[189]
سيدي ليس الإرادة المريد قال فالإرادةمحدثة و إلا فمعه غيره افهم و زد في مسألتك قال سليمان فإنها اسم من أسمائه قال الرضا ( ع ) هل سمى نفسه بذلكقال سليمان لا لم يسم به نفسه بذلك قال الرضا ( ع ) فليس لك أن تسميه بما لم يسم بهنفسه قال قد وصف نفسه بأنه مريد قال الرضا ( ع ) ليس صفته نفسه أنه مريد إخبارا عن أنهإرادة و لا إخبارا عن أن الإرادة اسم من أسمائه قال سليمان لأن إرادته علمه قالالرضا ( ع ) يا جاهل فإذا علم الشيء فقد أراده قال سليمان أجل فقال فإذا لم يرده لميعلمه قال سليمان أجل قال من أين قلت ذاك و ما الدليل على أن إرادته علمه و قديعلم ما لا يريده أبدا و ذلك قوله عز و جل وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ
فهو يعلم كيف يذهب به و هو لا يذهب به أبدا قالسليمان لأنه قد فرغ من الأمر فليس يزيد فيه شيئا قال الرضا ( ع ) هذا قول اليهود فكيفقال تعالى ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ
قال سليمان إنما عنى بذلك أنه قادر عليهقال أ فيعد ما لا يفي به فكيف قال يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ و قال عز و جل
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ
و قد فرغ منالأمر فلم يحر جوابا قال الرضا ( ع ) يا سليمان هل يعلم أن إنسانا يكون و لا يريد أنيخلق إنسانا أبدا و أن إنسانا يموت اليوم و لا يريد أن يموت اليوم قال سليمان نعمقال الرضا ( ع ) فيعلم أنه يكون ما يريد أن يكون أو يعلم أنه يكون ما لا يريد أن يكونقال يعلم أنهما يكونان جميعا قال الرضا ( ع ) إذا يعلم أن إنسانا حي ميت قائم قاعدأعمى بصير في حالة واحدة و هذا هو المحال قال جعلت فداك فإنه يعلم أنه يكون أحدهمادون الآخر قال لا بأس فأيهما يكون الذي أراد أن يكون أو الذي لم يرد [190]
أن يكون قال سليمان الذي أراد أن يكونفضحك الرضا ( ع ) و المأمون و أصحاب المقالات قال الرضا ( ع ) غلطت و تركت قولك أنه يعلم أن إنسانا يموت اليوم و هو لا يريد أن يموت اليوم و أنه يخلق خلقا و أنه لا يريد أن يخلقهم و إذا لميجز العلم عندكم بما لم يرد أن يكون فإنما يعلم أن يكون ما أراد أن يكون قالسليمان فإنما قولي إن الإرادة ليست هو و لا غيره قال الرضا ( ع ) يا جاهل إذا قلت ليستهو فقد جعلتها غيره و إذا قلت ليست هي غيره فقد جعلتها هو قال سليمان فهو يعلم كيفيصنع الشيء قال نعم قال سليمان فإن ذلك إثبات للشيء قال الرضا ( ع ) أحلت لأن الرجلقد يحسن البناء و إن لم يبن و يحسن الخياطة و إن لم يخط و يحسن صنعة الشيء و إنلم يصنعه أبدا ثم قال ( ع ) له يا سليمان هل تعلم أنه واحد لا شيء معه قال نعم قالالرضا ( ع ) فيكون ذلك إثباتا للشيء قال سليمان ليس يعلم أنه واحد لا شيء معه قالالرضا ( ع ) أ فتعلم أنت ذاك قال نعم قال فأنت يا سليمان إذا أعلم منه قال سليمانالمسألة محال قال محال عندك أنه واحد لا شيء معه و أنه سميع بصير حكيم قادر قالنعم قال فكيف أخبر عز و جل أنه واحد حي سميع بصير حكيم قادر عليم خبير و هو لايعلم ذلك و هذا رد ما قال و تكذيبه تعالى الله عن ذلك ثم قال له الرضا ( ع ) فكيف يريدصنع ما لا يدري صنعه و لا ما هو و إذا كان الصانع لا يدري كيف يصنع الشيء قبل أنيصنعه فإنما هو متحير تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا قال سليمان فإن الإرادة القدرةقال الرضا ( ع ) و هو عز و جل يقدر على ما لا يريده أبدا و لا بد من ذلك لأنه قالتبارك و تعالى وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ
فلو كانت الإرادة هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به لقدرته فانقطع [191]
سليمان فقال المأمون عند ذلك يا سليمان هذا أعلم هاشمي ثم تفرق القوم .
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه كان المأمون يجلب على الرضا ( ع ) منمتكلمي الفرق و الأهواء المضلة كل من سمع به حرصا على انقطاع الرضا ( ع ) عن الحجة معواحد منهم و ذلك حسدا منه له و لمنزلته من العلم فكان لا يكلمه أحد إلا أقر لهبالفضل و التزم الحجة له عليه لأن الله تعالى ذكره يأبى إلا أن يعلي كلمته و يتمنوره و ينصر حجته و هكذا وعد تبارك و تعالى في كتابه فقال إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
يعني بالذين آمنوا الأئمةالهداة و أتباعهم العارفين بهم و الآخذين عنهم بنصرهم بالحجة على مخالفيهم ماداموا في الدنيا و كذلك يفعل بهم في الآخرة و إن الله عز و جل لا يخلف الميعاد .
14- باب ذكر مجلس آخر للرضا ( ع ) عند المأمون مع أهل الملل و المقالات و ما أجاب به علي بن محمد بن الجهم في عصمة الأنبياء سلام الله عليهم أجمعين .
1- حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه و الحسين بنإبراهيم بن [192]
أحمد بن هشام المكتب و علي بن عبدالله الوراق رضي الله عنهم قالوا حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال حدثنا القاسمبن محمد البرمكي قال حدثنا أبو الصلت الهروي قال لما جمع المأمون لعلي بن موسىالرضا ( ع ) أهل المقالات من أهل الإسلام و الديانات من اليهود و النصارى و المجوس والصابئين و سائر أهل المقالات فلم يقم أحد إلا و قد ألزمه حجته كأنه ألقم حجرا قامإليه علي بن محمد بن الجهم فقال له يا ابن رسول الله أ تقول بعصمة الأنبياء قالنعم قال فما تعمل في قول الله عز و جل وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى
و في قوله عزو جل وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ و في قوله عز و جل في يوسف ( ع ) وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها
و في قوله عز وجل في داود ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ و قوله تعالى في نبيه محمد ( ص )
وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ
فقال الرضا ( ع ) ويحك يا علي اتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش و لا تتأول كتاب الله برأيك فإن الله عز و جل قدقال وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ
و أما قوله عز وجل في آدم وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى
[193]
فإن اللهعز و جل خلق آدم حجة في أرضه و خليفة في بلاده لم يخلقه للجنة و كانت المعصية منآدم في الجنة لا في الأرض و عصمته تجب أن يكون في الأرض ليتم مقادير أمر الله فلماأهبط إلى الأرض و جعل حجة و خليفة عصم بقوله عز و جل
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَوَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ
و أما قوله عز وجل وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ إنما ظن بمعنى استيقن أن الله لن يضيق عليه رزقه أ لا تسمع قول الله عز و جل وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ
أي ضيق عليه رزقه و لو ظنأن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر و أما قوله عز و جل في يوسف وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها
فإنها همت بالمعصية و هم يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما تداخلهفصرف الله عنه قتلها و الفاحشة و هو قوله عز و جل
كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُالسُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ
يعني القتل و الزناء و أما داود ( ع ) فما يقول من قبلكم فيهفقال علي بن محمد بن الجهم يقولون إن داود ( ع ) كان في محرابه يصلي فتصور له إبليسعلى صورة طير أحسن ما يكون من الطيور فقطع داود صلاته و قام ليأخذ الطير فخرجالطير إلى الدار فخرج الطير إلى السطح فصعد في طلبه فسقط الطير في دار أوريا بنحنان فاطلع داود في أثر الطير فإذا بامرأة أوريا تغتسل فلما نظر إليها هواها و كانقد أخرج أوريا في بعض غزواته فكتب إلى صاحبه أن قدم أوريا أمام التابوت فقدم فظفرأوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود .
[194]
فكتب إليه ثانية أن قدمه أمام التابوتفقدم فقتل أوريا فتزوج داود بامرأته قال فضرب الرضا ( ع ) بيده على جبهته و قال إنالله و إنا إليه راجعون لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته حتى خرجفي أثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل فقال يا ابن رسول الله فما كان خطيئته فقالويحك إن داود إنما ظن أن ما خلق الله عز و جل خلقا هو أعلم منه فبعث الله عز و جلإليه الملكين فتسورا المحراب فقالا
خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَ لا تُشْطِطْ وَ اهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ إِنَّ هذاأَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ فعجل داود ( ع ) على المدعى عليه فقال
لَقَدْظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ
و لم يسأل المدعي البينة على ذلك و لميقبل على المدعى عليه فيقول له ما تقول فكان هذا خطيئة رسم الحكم لا ما ذهبتم إليهأ لا تسمع الله عز و جل يقول
يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِفَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى
إلى آخر الآية فقاليا ابن رسول الله فما قصته مع أوريا فقال الرضا ( ع ) إن المرأة في أيام داود ( ع ) كانتإذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبدا و أول من أباح الله له أن يتزوج بامرأةقتل بعلها كان داود ( ع ) فتزوج بامرأة أوريا لما قتل و انقضت عدتها منه فذلك الذي شقعلى الناس من قبل أوريا و أما محمد ( ص ) [195]
و قول اللهعز و جل
وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ
فإن الله عز و جل عرف نبيه ( ص ) أسماء أزواجه في دارالدنيا و أسماء أزواجه في دار الآخرة و إنهن أمهات المؤمنين و إحداهن من سمي لهزينب بنت جحش و هي يومئذ تحت زيد بن حارثة فأخفى اسمها في نفسه و لم يبده لكيلايقول أحد من المنافقين إنه قال في امرأة في بيت رجل إنها إحدى أزواجه من أمهاتالمؤمنين و خشي قول المنافقين فقال الله عز و جل
وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُأَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ
يعني في نفسك و إن الله عز و جل ما تولى تزويج أحد من خلقهإلا تزويج حواء من آدم ( ع ) و زينب من رسول الله ( ص ) بقوله
فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْهاوَطَراً زَوَّجْناكَها
الآية و فاطمة من علي ( ع ) قال فبكى علي بن محمد بن الجهم فقاليا ابن رسول الله أنا تائب إلى الله عز و جل من أن أنطق في أنبياء الله ( ع ) بعد يومي هذا إلا بما ذكرته .
15- باب ذكر مجلس آخر للرضا ( ع ) عند المأمون في عصمة الأنبياء ( ع ) :
1- حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه قال حدثني أبي عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن علي بن محمد بن الجهم قالحضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن موسى ( ع ) فقال له المأمون يا ابن رسول الله أليس من قولك أن الأنبياء معصومون قال بلى قال فما معنى قول الله عز و جل وَ عَصىآدَمُ رَبَّهُ فَغَوى فقال ( ع ) إن الله تبارك و تعالى قال لآدم اسْكُنْ أَنْتَ
[196]
وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداًحَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ و أشار لهما إلى شجرة الحنطة فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ
و لم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشجرة و لا مما كانمن جنسها فلم يقربا تلك الشجرة و لم يأكلا منها و إنما أكلا من غيرها لما أن وسوسالشيطان إليهما وَ قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ
و إنماينهاكما أن تقربا غيرها و لم ينهكما عن الأكل منها
إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِأَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ و لم يكن آدم و حواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ
فأكلا منها ثقة بيمينه بالله و كان ذلك من آدم قبل النبوة و لم يكن ذلك بذنب كبيراستحق به دخول النار و إنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبلنزول الوحي عليهم فلما اجتباه الله تعالى و جعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال الله عز و جل
وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُفَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى و قال عز و جل
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ
فقال له المأمون فما معنى قولالله عز و جل فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما
فقالله الرضا ( ع ) إن حواء ولدت لآدم خمسمائة بطن ذكرا و أنثى و إن آدم ( ع ) و حواء عاهداالله عز و جل و دعواه و قالا
لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَفَلَمَّا آتاهُما صالِحاً
من النسل خلقا سويا بريئا من الزمانة و العاهة و كان [197]
ما آتاهما صنفين صنفا ذكرانا و صنفا إناثا فجعلالصنفان لله تعالى ذكره شركاء فيما آتاهما و لم يشكراه كشكر أبويهما له عز و جلقال الله تبارك و تعالى فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
فقال المأمون أشهدأنك ابن رسول الله ( ص ) حقا فأخبرني عن قول الله عز و جل في حق إبراهيم ( ع ) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي
فقال الرضا ( ع ) إن إبراهيمع وقع إلى ثلاثة أصناف صنف يعبد الزهرة و صنف يعبد القمر و صنف يعبد الشمس و ذلكحين خرج من السرب الذي أخفي فيه فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ
فرأى الزهرةقال هذا رَبِّي على الإنكار و الاستخبار فَلَمَّا أَفَلَ الكوكب قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ لأن الأفول من صفات المحدث لا من صفات القدم
فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَبازِغاً قالَ هذا رَبِّي على الإنكار و الاستخبار
فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْلَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ
يقول لو لم يهدنيربي لكنت من القوم الضالين فلما أصبح و
رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّيهذا أَكْبَرُ من الزهرة و القمر على الإنكار و الاستخبار لا على الإخبار و الإقرار فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة و القمر و الشمس
يا قَوْمِإِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَالسَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
و إنما أرادإبراهيم ( ع ) بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم و يثبت عندهم أن العبادة لا تحق لماكان بصفة الزهرة و القمر و الشمس و إنما تحق العبادة لخالقها و خالق السماوات والأرض و كان ما احتج به على قومه مما ألهمه الله تعالى و آتاه كما قال الله عز وجل وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ
فقال المأمون [198]
لله درك يا ابن رسول الله فأخبرني عنقول إبراهيم ( ع )
رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَبَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
قال الرضا ( ع ) إن الله تبارك و تعالى كان أوحىإلى إبراهيم ( ع ) أني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته فوقع في نفسإبراهيم أنه ذلك الخليل فقال
رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي على الخلة قال
فَخُذْأَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍمِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَعَزِيزٌ حَكِيمٌ
فأخذ إبراهيم ( ع ) نسرا و طاوسا و بطا و ديكا فقطعهن و خلطهن ثم جعلعلى كل جبل من الجبل التي حوله و كانت عشرة منهن جزءا و جعل مناقيرهن بين أصابعهثم دعاهن بأسمائهن و وضع عنده حبا و ماء فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتىاستوت الأبدان و جاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته و رأسه فخلى إبراهيم ( ع ) عن مناقيرهنفطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء و التقطن من ذلك الحب و قلن يا نبي الله أحييتناأحياك الله فقال إبراهيم بل الله يحيي و يميت و هو على كل شيء قدير قال المأمونبارك الله فيك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز و جل
فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضىعَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ
قال الرضا ( ع ) إن موسى دخل مدينة منمدائن فرعون على حين غفلة من أهلها و ذلك بين المغرب و العشاء فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَ هذا مِنْ عَدُوِّهِ
[199]
فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَىالَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فقضى موسى على العدو و بحكم الله تعالى ذكره فَوَكَزَهُ فمات قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ
يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لاما فعله موسى ( ع ) من قتله إِنَّهُ يعني الشيطان عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ
فقالالمأمون فما معنى قول موسى رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي
قال يقولإني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذا المدينة فَاغْفِرْ لِي
أي استرني من أعدائكلئلا يظفروا بي فيقتلوني فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
قالَموسى ( ع ) رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة
فَلَنْأَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ
بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى رضي فَأَصْبَحَ موسى ( ع ) فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ على آخر
قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَلَغَوِيٌّ مُبِينٌ قاتلت رجلا بالأمس و تقاتل هذا اليوم لأوذينك و أراد أن يبطش به فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما و هو من شيعته
قالَ يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْتُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَمِنَ الْمُصْلِحِينَ
قال المأمون جزاك الله عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن فما معنىقول موسى لفرعون فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ
قال الرضا ( ع ) إنفرعون قال لموسى لما أتاه
وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَالْكافِرِينَ بي قالَ موسى فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ
عن الطريقبوقوعي إلى مدينة من مدائنك
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِيرَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ
و قد قال الله عز و جل لنبيهمحمد ( ص ) أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى
يقول أ لم يجدك وحيدا فآوى [200]
إليك الناس وَ وَجَدَكَ ضَالًّا يعني عند قومك فَهَدى أي هديهم إلى معرفتك وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى
يقول أغناك بأن جعلدعاءك مستجابا قال المأمون بارك الله فيك يا ابن رسول الله فما معنى قول الله عز وجل
وَ لَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِيأَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي
كيف يجوز أن يكون كلم الله موسى بن عمران ( ع ) لا يعلم أن الله تبارك و تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤالفقال الرضا ( ع ) إن كليم الله موسى بن عمران ( ع ) علم أن الله تعالى أعز أن يرى بالأبصارو لكنه لما كلمه الله عز و جل و قربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز و جلكلمه و قربه و ناجاه فقالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ
حتى نستمع كلامه كما سمعت و كانالقوم سبعمائة ألف رجل فاختار منهم سبعين ألفا ثم اختار منهم سبعة آلاف ثم اختارمنهم سبعمائة ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربهم فخرج بهم إلى طور سيناءفأقامهم في سفح الجبل و صعد موسى إلى الطور و سأل الله تعالى أن يكلمه و يسمعهمكلامه فكلمه الله تعالى ذكره و سمعوا كلامه من فوق و أسفل و يمين و شمال و وراء وأمام لأن الله عز و جل أحدثه في الشجرة و جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميعالوجوه فقالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ بأن هذا الذي سمعناه كلام الله
حَتَّى نَرَىاللَّهَ جَهْرَةً
فلما قالوا هذا القول العظيم و استكبروا و عتوا بعث الله عز و جلعليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا فقال موسى يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعتإليهم و قالوا إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة اللهعز و جل إياك فأحياهم الله و بعثهم معه فقالوا إنك لو سألت الله أن يريك ننظر إليهلأجابك و كنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته فقال موسى