(حكم مسألة التقية)

 (فائدة) اعلم ان التقية جائزة وربما وجبت، والمراد بها اظهار موافقة اهل الخلاف فيما يدينون به خوفا، والأصل فيه قبل الاجماع ما اشتهر من اقوال اهل البيت((عليهم السلام)) وافعالهم. وقد قيل في قوله تعالى: (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) ان معناه اعلمكم بالتقية، وعن الصادق((عليه السلام)): «التقية دبنى ودبن آبائي» وناهيك بقول امير المؤمنين: «فأما السب فسبوني فان لي زكاة ولكم نجاة».

 اذا تقرر ذلك فاعلم انها قد تكون في العبادات وقد تكون في غيرها من المعاملات، وربما كان متعلقا مأذوناً فيه بخصوصه كنسل الرجلين في الوضوء والتكتف في الصلاة وقد لا يكون مأذونا فيه بخصوصه بل جواز التقية فيه مستفاد من العمومات السالفة ونحوها، فما ورد فيه نص بخصوصه اذا فعل على الوجه المأذون فيه كان صحيحاً مجزيا سواء كان للمكلف مندوحة عن فعله كذلك ام لم يكن التفاتاً الا ان الشارع اقام ذلك الفعل مقام المأمور به حين التقية فكان الاتيان به امتثالا فيقضي الاجزاء، وعلى هذا فلا يجب الإعادة ولو تمكن منها على غير وجه التقية قبل خروج الوقت. ولا اعلم في ذلك خلافا بين الأصحاب.

 وما لم يرد فيه نص بخصوصه كفعل الصلاة الى غير القبلة والوضوء بالنبيذ ومع الاحلال بالموالاة بحيث يجف البلل كما يراه بعض العامة ونكاح الحليلة مع تخلل الفاصل بين الايجاب والقبول، فان المكلف يجب عليه اذا اقتضت الضرورة موافقة اهل الخلاف فيه اظهار الموافقة لهم بحيث لو امكنه ان يأتي بالواجب عند اهل الحق مع اظهار الموافقة وجب كما في المقارنة بالنية لأول الحجر في الطواف مع محاذاة اول جزء من مقاديم بدنه، ومع التعذر فان كان له مندوحة عن ذلك الفعل لم يجب الاتيان به والا اتى به مجزيا، ثم ان امكن الإعادة في الوقت بعد الإتيان به لوفق التقية وجبت ولو خرج الوقت نظر في دليل يدل على وجوب القضاء فان حصل الظفر به اوجبناه والا فلا لأن القضاء انما يجب بأمر جديد في هذه العبادات، واما في المعاملات فلا يحل له باطناً وطي المنكوحة للتقية على خلاف مذهب اهل الحق ولا التصرف في المال المأخوذ من المضمون عنه لو اقتضت التقية اخذه ولا تزوج الخامسة لو طلق الرابعة على مقتضى مذهب اهل الخلاف دون المذهب الحق. ومعيار الباب وجود نص مخصوصه في فعل مخصوص فحيث وجد ثبت الحكم الأول وحيث انتفي انتفى.

 وربما قيل بعدم الفرق بين المقامين في كون المأتي به شرعا مجزيا على كل تقدير وهو مردود: وذلك ان الشارع كلف بالعبادة على وجه مخصوص ورتب الأثر في المعاملة بوقوعها على وجه مخصوص فلا يثبت الاجزاء والصحة بمعنى ترتب الأثر من دونهما وهو ظاهر، والإذن في التقية من جهة الاطلاق لا يقتضي ازيد من اظهار الموافقة، اما كون المأتى به هو المكلف به أو المعاملة المعتبرة عند اهل البيت((عليهم السلام))فأمر زائد على ذلك لا يدل عليه الاذن من جهة الاطلاق باحدى الدلالات.

 ثم نقول: يلزم القائل بعدم الفرق بين المقامين صحة الصلاة الى غير القبلة سواء كان الى محض اليمين والشمال او الى دبر القبلة للتقية، وفي جلد الكلب فكذلك، ومع الاخلال بالموالاة كما سبق، وجوازه في الحلية بنكاحهم، وتزويج الخامسة بايقاع الطلاق عندهم لضرورة التقية، واخذ المال من المضمون عنه لأجلها والتصرف فيه. ويلزمه ايضاً عدم وجوب الاعادة وان بقي الوقت في العبادة لكن المأتي به عنده شرعياً مجزيا. ويلزم ايضاً عدم اشتراط المندوحة في المقام الثاني كالأول وجميع اللوازم باطلة. وقد نازع في الستر بجلد الكلب وادعى ان المكلف إذا لم يتمكن من نزعه لأجل التقية وضاق الوقت ويصلي فيه تكون الصلاة صحيحة مجزية، واحتج عليه مع التقية بأن الستر ليس شرطا في الصلاة بالاجماع للأمر الدال على الوجوب في قوله تعالى: (خذوا زينتكم) وغيره مما هو كثير. وقد جوز الشارع الصلاة بغير ساتر وفي الثوب المتنجس وفي الحرير للرجل في مواضع مخصوصة فلذلك لم يكن الستر شرطا مطلقا.

 نعم لا يجوز تعدي هذه المواضع ونحوها مما هو مستفاد من النصوص، لأن العالم اذا خص كان حجة فيما بقي وكذا المطلق اذا قيد. واما دعوى الاجماع فيتوقف على اثباته باستقراء فتاوي الفقهاء في هذه المسألة وكونها على وفق ما يدعيه، واني لذلك.

 وربما يقال: انه يحتج بعبارة شيخنا في المقدمة المشهورة في الصلاة المعروفة بالألفية، وهي كذا باقي الشروط فيصح القضاء من فاقدها لا فاقد الطهارة. وجوابه ان هذه العبارة لو كانت حجة يعول عليها لم تدل على مطلوبه، لأن جلد الكلب من موانع الصلاة والعبادة انما تدل على الجواز من دون الشرط، ولا دلالة لها على حكم المانع بوجه من الوجوه. وقد ورد في مرسل ابن ابي عمير عن الصادق((عليه السلام)): «لا تصل في شيء من جلد الميتة ولا شسع» وقد تقرر في الأصول ان النهي في العبادة يدل على الفساد، وهو دال على المراد في محل النزاع لمن كان له ملاحظة الإنصاف. وهذه القائدة وجدتها منسوبة لشيخنا المحقق الثاني الشيخ علي بن عبدالعالي(قدس سره).

 (قيل) اصابع الشيطان. كان يقال لمن ولاه السلطان «اصبعة الشيطان».

قال الشاعر:


قد كنت اكرم صاحب وابره***حتى دهتك اصابع الشيطان

جز الاله بنابها وابانها***كم غيرت خلقا من الإنسان

 


(كتاب نهج البلاغة) ما مزح امرء مزحة الا مج من عقله مجة. زهدك في راغب فيك نقصان حظ ورغبتك في زاهد فيك ذل نفس. ما لابن آدم والفخر اوله نطفة وآخره جيفة لا برزق نفسه ولا يدفع حتفه الغنى والفقر بعد العرض على الله تعالى.

 

(فائة غريبة في لفظة عاد)

 

 (فائدة غريبة) لم اجدها في كلام احد من النحويين واللغويين. قال الشيخ برهان الدين ابراهيم بن علي بن عجيل في كتابه المسمى بامذاكرة: اعلم ان لفظة (عاد) لها ستة امكنة تكون اسماً وتكون فعلا تاماً وتكون فعلا ناقصاً وتكون بمعنى ان وتكون بمعنى هل وتكون جواب الجملة المتضمنة معنى النفي مبنية على الكسر متصلة بالمضمرات: (الأول) تكون اسماً متمكنا جاريا بتصاريف الاعراب كما قال الله تعالى: (وعاداً وثمود) فنصبه باضمار اذكر. (الثاني) ان تكون فعلا تاماً بمعنى رجع او زار يقول: «عاد يعود» اي رجع يرجع او زار يزور. (الثالث) ان تكون فعلا ناقصا مفتقراً الى الخبر بمنزلة كان بشرط ان يتقدمها حرف عطف، وعليه قول حسان:


ولقد صبوت بها وعاد شبابها***غضا وعاد مزارها مستطرفا

 


اي وكان شبابها غضا وكان مزارها مستطرفا. (الرابع) ان يكون حرفا عطفا عاملا نصباً بمنزلة ان مبنياً على اصل الحرفية محركا لالتقاء الساكنين مكسوراً على الأصل فيهما بشرط ان يتقدمها جملة فعلية وحرف عطف كقولك: «رقدت وعاد اباك ساهراً» اي وان اباك، ومنه مشطور حسان انشد مشفوعاً بشطر قبله:


علقتها وعاد قلبي هله***وعاد ايام الصبامستقبله

 


وقال آخر:


ان تعاد زيداً فعاد عمراً***وعاد عمراً بعده وعمراً

 


اي فان عمراً موجود. (الخامس) ان يكون حرف استفهام بمنزلة هل مبني على الكسر للعلة المذكورة ايضاً مفتقراً الى الجواب كقولك: «عاد ابوك مقيم؟» مثل هل ابوك مقيم. (السادس) ان يكون جوابا بمعنى الجملة المتضمنة معنى النفي بلم او بما فقط مبنية على الكسر ايضاً، وهذا اذا اتصلت بالمضمرات يقول المستفهم: «هل صليت؟» فيقول: «عادني» أي انني لم اصل او انني ما صليت. وبعض الحجازيين يحذف نون الوقاية فيقول: «عادي» واللغتان فصيحتان اذا كان عادي هاهنا بمعنى ان، ولا يمتنع ان يكون اني وانني. هذا اذا اتصلت عاد بياء النفس خاصة وان اتصلت بغيرها من المضمرات كقول المجيب لمن سألك عن شيء عاده او عادنا، وكذا باقي المضمرات فاثبات نون الوقاية ممتنع تشبيها بأن. (فصل) وربما فاه المستفهم عاد: خرج زيد، فيقول مجيبا له عاد اي انه لم يخرج او انه ما خرج. نقلته من خط الشيخ العوفي الحنبلي مفتي الحنابلة بمكة المشرفة ـ انتهى ما نقلناه من الكتاب المشار اليه، والحمد لله حق حمده وصلى الله على خير خلقه محمد وآله.

 

(كلمة عبد لها عشرون جمعا)

 قال الجلال السيوطي في خطبة شرح عقود الجمان في المعاني والبيان: وعبد في الأصل وصف غلبت عليه الاسمية،وله عشرون جمعاً نظم ابن مالك منها احدى عشر في بيتين واستدركت عليه الباقي في آخرين، فقال ابن مالك:


عباد عبيد جمع عبد واعبد***وعابد معبود معبدة عبد

كذلك عبدان وعبدان اثبتا كذلك***العبد وامدد ان شئت ان تمد

 


وقلت:


وقد زيد اعباد عبودة عبدة***وخفف بفتح مع عبدان ان تشد

واعبدة عبدون ثمة بعدها***عبدون معبودا بقصر فجد تسد


 

(كلام على كلمة راق)

 (فائدة) راق الشيء يروق اذا أعجب، وراق السراب يريق اذا لمع فوق الأرض، وقد جمع بينهما ابو عبدالله في قوله:


ويروقني موعد هذا الرشا***وانه مثل سراب يريق

خداه نعمان ومن بارق***مبسمه والشفتان العقيق

 


ولقد احسن الإمام ابو عبدالله بن شرف القيروان حيث قال:


له عرف وليس لديه عرف***كبارقة تروق ولا تريق

 


(فائدة) الصقعاء الشمس، قالت ابنة ابي الأسود لأبيها في يوم شديد الحر: يا ابتي ما اشد الحر؟ قال: اذا أكلت الصقعاء من فوقك والرمضاء من تحتك فقلت اردت ان الحر لشديد فقال: قولي: ما اشد الحر؟ فحينئذ وضع باب التعجب.

 (فائدة) مما ادخلت فيه الهاء وهو صفة للمذكر قولهم: رجل راوية، كثير الرواية، والعلامة اكثر علما من العالم، والفقاقة الأحمق، ويقال فقاقة ايضاً ففقاقة، والبقباقة الكثير الفضول، والخجابة بالتخفيف الكبير السن، والهبلاجة الكسلان.

 (وروي) انه سئل ابو القبعثر الأعرابي فقال: الهبلاجة الأحمق المايق الكسلان الذي لا يقوم عمله بضرسه.

 (فائدة) اهل البصرة يقولون: قلوت في كل شيء يقلا وقليت في البغض، واهل الكوفة يقولون: قليت الشريق وهو مقلا وقلوت البسر فهو مقلو ـ كذا نقله في فصيح ثعلب.

 (فائدة) ذكر يعقوب بن اسحاق في رسالة مقصورة على اوقات الدعاء: ان القمر وعطارد اذا قارنا كف الخضيب كان وقتاً للدعاء بالغناء والشجاعة ويستجاب له في وسط عمره، وان قارنه زحل مسعوداً أسعد الداعي من وسط عمره الى آخره، وان كان منحوساً افتقر وضعف، وذلك ان من الأدعية ما ينعكس على داعيه فيصير الى ضد ما يرتجيه، كما يحكى ان اهل طبرستان اجدبوا ايام الحسن بن زائد العلوي فخرجوا يستسقون فما فرغوا من دعائهم الا والحريق مضطرم في اطراف البلد حتى قال ابو الغمر:


خرجوا يسألون صوب غمام***فأجيبوا بصيب من حريق

جاءهم ضد ما تمنوه***اذ جاءت قلوب محشوة بفسوق

 


قال يعقوب: ان قارن كف الخضيب المشتري نظر الداعي على ظالمه، وان قارنته الزهرة اجيبت دعوته في المال وقل عمره، وان قارنه المريخ كان الداعي وقت دعائه ظالما على من يدعو عليه وحرم الاجابة. قال السيد علي المشهور بالصدر الشيرازي: وهذا لا استبعاد فيه فقد ذهب طائفة كثيرون من الأوائل والأخر الى انه اذا استعين في الأدعية بأشكال من الكواكب في اوقات مسعودة كانت مرجوة، وكما يستعان فيها بتجريد الفكر وتصحيح النية والبروز في الجماعات الى الصحراء وغير ذلك. والله اعلم. وللّه درالقائل:


اتلعب بالدعاء وتزدريه***فسوف يبين ما صنع الدعاء

سهام الليل لا تخطىء ولكن***لها امد وللأمد انقضاء


 

(وليمتان في الاسلام لم يكن اكبر منهما)

 ذكر صاحب تحفة العروس قال: اخبرنا ابو ياسر البغدادي قال: وليمتان في الإسلام لم يكن مثلهما ولا يكون ابداً (الأولى) وليمة الرشيد عند دخوله بزبيدة بنت جعفر بن ابي جعفر المنصور، كانت أواني الذهب تملأ من الفضة واوانى الفضة تملأ من الذهب وتدفع الى وجوه الناس. ويقال: ان العود الهندي انما فضل على العود القماري في هذه الوليمة لأنهما امتحنا فوجد الهندي اطيب وابقى في الثوب.

 (قال ابو ياسر) كانت النفقة في هذه الوليمة من بيت خاصة المهدي سوى ما انفقه الرشيد خمسين الف الف دينار.

 (والثانية) وليمة المأمون على بوران بنت الحسن بن سهل. قال ابو الفرج: لما خطبها المأمون استعد لها استعداداً يجل عن الوصف، وخرج المأمون الى فم الصلح وهي بلدة في سنة عشرة ومائتين فأملك بها، وفعل الحسن في هذه الوليمة ما لم يفعله ملك في الجاهلية ولا في الاسلام، نثر على الهاشمين والقواد والكتاب بنادق مسك فيها رقاع باسماء ضياع واسماء جواري وتعيبن صلاة وغير ذلك من كل شيء نفيس، فكان اذا وقع شيء من ذلك في يد من نثر عليه فتحه وتوجه فاستوفى وقبض ما فيه، ثم نثر بعد ذلك على عامة الناس الدنانير والدراهم ونوافج المسك وقطع العنبر، واقام الوظائف والنفقات لجميع ما اشتمل عليه عسكر المأمون لكل رجل على قدره. ويقال: ان العسكر اشتمل على ستة وثلاثين الف ملاح.

 (قال ابو الفرج) لما جليت بوران فرش لها حصير من ذهب وجيء باناء مملوء درا فنثر على الحصير، وكان فيمن حضر من النساء زبيدة بنت جعفر وحمدونة بنت الرشيد وغيرهما من بنات الخلفاء فلم تلتقط واحدة منهن شيئا من الدر، فقال المأمون: اكرمنها بالتقاطكن لها، فمدت كل واحدة يدها واخذت واحدة وبقي الدر على حصير الذهب، فقال المأمون: قاتل الله الحسن بن هاني كأنه كان حاضراً حيث قال في صفة الخمر:


قامت تريني وامر الليل مجتمع***صبحا تولد بين الماء والعنب

كأن صغرى وكبرى من فواقعها***حصباء در على ارض من الذهب

 


(قال) وقد تلك الليلة شمعة عنبر وزنها ثلاثون رطلا فأنكر المأمون ذلك وقال: هذا سرف، فأمر زبيدة برفعها وقالت: هاتوا الشمع المستعمل (قال) وسأل المأمون زبيدة عما انفقه الحسن فقالت: ما بين خمسة وثلاثين الف الف الى سبعة وثلاثنى الف الف، فبلغ ذلك الحسن فقال: او كانت النفقة على يدها و اللّه لقد حصرتها فكانت ثمانين الف الف، واقامت البغال وعدتها اربعة آلاف تنقل الحطب قبل الوليمة اربعة اشهر وفي اثناء الوليمة احوجهم الحطب فكانوا يوقدون الكتان عوضاً عن الحطب.

 (قال الطبري) ودخلوا الليلة الثالثة من وصوله الى فم الصلح، فلما جلس معها نثرت عليها جدتها الف درة، فأمر المأمون بجمع الدر وقال: كم هو؟ فقالت: الف حبة، فأخذه ووضعه في حجرها وقال: هذا نحلتك وسلي حوائجك، فقالت لها جدتها: كلمك صاحبك فكلميه فقد اذن لك، فسألته الرضا عن ابراهيم بن المهدي لأدبه، فقال: قد فعلت.

 ويقال: انه لما ادخلت عليه واراد غشيانها حاضت فقالت: (اتي امر الله فلا تستعجلوه) فنام في فراش آخر، فلما قعد للناس من الغد دخل عليه يوسف بن احمد الكاتب وقال: يا امير المؤمنين هناك الله بما اخذت من الأمر باليمن والبركة وشدة الحركة والظفر في المعركة، فأنشده المأمون:


فارس ماض بحربته***طاعن بالرمح في الظلم

رام ان يرمي فريسته***فاستجارت من دم بدم

 


واكثرت الشعراء في هذه الأملاك واستطرف منها قول ابي حازم الباهلي:


بارك الله للحسن ولبوران في الختن***يا بن هارون قد ظفرت ولكن ببنت من

 


فلما نمي الى المأمون قال: و اللّه ما تدري اخيراً اراد ام شراً.

 وكان اسحاق يقول ما رأيت في الملوك مثل المأمون ولا شاهدت امرأة تقارب بوران فهما وعقلا وادبا وفضلا، وما اظن احداً وقف على شيء من العلوم على ما وقفت عليه. ولم تزل في صحبة المأمون الى ان توفى عنها سنة ثمان عشرة ومائتين وعاشت بعده الى سنة احدى وسبعين ومائتين وعمرها ثمانون سنة

 (وحكى) ان المأمون خلا بها يوما فقال لها: غني، فغنت شعراً:


جعلتك مشتكى حزني***ومعتصري على الزمن

وجدتك خائنا غدراً***فيا اسفي على بدني

 


تريد ما كان من غدر المأمون بعمها الفضل، فقال المأمون: لقد كنت عن هذا غنياً لولا شقائي.

 

(سبب تزويج بوران بالمأمون)

 وما نقل في سبب تزويجه بوران واسمها خديجة وكانت من اهل الأدب. نقل اهل التواريخ والسير ان ابراهيم بن اسحاق الموصلي قال: قال لي المأمون يوما: هذا يوم سرور، ثم قال الغلمان: خذوا علينا الباب واحضروا الشراب، فبقينا بقية يومنا في انس وشرب، فلما كان الليل قال لي: يا ابا اسحاق اني اريد الصبوح فكن مكانك حتى ادخل الحرم واخرج اليك. فلما استطبت الخروج قلت: اشتغل عني وغلب عليه النبيذ ونسيني وكانت عندي صبية بكر كنت اشتريتها فتطلعت لها نفسي فنهضت، فقال لي العبيد: قد انصرف عبدك بدابتك، فتمشيت على رجلي فلما صرت في بعض الطريق احسست بالبول فعدلت عن الطريق فلما صرت الى الجدار قضيت حاجتي واردت ان اتمسح ببعض الحيطان فاذا بشيء معلق من حائط، واذا بزنبيل كبير معلق قد لبس بالديباج فيه اربعة احبل ابريسم فقلت: ان له امراً فتجاسرت ودخلت فيه، فلما احس بثقلي جذب واذا بأربع جوار يقلن بالرحب والسعة صديق ام جديد؟ فقلت: بل جديد، فسارت احداهن بين يدي حتى ادخلتني الى مجلس لم ار مثله قط فجلست في ادنى مجالسه واذا بوظائف في ايديهن الشمع والمجامر يسجر فيها العود وبينهن جارية كالبدر الطالع ذات ذل وشكل، فنهضت عند دخولها فقالت: مرحبا بالضيف، ثم رفعتني وسألتني عن دخولي؟ فقلت: عن غير قصد، فقالت: ما السبب؟ فقلت: انصرفت من عند بعض الأخوان فلما رأيت ذلك الزنبيل حملني النبيذ على الدخول فيه، قالت: فما صناعتك؟ قلت: بزاز، قالت: ما مولدك؟ قلت: بغداد، قالت: ومن اي


الناس انت؟ قلت: من اوساطهم، قالت: حياك الله هل رويت من الأشعار؟ قلت: شيء ضعيف، قالت: فذاكرني، قلت: ان للداخل دهشة ولكن ابدئيني فالشيء بالمذاكرة، قالت: فهل تحفظ قصيدة فلان الذي يقول فيها كذا وكذا؟ ثم اسندتني الى جماعة من القدماء والمحدثين فلم ادر من اي احوالها اعجب من حسنها او من حسن انشادها او حسن ادبها او ظبطها للغريب من النحو واللغة، ثم قالت: قد ذهب عنك بعض الحصر؟ قلت: اجل لقد كان ذلك، قالت: فانشدني، قال: فانشدتها فجعلت تسألني عن اشياء تمر بي فى الشعر كالمختبر ثم قالت: والله ما نظرت فيك ولا توهمت في ابناء التجار مثلك، قالت: كيف معرفتك بالأخبار وايام الناس؟ قلت: نظرت في شيء من ذلك، ثم امرت بالطعام فلما اكلنا واحضرت النبيذ فشربت قدحا وقالت: هذا أوان المذاكرة، فاندفعت وقلت: بلغني كذا وكذا وكان رجل من قصته كذا وكذا، فقالت: ليس هذه الأحاديث من التجار وانما هي من احاديث الملوك، قلت: انه كان لنا جار ينا دم بعض الملوك فكنت ادعوه بعض الأوقات الى منزلي وكلما تسمعين فمن عنده اخذت، فقالت: يمكن هذا، فقالت: لوكان عندك شيء واحد لكنت عاملا تحرك بعض الملاهي او تترنم، قلت: لا احسن من هذا شيئا على انني مولع بسماعه، قالت: يا جارية اتيني بعود فأحضرت عوداً فضربت واحسنت وغنت غناء بديعا ثم قالت: هذا الغناء لاسحاق، وقد كنت كتمت نفسي لها فلم تزل على ذلك حتى اذا كان عند الفجر قالت: المجالس بالامانات، ثم انصرفت واخرجت من باب صغير فانتهيت الى داري. فأرسل المأمون الي فمشيت اليه وبقيت عنده الى وقت البارحة ودخل المأمون الى حرمه وقال لي: لا تبرح فخرجت الى ذلك المكان فدخلت في الزنبيل فقالت: ضيفنا؟ قلت: نعم وما اظن قد ثقلت قالت: مادح نفسه تقريك السلام، فقلت: هفوة فمني بالصفح، قالت: فعلنا ولا تعد، فلما كان عند الصباح صنعت صنيعها البارحة وخرجت الى داري. فلما كان الليلة الثالثة رجعت على عادتي فوضعت نفسي في الزنبيل ووصلت اليها قالت: نعم اي والله، قالت: جعلتها دار تمام، قلت: الضيافة ثلاثة ايام فان رجعت فانت في حل من دمي، فلما قرب من ذلك الوقت تفكرت في امر المأمون وعلمت انه لا يخلصني منه الا ان اخبره الخبر وعلمت انه من شغفه بالنساء سيطالبني بالمشي اليها، فقلت لها: جعلت فداك اتأذنين لي في ذكر شيء حضر؟ قالت: قد اذنت لك، قلت: اراك ممن تحب الغناء وتعجب بالآلات ولي ابن عم هو من اهل الحسن والأدب وبالغناء هو اعرف خلق الله تعالى سيما بغناء اسحاق الذي اسمعك تثنين عليه وكانت


اذا غنت تقول: هذا لاسحاق؟ قالت: طفبلي وتقترح! قلت: انما ذكرت لك وانت المحكمة، قالت: فان كان كما ذكرت فما انكره، قلت: فالليلة؟ قالت: نعم. ثم انصرفت على عادتها وانصرفت على عادتي فما وصلت داري حتى اتاني رسول المأمون فمشيت اليه فاذا هو على حنق فقال: يا ابا اسحاق امرك بشيء لا تقف عنده، وكان يدخل حرمه ويأمرني بانتظاره فاتذكر مجالسة تلك الجارية فأنسى عقوبته. قلت: لي قصة احتاج فيها الى خلوة فأومى الى من كان واقفا فتخى قلت: كان من خبري كيت وكيت، فلما فرغت من كلامي قال: اتدري ما تقول؟ قلت: نعم، قال: كيف لي بمشاهدة ذلك الموضع؟ قلت: قد علمت انك تطالبني بهذا وقد قلت لي ابن عم من صفته وحديثه كيت وكيت ثم جلسنا على عادتنا نشرب وهو يسليني عن حديثها حتى جاء الليل فسرنا جميعاً الى الموضع وقلت له: دعني من نخوة الملوك والخلافة وكن كأنك تبعالى قال: نعم، فلما وصلنا ذلك الموضع الفينا زنبيلين فدخل في واحد ودخلت في الآخر فلما صرنا في البيت جلست انا في صدره وجلس هو تحتي فلما اتت قال: حيااز اضيافنا بالسلام، ثم رفعت مجلسه وقالت: هذا ضيف وانت من اهل البيت ولكل جديد لذة، وقعد المأمون في صدر المجلس واقبلت عليه تحدثه وهو يأخذ معها في كل فن فيسكتها ويفحمها، فالتفتت الي وقالت: وفيت بوعدك، ثم احضرت النبيذ وجعلنا نشرب وهي مقبلة علينا ثم قالت: وابن عمك هذا من اولاد التجار ايضا؟ قلت: نعم، قالت: انكما لغريبان من اولاد التجار ثم حديثكما وادبكما لمن احاديث الملوك وليس للتجار هذه المنزلة في الأحاديث والأدب ثم قالت لي: وعدك؟ قلت: انه ليجيب ولكن متى يسمع شيئا، قالت: وذاك، ثم اخذت العود وغنت فشربنا عليه رطلا ثم ثانيا ثم ثالثا وفي كل ذلك تشرب فلما شرب المأمون ثلاثة ارطال ارتاح وطرب فكان الصوت الثالث مما يقترحه على المأمون ابداً، فلما سمعه وقد دخله السكر نظر الي نظر الأسد الى الفريسة وقال: يا ابا اسحاق هذا الصوت فلما رأتني قد اخذت في العود ووقفت بين يديه اغنيه علمت اني ابو اسحاق وانه المأمون فنهضت وقال لها: هاهنا، واومى الى كلة مضروبة فدخلتها فلما فرغت من ذلك الصوت قال: يا ابا اسحاق انظر من صاحب هذه الدار؟ فقلت لتلك العجوز: من صاحب هذا المنزل؟ قالت: الحسن بن سهل، قلت: ومن هذه؟ قالت: ابنته بوران، فرجعت فأعلمته فقال: علي به الساعة، فأحضرته فوقف بين يديه فقال: لك بنت؟ قال: نعم يا امير المؤمنين ، قال: زوجنيها، قال: هي امتك وامرها اليك قال: فاني اتزوجها على ثلاثين الفا نحملها اليك صبيحة غد فاذا نفذ اليك المال فاحملها الينا، قال: نعم يا امير المؤمنين، ثم نهض ففتح الباب فخرجنا فلما صرنا الى الدار قال: يا ابا اسحاق لا تقص على احد ما وقفت عليه فان المجالس بالأمانات، فقلت: يا امير المؤمنين مثلي ما يحتاج الى وصية بهذا، قال: فلما اصبحنا امر بحمل المال اليه ونقلت اليه من يومها.

 قال ابو اسحاق: فما فهت بالخبر الا بعد وفاة المأمون وذلك انه لما اراد ان يعرس بها امر ان تخرج الفساطيط والاخبية وتضرب على ضفة دجلة في موضع منخفض وخرج وجوه الناس لذلك العرس وعامة الناس للتنزه، وكانت النفقة من عند الحسن ابن سهل على كل من كان حضر ذلك العرس فيقال له: انه كان الانفاق فيها على جميع الناس وكان عدد الملاحين منهم خاصة سوى الزواريق والزلاليات وما يشاكلها الذين كانوا حملوا الناس في مراكبهم الى ذلك الموضع تنيف على عشرة آلاف ملاح سوى سواد الناس، ويذكر انه لما بسطت القبة التي دخل فيها المأمون على بوران فخير الناس الحسن بن سهل الخاصة ممن حضر ذلك العرس بين مائة دينار وحلة او قبضة من ارض تلك القبة فيقال ان القابض بكفيه في ارض تلك القبة كان ارجح ممن اخذ مائة دينار وحلة فانه ربما يخرج في قبضته حجر ياقوت او حجر زمرد او درة نفيسة تساوي اضعاف ذلك العدد، وهو اول من تسمى بالمأمون وتسمى به بعد ذلك ولد المعتمد بن عباد وسمي يحير بن ذي النون صاحب طليطلة.

 

(منتخب من كتاب المزهر)

 من كتاب المزهر في علم اللغة لجلال الدين السيوطي.

 (الفصل الأول في الملاحن) وقد الف في ذلك ابن دريد تأليفا لطيفا، وقد كانت العرب تتعمد ذلك وتقصده اذا أرادت التورية.

 قال الغالي في اماليه: قرأت على ابي عمر المطرز قال: حدثنا احمد بن يحيى ان ابن الأعرابي قال: اسر طي رجلا شابا من العرب فقدم ابوه وعمه ليفدياه فاشترطوا عليهما في الغداة فاعطيا عطية لم يرضوها، فقال ابوه: لا والذي جعل الفرقدان يمسيان ويصبحان على جبل طي لأزيدكم على ما اعطيتكم ثم انصرفا، فقال الاب للعم: لقد القيت الى ابني كلمة لئن كان فيه خير لينجون، فما لبث ان نجا فاطرد قطعة من ابلهم، فكان اباه قال له: الزم الفرقدين على جبل طي فانهما طالعان عليه وهما لا يغيبان عنه.

 قال ابن دريد في كتاب الملاحن : وسميناه الملاحن واشتققنا هذا الإسم من اللغة العربية الفصيحة التي لا يشوبها اللكدة ولا يستولي عليها التكلف لأن اللحن عند العرب الفطنة، ومنه قول النبي((صلى الله عليه وآله)): «لعل احدكم ألحن بحجته» اي افطن لها واعرض عليها، وذلك ان اللحن ان تريد شيئا فتوري عنه بقول آخر، كقول العنبرى اسيرا كان في بكر بن وائل حين سألهم رسولا الى قومه فقالوا: لا ترسل الا بحضرتنا، لأنهم كانوا ازمعوا غزو قومه فخافوا ان ينذرهم، فجيىء بعبد أسود فقال: ابلغ قومي التحية وقل لهم ليكرموا فلانا ـ يعني اسيرا كان في ايديهم من بكر ـ فان قومهم لي مكرمون وقل لهم: ان العرفج قد ادبى وقد شكت النساء وامرهم ان يعروا ناقتي الحمراء فقد اطالوا ركوبها وان يركبوا جملي الأصهب بآية ما اكلت معكم حيسا واسألوا الحارث عن خبري، فلما ادى العبد الرسالة قالوا: لقد جن العنبري وانهد ما نعرف له ناقة حمراء ولا جملا اصهب، ثم سرحوا العبد ودعوا الحارث فقصوا عليه القصة فقال: لقد انذركم، اما قوله ادبى العرفج يريد ان الرجال قد استلاموا ولبسوا السلاح، وقوله شكت النساء اي اتخذت الشكا للسفر، وقوله الناقة الحمراء اي ارتحلوا عن الدهناء واركبوا الصماء وهو الجمل الأصهب، وقوله اكلت معكم حيسا يريد ان اخلاط من الناس قد غرونا لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط، فامتثلوا ما قال وعرفوا لحن كلامه.

 واخذ هذا المعنى ايضاً رجل كان اسيرا في بني تميم فكتب الى قومه شعراً:


حلوا عن الناقة الحمراء رحلكم***والبازل الأصهب المعقول فاصطنعوا

ان الذباب قد اخضرت براثنها***والناس كلهم بكراً اذا اشيعوا

 


يريد الناس اذا اخصبوا أعدائكم كبكر بن وائل.

 وقال ابو عبيدة في كتاب أيام العرب: اخبرنا فراس بن خندف قال: جمعت اللهازم لتغير على بني تميم وهم غارون، فرأى ذلك ناشب الأعور بن بشامة العنبري وهو اسير في بني سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة فقال لهم: اعطوني رسولا ارسل الى اهلي اوصيهم في بعض حاجتي، وكانوا اشتروه من بني ابي ربيعة فقالت بنو اسعد: ترسله ونحن حضور ذلك، فخافه ان ينذر قومه، قال: نعم فأرسلوا له غلاماً مولداً لعمر لما اتوه به اتيتموني بأحمق فقال الغلام: والله لا انا بأحمق، فقال الأعور: اني اراك مجنونا قال: ما انا بمجنون، قال: فالنيران اكثر ام الكواكب؟ قال: الكواكب وكل كثير. وقال آخر: انه قال له: و اللّه ما انا بأحمق، فقال الاعور: انك لعيني احمق وما اراك مبلغاً عني؟ قال: بل لعمري لأبلغن عنك فملأ الأمور كفه من الرمل فقال: كم في كفي؟ قال: لا ادري وانه لكثير ما احصيه، فأومى الى الشمس بيديه فقال: ما تلك؟ قال: الشمس، قال: ما اراك الا عاقلا شريفا اذهب الى اهلي فأبلغهم عني التحية وقل لهم ليحسنوا الى اسيرهم ويكرموه فإني عند قوم محسنين الي مكرمين الي وقل لهم: فليعروا جملي الأحمر ويركبوا ناقتي العيسا وليرعوا حاجتي في بني مالك واخبرهم ان العوسج قد اورق وان النساء قد اشتكت وليعصوا همام بن بشامة فانه مشوم محدود وليطيعوا هذيل بن الأخنس فانه حازم ميمون، فقال له بنوقيس: ومن بنو مالك؟ قال: بنو اخي وكره ان يعلم القوم. وزعم سليمان بن مزاحم انه قال: واذا اتيت ام قدامة فقل لها: انكم قد اسأتم الى جملي الأحمر وانهكتموه ركوبا فاعفوه وعليكم ناقتي الصهباء فافتقدوها، فما اتاهم الرسول فأبلغهم لم يدر عمر بن تميم ما الذي ارسل به الأعور وقالوا: ما نعرف هذا الكلام ولقد جن الأعور بعدنا، فقال هذيل للرسول: اقتص على اول القصة، فقص عليه اول ما كلمه به الأعور وما رجعه اليه حتى اتى على آخره. قال الهذيل: ابلغه التحية اذا أتيته فأخبره بما اوصى به، فنادى هذيل بلغته فقال: لقد بين لكم صاحبكم ان الرمل الذي جعل في يده فانه يخبركم انه اتاكم عدو لا يحصى، واما الشمس التي اومىء اليها يقول ذلك اوضح من الشمس، واما جمله الأحمر فهو الصماء، واما ناقته العيسا او قال الصهباء فهي الدهنا يأمركم ان تتحرزوا فيها، واما بنومالك يأمرهم ان تنذروهم وان تمسكوا بحلف ما بينكم وبينهم، واما ورق العوسج فان القوم قد اكتسوا سلاحا، واما اشتكاء النساء فانه يخبركم انه قد عملن لهن عجلا يقرون بها والعجل الروايا الصغار.

 (ذكر امثلة من ذلك) قال ابن دريد: والله ما سألت فلانا حاجة قط، والحاجة ضرب من الشجر له شوك، وما رأيته اي: ما ضربته، ولا كلته اي جرحته ولا اعلمته اي ما جعلته اي اعلم ما شققت شفته العليا ولا اخذت كلبا وهو المسمار في قائم السيف، ولا فهدا فهو المسمار في وسط الرجل، ولا جارية وهي السفينة، ولا شعيرة وهي رأس المسمار من الفضة، ولا صفراء وهو دبس الرطب، ولا كسرت له سنا وهو قطعة من العشب تتفرق في الأرض، ولا ضرسا وهو قطعة من المطر يقع متفرقة في الأرض، ولا خرجت له رحى وهو من الأضراس، ولا لبست له جبة وهي جبة السنان وهو الموضع الذي يدخل فيه رأس الرمح، ولا ظلمت فلاناً اي ما سقيته ظليما وهو اللبن قبل ان يروب، ولا اعرف لفلان ليلا ولا نهاراً فالليل ولد الكروان والنهار ولد الحبارى، ولا حماراً وهو احدى الحجرين الذي ينصب عليهما المعلا وهي صخرة رقيقة يجفف عليها الأقط، ولا اتانا وهي صخرة تكون بوسط الوادي تسمى اتان الصخل الماء، ولا جحشة وهي الصوف الملفوف كالحلقة يجعلها الرجل في ذراعه ثم يغزلها، ولا دجاجة وهي الكبة من الغزل، ولا قروحا وهي الدراعة، ولا بقرة وهي العيال الكثير، ولا ثوراً وهي القطعة الكبيرة من الأفط، ولا عنزاً وهي الاكمة السوداء، ولا سبيت لفلان اما وهي ام الدماغ، ولا جدا وهو الخط، ولا خالا وهو السحاب الخليق للمطر، ولا خالة وهي الاكمة الصغيرة، ولا ضربت له يداً وهي واحد الأيادي المصطنعة، ولا رجلا وهي القطعة العظيمة من الجراد، ولا اخبرته اي ما ذبحت له خيرة وهي شاة يشتريها قوم يقتسمونها بينهم، ولا جلست له على حصير وهي اللحمة المعترضة في جنب الفرس، ولا اخذت له قلوصا وهو فرخ الحبارى، ولا كرما وهو القلادة، ولا رأيت سعداً وهو نجم، ولا سعيداً وهو النهر يسقي الأرض منفرداً بها، ولا جعفراً وهو النهر الكبير، ولا ربيعا وهو خط الأرض من الماء في كل ربع ليلة او ربع يوم، ولا عمداً وهو واحد عمود الأسنان، ولا قطعنا ولا ابانا وهما جبلان معروفان، ولا أويسا ولا اويساوهما من اسماء الذئب، ولا حسنا وهو كثيب معروف، ولا سهلا وهو ضد الحزن، ولا سهيلا وهو نجم معروف، وما طويت لفلان ارضا وهي باطن حافر الفرس، ولا اخذت له جرابا وهو ما حول البير من باطنها، ولا بيضة وهي بيضة الحديد، ولا فرخا وهو فرخ الهامة وهو مستقر الدماغ، ولا عسلا وهو عدو من عدو الذئب، ولا خلا وهو الطريق في الرمل. وما عرفت له طريقا وهو النخل الذي ينال باليد، ولا احببت كذا من قولك احب البعير اذا برك فلم يسر، ولا اكريت اي تأخرت، ولا رأيت فلانا راكعاً ولا ساجداً فالراكع الهاثر الذي كبا لوجهه والساجد المدمن النظر في الأرض، وما عند فلان نبيذ وهو الصبي المنبوذ، ولا اتلفت لفلان ثمرة وهي طرف السوط، وما رويت هذا الحديث وما ذريته فرويت اي شددت بالرواء وهو الحبل وذريته اي خلته، ولا اخذت لفلان حرزاً وهو الوسط، ولا مسست له خداء وهو الأخدود في الأرض، ولا كسرت له ظفراً وهو ما تدار مقعد الوتر من القوس العربية، ولا كسرت ساقه وهو الذكر من الحمام، وما انا بصاحب مكر وهو ضرب من النبت، ولا اخذت لفلان قروة وهي جلدة الرأس، ولا كشفت لفلانة قناعا ولا عرفت لها وجها فالقناع والوجه القصد، ومالي مركوب وهو ثنية بالحجاز معروفة، ومالي في هذا الكتاب خط وهو سيف البحر، ومالي فرش وهو الصغار من الأبل، وما رأيت لفلان بطنا ولا فخذا وهما من العرب، ولا لعبت اي ما سال لعابي، وما جلست من قولهم جلس فلان اذا دخل المجلس وهو يحدو ما والاه، وما عرفت لفلانة بعلا وهو النخل يشرب ماء السماء، ولا زوجا وهي الغطة يطرح عليها الهودج، وما ابصرته اي لم اقشر بصره قشر اعلاه الجلد، وما لي جمل وهو سمك من سمك البحر، وما طرقت فلانا اي لم اضربه بمطرقة وما لي تبن وهو جبل معروف.

 (الفصل الثاني في الالغاز) وهي انواع: الالغاز قصدتها العرب وألغاز قصدتها ائمة اللغة، والأبيات لم تقصد العرب الالغاز بها وانما قالتها فصادف ان تكون الغازا، وهي نوعان: فانها تارة تقع الألغاز بها من حيث معانيها واكثر ابيات المعاني من هذا النوع وقد الف ابن قتيبة في هذا النوع مجلدا حسنا وكذلك الف غيره، وانما سموا هذا النوع ابيات المعاني لأنها تحتاج الى ان يسأل عن معانيها ولا تفهم من اول وهلة وتارة تقع الالغاز بها من حيث اللفظ والتركيب والاعراب ونحن ذاكرون من كل نوع من هذه الأربعة عدة امثلة على غير ترتيب. فمن الابيات التي قصد بها العرب الالغاز بها قال الغالي في اماليه انشدنا ابو بكر الانباري قال: انشدنا ابو العباس ثعلب:


ولقد رأيت مطية معكوسة***تمشي بكلكلها ويرخيها الصبا

ولقد رأيت سبيبة من ارضها***تسبي القلوب وما تنيب الى هوى

ولقد رأيت الخيل او اشباهها***تبني معطفة اذا ما تجتلى

ولقد رأيت جواريا من فازة***تجري بغير قوائم عند الجرا

ولقد رأيت عضيضة مركولة ***رود الشباب غريره عادت فتى

ولقد رأيت مكفراً ذا نعمة***جهدوه في الأعمال حتى قد ونى

 


قال ثعلب: اراد بالمطية السفينة، وبالسبيبة الخمر، وبالخيل تصاوير في وسائد، وبالجواري السراب، وبالمكفر السيف وقوله عادت فتى من العيادة.

وقال الغالي: حدثني ابوبكر بن دريد ان ابا حاتم انشدهم عن ابي زبد:


وزهرا ان كفنتها فهو عيشها***وان لم أكفنها فموت معجل

 


يعني النار، هي زهر اي بيضاء تزهر. يقول: ان قدحتها فخرجت فلم ادركها بحرقة او غير ذلك ماتت.

 وانشد الجوهري في الصحاح:


وما ذكر فان يكبر فأنثى***شديد اللزم ليس له ضروس

 


قال: هو القراد لأنه اذا كان صغيراً كان قراداً فاذا اكبر سمى حمله.

 وقال ابن درستويه في شرح الفصيح: انشد الخليل لأبي المقدام الخزاعي:


وعجوز اتت تبيع دجاجا***لم يفرخن قد رأيت عضالا

ثم عاد الدجاج من عجب الدهر***فراريج صبية اطفالا

 


وقال: يعني دجاجة الغزل وهي الكبا او ما يخرج عن الغزل، ويعني بالفراريج الأقبية.

 ومن ابيات المعاني قول حسان ايضا:


اتانا فلم نعدل سواه بغيره***نبي غدا في ظلمة الليل هاديا

 


فيقال: سواه غيره فكأنه قال: فلم يعدل غيره بغيره. والجواب ان الهاء في بغيره للسوى، فكأنه قال: لم يعدل سواه به. كذا أخرجه الامام جمال الدين بن هشام.

 قال الشيخ بدر الدين الرزشكي في كراسة سماها(عمل من طب من احب): ولا حاجة الى هذا التكلف، فان سوى في هذا البيت بمعنى نفسه نص على ذلك الأزهري في التهذيب وانشد عليه البيت ونقله عنه واقراه عليه الشيخ جمال الدين بن مالك في كتاب المقصور والممدود.

 من ابيات المعاني قول الراعي:


قتلوا ابن عفان الخليفة محرما***ورمي فلم ار مثله مخذولا

 


روى العسكري في كتاب التصحيف: ان الرشيد سأل اهل مجلسه عن هذا البيت فقال: اي احرام هذا؟ فقال الكساء: اراد انه احرام بالحج، فقال الأصمعي: والله ما احرام ولا عنى الشاعر هذا ولو قلت احرم دخل في الشهر الحرام كما يقال: اشهر دخل في الشهر كان اشبه، قال الكسائي: فما اراد بالاحرام؟ قال كل من لم يأت شيئا يستحل به عقوبة فهو محرم. خبرني عن قول عدي بن زيد:


قتلوا كسرى بليل محرم***فتولى لم يمتع بكفن

 


اي احرام كان لكسرى فسكت الكسائي، فقال الرشيد: يا اصمعي ما نطاق في الشعر.

 وفي امالي الزجاج: في البيت قولان: (احدهما) المحرم للمسك عن قبالهم، قال ابو العباس الفضل بن محمد اليزيدي: فقيل للفضل اعندك في هذا شعر جاهلي؟

قال: نعم انشدني محمد بن حبيب الأخضر بن عبدالمازني وهو جاهلي:


فلست اراكم محرمون التي***كرهت ومنها في القلوب تذوب

 


و(الثاني) ان في الشهر الحرام لأنه قتل في ايام التشريق وبه جزم المبرد في الكامل.

 وقال ابن خالويه في شرح الدريدية انشد ابو عبدالله بن حوشد عن ابي حنيفة الدينوري قال: احسن ما قيل في ابيات المعاني قول الشاعر:


اذا القوس وترها ايد رمى***فأصاب الذرى والكلا

فأصبحت والليل محسنكك***واصبحت الأرض بحر طما

 


يريد بالقوس قوس السماء الذي تقول له العامة قوس قزح، وترها ايد يعني الله تعالى رمى اي بالمطر فأصاب ذرى الجبال وكلاها فاصبحت اي اسرجت المصباح، والليل محسنكك اي شديد السواد، واصبحت الثاني من الصباح والأرض بحر طمى من كثرة المطر.

 (من المضحكات) قيل: كان شخص يسمى شمس الرؤساء وكان اذا مدحه احد من الشعراء لم يعطه شيئاً، فاحتال عليه بعض الشعراء وكتب له في رقعة:«بال حماري وفسا» فناوله الرقعة فلما قرأها قال لغلامه: اعطه خمسمائة درهم، فقالت له زوجته: وما هذي عادتك ان تعطي الشعراء شيئا؟ فقال لها: خوفا منه ان يكمل هذا البيت فيقول:


بال حمارى وفسا ***في ذقن شمس الرؤسا

 


(ومنها) حكي ان جحى ارسله ابوه يوما يشتري له رأساً من الطباخ، فاشتراه وقعد في الطريق فأكل عينيه واذنيه ولسانه ودماغه وسلخ وجهه واحضر لوالده ما بقي، فنظر اليه والده فقال: ويحك ما الذى اتيت به؟ قال: الرأس الذي طلبته، فقال: اين عيناه؟ قال: كان اعمى، فقال: اين اذناه؟ فقال: كان اصم، فقال: اين لسانه؟ قال: كان اخرس، فقال: اين دماغه؟ فقال: كان فقيها يقري الصبيان، قال: اين سلخ رأسه؟ قال: كان سائلا يسأل الناس في المساجد، فقال: رده على صاحبه فقل له: اشتريناه بشرط البراءة من كل عيب.

 (وللبهائي) قدس الله سره:


يا نديمي بمهجتي افديك***قم واملأ الكؤوس من هاتيك

هاتها هاتها مشعشعة ***افسدت دين التقي النسيك

قهوة ان ظللت ساحتها***فسنانور كأسها بهديك

يا كلام الفؤاد داو بها***قلب المبتلى لكي يشفيك

هي نار الكليم فاجتلها***واخلع النعل واترك التشكيك

صاح ناهيك بالمدام فدم***في احتساها مخالفا ناهيك

عمرك الله قل لنا كرما***يا حمام الأراك ما يبكيك

اترى غاب عنك اهل منى***بعد ما قد توطنوا واديك

ان لي بين ربعهم رشا***طرفه ان تمت اسا يحييك

ذو قوام كأنه غصن***مال لما بدى به التحريك

لست انساه اذ اتى سحراً***وحده وحده بغير شريك

طرق الباب خائفا وجلا***قلت من قال كلها يرضيك

قلت صرح قال تجهل من***سيف الحاظه تحكم فيك

بات يسقي وبث اشربها***قهوة تترك المقل مليك

ثم جاذبته الردأ وقد***خامر النوم طرفه الفتيك

قال لي ما تريد قلت لي***يا منى القلب قبلة من فيك

قال خذها فمذ ظفرت بها***قلت زدني قال لا وأبيك

ثم وسدته اليمين الى ان***دنى الصبح قال لي يكفيك

قلت مهلا قال قم فلقد***فاح ريح الصبا وصاح الديك

 


(لطيفة) قيل كان بعض الملوك يحب النساء مفتون بهن، وكان له وزير ينهاه عن حبهن فما ل قلبه عن محبتهن، فقالت له واحدة من خواصه لما تغير عليهن من هذا الحال: يا مولاي غفلت عنا؟ قال لها: ان وزيري فلان قد نهاني عن حبكن، فقالت الجارية: ايها الملك هبني له وسترى ما اصنع به، فوهبها للوزير فلما خلا بها الوزير تمنعت عليه حتى تمكن حبها من قلبه قالت: لا والله لا تقربني حتى اركبك وتمشي بي خطوات، فأجابها الى ذلك فوضعت عليه سرجا ولجاماً ثم ركبته ومشى بها خطوات وقد كان الملك هجم عليهم وهم في تلك الحالة فقال له: ما هذا يا ايها الوزير انت كنت تنهاني عن حبهن وهذه حالتك معهن؟ فقال له الوزير: ايها الملك من هذا كنت اخاف عليك يا مولاي فاستحسنته لنفسي دونك. قال الرواي: ونعم ما اجاب الوزير.

 (ومن النوادر الغريبة) قيل كان ملك من ملوك الهند وكان له وزير مجرب خبير يتقلب الزمان وكان الملك لا يعمل شيئاً الا برأيه لعقله وتدبيره. ثم ان الملك مات وتولى من بعده ولده وكان معجبا برأيه ولم يلتفت الى وزير ابيه ولم يهتم بمشورته فقيل له: ان اباك ما كان يقطع امراً بنفسه، فقال: كان ابي غلطانا، فقال له ناس: امتحنه لترى من عقله، فأرسل اليه فقال: ايها الوزير اخبرني ايها اغلب على الرجل الطبع او الأدب؟ فقال الوزير: الطبع اغلب فانه اصل والأدب فرع ثم ان المك دعا بسفرة الطعام والشراب واحضر له سنانير بأيديها الشمع فوقفوا حول تلك السفرة وقال للوزير: اعتبر كان الطبع اغلب من الأدب. فسكت الوزير ساعة ثم قال: امهلني الى الليلة المقبلة، ثم ذهب الوزير الى داره فقال لغلامه: امسك لي فاراً واربطه بخيط برجله، فأتاه الغلام بفار في رجله خيطا فأخذه في كمه ومضى الى عند الملك فلما حضرت السفرة اقبلت السنانير بأيديها الشمع، فعند ذلك اخرج الوزير الفارة من كمه فلما رأته السنانير رمت الشمع وتبعت الفارة فكاد البيت ان يحترق بالنار جميعه،فقال له الوزير: ايها الملك كيف غلب الطبع على الأدب ورجع الفرع الى اصله! قال: صدقت ايها الوزير، فرجع عن رأيه كما كان يفعل ابوه.

 

(مناظرات ركن الدولة مع ابن بابويه)

 (ظريفة) في ذكر المجلس الذي جرى للشيخ الامام ابي جعفر محمد بن علي ابن الحسين بن بابويه القمي مع الملك ركن الدولة ابى علي الحسين بن بابويه الديلمي.

قيل: انه وصف الملك المذكور حال ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه وما يقعده في المجالس وما عليه من الآثار وما يجيب عنه من المسائل والأخبار ورجوع الامامية اليه والى اقواله في البلدان والامصار، فأحب لقاءه ومسائلته فقدم الى حاجبه البرمكي احضاره، فركب الحاجب اليه واحضره الى مجلس السلطان فلما دخل عليه قربه وادناه واكرمه ورفع مجلسه. فلما استقر به المجلس قال له السلطان: ايها الشيخ الفقيه العالم اختلف الحاضرون في القوم الذين طعنوا فيهم الشيعة، فقال بعضهم يجب الطعن وقال بعضهم لا يجب ولا يجوز فما عندك في هذا؟ فقال الشيخ (ره): ايها الملك ان الله تعالى لم يقبل من عباده الاقرار بتوحيده حتى ينفوا كل إله سواه وكل صنم عبد من دون الله الم تر انا امرنا أن نقول: «لااله الا الله» فلا إله نفى كل إله عبد من دونه وقوله الا الله اثبات لله عزوجل، وكذلك لم يقبل الاقرار بنبوة محمد نبينا((صلى الله عليه وآله)) حتى ينفوا كل متنبي كان في وقته مثل مسيلمة الكذاب وسجاح بنت الأسود العبسي واشباههم، وهكذا لا يقبل القول بامامة امير المؤمنين علي بن ابي طالب((عليه السلام)) الا بعد نفي كل ضد نصب للامامة دونه. قال الملك هذا هو الحق واخبرني ايها الشيخ بشيء جلي واضح من امر انتصب للإمامة دونه. قال الشيخ: ايها الملك اجتمعت الأمة على نقل خبر سورة براءة وفيه خروج ابي بكر من الإسلام وفيه نزول ولاية اميرالمؤمنين((عليه السلام)) من السماء وعزل ابي بكر وفيه انه لم يكن من النبي، قال الملك: وكيف ذلك؟ فقال الشيخ رحمه الله: روى جميع اهل النقل منا ومن مخالفينا انه لما نزلت سورة براءة على رسوله((صلى الله عليه وآله)) دعا ابا بكر فقال: يا ابا بكر خذ هذه السورة فأدها عني بالموسم بمكة، فأخذها ابو بكر وسار فلما بلغ بعض الطريق هبط جبرئيل((عليه السلام)) فقال: يا محمد ان ربك يقرئك السلام ويقول لك: لا يؤدي عنك الا انت او رجل منك، فدعا رسول الله((صلى الله عليه وآله)) امير المؤمنين((عليه السلام)) وامره ان يلحق ابا بكر ويأخذ منه سورة براءة ويؤديها عن الله تعالى ايام الموسم بمكة، فلحقه امير المؤمنين((عليه السلام)) واخذ منه سورة براءة واداها عن الله تعالى حيث انهم اخروا من قدمه الله تعالى وقدموا من اخره اللّه. استهانة باللّه سبحانه وقد صح ان ابا بكر ليس من النبي((صلى الله عليه وآله)) لقول جبرئيل((عليه السلام)): لا يؤدي عنك الا انت او رجل منك. فاذا لم يكن من النبي((صلى الله عليه وآله)) لم يكن تابعاً له، قال اللّه تعالى: (فمن اتبعني فانه مني) و ان لم يكن متبعاً للنبي((صلى الله عليه وآله)) لم يكن محبا لله عزوجل لقوله تعالى: (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) واذا لم يكن محبا كان مبغضا وبغض النبي((صلى الله عليه وآله)) كفر. وقد صح بنفس هذا الخبر ان علياً((عليه السلام)) من النبي. هذا مع ما رواه المخالف في تفسير قوله: (افمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) ان الذي على بينة من ربه رسول الله((صلى الله عليه وآله)) والشاهد الذي يتلوه امير المؤمنين علي بن ابي طالب((عليه السلام)). وما رواه عن النبي((صلى الله عليه وآله)) انه قال: علي مني وانا من علي. وما رواه من النبي((صلى الله عليه وآله)) لينتهين او لأبعثن عليه رجلا نفسه نفسي وطاعته كطاعتي ومعصيته كمعصيتي. ومما روي عن جبرئيل((عليه السلام)) في غزاة احد انه نزل على النبي((صلى الله عليه وآله)) فنظر الى علي((عليه السلام)) وجهاده بين يدي رسول الله فقال جبرئيل: هذه المواساة، فقال: يا جبرئيل لأنه مني وانا منه، فقال جبرئيل: وانا منكما. فكيف يصلح ايها الملك للامامة رجل لم يأتمنه الله تعالى على تبليغ آيات من كتابه ان يؤديهاالى الناس ايام الموسم فكيف يجوز ان يكون مؤتمن على ان يؤدي جميع دين الله عزوجل بعد النبي ويكون والياً عليهم وقد عزله الله عزوجل وولي عليا((عليه السلام)) وكيف لا يكون علياً مظلوما وقد اخذوا ولايته وقد نزل بها جبرئيل من السماء؟ فقال الملك: هذا بين واضح.

 وكان رجل واقف على رأس الملك يقال له (ابو القاسم) فاستأذنه في كلامه فأذن له فقال: ايها الشيخ كيف يجوز ان تجتمع هذه الأمة على خطأ مع قول رسول الله((صلى الله عليه وآله)): لا تجتمع امتي على ضلالة؟ فقال الشيخ: ان صح هذا الحديث فيجب ان تعرفه الأمة ومعناها ان الأمة في اللغة هي الجماعة واقل الجماعة رجل وامرأة وقد قال الله تعالى: (ان ابراهيم كان امة قانتا) فسمى واحداً امة. قال النبي((صلى الله عليه وآله)): رحم الله قساً يحشر يوم القيامة امة واحدة فما ينكر ان النبي((صلى الله عليه وآله)) ـ ان كان قال هذا الحديث ـ عنى به عليا((عليه السلام)) ومن تبعه. فقال: عنى به الأعظم ومن هو كان اكثر عدداً؟ فقال الشيخ(ره): وجدنا الكثرة في كتاب الله عزوجل مذ موته والقلة مرحومة محمودة في قوله عزوجل: (لا خير في كثير من نجواهم) ، (ولكن اكثرهم لا يعقلون)، (ولكن اكثرهم لا يعلمون) ، (ولكن اكثرهم لا يؤمنون) ، (ولكن اكثرهم لا يشكرون) ، (ولكن اكثرهم يجهلون) ، (وان اكثركم فاسقون)، (وما وجدنا لأكثرهم من عهد وان وجدنا اكثرهم لفاسقين). وقال اللّه تعالى فى مدح القلة: (الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) ، (وقليل من عبادي الشكور) ، (وما آمن معه الا قليل) وذكر تعالى في قول موسى: (ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون).

 قال الملك: كيف يجوز الارتداد على العدد الكثير مع قرب العهد بموت صاحب الشريعة؟ فقال الشيخ(ره): وكيف لا يجوز الارتداد عليهم مع قوله تعالى: (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) وليس ارتدادهم ذلك بأعجب من ارتداد بني اسرائيل حين مضى موسى((عليه السلام)) لميقات ربه واستخلف عليهم اخاء هارون وقال: (اخلقني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) ووعد قومه بأنه يعود اليهم بعد ثلاثين ليلة واتمها الله بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة فلم يصبر قومه الى ان خرج فيهم السامري وضع لهم من حليهم عجلا جسداً له خوار فقال لهم هذا الهكم واله موسى، واستضعفوا هارون خليفة موسى واطاعوا السامري في عبادة العجل، ولم يحفظوا في هارون وصية موسى به ولا خلافته عليهم، فرجع موسى الى قومه غضبان اسفا قال: بئسما خلفتموني من بعدي اعجلتم امر ربكم والقى الألواح واخذ برأس اخيه يجره اليه، قال : ابن ام ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين.

 هذا مما قص الله تعالى من تمام هذه القصة، واذا جاز على بني اسرائيل ـ وهم من امة اولي العزم ـ ان يرتدوا بغيبة موسى((عليه السلام)) بزيادة عشر ليال حتى خالفوا وصيه واطاعوا السامري في عبادة العجل فكيف لا يجوز على هذه الأمة بعد موت النبي((صلى الله عليه وآله)) ان تخالف وصيه وخليفته وخير الخلق بعده وتطيع سامري هذه الأمة؟

وانما علي((عليه السلام)) بمنزلة هارون من موسى الا انه لابني بعد محمد((صلى الله عليه وآله)) لما روي عن جميع اهل النقل.

 فقال الملك للشيخ الفاضل: ما سمعت في المعنى كلاماً احسن من هذا ولا ابين. فقال الشيخ(ره): ايها الملك زعم القائلون بامامة سامري هذه الأمة ان النبي((صلى الله عليه وآله)) مضى ولم يستخلف واستخلفوا رجلا واقاموه، فان كان ما فعله النبي((صلى الله عليه وآله)) على زعمهم من ترك الاستخلاف حقاً فالذي اثبته القوم من الاستخلاف باطل، وان كان الذي اثبته الأمة من الاستخلاف صوابا فالذي فعله النبي((صلى الله عليه وآله)) خطأ، فمن لم يحكم بالخطأ عليه يحكم به على النبي((صلى الله عليه وآله)) وعليهم. فقال الملك: بل عليهم، قال الشيخ(ره): فكيف يجوز ان يخرج النبي((صلى الله عليه وآله)) من الدنيا ولا يوصي بأمر الأمة الى احد ونحن لا نرضى من عقل اكار في قرية اذا مات وخلف مسحاة وفاسا لا يوصي به الى احد من بعده؟

 فقال الملك: القول كما تقوله لا كما يقوله المخالفون، فقال الشيخ: وهنا حكاية اخرى وهي انهم زعموا ان النبي((صلى الله عليه وآله)) لم يستخلف فخالفوه باستخلافهم من اقاموه وخالف النبي من اقامه بالأمر فلما حضرته الوفاة لم يعتد بالنبي((صلى الله عليه وآله)) في ترك الاستخلاف على رغمه واستخلف بعده الثاني، والثاني لم يعتدوا به ولا بالنبي((صلى الله عليه وآله)) حتى جعل الأمر شورى في قوم معدودين، وأي بيان اوضح من هذا؟ فقال الملك: هذا بين واضح فأى شبهة ولدوها في امامة هذا الرجل واقامته؟ فقال الشيخ: انهم زعموا ان النبي((صلى الله عليه وآله)) قدمه للصلاة وهذا خبر لا يضر وقد اختلفوا فيه فمنهم من روى ان النبي((صلى الله عليه وآله)) قال لعائشة: امرت اباك ان يصلي بالناس، وان النبي((صلى الله عليه وآله)) لما عرف تقدم ابى بكر خرج متكئا على علي((عليه السلام)) وعلى الفضل بن العباس حتى دخل المسجد فنحى ابا بكر وصلى بالناس قاعداً وابو بكر خلفه والناس كانت خلف ابي بكر ومنهم من روى ان النبي((صلى الله عليه وآله)) امر حفصة ان تأمر اباها ان يصلي بالناس، وهذا الخبر لا يصح لأن المهاجرين والأنصار لم يحتجوا به ولا ذكروه يوم السقيفة، ولو صح هذا الخبر لما وجبت امامة ابي بكر ولو وجبت الامامة بالتقديم الى الصلاة لوجب ان يكون عبدالرحمن بن عوف اولى بالامامة، لأنهم رووا عن النبي((صلى الله عليه وآله)) انه صلى خلفه ولم يختلفوا في ذلك، وكيف يلزمنا ايها الملك قبول خبر عائشة وحفصة بجرهما النفع الى ابيهما والى انفسهما؟ ولا يلزمهم قبول فاطمة((عليه السلام)) وهي سيدة نساء العالمين فيما ادعته من امر فدك وان اباها نحلها اياه مع كون فدك في يدها سنين من حياته((صلى الله عليه وآله)) مع شهادة علي والحسن ((عليهم السلام)) وشهادة ام ايمن لها؟ وكيف يصح هذا الخبر عندهم وقد رووا ان شهادة البنت لأبيها غير جائزة، وقولهم: ان شهادة النساء لاتجوز في عشرة دراهم و لا أقل إذا لم يكن معهن رجل، و مع قولهم: ان شهادة النساء على النصف من شهادة الرجال؟ فقال الملك: قولهم في هذا غير صحيح والحق والصدق فيما قاله الشيخ الفاضل.

 ثم قال الملك: ايها الشيخ لم قلت ان الأئمة اثنى عشر ولله عزوجل مائة الف نبي واربعة وعشرون الف نبي؟ فقال الشيخ: ايها الملك ان الامامة فريضة من فرائض الله وما اوجب الله فريضة غير معدودة، الا ترى ان فرض الصلاة في اليوم والليلة سبعة عشر ركعة، وفرض الزكاة معلوم وهي عندنا على تسعة اشياء، ووجوب الصوم معلوم وهو ثلاثون يوماً، وبين مناسك الحج وهي معدودة، وكذلك تكون الائمة عدداً لا يجوز ان يقال باكثر ولا اقل. فقال الملك: فهل بين الله لذلك مجملا والنبي((صلى الله عليه وآله)) بين عددها في سنته لأن السنن الى النبي((صلى الله عليه وآله))؟ فقال الشيخ: نعم قد بين الفرائض والسنن كلها بأمر الله تعالى قال الله تعالى: (وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم) وان الله تعالى قال: (واقيموا الصلوة) ولم يبين عدد ركعاتها وبينها النبي((صلى الله عليه وآله)) وقال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ولم يبين عدد الأصناف التي تجب عليها الزكاة وقال الله تعالى: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) ولم يبين حدوده وهيئته وبينها النبي((صلى الله عليه وآله)) وقال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) ولم يبين مناسك الحج فبينها النبي((صلى الله عليه وآله)) كذلك قال الله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) ولم يبين عدد الائمة فبينها النبي((صلى الله عليه وآله)) في سنتة كما بين سائر الفرائض.

 فقال الملك: ان امر الامامة لم يوافقكم عليه مخالفوكم كما وافقوكم على عدد الفرائض؟ فقال الشيخ (ره): ليس يبطل قولنا في الامامة بمخالفة مخالفينا كما لا يبطل الإسلام ومعجزات النبي بمخالفة اليهود والنصارى والمجوس والبراهمة ولو بطل بشيء من مخالفة المخالفين لم يثبت في العالم شيء لأن ما من شيء الا وفيه خلاف. فقال الملك: صدقت هذا هو الحق وانتم عليه واولى الملك في تلك الساعة لأمير المؤمنين((عليه السلام)) وسب اعداءه ومن شايعهم على ذلك. والحمد لله رب العالمين.

 

(قصة عبيد مع الليث)

 (كتاب المستطرف) حكى القاضي يحيى بن اكثم قال: دخلت يوماً على الخليفة هارون الرشيد ولد المهدي وهو مطرق مفكر فقال لي: اتعرف قائل هذا البيت:


الخير ابقى وان طال الزمان به***والشر اخبث ما اودعت من زاد

 


فقلت: يا امير المؤمنين ان لهذا البيت شأناً مع عبيد بن الأبرص، فقال: علي بعبيد، فلما حضر بين يديه قال: اخبرني عن قصة هذا البيت؟ قال: كنت يا امير المؤمنين في بعض السنين حاجا فلما توسطت البادية في يوم شديد الحر سمعت ضجة عظيمة في الففل لحقت اوله بآخره فسألت عن القصة فقال رجل من القوم: تقدم ترى ما بالناس، فتقدمت الى اول القافلة فاذا انا بشجاع اسود فاغر فاه كالجذع وهو يخور كما يخور الثور ويرغو كرغاء الابل، فهالني امره وبقيت لا اهتدي الى ما اصنع في امره فعدلنا عن طريقه الى ناحية اخرى فعارضنا ثانياً فعلمت انه ليث ولم يجتر احد من القوم ان يقربه، فقلت: أفدي هذا العالم بنفسي واتقرب الى اللّه تعالى بخلاص هذه القافلة من هذا، فأخذت قربة من الماء فتقلدتها وسللت سيفي وتقدمت، فلما رآني منه سكن وبقيت متوقعا منة وثبة يبلغني فيها فلما رأى القربة فتح فاه وجعلت فم القربة في فيه وصببت الماء كما يصب في اناء، فلما فرغت القربة تسيب في الرمل ومضى، فتعجبت من تعرضه لنا وانصرافه عنا من غير سوء لحقنا منه، ومضينا لحجنا ثم عدنا في طريقنا ذلك وحطينا في منزلنا ذلك في ليلة مظلمة مدلهمة فأخذت شيئا من الماء وعدلت الى ناحية من الطريق فقضيت حاجتي ثم توضأت وصليت وجلست اذكر الله سبحانه فأخذت عيناي النوم فنمت مكاني فلما استيقظت من النوم لم اجد للقافلة حساً وقد ارتحلوا وبقيت منفرداً ولم اهتد الى ما افعله واخذتني حيرة وجعلت اضطرب، واذا بصوت هاتف اسمع صوته ولا ارى شخصه يقول:


يا ايها الشخص المدل بركبه***ما عنده من ذي رشاد يصحبه

دونك هذا البكر منا فاركبه***وبكرك الميمون هذا فاجنبه

حتى اذا ما الليل زال غيهبه***فحط عنه رحله وسيبه

 


فنظرت فاذا أنا ببكر قائم عندي وبكري الى جانبي، فانخته وركبته وجنبت بكري فلما سرت قدر عشرة اميال لاحت لي القافلة وانفجر الفجر ووقف البكر، فعلمت انه قد حان نزولي فتحولت الى بكري وقلت:


يا ايها الركب قد انجيت من كرب***ومن هموم تضل المدلج الهادي

الا تخبرنا بالله خالقنا***من ذا الذي جعل المعروف في الوادي

وارجع حميداً فقد ابلغت مأمننا***بوركت من ذي سنام رائح غادي

 


فالتفت البكر الي وسمعته يقول:


اناالشجاع الذي الفيتني رمضا***والله يكشف ضر الحائر الصادي

فجدت بالماء لما ظن حامله***تكرما منك لم تمنن بانكادي

فالخبر ابقي وان طال الزمان به***والشر اخبث ما اوعيت من زاد

هذاجزاؤك مني لا امنّ به***فاذهب حميداً رعاك الخالق الهادي

 


فعجب الرشيد من قوله وامر بالقصة والأبيات فكتبت عنده وقال: لا يضيع المعروف اين وضع.

 

(وصف ابن الأعمى داره)

 ولقد احسن الاديب كمال الدين علي بن محمد بن المبارك الشهير بابن الأعمى في ذم دار يسكنها:


دار سكنت بها اقل صفاتها***ان تكثر الحشرات في جنباتها

الخير عنها نازح متباعد***والشر دان من جميع جهاتها

من بعد ما فيها البعوض عدمته***كم اعدم الأجفان طيب سناتها

وتبيت تشعرها براغيث متى***غنت لها رقصت على نغماتها

رقص بتنقيط ولكن قافه***قد قدمت فيه على اخواتها

وبها ذئاب كالضبا يسدن عين***الشمس ما طربي سوى غناتها

اين الصوارم والقنى من فتكها***فينا واين الأسد من وثباتها

وبها من الخطاف ما هو معجز***ابصارنا عن حصر كيفياتها

وبها خفافيش تطير نهارها***مع ليلها ليست على عاداتها

وبها من الجرذان ما قد قصرت***عنه العتاق الدهم في حملاتها

وبها خنافس كالطنافس افرشت***في ارضها وعلت على جنباتها

لو شم اهل الحرب منتن فسوها***اردى الكماة الصيد عن صهواتها

وبنات وردان واشكال لها***مما يفوت العين كنه ذواتها

ابداً تمص دماءنا وكأنها***حجامة ليدت على كاساتها

وبها من النمل السليماني ما***قد قل ذر الشمس عن ذراتها

ما راعني شيء سوى وزغاتها***فنعوذ بالرحمن من نزعاتها

سجعت على اوكارها فظننتها***ورق الحمام سجعن في شجراتها

وبها زنابير تظن عقاربا***يتوقد الأحشاء من زفراتها

وبها عقارب كالأقارب رتعا***فينا حمانا الله لدغ حماتها

كيف السبيل الى النجاة ولا نجا***ولا حياة لمن رأى حياتها

منسوجة بالعنكبوت سماؤها***والأرض قد نسجت ثرى آفاتها

واليوم عاكفة على ارجائها *** والدود تبحث في ثرى عرصاتها

والنار جزء من تلهب حرها***وجهنم تعزو الى نفحاتها

شاهدت مكتوبا على ارجائها***ورأيت مسطوراً على جنباتها

لا تقربوا منها وخافوها ولا***تلقوا بأيديكم الى هلكاتها

ابداً تقول الداخلون ببابها***يا رب نج الناس من آفاتها

قالوا اذا ندب الغراب منازلا***يتفرقون الناس من ساحاتها

وبدارنا الفا غراب ناعق***كذب الرواة فاين صدق رواتها

صبراً لعل اللّه يعقب راحة***للنفس اذ غلبت على شهواتها

دار تبيت الجن تحرس نفسها***فيها وتنذر باختلاف لغاتها

كم بت فيها مفرداً والعين من***شوق الصباح تسح من عبراتها

واقول يا رب السماوات العلا***يا رازقاً للوحش في فلواتها

اسكنتني بجهنم الدنيا ففي***اخراي هب لي الخلد في جناتها

واجمع بمن اهواه شملي عجلا***يا جامع الأرواح بعد شتاتها

 


(قال) رجل لولده وهو في المكتب: في اي سورة انت؟ فقال: في لا اقسم بهذا البلد ووالد بلا ولد، فقال: لعمري من كنت انت ولده فهو بلا ولد.

 (وارسل) رجل ولده يشتري له وشاء للبئر طوله عشرون ذراعا فوصل الى نصف الطريق ثم رجع فقال: يا ابت عشرون في عرض كم؟ فقال في عرض مصيبتي فيك.

 (كان) لمحمد بن بشير الشاعر ابن جسيم ولد فأرسله في حاجة فابطأ عليه ثم عاد ولم يقضها، فنظر اليه ثم قال:


عقله عقل طائر***وهو في خلقة الجمل

 


فأجابه:


شعبة منك يا ابي***ليس لي منه منتقل

 


(كان) لأعرابي امرأتان فولدت احداهما جارية والأخرى غلاما فرقصه امه يوما وقالت مغايرة لضرتها:


الحمد لله الحميد العالي***انقذني العام من الخوالي

من كل شوهاء كشن بالي***لا ترفع الضيم عن العيال

 فسمعت ضرتها فأقبلت ترقص بنتها وتقول:

وما علي ان تكون جارية ***تغسل رأسي وتكون الغالية

وترفع الساقط من خماريه***حتى اذا ما بلغت ثمانية

ازرتها منقبة يمانية***انكحها مروان او معاوية

اصهار صدق ومهور غالية

 


قال: فسمعها مروان فتزوجها على مائة الف وقال: لحق ان لا تكذب ظن امها ولا يخان بعهدها، فقال معاوية: لولا ان مروان سبقنا اليها لأضعفنا لها المهر ولكن لاتحرم الصلة، فبعث اليها بمائة الف درهم. واللّه اعلم.

 (للبدر الدماميني) في مدح العذار:


يحدث ليل عارضه باني***سأسلوه وينقطع المزار

فأشرق صبح غرته ينادي***حديث الليل يمحوه النهار