(قصة حاتم الأصم)

 (حكى) ان حاتم الأصم كان رجلا كثير العيال وكان له اولاد ذكور وبنات ولم يكن يملك حبة واحدة، وكان قدمه التوكل فجلس ذات ليلة مع اصحابه يتحدث معهم فعرضوا بذكر الحج فدخل الشوق في قلبه فدخل على اولاده وجلس معهم يحدثهم ثم قال: لو اذنتم لأبيكم ان يذهب الى بيت ربه في هذا العام حاجا ويدعو لكم ماذا عليكم لو فعلتم؟ فقال له اولاده وزوجته: انت على هذه الحالة لا تحملك شيئا ونحن على ما ترى من الفاقة فكيف تريد ذلك، وكانت له ابنة صغيرة فقالت: ماذا عليكم لو اذنتم له ولا نهكم ذلك دعوة يذهب حيث شاء فانه اكال للرزق وليس برازق فذكر لهم ذلك فقالوا: صدقت و اللّه يا هذه الصغيرة يا ابانا انطلق حيث احببت فقام من وقته وساعته واحرم بالحج وخرج مسافراً واصبح اهل بيته يدخلون عليهم ويوبخونهم ويقولون لهم: كيف اذنتم بالحج؟ وتأسف على فراقه جيرانه واصحابه وجعل اولاده يلومون تلك الصغيرة ويقولون: لو سكتت ما تكلمنا، فرفعت الصبية رأسها الى السماء وقالت: الهي ومولاي وسيدي وعليك القوم بفضلك وانت لا تضيعهم فلا تخيبهم ولا تخجلني معهم.

 فبينما هم على تلك الحالة اذ خرج امير البلدة متصيداً فانقطع من عسكره واصابه عطش شديد فاجتاز بيت الرجل الصالح حاتم الأصم فاستسقى منهم ماء وقرع الباب فقالوا: من انت؟ قال: الامير ببابكم يستسقيكم، فرفعت زوجة حاتم طرفها الى السماء وقالت: الهي وسيدى سبحانك بتنا البارحة جياعا واليوم يقف الامير ببابنا يستسقينا ثم انها اخذت كوزاً وملأته ماء وقالت للمتناول منها: اعذرونا، فأخذ الامير الكوز فشرب منه فاستطاب ذلك الماء فقال: هذه الدار لامير؟ فقالوا: لا بل لعبد من عباد الله الصالحين يعرف بحاتم الأصم، قال الامير: لقد سمعت به، فقال الوزير: لقد سمعت يا سيدي انه البارحة احرم بالحج وسافر ولم يخلف لعياله شيئاً واخبرت بأنهم البارحة باتوا جياعا، فقال الامير: ونحن قد ثقلنا عليهم اليوم ايضاً وليس هذا من المروءة يثقل مثلنا على مثلهم.

 ثم ان الامير حل منطقته ورمى بها في الدار ثم قال: من احبني فليق منطقته فحل جميع اصحابه مناطقهم ورموا بها اليهم ثم انصرفوا، فقال الوزير: السلام عليكم اهل البيت لآتينكم الساعة بثمن هذه المناطق، فلما نزل الامير رجع اليهم الوزير بثمن المناطق مالا جزيلا، فلما رأت الصغيرة ذلك بكت بكاء شديداً فقالوا لها: ما هذا البكاء انما يجب ان تفرحي فان الله تعالى قد وسع علينا؟ فقالت: والله انما ابكي كيف بتنا جياعا نظر الينا مخلوق نظرة واحدة فأغنانا بعد فقرنا، فالكريم الخالق اذا نظر الينا لا يكلنا الى احد، اللهم انظر الى ابينا ودبره بأحسن التدبير.

 واما ما كان من امر حاتم فانه لما خرج محرما ولحق بالقوم فتوجع امير الركب فطلب طبيبا فلم يجد فقال: هل هنا من عبد صالح؟ فدل على حاتم الاصم فلما دخل عليه وكلمه دعا له فعوفي الامير فأمر له بما يركب وبما يأكل وبما يشرب، فنام تلك الليلة متفكراً في امر عياله فقيل له في منامه: يا حاتم من اصلح معاملته معنا اصلحنا معاملتنا معه ثم اخبر بما كان من امر عياله فاكثر من الثناء على اللّه تعالى، فلما قضى الحج ورجع تلقته اولاده فعانق الصغيرة وبكى ثم قال: صغار قوم كبار قوم آخرين ان اللّه لا ينظر الى اكبركم ولكن ينظر الى اعرفكم به، فعليكم بمعرفته والاتكال عليه فانه من يتوكل على الله كفاه.

 

(قصة الرشيد مع الاموي الدمشقي)

 (رفع) الى الرشيد ان بدمشق رجلا من بني امية عظيم الجاه والمال كثير الخيل والجند يخشى على المملكة منه وكان الرشيد يومئذ بالكوفة. قال منارة: فاستدعاني الرشيد وقال: اركب الساعة الى دمشق وخذ معك مائتي غلام واتني بفلان الاموي، وهذا كتابي الى العامل لا توصله الا اذا امتنع عليك فاذا أجاب فقيده وعادله بعد ان تحصي جميع ما تراه وما يتكلم به، واذكر لي حاله وماله وقد اجلت لذهابك ستاً ولمجيئك ستاً ولاقامتك يوما واحداً فهمت؟ قال: نعم، قال: فسر على بركة الله. فخرجت اطوي المنازل ليلا ونهاراً لا انزل الا للصلاة ولقضاء حاجتي حتى وصلت لليلة السابعة باب دمشق، فلما فتح الباب دخلت قاصداً نحو دار الاموي فاذا هي دار عظيمة هائلة وخدم وحشم ونعمة ظاهرة وحشمة وافرة ومساطب متسعة وغلمان فيها فتهجمت الدار بغير اذن فبهتوا وسألوا عني فقيل: هذا رسول اميرالمؤمنين، فلما صرت في وسط الدار رأيت اقواما محتشمين ظننت ان المطلوب فيهم، فسألت عنه فقيل لي: انه في الحمام، فأكرموني واجلسوني وامر وابمن كان معي ومن صحبني الى مكان آخر وانا اتفقد الدار واتأهل الاحوال، حتى اذا أقبل الرجل من الحمام ومعه جماعة كثيرة من كهول وشبان وجند وغلمان فسلم خفياً وسألني عن امير المؤمنين، فأخبرته انه بعافية فحمد الله تعالى ثم حضرت له اطباق الفاكهة فقال: تقدم يا منارة فتألمت الما شديداً اذ لم يكنيني فقلت: ما آكل، فلم يعاودني ورأيت ما لم اره الا في الخليفة، ثم قدم الطعام فوالله ما رأيت احسن ترتيباً ولا اعطر رائحة ولا اكثر منه، فقال: تقدم يا منارة فكل، فقلت: ليس لي به حاجة فلم يعاود، ونظرت الى اصحابي فلم اجد احدا منهم عندي فخرجت لكثرة حفدته وعدم ما عندى فلما اتم اكله غسل يده واحضر له البخور فتبخر ثم قام فصلى الظهر فاكثر من الركوع والسجود.

 فلما فرغ استقبلني وقال: ما اقدمك يا منارة؟ فناولته كتاب امير المؤمنين فقبله ووضعه على رأسه ثم فضه وقرأه فلما فرغ استدعا جميع بنيه وخواصه وسائر غلمانه فضاقت الدار بهم على سعتها فطار عقلي وما شككت الا انه يريد القبض علي فقال:

الطلاق يلزمه والحج والعتق والصدقة وسائر ايمانه البقية لا يجتمع منكم اثنان في مكان واحد حتى ينكشف امره، ثم اوصاهم على الحريم واستقبلني وقدم رجلاه وقال: هات اقيادك يا منارة، فدعوت الحداد فقيده وحمل حتى وضع في المحمل وركبت معه في المحمل وسرنا، فلما وصلنا ظاهر دمشق ابتدأ يحدثني بانبساط ويقول: هذه الضيعة لي تعمل في كل سنة بكذا وكذا وهذ البستان لي وفيه من غرائب الاشجار وطيب الاثمار كذا وكذا وهذه المزارع يحصل لي فيها كل سنة كذا وكذا، فقلت: يا هذا الست تعلم ان امير المؤمنين اهمه ذلك حتى انفذني خلفك وهو بالكوفة ينتظرك وانت ذاهب اليه ما تدري ماذا تقدم عليه وقد اخرجتك من منزلك واهلك ونعمتك فريدا وحيدا وانت تحدثني حديثاً غير مفيد ولا نافع لك ولا سألتك عنه وكان شغلك بنفسك اولى لك؟ فقال: انا لله وانا اليه راجعون لقد اخطأت فراستي فيك يا منارة ما ظننت انك عند الخليفة بهذه المكانة وانت اذا جاهل عامي لا تصلح لمخاطبة الخلفاء اما خروجي على ما ذكرت فاني على ثقة من ربي الذى بيده ناصية امير المؤمنين، فهو لا يضر ولا ينفع الا بمشيئة ربي فان كان قد قضى علي بأمر فلا حيلة لي في رفعه ولا قدرة لي في دفعه، وان لم يكن قدر علي بشيء فلو اجتمع امير المؤمنين وسائر من معه على وجه الارض ان يضروني لم يستطيعوا ان يضروني، ومالي ذنب فأخاف وانما هذا واش وشا عند امير المؤمنين ببهتان، وامير المؤمنين كامل العقل فاذا اطلع على برائتي فهو لا يستحل مضرتي وعلى عهد لله لا كلمتك بعدها الا جوابا.

 ثم اعرض عني واقبل على التلاوة وما زال كذلك حتى وافينا الكوفة بكرة يوم الثالث عشر، واذا النجب قد اسقبلت من عند اميرالمؤمنين تكشف عن اخبارنا فلما دخلت على امير المؤمنين قبلت الارض فقال: هات يا منارة اخبرني من يوم خروجك عني الى يوم قدومك علي فابتدأت احدثه باموري كلها مفصلة والغضب يطير في وجهه، فلما انتهيت الى جمعه لأولاده وغلمانه وضيق الدار بهم وتفقدي لأصحابي فلم ار منهم احداً اسود وجهه، فلما ذكرت يمينه عليهم تلك اليمين المغلظة تهلل وجهه، فلما قلت: انه مد رجلاء اسفر واستبشر، فلما اخبرته بحديثي معه في ضياعه وبساتينه وما قلت له وما قال لي قال: هذا رجل محسود على نعمته ومكذوب عليه، وقد ازعجناه وارعبناه وشوشنا عليه وعلى اولاده واهله، اخرج اليه وانزع قيوده وادخله علي مكرما. ففعلت فلما دخل قبل الأرض فرحب به امير المؤمنين واجلسه واعتذر اليه فتكلم بكلام فصيح فقال له امير المؤمنين: سل حوائجك؟ قال: سرعة رجوعي الى بلدي وجمع شملي بأهلي وولدي، قال: هذا كائن فسل غيره، قال: عدل اميرالمؤمنين في عماله ما احوجني الى سؤال: قال: فخلع امير المؤمنين عليه ثم قال: يا منارة لتركب الساعة حتى ترده الى المكان الذي جئت به منه، قم في حفظ الله ورعايته ولا تقطع اخبارك عنا وحوائجك.

 

(مناظرة الصادق((عليه السلام)) مع الشامي)

 (كتاب ارشاد المفيد قدس سره) اخبرني ابو القاسم بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن ابراهيم بن هاشم عن ابيه عن جماعة عن رجاله عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند ابي عبدالله((عليه السلام)) فورد عليه رجل من اهل الشام فقال له: اني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة اصحابك، فقال ابو عبدالله((عليه السلام)): كلامك هذا من كلام رسول الله((صلى الله عليه وآله)) او من عندك؟ فقال: من كلام رسول الله((صلى الله عليه وآله)) بعضه ومن عندي بعض، فقال له ابو عبدالله: فانت اذاً شريك رسول الله((صلى الله عليه وآله))؟ قال: لا، قال: فسمعت الوحي عن الله عزوجل يخبرك؟ قال: لا، قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله((صلى الله عليه وآله))؟ قال: لا، فالتفت ابو عبدالله الي فقال: يا نونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه قبل ان يتكلم، ثم قال: يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته، قال يونس: فيا لها من حسرة، فقلت: جعلت فداك اني سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ويل لأصحاب الكلام يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق وهذا نعقله وهذا لا نعقله، فقال ابو عبدالله((عليه السلام)): انما قلت فويل لقوم تركوا قولي وذهبوا الى ما يريدون، ثم قال: اخرج الى الباب وانظر من ترى من المتكلمين فأدخله، قال: فخرجت فوجدت حمران ابن اعين وكان يحسن الكلام ومحمد بن النعمان الأحول وكان متكلما وهشام بن سالم وقيس الماصر وكانا متكلمين فأدخلتهم عليه، فلما استقربهم المجلس وكنا في خيمة لأبي عبدالله((عليه السلام)) على طرف جبل في طرف الحرم وذلك قبل ايام الحج بأيام اذ خرج ابو عبدالله((عليه السلام)) رأسه من الخيمة فاذا هو ببعير يخب فقال: هشام ورب الكعبة، قال: فظننّاان هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة لأبي عبدالله((عليه السلام)) فاذا هو هشام بن الحكم قد ورد وهو اول ما اختطت لحيته وليس فينا الا من هو اكبر منه سناً قال: فوسع له ابو عبدالله((عليه السلام)) وقال: ناصرنا بقلبه ولسانه ويده، ثم قال لحمران: كلم الرجل ـ يعني الشامي ـ فكلمه حمران فظهر عليه، ثم قال: يا طافي كلمه فكلمه فظهر عليه محمد بن النعمان، ثم قال: يا هشام بن سالم كلمه فتفارقا، ثم قال لقيس الماصر: كلمه فكلمه واقبل ابو عبدالله((عليه السلام)) يبتسم من كلامهما وقد استخذل الشامي في يده ثم قال للشامي: كلم هذا يعني هشام بن الحكم، فقال: نعم، ثم قال الشامي لهشام: يا غلام سلني في امامة هذا يعني ابا عبدالله((عليه السلام))، فغضب هشام حتى ارعد ثم قال له: اخبرني يا هذا اربك انظر لخلقه ام هم لأنفسهم؟ فقال الشامي: بل ربي انظر لخلقه، قال: ففعل بنظره لهم ماذا؟ قال: كلفهم واقام لهم حجة ودليلا على ما كلفهم وأراح في ذلك عللهم، فقال له هشام: فما هذا الدليل الذي نصبه لهم؟ قال الشامي: هو رسول الله((صلى الله عليه وآله)) قال هشام: فبعد رسول الله من؟ قال: الكتاب والسنة، قال له هشام: فهل نفعتا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه حتى يرفع الاختلاف عنا؟ قال الشامي: نعم، قال هشام: فلم اختلفنا نحن وانت وجئتنا من الشام تخالفنا وتزعم ان الرأي طريق الدين وانت مقر بأن الرأي لا يجمع الى القول الواحد المختلفين؟ فسكت الشامي كالمفكر.

 فقال له ابو عبدالله((عليه السلام)): ما لك لا تتكلم؟ فقال: ان قلت ما اختلفنا كابرت وان قلت ان الكتاب والسنة يرفعان الاختلاف ابطلت لأنهما يحتملان الوجوه، ولكن لي عليه مثل ذلك. فقال ابو عبدالله((عليه السلام)): سله تجده ملياً، فقال الشامي لهشام: من انظر للخلق ربهم ام انفسهم؟ فقال هشام: بل ربهم انظر، قال الشامي: فهل اقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع اختلافهم ويبين لهم حقهم من باطلهم؟ قال هشام: نعم، قال الشامي، من هو؟ قال هشام: اما في ابتداء الشريعة فرسول الله((صلى الله عليه وآله)) واما بعد النبي فغيره، فقال الشامي: ومن هو غير النبي((صلى الله عليه وآله)) القائم مقامه في حجته؟ قال هشام: في وقتنا هذا ام قبله؟ قال الشامي: بل في وقتنا هذا، قال هشام: هذا الجالس يعني ابا عبدالله((عليه السلام)) الذي تشد اليه الرحال ويخبرنا بأخبار السماء وراثة عن اب عن جد، قال الشامي: وكيف لي بعلم ذلك؟ قال هشام: سله عما بدا لك، قال الشامي: قطعت عذري فعلي السؤال.

 فقال له ابو عبدالله((عليه السلام)): انا اكفيك المسألة يا شامي اخبرك عن مسيرك وسفرك يوم كذا وكان طريقك كذا ومررت على كذا وكذا ومر بك كذا وكذا، فأقبل الشامي كلما وصف له شيئا من امره يقول: صدقت والله، ثم قال له الشامي: اسلمت لله الساعة، فقال له ابو عبداالله((عليه السلام)): بل آمنت بالله الساعة ان الإسلام قبل الايمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والايمان عليه يثابون. قال الشامي: صدقت فأنا اشهد ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وانك وصي الأوصياء.

 قال: واقبل ابو عبدالله((عليه السلام)) على حمران فقال: يا حمران تجري الكلام على الاثر فتصيب، والتفت الى هشام بن سالم فقال: تريد الاثر ولا تعرفه، ثم التفت الى الأحول فقال: قياس رواغ تكسر باطلا الا ان باطلك اظهر، ثم التفت الى قيس الماصر فقال: تتكلم واقرب ما يكون من الخبر عن رسول الله((صلى الله عليه وآله)) ابعد ما تكون منه تمزج الحق بالباطل وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل، انت والأحول قفازن حاذقان، قال يونس بن يعقوب: فظننت والله انه يقول لهشام بن الحكم قريباً مما قال لهما، فقال: يا هشام لا تكاد تقع تلوي رجليك اذا هممت بالارض طرت، مثلك فليكلم الناس اتقي الزلة والشفاعة من ورائك.

 (ومنه ايضاً) اخبرني ابو القاسم جعفر بن محمد القمي عن محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم بن هاشم عن ابيه عن العباس بن عمر الفقيمي ان ابن ابي العوجاء وابن طالوت وابن الاعمى وابن المقفع في نفر من الزنادقة كانوا مجتمعين في الموسم بالمسجد الحرام وابو عبدالله جعفر بن محمد الصادق((عليه السلام)) فيه اذ ذاك يفتي الناس ويفسر لهم القرآن ويجيب عن المسائل بالحجج والبينات، فقال القوم لابن ابي العوجاء: هل لك في تغليطك هذا الجالس وسئواله عما يفضحه عند هؤلاء المحيطين به فقد ترى فتنة الناس به وهو علامة زمانه، فقال لهم ابن ابي العوجاء: نعم، ثم تقدم ففرق الناس ثم قال: يا ابا عبدالله ان المجالس امانات ولابد لكل من له سؤال يسأل فتأذن لي في السؤال، فقال له ابو عبدالله((عليه السلام)): سل ان شئت، فقال له ابن ابي العوجاء: الى كم تدرسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الجهر وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر وتهرولون هرولة البعير اذا نفر من فكر في ذلك وتدبر علم انه فعل غير حكيم ولا ذي نظر؟ فقل فانك رأس هذا الأمر وسنامه وابوك أسه ونظامه، فقال له الصادق((عليه السلام)): ان من اضله اللّه واعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه وصار الشيطان وليه وربه يورد منا هل الهلكة ولا يصدره، وهذا بيت استعبد اللّه به خلقه ليختبر طاعتهم في اتيانه حثهم على تعظيمه وزيارته وجعله قبلة للمصلين، فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي الى غفرانه، منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال، خلقه الله تعالى قبل دحو الارض بألفي عام فأحق من اطيع فيما امر وانتهى عما زجر الله تعالى المنشىء للأرواح والصور. فقال له ابن ابي العوجاء: ذكرت ابا عبدالله فأحلت على غائب! فقال الصادق((عليه السلام)): كيف يكون يا ويلك غائباً من هو مع خلقه شاهد واليهم اقرب من حبل الوريد يسمع كلامهم ويعلم اسرارهم لا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ولا يكون من مكان اقرب من مكان، يشهد له بذلك آثاره ويدل عليه افعاله، والذي بعثه بالآيات المحكمة والبراهين الواضحة محمد((صلى الله عليه وآله)) جاءنا بهذه العبادة، فان شككت في شيء من امره فاسأل عنه اوضحه.

 قال: فأبلس ابن ابي العوجاء ولم يدر ما يقول وانصرف من بين يديه، فقال لأصحابه: سألتكم ان تلتمسوا الى جمرة فألقيتموني على جمرة، فقالوا له: اسكت فوالله لقد فضحتنا بحيرتك وانقطاعك، وما رأينا احقر منك اليوم في مجلسه، فقال لهم: اتقولون هذا انه من حلق رؤوس من ترون واومأ بيده الى اهل الموسم.

 (بيان) الطوب بالضم الآجر. يقال لطعام «وخيم» اي غير موافق واستوخمه لم يستمره. وقوله الله المنشيء خبر لقوله احق. ويقال ابلس اي يئس وتحير. والجمرة بالفتح النار المتقدة والحصاة والمراد بالأول الثاني وبالثاني الاول اي سألتكم ان تطلبوا لي حصاة العب بها وارميها فألقيتمونى في نار متقدة ولم يمكني التخلص منها. تمت حكاية ابن ابي العوجاء مع بيان ألفاظها.

 

(قصة تزويج الجوادعليه السلام بأم الفضل)

 في بحار الأنوار عن الريان بن شبيب قال: لما اراد المأمون ان يزوج ابنته ام الفضل ابا جعفر محمد بن علي بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم واستنكروه منه وخافوا ان ينتهي الأمر معه الى ما انتهى مع الرضا((عليه السلام)) فخاضوا في ذلك واجتمع منهم اهل بيته الأدنون منه فقالوا ننشدك اللّه يا امير المؤمنين ان تقيم هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فانا نخاف ان يخرج به عنا امر قد ملكنا الله تعالى وينزع منا عزاً قد البسناه اللّه عزوجل، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً وما كان عليه الخلفاء الراشدين قبلك بتعبيدهم والتصغير بهم، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا((عليه السلام)) ما علمت فكفانا الله الهم من ذلك، فالله اللّه ان تردنا الى غم قد انحسر عنا واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل الى من تراه من اهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.

 فقال لهم المأمون: اما ما بينكم وبين آل أبي طالب فانتم السبب فيه ولو انصفتم القوم لكانوا اولى بكم، واما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعاً للرحم واعوذ بالله من ذلك، والله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا ولقد سألته ان يقوم بالأمر وانزعه عن نفسي فأبى وكان امر الله قدراً مقدورا، واما ابو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة اهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه والاعجوبة فيه بذلك، وانا ارجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلمون ان الرأي ما رأيت فيه. فقالوا له: ان هذا الفتى وان راقك منه هديه فانه صبي لا معرفة له ولا فقه فامهله ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك. فقال لهم: ويحكم اني اعرف بهذا الفتى منكم وان اهل هذا البيت علمهم من الله تعالى ومواده والهامه لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا ابا جعفر بما يتبين لكم به ما وصف لكم من حاله! قالوا: قد رضينا لك يا امير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة فان اصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في امره وظهر للخاصة العامة سديد رأي امير المؤمنين فيه، وان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه. فقال لهم المأمون: شأنكم وذلك متى اردتم.

 فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن اكثم وهو يومئذ قاضي الزمان على ان يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك، وعادوا الى المأمون وسألوه ان يختار لهم يوماً للاجتماع فأجابهم الى ذلك، فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن اكثم وامر المأمون ان يفرش لأبي جعفر دست ويجعل له فيه مستورتان، ففعل ذلك وخرج ابو جعفر((عليه السلام)) وهو يومئذ ابن تسع سنين واشهر فجلس بين المستورتين وجلس يحيى بن اكثم بين يديه وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في دست متصل بدست ابي جعفر. فقال يحيى بن اكثم للمأمون: يأذن لي امير المؤمنين ان اسأل ابا جعفر عن مسألة؟ فقال له المأمون: استاذنه في ذلك. فأقبل عليه يحيى بن اكثم فقال: اتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ فقال ابو جعفر((عليه السلام)): سل ان شئت. قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيداً؟ فقال ابو جعفر((عليه السلام)): قتله في حل او في حرم عالما كان المحرم او جاهلا قتله عمداً او خطأ حراً كان المحرم او عبداً صغيراً كان او كبيراً مبتدئا بالقتل او معيداً من ذوات الطير كان الصيد ام من غيرها من صغار الصيد ام من كبارها مصراً على ما فعل او نادماً في الليل كان قتله للصيد ام في النهار محرماً كان بالعمرة اذ قتله او بالحج؟ فتحير يحيى بن اكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج حتى عرف جماعة اهل المجلس امره. فقال المأمون: الحمد اللّه على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي، ثم نظر الى اهل بيته فقال لهم: اعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟! ثم اقبل على ابي جعفر((عليه السلام)) فقال له: اتخطب يا ابا جعفر؟ فقال: نعم يا امير المؤمنين، فقال له المأمون: اخطب لنفسك وانا مزوجك ام الفضل ابنتي وان رغم قوم لذلك، فقال ابو جعفر((عليه السلام)): الحمد لله اقراراً بنعمته ولا اله الا الله اخلاصاً لوحدانيته وصلى اللّه على محمد سيد بريته والاصفياء من عترته. اما بعد، فكان من فضل الله على الأنام ان اغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه وتعالى: (فانكوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) ثم ان محمد بن علي بن موسى يخطب ام الفضل بنت عبدالله المأمون وقد بذل لها من الصداق مهر جدتها فاطمة بنت محمد((صلى الله عليه وآله)) وهو خمسمائة درهم خياداً، فهل زوجته يا امير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟ فقال المأمون: نعم قد زوجتك يا ابا جعفر ام الفضل ابنتي على الصداق المذكور فهل قبلت النكاح؟ قال ابو جعفر((عليه السلام)): قد رضيت وقبلت به فامر المأمون ان يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة والعامة.

 قال الريان: ولم نلبث ان سمعنا اصواتا تشبه اصوات الملاحين في محاوراتهم فاذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الابريسم على عجلة مملؤة من الغالية، ثم امر المأمون ان تخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية، ثم مدت الى دار العامه فتطيبوا منها ووضعت الموائد فأكل الناس وخرجت الجوائز الى كل قوم على قدرهم، فلما تفرق الناس وبقي من الخاصة من بقي قال المأمون لأبي جعفر((عليه السلام)): ان رأيت جعلت فداك ان تذكر الفقه الذي فصلته من وجوه قتل المحرم لنعلمه ونستفيده. فقال أبو جعفر((عليه السلام)): نعم ان المحرم اذا قتل صيداً في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاة، فان اصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً، واذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن، فاذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ فاذا كان من الوحش فعليه بقرة، وان كان نعامة فعليه بدنة، وان كان ظبياً فعليه شاة، وان كان قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هديا بالغ الكعبة، واذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان احرامه بالحج نحره بمنى وان كان احرامه بالعمرة نحره بمكة، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء، وفي العمل عليه المأثم وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفارة على الحر في نفسه وعلى السيد في عبده، والصغير لا كفارة عليه وهي على الكبير واجبة، والنادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة، والمصر يجب عليه العقاب في الاخرة.

 فقال المأمون: احسنت يا ابا جعفر واحسن الله اليك، فان رأيت ان تسأل يحيى عن مسألة كما سألك؟ فقال ابو جعفر((عليه السلام)) ليحيى: اسألك؟ فقال: فان ذلك اليك جعلت فداك فان عرفت جواب ما تسألني عنه والا استفدته منك، فقال له ابو جعفر((عليه السلام)): اخبرني عن رجل نظر الى امرأة في اول النهار فكان نظره اليها حراما عليه فلما ارتفع النهار حلت له فلما زالت الشمس حرمت عليه فلما كان وقت العصر حلت له فلما غربت الشمس حرمت عليه فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه فلما طلع الفجر حلت له، ما حال هذه المرأة وبماذا حلت له وحرمت عليه؟ فقال له يحيى: لا والله لااهتدي الى جواب هذا السؤال ولا اعرف الوجه فيه، فان رأيت ان تفيدنا؟ فقال ابو جعفر((عليه السلام)): هذه امة لرجل من الناس نظر اليها اجنبي في اول النهار فكان نظره اليها حراما، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له، فلما كان الظهر اعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء تزوجها وكفر عن الظهار فحلت له، فلما كان في نصف الليل طلقها واحدة فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له.

 قال: واقبل المأمون على من حضر من اهل بيته فقال لهم: هل فيكم احد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟ قالوا: لا والله ان امير المؤمنين اعلم بما رأى، فقال لهم: ويحكم ان اهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل، وان صغر السن فيهم لا يمنعهم عن الكمال، اما علمتم ان رسول الله((صلى الله عليه وآله)) افتتح دعوته بدعاء امير المؤمنين علي بن ابي طالب((عليه السلام)) وهو ابن عشر سنين وقبل منه الإسلام وحكم له به ولم يدع احداً في سنه غيره، وبايع الحسن والحسين((عليهما السلام)) وهما ابنان دون الست ولم يبايع صبي غيرهما، افلا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم وانهم ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟ قالوا: صدقت والله يا امير المؤمنين.

 ثم نهض القوم، فلما كان من الغد احضر الناس واحضر ابا جعفر وصار القواد والحجاب والخاصة والعامة لتهنئة المأمون وابي جعفر((عليه السلام))، فاخرجت ثلاثة اطباق من الفضة فيها بنادق مسك وزعفران معجون في اجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة باموال جزيلة وعطايا سنية واقطاعات، فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصته، وكان كل من وقع في يده بندقة اخرج الرقعة التي فيها والتمسه فأطلق له ووضعت البذر فنثر ما كان فيها على القواد وغيرهم، وانصرف الناس وهم اغنياء بالجوائز والعطايا. وتقدم المأمون بالصدقة على كافة المساكين ولم يزل مكرماً لأبي جعفر((عليه السلام)) معظما لقدره مدة حياته يؤثر على ولده وجماعة اهل بيته ـ انتهى ما اردنا نقله.

 (حكى) ابو الفرج المعافي في كتاب الأنيس والجليس قال: ينا ابو اسحاق ذات يوم جالس اذ جاءه اصحابه فقالوا له: يا ابا اسحاق هل لك في الخروج بنا الى العقيق والى قبا والى احد ناحية قبور الشهداء ؟ قالوا: هذا يوم كما ترى طيب، فقال اليوم يوم الأربعاء ولست ابرح من منزلي، فقالوا: وما تكره من يوم الأربعاء وهو يوم ولد فيه يونس بن متي؟ فقال بأبي وامي صلوات الله عليه فقد التقمه الحوت، فقالوا: نصر فيه رسول الله((صلى الله عليه وآله)) يوم الأحزاب؟ فقال: اجل ما زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر.

 (حكى) ان الرشيد سأل جعفراً عن جواريه فقال: يا امير المؤمنين كنت في الليلة الماضية مضطجعاً وعندي جاريتان وهما يكبساني فتناومت عنهما لأنظر ما يصنعا احداهما مكية والأخرى مدنية، فمدت المدنية يدها الى ذلك الشيء فلعبت به فانتصب قائما فوثبت المكية فقعدت عليه، فقالت المدنية: انا احق لأني حدثت عن نافع بن عمر عن النبي((صلى الله عليه وآله)) قال: من احيا ارضاً ميتة فهي له، فقالت المكية: وانا حدثت عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي((صلى الله عليه وآله)) قال: ليس الصيد لمن اثاره انما الصيد لمن قبضه. فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهره فقال: من يسلو عنهما، فقال جعفر: هما ومولاهما بحكمك يا امير المؤمنين وحملهما اليه.

 (كتب) العباس بن معلى الكاتب الى القاضي ابن فريعة فتوى: ما يقول القاضي ادام الله ايامه في يهودي زنا بنصرانية فولدت له ولداً جسمه كالبشر ووجهه كالبقر فما يرى القاضي في ذلك؟ فليفتنا مأجوراً فأجاب: هذا من اعدل الشهود على الملاعين اليهود انهم اشربوا حب العجل في صدورهم فخرج من ايورهم، وارى ان يعلق على اليهودي رأس العجل ويربط النصراني الساق مع الرجل ويسحبان سحباً على الأرض وينادى عليهما (ظلمات بعضها فوق بعض).

 (لابن الفارض)


او ميض برق بالاببرل لاحا***ام في ربى نجد أرى مصباحا

ام تلك ليلى العامرية اسفرت***ليلا فصيرت المساء صباحا

يا راكب الوجناء بلغت المنى***ان جئت حزناً او طوبت بطاحا

وسلكت نعمان الأراك فعج الى***واد هناك عهدته فياحا

فبأيمن العلمين من شرقيه***عرج وشم اريجه الفواحا

واذا وصلت الى ثنيات اللوى***فانشد فؤاد بالأبيطح طاحا

واقر السلام عربية عني وقل***غادرته لجنابكم ملتاحا

يا ساكني نجد اما من رحمة***لأسير الف لا يريد سراحا

هلا بعثتم للمشوق تحية ***في طي صافية الرياح رواحا

يحيى بها من كان يحسب هجركم***مزحاً ويعتقد المزاح مزاحا

يا عاذل المشتاق جهلا بالذي***يلقى ملياً لا بلغت نجاحا

اتعبت نفسك في نصيحة من يرى***ان لا يرى الاقبال والافلاحا

اقصر عدمتك واطرح من اثخنت***احشاؤه نجل العيون جراحا

كنت الصديق قبيل نصحك مغرما***ارأيت صباً يألف النصاحا

ان رمت اصلاحي فاني لم ادر***بفساد قلبي في الهوى اصلاحا

ماذا يريد العاذلون بعذل من***لبس الخلاعة واستراح وراحا

يا اهل ودي هل لراحبي وصلكم***طمع فينعم باله استرواحا

مذ غبتم عن ناظري لي انة***ملأت نواحي ارض مصر نواحا

واذا ذكرتكم اميل كأنني***من طيب ذكركم سقيت الراحا

واذا دعيت الى تناسي عهدكم***ألفيت اشجاني بذاك شحاحا

سقياً لأيام مضت مع جيرة ***كانت ليالينا بهم افراحا

حيث الحمى وطني وسكان الغضى***سكني ووردي الماء فيه مباحاً

واهيله اربى وظل نخيله ***طربى ورملة وادييه مراحا

واهاً على ذلك الزمان وطيبه***ايام كنت من اللغوب مراحا

قسما بمكة والمقام ومن اتى***البيت الحرام ملبياً سياحا

ما رنحت ريح الصبا من نحوكم***الا واهدت منكم ارواحا

 


(وله ايضاً):


ارج النسيم سرى من الزوراء ***سحراً فأحيا ميت الأحياء

اهدى لنا ارواح عرفه***فالجو منه معطر الأرجاء

وروى الأحاديث الأحبة مسندا***عن اذخر باذا خر وشجاء

فسكرت من ريا حواشي برده***وسرت حميا البرق في احشائي

يا راكب الوجناء بلغت المنى***عج بالحمى ان جزت بالجرعاء

متيمما تلعات وادي ضارج***متيامناً عن قلقة الوشناء

فاذا وصلت اثيل سلع فالتقى***فالرقمتين فلعلع فشظاء

فكذا عن العلمين من شرقيه***مل عاجلا للحلة الفيحاء

واقر السلام اهيل ذياك اللوى***من مغرم دنف كثيب نائي

صب متى قفل الحجيج تصاعدت***زفراته بتنفس الصعداء

يا ساكني البطحاء هل من عودة***احيى بها يا ساكني البطحاء

ان ينقضي صبري فليس بمنقض***وجدي القديم بكم ولا برحاء

ولئن جفا الوسمي ما حل تربكم ***فمدامعي تربو على الأنواء

واحسرتي ضاع الزمان ولم اثن***منكم اهيل مودتي بلقاء

ومتى يؤمل راحة من يومه***يومان يوم قلا ويوم ثناء

وحياتكم يا اهل مكة وهي لي***قسما لقد كلفت بكم احشائي

حبي لكم في الناس اضحى مذهبي***وهواكم ديني وعقد ولائي

يا لائمي في حب من من أجله***قد جد بي وجدي وعز عزائي

هلا نهاك عن لوم امري***لم يلف غير منعم وشقائي

لو تدر فيم عذلتني لعذرتني***خفض عليك وخلني وبلائي

واذا اذى الم المّ بمهجتي ***فشذا اعشاب الحجاز دوائي

اذا ذعن عذب الورود بارضه***واحاد عنه وفي بقاه بقائي

وربوعه اربى اجل وربيعه***طربى وصارف ازمة اللأواء

وخياله لي مربع ورماله***لي مرتع وظلاله افيائي

وترابه ندى الذكي وماؤه***عذبى الروي وفي ثراه ثراء

وشعابه لي جنة وقبابه ***لي جنة وعلى صفاه صفاء

حيا الحيا تلك المنازل والربى***ما جرهم بمجامع الأهواء

وسقى المشاعر والمحصب من منى***سحاً وجاد مواقف الأنضاء

ورعى الاله بها اصيحابي الاولى***سامرتهم بمجامع الأهواء

ورعى ليالي الخيف ما كانت سوى***حلم مضى مع يقظة الاغفاء

واهاً على ذاك الزمان وما جرى ***طيب المكان بغفلة الرقباء

ايام ارتع في ميادين المنى***جذلا وارفل في ذيول حيائي

ما اعجب الأيام توجب للفتى***ضحاً وتمخه بسلب عطاء

يا هل لماضي عيشنا من اوبة ***يوماً واسمح بعده ببقاء

هيهات خاب السعي وانفصمت عرى***حل المنى وانحل عقد رجائي

و كفى غراماً أن ابيت متيما***شوقي امامي والقضاء ورائي


 

(من حكايات الشيخ وكلامه في الطلاق)

 قال الشيخ ايده الله تعالى: قد الزم الفضل بن شاذان فقهاء العامة على قولهم في الطلاق ان يحل للمرأة الحرة المسلمة ان تمكن من وطئها في اليوم الواحد عشرة انفس على سبيل النكاح، وهذا شنيع في الدين منكر في الإسلام قال الشيخ ايده الله: ووجه الزامه لهم ذلك بأن قال: خبروني عن رجل تزوج امرأة على الكتاب والسنة وساق اليها مهرها أليس قد حل له وطئها؟ فقالوا وقال المسلمون كلهم: بلى، قال لهم: فان كرهها عقيب الوطي اليس يحل له خلعها على مذهبكم في تلك الحال؟ قالت العامة خاصة: نعم قال لهم: فان خلعها ثم بد اله بعد ساعة في العود اليها أليس يحل له ان يخطبها لنفسه ويحل له ان ترغب فيه؟ قالوا: بلى، قال لهم: فان عقد عليها عقدة النكاح أليس قد عادت الى ما كانت عليه من النكاح وسقط عنها عدة الخلع؟ قالوا: بلى، قال لهم: فان رجع الى نيته في فراقها ففارقها عقيب العقد الثاني من غير ان يدخل بها ثانية أليس قد بانت منه ولا عدة عليها بنص القرآن من قوله تعالى : (ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) ؟ فقالوا: نعم، ولا بدلهم من ذلك مع التمسك بالدين، قال لهم: قد حلت من وقتها للأزواج اذ ليس عليها عدة بنص القرآن، قالوا: بلى، قال: فما تقولون ان صنع بها الثاني كصنع الاول أليس يكون قد نكحها اثنان في بعض يوم من غير خطر في ذلك على اصولكم في الأحكام؟ فلابد من بلي، قال: وكذلك لونكحها ثالث ورابع الى ان يتم نكاح عشرة انفس واكثر الى آخر النهار أليس ذلك يكون جائزاً حلالا؟ وهذه من الشناعة التي لا تليق باهل الاسلام.

 (قال الشيخ) والموضع الذي لزمت منه هذه الشناعة فقهاء العامة دون الشيعة الإمامية انهم يجيزون الخلع والطلاق والظهار في الحيض وفي الطهر الذي قد حصل فيه جماع من غير استبانة حمل، والإمامية تمنع من ذلك وتقول : ان هذا اجمع لا يقع بالحاضرة التي تحيض الا بعد ان تكون طاهرة من الحيض طهرالم يحصل فيه جماع فلذلك سلمت مما وقع فيه المخالفون.

 (قال الشيخ) ايده الله تعالى: وقد جرت هذه المسألة حتى زعم بعضهم وقد ألزمته بتضمنها ان المطلقة بعد الرجعة عليها عن الخلع يلزمها العدة وان كانت مطلقة من غير دخول بها فرد القرآن ردا ظاهرا، فقلت لهذا القائل: من اين اوجبت عليها العدة وقد طلقها الرجل من غير أن يدخل بها مع نص القرآن ؟ فقال: لأنه قد دخل بها مرة قبل هذا الطلاق، فقلت له: ان اعتبرت هذا الباب لزمك ان يكون من تزوج امرأة وقد كان طلقها ثلاثاً فاستحلت ثم اعتدت وتزوجها بعد العدة ثم طلقها قبل ان يدخل بها في الثاني ان تكون العدة واجبة عليها لأنه قد دخل بها مرة؟ وهذا خلاف دين الإسلام، فقال: الفرق بينهما ان هذه التي ذكرت قد قضت منه عدة الأولة ولم تقض العدة، فقلت: اليس قد اسقطت الرجعة لها بعد الخلع العدة عنها باتفاق؟ قال: بلى، فقلت له: فمن اين يرجع عليها ما كان قد سقط عنها وكيف يصح ذلك في الأحكام الشرعية؟ وانت لا يمكنك ان تلزمها العدة الساقطة عنها بنكاح لا يجب فيه عدة بظاهر القرآن، وهذا امر متناقض، فلم يأت بشي.

 (يقول جامع هذا الكشكول وحاكي هذه النقول) صريح كلام هذين الشيخين المعتمدين هو ظاهر سيدنا المرتضى ايضاً، بل ظاهر كلام اكثر اصحابنا رضوان الله عليهم سقوط العدة عن المختلعة والمطلقة ثلاثاً لو عقد عليها الرجوع بعد ذلك قبل انقضاء العدة ثم طلقها قبل الدخول، وانه يجوز لغيره في تلك الحال التزويج بها لدخولها تحت عموم الآية المتقدمة. والذي وقفت عليه في كلام بعض متأخري اصحابنا هو المنع من ذلك، وهو الظاهر عندي نظراً الى ان العدة الأولى انما سقطت بالنسبة الى الزوج خاصة، وهذا الطلاق الثاني الواقع قبل الدخول وان لم يترتب عليه العدة اتفاقا لكن الكلام في العدة الأولى فانها واجبة بالنص آية وسنة وبالاجماع، وغاية ما يستفاد سقوطها بالنسبة الى الزوج فيجوز له العقد قبل انقضائها لعدم وجوب الاستبراء من مائه واما غيره فلا، وطلاقه لها بعد العقد المجرد عن الدخول لا يؤثر في سقوط تلك العدة وانما يؤثر في سقوط عدة هذا الطلاق.

 والتمسك بظاهر هذه الآية في المقام معارض بما دل على وجوب العدة من الآية والرواية والاجماع فيجب تقييدها بذلك. على ان الآية انما تدل على سقوط العدة بالنسبة الى هذا الطلاق الأخير الخالي عن الدخول، وهذا لا نزاع فيه اذ العدة التي أوجبناها انما هي عدة الطلاق الأول والخلع، والجنوح في سقوطها الى عقد الزوج عليها انما يتم بالنسبة اليه خاصة. فقول شيخنا المفيد (ره) اليس قد اسقطت الرجعة او على اطلاقه غير مسلم اذ الاسقاط انما وقع في حق الزوج خاصة.

 ومما حضرني من الأخبار مرسلة ابن ابي عمير المروية في الكافي قال: ان الرجل اذا تزوج المرأة متعة كان عليها عدة لغيره فاذا اراد هو ان يتزوجها لم يكن عليها منه عدة يتزوجها اذا شاءت. وانت خبير بأنه لا فرق في هذا الحكم بين الزوجة الدائمة والمنقطعة فان كلا منهما يسقط عنها العدة بعد الفراق مع عدم الدخول. وعلى هذا فيجري الاشكال الذي اورده الفضل (ره) على العامة في المتعة على مقتضى كلامه فانه لو تزوج الرجل امرأة متعة ودخل بها ثم ابرأها من المدة ثم عقد عليها عقداً منقطعاً او دائما ثم ابرأها او طلقها فانه يجوز لغيره ان يأخذها كذلك فينكحها في بعض يوم واحد عشرة او ازيد كما ألزم به اولئك، ولا اظنه يقول باختصاص الآية بالزوجة فلا يجزي في المتعة ولا وجه له، فان الأخبار دالة على المتعة. على انه لو ابرأها قبل الدخول فلا عدة عليها ودلالتها كالآية.

 واني كنت قبل الوقوف على كلام هؤلاء الأعلام احمل كلام بعض متأخري اصحابنا في رد هذا القول على مجرد الفرض دون وجود قائل به، ولم ينقل احد ممن وقفت على كلامه وجود قائل بذلك على التعيين. والله سبحانه العالم باليقين. وانت خبير بأنه قد مر في مسألة الجواد((عليه السلام)) ليحيى بن اكثم القاضي ما يتضمن جواز الظهار في الطهر الذي ينكحها فيه ولعله على التقية.

 (قال) السيد المرتضى ذو المجدين علم الهدى طاب ثراه ذاكراً بعض الأصدقاء قول ابي ذهيل:


فابرزتها بطحاء مكة بعد ما***اضاء المنادي بالصلاة فأعتما

 


فسألني اجازة هذا البيت بأبيات تنضم اليه، بأن اجعل ذلك كناية عن امرأة لا عن ناقة فقلت في الحال:


فطيب رياها المقام وضوأت***باشراقها بين الحطيم وزمزها

فيا رب ان لقيت وجهاً تحية***فحي وجوهاً بالمدينة سهما

تجافين عن مس الدهان وطالما***عصمن عن الحناء كفا ومعصما

وكم من جليد لا يخامره الهوى***شنن عليه الوجد حتى تتيما

اهان لهن النفس وهي كريمة***واكفا اليهن الحديث المكتما

تسفهت لما ان مررت بدارها***وعوجلت دون الحلم ان اتحلما

فعجت اعزي دارساً متنكراً ***واسأل مصروفا عن النطق اعجما

ويوم وقفنا للوداع وكلنا***يعد مطيع الشوق من كان احزما

نظرت بقلب لا ينعف فى الهوى***وعين متى استمطرتها مطرت دما

 


وتتبع الشيخ محي الدين الجامعي السيد (ره) فقال:


فضاء فضاء المازمين وطاب من***شذاها ترى ام القرى فتبسما

ولاح لحادي الركب ضوء جبينها***فيمم بالركب الحمى فترنما

رآها على بعد اخو الزهد فانثنى***وصلى عليها بالفؤاد وسلما

رنت فصبى ركن الحطيم وزمزم***اليها وباحا بالغرام وزمزما

من اللائي يسلبن الحليم وقاره***ويقتلن باللحظ الكمي المعجما

ويورين نار الوجد فى قلب ذي النهى***فيضحى وان نادى ذوي العشق مغرما

قضت مقلتا سلمى على القلب حبها***فها هو منقاد اليها مسلما

اعان عليه الهجر والليل والهوى***وطال واعنى وادلهم واظلما

دعاه لميقات الغرام جمالها***فهام بها شوقا ولبى واحرما

 


(ابن زريق البغدادي):


لا تعذليه فان العذل يولعه***قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه

جاوزت في لومه حداً اضرّ به***من حيث قدرت ان اللوم ينفعه

فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلا ***من عذله فهو مضني القلب موجعه

يكفيه من لوعة التفنيد ان له ***من النوى كل يوم ما يروعه

ما آب من سفر الا وازعجه***رأى الى سفر بالبين يجمعه

كانما هو عن حل ومر تحل***موكل بفضاء الأرض يذرعه

استودع اللّه في بغداد لي فهواً***بالكرخ من ذلك الازرار مطلعه

ودعته وبودي ان يودعني ***طيب الحياة واني لا اودعه

كم قد تشفع لي ان لا افارقه***وللضرورة حال لا يشفعه

وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى***وادمعي مستهلات وادمعه

لا اكذب الله ثوب الصبر منخرق***عني بفرقته لكني ارقعه

ما كنت احسب ان الدهر يفجعني***به ولا ان بي الأيام تفجعه

حتى جرى البين فيما بيننا بيد***عسراء تمنعني حقي وتمنعه

قد كنت من ريب دهر جازعا فزعا***فلم اوق الذي قد كنت ازعه

بالله يا منزل العيش الذي درست***آثاره وعفت قد بنت اربعه

هل الزمان معيد فيك عيشتنا***ام الليالي التي امضت ترجعه

في ذمة الله من اصبحت منزله***وجاد غيث على مغناك يمرعه

ومن يصدع قلبي ذكره واذا ***جرى على قلبه ذكري يصدعه

لا اصبرن لدهر لا يمتعني***به ولا بي في حال يمتعه

علماً بأن اصطباري معقبا فرجا***فأضيق الضيق ان فكرت اوسعه

عسى الليالي التي اضنت بفرقتنا***جسمي ستجمعني يوماً وتجمعه


 

(سؤال ابن لؤلؤ للشيخ عن المتعة)

 من كتاب المجالس المتقدم ذكره: ومن كلام الشيخ في المتعة قال الشيخ (ايده الله): حضرت بعض قواد الدولة وكان بالحضرة شيخ من الاسما عيلية يعرف بابن لؤلؤ فسألني ما الدليل على اباحة المتعة؟ فقلت له: الدلالة عليها قوله تعالى: (واحل لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ان اللّه كان عليما حكيما) فأحل جل اسمه نكاح المتعة بصريح لفظها وبذكر اوصافها من الأجر عليها والتراضي بعد الفرض من الازدياد في الأجل وزيادة الاجر فيها. فقال: ما انكرت ان تكون هذه الآية منسوخة بقوله جل اسمه: (والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) فحظر الله النكاح الا لزوجة او ملك يمين، واذا لم تكن المتعة زوجة ولا ملك يمين فقد سقط من اجلها. فقلت له: قد اخطأت في هذه المعارضة من وجهين: (احدهما) انك ادعيت ان المستمتع بها ليست بزوجة ومخالفك يدفعك عن ذلك ويثبتها زوجة في الحقيقة. (والثاني) سورة المؤمنين مكية وسورة النساء مدنية والمكي متقدم للمدني فكيف يكون ناسخاً له وهو متأخر عنه وهذه غلطة شديدة؟ فقال: لو كانت المتعة زوجة لكانت ترث ويقع بها الطلاق، وفي اجماع الشيعة انها غير وارثة ولا مطلقة دليل على فساد هذا القول. فقلت له: وهذا ايضاً غلط منك وفي ذلك ان الزوجة لم يجب لها الميراث ويقع بها الطلاق من حيث كانت زوجة فقط، وانما حصل ذلك لصفة لها تزيد على الزوجية، والدليل على ذلك ان الأمة ان كانت زوجتة لم ترث ولا تورث والمقاتلة لا ترث والذمية لا ترث والأمة المبيعة تبين من غير طلاق والملاعنة تبين بغير طلاق وذلك ان المختلعة والمرتد عنها زوجها والمرضعة قبل الفطام بما يوجب التحريم من لبن الأم او الزوجة تبين بغير طلاق، وكل من عددناه زوجات بالحقيقة فيبطل ما توهمت فلم يأت بشيء. فقال صاحب المجلس ـ وهو رجل اعجمي لا معرفة له بالفقه وانما يعمل الظواهر ـ انا اسألك في هذا الباب عن مسألة خبرني هل تزوج رسول الله((صلى الله عليه وآله)) متعة او تزوج امير المؤمنين((عليه السلام))؟ فقلت له: لم يأت بذلك خبر ولا علمته. فقال لي: لو كان في المتعة خير ما تركها رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وامير المؤمنين؟ فقلت: ايها القائل ليس كلما لم يفعله رسول الله((صلى الله عليه وآله)) كان محرما، وذلك ان رسول الله((صلى الله عليه وآله)) والائمة((عليهم السلام)) كانوا كافة لم يتزوجوا بالاماء ولا نكحوا الكتابيات ولا تزوجوا بالزنج ولا نكحوا السند ولا اتجروا الى الأمصار ولا جلسوا باعة التجار وليس ذلك كله محرماً ولا محظوراً الا ما اختصت به الشيعة دون مخالفيها من القول في نكاح الكتابيات. فقال: دع هذا وخبرني عن رجل ورد من قم يريد الحج فدخل الى مدينة السلام فاستمتع فيها بامرأة ثم انقضى اجلها فتركها وخرج الى الحج وكانت حاملا ولم يعلم بحالها فحج ومضى الى بلده وعاد بعد عشرين سنة وقد ولدت بنتاً فاستمتع بها وهو لا يعلم قد نكح بنته، وهذا فضيح جداً. فقلت له: ان اوجب هذا الذي ذكره القائل تحريم المتعة وتقبيحها اوجب تحريم نكاح المهيرات وكل نكاح وتقبيحه، وذلك انه يتفق فيه ما ذكرت وجعلته طريقاً الى حظر المتعة، وذلك انه لا يمنع ان يخرج رجل من اهل السنة واصحاب احمد بن حنبل من خوارزم قاصداً للحج فينزل مدينة السلام فيحتاج الى النكاح فيستدعي امرأة من جيرانه حنبلية سنية فيسألها ان تلمس له امرأة شبابة ستيرة ثيب لا ولي لها فيرغب فيها وتجعل المرأة امرها الى امام المحلة صاحب مسجدها فيحضر رجلين ممن يصلي معه ويعقد عليها النكاح للخوارزمي السني الذي لا يرى المتعة ويدخل بالمرأة ويقيم معها الى وقت رحيل الحاج الى مكة فيستدعي الشيخ الذي عقد عليها النكاح ويطلقها بحضرته ويعطيها مهرها وما يجب لها من نفقتها ثم يخرج ويحج وينصرف من مكة على طريق البصرة الى بلده، وقد كانت المرأة حاملا وهو لا يعلم فيقيم عشرين سنة ثم يعود الى مدينة السلام للحج فينزل في تلك المحلة بعينها ويسأل عن العجوز فيفقدها لموتها فيسأل عن غيرها فتأتيه ويعقد عليها كما عقد على امها بولي وشاهدين ثم يدخل بها فيكون قد وطأ بنته، فيجب ان يحرم بهذا الذي ذكرناه كل نكاح.

 فاعترض الشيخ السائل اولا فقال: عندنا انه يجب على هذا الرجل ان يوصي الى جيرانه باعتبار حالها وهذا يسقط هذه الشناعة فقلت له: ان كان هذا عندكم واجباً فعندنا اوجب منه واشد لزوماً، وهو ان يوصي المستمتع بها فان لم يجد احداً اوصى قوماً من اهل البلد وذكر لهم انها كانت زوجته ولم يذكر المتعة، وهذا شرط عندنا فقد سقط ايضاً ما توهمته.

 ثم اقبلت على صاحب المجلس فقلت له: ان امرنا مع هؤلاء المتفقهة عجيب وذلك انهم يطبقون على تبديعنا في نكاح المتعة مع اجماعهم على ان رسول الله((صلى الله عليه وآله)) اذن فيها وانها عملت على عهده مع ظاهر الكتاب في تحليلها واجماع آل محمد((عليهم السلام)) على اباحتها والاتفاق على ان عمر حرمها في ايامه مع اقراره على انها كانت حلالا على عهد رسول الله((صلى الله عليه وآله))، فلو كنا على ضلالة فيها لكنا على شبهة تمنع ممن يعتقده المخالف فينا من الضلال والبراءة منا وليس في من يخالف الا من يقول في النكاح وغيره بضد القرآن وخلاف الإجماع ونص شرع الإسلام والمنكر في الطباع عند ذوي المروات ولا يرجع في ذلك الى شبهة تسوغ قوله، وهم معه يتولى بعضهم بعضاً وليس ذلك الا لاختصاص من قولنا بآل محمد((صلى الله عليه وآله)) فلعداوتهم لهم رمونا عن قوس واحد. هذا ابو حنيفة النعمان بن ثابت يقول: لو ان رجلا عقد على امة عقد نكاح وهو يعلم انها امة ثم وطأها لسقط عنه الحد ولحق به الولد، وكذلك قوله في الأخت والبنت وسائر المحرمات، ويزعم ان هذا النكاح شبهة اوجب سقوط الحد عنه، ويقول: لو ان رجلا استأجر خياطة او خبازة او غير ذلك من اصحاب الصناعات ووثب عليها ووطأها وحملت منه لأسقطت عنه الحد، ويقول: اذا لف الرجل حريرة واولجه في قبل امرأة ليست له بمحرم حتى ينزل لم يكن زانياً ولا يجب عليه الحد، ويقول: ان الرجل اذ تلوط بالغلام لم يجب عليه الحد ولكن يردع بالكلام الغليظ والأدب والخفقة بالنعل والخفقتين وما اشبه ذلك، ويقول: ان شرب النبيذ الصلب المسكر حلال طلق وهو سنة وتحريمه بدعة. قال الشافعي: اذا فجر الرجل بامرأة وحملت منه وولدت بنتاً فانه يحل للفاجران يتزوج بهذه البنت ويوطأها ويولدها الا خرج عليه في ذلك فاحل نكاح البنات، وقال: لو ان رجلا اشترى اخته من الرضاعة ووطأها لما وجب عليه الحد، وكان يجيز الغناء بالدف وما اشبهه. وقال مالك بن انس:

وطي النساء في احشائهن حلال طلق، وكان يرى سماع الغناء بالدف واشباهه من الملاهي، ويزعم ان ذلك سنة في المعرسات والولائم. وقال داود بن علي الاصبهاني ان الجمع في الملك اليمين حلال طلق والجمع بين الأم والبنت غير محظور، فأقام هؤلآء الفجور وكل منكر فيما بينهم واستحلق ولم ينكر بعضهم على بعض مع ان الكتاب والسنة والاجماع بضلالهم في ذلك، ثم عظموا امر المتعة والقرآن شاهد بتحليله والسنة والإجماع يشهدان بذلك، فيعلم انهم ليسوا من أهل الدين ولكنهم من اهل العصبية والعداوة لآل محمد((عليهم السلام))، فاستعظم صاحب المجلس ذلك وانكره واظهر البراءة من معتقده وسهل عليه امر المتعة والقول به.

 (فصل) قال الشيخ ايده الله: وقد كنت استدللت بالآية التي قدمت تلاوتها على تحليل المتعة في مجلس صاحب رئيس زمانه، فاعترضني ابو القاسم الداركي فقال لي: ما انكرت ان يكون المراد بقوله: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة) انما اراد به نكاح الدوام، واشار بالاستمتاع الى الالتذاذ دون نكاح المتعة الذي هو مذهب الشيعة؟ قلت له: ان الاستمتاع وان كان في الأصل هو الالتذاذ فانه علق بذكر النكاح واطلق بغير تقييد لم يرد به الا نكاح المتعة خاصة لكونه علما عليها في الشريعة، الا ترى انه لو قال قائل نكحت امس امرأة متعة او هذه المرأة نكاحي لها او عقدي عليها للمتعة وان فلانا استحل نكاح المتعة لما فهم من قوله الا النكاح الذي تذهب اليه الشيعة خاصة، وان كانت المتعة قد تكون بوطىء الاماء الحرائر على الدوام، كما ان الوطي في اللغة وهو وطي القدم ومماسة باطنه للشيء على سبيل الاعتماد، ولو قال قائل وطأت جارتي ومن وطىء امرأة غيره فهو زان وفلان يطأ امرأته وهي حائض لم يعقل من ذلك مطلع على اصل الشريعة الا النكاح دون وطي القدم، وكذلك الغائط وهو الشيء المحوط، وقيل هو الشيء المنهبط ولو قال قائل هل يجوز ان آتي الغائط لأتوضأ واصلي او قال فلانا اما الغائط ولم يستتر لم يفهم من قوله الا الحدث الذي يجب منه الوضوء واشباه ذلك مما قد تقرر في الشريعة. واذا كان الأمر على ما وصفناه فقد ثبت ان لفظ المتعة لا يقع الا على النكاح الذي ذكرناه، وان كان الاستمتاع في اصل اللغة هو الالتذاذ ـ كما قدمناه.

 واعترضني القاضي ابو محمد بن معروف فقال: هذا الإستدلال اوجب عليك الا يكون اللّه تعالى احل بهذه الآية غير نكاح المتعة لأنها لا تتضمن سواه، وفي الاجماع على انتظامها تحليل نكاح الدوام دليل على بطلان ما اعتمدته. فقلت له: ليس يدخل هذا الكمال على اصل الاستدلال ولا يتضمن معتمدي ما الزمنيه القاضي فيه، وذلك ان قوله تعالى: (واحل لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) فحين يتضمن تحليل المناكح المخالفة للسفاح في الجملة ويدخل فيه نكاح الدوام من الحرائر والا ما يختص نكاح المتعة بقوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة) ويجري ذلك مجرى قول القائل: قد حرم الله عليك نساء بأعيانهن وحرم عليك واحل لك عداهن فان استمتعت منهن فالحكم فيه كذا وكذا فان نكحت نكاح الدوام فالحكم فيه كيت وكيت، فيذكر له المحللات بالجملة ويبين له نكاح بعضهن كما يذكرهن له ثم يبين له احكام نكاحهن كلهن فما اعلمه زاد علي شيئاً.

 

(مما قاله الأمير ابوفراس)


اراك عصي الدمع شيمتك الصبر***اما للهوى نهي عليك ولا امر

بلى انا مشتاق وعندي لوعة***ولكن مثلي لا يذاع له سر

اذا الليل اضواني بسطت له الهوى***واذللت دمعاً من خلائقه الكبر

تكاد تضيء النار بين جوانحي***اذا هي اذكتها الصبابة والهجر

تعللني بالوصل والموت دونه***اذا مت عطشاناً فلا نزل القطر

بدوت واهلي حاضرون وانني***ارى ان داراً لست من اهلها قفر

وحاربت اهلي في هواك وانني***واياك لولا حبك الماء والخمر

تسائلني من انت وهي عليمه***وهل بفتى مثلي على حاله نكر

فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى***قتيلك قالت اي هم وهم كثر

فأيقنت ان لا عز بعدي لعاشق***وان يدي مما علقت به صفر

وقلبت امري لا ارى لي راحة ***اذا البين انساني الح بي الهجر

فعدت الى حكم الزمان وحكمها ***لها الذنب لا تجزي به والى العذر

واني لنزال بكل مخوفة***كثير الى انزالها النظر الشزر

فأصدر حتى ترتوي البيض والقنا***واسغب حتى يرتوي الذيب والنسر

ويا رب دار لم تخفني منيعة***طلعت عليها بالردى وانا الفجر

وحي وردت الخيل حتى ملكته***هزيماً وردتني البراقع والخمر

وما حاجتي بالمال ابغي وفوره***اذا لم افر عرضي فلا وفر الوفر

هو الموت فاختر ما علا لك ذكره***ولم يمت الانسان ما حيى الذكر

ولا خير في دفع الردى بمذلة***كما ردها يوماً بسوءته عمرو

فان عشت فالطعن الذي تعرفونه***وتلك القنا والبيض والضمر السمر

وان مت فالانسان لابد ميت***وان طالت الأيام وانفسح العمر

ستذكرني قومي اذا جد جدها***وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به***وما كان يغلو التبر لو ينفق الصفر

ونحن اناس لا توسط بيننا***لنا الصدر دون العالمين او القبر

تهون علينا في المعالي نفوسنا***ومن خطب الحسناء لم يغله المهر


 

(بعض الوقائع التاريخية)

 (نقل) انه في سنة 297 وثب العلوي صاحب الزنج والسودان على الأيله فاستباحها واحرقها وقتل منها نحو ثلاثين ألفاً، فساق الخليفة لحربه سعيد الحاجب فالتقوا فانهزم سعيد ثم دخلت الزنج البصرة واحرقوا الجامع وقتل فيها اثني عشر ألفاً، وهرب باقي اهلها باسوء حال وخربت.

 (وفي) سنة 299 غارت الزنج على واسط وهجت اهلها حفاة عراة واخربت ديارها واحرقت، فوجه المعتمد على الله بن المتوكل اخاه الموفق بن المتوكل الى حربهم فالتقى المسلمون وقائد الزنج واجتمع مع الموفق بن المتوكل ثمانية آلاف مقاتل فانهزم الخبيث واصحابه وتبعهم اصحاب الموفق يقتلون ويأسرون، ثم استقبل القائد وفرساته الناس وحمل عليهم فهزموهم وازالوهم فحمل عليه الموفق والتحم القتال واذا بفارس من اصحاب الموفق قد اقبل ورأس الخبيث في يده فلم يصدقه الموفق فعرفه جماعة من الناس فحينئذ ترجل الموفق وابنه المعتضد والأمراء فخروا سجداً لله تعالى وكبر رؤساء الموفق فدخل بالراس بغداد وكان مشهوراً، واسترجعوا البلدان التي اخذها الخبيث، وكانت ايامه خمس عشرة سنة. قال بعض المؤرخين: انه قتل من المسليمن الف الف وخمسمائة الف، وقتل في يوم واحد من البصرة ثلاثمائة الف، وكان خارجيا يسب عثمان وعلياً وقيل كان زنديقا.

 (وفي) سنة 258 مبدأ ظهور القرامطة بسواد الكوفة، وهم خوارج زنادقة مارقون من الدين.

 (وفي) سنة 311 دخل ابو طاهر القرمطي على ابي سعيد القرمطي البصرة ليلا في الف وسبعمائة فارس فصبوا السلاسل على السور فنزلوا فوضعوا فيهم السيف واحرقوا الجامع وسبوا الحريم.

 (وفي) سنة 312 عارض ابو طاهر القرمطي حاج العراق ومعه الف فارس والف راجل، وامير الحاج ابو الهيجاء ابن حمدان، فوضعوا السيف في الحجاج وساقوا الأجمال والأحمال والأموال واخذوا أبا الهيجاء اسيراً. ثم ان القرمطي اطلقه وارسل معه يطلب كل ما في البصرة والاهواز من العبيد.

 (وفي) سنة 313 سافر الركب العراقي ومعهم الف فارس فعارضهم القرمطي فرد الحاج ولم يحجوا تلك السنة ونزل القرمطي الكوفة فقتلوه فغلب على البلد ونهبه.

 (وفي) سنة 314 لم يحج احد من العراق خوفا من القرامطة.

 (وفي) سنة 316 نزلت القرامطة الكوفة فسار يوسف بن السباح فقاتلهم فاسروا يوسف وانهزم عسكره وسار القرمطي الى ان نزل غربي الأنبار فقطع المسلمون الجسر فاخذ يتحيل في العبور حتى عبر وخرج نصر الخادم وموسى الخادم فعسكروا بباب الأنبار وخرج ابو الهيجاء بن حمدان واخوته ثم ردت القرامطة ولم يهجم العسكر ووقع عليهم الخذلان وكانت القرامطة الف وسبعمائة فارس وراجل وكانت العسكر يومئذ اربعين الف فارس ثم ان القرمطي قتل ابن السباح وجماعة معه ودخل الوزير علي ابن عيسى على المقتدر وقال قد تمكنت هيبة هذا الكافر من القلوب فخاطب السيدة في مال تنفقه على العسكر فاخبر المقتدر امه بذلك فاخرجت خمسمائة الف دينار واخرج المقتدر ثلاث مائة الف دينار ونهض علي بن عيسى في استدامة العساكر وجددت على بغداد الخنادق وعدمت هيبة المقتدر من القلوب.

 (وفي) سنة 316 رجل القرمطي بناحية الشام واستباحها ثم نزل الرقة وقتل جماعة وتحول هيت فرموه بالحجارة وقتلوا صاحبه ابا الدرداء وسار الى الكوفة ثم انصرف وبنى داراً سماها دار الهجرة ولم يحج احداً في هذه السنة واستعفى علي بن عيسى من الوزارة وتولى بعده علي بن مقلة.

 (وفي) سنة 317 حج بالناس منصور الديلمي فدخلوا مكة سالمين، فوافاهم يوم التروية ابو طاهر القرمطي فقتل الحاج قتلا ذريعاً في المسجد وفي فحاج مكة، وقتل امير مكة واقتلعوا باب الكعبة والحجر الأسود واخذوه الى هجر ولم يرد الا بعد نيف وعشرين سنة، وصعد الملعون على البيت وقال شعرا:


انا بالله وبالله انا***يخلق الخلق ويفنيهم انا

 فلما قلع الحجر الأسود قال شعراً يدل على كفره:

ولو كان هذا البيت معبد ربنا***لصب علينا النار من فوقه صبا

لأنا حجبنا حجة جاهلية ***محالة لم تبق شرقا ولا غربا

وانا تركنا بين زمزم والصفا***جنائز لا تبغي سوى ربها ربا

 


(وفي) سنة 339 اعادت القرامطة الحجر الأسود الى مكانه، وكان بعض الأمراء دفع اليهم خمسين الف ديناراً فأبوا بيعه.

 (وفي) سنة 352 الزم معز الدولة اهل بغداد يوم عاشوراء النوح واقامة المأتم على الحسين بن علي((عليه السلام)) وامر بغلق الأبواب وعلقت عليها المسوح ومنع الطباخين من الأطعمة وخرجت نساء الشيعة منشورات الشعور مخمشات الوجوده يلطمن الخدود وفي يوم الثامن عشر من ذي الحجة علمت الشيعة عيد الغدير. وفيها او في الذي قبلها توفي الوزير المهلبي وزير معز الدولة ابن بويه الديلمي، وكان قبل اتصاله بمعز الدولة في شدة عظيمة من الضرورة في المعيشة ولقي في سفره مشقة عظيمة فاشتهى اللحم فلم يقدر على ثمنه فقال ارتجالا:


الا موت يباع فأشتريه***فهذا العيش ما لا خير فيه

الا موت لذيذ الطعم يأتي***يخلصني من العيش الكريه

اذا بصرت قبراً من بعيد***فودي انني ممايليه

الا رحم المهيمن نفس حرّ***تصدق بالوفاة على اخيه

 


وكان معه رفيق يقال له (ابو عبدالله الصوفي) فلما سمع الأبيات اشترى له بدرهم لحما فأطعمه اياه، وتنقلت بالمهلبي الأحوال وتولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة وضاقت الأحوال برفيقه الذي اشترى له اللحم وبلغه وزارة المهلبي فقصده وكتب اليه:


الا قل للوزير فدته نفسي***مقالة مذكر ما قد نسيه

اتذكر اذ تقول لضيق عيش***الا موت يباع فاشتريه

 


فلما وقف عليها المهلبي ذكر وهربة اريحية الكرم وامر له بسبعمائة درهم، ووقع في رقعته (مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء) ثم دعا به وخلع عليه وقلده عملا يغتني به عن الناس. وقالو أبو اسحق الصابي: كنت يوما عند الوزير المهلبي فأخذ ورقة وكتب فيها على البدى:


له يد برعت جوداً بنائلها***ومنطق دره في السطر ينتثر

فحاتم كامن في بطن راحته***وفي انامله سحبان ينتشر


وكان المهلبي من رجال الدهر عزماً ورأيا وسؤدداً.

 (وفي) سنة 354 توفي الملقب بأبي الطيب احمد بن الحسين بن الحسن الجعفي الكوفي ثم الكندي منزلا، قدم الشام في صباه وجال في الاقطار واشتغل بفنون الأدب ومهر فيها، وكان من المكثرين في نقل اللغة والمطلعين على غريبها قيل: ان ابا علي الفارسي قال: كم لنا من الجموع على وزن فعلى بكسر الفاء وسكون العين وفتح اللام؟ فقال المتنبي في الحال: حجلى وظربى، فقال ابو علي: فطالعت كتب اللغة ثلاث ليال لأجد لهذين الجمعين ثالثاً فلم اجد. واما شعر المتنبي فشهرته تغني عن مدحه ولقد افتتن العلماء بديوانه فشرحوه. قال بعضهم: وقفت على اربعين شرحا بين المطولات والمختصرات. واما تلقيبه بالمتنبي فقيل انه ادعى النبوة في بادية سماوة وتبعه خلق كثير من تلك الناحية، فعند ظهور تلك الدعوة خرج اليه لؤلؤ امير حمص من قبل الاخشيد فاسره وتفرق اصحابه ثم استتابه واطلقه. وقيل غير ذلك، ثم التحق بالأمير سيف الدولة ابن حمدان في سنة 507 سبع ومسمائة ثم فارقه ودخل مصر ومدح كافور الأخشيدي. وكان لسيف الدولة مجلس تحضره العلماء كل ليلة يتكلمون بحضرته فوقع بين المتنبي وبين ابن خالويه النحوي كلام فوثب ابن خالويه وضرب وجهه بمفتاح كان في يده فشجه وسال دمه على ثيابه، فغضب وخرج  الى مصر ومدح كافور ثم خلى عنه وقصد بلاد فارس ومدح عضد الدولة الديلمي فأجزل جائزته، ولما رجع من عنده قاصداً الى بغداد ثم الى الكوفة من شعبان لثمان خلون منه عرض فاتك ابن ابي الجهل الأسدي في عدة من اصحابه فقاتلهم فقتل المتنبي وابنه محسد بضم الميم وفتح الحاء والسين المشددة المهملتين من الجانب الغربي من سواد بغداد. وذكر ابن رشيق في كتاب العمدة في باب منافع الشعر ومضاره: ان ابا الطيب لما فر حين راى الغلبة قال له غلامه: لا تتحدث الناس عنك بالفرار وانت القائل شعراً:


الخيل والليل والبيداء تعرفني***والسيف والرمح والقرطاس والقلم

 


فكر راجعاً حتى قتل وكان سبب قتله هذا البيت.

 (وفي) سنة 338 توفي المستكفي بالله عبدالله بن المكتفي بالله علي بن المعتضد بالله احمد. وفيها توفي عماد الدولة علي بن بويه بضم الموحدة وفتح الواو وسكون المثناة من اسفل والهاء كان ابوه صياد السمك وكانوا ثلاثة اخوة عماد الدولة وركن الدولة ومعز الدولة والجميع ملكوا، وكان عماد الدولة وهو اكبرهم سبب سعادتهم وانتشار صيتهم واستولوا على البلاد وملكوا العراقين والأهواز وفارس وساسوا امور الرعية بأحسن سياسة، ثم ملك عضد الدولة ابن مالك الدولة اتسعت مملكته وزادت عماراً كما كانت لاسلافه. قيل ان عماد الدولة اتفقت له اسباب عجيبة كانت سببا لاثبات ملكه (منها) انه لما اجتمع اصحابه في اول مملكته وطالبوه بأموال ولم يكن عنده ما يرضيهم به فاغتم لذلك غماً شديداً فبينما هو يفكر وقد استلقى على قفاه في مجلسه اذ رأى حية خرجت من موضع اخر فخاف ان تسقط عليه فدعا الفراشين وامرهم باحضار سلم وان تخرج الحية فلما صعدوا وبحثوا عن الحية وجدوا ذلك الغار يفضي الى غرفة بين السقفين، فعرفوه بذلك فأمرهم بفتحها ففتحت فوجدوا فيها عدة صناديق  من المال قدر مسمائة الف دينار، فحمل المال بين يديه ففرقه وانفقه في رجاله وثبت امره بعد ان اشفا على الزوال (ومنها) انه قطع ثياباً وسأل عن خياط حاذق فوصف له خياط كان لصاحب البيت، فأمر باحضاره وكان اطرشا فوقع في نفس الخياط انه سعى به في وديعة كانت عنده لصاحب الدار فطلبه لهذا السبب، فلما احضر خاطبه فحلف انه ليس عنده الا اثنى عشر صندوقا لا يدري ما فيها، فتعجب عماد الدولة من جوابه ووجه معه من يحملها فوجد فيها أموالا وثيابا بأموال عظيمة، فكانت هذه بعض الأسباب المقررة لمملكته الدالة على سعادته.

 (وفي) سنة 349 وقعت وقعة عظيمة بين السنة والشيعة، وقرت الشيعة ببني هاشم ومعز الدولة بن بويه وعطلت الصلاة في الجامع، ثم رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من الهاشميين فسكنت الفتنة. وفيها كان اسلام الترك. قال ابن الجوزي: اسلم من الترك مأتا الف.

 (وفي) سنة 356 توفي معز الدولة احمد ابن بويه الديلمي وكان في صباه يحتطب وابوه يصيد السمك، فما زال يرتقي في امور الدنيا حتى تسلط على بغداد وملكها نيفا وعشرين سنة، وكان حازما عالما شيعى المذهب، وكان هو عم عضد الدولة وسيأتي ذكرهم انشاءاللّه تعالى. وفيها توفي صاحب كتاب الأغاني ابو الفرج الاصبهاني علي بن الحسين القرشي الأموي المرواني. قال بعض اصحاب الحديث من العجائب ان مروانيا شيعيا، وله تصانيف كثيرة منها كتاب الأغاني الذي وقع الاتفاق على انه لم يعمل مثله في بابه، قيل انه جمعه في خمسين سنة وحمله الى سيف الدولة بن حمدان فأعطاه الف دينار. وفيها توفي سيف الدولة الأمير الجليل علي بن عبدالله بن حمدان التغلبي الحزري صاحب الشام توفي بحلب وعمره بضع وخمسون سنة، وكان بطلا جواداً شجاعا شاعراً أديباً ممدوحا. قال الثعالبي في يتيمة الدهر: كانوا بنوحمدان ملوك وأوجههم للصباحة والسنهم للفصاحة وايديهم للسماحة وعقولهم للرجاحة، وسيف الدولة مشهور بسيادتهم فواسطة قلادتهم.

 (وفي) سنة 357 توفي ابو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان ابن عم سيف الدولة. قال الثعالبي فى وصفه: كان وحيد دهره وشمس عصره ادبا وكرما وفضلا ومجداً وبلاغة وفروسية، وشعره مشهور قد جمع الحسن والجودة والسهولة والجلالة، كان ابن عباد يقول: بديء الشعر بملك وختم بملك يعني امرىء القيس وابا فراس، وكان المتنبي يشهد له بالتقديم والتبريز ويتحامى جانبه.

 (وفي) سنة 360 توفي شاعر الأندلس محمد بن الحسن بن هاني الأندلسي وله مع المتنبي قصة عجيبة عند وصوله الى قابس لمدح صاحب الأمر فيها، قيل انه لما صار المتنبي بازاء قصر الأمير وهو في زي امير في الحشم والغلمان والخدم والخيل و الأتباع ففزع صاحب قابس من ذلك و سأل عنه، فقيل انه شاعر اتيي يمدحك فكره ذلك وقال: اي شيء يرضى صاحب هذه الهيئة ويسده من الجائزة؟ فقال: محمد بن الحسن بن هاني: انا ارده عنك، فقال: بأي شيء ترده؟ فقال: بوجه جميل، فقال: افعل، فأخذ ابن هاني شاة ردية ولبس ثياب بدوي وجعل يقود الشاة متوجها الى منزل المتنبي وهو في مخيم له، فلما قرب منه قال: طرقوا لي الى الأمير، فصاروا يضحكون عليه ويتعجبون منه، فلما وصل اليه وهو يقود الشاة في تلك الهيئة ضحك منه المتنبي ومن حوله وقال: ما هذه الشاة؟ قال ابن هاني: هذه جائزتي من عند الأمير، قال: جائزة؟ قال: نعم، قال: جائزة على ماذا؟ قال: على مدحي له، فتعجب من ذلك المتنبي وقال: عسى ان يكون جائزته على قدر مدحه فقال: اسمعني كيف قلت؟ فأنشد:


ضحك الزمان وكان قدماً عابسا***لما فتحت بحد عزمك قابسا

انكحتها عذراء وما امهرتها***الا قنا وصوارماً وفوارسا

من كان بالسمر العوالي خاطباً***جليت له بيض الحصون عرايسا

 


فتحير المتنبي عند سماع شعره وقال: انا ما اقدر اقول مثل هذا الذي اجازه عليه بهذه الشاة، ثم ارتحل المتنبي راحلا من حيث جاء راجعا.

 (وفي) سنة 372 توفي عضد الدولة ابن الملك ركن الدولة وهو اول من خوطب بشاه في الإسلام، واول من خطب له على المنابر ببغداد بعد الخليفة، وكان اديباً فاضلا يحب الفضلاء ويعرف فنوناً من العلم، وله صنف ابو علي الفارسي كتاب التكملة والإيضاح في النحو، وكان شيعيا مطاعا حازما ليس في زمانه مثله، وهو الذي اظهر قبر امير المؤمنين علي بن ابي طالب((عليه السلام)) وبنى مشهده ودفن فيه.

 (وفي) سنة 398 ثارت فتنة عظيمة بين السنة والشيعة في بغداد فقصد رجل سني الشيخ مفيد واسمعه ما يكره، فثار تلامذته واستفزوا الشيعة واتوا قاضي القضاة ابا محمد الأكفائي وابا حامد الاسفرائيني فسبوهما فثارت الفتنة ووقع القتال بين الشيعة والسنة، فبعث القادر خيلا لمعاونة السنة فانهزمت الشيعة واحرق بعض دورهم، وامر عيد الجيوش باخراج ابن المعلم الشيخ المفيد فاخرج وحبس جماعة من الشيعة.

 (وفي) سنة 403 تولى القاضي ابو بكر الباقلائي المتكلم الأشعري المالكي. قيل: كان يكتب في كل ليلة بعد ان يقضي ورده خمس وثلاثون ورقة تصنيفا من حفظه، واليه انتهت الرئاسة في هذا العلم. وفيها توفي قابوس بن ابي طاهر الحلي امير جرجان وبلاد الجبل وطبرستان ومن مشهور ما نسب اليه من الشعر قوله: