(روى الشيخ)
قدس الله سره في كتاب الفقيه بسنده فيه عن عبدالله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن
روح(رض) قال: سئل الشيخ يعني ابا القاسم عن كتب ابن ابي العزاقر بعد ما ذم وخرجت
فيه اللعنة فقيل له: فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملأى؟ فقال: اقول فيها ما قال
ابو محمد الحسن بن علي((عليه السلام)): خذوا بما
رووا وذروا ما رأوا.
(يقول جامع هذا الكشكول وحاكي هذا المنقول) ما نقله الشيخ المشار اليه عن مولانا العسكري((عليه السلام)) قد رواه جماعة من علماءنا الاعلام منهم
انه سئل((عليه السلام)) عن العمل بكتب بني فضال
الذين هم من عمد الفطحية؟ فقال: «خذوا بما رووا ودعوا ما رأوا» وفيه حجة واضحة على
صحة العمل برواية غير الإمامي إذا لم تكن من متفرداته الباطلة ولا من مخترعاته
العاطلة، وهو موافق لما عليه اصحابنا المتقدمين و جملة من علمائنا المتأخرين و هو
الحق الحقيق بالاتباع والله العالم.
(وروى) انه قال لقمان لإبنه:
يا بني اختر المجالس على عينك فان رأيت قوماً يذكرون الله عزوجل فاجلس معهم، فانك
ان تك عالما ينفعك علمك ويزيدونك علما وان كنت جاهلا علموك، ولعل الله يظلهم برحمة
فتعمك معهم، واذا رأيت قوما لا يذكرون الله تعالى فلا تجلس معهم فانك ان تك عالما
لا ينفعك علمك وان تك جاهلا يزيدونك جهلا، ولعل الله ان يظلهم بعقوبة فيعمك معهم (بيان) اختر المجالس على
عينك اي على بصيرة منك او بعينك، فان على قد تجي، بمعنى الباء او رجحها على عينك ـ
كذا ذكره بعض مشائخنا المتأخرين (قده).
(بشارة للشيعة وخزي لأعدائهم وشنيعة) روى ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن محمد بن سليمان عن
أبيه قال: كنت عند ابي عبدالله((عليه السلام)) اذ
دخل عليه ابو بصير وقد حصره النفس فلما اخذ مجلسه قال له ابو عبدالله((عليه السلام)): يا ابا محمد ما هذا النفس العالي؟ فقال:
جعلت فداك يا ابن رسول الله كبر سني ودق عظمي و اقترب أجلي مع اني لست ادري ما ارد
عليه من امر آخرتي؟ فقال ابو عبدالله((عليه السلام)):
يا ابا محمد انك لتقول هذا؟ قلت: جعلت فداك وكيف لا اقول! فقال: يا ابا محمد اما
علمت ان الله عزوجل يكرم الشباب منكم ويستحي من الكهول؟ قال: جعلت فداك فكيف يكرم
الشباب
ويستحيي من الكهول؟ فقال: يكرم والله الشباب ان يعذبهم ويستحيي من الكهول أن
يحاسبهم، قال قلت: جعلت فداك هذا لنا خاصة ام لاهل التوحيد؟ قال فقال: لا والله
لكم خاصة دون العالم، قال قلت: جعلت فداك فأنا قد نبزنا بنبز انكسرت له ظهورنا
وماتت له افئدتنا واستحلت له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم، قال: فقال
ابو عبدالله((عليه السلام)): الرافضة؟ قال قلت:
نعم قال: والله ما هم سموكم به بل الله سماكم به اما علمت يا ابا محمد ان سبعين
رجلا من بني اسرائيل رفضوا فرعون وقومه لما استبان لهم ضلالهم فلحقوا بموسى((عليه السلام)) لما استبان لهم هذه فسموا في عسكر موسى
الرافضة لأنهم رفضوا فرعون وكانوا أشد اهل ذلك العسكر عبادة واشدهم حبا لموسى
وهارون و ذريتهما((عليه السلام)) فأوحى الله تعالى
الى موسى((عليه السلام)): ان اثبت لهم هذا الإسم
في التوارة فإني قد سميتهم به ونحلتهم اياه، فأثبت موسى((عليه
السلام)) الإسم لهم ثم ادخر اللّه تعالى لكم هذا الاسم حتى نحلكموه، يا ابا
محمد رفضوا الخير ورفضتم الشر، افترق الناس كل فرقة وتشعبوا كل شعبه فانشعبتم مع
اهل بيت نبيكم((عليهم السلام)) و ذهبتم حيث ذهبوا
واخترتم من اختار الله لكم واردتم من اراد الله، فابشروا ثم ابشروا فانتم والله
المرحومون المتقبل من محسنكم والمتجاوز عن مسيئكم، من لم يأت الله تعالى بما انتم
عليه يوم القيامة لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز له عن سيئة، يا ابا محمد فهل
سررتك؟ قال قلت: جعلت فداك زدني، فقال يا ابا محمد ان لله عزوجل ملائكة يسقطون
الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يسقط الريح الورق في اوان سقوطه، وذلك قول الله تعالى:
(الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم و يستغفرون للذين آمنوا) استغفارهم
والله لكم دون هذا الخلق، يا ابا محمد فهل سررتك؟ قال قلت: جعلت فداك زدني، فقال:
يا ابا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا
الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)، انكم وفيتم بما اخذ
الله عليه ميثاقكم من ولايتنا وانكم لم تبدلوا بنا غيرنا، ولو لم تفعلوا لغيركم
الله كما غيرهم حيث يقول: (وما وجدنا لأكثرهم من عهد وان وجدنا اكثرهم لفاسقين) يا
ابا محمد فهل سررتك؟ قال قلت: جعلت فداك زدني، قال: يا ابا محمد لقد ذكرنا الله
تعالى و شيعتنا وعدونا في آية من كتابه فقال تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون
والذين لا يعلمون انما يتذكر اولو الألباب) فنحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا
يعلمون وشيعتنا اولو الألباب، يا ابا محمد فهل سررتك؟ قال قلت: جعلت فداك زدني،
فقال: يا ابا محمد والله ما استثنى الله عزوجل بأحد من
اوصياء
الأنبياء ولا اتباعهم ما خلا امير المؤمنين وشيعته فقال في كتابه وقوله الحق: (يوم
لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون الا من رحم الله) يعني بذلك علياً
وشيعته، يا ابا محمد فهل سررتك ؟ قال قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا ابامحمد لقد
ذكركم الله في كتابه اذ يقول: (يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من
رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) والله ما اراد بهذا
غيركم فهل سررتك يا ابا محمد؟ قال: جعلت فداك زدني، فقال: يا ابا محمد لقد ذكركم
الله في كتابه فقال: (ان عبادي ليس لك عليهم سلطان) والله ما اراد بهذا الا الائمة
و شيعتهم، فهل سررتك يا ابا محمد؟ قال قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا ابا محمد لقد
ذكركم الله في كتابه فقال: (فأولئك مع الذين انعم الله عليه من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا) فرسول الله((صلى
الله عليه وآله)) في الآية النبيون ونحن في هذا الوضع الصديقون والشهداء
وانتم الصالحون فتمسكوا بالصلاح كما سماكم الله تعالى، يا ابا محمد فهل سررتك؟ قال
قلت: جعلت فداك زدني، قال: ياابامحمد لقد ذكركم از في كتابه اذ حكى عن عدوكم في
النار بقوله: (قالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار اتخذناهم سخريا ام
زاغت عنهم الأبصار) والله ما عنى ولا اراد بهذا غيركم صرتم عند هذا العالم اشرار
الناس وانتم واللّه في الجنة تحبرون وفي النار تطلبون، يا ابا محمد فهل سررتك؟ قال
قلت: جعلت فداك زدني، قال: يا ابا محمد ما من آية نزلت تقود الى الجنة ولا تذكر
أهلها بخير الا وهي فينا وفي شيعتنا، وما من آية والله نزلت تذكر اهلها بشر ولا
تسوق الى النار الا وهي في عدونا و من خالفنا، فهل سررتك يا ابا محمد؟ قال قلت:
جعلت فداك زدني، فقال: يا ابا محمد ليس على ملة ابراهيم الا نحن وشيعتنا وسائر
الناس من ذلك براء، يا ابا محمد فهل سررتك؟ فقال قلت: حسبي.
(وروى في الكتاب المذكور) بسنده فيه عن الحكم بن جعفر قال: بينا انا مع ابي
جعفر((عليه السلام)) والبيت غاص بأهله إذ أقبل شيخ
تيق كأعلى عنزة له حتى وقف على الباب فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة
الله و بركاته، ثم سكت فقال ابو جعفر: و عليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم اقبل
الشيخ بوجهه على اهل المحل
وقال
السلام عليكم، ثم سكت حتى اجابه القوم جميعاً وردوا عليه السلام، ثم اقبل بوجهه
على ابي جعفر((عليه السلام)) وقال: يا ابن رسول
الله ادنني منك جعلني الله فداك فوالله اني لأحبكم واحب من يحبكم ووالله ما حبكم
واحب من يحبكم لطمع في دنيا، واني لأبغض عدوكم وابرأ منه وواللّه ما ابغضه وابرأ
منه لوتر كان بيني وبينه، والله اني لأحل حلالكم واحرم حرامكم وانتظر امركم فهل
ترجو لي جعلني الله فداك ؟ فقال ابو جعفر((عليه السلام)):
الي الي حتى اقعده الى جنبه ثم قال: ايها الشيخ ان ابي علي بن الحسين((عليه السلام)) اتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني فقال
له ابي: ان مت ترد على رسول الله((صلى الله عليه وآله))
وعلى علي((عليه السلام)) والحسن والحسين((عليهما السلام)) ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقر عينك
وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين، ولو قد بلغت نفسك هاهنا ـ واهوى بيده
الى حلقه ـ وان تعش ترى ما يقرّ الله به عينيك وتكون معنا في السنام الأعلى، فقال
الشيخ: كيف قلت يا اباجعفر؟ فأعاد عليه الكلام، فقال الشيخ: الله اكبر يا ابا جعفر
ان انا متّ فأرد على رسول الله((صلى الله عليه وآله))
وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن
الحسين((عليه السلام)) وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد
فؤادي واستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي هاهنا وان اعش ارى
ما يقر الله به عيني فاكون معكم في السنام الأعلى ! ثم اقبل الشيخ ينتحب وينشج ها
ها ها حتى لصق بالأرض، فأقبل اهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرون من حال الشيخ،
واقبل ابو جعفر((عليه السلام)) يمسح باصبعه الدموع
من حماليق عينيه وينفضها، ثم رفع الشيخ رأسه وقال لأبي جعفر((عليه السلام)): يا ابن رسول الله ناولني يدك جعلني الله
فداك، فناوله يده فقبلها ووضعها على عينيه وخده ثم حسر عن بطنه وصدره فوضع يده على
بطنه وصدره ثم قام فقال: السلام عليكم، واقبل ابو جعفر((عليه
السلام)) ينظر في قفاه وهو مدبر ثم اقبل بوجهه على القوم فقال: من احب ان
ينظر الى رجل من اهل الجنة فلينظر الى هذا، فقال الحكم بن جعفر: لم أرمأتماً قط
يشبه ذلك المجلس.
(وروي في الكتاب المشار اليه)
بسنده فيه عن عبدالله بن الوليد الكندي قال: دخلنا على ابي عبدالله((عليه السلام)) في زمن مروان فقال: من انتم؟ قلنا: من
اهل الكوفة، فقال: ما من بلدة من البلدان اكثر محبا لنا من اهل الكوفة ولا سيما
هذه العصابة، ان الله تعالى هداكم لأمر جهله الناس واحببتمونا وابغضنا الناس
واتبعتمونا وخالفنا الناس وصدقتمونا وكذبنا الناس، فأحياكم الله محيانا واماتكم
مماتنا فاشهدوا على ابي انه كان يقول: ما بين احدكم و بين ان يرى ما يقر الله
عينيه وان يغتبط الا ان تبلغ نفسه هذا
واهوى
بيده الى حلقه ـ الحديث.
(وروي) ايضاً في الكتاب
المشار اليه بسنده فيه عن ابي بصير قال: قلت له: جعلت فداك الراد على هذا الأمر
فهو كالراد عليكم؟ فقال: يا ابا محمد من رد عليك هذا الأمر فهو كالراد على رسول
الله((صلى الله عليه وآله)) وعلى اللّه تعالى، يا
ابا محمد ان الميت منكم على هذا الأمر شهيد. قال: قلت: وان مات على فراشه؟ فقال:
اي والله على فراشه حي عند ربه يرزق.
(وروي البرقي في المحاسن)
باسناده عن زيد بن ارقم عن الحسين بن علي قال: ما شيعتنا الا صديق شهيد، قال: جعلت
فداك انى يكون ذلك وعامتهم يموتون على فراشهم؟ فقال: اما تتلو كتاب الله في سورة
الحديد (والذين آمنوا باللّه ورسله اولئك هم الصديقون والشهداء) قال: فقلت: كأني
لم اقرأ هذه الآية من كتاب الله عزوجل قط، قال: لو كان الشهداء ليس منها تقول كان
الشهداء قليلا. (قال)
بعض الفضلاء اقول: كأن الوجه في ذلك ان المؤمن انما تقبض روحه على حضور من قلبه
وتهيىء منه للموت كما ان الشهيد متهيء الشهادة محضر قلبه للرحيل، ولذا سمي شهيد.
ووجه آخر هو ان الأعمال انما هي بالنيات والمؤمن يود دائماً ان لو كان مع امامه
الظاهر في دولة الحق مجاهد مع عدوه ويستشهد في سبيل الله، فيعامل معه على حسب نيته
ويثاب ثواب الشهيد. ووجه ثالث وهو ان من رضي امراً فقد دخل فيه ومن سخط امراً فقد
خرج منه، والمؤمن قد رضي وسلم لامامه حق الجهاد مع عدوه فكأنه معه.
(روى) هذا المعنى بعينه
البرقي في محاسنه باسناده عن الحكم بن عتيبة قال: لما قتل امير المؤمنين((عليه السلام)) الخوارج يوم النهروان قام اليه رجل فقال:
يا امير المؤمنين طوبى لنا اذ شهدنا معك هذا الموقف وقتلنا معك هؤلاء الخوارج،
فقال امير المؤمنين: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد شهدنا في هذا الموقف اناس لم
يخلق الله آبائهم ولا اجدادهم بعد، فقال الرجل: وكيف شهدنا قوم لم يخلقوا؟ قال: بل
قوم يكونوا في آخر الزمان يشر كوننا فيما نحن فيه ويسلمون لنا فأولئك شركاؤنا فيه
حقاً حقا ـ انتهى.
(وروي في الكافي) أيضاً عن
مالك الجهني قال: قال لي ابو عبدالله((عليه السلام)):
يا مالك اما ترضون ان تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا وتدخلوا الجنة؟ يا مالك
انه ليس من قوم إئتموا بإمام في الدنيا الا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه الا
انتم و من كان على مثل حالكم، يا مالك ان الميت والله منكم على هذا الأمر لشهيد
بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله.
(وروي في الكتاب المذكور)
بسنده عن يزيد بن معاوية العجلي قال: سألت ابا جعفر((عليه
السلام)) عن قول الله تعالى: (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا
خوف عليهم ولا هم يحزنون) قال: هم والله شيعتنا حين صارت ارواحهم الى الجنة
واستقبلوا الكرامة من الله تعالى، علموا واستيقنوا انهم كانوا على الحق وعلى دين
الله تعالى، فاستبشروا بمن يلحق بهم من اخوانهم من خلفهم من المؤمنين الا وخوف
عليهم ولا هم يحزنون. (اقول) المراد بالجنة هنا هو وادي السلام والذي تحشر اليه
ارواح المؤمنين بعد الموت، فانه قطعة من جنة عدن كما ورد عنهم((عليهم السلام)).
(وروي فيه ايضاً) بسنده عن
عمرو بن ابي المقدام قال: سمعت ابا عبدالله((عليه السلام))
يقول: خرجت انا وابي حتى اذا كنا بين القبر والمنبر اذا أنا بأناس من الشيعة فسلم
ابي عليهم ثم قال: والله اني لأحب رياحكم وارواحكم فأعينوا على ذلك بورع واجتهاد،
فاعلموا ان ولايتنا لا تنال الا بالورع والاجتهاد، ومن إئتم منكم بعبد فليعمل
بعمله، انتم سعية الله انتم انصار الله وانتم السابقون الأولون والسابقون الآخرون
والسابقون في الدنيا الى ولايتنا والسابقون في الآخرة الى الجنة، وقد ضمنا لكم
الجنة بضمان الله وضمان رسول الله بأعلى درجة الجنة، اكثروا حبا منكم فتنافسوا في
فضائل الدرجات انتم الطيبون ونساؤكم الطيبات، كل مؤمنة حورا عينا وكل مؤمن صديق،
ولقد قال امير المؤمنين((عليه السلام)) لقنبر: يا
قنبر ابشر وبشر واستبشر فوالله لقد مات رسول الله((صلى
الله عليه وآله)) وهو على امته ساخط الا الشيعة، الا وان لكل شيء غرّ وغرّ
الإسلام الشيعة، الا وان لكل شيء دعامة ودعامة الإسلام الشيعة، الا وان لكل شيء
ذروة وذروة الإسلام الشيعة، الا وان لكل شيء شرف وشرف الإسلام الشيعة، الا وان لكل
شيء سيد وسيد المجالس مجالس الشيعة، الا وان لكل شيء امام وامام الأرض ارض تسكنها
الشيعة، والله لولا ما في الأرض منكم ما رأيت بعين عشباً ابداً، والله لولا ما في
الأرض منكم ما انعم الله على اهل خلافكم ولا اصابوا الطيبات، ما لهم في الدنيا ولا
هم في الآخرة من نصيب، كل ناصب وان تعبد واجتهد فمنسوب الى هذه الآية (عاملة ناصبة
تصلى ناراً حامية) كل ناصب خالفهم مجتهد فعمله هباء منثوراً، شيعتنا ينطقون بنور
الله تعالى ومن خالفهم ينطق بنقلة، والله ما من عبد من شيعتنا ينام الا اصعد الله
روحه الى السماء فيبارك عليها فان كان قد اتى عليها اجلها جعلها في كنوز رحمته وفي
رياض جنته و في ظل عرشه فان كان اجلها متأخراً بعث بها مع امنته من الملائكة ليردها الى الجسد الذي خرجت منه
لتكن فيه، والله ان حاجكم وعماركم لخاصة الله تعالى، وان فقراءكم لأهل الغنى وان
اغنياءكم لأهل القناعة وانكم كلكم لأهل دعوته واهل اجابته.
(وروى فيه ايضاً) بسنده عن
عمرو بن المقدام عين ابي عبدالله((عليه السلام))
مثله وزاد فيه: الا وان لكل شيء جوهر وجوهر ولد آدم محمد ونحن وشيعتنا بعدنا حبداز
هو لسلمت عليهم الملائكة قبلا، والله ما من عبد يتلو القرآن في صلاته قائما الا
وله بكل حرف مائة حسنة ولا قرأ في صلاته جالسا الا وله بكل حرف خمسون حسنة ولا في
غير صلاته الا وله بكل حرف عشر حسنات، وان للصامت من شيعتنا الأجر من قرأ القرآن
عمن خالفه، انتم والله على فرشكم نيام لكم اجر المجاهدين، أنتم والله في صلاتكم
لكم اجر الصافين في سبيله، انتم والله الذي قال الله تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم
من غل اخوانا على سرر متقابلين) انما شيعتنا اصحاب الأربعة الأعين عينان في الرأس
وعينان في القلب، الا والخلق كلهم كذلك، الا ان الله تعالى فتح ابصاركم واعمى
ابصارهم.
(وروي فيه أيضاً) بسنده عن
ميسرة قال: دخلت على ابي عبدالله((عليه السلام))
فقال: كيف اصحابك؟ فقلت: جعلت فداك لنحن عندهم شر من اليهود والنصارى والمجوس،
وكان متكئا فاستوى جالساً ثم قال: كيف؟ قلت: واللّه لنحن عندهم شر من اليهود
والنصارى والمجوس والذين اشركوا بالله فقال: والله لا يدخل النار منكم اثنان لا
والله ولا واحد، والله انكم الذين قال الله تعالى: (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا
كنا نعدهم من الأشرار اتخذناهم سخريا ام زاغت عنهم الأبصار ان ذلك لحق تخاصم اهل
النار) ثم قال: طلبوكم والله في النار فما وجدوا منكم احداً.
(وروى فيه ايضاً) بسنده عن
عنبسة عن ابي عبدالله((عليه السلام)) قال: اذا
استقر في النار اهل النار يفقدونكم فلا يرون منكم احدا فيقول بعضهم لبعض: ما لنا
لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار اتخذناهم سخريا ام زاغت عنهم الأبصار، قال:
وذلك قول الله تعالى: (ان ذلك لحق تخاصم اهل النار) يتخاصمون فيكم كما كانوا
يقولون في الدنيا.
(وروي فيه ايضاً) عن ابي
بصير قال: قال ابو عبدالله((عليه السلام)): يا ابا
محمد ان لله تعالى ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يسقط الريح من الشجرة
في اوان سقوطه، وذلك قول الله تعالى: (يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا)
والله ما اراد بهذا غيركم.
(وروي فيه ايضاً) عن علي بن
المغيرة عن ابي عبدالله((عليه السلام)) قال: سمعته
يقول: اذا بلغ المؤمن اربعين سنة آمنه الله من الادواء الثلاثة البرص والجذام
والجنون فاذا بلغ الخمسين خفف الله تعالى حسابه، فاذا بلغ ستين سنة رزقه الله
تعالى الانابة اليه، فاذا بلغ السبعين احبه اهل السماء، فاذا بلغ الثمانين امر
الله تعالى باثبات حسناته والقاء سيئاته، فاذا بلغ التسعين غفر له ما تقدم من ذنبه
وما تأخر وكتب اسير الله في أرضه.
(وروى) الثقة الجليل علي بن
ابراهيم في تفسيره بسنده عن ابي الورد عن ابي جعفر((عليه
السلام)) قال: اذا كان يوم القيامة جمع الله تعالى الناس في صعيد واحد حفاة
عراة، فيقفون في المحشر حتى يعرقوا عرقاً شديداً وتشتد انفاسهم فيمكثون في ذلك
بمقدار خمسين عاماً وهو قول الله عزوجل: (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع الا
همساً) ثم ينادي مناد من تلقاء العرش: اين النبي الأمي ؟ قال: فتقول الناس: قد
اسمعت فسم، فينادي: اين نبي الرحمة محمد بن عبدالله، فيتقدم رسول الله((صلى الله عليه وآله)) امام الناس كلهم حتى ينتهي الى
حوض طوله ما بين ليلة وصنعاء ثم ينادي صاحبكم ـ يعني امير المؤمنين((عليه السلام)) ـ فيتقدم امام الناس معه يؤذن للناس
فيمرون بين وارد للحوض وبين مصروف عنه، فإذا رأى رسول الله((صلى الله عليه وآله))من ينصرف من محبينا بكى وقال: يا
رب شيعة علي، فيأتيه ملك يقول له: ان الله تعالى يقول: قد وهبتهم لك يا محمد وصفحت
لك عن ذنوبهم وألحقتهم بك وبمن كانوا يتوالونه وجعلتهم في زمرتك واوردتهم حوضك قال
ابو جعفر((عليه السلام)) فكم من باك وباكية يومئذ
ولا يبقى احد كان يتوالانا ويتبرأ من عدونا الا كان في حزبنا ومعنا وورد حوضنا.
(وروى الصدوق) قدس الله سره
باسناده الى العسكري((عليه السلام)) قال: قال
الإمام: قال رسول الله((صلى الله عليه وآله)): لا
يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة لا يتيقن لا يتمكن الوصول الى رضوان الله حتى
يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له وهو في شدة علته وعظيم ضيق صدره بما يخلفه
من امواله وعياله واقتطع دون امانيه فلم ينلها، فيقول له ملك الموت: ما لك تجزع؟
فيقول: لاضطراب احوالي واقتطاعي دون امالي فيقول له ملك الموت: وهل يجزع عاقل من
فقد درهم زائف وقد اعتاض عنه بألف الف ضعف الدنيا، فيقول: لا؟ فيقول له ملك الموت:
فانظر فوقك، فيرى درجات الجنان وقصورها التي تقصر دونها الأماني فيقول له ملك
الموت: هذه منازلك ونعمك واموالك وعيالك ومن كان من ذريتك صالحا فهم هناك معك
افترضى به بدلا مما هاهنا؟ فيقول: بلى واللّه، ثم يقول له ملك الموت: انظر فينظر
فيرى محمداً((صلى الله عليه وآله)) وعلياً
والطيبين من آلهما في اعلا عليين، فيقول: او تراهم هؤلاء ساداتك وائمتك هم هناك
جلاسك و اناسك فما ترضى بهم بدلا مما تفارق هاهنا؟ فيقول: بلى وربي فذلك ما قال
اللّه تعالى: (ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتزل عليهم الملائكة الا
تخافوا) هم امامكم من الأهوال فقد كفيتموه (ولا تحزنوا) على ما تخلفونه من الذراري
والعيال والأموال فهذا شاهدتموه في الجنان بدلا منهم (وابشروا بالجنة التي كنتم
توعدون) هذه منازلكم وهؤلاء اناسكم وجلاسكم (نحن اولياءكم في الدنيا وفى الأخرة
ولكم فيها ما تشتهي انفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم).
(وروي) في مكارم الأخلاق عن
ابي الحسن علي بن موسى الرضا((عليه السلام)) قال:
رفع القلم عن شيعتنا، فقلت: يا سيدي كيف ذلك؟ قال: لأنهم اخذ اليه العهد بالتقية
في دولة بني امية الباطل يأمن الناس ويخالفون ويكفرون فينا ولا نكفر فيهم ويقتلون
بنا ولا نقتل بهم، ما من احد من شيعتنا ارتكب ذنبا عمداً او خطأ الا ناله في ذلك
غم يمحص عنه ذنوبه، ولو انه اتى بذنوب بعدد قطر المطر وبعدد الحصى والرمل وبعدد
الشوك والشجر فان لم ينله في نفسه ففي اهله وماله، فان لم ينله في امر دنياه ما
يغتم به تخيل له في منامه ما يغتم به فيكون ذلك تمحيصاً لذنوبه.
(وروى) ابو محمد الحسن بن
علي بن الحسن بن سعيد في كتاب التمحيص عن امير المؤمنين((عليه
السلام)) قال: ما من احد من شيعتنا يفارق امراً نهينا عنه فيموت حتى يبتل
ببلية تتمحص بها ذنوبه اما في مال او ولد واما في نفسه حتى يلقى الله محبنا وما له
ذنب، ولو بقي عليه شيء من ذنوبه يشدد عليه عند موته فتمحص ذنوبه.
(وروي ايضاً فيه) عن السابري
قال: قلت لأبي عبدالله ((عليه السلام)): اني لأرى
من اصحابنا من يرتكب الذنوب الموبقة؟ قال: فقال: يا عمر لا تشنع على اولياء الله ان
ولينا ليرتكب ذنوباً يستحق بها من الله العذاب فيبتليه الله في بدنه بالسقم حتى
تمحص عنه الذنوب، فان عافاه في بدنه ابتلاه فى ماله، فان عافاه في ولده ابتلاه في
اهله، فان عافاه في أهله ابتلاه بجار سوء يمحص ذنوبه، فان عافاه من بوائق الدهر
شدد عليه خروج نفسه حتى يلقى الله و هو عنه راض قد اوجبت له الجنة.
(وروى) فرات بن احنف قال:
كنت عند ابي عبدالله((عليه السلام)) اذ دخل عليه
من هؤلاء الملاعين فقال: والله لأسوانه في شيعته فقال: يا ابا عبدالله اقبل الي،
فلم يقبل اليه فعادها فلم يقبل اليه ثم اعادها الثالثة فقال: ها انا ذا مقبل فقل
ولن تقل خيراً فقال: ان شيعتكم يشربون النبيذ، فقال: ما بأس بالنبيذ، واخبرني ابي
عن جابر بن عبدالله ان اصحاب رسول الله((صلى الله عليه
وآله)) كانوا يشربون النبيذ، فقال: ليس النبيذ وانما أعنيك المسكر فقال: ان
شيعتنا ازكى واطهر من ان يجري للشيطان في امعائهم رسيس المسكر، فان فعل ذلك
المخذول منهم فيجد ربا رؤفا ونبيا بالاستغفار له عطوفا ووليا عند الحوض ولوفا ثم
قال الصادق((عليه السلام)): اخبرني ابي عن علي بن
الحسين عن ابيه عن علي بن ابي طالب((عليه السلام))
عن رسول الله((صلى الله عليه وآله)) عن جبرئيل عن
الله عزوجل انه قال: يا محمد اني حرمت الفردوس على جميع النبيين حتى تدخلها انت
وعلي و شيعتكما الا من اقترف منهم كبيرة فاني ابلوه في ماله او بخوف من سلطانه حتى
تلقاه بالروح والريحان وانا عليه غير غضبان، فيكون ذلك جزاء لما كان منه فهل عند
اصحابك هؤلاء شيء من هذا فلم اودع.
(وروى) ابو الصباح الكناني
قال: كنت انا وزرارة عند ابي عبدالله((عليه السلام))
فقال: لا تطعم النار احداً وصف هذا الأمر زرارة ان من يصف هذا الأمر يعمل الكبائر،
فقال: او تدري ما كان ابي يقول في ذلك؟ انه كان يقول: اذا ما اصاب المؤمن من تلك
الموجبات شيء ابتلاه الله تعالى ببلية في جسده او بخوف يدخله الله عليه حتى يخرج
من الدنيا وقد خرج من ذنوبه.
(وروى) صاحب كتاب بشارة
المصطفى لشيعة المرتضى وفي غيره ايضاً انه دخل رسول الله((صلى
الله عليه وآله)) على علي بن ابي طالب مسروراً مستبشراً فسلم عليه فرد عليه
السلام فقال: ما رأيتك اقبلت علي في مثل هذا اليوم؟ فقال ((صلى الله عليه وآله)): جئت ابشرك اعلم ان في هذه الساعة نزل علي
جبرئيل وقال: الحق يقرئك السلام ويقول: بشر علياً ان شيعته الطائع والعاصي من اهل
الجنة. فلما سمع مقالته خرّ ساجداً ورفع يديه الى السماء ثم قال: اشهد اللّه علي
اني وهبت لشيعتي نصف حسناتي، فقالت فاطمة((عليها السلام))
اشهد الله علي اني قد وهبت لشيعة علي نصف حسناتي، فقال الحسن((عليه السلام)) مثلما قالا وقال الحسين((عليه السلام)) مثل ذلك وقال النبي((صلى الله عليه وآله)): كذلك ما انتم بأكرم مني اشهد علي
يا رب اني قد وهبت لشيعة علي نصف حسناتي، وقال الله عزوجل: ما انتم باكرم مني اني
قد غفرت لشيعة علي ومحبيه ذنوبهم جميعاً.
(يقول جامع هذه الطرف وحامل هذه التحف) قال قيل: انه قد ورد بازاء هذه الاخبار ما يعارضها
ومما يدل على ان الشيعي من كان عالما ورعا تقيا صائما قائما وهي مستفيضة متكاثرة؟
قلنا: نعم قد ورد ذلك ولا منافاة فإن ما دل على ذلك محمول على كمل الشيعة وبلوغ
الرتبة العليا من التشيع، وما سردناه من الأخبار مما يؤذن بالمنافاة محمول على غير
الكامل، وهذا شائع في الكلام حتى في كلام الملك العلام قال تعالى: (انما المؤمنون
الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا و على ربهم
يتوكلون) فانه لا خلاف لأحد من علماء الإسلام في عدم اشتراط هذه الأوصاف في
الإيمان مركبا كان او بسيطا، فالآية محمولة على الفرد الأكمل منه وشواهد ما ذكرنا
فيما قدمناه من الأخبار ظاهرة سيما الخبر الأخير منها وسابقيه بلا فصل وغيرها
فانها قد تظافرت بأن الله سبحانه يبتلى العاصين من الشيعة في الدنيا بما يمحص به
ذنوبهم ولو عند الموت فيشدد عليهم سكراته ليخرجوا من الدنيا ولا ذنب عليهم فيكونون
كلهم فى الجنة ببركة أئمتهم صلوات الله عليهم (ويحتمل) ايضاً ان يكون مرادهم((عليهم
السلام)) بهذه الأخبار زجر الشيعة ومنعهم عن المعاصي، فانهم((عليهم السلام)) حكماء القلوب فيوقفون شيعتهم العاصين
بين حدي اليأس و الرجاء، اذ لو تركوهم وهذه الأخبار الدالة على الرجاء خاصة لربما
انهمكوا في المعاصي وضربوا صفحا عن الطاعات اعتماداً على ذلك فربما انجر ذلك ـ
والعياذ بالله ـ الطبع على القلب فلا يرجع صاحبه الى خير، ويحصل له بسبب ذلك ما
يخرجه عن اصل الإيمان كما ورد في الخبر عنهم((عليهم
السلام)) من ان كل مؤمن ففي قلبه نقطة بيضاء فاذا أذنب ذنباً خرجت في تلك
النقطة البيضاء نقطة سوداء فان تاب انمحى ذلك السواد وان تمادى في المعاصي تزايد
ذلك السواد حتى يغطي البياض فلا يتوقع صاحبه الى خير ابداً وذلك قوله تعالى: ( كلا
بل ران على قلوبهم) فاذا زجروهم بهذه الأخبار انزجروا وادكروا وتابوا وانابوا. وفي
بعض تلك الأخبار ما معناه في معنى براءة من النار: من كان لله مطيعا كان لنا ولي
ومن كان عدواً وانهم لا يتكلون على حب علي فانه لو احب احداً رسول الله خير من علي
لما نفعه حبه اياه شيئاً اذا لم يعمل بطاعة الله سبحانه وتعالى، فان هذا الخبر
وامثاله انما ينطبق على الوجه الثاني كما لا يخفى (وبالجملة)فالمستفاد من اخبارهم((عليهم
السلام)) ان جملة شيعتهم ومحبيهم في الجنة معهم((عليهم
السلام)) ومن عداهم من الجاهلين بهم والمستضعفين ونحوه فقد استفاضت الأخبار
بأنهم من المرجئين لأمر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم، وربما دل بعض الأخبار
على دخولهم الجنة فربما يعذبون ثم يدخلون الجنة بعفو الله ورحمته، واما المخالفون
المنكرون لامامتهم فهم مخلدون في النار.
(قال الفاضل الدواني) بعد
نقل حديث «ستفترق امتي» لا اشتباه في قوله ستفرق لان السين يجوز حملها على معناه
الحقيقي، لأن الاختلاف متراخ عن حياته((عليه السلام))
ويجوز حملها على التأكيد فان ما هو متحقق الوقوع قريب كقوله تعالى: (ولسوف يعطيك
ربك فترضى) ولا في العدد لاخباره((عليه السلام)).
وما يتوهم من انه ان حمل على اصول المذهب فهي اقل من هذا العدد وان حمل ما يشمل
الفروع فهي اكثر منه توهم ولا مستند له لجواز كون الأصول بينها مخالفة مفيدة لهذا
العدد. (وقد يقال)لعلهم
في وقت من الأوقات بلغوا هذا العدد وان زادوا أو نقصوا في اكثر الأوقات.
ثم
قال في قوله: كلها في النار الا واحدة من حيث الاعتقاد فلا يرد انه لو اريد الخلود
فيها فهو خلاف الإجماع فان المؤمنين لا يخلدون فيها، وان اريد مجرد الدخول فهو
مشترك بين الفرق اذ ما من فرقة الا وبعضها عصاة، و القول بأن معصية الفرقة الناجية
مطلقا مغفورة بعيد جداً. ولا يبعد ان يكون المراد استقلال مكثهم في النار بالنسبة
الى سائر الفرق ترغيباً في تصحيح الاعتقاد ـ انتهى.
(قال) الفاضل الشيخ ابراهيم
سليمان القطيفي الحلي (ره) في كتاب الفرقة الناجية بعد نقل ذلك: اقول كلامه هذا
بأجمعه ليس منه بصحيح ولا تام، لأنه فسره بكونهم في النار من حيث الاعتقاد وغرضه
من ذلك ان المراد العذاب عليه بها في الجملة لا الخلود، معللا بأنه خلاف الاجماع
لأن المؤمنين لا يخلدون. وفيه نظر لأن كون ذلك من حيث الاعتقاد غير مسلم الجواز ان
يكون منه ومن العمل معاً، قال الله تعالى: (وقالوا لن تمسنا النار الا اياماً
معدودات قل اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده ام تقولون على الله ما لا
تعلمون بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون)
سلمنا لكن نفيه الخلود غير مسلم، والإجماع الذي نقله ممنوع فان جماعة من العلماء
ذهبوا الى ان غير الطائفة المحقة كفار وانهم مخلدون في النار قوله: «لأن المؤمنين
لا يخلدون» مسلم لكن الخلاف في المؤمنين، فالشيعة تزعم ان الإيمان انما يصدق على
معتقد الحق من الأصول الخمسة ومنها عندهم امامة الاثنى عشر. و قوله: «ان مجرد
الدخول مشترك» ممنوع قوله: «اذ ما من فرقة الا وبعضها عصاة» مسلم الا ان قوله:
«والقول بان معصية الفرقة الناجية مطلقاً مغفورة بعيد» ممنوع اشد المنع بل الظاهر
ذلك فانما البعيد استبعاده فان ظاهر الخبر يقتضيه. وقوله: «ولا يبعد ان يكون
استقلال لبثهم بالنسبة الى سائر الفرق ترغيبا في تصحيح الإعتقاد» اشد بعداً لأنه
خلاف ما يتبادر اليه الفهم من الحديث، والحق ان معنى الحديث ان الفرقة الناجية لا
تمسها النار ابداً وغيرها في النار اما خلوداً او مكثا من غير خلود في الجميع او
في بعض الخلود وفي بعض المكث من غير خلود، وهو ظاهر الخبر من غير تكلف. ولقولنا:
«ان الفرقة الناجية لا تمسها» شاهد من الحديث. (ثم
ذكر قدس الله سره) ما قدمناه من حديث الحسن بن علي
بن شعبة المنقول من كتاب التمحيص والذي بعده من حديث السابري وحديث فرات بن احنف
وجملة مما يدخل في هذا الباب ـ الى آخر كلامه افاض الله عليه سوانح اكرامه.
(اقول) ومما يؤيد كون المراد
بالفرقة الناجية هم الامامية الاثنى عشرية ما رواه الحافظ الشيرازي نقلا عن
التفاسير الاثنى عشر التي من كتبهم حيث قال: تتمة حديث الفرق المشار اليه: فقال
امير المؤمنين((عليه السلام)) فما الفرقة الناجية؟
قال: المتمسك بها انت واصحابك. وقد اوردنا الخبر المذكور مع تحقيق لنا في ذلك في
آخر هذا الكراس فليراجع فانه واضح في المطلوب والمراد لا يقبل التأويل ولا
الايراد.
(ومما
يدل ايضاً) على خلود ما عدا الفرقة الناجية في
النار تنظيره((صلى الله عليه وآله)) بافتراق امة
موسى في ذلك الخبر على احد وسبعين فرقة، وامة عيسى على اثنين وسبعين فرقة، وان
الناجي من كل الأمتين فرقة واحدة والباقون في النار، فانه لا ريب في ان الفرقة
الناجية ثمة هي المتبعة للنبي((صلى الله عليه وآله))
ووصيه من بعده العاملين بدينه وشريعته وان ما عداها فهو في النار على جهة الخلود
فكذلك في هذه الأمة، والا لم تكن للنظير فائدة. وهذا بحمد الله ظاهر لا سترة عليه.
(فائدة)
قد استفاض في الأخبار عن الأئمة الأطهار((عليهم السلام))
ذم العجب وانه مهلك كما ورد في جملة منها: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع،
واعجاب المرء بنفسه» والعجب على ما ذكره بعض المحققين عبارة عن استعظام العمل
الصالح واستكثاره والابتهاج به والادلال به، وان يرى نفسه خارجا من حد التقصير.
وقيل انه عبارة عن هيئة نفسانية تنشأ من تصور الكمال في النفس و الفرح به والركون
اليه من حيث انه قائم به وصفة له مع الغفلة عن قياس النفس الى الغير بكونها افضل
منه وبهذا القيد ينفصل عن الكبر اذ لابد في الكبر ان يرى الإنسان لنفسه مرتبة
ولغيره مرتبة ثم زيادة مرتبته على مرتبة الغير. وهذا التعريف اعم من الأول بحمل
الكمال فيه على ما هو اعم من ان يكون كمالا في نفس الأمر او لم يكن كسوء العمل اذا
رآه حنسا فابتهج به، وهو الأنسب بأخبار الباب وأولى، اعم من ان يكون فعله كالأعمال
الصالحة او لا كالصورة الحسنة والنسب الرفيع. والمفهوم من الأخبار ان للعجب مراتب:
(منها) ان يزين الشيطان
للانسان سوء عمله فيراه حسنا لعدم التفاته الى مفاسده الظاهرة بأدنى تأمل واخراجه
نفسه من حد التقصير ويحسب انه يحسن صنعا واليه يشير قوله سبحانه: (افمن زين له سوء
عمله فرآه حسنا) وقوله سبحانه: (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم
يحسنون صنعا) قال بعض المتأخرين: اكثر الجهلة على هذه الصفة فانهم يفعلون افعالا
قبيحة عقلا ونقلا ويعتادون عليها حتى تصير تلك الأعمال بتسويل انفسهم وتزيين
قرينهم من صفات الكمال عندهم فيذكرونها ويتفاخرون بها ويقولون انا فعلنا كذا وكذا
اعجابا بشأنهم واظهار لكمالهم ـ انتهى.
(اقول) ويدخل في هذه المرتبة
اصحاب المقالات المبتدعة والأهواء المخترعة المخالفين للشرائع المحقة والخارجين عن
النواميس الحقة الداخلين في ذلك بمجرد العقول الحائرة الفاسدة والأوهام البائرة
الكاسدة، فمن طبع الشيطان على قلبه وأخذ بمجامع عقله وليه.
(ومنها) ان يمن على الله
سبحانه بطاعته مع كونها باقداره سبحانه وتعالى وتوفيقه وتمكينه، وله تعالى المنة
فيها وفي غيرها، واليه يشير قوله تعالى: (يمنون عليك ان اسلموا قل لا تمنوا علي
اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للإيمان) وعلى هاتين المرتبتين يدل صحيح علي
بن سويد عن ابي الحسن((عليه السلام)) قال: سألته
عن العجب الذي بعد الأعمال؟ فقال: العجب درجات: منها أن يزين للعبد سوء عمله فرآه
حسنا فيعجبه ويحسب انه يحسن صنعا، ومنها ان يؤمن العبد بربه فيمن على الله ولله
فيه المن، ومنها استكثار ما يأتي به من الطاعات واستعظامه. ومنه ما ورد في رواية
عمار عن الصادق((عليه السلام)) قال: اتى عالم عابد
فقال: كيف صلاتك؟ فقال: مثلي من يسئل عن صلاته وانا اعبد الله منذ كذا وكذا؟ فقال:
كيف بكاؤك؟ فقال: ابكي حتى تجري دموعي. فقال له: فان ضحكت وانت خائف افضل من بكائك
وانت مدل ان المدل لا يصعد من عمله شيء. وفي مرسلة احمد بن أبي داود عن بعض
اصحابنا عن احدهما((عليهما السلام)) صح قال: يدخل
المسجد رجلان احدهما عابد والآخر فاسق فيخرجان من المسجد والفاسق صديق والعابد
فاسق، وذلك انه يدخل العابد مدلا بعبادته يدل بها فيكون فكرته في ذلك، ويكون فكرة
الفاسق في التندم على فسقه ويستغفر الله عزوجل مما صنع من الذنوب. وفي صحيح ابي
عبيد الحذاء عن ابي جعفر((عليه السلام)) قال: قال
رسول الله((صلى الله عليه وآله)): قال الله تعالى:
ان من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده ولذيذ وساده فيجتهد الى
الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة و الليلتين نظراً مني له
وابقاء عليه فينام حتى يصبح فيقوم وهو ماقت لنفسه زار عليها، ولو اخلي بينه وبين
ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك فيصير العجب الى التيه بأعماله فيأتيه من
ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ورضاه عن نفسه، حتى يظن انه قد فاق العابدين وجاز
في عبادته حد التقصير فيتباعد بذلك عني وهو يظن انه يتقرب الي ـ الحديث. ولا ريب
ان العجب بالمعنيين الأولين مفسد للعمل، بل ربما كان نوعا من الكفر مع الاعتقاد
الجازم، اما بالنسبة الى الأول فان اعتقاد سوء العمل حسن مع دلالة الكتاب والسنة
على قبحه ابداع في الدين وان غفل عنه صاحبه اعتماداً على مجرد عقله وانهما كه فيه
تبعا لدواعي نفسه الأمارة، ويرشد الى ذلك ظاهر الآيتين ـ خصوصاً الثانية ـ حيث دلت
بأبلغ وجه على انهم الأخسرون أعمالا مختصاً بقوله سبحانه: (اولئك الذين كفروا
بآيات ربهم ولقائه فحبطت اعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) و من هنا يعلم
صحة ما ذكرنا من دخول المقالات المبتدعة. ويؤيد ما رواه الثقة الجليل علي بن
ابراهيم القمي في تفسيره عن الباقر((عليه السلام))
في قوله تعالى: (قل أؤنبئكم بالأخسرين اعمالا) انهم النصارى والقسيسون والرهبان
واهل الشبهات والأهواء من اهل القبلة والحرورية واهل البدع. واما بالنسبة الى
الثاني فلأن الاعتقاد بأن له المنة على الله تعالى بشيء من الأعمال لا ينشأ من قلب
مؤمن عارف بالله سبحانه ادنى معرفة، لأن من ادناها معرفة انه الخالق الرزاق ومما
يستغرقان جميع النعم اصولا وفروعا وانما ينشأ من كافر مكذب بالايمان لقوله تعالى:
(وما بكم من نعمة فمن الله) او من مبدع مفوض يعتقد ان الله سبحانه لا يقدر على سلب
قدرة العبد على الفعل وان كان هو الذي حوله اياه اولا. وقد عرفت كفر اصحاب البدع
مما سبق في الآية المتقدمة، بل استظهر بعض مشائخنا المتأخرين ان مطلق تجويز الخلاف
فيما علم بدليل قطعي من كتاب او سنة كفر وابداع لأنه لا يتم الا باخراج الدليل عن كونه
دليلا، وهي هذه معنى تكذيب الرسل أو المرسل و هو حسن.
واما العجب بالمعنى الثالث
فالظاهر انه لا يخلو عن اجمال، ووجه التفصيل فيه انه ان كان استكثاريا يأتي به من
الطاعة واستعظامه بالنسبة الى ما يستحقه سبحانه من الطاعة او ما لله سبحانه عليه
من النعم فهو راجع في التحقيق الى المعنى الثاني، اذ يلزم منه ان طاعته حينئذ
زائدة على مستحقه تعالى فتكون منه منة على الله تعالى، ولا ريب انه بذلك يمتنع
القصد اليها من حيث كونها طاعة له سبحانه مستحقة وانه اهلها، وان كان استكثاره ذلك
في مقابلة معاصيه بمعنى ان يعتقد ان طاعته زائدة على معاصيه اعم من ان يكون ذلك
مطابقاً للواقع كما ربما يتخيل اولا كما هو المحقق فالظاهر ـ كما اختاره بعض
مشائخنا المتأخرين ـ ان ذلك لا يقتضي كفراً ولا ابداعا بل ولا فساد عمل وان كان
خطأ في الإعتقاد ونقصا في كمال الإيمان لكونه الذنب الذي اذا أذنبه الإنسان استحوذ
عليه الشيطان.
قال: ويرشد الى كونه خطأ في
الإعتقاد موثقة الفضل بن يونس عن ابي الحسن((عليه السلام))
قال: قال لي اكثر من ان تقول: «لا تجعلني من العارين ولا تخرجني من التقصير» قال:
قلت: اما العارين فقد عرفت فما معنى لا تخرجني من التقصير؟
قال:
كل عمل تعمله تريد به وجه الله عزوجل فكن فيه مقصراً عند نفسك، فان الناس كلهم في
اعمالهم فيأتيهم وبين الله مقصرون، ويدل على كونه نقصاً في كمال الإيمان لكونه
ذنباً مرسلة يونس عن بعص اصحابنا عن الصادق((عليه السلام))
قال: قال رسول الله((صلى الله عليه وآله)): بينما موسى((عليه السلام)) جالس اذ أقبل ابليس وعليه برنس ذو ألوان
فلما دنا من موسى سلم عليه ـ الى ان قال: قال له موسى((عليه
السلام)): اخبرني بالذنب الذي اذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ فقال: اذا
أعجبته نفسه واستكثر عمله وصغر في عينيه ذنبه. وقال: قال الله عزوجل لداود: بشر
المذنبين وانذر الصديقين ان يعجبوا بأعمالهم، فانه ليس عبد انصبه للحساب الا هلك.
وما ورد في اخبار كثيرة من
تفضيل العبد حالة الذنب الذي عليه حالة العجب كحسنة عبدالرحمن بن الحجاج قال: ان
رجل ليذنب الذنب فيندم عليه ويعمل العمل فيسره فيتراخى عن حاله تلك، فلأن يكون على
حاله تلك خير له مما دخل فيه. وروايته الأخرى قال: قلت لأبي عبدالله((عليه السلام)): الرجل يعمل العمل وهو خائف مشفق ثم يعمل
من البر فيدخله شبه العجب به؟ فقال: هو في الحالة الأولى وهو خائف احسن حالا منه
في حال عجبه.
(وحاصل ما ذكر) ان غاية ما يستفاد
من الأخبار بالشبه الى هذا النوع كونه ذنباً موجباً لنقصان كمال الإيمان، ولا
دلالة فيها على افساد العمل به بمعنى انه يوجب القضاء وان احبطه واسقط ثوابه، لأن
غايته انه من الذنوب المهلكة المحبطة لاعتقاد خلاف ما هو الواقع من خروجه من حد
التقصير فيما يجب عليه، ولا تعلق له باخلاص الطاعة له سبحانه والتقريب اليه واداء
ما يجب من حقوقه تعالى مثل المعاني المتقدمة، وكان استكثار ذلك بالنسبة الى ابناء
نوعه المشاركين له في ذلك العمل كاستكثار العالم علمه بالنسبة الى من يشاركه في
العلم والعابد عبادته بالنسبة الى غيره من العباد، وهكذا مع قطع النظر ان يرى نفسه
خارجا بذلك عن حد التقصير، فالظاهر انه بهذا المعنى لا يكون محرما ولا مهلكا فضلا
عن ان يكون مبطلا وان اخطأ في ظنه نعم ربما كان ذلك سبيلا الى الوقوع في سابق هذه
المرتبة من العجب الذي يرى به نفسه خارجا من حد التقصير، وربما خطر هذا الخاطر
للمعصومين كما ورد في رواية خالد الصيقل عن ابي جعفر((عليه
السلام)) قال: ان الله فوض الأمر الى ملك من الملائكة فخلق سبع سماوات وسبع
ارضين، فلما ان رأى ان الأشياء قد انقادت اليه قال: من مثلي؟ فأرسل الله اليه
نوبرة من النار، قلت: وما النوبرة؟ قال: نار مثل الانملة فاستقبلها بجميع ما خلق
الله فتحللت حتى وصلت الى نفسه لما دخله العجب. ومنه ايضاً ما روي عن الرضا((عليه السلام)) في قضية تسور الملكين المحراب على داود
وتخاصمهما عنده حيث ظن ان ما خلق الله عزوجل اعلم منه فبعث اليه الملكين فجعل داود
على المدعي عليه فقال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه، ولم يسأل المدعي البينة
على ذلك، ولم يقيل على المدعي فيقول له: ما يقول. وما رواه ايضاً في شأن موسى((عليه السلام)) في قضية امره باتباع الخضر((عليه السلام)) من انه قال في نفسه: ما خلق الله خلقاً
اعلم مني، فأوحى الله الى جبرائيل ادرك موسى فقد هلك واعلمه ان عند ملتقى البحرين
رجلا اعلم منك فسر اليه وتعلم من علمه فنزل جبرئيل((عليه
السلام)) على موسى فأخبره ودل موسى في نفسه اخطأ ودخله الرعب.
وفي آخر ايضاً فبينما موسى
قاعد في ملأ من بني اسرائيل اذ قال له رجل: ما ارى احداً اعلم بالله منك؟ قال
موسى: ما ارى، فأوحى الله اليه: بل عبدي ـ الحديث.
و في وقوعه من هؤلاء((عليهم السلام)) دلالة على عدم التحريم و انه ليس بذنب
لكونهم معصومين من ذلك، وان سمي بالنسبة اليهم هلاكا كما في الحديث الأول من حديثي
موسى((عليه السلام)) واستوجب مؤاخذته كما في حديث
الملك.
(بقي هنا شيئان) انه قد ورد
في رواية يونس بن عمار عن الصادق((عليه السلام))
قال: قيل له وانا حاضر: رجل يكون في صلاته خاليا فيدخله العجب؟ اذا كان اول صلاته
يريد بها (به فلا يضره ما دخله وبعد ذلك فليمض في صلاته ليخسأ الشيطان. فانه ربما
اشعر بأن العجب المنافي للاخلاص انما هو الواقع في ابتداء العمل، واما الواقع في
اثنائه بعد ان يكون افتتاحه على جهة الاخلاص فلا، وهو خلاف الأخبار اذ لا فرق في
ابطاله العمل ومنافاته الاخلاص اذا وقع على احد تلك المعاني بين الابتداء
والاثناء. والظاهر ان المراد بالعجب هنا مجرد الوسوسة التي لا صنع للعباد فيها
المسماة بالنزغ في قوله تعالى: (و اما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ باللّه)
المأمور بالذكر عنده في قوله سبحانه: (ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان
تذكروا) والمراد من الخبر المذكور ان الصلاة اذا اتيت على نية صحيحة فلا يضره ما
دخله بعد ذلك على جهة الوسواس من الشيطان، كما يدل عليه قوله «وليخسأ الشيطان».
وثانيهما انه ينبغي ان يعلم
انه لا يدخل في باب العجب محبة ظهور الخير له بين الناس وسروره برؤيتهم له كذلك
اذا لم يكن ذلك باعثاً له على الفعل، وكذلك مجرد سروره به (اما الأول) فلما في
حسنة زرارة عن الباقر((عليه السلام)) قال: سألته
عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه انسان فيسره ذلك؟ قال: لا باس، ما من احد الا
وهو يحب ان يظهر له في الناس الخير اذا لم يكن يصنع ذلك لذلك. (واما الثاني) فلما
في رواية ابي العباس قال: قال ابو عبدالله((عليه السلام)):
من سرته حسنة وساءته سيئة فهو مؤمن وفي رواية اخرى عنه((عليه
السلام)) حين سئل عن خيار العباد قال: الذين اذا أحسنوا استبشروا واذا
اساءوا استغفروا ـ الحديث. قال بعض المحققين: لا ريب ان عمل الأعمال الصالحة مثل
صيام النهار وقيام الليالي وامثال ذلك يحصل لنفسه ابتهاج، فان كان من حيث كونه
عطية من الله ونعمة من الله عليه وكان مع ذلك خائفاً من نقصها مشفقاً من زوالها
طالباً من الله الازدياد منها لم يكن ذلك الابتهاج عجباً، وان كان من حيث كونها
صفته وقائمة به ومضافة اليه فاستعظمها وركن اليها ورأى نفسه خارجا عن حد التقصير
بها وصار كأنه يمن على اللّه سبحانه فذلك هو العجب المهلك ـ انتهى.
(دخل) بعض الأعراب على ثعلب
النحوي فقال: انشدني يا امام الأدب ارق بيت قالته العرب؟ قال: لا اجد ارق من قول
جرير:
فقال
الاعرابي: هذا بيت لاكته السفلة بألسنتها هات غيره، فقال ثعلب: افدنا مما عندك يا
اخا العرب، فقال الأعرابي: قول مسلم بن الوليد صريع الغواني:
(في الخبر عنه)((صلى الله عليه وآله)) ان الله جعل لأخي علي فضائل لا
تحصى كثيرة فمن ذكر فضيلة من فضائله مقراً بها غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر،
ومن كتب فضيلة من فضائله تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم، ومن استمع الى فضيلة
من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالسماع، ومن نظر الى كتاب من فضائله
غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر.
(لطيفة)
نقل ابن الأثير في تاريخ الكامل وصاحب المستطرف: ان اردشير الملك كان ذا
مملكة متسعة وقد وصف له بنت مالك بحر الأردن بالجمال البارع فأرسل يخطبها، فامتنع
ابوها من اجابته فعظم على اردشير ذلك وحلف ليغزونه وليقتلنه هو وابنته وسائر
خواصه، فسار اليه في جيوشه فقاتله وقتله اردشير وقتل سائر خواصه، ثم سأل عن ابنته
المخطوبة فبرزت اليه جارية من القصر من اجل الناس واجملهم واكملهن حسناً فقالت:
ايها الملك اني من البلد الفلاني الذي غزاه هذا الملك قبل ان تقتله وانه اسرني
واتى بي الى هذا القصر فرأتني ابنته التي خطبتها فأحبتني وسألته ان يتركني لتستأنس
بي فتركني لها فكنت انا وهي كالروحين في جسد واحد، فلما سيرت خطبتها خاف عليها منك
فأرسلها الى بعض جزائر البحر المالح عند بعض اقاربه من الملوك. فقال اردشير: وددت
اني قد ظفرت بها لكنت اقتلها شر قتلة ثم انه تأمل الجارية فرآها فائقة الجمال
فمالت نفسه اليها فاخذها للتسري وقال: هذه اجنبية ولا احنث في يميني بأخذها، ثم
انه واقعها فحملت منه فلما ظهر عليها الحمل اتفق انها تحدثت معه يوماً ورأته
منشرحا فقالت له: انت غلبت ابي وانا غلبتك، فقال لها: ومن ابوك؟ فقالت له: هو ملك
بحر الأردن وانا ابنته التي خطبتها منه واني سمعت انك اقسمت لتقتلني فيمن يقتل
فاحتججت عليك بما سمعت والآن فهذا ولدك في بطني فلا يهنأ لك قتلي، فعظم ذلك على
اردشير قهرته امرأة وتحيلت عليه حتى خلصت من يده، فانتهرها وخرج من عندها مغضباً
وعول على قتلها. ثم ذكر لوزيره ما اتفق له معها فلما رأى الوزير عزمه قويا على
قتلها وعرف انه يخشى ان تتحدث الملوك عنه بمثل هذا وانه لا يقبل فيها شفاعة شفيع
فقال له: ايها الملك ان الرأي خطر لك والمصلحة هي التي رأيتها وقتل هذه في هذا الوقت
اولى من ان يقال: ان امرأة قهرت رأي الملك واحنثته في يمينه لأجل شهوة النفس. ثم
قال: ايها الملك ان صورتها مرحومة وحمل الملك معها وهي اولى بالستر ولا أرى في
قتلها استر ولا اهون من الغرق، فقال له الملك: نعم ما رأيت خذها واغرقها. فأخذها
الوزير ثم خرج بالليل الى بحر الأردن ومعه ضوء ورجال واعوان فتحيل الى ان طرح شيئا
في البحر اوهم من كان معه انها الجارية ثم أخفاها عنده، فلما اصبح جاء الى الملك
فأخبره انه غرقها فشكره على ما فعل.
ثم ان الوزير دفع للملك حقاً
مختوماً قال: ايها الملك اني نظرت مولدي فرأيت اجلي قد دنى على ما يقتضيه حكماء
الفرس في النجوم، وان لي اولاد وعندي مال قد ادخرته من نعمتك فخذه اذا أنا مت ان
رأيت، وهذا الحق فيه جواهر أسأل الملك ان يقسم على اولادي فانه ارثي من ابي، وليس
عندي شيء لم اكتسبه من نعمتك الا هذه الجواهر. فقال له الملك: يطول الرب في عمرك
ومالك لك ولاولادك سواء كنت حيا او ميتاً، فألح عليه الوزير ان يودع عنده الحق،
فاخذه الملك واودعه عنده في صندوق. ثم مضت اشهر على الجارية فولدت ولداً ذكراً
جميل الوجه والخلق، فلاحظ الوزير جانب الادب في تسمية الولد فسماه (شاه پور)
ومعناه بالفارسية ابن ملك، فان شاه ملك وبور ابن، ولم يزل يلطف بالجارية والولد
الى ان بلغ الولد فعلمه كلما يصلح لاولاد الملوك من الخط والحكمة والفروسية وهو
يوهم الناس انه مملوك له اسمه شاه پور، الى ان راهق البلوغ.
هذا كله وادرشير ليس له ولد
وقد طعن في السن واقعده الهرم فمرض واشرف على الموت فقال للوزير: ايها الوزير قد
هرم جسمي وضعف واني ميت لا محالة وهذا الملك يأخذه بعدي من قضي له به، فقال الملك:
لقد ندمت على تغريق تلك الجارية ولو كنت ابقيتها لتضع فلعل حملها يكون ذكراً، فلما
شاهد الوزير منه الرضا قال: ايها الملك انها عندي وقد وضعت ولدا ذكرا من احسن
الغلمان خلقا وخلقاً. فقال له الملك: احقا ما تقول؟ فاقسم الوزير ثم قال: ايها
الملك ان في الولد روحانية تشهد بأبوة الاب وفي الولد روحانية تشهد ببنوة الولد لا
يكاد ذلك ان يخرم ابدا، وانني اتي بالغلام بين عشرين صبيا في سنه وهيئته ولباسه
وكلهم ذو اباء معروفة خلا هو واعطي كل واحد منهم صولجانا واكرة وامرهم ان يبلغوا
بين يديك في مجلسك، هذا والملك يتأمل شمائلهم وصورهم فمن مالت نفسه اليه فهو هو.
فقال الملك: نعم ما قلت،
فأحضرهم
الوزير على هذه الصورة ولعبوا بين يدي الملك فكان الصبي اذا ضرب الأكرة وقربت من
مجلس اردشير تمنعه الهيبة ان يقدم يأخذها حتى ترمى اليه الا شاه پور فانه كان
اذا ضربها وجاءت الى مرتبة ابيه تقدم واخذها ولا يهابه. فلاحظ اردشير ذلك مراراً
فقال له: ايها الغلام ما اسمك؟ فقال شاه پور، فقال له: صدقت انت ابني، ثم ضمه الى
صدره وقبله. فقال له الوزير: هو هذا ايها الملك، ثم احضر اباه بقية الصبيان ومعهم
عدول فأثبت لكل صبي منهم والده بحضرة الملك، فتحقق الصدق.
ثم جاء بالجارية وقد تضاعف
حسنها وجمالها فقبلت يدي الملك فرضي عليها. فقال الوزير: ايها الملك قد دعت
الضرورة في هذا الوقت الى احضار الحق المختوم، فأمر الملك باحضاره ففك الوزير ختمه
وفتحه ثم اخرج ذكره وانثييه مقطوعة مصانة فيه من قبل أن يتسلم الجارية من الملك،
واحضر عدولا من الحكماء كانوا فعلوا به ذلك فشهدوا عند الملك ان هذا الفعل فعلناه
به قبل ان يتسلم الجارية بليلة، فدهش اردشير من فعل الوزير وخدمته ومناصحته وتضاعف
سروره باثبات صيانة الجارية واثبات الحاق نسبه بالولد.
ثم ان الملك عوفي من مرضه
الذي كان به وصح جسمه ولم يزل يتقلب في نعمته الى ان حضرته الوفاة ورجع الملك الى
ابنه شاه پور بعد موته. وقد نقل هذه الحكاية السيد المحقق السيد نعمة الله الجزائري
في شرحه على التهذيب في بيان معنى الثياب السابرية. قال (قده): السابري ـ كما قال
في الصحاح ـ ثوب رقيق جداً هو نسبة الى شاه پور الملك. وهو معرب شاه پور، والپور
في الفرس القديم معناه الولد، فشاه پور ولد السلطان. ثم نقل الحكاية المذكورة ومنه
نقلنا.