(641)

 

والطغيان رويدا رويدا ، ويمحو الأرض من لوث الظالمين والكافرين ، ولمّا يصل إلى الكوفة مع أصحابه يُخبر بانّ المهدي عليه‏السلام قد ظهر وجاء من المدينة إلى الكوفة ، فيجيء السيد الحسني مع أصحابه إلى الحجة عليه‏السلام ، ويطلب منه دلائل الامامة ومواريث الأنبياء.

        قال الامام الصادق عليه‏السلام : ولم يرد ذلك الاّ أن يُري أصحابه فضل المهدي عليه‏السلام حتى يبايعوه

(1) .

        فيريه عليه‏السلام دلائل الامامة ومواريث الأنبياء ، فيبايعه حينئذ السيد الحسني وأصحابه الاّ القليل منهم ، وهم أربعة آلاف نفر من الزيدية ، حاملين المصاحف على أعناقهم ، وينسبون كلّ ما رأوه من الامام عليه‏السلام من الدلائل والمعاجز إلى السحر ، ولا تؤثّر فيهم نصيحة الامام واظهار المعاجز ، فيمهلهم ثلاثة ايّام ثم يأمر عليه‏السلام بضرب أعناقهم بعد إبائهم عن قبول الحق ، وحالهم كحال خوارج نهروان الذين كانوا في جيش أمير المؤمنين عليه‏السلام يوم صفين .

السابعة :

        ظهور كفٍّ في السماء ، وفي رواية يظهر وجهٌ وصدرٌ وكفٌّ عند عين الشمس .

الثامنة :

        كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان وخسوف القمر في آخره .

التاسعة :

        ظهور آيات وعلامات في شهر رجب ، وروى الشيخ الصدوق عن الامام الرضا عليه‏السلام انّه قال في حديث طويل : « لابد من فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل بطانة ووليجة ، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي ، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض ، وكم من مؤمن متأسّف حران حزين عند فقد الماء المعين ، كأنّي بهم أسرّ ما يكونون وقد نودوا نداء يسمعه من بَعُد كما يسمعه من قَرب ، يكون رحمة للمؤمنين وعذابا على الكافرين ، فقلت : وأيّ نداء هو ، قال : ينادون في رجب ثلاثة أصوات من السماء : صوتا منها ألا لعنة اللّه‏ على القوم الظالمين ، والصوت الثاني : أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين ، والصوت الثالث : يرون بدنا بارزا نحو الشمس هذا أمير المؤمنين قد كرّ في هلاك الظالمين ... »

(2) .

 
(1) البحار 53:16 ، باب 25 .
(2) راجع البحار 52:289 ، ح 28 ، الغيبة للطوسي : 268 ، كمال الدين 2:371 .
(642)

 

العاشرة :

        اختلاف بني العباس وانقراض دولتهم الذي دلت عليه الأخبار ، وبأنهم يختلفون وينقرضون من ناحية خراسان قبل قيام القائم عليه‏السلام .

        وأمّا العلامات غير الحتميّة فهي كثيرة ، ظهر بعضها وبقي بعضها الآخر ، ونشير هنا إلى بعضها على نحو الاجمال :

        الأولى : هدم جدار مسجد الكوفة .

        الثانية : فيضان شطّ الفرات وجريانه في أزقّة الكوفة .

        الثالثة : عمران الكوفة بعد خرابها .

        الرابعة : ظهور الماء في بحر النجف .

        الخامسة : جريان نهر من شط الفرات إلى الغريّ أي النجف الأشرف .

        السادسة : ظهور المذنّب (نجمة لها ذيل) عند نجمة الجدي .

        السابعة : القحط الشديد قبل الظهور .

        الثامنة : وقوع زلزلة شديدة ، وظهور الطاعون في كثير من البلدان .

        التاسعة : القتل البيوح أي القتل الكثير الذي لم ينقطع .

        العاشرة : تحلية المصاحف وزخرفة المساجد وتطويل المنائر .

        الحادية عشرة : هدم مسجد براثا .

        الثانية عشرة : ظهور نار ما بين الأرض والسماء من الشرق إلى ثلاثة أو سبعة أيّام ، وتكون سببا لخوف الناس ودهشتهم .

        الثالثة عشرة : ظهور حمرة شديدة تنتشر في السماء حتى تملأه .

        الرابعة عشرة : كثرة القتل وسفك الدماء في الكوفة بسبب الرايات المختلفة .

        الخامسة عشرة : مسخ طائفة إلى صورة القردة والخنازير .

        السادسة عشرة : خروج الرايات السود من خراسان .

        السابعة عشرة : هطول مطر شديد غزير ، في شهر جُمادى الثانية وشهر رجب ، لم يُر مثله .

        الثامنة عشرة : تحرّر العرب من القيود بحيث ان بامكانهم الذهاب إلى كلّ مكان أرادوا وفعل كلّ ما أرادوا .

        التاسعة عشرة : خروج سلاطين العجم عن الوقار .

        العشرون : طلوع نجمة من المشرق تزهر كالقمر وهيأتها هيأة غرّة القمر ، ولطرفيها انحناء يوشك أن يتّصلا ، ولها نور شديد يدهش الابصار من رؤيته .

        الحادية والعشرون : امتلاء العالم بالظلم والكفر والفسوق والمعاصي ، ولعلّ الغرض من هذه العلامة غلبة الكفر والفسوق والفجور والظلم في العالم ، وانتشاره في جميع البلاد ، وميل الخلق إلى أفعال وأطوار الكفّار والمشركين ، والتشبّه بهم في

(643)

 

الحركات والسكنات والمساكن والألبسة ، وضعف الحال والتسامح في أمور الدين وآثار الشريعة ، وعدم التقيّد بالآداب والسنن ، كما في زماننا هذا الذي نرى فيه تشبّه الناس بالكفار يزداد يوما بعد يوم في جميع الجهات الدنيوية ، بل وفي أخذ قواعد الكفر والعمل بها في الأمور الظاهرية ، وكثيرا ما يعتقدون ويعتمدون على أقوالهم وأعمالهم ويثقون تماما بهم في جميع الأمور ، وقد يسري هذا التشبّه بالكفار إلى العقائد الاسلامية فيتركوها ، بل أنّهم يعلّمونها لأطفالهم كما هو المرسوم في يومنا هذا ، فانّهم ومن البداية لا يدعون الآداب والأصول الاسلامية تترسّخ في أذهانهم ، فيكون مآل اكثرهم عند البلوغ فساد العقيدة وعدم التديّن بدين الاسلام ، وهكذا يستمرّ حالهم عند الكبر ، وقس على هذا حال الذين يعاشرون هؤلاء الأشخاص ، وحال من يتّبعهم من الزوجة والأطفال .

        بل لو تأمّلت جيّدا لرأيت أنّ الكفر مستولٍ على العالم الاّ أقلّ القليل والنزر اليسير من عباد اللّه‏ الذين اكثرهم من ضعفاء الايمان وناقصي الدين ، وذلك ان اكثر بلاد المعمورة تقع تحت تصرّف الكفار والمشركين والمنافقين ، واكثر أهاليها من أهل الكفر والنفاق والشرك الاّ النادر .

        وامّا أهل الايمان وهم الشيعة الاثنا عشرية ، فانّ تفرّقهم وتشتتهم وصل إلى درجة ان أهل الحق بينهم قليل ونادر ، لاختلافهم في العقائد الاصولية الدينيّة والمذهبيّة ، وهذا القليل النادر من أهل الايمان سواء من العوام أم الخواص أكثرهم لا يعرف من الاسلام والايمان الاّ الاسم غير المطابق للمسمّى ، وذلك لارتكاب الاعمال القبيحة والأفعال الشنيعة المحرمة من أنواع المعاصي والنواهي ، كأكل الحرام والظلم وتعدّي بعضهم على بعض في الأمور الدينية والدنيوية ، فلا يبقى حينئذٍ من الاسلام ومن الذين ينتحلونه حقّا أثر الاّ القليل ، وهم مغلوبون على أمرهم ومنكوبون ، فلايترتّب على وجودهم أثر لترويج الشريعة ، فيصبح المعروف عند الناس منكرا والمنكر معروفا ، ولايبقى‏من الاسلام الاّرسمه واسمه ، كأنّ طريقة أميرالمؤمنين عليه‏السلام وسيرة الائمة الطاهرين سلام اللّه‏ عليهم أجمعين قد تُركت ، ويوشك والعياذ باللّه‏ أن تُطوى الشريعة بالمرّة ، ويرى ويسمع جميع الناس انّ ما ذكرناه في ازدياد يوما فيوما ، ويظهر في هذا الزمان ما قاله رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : انّ الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا

(1) .

        ويوشك أن يمتلأ العالم بالظلم والجور ، بل هو الآن عين الظلم والجور في الحقيقة . فلابد لهؤلاء القليل من عباد اللّه‏ المؤمنين أن يسألوا اللّه‏ تعالى على الدوام ليلاً ونهارا ، ويبتهلوا ويتضرّعوا كي يعجّل اللّه‏ تعالى فرج آل محمد عليهم‏السلام .

        ونُقل عن أمير المؤمنين عليه‏السلام انّه قال في بعض خطبه :

 

(1) البحار 52:191 ، ح 23 ، باب 25 ، عن كمال الدين .
(644)

 

        « إذا صاح الناقوس ، وكبس الكابوس ، وتكلّم الجاموس ، فعند ذلك عجائب وأيّ عجائب، أنار النار بنصيبين ، وظهرت راية عثمانيّة بوادٍ سودٍ ، واضطربت البصرة ، وغلب بعضهم بعضا ، وصبا كلّ قوم إلى قوم ـ إلى ان قال عليه‏السلام ـ وأذعن هرقل بقسطنطنية لبطارقة السفياني ، فعند ذلك توقعوا ظهور متكلّم موسى من الشجرة على طور » .

        وقال أيضا في بعض كلامه يخبر به عن خروج القائم عليه‏السلام :

        « إذا أمات الناس الصلاة ، وأضاعوا الامانة ، واستحلّوا الكذب ، وأكلوا الربا ، وأخذوا الرشا ، وشيّدوا البنيان ، وباعوا الدين بالدنيا ، واستعملوا السفهاء ، وشاوروا النسآء ، وقطعوا الأرحام ، واتّبعوا الأهواء ، واستخفّوا بالدماء ، وكان الحلم ضعفا ، والظلم فخرا ، وكانت الأمراء فجرة ، والوزراء ظلمة ، والعرفاء خونة ، والقرّاء فسقة ، وظهرت شهادات الزور ، واستعلن الفجور وقول البهتان والإثم والطغيان .

        وحلّيت المصاحف ، وزخرفت المساجد ، وطوّلت المنآئر ، واُكرم الأشرار ، وازدحمت الصفوف ، واختلفت الأهواء ، ونُقضت العقود ، واقترب الموعود ، وشارك النساء أزواجهنّ في التجارة حرصا على الدنيا ، وعلت أصوات الفسّاق ، واستُمع منهم .

        وكان زعيم القوم أرذلهم ، واتُّقي الفاجر مخافة شرّه ، وصُدّق الكاذب ، وائتمن الخائن ، واتُخذت القيان والمعازف ، ولعن آخر هذه الأمة أوّلها ، وركب ذوات الفروج السروج ، وتشبّه النساء بالرجال والرجال بالنساء ، وشهد الشاهد من غير أن يستشهد ، وشهد الآخر قضاء لذمامٍ بغير حقٍ عرفه ، وتُفقّه لغير الدين وآثروا عمل الدنيا على الآخرة ، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب وقلوبهم أنتن من الجيف ، وأمرّ من الصبر ، فعند ذلك الوحا الوحا ، العجل العجل ، خير المساكن يومئذٍ بيت المقدس ليأتينّ على الناس زمان يتمنّى أحدهم انّه من سكّانه »

(1) .

        يقول المؤلف :

        من الجدير أن أذكر هنا ملخّص ما قاله شيخنا المرحوم ثقة الاسلام النوري طاب اللّه‏ ثراه في (الكلمة الطيّبة) بعدما أثبت أنّ الشيعة الاثنى عشرية هم الفرقة الناجية من بين ثلاث وسبعين فرقة ، قال : وفوز هذه الجماعة في هذا العصر في غاية الضعف والوهن لأمور عديدة أهمّها كثرة تردّد الكفّار إلى بلاد ايران المقدّسة ، وشدّة مراودة وتحبّب المسلمين اليهم ، وغزو المدن والقرى بالآلات والأقمشة والأثاث المستورد من أهل الكفر والشرك ، حتى لم يبق شيء من ضروريات الحياة وأسباب راحة العيش الاّ ولهم فيه اسم ورسم وعلامة ، ونتيجة هذا العمل وآثار هذا التصرّف مفاسد ومضار كثيرة ، أحدها : ذهاب البغض للكفّار والملحدين من القلوب (وهو من أركان الدين وأجزاء الايمان) وحلول الحبّ لهم محلّه ، المضادّ لحب اللّه‏ وأوليائه كالضديّة بين

 

(1) البحار 52:193 ، ح 26 ، عن كمال الدين .
(645)

 

الماء والنار ، بل أصبح الاختلاط بهم والمراودة معهم سببا للافتخار والمباهاة ، والحال انّ اللّه‏ تعالى يقول :

        « لاَ تَجِدُ قَوْما يُؤمِنُونَ بِاللّه‏ِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّه‏َ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أوْ أبْنَاءَهُمْ أوْ إخْوَانَهُمْ أوْ عَشِيرَتَهُمْ ... »

(1) .

        هذا مع الأقرباء فكيف بالأجانب ، اذا فلا يكون لمحبّهم حظّ من الايمان ، وقال أيضا :

        « يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أوْلِيَاءَ ... »

(2) .

        وروي في من لا يحضره الفقيه عن الامام الصادق عليه‏السلام انّه قال : اوحى اللّه‏ عزوجل إلى نبيّ من أنبيائه : قل للمؤمنين لا يلبسوا لباس أعدائي ، ولا يطعموا مطاعم أعدائي ، ولا يسلكوا مسالك أعدائي ، فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي(3) .

        وورد هذا الحديث في كتاب الجعفريات عن أمير المؤمنين عليه‏السلام وزاد في آخره : « ولا يتشكّلوا مشاكل أعدائي »(4) .

        وروي في أمالي الصدوق عن الامام الصادق عليه‏السلام انّه قال : من أحبّ كافرا فقد أبغض اللّه‏ ، ومن أبغض كافرا فقد أحبّ اللّه‏ ، ثم قال عليه‏السلام : صديق عدوّ اللّه‏ عدوّ اللّه‏(5) .

        وروي في صفات الشيعة عن الامام الرضا عليه‏السلام انّه قال : انّ ممن يتّخذ مودّتنا أهل البيت لمن هو أشد فتنة على شيعتنا من الدجّال ، فقلت له : يا ابن رسول اللّه‏ بماذا ؟ قال : بموالاة أعدائنا ومعاداة أوليائنا ، انّه إذا كان كذلك اختلط الحق بالباطل واشتبه الأمر ، فلم يُعرف مؤمن من منافق(6) .

        وقال عليه‏السلام أيضا في اهل الجبر والتشبيه والغلاة ـ كما في الخصال ـ :

        ... فمن أحبّهم فقد أبغضنا ، ومن أبغضهم فقد أحبّنا ، ومن والاهم فقد عادانا ، ومن عاداهم فقد والانا ، ومن وصلهم فقد قطعنا ، ومن قطعهم فقد وصلنا ، ومن جفاهم فقد برّنا ، ومن برّهم فقد جفانا ، ومن أكرمهم فقد أهاننا ، ومن أهانهم فقد اكرمنا ، ومن قبلهم فقد ردّنا ، ومن ردّهم فقد قبلنا ، ومن أحسن اليهم فقد أساء الينا ، ومن أساء اليهم فقد أحسن الينا ، ومن صدّقهم فقد كذّبنا ، ومن كذّبهم فقد صدّقنا ، ومن أعطاهم فقد حرمنا ، ومن حرمهم فقد أعطانا . يا ابن خالد من كان من شيعتنا فلا يتّخذنّ منهم وليّا ولا نصيرا

(7) .

 
(1) المجادلة : 22 .
(2) الممتحنة : 1 .
(3) من لا يحضره الفقيه 1:163 ، ومثله الوسائل 11:111 ، ح 1 ، باب 64 ، كتاب الجهاد .
(4) الجعفريات : 234 ، عنه مستدرك الوسائل 11:119 ، باب 52 ، كتاب الجهاد .
(5) أمالي الصدوق : 484 ، ح 8 ، مجلس 88 ، عنه البحار 69:237 ، ح 3 ، باب 36 .
(6) صفات الشيعة : 50 ، حديث الرابع عشر .
(646)

 

        والثاني من مضارّ الاختلاط بالكفار بغض دين وسلوك المسلمين ، والعداوة للملتزمين دينيّا ، وللعلماء والصالحين المتأدّبين بآداب الشرع ، والمنكرين للتشبّه بتلك الجماعة الفاسقة بالقلب واللسان ، لانّ كلّ شخص ينفر طبيعيا عمّن يخالف طريقته ومنهجه ، وسيرته التي اختارها لطلب اللّذة والمنفعة ، سيما لو كان المخالف لهم ناهيا أيضا ورادعا لهم بقدر الامكان عن هذا المسير ، وقد بلغ هذا التنفّر والبغض حدّا حتى كاد أن يُتعامل مع أهل العلم والدين معاملة اليهود ، فتشمئز القلوب وتعبس الوجوه عند رؤياهم ، ولو تمكّنوا من ايصال الأذى اليهم لفعلوا ، بل يظهرون التنفّر والانزجار من كلّ معمّم ، حيث أصبح وجوده ينغّص عيشهم ولهوهم وطربهم ، فيستهزئون ويسخرون ويلمزون ويهمزون به اكثر من غيره ، بل يتفكّهون بتقليدهم حركات وسكنات أهل العلم في أوقات التحصيل والعبادة كأحد أسباب الضحك في مجالس لهوهم ، ويزيّنون به محافل طربهم ، وتارة يلبسونها لباس الشعر ويجعلوها في مضامين منظومة ، كما كان يفعل الكفّار عند رؤيتهم للمؤمنين من أفعال السخرية والاستهزاء بالاشارة واللسان والعين والحاجب والاستحقار والاستخفاف ، التي حكاها اللّه‏ تعالى عنهم وأوعدهم على ذلك العذاب في الدنيا والآخرة .

        وهذا البغض والتنفّر ينافي وجوب تعظيمهم واحترامهم أشد المنافات ، وورد حصر الايمان في كثير من الأخبار بالحبّ في اللّه‏ والبغض في اللّه‏ ، وقالوا :

        « ... أوثق عرى الايمان الحبّ في اللّه‏ والبغض في اللّه‏ وتوالي (تولى) اولياء اللّه‏ والتبري من أعداء اللّه‏ »

(1) .

        وجاء في نهج البلاغة انّ أمير المؤمنين عليه‏السلام قال : « لو لم يكن فينا الاّ حبّنا ما أبْغَضَ اللّه‏ ورسولهُ ، وتعظيمنا ما صَغّر اللّه‏ ورسولُه ، لكفى به شقاقا للّه‏ ومحادّة عن أمر اللّه‏ ... »(2) .

        وعلى أيّة حال : وصل الأمر بأمّة نبيّ آخر الزمان صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أنّ يصبح اغلب عوامها يجهلون الضروريات من مسائل الدين ، بل أصبحوا بتردّدهم على مجالس الزنادقة والنصارى والدهريين ، وأُنسهم بهم وسماعهم لكلمات الكفر والفجور المورثة للارتداد يخرجون من الدين أفواجا ، وهم مع هذا لا يعلمون أو يعلمون ولا يهتمّون .

        وأصبح الأعيان والأشراف يفتخرون بارتكاب المعاصي العظام كالافطار في شهر رمضان على ملأ من الناس ، ويهزؤن ويسخرون بالمتديّنين ، ويرمونهم بالحماقة والسفه ، ويعدّونهم في سلك الجّهال والخاملين وقد يسمّونهم الرجعيّين ، ومن دأبهم

 

(1) التوحيد : 364 ، ح 12 ، باب 59 ، وعيون الأخبار 1:143 ، ح 45 ، عنهما البحار 3:294 ، ح 18 ، باب 13 .
(2) اصول الكافي 2:126 ، ح 6 .
(3) نهج البلاغة ، ضمن خطبة 160 .
(647)

 

الاعتراض على اللّه‏ تعالى دائما ، وجعل مدح ووصف حكماء الافرنج وصناعاتهم ووفرة عقولهم وعلمهم تسبيحا لهم وزينةً لمجالسهم ، ويزعمون انّ صناعاتهم وأعمالهم ـ التي هي تكملة للعلوم الطبيعية والرياضيّة ـ خارجة عن قوّة البشر ، وتظاهي معاجز الانبياء والأوصياء عليه‏السلام وخوارق عاداتهم .

        ويفرّون من مجالس العلماء ، ويتذمرّون من الكلام حول الدين وذكر المعاد ، ولو حضروا اشتباها مجلسا من هذا القبيل لأخذهم النعاس ، أو يطير طائر خيالهم إلى مكان آخر ، ويعتقدون بانّ اعانة الفقراء وأهل الدين لغو لا فائدة فيه ، ويعظّمون أنفسهم ، ويوجّبون على الغير احترامهم لما يرون من غنائهم وثروتهم النجسة التي حصلوا عليها من الطرق المحرّمة ، ومن دماء الأرامل والأيتام والتي يصرفونها في الحرام والمعاصي العظام ، ومع هذا يتّهمون العلماء الأتقياء بأكل أموال الناس ، ويقولون انّهم أتباع كلّ ناع غنيّ وانّهم شُحّاذ أذلّة .

        واستعملوا أواني الذهب والفضة ولبسوا الحرير والذهب ، وحلقوا اللحى كهيئة بني مروان وبني أمية ، وصار كلامهم المحبوب ولسانهم المرغوب اللسان الفرنسي والانجليزي ، وأصبح جليسهم وأنيسهم كتب الضلال والكفر بدل كتاب اللّه‏ وآثار الائمة عليهم‏السلام ، وبينما نجد اليهود الذين جاوروا المسيحيين سنين كثيرة لم يتركوا سننهم وآدابهم ورسومهم ، نرى المسلمين يتركون دينهم بالمرة عند سفرهم إلى بلاد الكفّار أشهرا قليلة ، ولم تبق معصية الاّ وذهب قبحها في أعين الناس وشاعت عندهم ، ولم تبق طاعة ولا عبادة الاّ ودخلها الفساد والخلل بشتى الطرق ولم يبق منها الاّ الصورة والرسم ، ولقد عجز أهل الحق عن اقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأيسوا من التأثير ، وبكوا في خلواتهم على ضعف الايمان وغربة الاسلام وشيوع المنكر .

        والحمد للّه‏ على ما ظهر من صدق قول رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله بما أخبر من وقوع المفاسد وغيرها ، كما روى الشيخ الجليل عليّ بن ابراهيم القمّي في تفسيره عن ابن عباس انّه قال : حججنا مع رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله حجة الوداع ، فأخذ بحلقة باب الكعبة ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال : ألا أخبركم باشراط الساعة ؟ وكان أدنى الناس منه يومئذٍ سلمان رحمة اللّه‏ عليه ، فقال : بلى يا رسول اللّه‏ .

        فقال صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : انّ من أشراط القيامة اضاعة الصلوات واتباع الشهوات ، والميل إلى الأهواء ، وتعظيم أصحاب المال ، وبيع الدين بالدنيا ، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذاب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره .

        قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال : إي والذي نفسي بيده يا سلمان ، انّ عندها يليهم امراء جورة ، ووزراء فسقة ، وعرفاء ظلمة ، وآمناء خونة ، فقال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : إي والذي نفسي بيده يا سلمان ، انّ عندها يكون

(648)

 

المنكر معروفا ، والمعروف منكرا ، ويؤتمّن الخائن ، ويخوّن الأمين ، ويصدّق الكاذب ، ويكذّب الصادق .

        قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : إي والذي نفسي بيده يا سلمان ، فعندها تكون امارة النساء ، ومشاورة الاماء وقعود الصبيان على المنابر ، ويكون الكذب طرفا ، والزكاة مغرما ، والفيء مغنما ، ويجفو الرجل والديه ، ويبرّ صديقه ، ويطلع الكوكب المذنّب .

        قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال : إي والذي نفسي بيده يا سلمان ، وعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة ، ويكون المطر قيظا ، ويغيظ الكرام غيظا ، ويُحتقر الرجل المعسر ، فعندها تقارب الأسواق إذ قال هذا : لم أبع شيئا ، وقال هذا : لم أربح شيئا ، فلا ترى الاّ ذامّا للّه‏ .

        قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال : إي والذي نفسي بيده يا سلمان ، فعندها يليهم أقوام إن تكلّموا قتلوهم ، وإن سكتوا استباحوا حقّهم ، ليستأثرون أنفسهم بفيئهم ، وليطؤن حرمتهم ، وليسفكنّ دماءهم ، وليملأنّ قلوبهم دغلاً ورعبا ، فلا تراهم الاّ وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين .

        قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال : إي والذي نفسي بيده يا سلمان ، إن عندها يؤتى بشيء من المشرق وشيء من المغرب يلون أمتي ، فالويل لضعفاء امّتي منهم ، والويل لهم من اللّه‏ ، لا يرحمون صغيرا ، ولا يوقّرون كبيرا ، ولا يتجاوزون من مسيء ، جثتهم جثة الآدميين ، وقلوبهم قلوب الشياطين .

        قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال : إي والذي نفسي بيده يا سلمان ، وعندها يكتفي الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها ، وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، ولتركبنّ ذوات الفروج السروج ، فعليهنّ من أمّتي لعنة اللّه‏ .

        قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال : إي والذي نفسي بيده يا سلمان ، إن عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس ، وتحلّى المصاحف ، وتطول المنارات ، وتكثر الصفوف بقلوب متباغضة وألسن مختلفة .

        قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال : إي والذي نفسي بيده ، وعندها تحلى ذكور أمتّي بالذهب ، ويلبسون الحرير والديباج ، ويتّخذون جلود النمور صفافا ، قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال : إي والذي نفسي بيده يا سلمان ، وعندها يظهر الربا ، ويتعاملون بالعينة والرشى ، ويوضع الدين وترفع الدنيا .

        قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال : إي والذي نفسي بيده يا سلمان ، وعندها يكثر الطلاق ، فلا يقام للّه‏ حد ولن يضرّوا اللّه‏ شيئا ، قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال : إي والذي نفسي بيده يا سلمان ، وعندها تظهر القينات والمعازف ،

(649)

 

يليهم أشرار أمّتي .

        قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال : إي والذي نفسي بيده يا سلمان ، وعندها تحج أغنياء امّتي للنزهة ، وتحجّ أوساطها للتجارة ، وتحج فقراؤهم للرياء والسمعة ، فعندها يكون أقوام يتعلّمون القرآن لغير اللّه‏ ويتّخذونه مزامير ، ويكون أقوام يتفقّهون لغير اللّه‏ ، وتكثر أولاد الزنا ، ويتغنّون بالقرآن ، ويتهافتون بالدنيا .

        قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال : إي والذي نفسي بيده يا سلمان ، ذاك إذا انتهكت المحارم ، واكتسبت المآثم ، وتسلّط الأشرار على الأخيار ، ويفشو الكذب ، وتظهر اللجاجة ، وتغشو الفاقة ، ويتباهون في اللباس ، ويمطرون في غير أوان المطر ، ويستحسنون الكوبة والمعازف ، وينكرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذلّ من الأمة ، ويُظهر قرّاؤهم وعبّادهم فيما بينهم التلاوم فأولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس .

        قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال : إي والذي نفسي بيده يا سلمان ، فعندها لا يحض الغني على الفقير حتى أنّ السائل يسأل فيما بين الجمعتين لا يصيب أحدا يضع في كفّه شيئا ، قال سلمان : وإن هذا لكائن يا رسول اللّه‏ ؟ قال : إي والذي نفسي بيده يا سلمان

(1) .

        وخلاصة الأمر انّ الغيرة للدين والعصبيّة للمذهب ، قد زالت من القلوب بحيث لو حصل ضرر كلّي في الدين من قبل كافر لا ينزعج كما ينزعج لو وصل إليه ضرر ماليّ جزئي من قبل مسلم ، ولا يهمّه لو خرج الناس كلّهم عن الدين أفواجا أفواجا .

* * *

        انتهى ما قُدّر اثباته في هذا الكتاب الشريف في ليلة الثانية والثلاثين من شهر رمضان المبارك عام (1350 ه) ، في جوار الروضة الرضوية على مأويها الاف التسليم والتحية ، على يد الاحقر العاصي العباس بن محمد رضا القمي ، ولي رجاء واثق وأمل صادق من اخواني المؤمنين وشيعة أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام ، أن لا ينسوا هذا المذنب من دعائهم .

        والحمد للّه‏ أولاً وآخراً ، وصلى اللّه‏ على محمّد وآله الطيبين الطاهرين .

 

(1) تفسير القمي 2:303 (سورة محمد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ) ، الكلمة الطيبة : 11 ـ 21 .