[161]
المقتول بفخ ، واحتوى على المدينة دعا موسى بن جعفر عليهما السلام إلى البيعة فأتاه فقال
له : ياابن عم لاتكلفني ماكلف ابن عمك عمك أبا عبدالله عليه السلام فيخرج مني مالا
اريد كما خرج من أبي عبدالله عليه السلام مالم يكن يريد ، فقال له الحسين : إنما عرضت
عليك أمرا فان أردته دخلت فيه ، وإن كرهته لم أحملك عليه والله المستعان ، ثم
ودعه .
فقال له أبوالحسن موسى بن جعفر عليه السلام حين ودعه : ياابن عم إنك مقتول
فأجد الضراب ، فإن القوم فساق ، يظهرون إيمانا ، ويسرون شركا ، وإنا لله
وإنا إليه راجعون أحتسبكم عند الله من عصبة ، ثم خرج الحسين ، وكان من أمره
ماكان ، قتلوا كلهم كما قال عليه السلام ( 1 ) .
بيان : الفخ بفتح الفآء وتشديد الخاء بئر بينه وبين مكة فرسخ تقريبا ، و
الحسين هو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي عليهما السلام وامه
زينب بنت بنت عبدالله بن الحسن ، وخرج في أيام موسى الهادي بن محمد المهدي
ابن أبي جعفر المنصور ، وخرج معه جماعة كثيرة من العلويين .
وكان خروجه بالمدينة في ذي القعدة سنة تسع وستين ومائة ، بعد موت المهدي
بمكة ، وخلافة الهادي ابنه .
وروى أبوالفرج الاصبهاني ( 2 ) بأسانيده عن عبدالله بن إبراهيم الجعفري
وغيره أنهم قالوا : كان سبب خروج الحسين أن الهادي ولى المدينة إسحاق بن
عيسى بن علي فاستخلف عليها رجلا من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز
فحمل على الطالبيين ، وأساء إليهم ، وطالبهم بالعرض كل يوم في المقصورة ، ووافى
أوائل الحاج ، وقدم من الشيعة نحو من سبعين رجلا ولقوا حسينا وغيره فبلغ ذلك
العمري ، وأغلظ أمر العرض ، وألجأهم إلى الخروج ، فجمع الحسين يحيى ( 3 )
___________________________________________________________________
( 1 ) الكافى ج 1 ص 366 .
( 2 ) مقاتل الطالبيين ص 443 بتفاوت .
( 3 ) يحيى صاحب الديلم سيأتى بعض أخباره في الاصل وقد استوفى ترجمته أبو الفرج
في مقاتله من ص 463 إلى ص 486 وفيها خبر مقتله .
[162]
وسليمان ( 1 ) وإدريس ( 2 ) بني عبدالله بن الحسن ، وعبدالله بن الحسن الافطس ( 3 )
___________________________________________________________________
( 1 ) امه عاتكة بنت عبدالملك بن الحرث الشاعر بن خالد بن العاص بن هشام بن
المغيرة المخزومي وهى التى كلمت أبا جعفر المنصور لما حج وقالت ياأمير المؤمنين أيتامك
بنو عبدالله بن الحسن فقراء لا شى لهم فرد عليهم ماقبض من أموالهم فأمر بردها عليهم
وكان سليمان فيمن خرج مع الحسين بن على صاحب فخ فأسر وضربت عنقه بمكة صبرا .
لاحظ أخباره في تاريخ الطبري ج 10 ص 28 ومروج الذهب ج 2 ص 183 ومقاتل الطالبيين
ص 396 و 433 .
( 2 ) ادريس بن عبدالله : امه عاتكة بنت عبدالملك بن الحرث الشاعر المخزومى
حضر وقعة فخ وأفلت منها ومعه مولى له يقال له راشد فخرج به في جملة حاج افريقية ومصر
حتى أقدمه مصر ، ومنها خرج إلى فاس وطنجة ومولاه راشد معه فاستدعاهم ادريس إلى الدين
فملكوه عليهم ، فبلغ الرشيد ذلك فغمه حتى امتنع من النوم ، فدعا سليمان بن جرير الرقى
متكلم الزيدية وأعطاه سما فورد سليمان على ادريس متوسما بالمذهب فسر به ، ثم جعل
سليمان يطلب غرته حتى وجد خلوة من مولاه راشد فسقاه السم وهرب ، وكانت بيعة ادريس
في 4 شهر رمضان سنة 172 واستمر بالامر خمس سنين وستة أشهر ثم مات سنة 177 مستهل
ربيع الثاني لاحظ تفصيل أخباره في مقاتل الطالبيين ص 487 وما بعدها وتاريخ الطبري
ج 10 ص 29 وتاريخ ابن خلدون ج 4 ص 12 14 وجذوة الاقتباس لابن القاضى ص 7
والبدء والتاريخ ج 6 ص 100 وتاريخ أبي الفداء ج 2 ص 12 وعمدة الطالب ص 157 158
ومعجم أعلام المنتقلة " مخطوط " وقد كتب في مناقبه وأخباره كتب منها الدر النفيس في
مناقب ادريس .
( 3 ) عبدالله بن الحسن الافطس : هو أبومحمد امه ام سعيد بنت سعيد بن محمد بن
جبير بن مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف ، خرج مع الحسين بن علي صاحب فخ
متقلدا سيفين يقاتل بهما ، ووصفه بعض من شهده بقوله : ما كان بفخ أشد عناءا من عبدالله
ابن الحسن بن علي بن على ، واليه أوصى الحسين صاحب فخ ، وأخذه الرشيد بعد ذلك
فحبسه في بغداد مدة فضاق صدره فكتب إلى الرشيد رقعة فيها كل كلام قبيح ، وشتم شنيع
فلما قرأها قال : ضاق صدر هذا الفتى فهو يتعرض المقتل ، ثم دفعه إلى جعفر بن يحيى البرمكى
وأمره بالتوسعة عليه ، فلما كان يوم غد وهو يوم نيروز قدمه جعفر فضرب عنقه وغسل رأسه
وجعله في منديل وأهداه إلى الرشيد مع هدايا ، فلما قدمت اليه ونظر إلى الرأس أفظعه
[163]
وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا ( 1 ) وعمر بن الحسن بن علي بن الحسن المثلث ، و
عبدالله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن المثنى ، وعبدالله بن جعفر الصادق عليه السلام
ووجهوا إلى فتيان من فتيانهم ومواليهم ، فاجتمعوا ستة وعشرين رجلا من ولد
علي عليه السلام وعشرة من الحاج ، وجماعة من الموالي .
فلما أذن المؤذن الصبح دخلوا المسجد ونادوا : أجد أجد ، وصعد الافطس
المنارة ، وجبر المؤذن على قول حي على خير العمل ، فلما سمعه العمري أحس
بالشر ودهش ، ومضى هاربا على وجهه يسعى ويضرط ، حتى نجا ، وصلى الحسين
بالناس الصبح ، ولم يتخلف عنه أحد من الطالبيين ، إلا الحسن بن جعفر بن الحسن
ابن الحسن وموسى بن جعفر عليه السلام .
فخطب بعد الصلاة وقال بعد الحمد والثناء : أنا ابن رسول الله ، على منبر
رسول الله ، وفي حرم رسول الله ، أدعوكم إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله أيها الناس أتطلبون
___________________________________________________________________
وقال لجعفر : ويحك لم فعلت هذا ؟ فقال : ماعلمت أبلغ في سرورك من حمل رأس عدوك
الخ قال : ويحك فقتلك اياه بغير أمرى أعظم من فعله ، ثم أمر بغسله ودفنه ، ولما كان أمر
البرامكة قال الرشيد لمسرور : اذا أردت قتله يعنى جعفرا فقل هذا بعبد الله بن الحسن
ابن عمى الذى قتلته بغير أمرى ، قال العمرى : وقبره ببغداد بسوق الطعام عليه مشهد .
لاحظ أخباره في مقاتل الطالبيين ص 492 ومروج الذهب ج 2 ص 234 وعمدة الطالب .
ص 348 وسر السلسلة ص 79 ومشجر العميدي ص 143 ومعجم أعلام منتقلة الطالبية للمعلق .
( 1 ) لقب ابراهيم بطباطبا لان أباه أراد أن يقطع له ثوبا وهو طفل فخيره بين قميص
وقباء فقال : طباطبا يعنى قباقبا ، وقيل : بل السواد لقبوه بذلك وهو بلغة النبطية سيد السادات
كما عن ناصر الحق ، امه ام ولد ، حمله المنصور مع الذين حملهم من ولد الحسن إلى
بغداد ، وخرج مع الحسين بن على صاحب فخ وشهد الواقعة ولم يستشهد ، وقد وهم بعض
أحفاده في كتابه " هدية آل عبا " ص 23 حيث نقل عن أبي الفرج أنه ممن استشهد في فخ
والموجود في المقاتل أنه ممن شهد فخا لا ممن استشهد فيها ، وكم لهذا المؤلف من أوهام
في كتابه ذلك .
لاحظ أخبار ابراهيم في عمدة الطالب ص 172 وسر السلسلة ص 16 واصول
الكافى ج 1 ص 361 طبع ايران سنة 1375 ه ومقاتل الطالبيين ومعجم أعلام المنتقلة .
[164]
آثار رسول الله في الحجر والعود تمسحون بذلك ، وتضيعون بضعة منه !
قالوا : فأقبل حماد البربري وكان مسلحة للسلطان بالمدينة في السلاح ، ومعه
أصحابه حتى وافوا باب المسجد ، فقصده يحيى بن عبدالله وفي يده السيف ، فأراد
حماد أن ينزل فبدره يحيى فضربه على جبينه وعليه البيضة والمغفر والقلنسوة فقطع
ذلك كله وأطار قحف رأسه ، وسقط عن دابته ، وحمل على أصحابه فتفرقوا
وانهزموا .
وحج في تلك السنة مبارك التركي فبدأ بالمدينة ، فبلغه خبر الحسين
فبعث إليه من الليل إني والله ما احب أن تبتلى بي ولا ابتلى بك ، فابعث الليلة
إلي نفرا من أصحابك ولو عشرة يبيتون عسكري حتى أنهزم ، وأعتل بالبيات
ففعل ذلك الحسين ووجه عشرة من أصحابه فجعجعوا بمبارك وصبحوا في نواحي
عسكره ، فهرب ، وذهب إلى مكة .
وحج في تلك السنة العباس بن محمد ، وسليمان بن أبي جعفر ، وموسى بن
عيسى فصار مبارك معهم واعتل عليهم بالبيات ، وخرج الحسين قاصدا إلى مكة
ومعه من تبعه من أهله ومواليه وأصحابه ، وهم زهاء ثلاثمائة ، واستخلف رجلا
على المدينة ، فلما صاروا بفخ تلقتهم الجيوش ، فعرض العباس على الحسين الامان
والعفو والصلة ، فأبى ذلك أشد الابآء ، وكانت قادة الجيوش العباس ، وموسى
وجعفر ، ومحمد ابنا سليمان ، ومبارك التركي ، والحسن الحاجب ، وحسين بن يقطين
فالتقوا يوم التروية وقت صلاة الصبح .
فكان أول من بدأهم موسى فحملوا عليه ، فاستطرد لهم شيئا حتى أنحدوا
في الوادي ، وحمل عليهم محمد بن سليمان من خلفهم فطحنهم طحنة واحدة ، حتى
قتل أكثر أصحاب الحسين ، وجعلت المسودة تصيح بالحسين : ياحسين لك الامان
فيقول : لا أمان اريد ، ويحمل عليهم حتى قتل ، وقتل معه سليمان بن عبدالله
ابن الحسن ، وعبدالله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن ، وأصابت الحسن بن
محمد نشابة في عينه فتركها وجعل يقاتل أشد القتال حتى أمنوه ثم قتلوه ، وجاء
[165]
الجند بالرؤوس إلى موسى والعباس ، وعندهما جماعة من ولد الحسن والحسين فلم
يسألا أحدا منهم إلا موسى بن جعفر عليه السلام فقالا : هذا رأس حسين ؟ قال : نعم
إنا لله وإنا إليه راجعون مضى والله مسلما صالحا صواما آمرا بالمعروف ، ناهيا
عن المنكر ، ماكان في أهل بيته مثله ، فلم يجيبوه بشي ء ، وحملت الاسرى إلى
الهادي ، فأمر بقتلهم ، ومات في ذلك اليوم .
وروي عن جماعة أن محمد بن سليمان لما حضرته الوفاة جعلوا يلقنونه الشهادة
وهو يقول :
ألا ليت امي لم تلدني ولم أكن لقيت حسينا يوم فخ ولا الحسن
فجعل يرددها حتى مات ، وروي في عمدة الطالب ( 1 ) ومعجم البلدان ( 2 )
عن أبي نصر البخاري ( 3 ) عن أبي جعفر الجواد عليه السلام أنه قال : لم يكن لنا بعد الطف
مصرع أعظم من فخ .
قوله : واحتوى على المدينة أي غلب عليها ، وأحاط بها ، ما كلف ابن عمك
أي محمد بن عبدالله وسمي أبا عبدالله عمه مجازا فأجد الضراب من الاجادة أي
أحسن ، ويمكن أن يقرأ بتشديد الدال أي اجتهد ، والضراب القتال ، فان القوم
أي بني العباس وأتباعهم فساق : أي خارجون من الدين ، ويسرون شركا لانهم
لو كانوا موحدين لما عارضوا إماما نصبه الله ورسوله ، أحتسبكم عند الله أي أطلب
أجر مصيبتكم من الله ، وأصبر عليها طلبا للاجر ، أو أظنكم عند الله في الدرجات
العالية ، والعصبة بالتحريك قرابة الاب ، ويمكن أن يقرأ بضم العين وسكون الصاد
كما في قوله تعالى " ونحن عصبة " ( 4 ) وهي الجماعة يتعصب بعضها لبعض .
7 كا : بالاسناد المتقدم ، عن عبدالله بن إبراهيم الجعفري قال : كتب
___________________________________________________________________
( 1 ) عمدة الطالب ص 172 طبعة النجف الاولى .
( 2 ) معجم البلدان ج 6 ص 341 ولم ينسب الكلمة إلى أحد بعينه .
( 3 ) سر السلسلة العلوية ص 14 طبع النجف الاشرف .
( 4 ) سورة يوسف الاية : 8 .
[166]
يحيى بن عبدالله بن الحسن إلى موسى بن جعفر عليه السلام أما بعد فاني اوصي نفسي
بتقوى الله ، وبها اوصيك ، فانها وصية الله في الاولين ، ووصيته في الآخرين خبرني
من ورد علي من أعوان الله على دينه ونشر طاعته ، بما كان من تحننك مع خذلانك
وقد شاورت في الدعوة للرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله ، وقد احتجبتها واحتجبها أبوك
من قبلك ، وقديما ادعيتم ماليس لكم ، وبسطتم آمالكم إلى مالم يعطكم الله
فاستهويتم وأظللتم ، وأنا محذرك ماحذرك الله من نفسه .
فكتب إليه أبوالحسن موسى بن جعفر عليه السلام " من موسى بن أبي عبدالله جعفر
وعلي مشتركين في التذلل لله وطاعته إلى يحيى بن عبدالله بن الحسن أما بعد فاني
احذرك الله ونفسي ، واعلمك أليم عذابه ، وشديد عقابه ، وتكامل نقماته ، واوصيك
ونفسي بتقوى الله ، فانها زين الكلام ، وتثبيت النعم ، أتاني كتابك ، تذكر فيه أني
مدع وأبي من قبل ، وما سمعت ذلك مني ، وستكتب شهادتهم ويسألون ، ولم يدع
حرص الدنيا ومطالبها لاهلها مطلبا لآخرتهم ، حتى يفسد عليهم مطلب آخرتهم
في دنياهم .
وذكرت أني ثبطت الناس عنك لرغبتي فيما في يديك ، وما منعني من مدخلك
الذي أنت فيه لو كنت راغبا ضعف عن سنة ، ولا قلة بصيرة بحجة ، ولكن الله تبارك
وتعالى خق الناس أمشاجا ، وغرائب ، وغرائز ، فأخبرني عن حرفين أسألك عنهما
مالعترف في بدنك ؟ وماالصهلج في الانسان ؟ ثم اكتب إلي بخبر ذلك .
وأنا متقدم إليك احذرك معصية الخليفة ، وأحثك على بره وطاعته ، وأن
تطلب لنفسك أمانا قبل أن تأخذك الاطفار ، ويلزمك الخناق من كل مكان تتروح
إلى نفس من كل مكان ولا تجده ، حتى يمن الله عليك بمنه وفضله ، ورقة
الخليفة أبقاه الله ، فيؤمنك ويرحمك ، ويحفظ فيك أرحام رسول الله صلى الله عليه وآله والسلام
على من اتبع الهدى " إنا قد اوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى " ( 1 )
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة طه الاية : 48 .
[167]
قال الجعفري : فبلغني أن كتاب موسى بن جعفر وقع في يدي هارون فلما قرأه
قال : الناس يحملوني على موسى بن جعفر وهو برئ مما يرمى به ( 1 ) .
ايضاح : وصية النفس بالتقوى ، توطين النفس عليها قبل أمر الغير بها ، فانها
وصية الله إشارة إلى قوله تعالى : " ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم
أن اتقوا الله " ( 2 ) من تحننك أي بلغني إظهار محبتك لي ، وترحمك علي مع
عدم نصرتك لي ، وقيل أي محبتك للامامة مع أنك مخذول ، ولا يخفى مافيه ، للرضا
أي لمن هو مرضي من آل محمد يجتمعون عليه ويرتضونه ، لا لنفسي ، ويحتمل أن
يريد نفسه ، أو المعنى للعمل بما يرضى به آل محمد .
وقد احتجبتها لعل فيه حذفا وايصالا أي احتجبت بها ، والضمير للمشورة
كناية عما هو مقتضاها من الاجابة إلى البيعة ، أو للبيعة بقرينة المقام ، أو للدعوة
أي إجابتها ، أو المعنى شاورت الناس في الدعوى فاحتجبت عن مشاورتي ، ولم تحضرها
فتفرق الناس لذلك عني ، واحتجبها أبوك أي عند دعوة محمد بن عبدالله ، وقديما
ظرف لقوله ادعيتم .
قوله : فاستهويتم أي ذهبتم بأهواء الناس وعقولهم ، ماحذرك الله إشارة إلى
قوله تعالى " ويحذركم الله نفسه " ( 3 ) .
قوله من موسى بن عبدالله : في نعض النسخ عبدي الله وهو الاظهر بأن يكون
عليه السلام ذكر في الكتاب انتسابه إلى الولد الاكبر أيضا علي بن أبي طالب
عليه السلام فقوله : مشتركين : على صيغة الجمع وفي بعض النسخ أبي عبدالله والمراد
-بحار الانوار مجلد: 44 من ص 167 سطر 19 الى ص 175 سطر 18
ماذكرنا أيضا ، وكذا على نسخة عبدالله أيضا بأن يكون الوصف بالعبودية مخصوصا
بجعفر عليه السلام .
___________________________________________________________________
( 1 ) الكافى ج 1 ص 366 وفيه من موسى بن عبدالله بن جعفر وهو الذى يأتى في الايضاح
وما أثبتناه هو الموجود في مطبوعة الكمبانى وعليه فلا حاجة إلى التمحل في التأويل كما
في الايضاح فلاحظ .
( 2 ) سورة النساء الاية : 131 .
( 3 ) سورة آل عمران الاية : 28 .
[168]
وقيل : كأنه أشرك أخاه علي بن جعفر معه في المكاتبة ليصرف بذلك عنه
مايصرف عن نفسه ، وقيل : أشرك ابنه الرضا عليه السلام وقوله : مشتركين على صيغة التثنية
وتثبيت النعم أي سبب له أني مدع : ظاهره إنكار دعوى الامامة تقية وباطنه إنكار
ادعاء ماليس بحق كما زعمه مع أنه عليه السلام لم يصرح بالنفي بل قال : ماسمعت ذلك
مني ويسألونك أي شهادتهم الزور ، ومطالبتها : بالرفع عطفا على الحرص أو بالجر عطفا
على الدنيا ، في دنياهم : في للظرفية أو بمعنى مع ، والحاصل أن حرص الدنيا صار سببا
لئلا يخلص لهم شئ للآخرة ، فاذا أرادوا عملا من أعمال الآخرة خلطوه بالاغراض
الدنيوية والاعمال الباطلة كالامر بالمعروف الذي أردته ، خلطته بانكار حق
أهل الحق ، ومعارضتهم ، والافتراء عليهم ، فيحتمل أن تكون في سببية ايضا ، وقيل
يعني أن حرصك على الدنيا ومطالبها صار سببا لفساد آخرتك في دنياك ، والتثبيط
التعويق ، فيما في يديك : أي ادعاء الامامة ، ضعف عن سنة : أي عجز عن معرفتها
بل صار علمي سببا لعدم إظهار الحق قبل أوانه .
قوله : ولكن الله تبارك وتعالى خلق الناس ، أي جعل للانسان أجزاء وأعضاء
مختلفة ، فأخبرني عن هذين العضوين ، أو المعنى أن الله خلقهم ذوي غرائب وشئون
متفاوتة ، وأي غريبة أغرب من دعواك الامامة مع جهلك ، وسكوتي مع علمي
ويقال تقدم إليه في كذا إذا أمره وأوصاه به والمراد بالخليفة خليفة الجور ظاهرا
تقية ، وخليفة الحق يعني نفسه عليه السلام واقعا ، مع أنه يجب طاعة خلفآء الجور
عند التقية ، وإنما كتب عليه السلام ذلك لعلمه بأنه سيقع في يد الملعون ، دفعا لضرره
عن نفسه وعشيرته وشيعته ، قبل أن تأخذك الاظفار : كناية عن الاسر تشبيها بطائر
اصطاده بعض الجوارح .
ويلزمك الخناق بالفتح مصدر خنقه إذا عصر حلقه ، أو بالكسر وهو الحبل
الذي يخنق به ، أو بالضم وهو الداء الذي يمنع نفوذ النفس إلى الرية والقلب
فتروح : من باب التفعل بحذف إحدى التائين أي تطلب الروح بالفتح وهو
النسيم إلى النفس أي للتنفس ، من كل مكان ، متعلق بتروح ، فلا تجده أي
[169]
الروح أو النفس ورقة الخليفة عطف على منه ، يحملوني أي يغرونني .
أقول : وروى أبوالفرج الاصفهاني في كتاب مقاتل الطالبيين بأسانيده عن
عنيزة القصباني قال : رأيت موسى بن جعفر عليه السلام بعد عتمة وقد جآء إلى الحسين
صاحب فخ ، فانكب عليه شبه الركوع وقال : احب أن تجعلني في سعة وحل
من تخلفي عنك ، فأطرق الحسين طويلا لا يجيبه ثم رفع رأسه إليه فقال : أنت
في سعة .
وبأسانيد اخرى قال : قال الحسين لموسى بن جعفر عليه السلام في الخروج
فقال له : إنك مقتول ، فأجد الضراب ، فان القوم فساق ، يظهرون إيمانا ، و
يضمرون نفاقا وشكا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون وعند الله عزوجل أحتسبكم
من عصبة ( 1 ) .
وباسناده عن سليمان بن عباد قال : لما أن لقي الحسين المسودة أقعد رجلا
على جمل معه سيف يلوح به ، والحسين يملي عليه حرفا حرفا يقول : ناد ! فنادى :
يامعشر الناس ، يامعشر المسودة ، هذا الحسين ابن رسول الله ، وابن عمه ، يدعوكم إلى
كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله ( 2 ) .
وباسناده إلى أرطاة قال : لما كانت بيعة الحسين بن علي صاحب فخ قال :
ابايعكم على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أن يطاع الله ولا يعصى وأدعوكم
إلى الرضا من آل محمد ، وعلى أن يعمل فيكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله والعدل
في الرعية ، والقسم بالسوية ، وعلى أن تقيموا معنا ، وتجاهدوا عدونا ، فان نحن
وفينا لكم وفيتم لنا ، وإن نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم ( 1 ) .
وباسناده عن أبي صالح الفزاري قال : سمع على مياه غطفان كلها ، ليلة قتل
الحسين صاحب فخ هاتفا يهتف يقول :
___________________________________________________________________
( 1 ) مقاتل الطالبيين ص 447 .
( 2 ) نفس المصدر ص 449 .
( 3 ) المصدر السابق ص 449 أيضا .
[170]
ألا يالقوم للسواد المصبح ومقتل أولاد النبي ببلدح
لبيك حسينا كل كهل وأمرد من الجن إن لم يبك من الانس نوح
وإني لجني وإن معرسي لبالبرقة السوداء من دون زحزح
فسمعها الناس لايدرون ماالخبر حتى أتاهم قتل الحسين ( 1 ) .
وباسناده عن محمد بن إسحاق ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال : مر
النبي صلى الله عليه وآله بفخ ، فنزل فصلى ركعة ، فلما صلى الثانية بكى وهو في الصلاة ، فلما
رأى الناس النبي صلى الله عليه وآله يبكي بكوا ، فلما انصرف قال : ما يبكيكم ؟ قالوا :
لما رأيناك تبكي بكينا يارسول الله ، قال : نزل علي جبرئيل لما صليت الركعة
الاولى فقال لي : يامحمد إن رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان ، وأجر الشهيد
معه أجر شهيدين ( 2 ) .
وباسناده عن النضر بن قرواش قال : أكريت جعفر بن محمد عليه السلام من المدينة
فلما رحلنا من بطن مر ( 3 ) قال لي : يانصر إذا انتهيت إلى فخ فأعلمني ، قلت :
أو لست تعرفه ! قال : بلى ، ولكن أخشى أن تغلبني عيني ، فلما انتهينا إلى فخ
دنوت من المحمل فاذا هو نائم فتنحنحت فلم ينتبه ، فحركت المحمل فجلس فقلت :
قد بلغت فقال : حل محملي ثم قال : صل القطار فوصلته ، ثم تنحيت به عن الجادة
فأنخت بعيره فقال : ناولني الاداوة والركوة ، فتوضأ وصلى ، ثم ركب فقلت له :
جعلت فداك رأيتك قد صنعت شيئا أفهو من مناسك الحج ؟ قال : لا ، ولكن يقتل
ههنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة ( 4 ) .
___________________________________________________________________
( 1 ) المصدر السابق ص 459 .
( 2 ) المصدر السابق ص 436 .
( 3 ) بطن مر : بفتح الميم وتشديد الراء : من نواحى مكة ، عنده يجتمع وادى النخلتين
فيصيران واديا واحدا والبطن : الموضع الغامض من الوادى .
( 4 ) مقاتل الطالبيين ص 437 .