[174]
و ما يكون به المصنوع فالخلق الأول منالله عز و جل الإبداع لا وزن له و لا حركة و لا سمع و لا لون و لا حس و الخلقالثاني الحروف لا وزن لها و لا لون و هي مسموعة موصوفة غير منظور إليها و الخلقالثالث ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظورا إليه و الله تبارك وتعالى سابق للإبداع لأنه ليس قبله عز و جل شيء و لا كان معه شيء و الإبداع سابقللحروف و الحروف لا تدل على غير نفسها قال المأمون و كيف لا تدل على غير أنفسهاقال الرضا ( ع ) لأن الله تبارك و تعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا فإذا ألفمنها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها بغير معنى و لميكن إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيء قال عمران فكيف لنا بمعرفة ذلك قال الرضاع أما المعرفة فوجه ذلك و بيانه أنك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير نفسها ذكرتهافردا فقلت ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها فلم تجد لها معنى غير أنفسها و إذاألفتها و جمعت منها أحرفا و جعلتها اسما و صفة لمعنى ما طلبت و وجه ما عنيت كانتدليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها أ فهمته قال نعم قال الرضا ( ع ) و اعلم أنهلا يكون صفة لغير موصوف و لا اسم لغير معنى و لا حد لغير محدود و الصفات و الأسماءكلها تدل على الكمال و الوجود و لا تدل على الإحاطة كما تدل الحدود التي هيالتربيع و التثليث و التسديس لأن الله عز و جل تدرك معرفته بالصفات و الأسماء و لاتدرك بالتحديد بالطول و العرض و القلة و الكثرة و اللون و الوزن و ما أشبه ذلك وليس يحل بالله و تقدس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي [175]
ذكرنا و لكن يدل على الله عز و جل بصفاته و يدركبأسمائه و يستدل عليه بخلقه حق لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين و لااستماع أذن و لا لمس كف و لا إحاطة بقلب و لو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدل عليه وأسماؤه لا تدعو إليه و المعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلقلأسمائه و صفاته دون معناه فلو لا أن ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله لأنصفاته و أسماءه غيره أ فهمت قال نعم يا سيدي زدني قال الرضا ( ع ) إياك و قول الجهالمن أهل العمى و الضلال الذين يزعمون أن الله جل و تقدس موجود في الآخرة للحساب فيالثواب و العقاب و ليس بموجود في الدنيا للطاعة و الرجاء و لو كان في الوجود للهعز و جل نقص و اهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا و لكن القوم تاهوا و عموا و صموا عنالحق من حيث لا يعلمون و ذلك قوله عز و جل
وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَفِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا
يعني أعمى عن الحقائق الموجودة و قدعلم ذوو الألباب أن الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما هاهنا و من أخذ علم ذلكبرأيه و طلب وجوده و إدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلا بعدا لأنالله عز و جل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون و يعلمون و يفهمون قال عمران ياسيدي أ لا تخبرني عن الإبداع أ خلق هو أم غير خلق قال الرضا ( ع ) بل خلق ساكن لا يدركبالسكون و إنما صار خلقا لأنه شيء محدث و الله تعالى الذي أحدثه فصار خلقا له وإنما هو الله عز و جل و خلقه لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فما خلق الله عز وجل لم يعد أن يكون خلقه و قد يكون الخلق ساكنا و متحركا و مختلفا و مؤتلفا و معلوما [176]
و متشابها و كل ما وقع عليه حد فهو خلقالله عز و جل و اعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس و كل حاسة تدلعلى ما جعل الله عز و جل لها في إدراكها و الفهم من القلب بجميع ذلك كله و اعلم أنالواحد الذي هو قائم بغير تقدير و لا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد و تقدير و كانالذي خلق خلقين اثنين التقدير و المقدر و ليس في كل واحد منهما لون و لا وزن و لاذوق فجعل أحدهما يدرك بالآخر و جعلهما مدركين بنفسها و لم يخلق شيئا فردا قائمابنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة على نفسه و إثبات وجوده فالله تبارك و تعالىفرد واحد لا ثاني معه يقيمه و لا يعضده و لا يكنه و الخلق يمسك بعضه بعضا بإذنالله تعالى و مشيته و إنما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا و تحيروا و طلبواالخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله تعالى بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعداو لو وصفوا الله عز و جل بصفاته و وصفوا الله المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين و لما اختلفوا فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتكبوا و الله يهدي منيشاء إلى صراط مستقيم قال عمران يا سيدي أشهد أنه كما وصفت و لكن بقيت لي مسألةقال سل عما أردت قال أسألك عن الحكيم في أي شيء هو و هل يحيط به شيء و هل يتحولمن شيء إلى شيء أو به حاجة إلى شيء قال الرضا ( ع ) أخبرك يا عمران فاعقل ما سألتعنه فإنه من أغمض ما يرد على الخلق في مسائلهم [177]
و ليس يفهم المتفاوت عقله العازب حلمه و لا يعجز عن فهمه أولو العقل المنصفون أماأول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول يتحول إلى ما خلق لحاجتهإلى ذلك و لكنه عز و جل لم يخلق شيئا لحاجة و لم يزل ثابتا لا في شيء و لا علىشيء إلا أن الخلق يمسك بعضه بعضا و يدخل بعضه في بعض و يخرج منه و الله جل و تقدسبقدرته يمسك ذلك كله و ليس يدخل في شيء و لا يخرج منه و لا يئوده حفظه و لا يعجزعن إمساكه و لا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلا الله عز و جل و من أطلعه عليه منرسله و أهل سره و المستحفظين لأمره و خزانه القائمين بشريعته و إنما أمره كلمحالبصر أو هو أقرب إذا شاء شيئا فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
بمشيته وإرادته و ليس شيء من خلقه أقرب إليه من شيء و لا شيء أبعد منه من شيء أ فهمتيا عمران قال نعم يا سيدي قد فهمت و أشهد أن الله تعالى على ما وصفت و وحدت و أشهدأن محمدا ( ص ) عبده المبعوث بالهدى و دين الحق ثم خر ساجدا نحو القبلة و أسلم قالالحسن بن محمد النوفلي فلما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابي و كان جدلا لميقطعه عن حجته أحد منهم قط لم يدن من الرضا ( ع ) أحد منهم و لم يسألوه عن شيء وأمسينا فنهض المأمون و الرضا ( ع ) فدخلا و انصرف الناس و كنت مع جماعة من أصحابنا إذبعث إلي محمد بن جعفر فأتيته فقال لي يا نوفلي أ ما رأيت ما جاء به صديقك لا والله ما ظننت أن علي بن موسى الرضا ( ع ) خاض في شيء من هذا قط و لا عرفناه به أنهكان يتكلم بالمدينة أو يجتمع إليه أصحاب [178]
الكلام قلت قد كان الحاج يأتونه فيسألونهعن أشياء من حلالهم و حرامهم فيجيبهم و ربما كلم من يأتيه يحاجه فقال محمد بن جعفريا أبا محمد إني أخاف عليه أن يحسده عليه هذا الرجل فيسمه أو يفعل به بلية فأشرعليه بالإمساك عن هذه الأشياء قلت إذا لا يقبل مني و ما أراد الرجل إلا امتحانهليعلم هل عنده شيء من علوم آبائه ( ع ) فقال لي قل له إن عمك قد كره هذا الباب و أحب أن تمسك عن هذهالأشياء لخصال شتى فلما انقلبت إلى منزل الرضا ( ع ) أخبرته بما كان عن عمه محمد بنجعفر فتبسم ( ع ) ثم قال حفظ الله عمي ما أعرفني به لم كره ذلك يا غلام صر إلى عمرانالصابي فأتني به فقلت جعلت فداك أنا أعرف موضعه و هو عند بعض إخواننا من الشيعةقال فلا بأس قربوا إليه دابة فصرت إلى عمران فأتيته به فرحب به و دعا بكسوة فخلعهاعليه و حمله و دعا بعشرة آلاف درهم فوصله بها قلت جعلت فداك حكيت فعل جدك أميرالمؤمنين ( ع ) قال ( ع ) هكذا نحب ثم دعا ( ع ) بالعشاء فأجلسني عن يمينه و أجلس عمران عنيساره حتى إذا فرغنا قال لعمران انصرف مصاحبا و بكر علينا نطعمك طعام المدينة فكانعمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم حتى اجتنبوه ووصله المأمون بعشرة آلاف درهم و أعطاه الفضل مالا و حمله و ولاه الرضا ( ع ) صدقات بلخ فأصاب الرغائب .
[179]
13- باب في ذكر مجلس الرضا ( ع ) مع سليمان المروزي متكلم خراسان عند المأمون في التوحيد :
1- حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه رضيالله عنه قال حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي قال حدثنا أبوعمرو محمد بن عمرو بن عبد العزيز الأنصاري الكجي قال حدثني من سمع الحسن بن محمدالنوفلي يقول قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه و وصله ثم قالله إن ابن عمي علي بن موسى الرضا ( ع ) قدم علي من الحجاز و هو يحب الكلام و أصحابهفلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته فقال سليمان يا أمير المؤمنين إنيأكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم فينتقض عند القوم إذا كلمني و لايجوز الاستقصاء عليه قال المأمون إنما وجهت إليه لمعرفتي بقوتك و ليس مرادي إلا أنتقطعه عن حجة واحدة فقط فقال سليمان حسبك يا أمير المؤمنين اجمع بيني و بينه وخلني و الذم فوجه المأمون إلى الرضا ( ع ) فقال إنه قدم إلينا رجل من أهل مروز و هوواحد خراسان من أصحاب الكلام فإن خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت فنهض ( ع ) للوضوء و قال لنا تقدموني و عمران الصابي معنا فصرنا إلى الباب فأخذ ياسر و خالدبيدي فأدخلاني على المأمون فلما سلمت قال أين أخي أبو الحسن أبقاه الله تعالى قلتخلفته يلبس ثيابه و أمرنا أن [180]
نتقدم ثم قلت ياأمير المؤمنين إن عمران مولاك معي و هو على الباب فقال و من عمران قلت الصابي الذيأسلم على يدك قال فليدخل فدخل فرحب به المأمون ثم قال له يا عمران لم تمت حتى صرتمن بني هاشم قال الحمد لله الذي شرفني بكم يا أمير المؤمنين فقال له المأمون ياعمران هذا سليمان المروزي متكلم خراسان قال عمران يا أمير المؤمنين إنه يزعم واحدخراسان في النظر و ينكر البداء قال فلم لا تناظرونه قال عمران ذلك إليه فدخل الرضاع فقال في أي شيء كنتم قال عمران يا ابن رسول الله هذا سليمان المروزي فقال لهسليمان أ ترضى بأبي الحسن و بقوله فيه فقال عمران قد رضيت بقول أبي الحسن فيالبداء على أن يأتيني فيه بحجة أحتج بها على نظرائي من أهل النظر قال المأمون ياأبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه قال و ما أنكرت من البداء يا سليمان و الله عزو جل يقول
أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْيَكُ شَيْئاً و يقول عز و جل وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ
و يقول بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و يقول عز و جل يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ و يقول وَ بَدَأَ
[181]
خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْطِينٍ و يقول عز و جل
وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّايُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ و يقول عز و جل
وَ ما يُعَمَّرُ مِنْمُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ
قال سليمان هل رويت فيهمن آبائك شيئا قال نعم رويت عن أبي عن أبي عبد الله ( ع ) أنه قال إن لله عز و جلعلمين علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء و علما علمه ملائكتهو رسله فالعلماء من أهل بيت نبينا يعلمونه قال سليمان أحب أن تنزعه لي من كتابالله عز و جل قال قول الله عز و جل لنبيه ( ص ) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ أراد هلاكهم ثم بدا لله تعالى فقال وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
قال سليمان زدني جعلت فداك قال الرضا لقد أخبرني أبي عنآبائه ( ع ) عن رسول الله ( ص ) قال إن الله عز و جل أوحى إلى نبي من أنبيائه أن أخبرفلانا الملك أني متوفيه إلى كذا و كذا فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير و قال يا رب أجلني حتى يشب طفلي و قضي أمري فأوحىالله عز و جل إلى ذلك النبي أن ائت فلانا الملك [182]
فأعلم أني قد أنسيت في أجله و زدت فيعمره إلى خمس عشرة سنة فقال ذلك النبي ( ع ) يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط فأوحى الله عز و جلإليه إنما أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك و الله لا يسأل عما يفعل ثم التفت إلى سليمانفقال أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب قال أعوذ بالله من ذلك و ما قالت اليهود قال قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ
يعنون أن الله تعالى قد فرغ من الأمرفليس يحدث شيئا فقال الله عز و جل غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا
و لقد سمعت قوما سألوا أبي موسى بن جعفر ( ع ) عن البداء فقال و ما ينكر الناس من البداءو أن يقف الله قوما يرجيهم لأمره قال سليمان أ لا تخبرني عن إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
في أي شيء أنزلت قال يا سليمان ليلة القدر يقدر الله عز و جل فيها ما يكون منالسنة إلى السنة من حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق فما قدره في تلك الليلة فهومن المحتوم قال سليمان ألان قد فهمت جعلت فداك فزدني قال يا سليمان أن من الأمورأمورا موقوفة عند الله عز و جل يقدم منها ما يشاء و يؤخر ما يشاء و يمحو ما يشاءيا سليمان إن عليا ( ع ) كان يقول العلم علمان فعلم علمه الله و ملائكته و رسله فماعلمه ملائكته و رسله فإنه يكون و لا يكذب نفسه و لا ملائكته و لا رسله و علم عندهمخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه يقدم منه ما يشاء و يؤخر منه ما يشاء و يمحو مايشاء و يثبت ما يشاء قال سليمان للمأمون يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذاالبداء و لا أكذب به إن شاء الله فقال المأمون يا سليمان سل أبا الحسن [183]
عما بدا لك و عليك بحسن الاستماع و الإنصاف قالسليمان يا سيدي أسألك ?
قال الرضا ( ع ) سل عما بدا لك .
قال ما تقول فيمن جعل الإرادةاسما و صفة مثل حي و سميع و بصير و قدير ?
قال الرضا ( ع ) إنما قلتم حدثت الأشياء واختلفت لأنه شاء و أراد و لم تقولوا حدثت الأشياء و اختلفت لأنه سميع بصير فهذادليل على أنهما ليستا مثل سميع و لا بصير و لا قدير قال سليمان فإنه لم يزل مريداقال ( ع ) يا سليمان فإرادته غيره قال نعم قال فقد أثبت معه شيئا غيره لم يزل قالسليمان ما أثبت قال الرضا ( ع ) أ هي محدثة قال سليمان لا ما هي محدثة فصاح به المأمونو قال يا سليمان مثله يعايا أو يكابر عليك بالإنصاف أ ما ترى من حولك من أهل النظرثم قال كلمه يا أبا الحسن فإنه متكلم خراسان فأعاد عليه المسألة فقال هي محدثة ياسليمان فإن الشيء إذا لم يكن أزليا كان محدثا و إذا لم يكن محدثا كان أزليا قالسليمان إرادته منه كما أن سمعه و بصره و علمه منه قال الرضا ( ع ) فأراد نفسه قال لاقال فليس المريد مثل السميع و البصير قال سليمان إنما أراد نفسه كما سمع نفسه وأبصر نفسه و علم نفسه قال الرضا ( ع ) ما معنى أراد نفسه أراد أن يكون شيئا و أراد أنيكون حيا أو سميعا أو بصيرا أو قديرا قال نعم قال الرضا ( ع ) أ فبإرادته كان ذلك قالسليمان نعم قال الرضا ( ع ) فليس لقولك أراد أن يكون حيا سميعا بصيرا معنى إذا لم يكنذلك بإرادته قال سليمان بلى قد كان ذلك بإرادته فضحك المأمون و من حوله و ضحكالرضا ( ع ) ثم قال لهم ارفقوا بمتكلم خراسان يا سليمان فقد حال عندكم عن حاله و تغيرعنها و هذا ما لا يوصف الله عز [184]
و جل به فانقطع .
ثم قال الرضا ( ع ) يا سليمانأسألك عن مسألة قال سل جعلت فداك .
قال أخبرني عنك و عن أصحابك تكلمون الناس بماتفقهون و تعرفون أو بما لا تفقهون و لا تعرفون ?
قال بل بما نفقه و نعلم .
قال الرضا ( ع ) فالذي يعلم الناس أن المريد غير الإرادة و أن المريد قبل الإرادة و أن الفاعل قبلالمفعول و هذا يبطل قولكم أن الإرادة و المريد شيء واحد .
قال جعلت فداك ليس ذلكمنه على ما يعرف الناس و لا على ما يفقهون .
قال الرضا ( ع ) فأراكم ادعيتم علم ذلك بلامعرفة و قلتم الإرادة كالسمع و البصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف و لا يعقل.
فلم يحر جوابا ثم قال الرضا ( ع ) يا سليمان هل يعلم الله جميع ما في الجنة و النار ?
قال سليمان نعم .
قال أ فيكون ما علم الله تعالى أنه يكون من ذلك ?
قال نعم .
قال فإذاكان حتى لا يبقى منه شيء إلا كان أ يزيدهم أو يطويه عنهم ?
قال سليمان بل يزيدهم .
>
قال جعلت فداك فالمريد لا غايةله .
قال فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك و إذا لم يحطعلمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون تعالى الله عز و جل عن ذلكعلوا كبيرا .
قال سليمان إنما قلت لا يعلمه لأنه لا غاية لهذا لأن الله عز و جلوصفهما بالخلود و كرهنا أن نجعل لهما انقطاعا .
قال الرضا ( ع ) ليس علمه بذلك بموجبلانقطاعه عنهم لأنه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم و كذلك قال الله عز وجل في كتابه كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ و قال لأهل الجنة عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ و قال عز و جل وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ
[185]
فهو عز و جل يعلم ذلك و لا يقطع عنهم الزيادة أ رأيت ما أكل أهل الجنة و ماشربوا ليس يخلف مكانه قال بلى قال أ فيكون يقطع ذلك عنهم و قد أخلف مكانه قالسليمان لا قال فكذلك كلما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم قال سليمانبلى يقطعه عنهم و لا يزيدهم قال الرضا ( ع ) إذا يبيد فيها و هذا يا سليمان إبطالالخلود و خلاف الكتاب لأن الله عز و جل يقول
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنامَزِيدٌ و يقول عز و جل عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ و يقول عز و جل وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ و يقول عز و جل خالِدِينَ فِيها أَبَداً و يقول عز و جل وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ
فلم يحر جوابا ثم قال الرضا ( ع ) ياسليمان أ لا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعل قال بلى هي فعل قال ( ع ) فهي محدثةلأن الفعل كله محدث قال ليست بفعل قال فمعه غيره لم يزل قال سليمان الإرادة هيالإنشاء قال يا سليمان هذا الذي عبتموه على ضرار و أصحابه من قولهم إن كل ما خلقالله عز و جل في سماء أو [186]
أرض أو بحر أو بر من كلب أو خنزير أو قردأو إنسان أو دابة إرادة الله و إن إرادة الله تحيا و تموت و تذهب و تأكل و تشرب وتنكح و تلذ و تظلم و تفعل الفواحش و تكفر و تشرك فيبرأ منها و يعاد بها و هذا حدهاقال سليمان إنها كالسمع و البصر و العلم قال الرضا ( ع ) قد رجعت إلى هذا ثانيةفأخبرني عن السمع و البصر و العلم أ مصنوع قال سليمان لا قال الرضا ( ع ) فكيف نفيتموهقلتم لم يرد و مرة قلتم أراد و ليست بمفعول له قال سليمان إنما ذلك كقولنا مرة علمو مرة لم يعلم قال الرضا ( ع ) ليس ذلك سواء لأن نفي المعلوم ليس بنفي العلم و نفيالمراد نفي الإرادة أن تكون إن الشيء إذا لم يرد لم تكن إرادة فقد يكون العلمثابتا و إن لم يكن المعلوم بمنزلة البصر فقد يكون الإنسان بصيرا و إن لم يكنالمبصر و قد يكون العلم ثابتا و إن لم يكن المعلوم قال سليمان إنها مصنوعة قال فهيمحدثة ليست كالسمع و البصر لأن السمع و البصر ليسا بمصنوعين و هذه مصنوعة قالسليمان إنها صفة من صفاته لم تزل قال فينبغي أن يكون الإنسان لم يزل لأن صفته لمتزل قال سليمان لا لأنه لم يفعلها قال الرضا ( ع ) يا خراساني ما أكثر غلطك أ فليسبإرادته و قوله تكون الأشياء قال سليمان لا قال فإذا لم تكن بإرادته و لا مشيته ولا أمره و لا بالمباشرة فكيف يكون ذلك تعالى الله عن ذلك فلم يحر جوابا ثم قالالرضا ( ع ) أ لا تخبرني عن قول الله عز و جل [187]
وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها
يعني بذلكأنه يحدث إرادة قال له نعم قال ( ع ) فإذا حدث إرادة كان قولك إن الإرادة هي هو أوشيء منه باطلا لأنه لا يكون أن يحدث نفسه و لا يتغير عن حاله تعالى الله عن ذلكقال سليمان إنه لم يكن عنى بذلك أنه يحدث إرادة قال فما عنى به قال عنى فعل الشيءقال الرضا ( ع ) ويلك كم تردد في هذه المسألة و قد أخبرتك أن الإرادة محدثة لأن فعلالشيء محدث قال فليس لها معنى قال الرضا ( ع ) قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالإرادةبما لا معنى له فإذا لم يكن لها معنى قديم و لا حديث بطل قولكم إن الله عز و جل لميزل مريدا قال سليمان إنما عنيت أنها فعل من الله تعالى لم يزل قال أ لم تعلم أنما لم يزل لا يكون مفعولا و قديما و حديثا في حالة واحدة فلم يحر جوابا قال الرضاع لا بأس أتمم مسألتك قال سليمان قلت إن الإرادة صفة من صفاته قال كم تردد عليأنها صفة من صفاته فصفته محدثة أو لم تزل قال سليمان محدثة قال الرضا ( ع ) الله أكبرفالإرادة محدثة و إن كانت صفة من صفاته لم تزل فلم يرد شيئا قال الرضا ( ع ) إن ما لميزل لا يكون مفعولا قال سليمان ليس الأشياء إرادة و لم يرد [188]
شيئا قال الرضا ( ع ) وسوست يا سليمان فقد فعل و خلق ما لم يزل خلقه و فعله وهذه صفة من لا يدري ما فعل تعالى الله عن ذلك قال سليمان يا سيدي فقد أخبرتك أنهاكالسمع و البصر و العلم قال المأمون ويلك يا سليمان كم هذا الغلط و الترداد اقطعهذا و خذ في غيره إذ لست تقوى على غير هذا الرد قال الرضا ( ع ) دعه يا أمير المؤمنينلا تقطع عليه مسألته فيجعلها حجة تكلم يا سليمان قال قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر و العلم قال الرضا ( ع ) لا بأس أخبرني عن معنى هذه أ معنى واحد أم معان مختلفةقال سليمان معنى واحد قال الرضا ( ع ) فمعنى الإرادات كلها معنى واحد قال سليمان نعمقال الرضا ( ع ) فإن كان معناها معنى واحدا كانت إرادة القيام إرادة القعود و إرادةالحياة إرادة الموت إذا كانت إرادته واحدة لم تتقدم بعضها بعضا و لم يخالف بعضهابعضا و كانت شيئا واحدا قال سليمان إن معناها مختلف قال ( ع ) فأخبرني عن المريد أ هوالإرادة أو غيرها قال سليمان بل هو الإرادة قال الرضا ( ع ) فالمريد عندكم مختلف إذكان هو الإرادة قال يا