تر العيون مثلها ولا احسن منها ولا
اخف على القلوب ولا ارق من نسيمها ولا اطيب من هواها ولا اعذب من مائها، وهي راكبة
البحر على جبل من صخر ابيض كأنه لون الفضة وعليها سور الى ما يلي البر والبحر،
والأنهار منحرفة في وسطها يشرب منه اهل الدور والأسواق وتأخذ منها الحمامات و
فواضل الأنهار ترمي على البحر، ومدى الأنهار فرسخ ونصف او دونه وفي تحت ذلك الجبل
بساتين المدينة واشجارها ومزارعها عند العيون، وثمار تلك الاشجار لا يرى اطيب منها
ولا اعذب، ويرعى الذئب والنعجة عيانا، ولو قصد قاصد تخلية دابته في زرع غيره لما
رعته ولا قطعت منه قطعة، ولقد شاهدت السباع والهوام رابضة في غيص في جنب تلك
المدينة وبنو آدم يمرون عليها فلا تؤذيهم.
فلما قدمنا المدينة وارسى
المركب فيها وما صحبنا من الشوالي والذبائح من المباركة بشريعة الزاهرة صعدنا
فرأينا مدينة عظيمة كثيرة الخلق وسيعة الربقة فيها الأسواق الكثيرة والمعاش العظيم
ويرد اليها الخلق من البر والبحر، واهلها على الحسن قاعدة لم يكن على وجه الأرض من
الملل والأديان مثلهم وامانتهم، حتى ان المتعيش بسوق المدينة يرد اليه من يبتاع
منه حاجة اما بالوزن او بالذراع فيبيعه عليها ثم يقول: يا هذا زن لنفسك واتزن
لنفسك وهذه صورة مبايعتهم لا يسمع منهم لغو المقال ولا النميمة ولا يسب بعضهم
بعضاً واذا نادى المؤذن للأذان لا يتخلف منهم متخلف ذكراً كان او انثى الى سعى الا
الصلاة حتى اذا قضيت الصلاة للوقت المفروض رجع كل منهم الى بيته حتى يكون وقت صلاة
اخرى فيكون الحال كما كانت.
فلما دخلنا المدينة وارسينا
بمشرعتها امر بحضورنا عند السلطان فحضرنا داره ودخلنا الى بستان صور في وسطه قبة
من فضة، والسلطان في تلك القبة وعنده جماعة، وفي باب القبة ساقية تجري فوافينا
القبة وقد اقام المؤذن للصلاة فلم يكن اسرع من ان امتلأ البستان بالناس واقيمت
الصلاة وصلى بهم جماعة، فلا والله لم تنظر عيني اخضع لله منه ولا الين جانبا
لرعيته فصلى من صلى مأموماً، فلما قضيت الصلاة
التفت
وقال: هؤلاء القادمون؟ قلنا: نعم، وكانت تحية الناس له ومخاطبتهم له: يا ابن صاحب
الأمر فقال: على خير مقدم، فقال: انتم تجار ام ضيفان؟ فقلنا: تجار، فقال: من فيكم
المسلم ومن فيكم اهل الكتاب؟ فعرفناه ذلك، فقال: ان للإسلام فرقا وشعباً فمن أي
قبيل انتم وكان معنا شخص يدعى بالمغرى اسمه آدر بهان بن احمد الأهوازي يزعم انه
على مذهب الشافعي فقال: انا رجل شافعي. قال: فمن على مذهبك من الجماعة؟ فقال: كلنا
الا هذا حسان بن عنب فانه رجل مالكي، فقال: انت تقول بالاجماع؟ قال: نعم، قال:
اذاً تعمل بالقياس، ثم قال: بالله يا شافعي تلوت ما انزل يوم المباهلة؟ قال نعم،
قال ما هو؟ قال قوله تعالى: (قل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم
وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فقال: بالله عليك من
ابناء الرسول ومن نساءه ومن نفسه؟ فأمسك آدر بهان، فقال بالله هل بلغك او اتاك ان
غير السول والوصي والبتول والسبطين دخل تحت الكساء؟ قال: لا، فقال واللّه لم تنزل
هذه الآية الا فيهم ولا خص بها سواهم، ثم قال بالله عليك هل تلوت قوله تعالى:
(انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً)؟ قال نعم، قال:
بالله عليك من عنى بذلك؟ فأمسك، فقال والله ما عني بها الا اهلها ثم بسط لسانه
وتحدث بحديث امضى من السهام واقطع من الحسام، فقطع الشافعي ووافقه عند ذلك، فقال:
عفواً عفواً يا بن صاحب الأمر انسب لي نسبك، فقال: انا طاهر ابن محمد بن الحسن بن
علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب
عليهم السلام الذي انزل الله فيه (وكل شيء احصيناه في امام مبين) هو والله الإمام
المبين ونحن الذين انزل الله في حقنا (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) يا
شافعي نحن ذرية الرسول نحن اولو الأمر. فخر الشافعي مغشيا عليه لما سمع منه ثم
افاق وآمن به فقال: الحمد لله الذي منحني الاسلام والايمان ونقلني من التقليد الى
اليقين.
ثم امر لنا باقامة الضيافة
فبقينا على ذلك ثمانية ايام ولم يبق في المدينة احد الا جاء الينا وحادثنا، فلما
انقضت الأيام الثمانية سأله اهل المدينة ان يقوموا لنا بالضيافة ففتح لهم في ذلك،
فكثرت الأطعمة والفواكه وعملت لنا الولائم وبقينا في تلك المدينة سنة كاملة فعلمنا
وتحققنا ان ملك المدينة مسيرة شهرين وبعدها مدينة اسمها الرائقة سلطانها القاسم بن
صاحب الأمر مسيرة ملكها شهرين وهي على تلك القاعدة ولها دخل عظيم، وبعدها مدينة
اسمها الصافية سلطانها ابراهيم بن صاحب
الأمر
وبعدها مدينة اخرى اسمها ظلوم سلطانها عبدالرحمن بن صاحب الأمر مسيرة رستاقها
وضياعها شهران، وبعدها مدينة اخرى اسمها عناطيس سلطانها هاشم بن صاحب الأمر وهي
اعظم دخله ومسير ملكها اربعة اشهر، فيكون مسيرة هذه المدن الخمس والمملكة مقدار
سنة لا يوجد في اهل تلك الخطط والضياع غير الموحد القائل بالبراءة والولاية التي
يقيم الصلاة ويؤتي الزكوة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، سلاطينهم اولاد امامهم
يحكمون بالعدل وبه يأمرون، وليس على وجه الأرض مثلهم ولو جمع اهل الدنيا لكانوا
اكثر عدداً منهم على اختلاف الأديان والمذاهب، ولقد اقمنا عندهم سنة كاملة نترقب
ورود صاحب الأمر اليهم، فانهم زعموا بأنها سنة وروده فلم يوفقنا الله تعالى للنظر
اليه.
فاما آدر بهان وحسان فانهما
اقاما بالزاهرة يترقبان رؤيته وقد كنا لما استكثرنا هذه المدن واهلها ودخلنا سألنا
عنها فقيل: انها عمارة صاحب الأمر واستخراجه فلما سمع عون الدين نهض ودخل حجرة
لطيفة وقد تقضى الليل فأمر باحضارنا واحداً بعد واحد وقال: اياكم ما سمعتم وادراءه
على الفاظكم وتأكد علينا فخرجنا من عنده ولم يعد احد منا مما سمعه حرفاً واحداً
حتى هلك، وكنا اذا حضرنا موضعاً واجتمع احدنا بصاحبه قال: اتذكر شهر رمضان؟ فيقول:
ستر الحلال شرط، فهذا ما سمعته ورويته والحمد لله رب العالمين.
(اقول) قد وقع في بعض
توقيعاته ((عليه السلام)) السلام الى شيخنا المفيد
(قده) اننا باليمن بواد يقال له شمروخ وشمويخ، ولعل هذا هو اسم للمكان الذي يختص
به ((عليه السلام))
(شعر) لمحمد رضي الأزري:
(وله ايضاً)
رحمه الله تعالى:
(ولأخيه)
محمد كاظم:
وحكى الأصمعي قال: مررت في
يوم شديد المطر ببعض الطرقات فرأيت رجلا عليه فرو مقلوب والمطر قد غمزه فقلت
لأصحابي: الا اضحككم على هذا الأعرابي؟ قالوا: نعم، فقلت له: تدري كيف انت يا
اعرابي؟ قال: لا، فقلت شعراً:
فقال:
تدري كيف انت؟ قلت: لا، فقال:
فضحكت
وقلت له: لعلك تعرف شيئاً من شعر العرب؟ قال: بل العرب تحفظ من شعري، فقلت له:
انشدني شيئاً من شعرك، فقال: على اي قافية شئت؟ فلم اجد قافية اصعب من قافية الواو
فقال شعرا:
قلت:
نو ماذا؟ فقال:
قلت:
ضو ماذا؟ فقال:
قلت:
لو ماذا؟ فقال:
قلت:
منطو ماذا؟ فقال:
فقلت:
جو ماذا؟ فقال:
قلت:
يدعو ماذا؟ فقال:
فقلت:
يلقوا ماذا؟ فقال:
قال
الاصمعي: فسكت. وفي نقل اخر فقلت: او ماذا؟ قال:
قال
الأصمعي: فخفت ان اقول قو ماذا؟ فيجعل عوض القافية ضربة على رأسي قال الأصمعي: فأخذته
الى منزلي قد بخت اربع دجاجات فلما نضجن جئت بهن اليه فقلت له: اقسمهن علي وعليك
وعلى زوجتي وولدي، فقال: اقسمهن زوجا او فرداً فقلت: زوجا، فقال: انت وزوجتك وولدك
دجاجة اربعة والأربعة زوج، وانا وثلاث دجاجات اربعة والأربعة زوج فأخذت الدجاجة
ومضيت فلما كانت في الليلة الثانية اتيت اليه بثلاث دجاجات وقلت له: فاقسمهن فرداً
فقال: ولدان وانت وامهما ودجاجة خمسة فرداً وانا ودجاجتان ثلاثة والثلاثة فرد،
فأخذت الدجاجة ومضيت فلما كان في الليلة الثالثة احضرت اليه دجاجة فقال: الجناحان
للجناحين و ناولهما الولدين ثم قال: العجز للعجوز والرأس للرئيس وانت رأس يا اصمعي
والصدر للصدر، فلما كان وقت الإنصراف خرجت لأودعه فقال لي: ارجع فخذ ما تركته
مكاني، فرجعت فوجدته قد ترك لي دنانير كثيرة فأخذتها وقيل لي بعد ذلك: انه من
اولاد الحسين بن علي بن ابي طالب((عليه السلام)).