(599)
فتقدّم
الصبيّ وصلّى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه عليهماالسلام ، ثم قال : يا بصريّ هات
جوابات الكتب التي معك ، فدفعتها إليه ، فقلت في نفسي : هذه بينتان بقي الهميان ،
ثم خرجت إلى جعفر بن عليّ وهو يزفر ، فقال له حاجز الوشاء : يا سيدي من الصبيّ
لنقيم الحجة عليه ؟
فقال
: واللّه ما رأيته قطّ ولا أعرفه ، فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم ، فسألوا عن الحسن
بن عليّ عليهماالسلام فعرفوا موته ، فقالوا : فمن نعزّي ؟ فأشار الناس إلى جعفر بن
عليّ ، فسلّموا عليه وعزّوه وهنّوه وقالوا : انّ معنا كتبا ومالاً ، فتقول : ممّن
الكتب ؟ وكم المال ؟
فقام
ينفض أثوابه ويقول : تريدون منّا أن نعلم الغيب ، قال : فخرج الخادم فقال : معكم
كتب فلان وفلان ، وهميان فيه الف دينار وعشرة دنانير منها مطليّة ، فدفعوا إليه
الكتب والمال وقالوا : الذي وجّه بك لإخذ ذلك هو الامام ، فدخل جعفر بن عليّ على
المعتمد وكشف له ذلك ، فوجّه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها
بالصبيّ ، فانكرته وادّعت حبلاً بها لتغطّي حال الصبي ، فسلّمت إلى إبن أبي
الشوارب القاضي ، وبغتهم موت عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان فجأة ، وخروج صاحب
الزنج بالبصرة ، فشغلوا بذلك عن الجارية ، فخرجت عن أيديهم والحمد للّه ربّ
العالمين
(1) .
وروى
ابن بابويه أيضا بسند معتبر عن محمد بن الحسين انّه قال : مات أبو محمد الحسن بن
عليّ عليهالسلام يوم جمعة مع صلاة الغداة ، وكان في تلك الليلة قد كتب بيده كتبا
كثيرة إلى المدينة ، وذلك في شهر ربيع الأوّل لثمان خلون منه سنة ستين ومائتين من
الهجرة ، ولم يحضره في ذلك الوقت الاّ صقيل الجارية وعقيد الخادم ومَن علم اللّه
عزوجل غيرهما .
قال
عقيد : فدعا بماء قد اغلي بالمصطكي فجئنا به إليه ، فقال : أبدء بالصلاة هيّئوني ،
فجئنا به وبسطنا في حجره المنديل ، فأخذ من صقيل الماء فغسل به وجهه وذراعيه مرّة
مرّة ، ومسح على رأسه وقدميه مسحا ، وصلّى صلاة الصبح على فراشه ، وأخذ القدح
ليشرب فأقبل القدح يضرب ثناياه ويده ترتعد ، فأخذت صقيل القدح من يده ومضى من
ساعته صلوات اللّه عليه ، ودفن في داره بسرّ من رأى إلى جانب أبيه صلوات اللّه
عليهما
(2) .
وكانت
شهادته عليهالسلام باتفاق اكثر المؤرخين والمحدثين في الثامن من شهر ربيع الأوّل
سنة (260 ه) ، وذكر الشيخ الطوسي في المصباح انها كانت في اوّل الشهر ، وقال
الأكثر انها كانت في يوم الجمعة ، وقيل الأربعاء وقيل الأحد ، وكان عمره
عليهالسلام (22)
(1) كمال الدين 2:475 ،
عنه البحار 50:332 ، ح 4 .
(2) كمال الدين 2:473 ، ح
25 ، عنه البحار 50:331 ، ح 3 .
(600)
سنة ، وقيل
(28) سنة ، وكانت مدّة امامته ست سنين .
قال
ابن بابويه وغيره انّ المعتمد سمّ الامام عليهالسلام ، وروي في كتاب عيون
المعجزات عن احمد بن اسحاق انّه قال : دخلت على أبي محمد عليهالسلام فقال لي : يا
أحمد ما كان حالكم فيما كان الناس فيه من الشك والارتياب ؟ قلت : لمّا ورد الكتاب
بخبر مولد سيدنا عليهالسلام لم يبق منّا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم الاّ
قال بالحق .
قال
عليهالسلام : اما علمتم انّ الأرض لا تخلو من حجة اللّه تعالى ، ثم أمر أبو محمد
عليهالسلام والدته بالحج في سنة تسع وخمسين ومائتين وعرّفها ما يناله في سنة ستين
، ثم سلم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إلى القائم الصاحب عليهالسلام ، وخرجت
امّ أبي محمد إلى مكة ، وقبض عليهالسلام في شهر ربيع الآخر سنة ستين ومائتين ،
ودفن بسرّ من رأى إلى جانب أبيه صلوات اللّه عليهما ، وكان من مولده إلى وقت
مضيّه تسع وعشرون سنة
(1) .
روى الشيخ الطوسي بسنده عن أبي
سليمان داوُد بن غسّان البحراني انّه قال : دخلت على أبي محمد الحسن بن عليّ
عليهماالسلام في المرضة التي مات فيها إذ قال لخادمه عقيد ـ وكان الخادم أسود
نوبيا قد خدم من قبله عليّ بن محمد وهو ربّى الحسن عليهالسلام ـ فقال: يا عقيد
إغل لي ماء بمصطكي، فأغلي له، ثم جاءت به صقيل الجارية أمّ الخلف عليهالسلام ،
فلمّا صار القدح في يديه وهمّ بشربه فجعلت يده ترتعد حتى ضرب القدح ثنايا الحسن ،
فتركه من يده وقال لعقيد : ادخل البيت فانّك ترى صبيّا ساجدا فأتني به .
قال
عقيد : فدخلت أتحرّى فاذا أنا بصبيّ ساجد رافع سبابته نحو السماء ، فسلّمت عليه
فأوجز في صلاته ، فقلت : انّ سيدي يأمرك بالخروج إليه ، إذ جاءت امّه صقيل فأخذت
بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن عليهالسلام .
فلمّا
مثل الصبي بين يديه سلّم وإذا هو دري اللون وفي شعر رأسه قطط ، مفلج الاسنان ،
فلمّا رآه الحسن عليهالسلام بكى وقال : يا سيد أهل بيته إسقني الماء فانّي ذاهب
إلى ربّي ، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده ثم حرّك شفتيه ثم سقاه ، فلمّا
شربه قال : هيّئوني للصلاة .
فطرح
في حجره منديل ، فوضّأه الصبي واحدة واحدة ، ومسح على رأسه وقدميه ، فقال له أبو
محمد عليهالسلام : إبشر يا بني فأنت صاحب الزمان ، وأنت المهدي ، وأنت حجة اللّه
على أرضه ، وأنت ولدي ووصيي وأنا ولدتك ، وأنت محمد بن الحسن بن عليّ بن محمد بن
عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، ولّدك رسول
اللّه صلىاللهعليهوآله ، وأنت خاتم الائمة الطاهرين وبشر بك رسول اللّه
عليهالسلام وسمّاك وكنّاك بذلك ، عهد اليّ أبي عن آبائك الطاهرين صلى اللّه على
(1) عيون المعجزات : 140 ،
عنه البحار 50:335 ، ح 13 .
(601)
أهل البيت
، ربنا انّه حميد مجيد . ومات الحسن بن عليّ من وقته صلوات اللّه عليهم أجمعين(1)
.
روى
الشيخ الطوسي عن الامام الحسن العسكري عليهالسلام انّه قال ما مضمونه : انّ قبري
بسامراء أمان من البلاء والمصائب لأهل الجانبين(2) .
قال
المجلسي الاول رحمهالله انّ أهل الجانبين هم الشيعة والسنة ، وقد أحاطت بركته
عليهالسلام الصديق والعدو ، كما كان قبر الكاظم عليهالسلام امانا لأهل بغداد .
قال
الشيخ الأجلّ عليّ بن عيسى الأربلي في كتاب كشف الغمة الذي اُلّف سنة (677 ه) إنّه
: حكى لي بعض الأصحاب انّ الخليفة المستنصر مشى مرّة إلى سرّ من رأى وزار
العسكريين عليهماالسلام ، وخرج فزار التربة التي دفن فيها الخلفاء من آبائه وأهل
بيته، وهم في قبة خربة يصيبها المطر وعليها زرق الطيور ـ وأنا رأيتها على هذه
الحال ـ .
فقيل
له : أنتم خلفاء الأرض وملوك الدنيا ولكم الأمر في العالم ، وهذه قبور آبائكم بهذه
الحال لا يزورها زائر ولا يخطر بها خاطر ، وليس فيها أحد يميط عنها الأذى ، وقبور
هؤلاء العلويين كما ترونها بالستور والقناديل والفرش والزلالي والرّاشين والشمع
والبخور وغير ذلك .
فقال
: هذا أمر سماويّ لا يحصل باجتهادنا ، ولو حملنا الناس على ذلك ما قبلوه ولا فعلوه
، وصدق فانّ الاعتقادات لا تحصل بالقهر ، ولا يتمكن أحد من الإكراه عليها
(3) .
* * *
(1) الغيبة : 165 ، عنه
البحار 52:16 ، ح 14 .
(2) راجع التهذيب 6:93 .
(3) كشف الغمة 3:325 .
(602)
الباب الرابع عشر
في تاريخ الامام الثاني عشر حجة اللّه على عباده
وبقيته في بلاده ، كاشف الأحزان وخليفة الرحمن الحجة بن الحسن ، صاحب الزمان صلوات
اللّه عليه
(603)
(604)
الفصل الأول
في بيان ولادة الامام الحجة عليهالسلام وأحوال
والدته الماجدة
وذكر بعض ألقابه وشمائله المباركة
قال
العلامة المجلسي في جلاء العيون : الأشهر في تاريخ ولادته عليهالسلام انّها كانت
في سنة (255 ه) وقيل (256 ه) وايضا (258 ه) ، والمشهور انّها كانت في ليلة الجمعة
الخامس عشر من شهر شعبان ، وقيل في الثامن منه ، وكانت ولادته في سامراء بالاتفاق ،
واسمه وكنيته عليهالسلام يوافقان اسم رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وكنيته ،
ولا يجوز ذكر اسمه في زمن الغيبة ، والحكمة في هذا التحريم خافية ، والقابه
عليهالسلام : المهدي والخاتم والمنتظر والحجة والصاحب
(1) .
روى
ابن بابويه والشيخ الطوسي باسانيد معتبرة عن محمد بن بحر بن سهل الشيباني انّه قال
: قال بشر بن سليمان النخّاس ، وهو من ولد أبي أيّوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن
وأبي محمد وجارهما بسرّ من رأى :
أتاني
كافور الخادم فقال : مولانا أبو الحسن عليّ بن محمد العسكري يدعوك إليه ، فأتيته
فلمّا جلست بين يديه قال لي : يا بشر انّك من ولد الأنصار وهذه الموالاة لم تزل
فيكم يرثها خلف عن سلف ، وأنتم ثقاتنا أهل البيت ، وانّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة
تسبق بها الشيعة في الموالاة بسرّ اُطلعك عليه ، واُنفذك في ابتياع أمة ، فكتب
كتابا لطيفا بخطّ رومي ولغة رومية وطبع عليه خاتمه ، وأخرج شقيقة صفراء فيها
مائتان وعشرون دينارا .
فقال
: خذها وتوجّه بها إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا ، فاذا وصلت الى
جانبك زواريق السّبايا ، وترى الجواري فيها ستجد طوايف المبتاعين من وكلاء قوّاد
بني العبّاس وشرذمة من فتيان العرب ، فاذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى
عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا
لابسة حريرين صفيقين تمتنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها ،
وتسمع صرخة روميّة من وراء ستر رقيق ، فاعلم انّها تقول : واهتك ستراه .
فيقول
بعض المبتاعين : عليّ ثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة ،
(1) جلاء العيون : 579 .
(605)
فتقول له
بالعربية : لو برزت في زيّ سليمان بن داوُد وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة
فاشفق على مالك ، فيقول النّخاس : فما الحيلة ولابدّ من بيعك ، فتقول الجارية :
وما العجلة ، ولابدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وامانته .
فعند
ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له : انّ معك كتابا ملصقا لبعض الأشراف كتبه
بلغة روميّة وخطّ روميّ ، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه ، فناولها لتتأمّل
منه أخلاق صاحبه ، فان مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك .
قال
بشر بن سليمان : فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليهالسلام في أمر
الجارية ، فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا وقالت لعمر بن يزيد : بعني من صاحب
هذا الكتاب ، وحلفت بالمحرّجة والمغلّظة انّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها ،
فما زلت اُشاحّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي
عليهالسلام من الدّنانير ، فاستوفاه وتسلّمت الجارية ضاحكة مستبشرة ، وانصرفت بها
إلى الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولانا
عليهالسلام من جيبها وهي تلثمه وتطبّقه على جفنها ، وتضعه على خدّها وتمسحه على
بدنها .
فقلت
تعجّبا منها : تلثمين كتابا لا تعرفين صاحبه ؟ فقالت : أيها العاجز الضّعيف
المعرفة بمحلّ أولاد الانبياء أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك ، أنا مليكة بنت يشوعا بن
قيصر ملك الرّوم ، وامّي من ولد الحواريّين تنسب إلى وصيّ المسيح شمعون اُنبّئك
بالعجب .
انّ
جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه ، وانا من بنات ثلاث عشرة سنة ، فجمع في
قصره من نسل الحواريين من القسّيسين والرهبان ثلاثمائة رجل ، ومن ذوي الأخطار منهم
سبعمائة رجل ، وجمع من اُمراء الأجناد وقوّاد العسكر ونقباء الجيوش وملوك العشاير
أربعة آلاف ، وأبرز من بهيّ ملكه عرشا مصنوعا من أصناف الجوهر ورفعه فوق أربعين
مرقاة ، فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت الصّلب وقامت الأساقفة عكّفا ونشرت أسفار
الانجيل ، تسافلت الصّلب من الأعلى فلصقت بالأرض ، وتقوّضت أعمدة العرش فانهارت
إلى القرار ، وخرّ الصاعد من العرش مغشيّا عليه ، فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت
فرائصهم .
فقال
كبيرهم لجدّي : أيها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال دولة هذا
الدين المسيحي والمذهب الملكاني ، فتطيّر جدّي من ذلك تطيّرا شديدا ، وقال
للأساقفة : أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصّلبان ، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر
المنكوس جدّه لاُزوّجه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده ، ولمّا فعلوا ذلك حدث
على الثاني مثل ما حدث على الأوّل ، وتفرّق الناس وقام جدّي قيصر مغتما ، فدخل
منزل النساء واُرخيت السّتور ، واُريت في تلك الليلة كأنّ المسيح وشمعون
(606)
وعدّة من
الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي ، ونصبوا فيه منبرا من نور يباري السّماء علوّا
وارتفاعا في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه ، ودخل عليهم محمد
صلىاللهعليهوآله وختنه ووصيّه عليهالسلام وعدّة من أبنائه عليهمالسلام .
فتقدم
المسيح إليه فاعتنقه فيقول له محمد صلىاللهعليهوآله : يا روح اللّه إني جئتك
خاطبا من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا ، وأومأ بيده إلى أبي محمد عليهالسلام
ابن صاحب هذا الكتاب ، فنظر المسيح إلى شمعون وقال له : قد أتاك الشرف فصل رحمك
رحم آل محمد صلىاللهعليهوآله ، قال : قد فعلت، فصعد ذلك المنبر فخطب محمد
صلىاللهعليهوآله وزوجني من ابنه ، وشهد المسيح عليهالسلام وشهد أبناء محمد
عليهمالسلام والحواريون .
فلمّا
استيقظت أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي مخافة القتل ، فكنت أسرّها ولا
أبديها لهم ، وضرب صدري بمحبة أبي محمد عليهالسلام حتى امتنعت من الطعام والشراب
فضعفت نفسي ودق شخصي ، ومرضت مرضا شديدا ، فما بقي في مدائن الروم طبيب الاّ أحضره
جدي وسأله عن دوائي ، فلمّا برح به اليأس (قال) : يا قرة عيني وهل يخطر ببالك شهوة
فازوّدكها في هذه الدنيا ، فقلت : يا جدي أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة ، فلو كشفت
العذاب عمن في سجنك من أسارى المسلمين ، وفككت عنهم الأغلال وتصدقت عليهم ومنّيتهم
الخلاص رجوت أن يهب لي المسيح وأمه عافية .
فلمّا
فعل ذلك تجلّدت في اظهار الصحة من بدني قليلاً وتناولت يسيرا من الطعام ، فسر بذلك
وأقبل على اكرام الأسارى واعزازهم ، فأريت بعد أربع عشرة ليلة كأنّ سيدة نساء
العالمين فاطمة عليهاالسلام قد زارتني ، ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف
الجنان ، فتقول لي مريم : هذه سيدة نساء العالمين أم زوجك أبي محمد
صلىاللهعليهوآله ، فأتعلّق بها وأبكي واشكو اليها امتناع أبي محمد عليهالسلام
من زيارتي .
فقالت
سيدة النساء عليهاالسلام : إن ابني أبا محمد لا يزورك وانت مشركة باللّه على مذهب
النصارى ، وهذه اختي مريم بنت عمران تبرأ إلى اللّه تعالى من دينك ، فان ملت إلى
رضى اللّه ورضى المسيح ومريم عليهماالسلام وزيارة أبي محمد اياك فقولي اشهد ان لا
اله الاّ اللّه وان أبي محمد رسول اللّه ، فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني إلى
صدرها سيدة نساء العالمين عليهاالسلام وطيّبت نفسي ، وقالت : الآن توقّعي زيارة
أبي محمد فانّي منفذته اليك ، فانتبهت وأنا أنول وأتوقع لقاء أبي محمد عليهالسلام
.
فلمّا
كان في الليلة القابلة رأيت أبا محمد عليهالسلام وكأني أقول له : جفوتني يا حبيبي
بعد أن اتلفت نفسي معالجة حبك ، فقال : ما كان تأخّري عنك الاّ لشركك ، فقد اسلمت
وأنا زائرك في كل ليلة إلى ان يجمع اللّه تعالى شملنا في العيان ، فما قطع عني
زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية .
(قال
بشر :) فقلت لها : وكيف وقعت في الأسارى ، فقالت : أخبرني
(607)
أبو محمد
عليهالسلام ليلة من الليالي ان جدك سيسيّر جيشا إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا
ثم يتبعهم ، فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا
، ففعلت ذلك فوقعت علينا طلايع المسلمين حتى كان من أمري ما رأيت وشاهدت ، وما شعر
بانّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك ، وذلك باطلاعي اياك عليه ، ولقد
سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت نرجس ، فقال :
اسم الجواري .
قلت
: العجب انك رومية ولسانك عربي . قالت : نعم من ولوع جدي وحمله ايّاي على تعلم
الآداب أن أوعز اليّ امرأة ترجمانة لي في الاختلاف اليّ ، وكانت تقصدني صباحا
ومساء وتفيدني العربية حتى استمر لساني عليها واستقام (قال بشر :) فلمّا انكفأت
بها إلى سر من رأى دخلت على مولاي أبي الحسن عليهالسلام فقال : كيف أراكِ اللّه
عز الاسلام وذل النصرانية وشرف محمد وأهل بيته عليهمالسلام ؟
قالت
: كيف أصف لك يا ابن رسول اللّه ما أنت أعلم به منّي ، قال : فاني أحببت أن أكرمك
فما أحب اليك عشرة آلاف دينار أم بشرى لك بشرف الأبد ؟ قالت : بشرى بولد لي ، قال
لها : أبشري بولد يملك الدنيا شرقا وغربا ويملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلما
وجورا .
قالت
: ممن ؟ قال : ممن خطبك رسول اللّه صلىاللهعليهوآله له ليلة كذا في شهر كذا
من سنة كذا بالرومية ، قالت : من المسيح ووصيّه ؟ قال لها : ممّن زوجك المسيح
عليهالسلام ووصيه ؟ قالت : من ابنك أبي محمد عليهالسلام ؟ فقال : هل تعرفينه ؟
قالت : وهل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيدة النساء صلوات
اللّه عليها .
قال
: فقال مولانا : يا كافور أدع اختي حكيمة ، فلمّا دخلت قال لها : هاهيه فاعتنقتها
طويلاً وسرّت بها كثيرا ، فقال لها أبو الحسن عليهالسلام : يا بنت رسول اللّه
خذيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن ، فانّها زوجة أبي محمد وأم القائم
عليهالسلام
(1) .
وروى
الكليني وابن بابويه والشيخ الطوسي والسيد المرتضى وغيرهم من المحدّثين بأسانيد
معتبرة عن حكيمة انّها قالت : كانت لي جارية يقال لها نرجس ، فزارني ابن أخي
(الامام العسكري) عليهالسلام وأقبل يحدّ النظر إليها ، فقلت له : يا سيدي لعلّك
هويتها فارسلها اليك ؟ فقال : لا يا عمّة لكنّي أتعجّب منها .
فقلت
: وما أعجبك ؟ فقال عليهالسلام : سيخرج منها ولد كريم على اللّه عزوجل الذي يملأ
اللّه به الأرض عدلاً وقسطا كما ملئت جورا وظلما ، فقلت : فارسلها اليك يا سيدي ؟
فقال : استأذني في ذلك أبي .
قالت
: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن (الهادي عليهالسلام ) فسلّمت وجلست ،
(1) كتاب الغيبة : 124 ، ح
178 ، عنه البحار 51:6 ، ح 12 ، وفي كمال الدين : 418 .
(608)
فبدأني
عليهالسلام وقال : يا حكيمة ابعثي بنرجس إلى ابني أبي محمد ، قالت : فقلت : يا
سيدي على هذا قصدتك ان أستأذنك في ذلك ، فقال : يا مباركة انّ اللّه تبارك وتعالى
أحبّ أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيبا .
قالت
حكيمة : فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزيّنتها ووهبتها لأبي محمد عليهالسلام ،
وجمعت بينه وبينها في منزلي ، فأقام عندي ايّاما ثم مضى إلى والده ، ووجّهت بها
معه .
قالت
حكيمة : فمضى أبو الحسن عليهالسلام وجلس أبو محمد عليهالسلام مكان والده ، وكنت
أزوره كما كنت أزور والده ، فجاءتني نرجس يوما تخلع خفّي فقالت : يا مولاتي
ناوليني خفّك ، فقلت : بل أنت سيدتي ومولاتي ، واللّه لا أدفع اليك خفّي لتخلعيه
ولا لتخدميني ، بل أنا أخدمك على بصري .
فسمع
أبو محمد عليهالسلام ذلك فقال : جزاك اللّه يا عمة خيرا ، فجلست عنده إلى وقت
غروب الشمس ، فصحت بالجارية وقلت : ناوليني ثيابي لأنصرف ، فقال عليهالسلام : يا
عمّتاه بيّتي الليلة عندنا ، فانّه سيولد الليلة المولود الكريم على اللّه عزوجل
الذي يحيى اللّه عزوجل به الأرض بعد موتها .
فقلت
: ممّن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئا من أثر الحبل ، فقال : من نرجس لا من غيرها ،
قالت : فوثبت إليها فقلبتها ظهرا لبطن فلم أر بها أثرا من حبل ، فعدت إليه
عليهالسلام فأخبرته بما فعلت ، فتبسّم ثم قال لي : إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها
الحبل ، لانّ مثلها مثل أمّ موسى لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت
ولادتها ، لانّ فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في طلب موسى وهذا نظير موسى
عليهالسلام
(1) .
وفي
رواية أخرى انّه قال : انّا معاشر الأوصياء لسنا نحمل في البطون وانّما نحمل في
الجنوب ، ولا نخرج من الأرحام وانّما نخرج من الفخذ الأيمن من امّهاتنا ، لأنّنا
نور اللّه الذي لا تناله الدانسات(2) .
قالت
حكيمة : فذهبت إلى نرجس وأخبرتها ، فقالت : لم أر شيئا ولا أثرا ، فبقيت الليل
هناك وأفطرت عندهم ، ونمت قرب نرجس وكنت أفحصها كلّ ساعة وهي نائمة ، فازدادت
حيرتي واكثرت في هذه الليلة من القيام والصلاة ، فلمّا كنت في الوتر من صلاة الليل
قامت نرجس فتوضّأت وصلّت صلاة الليل .
ونظرت
فاذا الفجر الأول قد طلع ، فتداخل قلبي، الشك فصاح بي أبومحمد عليهالسلام فقال :
لا تعجلي يا عمّة فانّ الأمر قد قرب ، فرأيت اضطرابا في نرجس فضممتها إلى صدري
وسمّيت عليها ، فصاح أبو محمد عليهالسلام وقال : اقرئي عليها (انّا أنزلناه في
ليلة القدر) ، فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها : ما حالك ؟ قالت : ظهر الأمر الذي
أخبرك به
(1) كمال الدين : 426 ، ح
2 ، عنه البحار 51:11 ، ص 24 .
(2) البحار 51:26 .
(609)
مولاي .
فأقبلت
أقرأ عليها كما أمرني ، فأجابي الجنين من بطنها يقرأ كما أقرأ وسلّم عليّ ، قالت
حكيمة : ففزعت لمّا سمعت ، فصاح بي أبو محمد عليهالسلام : لا تعجبي من أمر اللّه
عزوجل انّ اللّه تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغارا ويجعلنا حجة في أرضه كبارا ،
فلم يستتمّ الكلام حتى غيّبت عنّي نرجس ، فلم أرها كأنّه ضرب بيني وبينها حجاب .
فعدوت
نحو أبي محمد عليهالسلام وانا صارخة ، فقال لي : ارجعي يا عمة فانّك ستجديها في
مكانها ، قالت : فرجعت فلم ألبث أن كشف الحجاب بيني وبينها ، وإذا أنا بها وعليها
من أثر النور ما غشي بصري ، وإذا أنا بالصبي عليهالسلام ساجدا على وجهه جاثيا على
ركبتيه رافعا سبّابتيه [ نحو السماء ] وهو يقول :
«
أشهد أن لا اله الا اللّه وحده لا شريك له ، وانّ جدّي رسول اللّه ، وانّ أبي
أمير المؤمنين » ثمّ عدّ اماما اماما إلى أن بلغ إلى نفسه ، فقال : « اللهم أنجز
لي وعدي ، وأتمم لي أمري ، وثبّت وطأتي ، واملأ الأرض بي عدلاً وقسطا »
(1) .
وفي
رواية عن أبي علي الخيزراني ، عن جارية له عند الامام الحسن عليهالسلام انها قالت
: لمّا ولد (السيد) رأيت له نورا ساطعا قد ظهر منه وبلغ افق السماء ، ورأيت طيورا
بيضاء تهبط من السماء وتمسح اجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ، ثم تطير ...(2)
فناداني
أبو محمد عليهالسلام وقال : يا عمة هاتي ابني اليّ ، فكشفت عن سيدي عليهالسلام
فاذا به مختونا مسرورا طهرا طاهرا وعلى ذراعه الأيمن مكتوب : « ... جَاءَ الْحَقُّ
وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقا »(3) .
فأتيت
به نحوه فلمّا مثلت بين يدي أبيه سلّم على أبيه ، فتناوله الحسن ، وأدخل لسانه في
فمه ومسح بيده على ظهره وسمعه ومفاصله ثم قال له : يا بني انطق بقدرة اللّه ،
فاستعاذ وليّ اللّه عليهالسلام من الشيطان الرجيم واستفتح :
«
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَنُرِيدُ أنْ نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا فِى الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ *
وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الأرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا
مِنْهُمْ مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ »
(4) .
وصلّى
على رسول اللّه وعلى أمير المؤمنين والائمة عليهمالسلام واحدا واحدا حتى انتهى
إلى أبيه ، وكانت هناك طيور ترفرف على رأسه ، فصاح بطير منها فقال له : احمله
(1) كمال الدين : 426 ، ح
2 ، البحار 51:13 .
(2) كمال الدين : 431 ، ح
7 ، باب 42 ما روي في ميلاد القائم عليهالسلام .
(3) الاسراء : 81 .
(4) القصص : 5 ـ 6 .
(610)
واحفظه
وردّه الينا في كلّ أربعين يوما .
فتناوله
الطائر وطار به في جوّ السماء وأتبعه سائر الطير ، فسمعت أبا محمد يقول : أستودعك
الذي استودعته امّ موسى ، فبكت نرجس ، فقال لها : اسكتي فانّ الرضاع محرّم عليه
الاّ من ثديك ، وسيعاد اليك كما ردّ موسى إلى امّه ، وذلك قوله عزوجل : «
فَرَدَدْنَاهُ إلَى أمِّهِ كَى تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ ... »
(1) .
قالت
حكيمة : فقلت : ما هذا الطائر ؟ قال : هذا روح القدس الموكل بالائمة عليهمالسلام
يوفقهم ويسدّدهم ويربيهم بالعلم .
قالت
حكيمة : فلمّا أن كان بعد أربعين يوما ردّ الغلام ، ووجّه اليّ ابن أخي
عليهالسلام فدعاني ، فدخلت عليه فاذا أنا بصبيّ متحرك يمشي بين يديه ، فقلت :
سيدي هذا ابن سنتين ! فتبسّم عليهالسلام ثم قال : انّ اولاد الانبياء والأوصياء
إذا كانوا أئمة ينشؤون بخلاف ما ينشأ غيرهم ، وانّ الصبي منّا إذا أتى عليه شهر
كان كمن يأتي عليه سنة ، وانّ الصبي منّا ليتكلّم في بطن امّه ويقرأ القرآن ويعبد
ربّه عزوجل ، وعند الرضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليه كل صباح ومساء.
قالت
حكيمة : فلم أزل أرى ذلك الصبي كلّ أربعين يوما إلى أن رأيته رجلاً قبل مضيّ أبي
محمد عليهالسلام بأيّام قلائل فلم أعرفه ، فقلت لأبي محمد عليهالسلام : من هذا
الذي تأمرني أن أجلس بين يديه ؟ فقال : ابن نرجس وهو خليفتي من بعدي وعن قليل
تفقدوني ، فاسمعي له وأطيعي .
قالت
حكيمة : فمضى أبو محمد عليهالسلام بأيّام قلائل وافترق الناس ، وانّي واللّه
لأراه صباحا ومساءا ، وانّه لينبئني عمّا أسأله ، وواللّه انّي لأريد أن أسأله عن
الشيء فيبدؤني به
(2) .
وفي
رواية انّ حكيمة قالت : فلمّا كان بعد ثلاث اشتقت إلى وليّ اللّه عليهالسلام
فصرت اليهم ، فسألت عنه فأجابني عليهالسلام انّه أخذه من هو احق به منك ، فاذا
كان اليوم السابع فأتينا ، فذهبت في اليوم السابع اليهم ، فرأيت مولاي في المهد
يزهر منه النور كالقمر ليلة أربعة عشرة .
فقال
أبومحمد عليهالسلام : هلمّي ابني ، فجئت بسيدي فجعل لسانه في فمه ثم قال له :
تكلّم يا بني، فقال عليهالسلام : اشهد أن لا اله الاّ اللّه ، وثنّى بالصلاة على
محمد وأمير المؤمنين والائمة حتى وقف على أبيه ثم قرأ :
«
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَنُرِيدُ أنْ نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا فِى الأرْضِ ... » ثم قال له : اقرأ يا بني ممّا أنزل اللّه على
أنبيائه ورسله ، فابتدأ بصحف آدم فقرأها
(1) القصص : 13 .
(2) راجع البحار 51:14 ،
مع اختلاف وتغيير ، وفي كمال الدين : 426 .
(611)
بالسريانيّة
، وكتاب ادريس ، وكتاب نوح ، وكتاب هود ، وكتاب صالح ، وصحف ابراهيم ، وتوراة موسى
، وزبور داوُد ، وانجيل عيسى ، وفرقان جدي رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، ثم
قصّ قصص الانبياء والمرسلين إلى عهده .
ثم
قال عليهالسلام : لما وهب لي ربّي مهديّ هذه الامة أرسل ملكين فحملاه إلى سرادق
العرش حتى وقفا به بين يدي اللّه عزوجل ، فقال له : مرحبا بك عبدي لنصرة ديني ،
واظهار أمري ، ومهديّ عبادي ، آليت انّي بك آخذ وبك أعطي وبك أغفر وبك اعذّب ،
اُردداه ايّها الملكان ردّاه ردّاه على أبيه ردّا رفيقا ، وأبلغاه فانّه في ضماني
وكنفي وبعيني إلى أن اُحقّ به الحق وأزهق به الباطل ويكون الدين لي واصبا
(1) .
وذكر
في حق اليقين كيفية ولادته عليهالسلام بهذا النحو أيضا وزاد عليه بعض الروايات ،
منها رواية محمد بن عثمان العمري انّه قال : لما ولد السيد عليهالسلام قال أبو
محمد عليهالسلام : ابعثوا إلى أبي عمرو ، فبعث إليه ، فصار إليه فقال : اشتر عشرة
آلاف رطل خبزا ، وعشرة آلاف رطل لحما وفرّقه ، أحسبه قال : على بني هاشم ، وعقّ
عنه بكذا وكذا شاة(2) .
وروت
نسيم ومارية أمتا الحسن بن عليّ عليهالسلام قالتا : لمّا سقط صاحب الزمان من بطن
أمّه سقط جاثيا على ركبتيه رافعا سبّابيته إلى السماء ، ثم عطس فقال : الحمد للّه
ربّ العالمين وصلّى اللّه على محمد وآله ، زعمت الظلمة انّ حجة اللّه داحضة ،
ولو اُذن لنا في الكلام لزال الشك .
وروي
عن نسيم انها أيضا قالت : قال لي صاحب الزمان ـ وقد دخلت عليه بعد ميلاده بليلة
فعطست ـ فقال : يرحمك اللّه ، قالت نسيم : ففرحت بذلك ، فقال : ألا ابشّرك
بالعطاس ؟ فقلت : بلى ، فقال : هو أمان من الموت إلى ثلاثة أيّام
(3) .
وأمّا
اسماؤه وألقابه الشريفة ؛ فاعلم انّ شيخنا المرحوم ثقة الاسلام النوري رحمهالله
ذكر في كتابه (النجم الثاقب) اثنين وثمانين ومائة اسمٍ له عليهالسلام ، ونكتفي
هنا بذكر بعضها :
الأول
: بقية اللّه ؛ فقد روي انّه عليهالسلام إذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة ، واجتمع
إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، وأوّل ما ينطق به هذه الآية : « بَقِيَّتُ
اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُّؤمِنِينَ ... »
(4) .
ثم
يقول : أنا بقية اللّه في أرضه وخليفته وحجته عليكم ، فلا يسلّم عليه مسلّم الاّ
(1) البحار 51:27 ، ملخصا
، وفي جلاء العيون : 1001 .
(2) راجع البحار 51:5 ، ح
9 ، عن كمال الدين .
(3) حق اليقين : 318 ،
ومثله في اعلام الورى : 395 ، وفيه انّ نسيم ومارية كانا خادمين لا أمتين ، وفي
البحار 51:5 ، ح 7 ، عن كمال الدين .
(4) هود : 86 .
(612)
قال :
السلام عليك يا بقية اللّه في أرضه(1) .
الثاني
: الحجة ؛ وهذا اللقب من القابه الشائعة ، الوارد كثيرا في الأدعية والأخبار وذكره
اكثر المحدثين ، وهذا اللقب مع انّه مشترك بين سائر الائمة عليهمالسلام ـ فانّهم
حجج اللّه على خلقه ـ لكنّه اختص به عليهالسلام بحيث لو ذكر بدون قرينة لكان
المقصود هو لا غيره ، وقيل انّ لقبه عليهالسلام (حجة اللّه) بمعنى غلبة اللّه
أو سلطته على خلقه ، لانّ كليهما يتحققان عند ظهوره (عجل اللّه فرجه) . ونقش
خاتمه عليهالسلام : (انا حجة اللّه) .
الثالث
: الخلف والخلف الصالح ؛ ذكر هذا اللقب على السنتهم عليهمالسلام كثيرا ، والمراد
من الخلف الذي يقوم مقام غيره ، فهو عليهالسلام خلف جميع الانبياء والأوصياء ،
ووارث جميع صفاتهم وعلومهم وخصائصهم ، وسائر مواريث اللّه التي كانت لديهم .
وذُكر
في حديث اللوح المعروف الذي رآه جابر عند فاطمة الزهراء عليهاالسلام بعد ذكر
الامام الحسن العسكري عليهالسلام انّه : « ... ثم اكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين ،
عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب ، ... »
(2) .
وجاء
في رواية المفضّل المشهورة انّ الامام عليهالسلام حينما يظهر يدخل الكعبة ثم يسند
ظهره اليها ويقول : « يا معشر الخلائق ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيت فها أنا
ذا آدم وشيث ... »(3) .
ثم
يذكر عليهالسلام على هذا النسق سائر الانبياء من نوح وسام وابراهيم واسماعيل
وموسى ويوشع وشمعون ورسول اللّه صلىاللهعليهوآله وسائر الائمة عليهمالسلام .
الرابع
: الشريد ؛ ذكر الائمة عليهمالسلام هذا اللقب كثيرا لا سيما أميرالمؤمنين والامام
الباقر عليهماالسلام ، والشريد بمعنى الطريد من قبل هؤلاء الناس الذين ما رعوه حقّ
رعايته ، وما عرفوا قدره وحقّه عليهالسلام ، ولم يشكروا هذه النعمة بل سعى
الاوائل بعد اليأس من الظفر به والقضاء عليه إلى قتل وقمع الذريّة الطاهرة لآل
الرسول صلىاللهعليهوآله ، وسعى اخلافهم إلى انكاره ونفي وجوده باللسان ،
والقلم وأقاموا الأدلة والبراهين على نفي ولادته ومحو ذكره .
وقد
قال هو عليهالسلام لابراهيم بن عليّ بن مهزيار : « انّ أبي صلوات اللّه عليه عهد
اليّ أن لا أوطّن من الأرض الاّ أخفاها وأقصاها ، إسرارا لأمري وتحصينا لمحلّي من
مكائد أهل الضلال والمردة ـ إلى أن قال : ـ فعليك يا بني بلزوم خوافي الأرض وتتبعّ
أقاصيها ، فانّ لكلّ وليّ من أولياء اللّه عزوجل عدوّا مقارنا وضدّا منازعا ... »
(4) .
(1) كمال الدين 1:331 ،
ضمن حديث ، 16 ، باب 32 .
(2) كمال الدين 1:310 ، ح
1 ، باب 28 ، الكافي 1:527 .
(3) البحار 53:9 .
(4) البحار 52:34 ، ضمن
حديث 28 .
(613)
الخامس
: الغريم ؛ وهو من القابه الخاصة ، ويُطلق عليه عليهالسلام في الأخبار كثيرا ،
والغريم بمعنى الدائن والمقرض ، ويستعمل بمعنى المدين والمقروض أيضا ، والمراد هنا
المعنى الاول على الأظهر ، ويستعمل هذا اللقب تقيّة كما يستعمل لقب الغلام له
عليهالسلام ، فكان الشيعة يطلقون هذا اللقب عليه إذا أرادوا ارسال الاموال إليه
أو إلى أحد وكلائه ، وكذا حينما يوصون بشيء له أو يريدون أخذ المال له من الغير ،
لأنّه عليهالسلام كان له أموال في ذمّة الزرّاع والتجّار وأرباب الحرف والصناعات
، وقد مضت حكاية محمد بن صالح في ذكر أصحاب الامام الحسن العسكري عليهالسلام .
وقال
العلامة المجلسي رحمهالله : يحتمل أن يكون المراد من الغريم هو المعنى الثاني أي
المدين ، وذلك لتشابه حاله عليهالسلام مع حال المديون الذي يفرّ من الناس مخافة
أن يطالبوه ، أو بمعنى انّ الناس يطلبونه عليهالسلام لأجل أخذ الشرايع والأحكام
وهو يفرّ عنهم تقيّة ، فهو الغريم المستتر صلوات اللّه عليه .
السادس
: القائم ؛ أي القائم في أمر اللّه لأنه ينتظر أمره تعالى ويرتقب الظهور ليلاً
ونهارا .
وقد
روي انّه عليهالسلام سمّي بالقائم لقيامه بالحق
(1) ، وفي رواية الصقر بن دلف انّه قال لأبي
جعفر محمد بن عليّ الرضا عليهالسلام : ... يا ابن رسول اللّه ولِمَ سمّي القائم
؟ قال : لأنّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد اكثر القائلين بامامته(2) .
وروي
عن أبي حمزة الثمالي انّه قال : سألت الباقر صلوات اللّه عليه : يا ابن رسول
اللّه ألستم كلّكم قائمين بالحق ؟ قال : بلى ، قلت : فَلِمَ سمّي القائم قائما ؟
قال
: لما قتل جدي الحسين صلوات اللّه عليه ضجّت الملائكة إلى اللّه عزوجل بالبكاء
والنحيب ، وقالوا : إلهنا وسيدنا أتغفل عمّن قتل صفوتك وابن صفوتك ، وخيرتك وابن
خيرتك من خلقك ، فأوحى اللّه عزوجل اليهم : قرّوا ملائكتي فوعزّتي وجلالي
لأنتقمنّ منهم ولو بعد حين ، ثم كشف اللّه عزوجل عن الائمة من ولد الحسين
عليهمالسلام للملائكة ، فسرّت الملائكة بذلك فاذا أحدهم قائم يصلّي ، فقال اللّه
عزوجل : بذلك القائم أنتقم منهم
(3) .
السابع
: مُ حَ مَّ دْ ؛ صلى اللّه عليه وعلى آبائه وأهل بيته ، وهو اسمه الأصلي ، كما
ورد في الأخبار الكثيرة المتواترة من طرق الخاصة والعامة عن رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله انّه قال : المهدي من ولدي اسمه اسمي(4) . وجاء
اسمه عليهالسلام في حديث اللوح المستفيض بهذا
(1) الارشاد : 364 ، عنه
البحار 51:30 ، ح 7 .
(2) البحار 51:30 ، ح 4 .
(3) البحار 51:28 ، ح 1 .
(4) البحار 51:72 ، ضمن
حديث 13 .
(614)
الشكل :
أبو القاسم محمد بن الحسن هو حجة اللّه القائم .
ولكن
لا يخفى ان مقتضى الاخبار الكثيرة المعتبرة حرمة ذكر هذا الاسم الشريف في المحافل
والمجالس إلى أن يظهر عليهالسلام ، وهذا الحكم من خصائصه عليهالسلام ومن
المسلّمات عند الامامية والفقهاء والمتكلّمين والمحدّثين ، بل يظهر من كلام الشيخ
الأقدم الحسن بن موسى النوبختي انّ هذا الحكم من خصائص مذهب الاماميّة ، ولم ينقل
عنهم خلاف ذلك إلى زمن الخواجه نصير الدين الطوسي الذي قال بالجواز ، ثم لم ينقل
خلافه بعد ذلك الاّ من صاحب كشف الغمّة .
وصارت
هذه المسألة في زمن الشيخ البهائي مطرحا للبحث والنقاش بينالفضلاء والعلماء،
فكتبوا كتبا ورسائل حولها منها (شرعة التسمية) للمحقق الداماد ورسالة (تحريم
التسمية) للشيخ سليمان الماحوزي و (كشف التعمية) لشيخنا الحر العاملي رضوان اللّه
عليهم وغير ذلك ، وتفصيل الكلام المذكور في كتاب (النجم الثاقب) .
الثامن
: المهدي صلوات اللّه عليه ؛ من أشهر أسمائه وألقابه عند جميع الفرق الاسلامية .
التاسع
: المنتظَر ؛ أي الذي يُنتظر ، حيث انّ جميع الخلائق تنتظر قدوم طلعته البهيّة .
العاشر
: المآء المعين ؛ روي في كمال الدين وغيبة الشيخ عن الامام الباقر عليهالسلام
انّه قال في قول اللّه عزوجل : « قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ اَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرا
فَمَنْ يَأتِيكُمْ بِمَاءٍ مَّعِينٍ »
(1) .
فقال
: هذه نزلت في القائم ، يقول : إن أصبح امامكم غائبا عنكم لا تدرون أين هو ، فمن
يأتيكم بامام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض وحلال اللّه جلّ وعزّ وحرامه ، ثم
قال : واللّه ما جاء تأويل الآية ولابد أن يجيء تأويلها(2) .
وهناك
عدة أخبار بهذا المضمون فيها ، وكذا في الغيبة للنعماني وتأويل الآيات ، ووجه
تشبيهه عليهالسلام بالماء باعتباره سببا لحياة كل ظاهر ، بل ان تلك الحياة قد
وجدت وتوجد بسبب وجوده المعظم بمراتب اعلى وأتم وأدوم من الحياة التي يوجدها الماء
، بل ان حياة نفس الماء من وجوده عليهالسلام .
وقد
روي في كمال الدين عن الامام الباقر عليهالسلام انّه قال في قول اللّه عزوجل : «
إعْلَمُوا أنَّ اللّهَ يُحْىِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ... »
(3) ، قال : يحييها اللّه عزوجل بالقائم بعد
موتها ، يعني بموتها كفر أهلها والكافر ميّت(4) .
(1) الملك : 30 .
(2) كمال الدين 1:325 ، ح
3 ، والغيبة للطوسي : 101 ، عنهما البحار 51:52 ، ح 27 .
(3) الحديد : 17 .
(615)
وعلى
رواية الشيخ الطوسي انّه يصلح الأرض بقائم آل محمد من بعد موتها ، يعني من بعد جور
أهل مملكتها(1) .
ولا
يخفى أن الناس ينتفعون من هذه العين الربانيّة الفيّاضة في أيام ظهوره كالعطشان
الذي يرى نهرا عذبا فلا همّ له سوى الاغتراف منه ، فلذا سمّي عليهالسلام بالماء
المعين ، واما في الغيبة حيث انقطع عن الناس اللطف الالهي الخاص لسوء أفعالهم
وأعمالهم ، فلابد من التعب والمشقة والدعاء والتضرّع لتحصيل الفيض منه عليهالسلام
، كالعطشان الذي يريد اخراج الماء من بئر عميق بواسطة الوسائل القديمة والمتعبة ،
فلذا قيل له عليهالسلام البئر المعطّلة ، ولا يسع المقام اكثر من هذا الشرح .
« شمائله عليهالسلام المباركة »
روي
انّه عليهالسلام كان أشبه الناس برسول اللّه صلىاللهعليهوآله خَلقا وخُلقا
(2) ، وكانت شمائله شمائل رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله (3) ، وملخص الروايات التي تبيّن شمائله
عليهالسلام هي ما يلي :
كان
عليهالسلام أبيض ، مشربا حمرة ، أجلى الجبين ، أقنى الأنف ، غائر العينين ، مشرف
الحاجبين ، له نور ساطع يغلب سواد لحيته ورأسه ، بخدّه الأيمن خال ، وعلى رأسه فرق
بين وفرتين كأنّه الفٌ بين واوين ، أفلج الثنايا ، برأسه حزاز ، عريض ما بين المنكبين
، أسود العينين ، ساقه كساق جدّه أمير المؤمنين عليهالسلام وبطنه كبطنه .
وورد
انّ المهدي طاووس أهل الجنة ، وجهه كالقمر الدرّي عليه جلابيب النور ، عليه جيوب
النور تتوقّد بشعاع ضياء القدس ، ليس بالطويل الشامخ ، ولا بالقصير اللاّزق بل
مربوع القامة ، مدوّر الهامة ، على خدّه الأيمن خال كانّه فتاة مسك على رضراضة
عنبر ، له سمت ما رأت العيون أقصد منه ، صلى اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين .
* * *
(1) البحار 51:54 ، ح 37 ،
عن كمال الدين .
(2) الغيبة : 110 .
(3) راجع كمال الدين 1:287
، ح 4 ، اعلام الورى : 399 .
(4) راجع البحار 51:73 ،
ضمن حديث 19 و13 .
(616)
الفصل الثاني
في اثبات وجود الامام الثاني عشر عليهالسلام وغيبته
ونكتفي
هنا بما ذكره العلامة المجلسي في كتابه (حقّ اليقين) ، ومن أراد التفصيل فليرجع
إلى كتاب (النجم الثاقب) .
قال
: اعلم انّ الخاصة والعامة روت احاديث ظهور المهدي عليهالسلام وخروجه بطرق
متواترة، منها ما روي في جامع الأصول عن صحيح البخاري ومسلم وابي داوُد والترمذي
عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله انّه قال : والذي نفسي بيده
ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم صلى اللّه عليه حكما مقسطا ، فيكسر الصّليب ،
ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية (أي لا يقبل دينا غير الاسلام) ويفيض المال حتى لا
يقبله أحد
(1) .
وقال
صلىاللهعليهوآله : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وامامكم منكم (أي المهدي
عليهالسلام )(2) .
وروي
في صحيح مسلم عن جابر انّه قال : سمعت النبي صلىاللهعليهوآله يقول : لا تزال
طائفة من أمّتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى بن
مريم صلى اللّه عليه فيقول أميرهم : تعال صلّ لنا، فيقول : لا، انّ بعضكم على بعض
امراء تكرمة اللّه هذه الأمة(3) .
وروي
في مسند أبي داوُد (والترمذي) عن عبد اللّه بن مسعود عن النبي
صلىاللهعليهوآله ، قال : لولم يبق من الدنيا الاّ يوم ، لطول اللّه ذلك اليوم
حتى يبعث (اللّه) فيه رجلاً منّي (أو من أهل بيتي) يواطئ اسمه اسمي واسم ابيه اسم
أبي ، يملأ الارض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا(4) .
وعلى
رواية انّه : لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي(5).
وروي
عن أبي هريرة انّه قال : لو لم يبق من الدنيا الاّ يوم لطوّل اللّه عزوجل ذلك
(1) صحيح مسلم 1:93 ، وسنن
الترمذي 4:439 ، باب 54 ، ح 2233 ، كتاب الفتن وجامع الاصول 11:47 ، ح 7808 ،
الكتاب التاسع ، الباب الاول .
(2) صحيح مسلم 1:94 ،
وجامع الاصول 11:47 ، ح 7808 ، الكتاب التاسع ، الباب الاول .
(3) صحيح مسلم 1:95 ،
وجامع الاصول 11:48 ، ح 7809 ، الكتاب التاسع ، الباب الاول .
(4) راجع جامع الاصول
11:48 ، ح 7810 ، الكتاب التاسع ، الباب الاول ، ومثله في سنن أبي داوُد 4:104 ، ح
4282 .
(5) سنن الترمذي 4:438 ،
باب 52 ، ح 2230 ، كتاب الفتن ، سنن أبي داوُد 4:104 ، ح 4282 .
(617)
اليوم حتى
يلي رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي(1) .
وروى
في سنن أبي داوُد عن عليّ عليهالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : « لو لم
يبق من الدهر الاّ يوم لبعث اللّه رجلاً من اهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جورا
»(2) .
وروى
في سنن أبي داوُد أيضا عن امّ سلمة قالت : سمعت رسول اللّه صلىاللهعليهوآله
يقول : « المهدي من عترتي من ولد فاطمة »(3) .
وروى
أبو داوُد والترمذي عن أبي سعيد الخدري انّه قال : قال رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله : « المهدي منّي اجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الارض قسطا
وعدلاً كما ملئت جورا وظلما ، يملك سبع سنين »(4) .
وروى
أبو داوُد والترمذي أيضا عن أبي سعيد الخدري انّه قال : خشينا أن يكون بعد نبيّنا
حدث ، فسألنا نبي اللّه صلىاللهعليهوآله ، فقال : انّ في امتي المهدي ، يخرج
يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا ، زيدٌ الشاك ، قال : قلنا : وما ذاك ؟ قال : سنين ،
قال : فيجيء إليه رجل فيقول : يا مهدي اعطني اعطني ، قال : فيحثي له في ثوبه ما
استطاع أن يحمله(5) .
وروي
في سنن الترمذي عن أبي اسحاق انّه قال : قال عليّ عليهالسلام ـ ونظر إلى ابنه
الحسين ـ فقال : انّ ابني هذا سيد كما سمّاه رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ،
وسيخرج من صلبه رجل يسمّى باسم نبيّكم ، يشبهه في الخُلق ويشبه في الخَلْقِ ...
يملأ الأرض عدلاً(6) .
وجمع
الحافظ أبو نعيم من المحدّثين المشهورين عند العامة أربعين حديثا من صحاحهم تشتمل
على ذكر صفات وأحوال واسم الامام المهدي عليهالسلام ، ومن هذه الاحاديث ما رواه
عن عليّ بن هلال عن أبيه أنّه قال : دخلت على رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وهو
في الحالة التي قبض فيها فاذا فاطمة عند رأسه ، فبكت حتى ارتفع صوتها ، فرفع رسول
اللّه صلىاللهعليهوآله إليها رأسه وقال : حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك ؟ فقالت
: أخشى الضيعة من بعدك .
فقال
: يا حبيبتي أما علمت انّ اللّه عزوجل اطلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار منها
أباك فبعثه برسالته ، ثم اطلع اطلاعة فاختار منها بعلك وأوحى اليّ أن انكحك ايّاه
، يا فاطمة ونحن أهل بيت قد أعطانا اللّه عزوجل سبع خصال لم يعط احدا قبلنا ولا
يعطي أحدا بعدنا .
أنا
خاتم النبيين ، واكرم النبيين على اللّه عزوجل ، وأحبّ المخلوقين إلى اللّه
(1) سنن الترمذي 4:438 ،
باب 52 ، ح 2231 ، كتاب الفتن .
(2) سنن أبي داوُد 4:104 ،
ح 4283 ، وجامع الاصول 11:49 ، ح 7811 .
(3) سنن أبي داوُد 4:104 ،
ح 4284 ، وجامع الاصول 11:49 ، ح 7812 .
(4) سنن أبي داوُد 4:105 ،
ح 4285 ، وجامع الاصول 11:49 ، ح 7813 .
(5) سنن الترمذي 4:439 ،
باب 53 ، ح 2232 ، كتاب الفتن .
(6) راجع جامع الاصول
11:49 ، ح 7814 ، الكتاب التاسع ، الباب الاول .
(618)
عزوجل ،
وأنا أبوك ، ووصيي خير الأوصياء وأحبّهم إلى اللّه عزوجل هو بعلك ، وشهيدنا خير
الشهداء وأحبّهم إلى اللّه عزوجل وهو حمزة بن عبد المطلب عمّ ابيك وعمّ بعلك ،
ومنّا من له جناحان يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء وهو ابن عمّ ابيك وأخو
بعلك ، ومنّا سبطا هذه الامة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيدا شباب اهل الجنة ،
وأبوهما ـ والذي بعثني بالحق ـ خير منهما .
يا
فاطمة والذي بعثني بالحق انّ منهما مهدي هذه الامة ، إذا صارت الدنيا هرجا ومرجا ،
وتظاهرت الفتن ، وانقطعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض، فلاكبير يرحم صغيرا،
ولاصغيرا يوقر كبيرا ، فيبعث اللّه عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوبا
غلفا ، يقوم بالدين في آخر الزمان ، كما قمت به في أول الزمان ويملأ الأرض عدلاً
كما ملئت جورا ، يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي ، فان اللّه عزوجل ارحم بك وأرأف
عليك منّي ، وذلك لمكانك منّي وموقعك من قلبي ، وقد زوجك اللّه زوجك وهو أعظمهم
حسبا ، واكرمهم منصبا ، وأرحمهم بالرعية ، وأعدلهم بالسوية ، وابصرهم بالقضية ،
وقد سألت ربّي عزوجل أن تكوني اوّل من يلحقني من أهل بيتي .
قال
عليّ عليهالسلام : فلمّا قبض النبي صلىاللهعليهوآله لم تبق فاطمة بعده الاّ
خمسة وسبعين يوما حتى ألحقها اللّه به عليهماالسلام
(1) .
يقول
المؤلف : انّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله نسب المهدي عليهالسلام إلى الحسن
والحسين كليهما ، وذلك من جهة أن نسبه ينتهي إلى الامام الحسن عليهالسلام من
قِبَل امّه ، لانّ امّ الامام محمد الباقر تكون بنت الامام الحسن عليهالسلام ،
وورد في بعض الأحاديث انّه عليهالسلام من ولد الحسين .
وروى
الدار قطني (من المحدثين المشهورين لدى العامة) أيضا هذا الحديث الطويل عن أبي
سعيد الخدري ، وقال في آخره ما معناه : انّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله قال :
منّا مهديّ هذه الامة الذي يصلّي عيسى خلفه ، ثم وضع يده على عاتق الحسين
عليهالسلام وقال : من هذا يكون مهدي هذه الأمة .
وروى
أبو نعيم أيضا عن حذيفة وأبي أمامة الباهلي بانّ المهدي وجهه كوكب دريٌّ ، في خدّه
الأيمن خال أسود ، و على رواية عبد الرحمن بن عوف انّه عليهالسلام أفرق الثنايا ،
وعلى رواية عبد اللّه بن عمر انّ فوق رأسه غمامة فيها مناد ينادي : هذا المهدي
خليفة اللّه فاتّبعوه ، وعلى رواية جابر بن عبد اللّه وابي سعيد انّ عيسى
عليهالسلام يصلّي خلفه
(2) .
وقد
ألّف محمد بن يوسف الشافعي صاحب كفاية الطالب من علماء العامة كتابا
(1) راجع كشف الغمة 3:267
، عنه البحار 51:78 ، ح 37 ، فرائد السمطين : 20 الباب 12 .
(2) راجع البحار 51:80 ،
كشف الغمة 3:269 .
(619)
حول ظهور
المهدي عليهالسلام وصفاته وعلاماته يشتمل على خمس وعشرين بابا وقال : ] انّي جمعت
هذا الكتاب ] وعريته عن طرق الشيعة تعرية تركيب الحجة ، إذ كلّ ما تلقته الشيعة
بالقبول وإن كان صحيح النقل فانّما هو خريت منارهم ، وخدارية ذمارهم ، فكان
الاحتجاج بغيره آكد(1) .
وورد
في كتاب شرح السنة للحسين بن سعيد البغوي ـ وهذا الكتاب من الكتب المشهورة
المعتبرة عند العامة ، وعندي نسخة قديمة منه كتب فيها اجازات علمائهم ـ خمسة
أحاديث في أوصاف المهدي عليهالسلام رواها عن صحاحهم ، وروى الحسين بن مسعود
الفرّاء في المصابيح (المتداول اليوم في أيدي العامة) خمسة أحاديث في ظهور المهدي
عليهالسلام (2) .
ونقل
بعض علماء الشيعة (156) حديثا من الكتب المعتبرة للعامة حول المهدي عليهالسلام ،
وورد في الكتب المعتبرة للشيعة اكثر من ألف حديث حول ولادة المهدي عليهالسلام
وغيبته ، وانّه الامام الثاني عشر من نسل الامام العسكري عليهالسلام ، واكثر هذه
الاحاديث مقرونة بالاعجاز لانّ فيها الإخبار بالائمة الاثني عشر إلى خاتمهم ،
وخفاء ولادته ، وانّ له غيبتين الثانية أطول من الأولى إلى غير ذلك من الخصوصيّات
، وقد تحقق جميعها في عالم الواقع ، مع أنّ الكتب المشتملة على هذه الأخبار ألّفت
بسنين قبل تحقق هذه العلائم ، فهي مع غض النظر عن تواترها تفيد القطع واليقين من
اكثر من جهة .
وكذلك
اطلاع جمع كثير على ولادته، ورؤية كثير من الثقات والأصحاب له عليهالسلام منذ
ولادته إلى زماننا هذا وهو زمان الغيبة الكبرى ، فهذا كلّه ورد في كتب الخاصة
والعامة المعتبرة .
وأورد
صاحب الفصول المهمة ، ومطالب السؤول ، وشواهد النبوة ، وابن خلكان وجمع كثير من
المخالفين في كتبهم روايات ولادته عليهالسلام وسائر خصوصيّاته التي روتها الشيعة
، فكما انّ ولادة آبائه الطاهرين معلومة فولادته أيضا معلومة ، واستبعادات
واشكالات المخالفين حول طول غيبته وخفاء ولادته وطول عمره الشريف لا تقوى على ردّ
البراهين القاطعة الثابتة ، فهم مثل كفّار قريش الذين نفوا المعاد بمجرد تشكيكهم
في احياء العظام وهي رميم مع وقوع أمثاله في الأمم السابقة ، وقد ورد في احاديث الخاصة
والعامة بانّ كلّ ما وقع في الأمم السابقة سيقع في هذه الأمة مثله .
إلى
أن قال (المجلسي) : واطّلع جمع كثير من المعروفين على ولادته كالسيّدة
(1) كفاية الطالب : 476 .
(2) راجع مصابيح السنة
3:492 ، كتاب الفتن ، باب اشراط الساعة .
(620)
حكيمة ،
والقابلة التي كانت جارتهم في سرّ من رأى ، وشاهد الامام عليهالسلام جمع كثير منذ
ولادته إلى وفاة أبيه ، والمعاجز التي تجلّت في نرجس عند ولادته عليهالسلام اكثر
من أن تعدّ أو تُحصى ، وقد ذُكرت في كتاب بحار الانوار وجلاء العيون(1)
.
وقال
(في حق اليقين) أيضا : روى الشيخ الصدوق محمد بن بابويه بسند صحيح عن أحمد بن
اسحاق انّه قال : دخلت على أبي محمد الحسن بن عليّ العسكري ، وأنا أريد أن أسأله
عن الخلف من بعده ، فقال لي مبتدئا : يا أحمد بن اسحاق انّ اللّه تبارك وتعالى لم
يخلّ الأرض منذ خلق آدم عليهالسلام ولا يخلّيها إلى أن تقوم الساعة من حجة للّه
على خلقه ، به يدفع البلاء عن أهل الأرض ، وبه ينزل الغيث ، وبه يخرج بركات الأرض
.
قال
: فقلت له : يا ابن رسول اللّه فمن الامام والخليفة بعدك ؟ فنهض عليهالسلام
مسرعا فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كان وجهه القمر ليلة البدر من ابناء
الثلاث سنين ، فقال : يا أحمد بن اسحاق لو لا كرامتك على اللّه عزوجل وعلى حججه
ما عرضت عليك ابني هذا ، انّه سمّي رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وكنيّه الذي
يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت جورا وظلما .
يا
أحمد بن اسحاق مَثَلَهُ في هذه الامة مثل الخضر عليهالسلام ، ومثله مثل ذي
القرنين ، واللّه ليغيبنّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة الاّ من ثبّته اللّه
عزوجل على القول بامامته ، ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه .
فقال
احمد بن اسحاق : فقلت له : يا مولاي فهل من علامة يطمئنّ إليها قلبي ؟ فنطق الغلام
عليهالسلام بلسان عربيّ فصيح ، فقال : أنا بقيّة اللّه في أرضه ، والمنتقم من
اعدائه ، فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن اسحاق .
فقال
أحمد بن اسحاق : فخرجت مسرورا فرحا ، فلمّا كان من الغد عدت إليه ، فقلت له : يا
ابن رسول اللّه لقد عظم سروري بما مننت به عليّ ، فما السنّة الجارية فيه من
الخضر وذي القرنين ؟ فقال : طول الغيبة يا أحمد ، قلت : يا ابن رسول اللّه وانّ
غيبته لتطول ؟
قال
: إي وربّي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به ، ولا يبقى الاّ من أخذ اللّه
عزوجل عهده لولايتنا ، وكتب في قلبه الايمان وأيّده بروح منه ، يا أحمد بن اسحاق
هذا أمر من أمر اللّه ، وسرّ من سرّ اللّه ، وغيب من غيب اللّه ، فخذ ما آتيتك
واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غدا في علّيين
(2) .
وروي
أيضا عن يعقوب بن منقوش انّه قال : دخلت على أبي محمد الحسن بن
(1) راجع حق اليقين
للمجلسي : 311 .
(2) كمال الدين 2:384 ، ح
1 ، باب 38 ، عنه البحار 52:23 ، ح 16 .
(621)
عليّ
عليهماالسلام ، وهو جالس على دكّان في الدار وعن يمينه بيت عليه ستر مُسبل ، فقلت
له : يا سيدي من صاحب هذا الأمر ؟ فقال : ارفع الستر ، فرفعته فخرج الينا غلام
خماسيّ له عشر أو ثمان أو نحو ذلك ، واضح الجبين ، أبيض الوجه ، درّى المقلتين ،
شثن الكفين ، معطوف الكربتين ، في خده الأيمن خال ، وفي رأسه ذؤابة ، فجلس على فخذ
أبي محمد عليهالسلام .
ثم
قال لي : هذا صاحبكم ، ثم وثب فقال له : يا بنيّ ادخل إلى الوقت المعلوم ، فدخل
البيت وأنا أنظر إليه ، ثم قال لي : يا يعقوب انظر من في البيت ، فدخلت فما رأيت
أحدا
(1) .
وروي
أيضا بسند صحيح عن محمد بن معاوية ، ومحمد بن أيوب ، ومحمد بن عثمان العمري انهم
قالوا : عرض علينا أبو محمد الحسن بن عليّ عليهالسلام ونحن في منزله وكنّا أربعين
رجلاً ، فقال : هذا امامكم من بعدي وخليفتي عليكم ، اطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي
في أديانكم فتهلكوا ، أما انكم لا ترونه بعد يومكم هذا . قالوا : فخرجنا من عنده
فما مضت الاّ ايّام قلائل حتى مضى أبو محمد عليهالسلام (2) .
وقال
أيضا في حق اليقين : روى الشيخ الصدوق ، والشيخ الطوسي ، والطبرسي وغيرهم بأسانيد
صحيحة عن محمد بن ابراهيم بن مهزيار ، ورواها البعض عن عليّ بن ابراهيم بن مهزيار
(واللفظ للصدوق) انّه قال : حججت عشرين حجة كلاًّ أطلب به عيان الامام فلم أجد إلى
ذلك سبيلاً ، فبينا أنا ليلة نائم في مرقدي إذ رأيت قائلاً يقول : يا عليّ بن
ابراهيم قد اذن اللّه لك في الحج(3) .
فانتبهت
وأنا فرح مسرور ، فما زلت في الصلاة حتى انفجر عمود الصبح ، وفرغت من صلاتي وخرجت
أسأل عن الحاجّ ، فوجدت فرقة تريد الخروج فبادرت مع اوّل من خرج ، فما زلت كذلك
حتى خرجوا وخرجت بخروجهم أريد الكوفة .
فلمّا
وافيتها نزلت عن راحلتي وسلّمت متاعي إلى ثقات اخواني ، وخرجت أسأل عن آل أبي محمد
عليهمالسلام ، فما زلت كذلك فلم أجد أثرا ولا سمعت خبرا ، وخرجت في اوّل من خرج
أريد المدينة ، فلمّا دخلتها لم أتمالك ان نزلت عن راحلتي وسلّمت رحلي إلى ثقات
اخواني ، وخرجت أسأل عن الخبر واقفو الأثر ، فلا خبرا سمعت ولا أثرا وجدت .
فلم
أزل كذلك إلى أن نفر الناس إلى مكة ، وخرجت مع من خرج حتى وافيت مكة ، ونزلت
فاستوثقت من رحلي ، وخرجت أسأل عن آل أبي محمد عليهالسلام ، فلم أسمع
(1) كمال الدين 2:407 ،
باب 38 ، ح 2 ، عنه البحار 52:25 ، ح 17 .
(2) كمال الدين 2:435 ،
باب 43 ، ح 2 ، عنه البحار 52:25 ، ح 19 .
(3) لم تكن هذه العبارة في
كمال الدين وأخذناها من الغيبة للطوسي : 263 ، ح 228 .
(622)
خبرا ولا
وجدت أثرا ، فما زلت بين الأياس والرجاء متفكرا في أمري وعائبا على نفسي وقد جنّ
الليل .
فقلت
: أرقب إلى أن يخلو لي وجه الكعبة لأطوف بها ، وأسأل اللّه عزوجل أن يعرّفني أملي
فيها ، فبينما أنا كذلك وقد خلا لي وجه الكعبة إذ قمت إلى الطواف فاذا أنا بفتى
مليح الوجه ، طيب الرائحة ، متزر ببردة ، متشح باخرى ، وقد عطف بردائه على عاتقه
فرعته .
فالتفت
اليّ فقال : ممّن الرجل ؟ فقلت : من الأهواز ، فقال : أتعرف بها ابن الخصيب ؟ فقلت
: رحمه اللّه دُعي فأجاب ، فقال : رحمه اللّه لقد كان بالنهار صائما ، وبالليل
قائما ، وللقرآن تاليا ، ولنا مواليا ، فقال : أتعرف بها عليّ بن ابراهيم بن
مهزيار ؟ فقلت : أنا عليّ ، فقال : أهلاً وسهلاً بك يا أبا الحسن أتعرف الصريحين ؟
قلت : نعم ، قال : ومن هما ؟ قلت : محمّد وموسى ، ثم قال : ما فعلت العلامة التي
بينك وبين أبي محمد عليهالسلام ، فقلت : معي ، فقال : أخرجها اليّ ، فأخرجتها
إليه خاتما حسنا على فصّه « محمد وعليّ » [ وفي رواية : يا اللّه ويا محمد ويا
عليّ ] .
فلمّا
رأى ذلك بكى مليا ورنّ شجيا ، فأقبل يبكي بكاءا طويلاً وهو يقول : رحمك اللّه يا
أبا محمد فلقد كنت اماما عادلاً ، ابن أئمة وأبا إمام ، أسكنك اللّه الفردوس
الأعلى مع آبائك عليهمالسلام .
ثم
قال : يا أبا الحسن صر إلى رحلك وكن على أهبة من كفايتك حتى إذا ذهب الثلث من
الليل وبقي الثلثان فالحق بنا ، فانّك ترى مناك ان شاء اللّه .
قال
ابن مهزيار : فصرت إلى رحلي أطيل التفكّر حتى إذا هجم الوقت ، فقمت إلى رحلي
وأصلحته ، وقدّمت راحلتي وحملتها ، وصرت في متنها حتى لحقت الشعب ، فاذا أنا
بالفتى هناك يقول : أهلاً وسهلاً بك يا أبا الحسن طوبى لك فقد اُذن لك ، فسار وسرت
بسيره حتّى جاز بي عرفات ومنى ، وصرت في أسفل ذروة جبل الطائف .
فقال
لي : يا أبا الحسن انزل وخذ في اهبة الصلاة ، فنزل ونزلت حتى فرغ وفرغت ، ثم قال
لي : خذ في صلاة الفجر وأوجز ، فأوجزت فيها وسلّم وعفّر وجهه في التراب ، ثم ركب
وأمرني بالركوب فركبت ، ثم سار وسرت بسيره حتى علا الذروة ، فقال : المح هل ترى
شيئا ؟ فلمحت فرأيت بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء .
فقلت
: يا سيدي أرى بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء ، فقال لي : هل ترى في أعلاها شيئا ؟
فلمحت فاذا أنا بكثيب من رمل فوق بيت من شعر يتوقّد نورا ، فقال لي : هل رأيت شيئا
؟ فقلت : أرى كذا وكذا ، فقال لي : يا ابن مهزيار طب نفسا وقرّ عينا فانّ هناك أمل
كلّ مؤمّل .
ثم
قال لي : انطلق بنا ، فسار وسرت حتى صار في أسفل الذروة ، ثم قال : أنزل
(623)
فهاهنا
يذلّ لك كلّ صعب ، فنزل ونزلت حتى قال لي : يا ابن مهزيار خلّ عن زمام الراحلة ،
فقلت : على من أخلّفها وليس هاهنا أحد ؟ فقال : إنّ هذا حرم لا يدخله الاّ وليّ
ولا يخرج منه الاّ وليّ ، فخلّيت عن الراحلة فسار وسرت ، فلمّا دنا من الخباء
سبقني وقال لي : قف هناك إلى أن يؤذن لك ، فما كان هنيئة فخرج اليّ وهو يقول :
طوبى لك قد أعطيت سؤلك .
قال:
فدخلت عليه صلوات اللّه عليه وهو جالس على نمط عليه نطع أديم أحمر ، متكئ على
مسورة أديم ، فسلّمت عليه وردّ عليّ السلام ، ولمحته فرأيت وجهه مثل فلقة قمر ، لا
بالخرق ولا بالبزق ، ولا بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللاّصق ، ممدود القامة ، صلت
الجبين ، أزج الحاجبين ، أدعج العينين ، أقنى الأنف ، سهل الخدّين ، على خدّه
الأيمن خال ، فلمّا أن بصرت به حار عقلي في نعته وصفته .
فقال
لي : يا ابن مهزيار كيف خلّفت إخوانك في العراق ؟ قلت : في ضنك عيش وهناة ، قد
تواترت عليهم سيوف بني الشيصبان ، فقال : قاتلهم اللّه انّى يؤفكون ، كأنّي
بالقوم قد قتلوا في ديارهم ، وأخذهم أمر ربّهم ليلاً ونهارا
(1) ، [ لتملكونهم كما ملكوكم وهم يومئذ أذلاّء
] .
ثم
قال : انّ أبي صلوات اللّه عليه عهد اليّ أن لا أوطن من الأرض الاّ أخفاها
وأقصاها ، إسرارا لأمري وتحصينا لمحلّي من مكائد أهل الضلال والمردة من أحداث
الأمم الضوال ...
اعلم
... انّه قال صلوات اللّه عليه : يا بنيّ انّ اللّه جلّ ثناؤه لم يكن ليخلّي
أطباق أرضه وأهل الجدّ في طاعته وعبادته بلا حجة يستعلى بها ، وامام يؤتمّ به
ويقتدى بسبل سنّته ومنهاج قصده ، وأرجو يا بني أن تكون أحد من أعدّه اللّه لنشر
الحق ، وطيّ الباطل ، واعلاء الدين واطفاء الضلال ، فعليك يا بنيّ بلزوم خوافي
الأرض وتتبع أقاصيها ، فانّ لكل وليّ من أولياء اللّه عزوجل عدوّا مقارعا ... فلا
يوحشنّك ذلك .
واعلم
انّ قلوب أهل الطاعة والاخلاص نُزّعٌ اليك مثل الطير إذا أمّت أوكارها ، وهم معشر
يطلعون بمخائل الذلة والاستكانة ، وهم عند اللّه بررة اعزاء يبرزون بأنفس مختلّة
محتاجة ، وهم أهل القناعة والاعتصام ، استنبطوا الدين فوازروه على مجاهدة الأضداء
...
فاقتبس
يا بني نور الصبر على موارد أمورك ، تفز بدرك الصنع في مصادرها ... فكأنّك يا بني
بتأييد نصر اللّه قد آن ، وتيسير الفلح وعلوّ الكعب قد حان ، وكأنّك بالرايات
الصفر والأعلام البيض تخفق على أثناء أعطافك ما بين الحطيم وزمزم ، وكأنّك بترادف
البيعة وتصافي الولاء يتناظم عليك تناظم الدرّ في مثاني العقود ،
(1) كمال الدين 2:465 ، ح
23 .
(624)
وتصافق
الاكف على جنبات الحجر الأسود .
تلوذ
بفنائك مِن ملأبرأهم اللّه من طهارة الولاء ، ونفاسةالتربة ، مقدّسة قلوبهم من
دنس النفاق ، ومهذبة أفئدتهم من رجس الشقاق ...
فاذا
اشتدّت أركانهم وتقوّمت أعمادهم ، قدّت بمكاثفتهم طبقات الأمم إذ تبعتك في ظلال
شجرة دوحة بسقت أفنان غصونها على حافات بحيرة الطبريّة ، فعندها يتلألأ صبح الحق ،
وينجلي ظلام الباطل ، ويقصم اللّه بك الطغيان ، ويعيد معالم الايمان ...
تهتزّ
بك أطراف الدنيا بهجة ، وتهزّبك أغصان العزّ نضرة ، وتستقرّ بواني العزّ في قرارها
، وتؤوب شوارد الدّين إلى أوكارها ... ثم قال : ليكن مجلسي هذا عندك مكتوما الاّ
عن أهل الصدق والأخوة الصادقة في الدين .
قال
ابراهيم بن مهزيار : فمكثت عنده حينا أقتبس ما أورى من موضحات الأعلام ونيرات
الاحكام ... فلمّا أزف ارتحالي ، وتهيّأ اعتزام نفسي ، غدوت عليه مودّعا ومجددا
للعهد ، وعرضت عليه مالاً كان معي يزيد على خمسين ألف درهم ، وسألته أن يتفضّل
بالأمر بقبوله منّي .
فابتسم
وقال : ... استعن به على مصرفك ، فانّ الشقة قذفة ، وفلوات الأرض أمامك جمّة
(1) ... فدعا لي كثيرا وانصرفت إلى وطني .
والأخبار
في هذا الباب كثيرة .
* * *
(1) البحار 52:34 ، ضمن
حديث 28 ، ونحوه الغيبة للطوسي : 159 .
(625)
الفصل الثالث
في ذكر نبذة ممّا يجب على العباد تجاه امام العصر
عليهالسلام
ونذكر
في هذا الفصل بعضا من آداب العبوديّة ورسوم الطاعة لمن خضع لامام العصر والزمان
عليهالسلام ، وأدرك انّه من عبيده والمتطفّل على مائدة وجوده واحسانه ، واعترف له
بالامامة ، وانّه الواسطة لوصول الفيوضات الالهيّة ، والنعم غير المتناهية
الدنيوية والأخروية على المخلوقات .
الأول
: أن يكون مهموما مغموما لأجل الامام عليهالسلام في زمن الغيبة وذلك لأمور ، منها
: غيابه عليهالسلام عنّا بحيث لا نتمكّن من الوصول إليه ، وإنارة ابصارنا بالنظر
إلى جماله ، فقد روي في عيون الأخبار عن الامام الرضا عليهالسلام في ضمن حديث
يتعلّق بالحجة عليهالسلام انّه قال : « ... كم من حرّى مؤمنة وكم من مؤمن متأسف
حيران حزين عند فقدان الماء المعين ... »
(1) .
ونقرأ
في دعاء الندبة :
«
عزيز عليّ أن أرى الخلق ولا تُرى ، ولا أسمع لك حسيسا ولا نجوى ، عزيز عليّ أن
تحيط بك دوني البلوى ، ولا ينالك منّي ضجيج ولا شكوى ، بنفسي أنت من مغيّبٍ لم يخل
منّا ، بنفسي أنت من نازح ما نزح عنّا ، بنفسي أنت أمنيّة شائق يتمنّى من مؤمن
ومؤمنة ذكرا فحنّا ، بنفسي أنت من عقيد عزٍّ لا يُسامى ... عزيز عليّ أن أبكيك
ويخذلك الورى ... » إلى آخر الدعاء الذي هو نموذج لمناجات من ارتشف من كأس محبّته
.
ومنها
: عدم تمكّنه عليهالسلام من اجراء الأحكام والحقوق والحدود ، وكون حقه مغصوباً
وفي يد غيره، فقد روي عن الامام الباقر عليهالسلام انّه قال لعبد اللّه بن ظبيان
: يا عبد اللّه ما من عيد للمسلمين اضحى ولا فطر الاّ وهو يتجدد فيه لآل محمد حزن
، قلت : فلم ؟ قال : لأنّهم يرون حقّهم في يد غيرهم
(2) .
ومنها
: ظهور جمع من لصوص الدين وقطاع طريق المذهب من كمينهم ، وبثّهم الشكوك والشبهات
في افكار العوام ، بل والخواص من الناس حتى خرج الناس من الدين افواجا ، وعجز
العلماء الحقيقيون عن اظهار علومهم ، وتحقق ما وعد الصادقان عليهماالسلام بوقوعه .
(1) البحار 51:152 ، ح 2 ،
عن عيون أخبار الرضا ، وفي كمال الدين 2:370 .
(2) علل الشرائع للصدوق :
389 ، وفي المصدر منقولة عن (عبداللّه بن دينار) ، وفي الكافي 4:170 .
(626)
روى
الشيخ النعماني عن عميرة بنت نفيل انّها قالت : سمعت الحسين بن عليّ عليهالسلام
يقول : « لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض ، ويتفل بعضكم في
وجوه بعض ، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر ، ويلعن بعضكم بعضا ، فقلت له : ما في ذلك
الزمان من خير ، فقال الحسين عليهالسلام : الخير كلّه في ذلك الزمان ، يقوم
قائمنا ، ويدفع ذلك كلّه »
(1) .
وروى
الشيخ النعماني أيضا عن الامام الصادق عليهالسلام حديثا بهذا المضمون ، وروي عن
أمير المؤمنين عليهالسلام انّه قال لمالك بن ضمرة : « يا مالك بن ضمرة كيف أنت
إذا اختلفت الشيعة هكذا ـ وشبّك أصابعه وأدخل بعضها في بعض ـ فقلت : يا أمير
المؤمنين ما عند ذلك من خير ، قال : الخير كلّه عند ذلك ، يا مالك عند ذلك يقوم
قائمنا ، فيقدّم سبعين رجلاً يكذبون على اللّه وعلى رسوله صلىاللهعليهوآله
فيقتلهم ، ثم يجمعهم اللّه على أمر واحد »(2) .
وروي
أيضا عن الامام الباقر عليهالسلام انّه قال : « لتمحصَنَّ يا شيعة آل محمد تمحيص
الكحل في العين ، وانّ صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج
منها ، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا ويمسي وقد خرج منها ، ويمسي على شريعة
من أمرنا ويصبح وقد خرج منها »(3) .
وروي
عن الامام الصادق عليهالسلام أيضا انّه قال : « واللّه لتُكسِّرُنَّ تكسّر
الزجاج ، وانّ الزجاج ليعاد فيعود [ كما كان ] ، واللّه لتُكسِّرُنَّ تكسّر
الفخّار ، فانّ الفخّار ليتكسّر فلا يعود كما كان ، [ و ] واللّه لتغربلنّ [ و ]
واللّه لتميزنّ [ و ] واللّه لتمحصنّ حتى لا يبقى منكم الاّ الأقلّ ، وصعّر كفّه
»(4) .
وهناك
أخبار كثيرة بهذا المضمون ، فقد روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كمال الدين عن
أمير المؤمنين عليهالسلام انّه قال : كأنّي بكم تجولون جولان الإبل تبتغون المرعى
فلا تجدونه يا معشر الشيعة(5) .
وروي
عن الصادق عليهالسلام انّه قال لعبد الرحمن بن سيابة : كيف أنتم إذا بقيتم بلا
امام هدى ولا علم ، يتبرأ بعضكم من بعض ، فعند ذلك تميّزون وتمحّصون وتغربلون ...(6)
.
وروي
أيضا عن سدير الصيرفي انّه قال : دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو
(1) غيبة النعماني : 205
و206 ، باب 12 ، ح 9 .
(2) غيبة النعماني : 206 ،
باب 12 ، ح 11 .
(3) غيبة النعماني : 206 ـ
207 ، باب 12 ، ح 12 .
(4) غيبة النعماني : 207 ،
باب 12 ، ح 13 .
(5) كمال الدين 1:304 ، ح
17 ، باب 26 ، عنه البحار 51:110 ، ح 3 ، باب 2 .
(6) كمال الدين 2:348 ، ح
36 ، باب 33 .
(627)
بصير وأبان
بن تغلب على مولانا أبي عبد اللّه الصادق عليهالسلام ، فرأيناه جالسا على التراب
وعليه مسح خيبري مطوّق بلا جيب مقصّر الكمّين ، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ، ذات
الكبد الحرى ، قد نال الحزن من وجنتيه وشاع التغيير في عارضيه ، وأبلى الدموع
محجريه وهو يقول :
سيدي
غيبتك نفت رقادي ، وضيّقت عليّ مهادي ، وابتزّت منّي راحة فؤادي ، سيدي غيبتك
أوصلت مصابي بفجايع الأبد ، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد ، فما أحسّ
بدمعة ترقى من عيني ، وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزّايا ، وسوالف البلايا الاّ
مثّل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها ، وبواقي أشدّها وانكرها ، ونوائب مخلوطة
بغضبك ، ونوازل معجونة بسخطك .
قال
سدير : فاستطارت عقولنا ولها ، وتصدّعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل ، والحادث
الغائل ، وظننا انّه سمت لمكروهة قارعة ، أو حلّت به من الدهر بائقة ، فقلنا : لا
أبكى اللّه يا ابن خير الورى عينيك ، من أيّة حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك ؟
وأيّة حالة حتمت عليك هذا المأتم ؟
قال
: فزفر الصادق عليهالسلام زفرة انتفخ منها جوفه ، واشتدّ عنها خوفه ، وقال :
ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم ، وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا
والبلايا والرزايا ، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، الذي خصّ اللّه به
محمدا صلىاللهعليهوآله والائمة من بعده ، وتأملت منه مولد قائمنا وغيبته
وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان ، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول
غيبته ، وارتداد أكثرهم عن دينهم ، وخلعهم ربقة الاسلام من أعناقهم التي قال
اللّه تقدّس ذكره : « وَكُلَّ إنْسَانٍ ألْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ ...
»
(1) . يعني الولاية ـ فأخذتني الرقّة واستولت
عليّ الأحزان ... الخ(2) .
ويكفي
هنا هذا الخبر الشريف ، فبما أنّ تفرّق الشيعة وابتلاؤهم في أيام الغيبة ، وانقداح
الشكوك في قلوبهم كان سببا لبكاء الامام الصادق عليهالسلام ونحيبه وسهره قبل وقوع
الغيبة بسنين ، فحريّ بالمؤمن المبتلى بهذه الداهية ، والغارق في هذا البحر
الموّاج الهائل أن يديم البكاء والنوح والنحيب والحزن والهمّ والغم والتضرّع إلى
اللّه تعالى .
الثاني
: ومن تكاليف العباد في ايام الغيبة انتظار فرج آل محمد صلىاللهعليهوآله في كلّ
آنٍ ولحظة ، وترقّب ظهور الدولة القاهرة ، والسلطنة الظاهرة لمهدي آلمحمد
عليهالسلام ، وامتلاء الأرض بالعدل والقسط، وغلبة الدين القويم على سائر الأديان
، كما أخبر اللّه
(1) الاسراء : 13 .
(2) كمال الدين 2:352 ، ح
50 ، باب 33 .
(628)
تعالى بذلك
النبي صلىاللهعليهوآله ووعده ، بل أخبر جميع الانبياء والملل بذلك ، وبشّرهم
بمجيء يوم لا يُعبد فيه الاّ اللّه ، ولا يَبقى شيء من الدين مختفيا خوفا من
الأعداء ، ويذهب فيه البلاء عن المؤمنين ، كما نقرأ في زيارة مهدي آل محمد
عليهالسلام :
«
السلام على المهدي الذي وعد اللّه به الأمم أن يجمع به الكلم ، ويلمّ به الشّعث ،
ويملأ به الأرض عدلاً وقسطا ، وينجز به وعد المؤمنين »
(1) .
وقد
وعدنا بهذا الفرج في سنة السبعين من الهجرة ، كما روى الشيخ الراوندي في الخرائج
عن أبي اسحاق السبيعي ، وهو عن عمرو بن الحمق [ وهو من الأربعة الذين كانوا أصحاب
سرّ أمير المؤمنين عليهالسلام ] انّه قال : دخلت على عليّ عليهالسلام حين ضرب
الضربة بالكوفة ، فقلت : ليس عليك بأس انّما هو خدش .
قال
: لعمري انّي لمفارقكم ، ثم قال لي : إلى السبعين بلاء ـ قالها ثلاثا ـ قلت : فهل
بعد البلاء رخاء ؟ فلم يجبني وأغمي عليه ، فبكت أم كلثوم ، فلمّا أفاق قال : لا
تؤذيني يا أمّ كلثوم ، فانّك لو ترين ما أرى لم تبكِ ، انّ الملائكة من السماوات
السبع بعضهم خلف بعض ، والنبيين يقولون لي : انطلق يا عليّ فما أمامك خير لك مما
أنت فيه .
فقلت
: يا أمير المؤمنين انّك قلت : إلى السبعين بلاء ، فهل بعد السبعين رخاء ؟ قال :
نعم وانّ بعد البلاء رخاء : « يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ
أمُّ الْكِتَابِ »
(2)(3) .
وروى
الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة ، والكليني في الكافي عن أبي حمزة الثمالي انّه قال :
قلت لأبي جعفر عليهالسلام : انّ عليّا عليهالسلام كان يقول : إلى السبعين بلاء ،
وكان يقول بعد البلاء رخاء ، وقد مضت السبعون ولم نر رخاء ؟
فقال
أبو جعفر عليهالسلام : يا ثابت انّ اللّه تعالى كان وقّت هذا الأمر في السبعين ،
فلمّا قتل الحسين عليهالسلام اشتدّ غضب اللّه على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين
ومائة سنة ، فحدّثناكم فأذعتم الحديث ، وكشفتم قناع السر ، فأخّره اللّه ولم يجعل
له بعد ذلك عندنا وقتا و «يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أمُّ
الْكِتَابِ »
(4) . قال أبو حمزة : وقلت ذلك لأبي عبد اللّه
عليهالسلام فقال : قد كان ذاك(5) .
وروى
الشيخ النعماني في كتاب الغيبة عن علاء بن سيابه عن أبي عبد اللّه عليهالسلام
انّه قال : من مات منكم على هذا الأمر منتظرا كان كمن هو في الفسطاط الذي
(1) بحار الانوار 102:101
، عن مصباح الزائر : 228 .
(2) الرعد : 39 .
(3) الخرائج 1:178 ، ح 11
، والبحار 4:119 ، ح 60 .
(4) الرعد : 39 .
(5) الغيبة : 263 ، ومثله
في الكافي 1:300 ، ح 1 ، باب كراهية التوقيت .
(629)
للقائم
عليهالسلام (1) .
وروي
أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليهالسلام انّه قال ذات يوم : ألا أخبركم
بما لا يقبل اللّه عزوجل من العباد عملاً الاّ به ؟ فقلت : بلى ، فقال : شهادة أن
لا اله الاّ اللّه ، وانّ محمدا عبده [ ورسوله ] ، والاقرار بما أمر اللّه ،
والولاية لنا ، والبراءة من أعدائنا ـ يعني الائمة خاصة ـ والتسليم لهم ، والورع
والاجتهاد والطمأنينة ، والانتظار للقائم عليهالسلام .
ثم
قال : إنّ لنا دولة يجيء اللّه بها إذا شاء ، ثم قال : من سرّه ان يكون من أصحاب
القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر ، فان مات وقام القائم
بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه ، فجدّوا وانتظروا هنيئا لكم ايّتها
العصابة المرحومة
(2) .
وروى
الشيخ الصدوق في كمال الدين عن أبي عبد اللّه عليهالسلام انّه قال : انّ فيهم
الورع والعفّة والصلاح ... وانتظار الفرج بالصبر ...(3)
وروي
أيضا عن عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام انّه قال : انّ رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله قال : أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من اللّه عزوجل(4)
.
وروي
أيضا عن أميرالمؤمنين عليهالسلام انّه قال: المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في
سبيل اللّه(5).
وروى
الشيخ الطبرسي في الاحتجاج انّه ورد توقيع من صاحب الأمر عليهالسلام على يد محمد
بن عثمان وفي آخره : ... واكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فانّ ذلك فرجكم ...(6)
وروى
الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن المفضل انّه قال : ذكرنا القائم عليهالسلام ومن
مات من أصحابنا ينتظره ، فقال لنا أبو عبد اللّه عليهالسلام : إذا قام أتي
المؤمن في قبره ، فيقال له : يا هذا انّه قد ظهر صاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق ،
وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم(7) .
وروى
الشيخ البرقي في المحاسن عنه عليهالسلام انّه قال لأحد أصحابه : من مات منكم وهو
منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم عليهالسلام في فسطاطه(8) .
وفي
رواية اخرى : كمن كان مع رسول اللّه صلىاللهعليهوآله (9) ، وفي
رواية أخرى : كان كمن
(1) غيبة النعماني : 200 ،
وايضا كمال الدين : 644 .
(2) غيبة النعماني : 200 ،
ح 16 ، باب 11 .
(3) كمال الدين 2:337 ،
ضمن حديث 9 ، باب 33 .
(4) كمال الدين 2:644 ، ح
3 ، باب ثواب انتظار الفرج .
(5) كمال الدين 2:645 ، ح
6 ، باب ثواب انتظار الفرج .
(6) الاحتجاج 2:284 ، في
ذكر التوقيعات .
(7) الغيبة : 276 ، باب
علائم ظهور الحجة .
(8) المحاسن 174:151 ، باب
38 ، عنه البحار 52:126 ، ح 18 .
(9) المحاسن : 173 ، ح 146
، باب 38 ، عنه البحار 52:125 ، ح 14 .
(630)
استشهد مع
رسول اللّه صلىاللهعليهوآله (1) .
وروي
أيضا عن محمد بن الفضيل عن الرضا عليهالسلام قال : سألته عن شيء من الفرج ، فقال
: أليس انتظار الفرج من الفرج ؟ انّ اللّه عزوجل يقول : « فَانْتَظِرُوا انِّى
مَعَكُمْ مِّنَ الْمُنْتَظرِينَ »(2) .
وروى
ايضا عنه عليهالسلام انّه قال: ما أحسن الصبر وانتظار الفرج ، أما سمعت قول
اللّه عزوجل: « وَارْتَقبُوا انِّى مَعَكُمْ رَقِيب » ، « فَانْتَظِرُوا انِّى
مَعَكُمْ مِّنَ الْمُنْتَظرِينَ » فعليكم بالصبر فانّه انّما يجيء الفرج على اليأس
، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم(3) .
الثالث
: ومن التكاليف الدعاء لحفظ الامام عليهالسلام من شرّ شياطين الجنّ والإنس ،
ولتعجيل نصرته وغلبته على الكفار والملحدين والمنافقين ، فانّ هذا قسم من أقسام
إظهار المحبّة وكثرة الشوق ، والادعية في هذا الباب كثيرة ، منها ما روي عن يونس
بن عبد الرحمن انّ الامام الرضا عليهالسلام كان يأمر بالدعاء للقائم عليهالسلام
بهذا الدعاء : « اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك ... الخ »(4) .
وقد
ذكرتُ هذا الدعاء في كتاب مفاتيح الجنان في باب زيارة صاحب الأمر عليهالسلام .
ومنها الصلوات المنسوبة إلى أبي الحسن الضّراب الاصفهاني ، وقد ذكرتها في المفاتيح
ايضا في آخر اعمال يوم الجمعة ، ومنها هذا الدعاء الشريف :
«
اللهم كن لوليك (فلان بن فلان وتقول مكانها) الحجة بن الحسن ، صلواتك عليه وعلى
آبائه ، في هذه الساعة وفي كلّ ساعة ، وليا وحافظا ، وقائدا وناصرا ، ودليلاً
وعينا ، حتى تسكنه أرضك طوعا ، وتمتّعه فيها طويلاً » .
وتكرّر
هذا الدعاء في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان على كلّ الاحوال قياما وقعودا
، وكذلك تكرّره في جميع الشهر وبأيّ وجه وفي أي وقت كان ، فتقرأه بعد تمجيد اللّه
وتحميده ، والصلوات على النبي وآله عليهمالسلام ، وهناك أدعية اخرى لا يسع المقام
لذكرها ، فليرجع الطالب إلى النجم الثاقب .
الرابع
: اعطاء الصدقة عنه عليهالسلام لحفظه في أيّ وقت وبأيّ مقدار كانت ، ولابد من
استجلاب كلّ الوسائل والأسباب التي لها دخل في صحته عليهالسلام وعافيته ودفع
البلاء عنه ، كالدعاء والتضرّع والتصدّق والتوسّل لعدم وجود نفس أعزّ ولا أكرم من
نفس امام
(1) المحاسن : 172 ، ح 144
، باب 38 ، عنه البحار 52:126 ، ح 18 .
(2) البحار 52:128 ، ح 22
، عن كمال الدين 2:645 ، ح 4 ، ومثله في تفسير العياشي 2:138 ، ح 50 .
(3) كمال الدين 2:645 ، ح
5 ، باب 55 .
(4) مصباح المتهجد للشيخ :
366 .
(631)
العصر
أرواحنا فداه ، بل لابد أن تكون نفسه أعزّ وأحبّ الينا من أنفسنا ، وبخلافه يكون
ضعفا ومنقصة في الدين وخللاً في العقيدة ، كما روي بأسانيد معتبرة عن رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله انّه قال : لا يؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وأهلي
أحبّ إليه من أهله ، وعترتي أحبّ إليه من عترته ...(1)
وكيف
لا يكون كذلك ، والحال انّ وجود وحياة ودين وعقل وصحة وعافية وسائر النعم
الظاهريّة والباطنيّة لجميع الموجودات من بركات وجوده المقدّس ووجود أوصيائه
عليهمالسلام .
ولما
كان ناموس العصر ، ومدار الدهر ، ومنار الشمس والقمر ، وصاحب هذا العالم ، وسبب
سكون الأرض ، وسير الأفلاك ، ونظم أمور الدنيا ، والحاضر في قلوب الأخيار ،
والغائب عن عيون الأغيار هو الحجة بن الحسن صلوات اللّه عليهما ، فلابدّ لجميع
الأفراد الأنانيين ، الذين أهمّتهم أنفسهم وانشغلوا في حفظها وحراستها وسلامتها ،
فضلاً عمّن يعتقدون بأن غير وجوده المقدس لا يليق للوجود ولا يستحق العافية
والسلامة ، أن يكون غرضهم الأصيل ومقصودهم الاولي ، التمسّك بكلّ الوسائل والأسباب
المقرّرة والمذكورة التي لها دخل في الصحة والسلامة ، ودفع البلايا وقضاء الحوائج
كالدعاء والتضرّع والتصدّق والتوسّل من أجل سلامة امامه وحفظ وجوده المقدس .
الخامس
: الحج عنه عليهالسلام أو الاستنابة له ، كما كان ذلك مرسوما عند الشيعة منذ
القدم وأقرّهم عليهالسلام بذلك ، كما روى القطب الراوندي رحمهالله في الخرائج
انّ أبا محمد الدعلجي كان له ولدان ، وكان من خيار أصحابنا وكان قد سمع الأحاديث ،
وكان أحد ولديه على الطريقة المستقيمة وهو أبو الحسن كان يغسّل الأموات ، وولد آخر
يسلك مسالك الأحداث في فعل الحرام ، ودُفع إلى أبي محمد حجّة يحج بها عن صاحب
الزمان عليهالسلام ، وكان ذلك عادة الشيعة وقتئذٍ ، فدفع شيئا منها إلى ابنه
المذكور بالفساد وخرج إلى الحج ، فلمّا عاد حكى انّه كان واقفا بالموقف (عرفات)
فرأى إلى جانبه شابا حسن الوجه ، أسمر اللون بذؤابتين ، مقبلاً على شأنه في الدعاء
والابتهال والتضرّع وحسن العمل ، فلمّا قرب نفر الناس التفت اليّ وقال :
يا
شيخ ما تستحي ؟ قلت : من أيّ شيء يا سيدي ؟ قال : يُدفع اليك حجّة عمّن تعلم فتدفع
منها إلى فاسق يشرب الخمر ، يوشك أن تذهب عينك هذه ـ وأومأ إلى عيني ـ وأنا من ذلك
إلى الآن على وجل ومخافة . [ وقيل : ] فما مضى عليه أربعون يوما بعد مورده حتى خرج
في عينه التي أومأ إليها قرحة ، فذهبت
(2) .
(1) البحار 27:76 ، ح 4 ،
باب 4 .
(2) الخرائج 1:480 ، ح 21
، عنه البحار 52:59 ، ح 42 .
(632)
السادس
: القيام عند سماع اسمه الكريم سيّما اسم (القائم) ، كما كان ذلك سيرة جميع طبقات
الاماميّة ، كثّرهم اللّه تعالى في جميع البلاد من العرب والعجم والترك والهند
والديلم ، وهذا يدلّ على وجود مصدر وأصل لهذا العمل ، وإن لم يُر هذا المصدر إلى
الآن ، لكن سُمع عن بعض العلماء الخبراء بأنهم رأوا خبرا يدلّ عليه بانّ بعض
العلماء ذكر انّ هذا المطلب قد سُئل عنه العالم المتبحّر الجليل السيد عبد اللّه
سبط المحدّث الجزائري ، فأجاب رحمهالله عنه في بعض تصانيفه بأنّه رأى خبرا مضمونه
: انّ اسم القائم عليهالسلام ذُكر يوما عند الامام الصادق عليهالسلام فقام
الامام تعظيما واحتراما لإسمه عليهالسلام .
يقول
المؤلف : هذا كلام شيخنا في النجم الثاقب لكن العالم المحدّث ، الجليل الفاضل ،
الماهر المتبحّر النبيل سيدنا الأجل السيد حسن الموسوي الكاظمي أدام اللّه بقاءه
قال في تكملة أمل الآمل ما حاصله :
كتب
أحد علماء الامامية وهو عبد الرضا بن محمد من أولاد المتوكّل ، كتابا في وفاة
الامام الرضا عليهالسلام اسمه (تاجيج نيران الأحزان في وفات سلطان خراسان) ومن
منفردات هذا الكتاب انّه قال : لما أنشد دعبل الخزاعي قصيدته التائية على الامام
الرضا عليهالسلام ، ولمّا وصل إلى قوله :
خروج امام لا محالة خارج
يقوم على اسم اللّه بالبركات
قام
الامام الرضا عليهالسلام على قدميه ، وأطرق رأسه إلى الأرض ، ثم وضع يده اليمنى
على رأسه وقال : « اللهم عجّل فرجه ومخرجه وانصرنا به نصرا عزيزا » انتهى .
السابع
: من تكاليف العباد في ظلمات الغيبة ، التضرّع إلى اللّه تعالى ، ومسألته أن يحفظ
ايمانهم من تطرّق شبهات الشياطين وزنادقة المسلمين ، وقراءة الأدعية الواردة في
هذا الباب ، منها الدعاء الذي رواه الشيخ النعماني والكليني بأسانيد متعدّدة عن
زرارة انّه قال : سمعت أبا عبد اللّه عليهالسلام يقول : انّ للغلام غيبة قبل أن
يقوم ، قال : قلت : ولم ؟ قال : يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه ـ ثم قال : يا زرارة
وهو المنتظر وهو الذي يشكّ في ولادته ، منهم من يقول : مات أبوه بلا خلفٍ ، ومنهم
من يقول : حملٌ ، ومنهم من يقول : انّه ولد قبل موت أبيه بسنتين ، وهو المنتظر غير
انّ اللّه عزوجل يُحبّ أن يمتحن الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة .
قال
: قلت : جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أيّ شيء أعمل ؟ قال : يا زرارة إذا أدركت
هذا الزمان فادع بهذا الدعاء :
«
اللهم عرّفني نفسك ، فانّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك ، اللهم عرّفني رسولك
فانّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك ، اللهم عرّفني حجتك فانّك إن لم تعرّفني
حجتك ضللت عن ديني »
(1) .
(633)
ومنها
دعاء طويل اوّله هذا الدعاء المذكور ، ثم بعده : « اللهم لا تمتني ميتة جاهلية ،
ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني » إلى آخر الدعاء ، وقد ذكرناه في ملحقات كتاب مفاتيح
الجنان ، وذكره أيضا السيد ابن طاووس في جمال الاسبوع بعد الأدعية المأثورة بعد
صلاة العصر من يوم الجمعة ثم قال : ذكر دعاء آخر يدعى له صلوات اللّه عليه به ،
وأوّله يشبه الدعاء المتقدّم عليه ، وهو ممّا ينبغي إذا كان لك عذر عن جميع ما
ذكرناه من تعقيب لعصر يوم الجمعة فايّاك أن تهمل الدعاء به ، فاننا عرفنا ذلك من
فضل اللّه جلّ جلاله الذي خصّنا به ، فاعتمد عليه(1) .
يقول
المؤلف : ونُقل ما يقرب من كلام السيد ابن طاووس في ذيل الصلوات المنسوبة إلى أبي
الحسن عليهالسلام عن الضراب الاصفهاني ، فقال : ويظهر من هذا الكلام الشريف انّه
حصل للسيد شيء من صاحب الأمر عليهالسلام ، وهذا منه غير بعيد .
ومنها
الدعاء الذي رواه الشيخ الصدوق عن عبداللّه بن سنان انّه قال: قال أبو عبداللّه
عليهالسلام : ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى، ولا امام هدى، ولا ينجو منها الاّ
من دعا بدعاء الغريق، قلت : كيف دعاء الغريق ؟
قال
: يقول : « يا اللّه يا رحمان يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك » فقلت
: « يا اللّه يا رحمان يا رحيم يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك »
قال : انّ اللّه عزوجل مقلّب القلوب والأبصار ، ولكن قل كما أقول لك : « يا مقلّب
القلوب ثبّت قلبي على دينك »
(2) .
الثامن
: الاستغاثة والاستعانة به عليهالسلام في الشدائد والأهوال ، والبلايا والأمراض ،
وحلول الشبهات والفتن من مختلف الجوانب ، وطلب حلّ المشاكل والشبهات ، ورفع
الكربات ودفع البلايا ، لأنّه عليهالسلام وبحسب القدرة الالهية والعلوم اللدنيّة
الربّانيّة عالم بأحوال العباد وقادر على اجابة مرادهم ، عامّ الفيض لا ولن يغفل
عن النظر في أمور رعاياه ، وهو بنفسه قال في التوقيع الذي خرج إلى الشيخ المفيد :
«
... فانّا يحيط علمنا بأنبائكم ، ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم ، ومعرفتنا بالزلل
الذي أصابكم ... »
(3) .
وروى
الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسند معتبر عن أبي القاسم الحسين بن روح النائب
الثالث رضىاللهعنه انّه قال : اختلف أصحابنا في التفويض وغيره ، فمضيت إلى أبي
طاهر بن بلال في أيام استقامته فعرّفته الخلاف ، فقال : أخّرني ، فأخّرته أيّاما
فعدت
(1) الكافي 1:337 ، ح 5 ،
باب في الغيبة ، كتاب الغيبة للنعماني : 166 ، ح 6 ، وفيه بعض الاختلاف .
(2) جمال الاسبوع : 521 .
(3) كمال الدين 2:352 ، ح
49 ، مهج الدعوات : 415 ، البحار 95:326 .
(4) البحار 53:174 ، ح 7 ،
باب 31 ، وفي الاحتجاج 2:322 .
(634)
إليه ،
فأخرج اليّ حديثا باسناده إلى أبي عبد اللّه عليهالسلام قال :
إذا
أراد [ اللّه ] أمرا عرضه على رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ثم أمير المؤمنين
عليهالسلام واحدا بعد واحد إلى أن ينتهي إلى صاحب الزمان عليهالسلام ، ثم يخرج
إلى الدنيا ، وإذا أراد الملائكة أن يرفعوا إلى اللّه عزوجل عملاً عرض على صاحب
الزمان عليهالسلام ، ثم يخرج على واحد واحد إلى أن يُعرض على رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله ، ثم يعرض على اللّه عزوجل ، فما نزل من اللّه فعلى أيديهم
، وما عرج إلى اللّه فعلى أيديهم، وما استغنوا عن اللّه عزوجل طرفة عين
(1).
ونقل
السيد حسين المفتي الكركي سبط المحقق الثاني في كتاب دفع المناوات عن كتاب
البراهين عن أبي حمزة عن الامام الكاظم عليهالسلام انّه قال : ما من ملك يهبطه
اللّه في أمر الاّ بدأ بالامام ، فعرض ذلك عليه ، وانّ مختلف الملائكة من عند
اللّه تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر(2) .
وفي
خبر أبي الوفاء الشيرازي انّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله قال له : ... وامّا
صاحب الزمان فاذا بلغ السكين منك هكذا وأومأ بيده إلى حلقه ، فقل : يا صاحب الزمان
أغثني ، يا صاحب الزمان أدركني(3) . [ فانّه غياث المستغيثين وملجأ
ومأوى لهم ] .
روى
الشيخ الكشي والشيخ الصفار في البصائر عن رميلة انّه قال : وعكت وعكا شديدا في
زمان أمير المؤمنين عليهالسلام ، فوجدت من نفسي خفة يوم الجمعة ، فقلت : لا أصيب
شيئا أفضل من أن أفيض عليّ من الماء واصلّي خلف أمير المؤمنين عليهالسلام ، ففعلت
ثم جئت المسجد ، فلمّا صعد أمير المؤمنين عليهالسلام المنبر عاد عليّ ذلك الوعك .
فلمّا
انصرف أمير المؤمنين عليهالسلام دخل القصر ودخلت معه ، فالتفت اليّ أمير المؤمنين
عليهالسلام وقال : يا رميلة ما لي رأيتك وأنت منشبك بعضك في بعض ؟ فقصصت عليه
القصة التي كنت فيها ، والذي حملني على الرغبة في الصلاة خلفه .
فقال
لي : يا رميلة ليس من مؤمن يمرض الاّ مرضنا لمرضه ، ولا يحزن الاّ حزنّا لحزنه ،
ولا يدعو الاّ أمنّا له ، ولا يسكت الاّ دعونا له ، فقلت : يا أمير المؤمنين جعلت
فداك هذا لمن معك في القصر ، أرأيت مَن كان في أطراف الأرض ؟ قال : يا رميلة ليس
يغيب عنّا مؤمن في شرق الأرض ولا غربها
(4) .
وروى
الشيخ الصدوق والصفار والشيخ المفيد وغيرهم بأسانيد كثيرة عن الامام الباقر
والصادق عليهماالسلام قال : انّ اللّه تبارك وتعالى لميدع الأرض الاّ وفيها عالم
يعلم الزيادة والنقصان، فاذا زاد المؤمنون شيئا ردّهم ، وإذا نقصوا شيئا أكمله لهم
، ولولا
(1) الغيبة : 238 ، في ذكر
أبي القاسم الحسين بن روح .
(2) راجع بصائر الدرجات
2:115 ، ح 22 ، باب 17 ، عنه البحار 26:357 ، ح 21 ، باب 9 .
(3) البحار 102:250 ، ضمن
حديث 10 ، باب 59 .
(4) اختيار معرفة الرجال
1:319 ، ح 162 ، ومثله بصائر الدرجات 5:279 ، باب 16 ، ح 1 .
(635)
ذلك
لالتبست على المؤمنين أمورهم ، وفي رواية : ولم يفرق بين الحق والباطل(1)
.
وروي
في تحفة الزائر للمجلسي ، ومفاتيح النجاة للسبزواري : من كانت له حاجة فليكتبها في
رقعة ، ويقذفها في ضريح احد الائمة عليهمالسلام ، أو يمهرها ويضعها في طين طاهر ،
ويقذفها في نهر أو بئر عميق أو غدير ماء كي تصل إلى يد صاحب الزمان عليهالسلام ،
وهو عليهالسلام يتولى قضاء حاجته ، واليك نص الرقعة :
«
بسم اللّه الرحمن الرحيم ، كتبت يا مولاي صلوات اللّه عليك مستغيثا ، وشكوت ما
نزل بي مستجيرا باللّه عزوجل ثم بك من أمرٍ قد دهمني ، وأشغل قلبي ، وأطال فكري ،
وسلبني بعض لُبّي ، وغيّر خطير نعمة اللّه عندي ، أسلمني عند تخيّل وروده الخليل
، وتبرّء منّي عند ترائي إقباله اليّ الحميم ، وعجزت عن دفاعه حيلتي ، وخانني في
تحمّله صبري وقوّتي ، فلجأت فيه اليك ، وتوكّلت في المسألة للّه جلّ ثناؤه عليه
وعليك في دفاعه عنّي ، علما بمكانك من اللّه ربّ العالمين وليّ التدبير ، ومالك
الأمور ، واثقا بك في المسارعة في الشفاعة إليه جلّ ثناؤه في أمري ، متيقّنا
لاجابته تبارك وتعالى ايّاك باعطائي سُؤلي ، وأنت يا مولاي جديرٌ بتحقيق ظنّي ،
وتصديق أملي فيك في أمر كذا وكذا (وتذكر حاجتك بدل كذا وكذا) فيما لا طاقة لي
بحمله ، ولا صبر لي عليه ، وإن كنت مستحقا له ولأضعافه بقبيح أفعالي وتفريطي في
الواجبات التي للّه عزوجل ، فأغثني يا مولاي صلوات اللّه عليك عند اللهف ، وقدّم
المسألة للّه عزوجل في أمري قبل حلول التلف وشماتة الأعداء ، فبك بسطت النعمة
عليّ ، واسأل اللّه جلّ جلاله لي نصرا عزيزا ، وفتحا قريبا فيه بلوغ الآمال ،
وخير المبادي وخواتيم الأعمال ، والأمن من المخاوف كلّها في كلّ حالٍ ، انّه جلّ
ثناؤه لما يشاء فعّال ، وهو حسبي ونعم الوكيل في المبدء والمآل »
(2) .
ثم
يأتي الغدير أو النهر ويعتمد على أحد الوكلاء امّا عثمان بن سعيد العمري ، أو
ابنهُ محمد بن عثمان ، أو الحسين بن روح ، أو عليّ بن محمد السّمري ، فينادي أحدهم
ويقول :
«
يا فلان بن فلان ، سلام عليك أشهد انّ وفاتك في سبيل اللّه ، وانّك حيّ عند
اللّه مرزوق ، وقد خاطبتك في حياتك التي لك عند اللّه عزوجل ، وهذه رقعتي وحاجتي
إلى مولانا عليهالسلام ، فسلّمها إليه وأنت الثقة الأمين » .
ثم
يقذفها في النهر أو البئر أو الغدير ، فتُقضى حاجته .
ويُستفاد
من هذا الخبر الشريف انّ هؤلاء الاربعة المذكورين كما كانوا الواسطة
(1) كمال الدين 1:203 ، ح
61 ، والامانة والتبصرة : 30 ، ح 11 ، وعلل الشرائع 1:199 ، ح 22 ، وبصائر الدرجات
7:351 ، باب 10 ، ح 1 ، والبحار 23:21 ، ح 19 .
(2) راجع البحار 102:234 ،
والبلد الامين : 157 .
(636)
بين صاحب
الزمان عليهالسلام وبين الناس في الغيبة الصغرى في عرض الحوائج والرقاع وأخذ
الجواب وابلاغه ، فكذلك حالهم في الغيبة الكبرى ، فهم في ركابه عليهالسلام ومن
المفتخرين بهذا المنصب الشريف .
فعُلِمَ
انّ مائدة احسانه عليهالسلام وجوده وكرمه وفضله ونعمه منتشرة في كلّ قطر من أقطار
الأرض ، وباب كرمه مفتوح ، والطريق إليه واضح لكلّ آيسٍ ومضطربٍ وضالٍّ ومتحيّرٍ
وجاهلٍ وحيران ، الذي جاء بصدق وعزم واضطرار وصفاء مع اخلاص ، فان كان جاهلاً
عُلّم ، وان كان ضالاّ هُدي ، وإن كان مريضا عوفي ، كما يظهر هذا من الحكايات
والقصص السالفة .
وخلاصة
الحال انّ صاحب الأمر عليهالسلام حاضر بين العباد ، وناظر إلى أعمالهم وأحوالهم ،
وقادر على كشف البلايا عنهم ، وعالم باسرارهم وخفاياهم ، ولم يكن معزولاً عن منصب
الخلافة بسبب غيبته واستتاره عن الناس ، ولم يترك عليهالسلام الرئاسة الالهيّة ،
ولم يظهر العجز عن قدرته الرّبانية ، وإن شاء عليهالسلام حلّ مشاكل القلوب من دون
أيّ سعي وفعاليّة ، وإن شاء شوّق قلب المضطر لكتاب أو لعالم عنده دواء دائه ، أو
يُلهمه دعاء أو يعلّمه دواءه في المنام ، وما رُأي وسُمع من أنّ بعض المضطرين
وأصحاب الحوائج مع صدق الولاء والاقرار بالامامة ، وقد دعوا وتضرّعوا وشكوا أمرهم
إليه عليهالسلام ولم تُقض حوائجهم ، فهذا ـ بالاضافة لوجود موانع الدعاء والقبول
فيه ـ امّا أن يزعم انّه مضطر وليس كذلك ، أو يزعم انّه ضالٌ متحيّر وقد هُدي إلى
الطريق وعُلّم كالجاهل بالاحكام العملية الذي اُرجع إلى العالم ، كما جاء في
التوقيع المبارك عن مسائل اسحاق بن يعقوب حيث قال : وامّا الحوادث الواقعة فارجعوا
فيها إلى رواة حديثنا ، فانّهم حجّتي عليكم وأنا حجة اللّه عليهم
(1) .
فاذا
أمكن وصول الجاهل للعالم وإن كان بالهجرة والسفر ، أو الحصول على كتابه في الأحكام
لم يكن مضطرا ، وكذلك العالم الذي يمكن أن يحلّ المشاكل ويدفع الشبهات عنه بالرجوع
إلى الظواهر ونصوص الكتاب والسنة والاجماع لا يسمّى عاجزا ، وهكذا من وسّع في
نفقاته ومعاشه خارج الحدود الالهية والموازين الشرعيّة ، ولم يكتفِ بالمقدار
الممدوح في الشرع ، ولم يقنع بما في يده طلبا لما هو زائد عن قوام معاشه لم يكن
مضطرا ، وقس على هذا الموارد التي يعتقد الانسان بانّه مضطرٌ أو عاجز فيها ، فلو
تأمّل بصدق لرأى خلافه .
وحتى
إذا كان هذا الشخص صادق في اضطراره ، فلعلّ قضاء حاجته لا تكون في مصلحته أو مصلحة
النظام الكلّي ، ولم يرد وعد باجابة دعاء كلّ مضطر ، نعم لا يقدر على قضاء الحوائج
الاّ اللّه أو خلفاءه ، وليس معنى هذا اجابة كلّ مضطر ، وكثيرا ما
(1) كمال الدين 2:484 ، ح
4 ، باب 45 ، والاحتجاج 2:283 ، عنه البحار 53:181 .
(637)
كان من
أصناف المضطرين والعجزة والموالي والمحبّين في ايّام حضور الحجج في مكة والمدينة
والكوفة يسألون قضاء حوائجهم ، فلم تقض ولم تُجَبْ ، ولم يكن الأمر كذلك بانّ كل
عاجز يُجاب وتُقضى حاجته في أيّ زمان ومهما كانت ، فانّ في هذا اختلال النظام ورفع
الأجر والثواب العظيم الجزيل لأصحاب البلاء والمصاب ، فانّهم إذا رأوا ثوابهم يوم
القيامة تمنّوا أن تتقطّع لحومهم بالمقاريض في الدنيا كي يصلوا إلى ثواب اكثر وأجر
أوفر ، ولكن اللّه تعالى مع قدرته الكاملة ، وغنائه المطلق ، وعلمه المحيط بذرّات
وأجزاء الموجودات لم يؤاخذ خلقه بمثل ذلك .
* * *
(638)
الفصل الرابع
في بيان بعض علائم ظهور صاحب الزمان عليهالسلام
ونكتفي
هنا بذكر مختصر عمّا كتبه السيد السند ، الفقيه المحدّث ، الجليل القدر المرحوم
السيد اسماعيل العقيلي النوري ، نوّر اللّه مرقده ، في كتاب كفاية الموحّدين ،
قال :
وعلامات
الظهور على قسمين ، علائم حتميّة وعلائم غير حتميّة ، امّا العلامات الحتميّة فهي
على نحو الاجمال :
الاُولى ؛
خروج الدجّال :
ويدّعي
اللّعين الألوهيّة ، وتمتلئ الدنيا بالفتن وإراقة الدماء بسبب وجوده النحس ، ويظهر
من الأخبار انّ إحدى عينيه ممسوحة ، وعينه اليسرى في وسط جبينه تزهر كالنجم ، وكأنّ
عينيه امتلأتا دما ، ضخم الهامة ، له هيئة غريبة عجيبة ، وهو ماهر في السحر ، وإلى
جنبه جبل أسود يُخيل للناس انّه جبل من خبز ، وخلفه جبل أبيض يخيل للناس من سحره
انّه ماء جارٍ ، ويصيح : « أوليائي أنا ربكم الأعلى » .
ويجتمع
حوله الشياطين وأتباعهم من الظالمين والمنافقين والسحرة والكهنة والكفرة وأولاد
الزنا ، فيأخذ الشياطين بأطرافه ، وينشغلون بأنواع آلات اللهو واللعب والغناء
كالعود والمزمار والدف ، ويتغنّون بها كي يشغلوا قلوب تابعيه بها حتى يرقص لها
ضعفاء العقول من الرجال والنساء ، فيمشي الناس خلفه لسماع تلك النغمات والألحان
والأصوات كالسكارى .
وفي
رواية أبي امامة انّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله قال ما معناه : ليبصق كل
مؤمن رأى الدجال على وجهه ، وليقرأ سورة الحمد كي يذهب سحر اللعين .
ولمّا
يظهر اللعين يملئ الأرض بالفتن ، وتقوم معركة بينه وبين جيش القائم عليهالسلام ،
ثم يُقتل اللعين على يد الحجة عليهالسلام أو على يد عيسى بن مريم عليهالسلام .
الثانية :
الصيحة
من السماء التي وردت أخبار كثيرة على حتميتها ، وفي حديث المفضّل بن عمر رحمهالله
عن الامام الصادق عليهالسلام انّه قال : [ يدخل القائم عليهالسلام مكة ، ويظهر
في جنب البيت ] فاذا طلعت الشمس وأضاءت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي
مبين يسمع من في السماوات والأرضين : يا معشر الخلائق هذا مهديّ آل
(639)
محمد
(ويسمّيه باسم جدّه رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ويكنّيه ، وينسبه إلى أبيه
الحسن الحادي عشر إلى الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهم أجمعين) بايعوه تهتدوا
ولا تخالفوا أمره فتضلّوا .
فأوّل
من يقبّل يده الملائكة ثم الجن ثم النقباء ويقولون : سمعنا وأطعنا ، ولا يبقى ذو
أذن من الخلائق الاّ سمع ذلك النداء ، وتقبل الخلائق من البدو والحضر والبرّ
والبحر ، يحدّث بعضهم بعضا ، ويستفهم بعضهم بعضا ما سمعوا بآذانهم .
فاذا
دنت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغربها : يا معشر الخلائق قد ظهر ربكم بوادي اليابس
من أرض فلسطين ، وهو عثمان بن عنبسة الأموي من ولد يزيد بن معاوية ، فبايعوه
تهتدوا ولا تخالفوا عليه فتضلّوا ، فيردّ عليه الملائكة والجنّ والنقباء قوله ،
ويكذّبوه ويقولون له : سمعنا وعصينا ، ولا يبقى ذو شكّ ولا مرتاب ولا منافق ولا
كافر الاّ ضلّ بالنداء الأخير
(1) .
ويظهر
أيضا نداء آخر من السماء قبل ظهور الحجة عليهالسلام ، في الليلة الثالثة والعشرين
من شهر رمضان ، يسمعه جميع سكّان الأرض من شرقها إلى غربها ، والمنادي جبرئيل
عليهالسلام ، يقول بصوت عالٍ : « الحق مع عليّ وشيعته » وينادي الشيطان عند منتصف
النهار وبين السماء والأرض يسمعه كلّ احد : « الحق مع عثمان وشيعته » .
الثالثة :
خروج
السفياني من وادٍ يابس ليس فيه ماء ولا كلاء يقع بين مكة والشام ، وهو رجل قبيح
الوجه على وجهه أثر جدري ، ربع ، ضخم الهامة ، أزرق العينين ، اسمه عثمان بن عنبسة
من ولد يزيد بن معاوية ، ويملك اللعين خمسَ مدنٍ كبيرة : دمشق وحمص ، وفلسطين
والأردن وقنّسرين ، فيرسل جيوشا كثيرة إلى الأطراف والنواحي ، ويأتي قسم كبير من
جيشه إلى الكوفة وبغداد فيقتل وينهب ويكثر من سفك الدماء وقتل الرجال في الكوفة
والنجف الأشرف ، ثم يرسل قسما من جيشه إلى الشام ، وقسما منه إلى المدينة المطهّرة
، وعند وصولهم المدينة يقتلون ويخرّبون الكثير من الدور إلى ثلاثة أيّام ، ثم
يتوجّهون بعدها إلى مكة ، لكنّهم لن يصلوا اليها .
أما
من ذهب إلى الشام منهم فيظفر بهم جيش الامام عليهالسلام في الطريق ، فيقتلهم عن
آخرهم ويغنمون كلّ ما كان معهم .
وتعظم
فتنة اللعين في أطراف البلاد خاصّة على محبّي وشيعة عليّ بن أبي طالب عليهالسلام
، حتى انّ مناديه ينادي : مَن أتى برأس رجل محبّ لعليّ بن أبي طالب فله ألف درهم ،
فيشي حينئذٍ الناس بعضهم على بعض طلبا للدنيا حتى ان الجار يخبر عن
(1) البحار 53:8 ، باب 25
.
(640)
جاره بانّ
هذا محبّ عليّ بن أبي طالب .
ولمّا
يصل الجيش الذي توجّه إلى مكة إلى أرض بيداء ـ بين مكة والمدينة ـ فانّ اللّه
تعالى يرسل ملكا إلى تلك الأرض فيصيح : يا أرض إنخسفي بهؤلاء اللعناء ، فتنخسف
الأرض بهم وبما معهم من السلاح والجياد وهم حوالي ثلاثمائة ألف نفر ، ولا يبقى
منهم الاّ نفران وهما إخوة من الطائفة الجُهَنيّة ، وتَقلب الملائكةُ وجهيهما إلى
الخلف ، ويقولون لأحدهما وهو البشير : اذهب إلى مكة وبشّر صاحب الزمان عليهالسلام
بهلاك جيش السفياني ، ويقولون للثاني وهو النذير : اذهب إلى الشام وأخبر السفياني
بهلاك جيشه وأنذره ، فيذهب أحدهما إلى مكة والآخر إلى الشام ، فاذا سمع السفياني
ذلك يتوجّه من الشام إلى الكوفة ويُفسد فيها كثيرا ، وبعد وصول الامام الحجة
عليهالسلام يهرب اللعين منها إلى الشام ، فيُرسل الامام عليهالسلام جيشا خلفه
فيقتلوا السفياني على صخرة بيت المقدس ، ويحزّوا رأسه النحس ، وتذهب روحه الخبيثة
إلى جهنّم وبئس المصير .
الرابعة :
خسف
الأرض بجيش السفياني في البيداء ، وقد مرّ ذكره .
الخامسة :
قتل
النفس الزكية وهو من نسل آل محمد عليهمالسلام فيقتل بين الركن والمقام .
السادسة :
خروج
السيد الحسني ، وهو شابّ حسن الوجه يخرج من ناحية الديلم وقزوين ، وينادي بصوتٍ
عالٍ : أغيثوا آل محمد فانهم يستغيثونكم ، وهذا السيد على الظاهر من ولد الامام
الحسن المجتبي عليهالسلام ، ولا يدعي الباطل ولا يدعو الناس لنفسه بل هو من
الشيعة الخلّص للأئمة الاثني عشر ، ويتّبع الشريعة الحقّة ولا يدّعي النيابة
والمهدويّة ولكنّه رئيس مطاع ، وتمتلىء الأرض كفرا وظلما حين خروجه ، والناس في
ضيق وأذىً من قبل الظالمين والفاسقين ، وهناك جمع من المؤمنين مستعدّين لدفع ظلم
الظالمين ، فهنالك يستغيث السيد الحسني لنصرة دين آل محمد عليهمالسلام ، فيعينه
الناس وتجيبه كنوز اللّه بالطالقان ، كنوز وأيّ كنوز ليست من فضة ولا ذهب بل هي
رجال كزبر الحديد على البراذين الشهب بأيديهم الحراب
(1) .
فيكثر
حينئذ أعوانه ويحكم فيهم حُكمَ سلطان عادل ، ويغلب أهل الظلم
(1) البحار 53:15 ، باب 25
.