3 ـ المجال العلمي1 ـ قال أبو يوسف للمهدي ـ وعنده موسى بن جعفر(عليه السلام) ـ : «تأذن لي أن أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شيء؟ فقال له: نعم.فقال لموسى ابن جعفر(عليه السلام) أسألك ؟ قال: نعم. قال: ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح. قال: فيضرب الخباء في الارض ويدخل البيت؟ قال: نعم. قال: فماالفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن (عليه السلام): ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة؟ قال: لا. قال: فتقضي الصوم ؟ قال : نعم ، قال: ولم؟ قال: هكذا جاء. قال أبو الحسن(عليه السلام): وهكذا جاء هذا. فقال المهدي لابي يوسف: ما أراك صنعت شيئاً ؟ ! قال: رماني بحجر دامغ»[1]. 2 ـ وكان أحمد بن حنبل يروي عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه حتى يسنده الى النبي(صلى الله عليه وآله) ثم يقول: وهذا اسناد لو قرئ على مجنون أفاق»[2]. 3 ـ وحجّ المهدي فصار في قبر ( قصر )[3] العبادي ضجّ الناس من العطش فأمر أن يحفر بئر فلمّا بدا قريباً من القرار هبّت عليهم ريح من البئر فوقعت الدلاء ومنعت من العمل فخرجت الفعلة خوفاً على أنفسهم. فأعطى علي بن يقطين لرجلين عطاءاً كثيراً ليحفرا فنزلا فأبطأ ثم خرجا مرعوبين قد ذهبت ألوانهما فسألهما عن الخبر. فقالا: إنا رأينا آثاراً وأثاثاً ورأينا رجالا ونساءً فكلما أومأنا الى شيء منهم صار هباءً، فصار المهدي يسأل عن ذلك ولا يعلمون. فقال موسى بن جعفر(عليه السلام): «هؤلاء أصحاب الاحقاف غضب الله عليهم فساخت بهم ديارهم وأموالهم»[4]. 4 ـ وعن هشام بن الحكم قال موسى بن جعفر(عليه السلام) لأبرهة النصراني: «كيف علمك بكتابك ؟ قال : أنا عالم به وبتأويله. فابتدأ موسى (عليه السلام) يقرأ الانجيل. فقال أبرهة: والمسيح لقد كان يقرأها هكذا، وما قرأ هكذا إلاّ المسيح وأنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة، فأسلم على يديه»[5]. 5 ـ وقال الشيخ المفيد: وقد روى الناس عن أبي الحسن (عليه السلام) فاكثروا، وكان أفقه أهل زمانه.. وأحفظهم لكتاب الله واحسنهم صوتاً بالقرآن[6]. 6 ـ أمر المهدي بتوسعة المسجد الحرام والجامع النبوي سنة ( 161 هـ ) فامتنع أرباب الدور المجاورين للجامعين من بيعها على الحكومة وقال فقهاء عصره بعدم جواز اجبارهم على ذلك فأشار عليه علي بن يقطين أن يسأل الإمام موسى بن جعفر عن ذلك فجاء جواب الإمام ما نصه بعد البسملة: «إن كانت الكعبة هي النازلة بالناس فالناس أولى ببنائها، وإن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولى بفنائها»، ولمّا انتهى الجواب الى المهدي أمر بهدم الدور واضافتها الى ساحة المسجدين[7]. 7 ـ طلب المهدي من الإمام الكاظم(عليه السلام) أن يستدل له على تحريم الخمر من كتاب الله تعالى قائلا له: «هل الخمر محرّمة في كتاب الله؟ فان الناس إنّما يعرفونها ولا يعرفون التحريم. فقال الإمام (عليه السلام) : بل هي محرمة في كتاب الله . فقال المهدي في أي موضع هي محرّمة ؟ فقال(عليه السلام): قوله عزّ وجلّ: (انما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق)... واستشهد على أن ( الاثم ) هي الخمرة بعينها بقوله تعالى: ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس ). فالاثم في كتاب الله هو الخمر والميسر واثمهما كبير، كما قال الله عزّ وجلّ». والتفت المهدي الى علي بن يقطين قائلا له: هذه والله فتوى هاشمية. فقال علي بن يقطين: صدقت والله ياأمير المؤمنين . الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت. فلذعه هذاالكلام فلم يملك صوابه فاندفع قائلا: صدقت يا رافضي»[8]. الإمام الكاظم (عليه السلام) وبناء الجماعة الصالحةكرّس الإمام الكاظم(عليه السلام) جهده لإكمال بناء الجماعة الصالحة التي يهدف من خلالها الى الحفاظ على الشريعة من الضياع ويطرح النموذج الصالح الذي يتولّى عملية التغيير والبناء في الاُمة، حيث مارس الإمام(عليه السلام) تحرّكاً مشهوداً في هذا المجال وقدّم للاُمة النموذج الصالح الذي صنعته مدرسة أهل البيت (عليهم السلام). أولاً: تركيز الانتماء لخط أهل البيت (عليهم السلام)1 ـ الانتماء السياسي : ركّز الإمام(عليه السلام) على بعد الانتماء لخطّ أهل البيت(عليهم السلام) ولا سيّما الانتماء السياسي لهم وتحرك الإمام على مستوى تجويز اندساس بعض أتباعه في جهاز السلطة الحاكمة، وأبرز مثال لذلك توظيف علي بن يقطين ووصوله الى مركز الوزارة; وذلك لتحقيق عدّة أهداف في هذه المرحلة السياسية الحرجة وهي كما يلي : الهدف الأول : الإحاطة بالوضع السياسيإنّ الاقتراب من أعلى موقع سياسي، من أجل الإحاطة بالمعلومات السياسية وغيرها التي تصدر من البلاط الحاكم أمر ضروري جدّاً وذلك ليتخذ التدابير والحيطة اللازمة لئلاّ يتعرّض الوجود الشيعي للإبادة أو الانهيار. والشاهد على ذلك: أنه لمّا عزم موسى الهادي على قتل الإمام موسى(عليه السلام) بعد ثورة الحسين ـ صاحب فخ ـ وتدخل أبو يوسف القاضي في تغيير رأي الهادي عندما قال له بأن موسى الكاظم (عليه السلام) لم يكن مذهبه الخروج ولا مذهب أحد من ولده حيث استطاع أبو يوسف أن يقنع الخليفة. هنا كتب علي بن يقطين الى أبي الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام) بصورة الأمر[9] من أجل أن يكون الإمام على علم بنشاطاته وسترى في المرحلة التالية الدور الفاعل الذي لعبه علي بن يقطين في خلافة الرشيد لمصالح الإمام الكاظم(عليه السلام)والشيعة الموالين له. الهدف الثاني: قضاء حوائج المؤمنينإنّ قضاء حوائج المؤمنين بخطّ أهل البيت والذين يعيشون في ظل دولة ظالمة تطاردهم وتريد القضاء على وجودهم يشكّل هدفاً مهمّاً يصب في رافد بقاء واستمرار وجود هذه الجماعة الصالحة. وقد طلب علي بن يقطين من الإمام الكاظم(عليه السلام) التخلي عن منصبه أكثر من مرة، وقد نهاه الإمام (عليه السلام) قائلا له : «يا علي إنّ لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي»[10]. وقال له في مرة اُخرى : «لا تفعل فإن لنا بك اُنساً ولإخوانك بك عزّاً وعسى الله أن يجبر بك كسيراً أو يكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه. يا علي كفارة أعمالكم الاحسان الى اخوانكم .. اضمن لي واحدة أضمن لك ثلاثاً، اضمن لي أن لا تلقى أحداً من أوليائنا إلاّ قضيت حاجته واكرمته أضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبداً ولا ينالك حد السيف أبداً ولا يدخل الفقر بيتك أبداً...»[11]. وعن علي بن طاهر الصوري: قال : ولّي علينا بعض كتاب يحيى بن خالد وكان عليَّ بقايا يطالبني بها وخفت من الزامي ايّاها خروجاً عن نعمتي، وقيل لي: انه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي اليه فلا يكون كذلك، فأقع فيما لا أُحبّ. فاجتمع رأيي على أني هربت الى الله تعالى، وحججت ولقيت مولاي الصابر ـ يعني موسى بن جعفر(عليه السلام) ـ فشكوت حالي اليه فاصحبني مكتوباً نسخته : «بسم الله الرحمن الرحيم اعلم أنّ لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلاّ من أسدى الى أخيه معروفاً، أو نفّس عنه كربة، أو أدخل على قلبه سروراً، وهذا أخوك ، والسلام»[12]. ومن مصاديق قضاء حوائج الاخوان المؤمنين : جباية الاموال جهراً وإرجاعها إليهم سراً . عن علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام) ما تقول في أعمال هؤلاء ؟ قال: «ان كنت لابدّ فاتق الله في أموال الشيعة». قال الراوي: فأخبرني علي انه كان يجبيها من الشيعة علانية ويردّها عليهم في السرّ[13]. الهدف الثالث : التأثير في السياسة العامّة(عليه السلام)استخدم الإمام آليات متقنة ومحكمة في نشاطه الاستخباري وتأمين الاتّصال السري مع علي بن يقطين أو غيره من الشيعة المندسين في مراكز النظام الحاكم، ولعل الهدف من هذا الاختراق ومسك مواقع متقدمة من السلطة إمّا للتأثير في السياسة العامة للسلطة أو لإنجاز أعمال سياسيّة أو فقهيّة لصالح الاُمّة من خلال قربه لهذه المواقع. يحدّثنا اسماعيل بن سلام عن آليات هذا الارتباط وما يتضمّنه من نشاط في النصّ التالي: قال اسماعيل بن سلام وابن حميد : بعث الينا علي بن يقطين فقال: اشتريا راحلتين، وتجنّبا الطريق. ودفع الينا أموالا وكتباً حتى توصلا ما معكما من المال والكتب الى أبي الحسن موسى(عليه السلام) ولا يعلم بكما أحد، قال: فأتيناالكوفة واشترينا راحلتين وتزوّدنا زاداً، وخرجنا نتجنّب الطريق حتى إذا صرنا ببطن الرّمة شدّدنا راحلتنا، ووضعنا لها العلف، وقعدنا نأكل فبينا نحن كذلك، إذ راكب قد أقبل ومعه شاكري، فلما قرب منّا فاذا هو أبوالحسن موسى(عليه السلام) فقمنا اليه وسلمنا عليه ودفعنا إليه الكتب وما كان معنا فأخرج من كمّه كتباً فناولنا ايّاها فقال: هذه جوابات كتبكم[14]... ثانياً : التثقيف السياسيإنّ النشاط السياسي الذي يقوم به أصحاب الإمام(عليه السلام) في هذه المرحلة ولما يمتاز به من صعوبات كان يحتاج الى لون خاص من الوعي ودقة في الملاحظة وعمق في الايمان، ممّا دفع بالإمام(عليه السلام) الى أن يرعى ويشجع الخواص ويعمق في نفوسهم روح التديّن ويمنحهم سقفاً خاصاً من المستوى الايماني ويدفعهم الى اُفق سياسي يتحرّكون به ضد الخصوم بشكل سليم ويوفّر لهم قوة تمنحهم قدرة المواصلة وسموّ النفس. وفي هذا المجال نلاحظ ما يلي : 1 ـ شحّذ الإمام(عليه السلام) الهمم التي آمنت بالحق موضحاً أنّ الأمر لا يتعلق بكثرة الانصار أو قلتها. فعن سماعة بن مهران قال: قال لي العبد الصالح(عليه السلام): «ياسماعة أمنوا على فرشهم، وأخافوني أما والله لقد كانت الدنيا وما فيها إلاّ واحد يعبد الله، ولو كان معه غيره لاضافه الله عزّ وجلّ اليه حيث يقول: (إنّ ابراهيم كان أمّة قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين)[15] فصبر بذلك ماشاء الله. ثم إن الله آنسه باسماعيل واسحاق، فصاروا ثلاثة. أما والله إن المؤمن لقليل، وإنّ أهل الباطل لكثير أتدري لم ذلك ؟ فقلت: لا أدري جعلت فداك. فقال: صيّروا اُنساً للمؤمنين يبثّون اليهم ما في صدورهم، فيستريحون الى ذلك ويسكنون إليه»[16]. 2 ـ لقد سعى الإمام(عليه السلام) لتربية شيعته على أساس تقوية أواصر الاخوة والمحبة الايمانية بحيث تصبح الجماعة الصالحة قوة اجتماعية متماسكة لا يمكن زعزعتها أو تضعيفها لقوة الترابط العقائدي والروحي فيما بينها. لنقرأ النص التالي معاً: سأل الإمام موسى (عليه السلام) يوماً أحد أصحابه قائلا له: «ياعاصم كيف أنتم في التواصل والتبارّ ؟ فقال: على أفضل ما كان عليه أحد. فقال (عليه السلام) : أيأتي أحدكم عند الضيقة منزل أخيه فلا يجده ، فيأمر باخراج كيسه فيخرج فيفضّ ختمه فيأخذ من ذلك حاجته، فلا ينكر عليه؟! قال: لا، قال: لستم على ما أحب من التواصل والضيقة والفقر»[17]. |
|