back page fehrest page next page

[192]

أن يكون كما دعاه النبي (ص) أو يكون مردودا أو عرف الله الفاضل من خلقه و كان المفضول أحب إليه أو تزعم أن الله لم يعرف الفاضل من المفضول فأي الثلاث أحب إليك أن تقول به قال إسحاق فأطرقت ساعة ثم قلت يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول في أبي بكر ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فنسبه الله عز و جل إلى صحبة نبيه (ص) فقال المأمون سبحان الله ما أقل علمك باللغة و الكتاب أ ما يكون الكافر صاحبا للمؤمن فأي فضيلة في هذا أ ما سمعت قول الله تعالى قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا فقد جعله له صاحبا و قال الهذلي شعرا :

و لقد غدوت و صاحبي وحشية ** تحت الرداء بصيرة بالمشرق

و قال الأزدي شعرا :

و لقد ذعرت الوحش فيه و صاحبي ** محض القوائم من هجان هيكل

فصير فرسه صاحبه و أما قوله إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فإن الله تبارك و تعالى مع البر و الفاجر أ ما سمعت قوله تعالى ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا و أما قوله لا تَحْزَنْ فأخبرني من حزن أبي بكر أ كان طاعة أو معصية فإن زعمت أنه طاعة فقد جعلت النبي (ص) ينهى عن الطاعة و هذا خلاف صفة الحكيم و إن زعمت أنه معصية فأي فضيلة للعاصي و خبرني عن قوله تعالى فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ على من قال إسحاق فقلت على أبي بكر لأن النبي (ص) كان مستغنيا عن الصفة السكينة قال فخبرني عن قوله عز و جل وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أ تدري من المؤمنون الذين أراد الله تعالى

[193]

في هذا الموضع قال فقلت لا فقال إن الناس انهزموا يوم حنين فلم يبق مع النبي (ص) إلا سبعة من بني هاشم علي (ع) يضرب بسيفه و العباس أخذ بلجام بغلة رسول الله (ص) و الخمسة يحدقون بالنبي (ص) خوفا من أن يناله سلاح الكفار حتى أعطى الله تبارك و تعالى رسوله (ص) الظفر عنى بالمؤمنين في هذا الموضع عليا (ع) و من حضر من بني هاشم فمن كان أفضل أ من كان مع النبي (ص) فنزلت السكينة على النبي (ص) و عليه أم من كان في الغار مع النبي (ص) و لم يكن أهلا لنزولها عليه يا إسحاق من أفضل من كان مع النبي (ص) في الغار أو من نام على مهاده و فراشه و وقاه بنفسه حتى تم للنبي (ص) ما عزم عليه من الهجرة إن الله تبارك و تعالى أمر نبيه (ص) أن يأمر عليا (ع) بالنوم على فراشه و وقايته بنفسه فأمره بذلك فقال علي (ع) أ تسلم يا نبي الله قال سمعا و طاعة ثم أتى مضجعه و تسجى بثوبه و أحدق المشركون به لا يشكون في أنه النبي (ص) و قد أجمعوا على أن يضربه من كل بطن من قريش رجل ضربة لئلا يطلب الهاشميون بدمه و علي (ع) يسمع بأمر القوم فيه من التدبير في تلف نفسه فلم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع أبو بكر في الغار و هو مع النبي (ص) و علي (ع) وحده فلم يزل صابرا محتسبا فبعث الله تعالى ملائكته تمنعه من مشركي قريش فلما أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا أين محمد قال و ما علمي به قالوا فأنت غدرتنا ثم لحق بالنبي (ص) فلم يزل علي (ع) أفضل لما بدا منه إلا ما يزيد خيرا حتى قبضه الله تعالى إليه و هو محمود مغفور له يا إسحاق أ ما تروي حديث الولاية فقلت نعم قال اروه فرويته فقال أ ما ترى أنه أوجب لعلي (ع) على أبي بكر و عمر من الحق ما لم يوجب لهما عليه قلت إن الناس يقولون إن هذا قاله بسبب زيد بن حارثة فقال و أين قال النبي (ص) هذا قلت بغدير خم بعد منصرفه من حجة الوداع قال فمتى قتل زيد بن حارثة قلت بموتة قال أ فليس قد كان قتل زيد بن حارثة قبل غدير خم قلت بلى قال أخبرني لو رأيت ابنا لك أتت عليه خمسة عشر سنة يقول مولاي مولى ابن عمي أيها الناس فاقبلوا أ كنت تكره له ذلك فقلت بلى قال أ فتنزه ابنك عما لا يتنزه النبي (ص) عنه ويحكم أ جعلتم فقهاءكم أربابكم إن الله تعالى يقول اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ

[194]

وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ .

و الله ما صاموا لهم و لا صلوا لهم و لكنهم أمروا لهم فأطيعوا ثم قال أ تروي قول النبي (ص) لعلي (ع) أنت مني بمنزلة هارون من موسى قلت نعم قال أ ما تعلم أن هارون أخو موسى لأبيه و أمه قلت بلى قال فعلي (ع) كذلك قلت لا قال و هارون نبي و ليس علي كذلك فما المنزلة الثالثة إلا الخلافة و هذا كما قال المنافقون إنه استخلفه استثقالا له فأراد أن يطيب بنفسه و هذا كما حكى الله تعالى عن موسى (ع) حيث يقول لهارون اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ فقلت إن موسى خلف هارون في قومه و هو حي ثم مضى إلى ميقات ربه تعالى و إن النبي (ص) خلف عليا (ع) حين خرج إلى غزاته فقال أخبرني عن موسى حين خلف هارون أ كان معه حيث مضى إلى ميقات ربه عز و جل أحد من أصحابه فقلت نعم قال أ و ليس قد استخلفه على جميعهم قلت بلى قال فكذلك علي (ع) خلفه النبي (ص) حين خرج إلى غزاته في الضعفاء و النساء و الصبيان إذا كان أكثر قومه معه و إن كان قد جعله خليفة على جميعهم و الدليل على أنه جعله خليفة عليهم في حياته إذا غاب و بعد موته قوله (ص) علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي و هو وزير النبي (ص) أيضا بهذا القول لأن موسى (ع) قد دعا الله تعالى و قال فيما دعا وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي فإذا كان علي (ع) منه (ص) بمنزلة هارون من موسى فهو وزيره كما كان هارون وزير موسى و هو خليفته كما كان هارون خليفة موسى (ع) ثم أقبل على أصحاب النظر و الكلام فقال أسألكم أو تسألوني فقالوا بل نسألك قال قولوا فقال قائل منهم أ ليست إمامة علي (ع) من قبل الله عز و جل نقل ذلك عن رسول الله (ص) من نقل الفرض مثل الظهر أربع ركعات و في مائتي درهم خمسة دراهم و الحج إلى مكة فقال بلى قال فما بالهم لم يختلفوا في جميع الفرض و اختلفوا في خلافة علي (ع) وحدها قال المأمون لأن جميع الفرض لا يقع فيه من التنافس .

[195]

و الرغبة ما يقع في الخلافة فقال آخر ما أنكرت أن يكون النبي (ص) أمرهم باختيار رجل منهم يقوم مقامه رأفة بهم و رقة عليهم من غير أن يستخلف هو بنفسه فيعصى خليفته فينزل بهم العذاب فقال أنكرت ذلك من قبل أن الله تعالى أرأف بخلقه من النبي (ص) و قد بعث نبيه (ص) إليهم و هو يعلم أن فيهم عاص و مطيع فلم يمنعه تعالى ذلك من إرساله و علة أخرى و لو أمرهم باختيار رجل منهم كان لا يخلو من أن يأمرهم كلهم أو بعضهم فلو أمر الكل من كان المختار و لو أمر بعضنا دون بعض كان لا يخلو من أن يكون على هذا البعض علامة فإن قلت الفقهاء فلا بد من تحديد الفقيه و سمته قال آخر فقد روي أن النبي (ص) قال ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله تعالى حسن و ما رأوه قبيحا فهو عند الله قبيح فقال هذا القول لا بد من أن يكون يريد كل المؤمنين أو البعض فإن أراد الكل فهذا مفقود لأن الكل لا يمكن اجتماعهم و إن كان البعض فقد روى كل في صاحبه حسنا مثل رواية الشيعة في علي و رواية الحشوية في غيره فمتى يثبت ما تريدون من الإمامة قال آخر فيجوز أن تزعم أن أصحاب محمد (ص) أخطئوا قال كيف نزعم أنهم أخطئوا و اجتمعوا على ضلالة و هم لم يعلموا فرضا و لا سنة لأنك تزعم أن الإمامة لا فرض من الله تعالى و لا سنة من الرسول (ص) فكيف يكون فيما ليس عندك بفرض و لا سنة خطأ قال آخر إن كنت تدعي لعلي (ع) من الإمامة دون غيره فهات بينتك على ما تدعي فقال ما أنا بمدع و لكني مقر و لا بينة على مقر و المدعي من يزعم أن إليه التولية و العزل و أن إليه الاختيار و البينة لا تعرى من أن تكون من شركائه فهم خصماء أو تكون من غيرهم و الغير معدوم فكيف يؤتى بالبينة على هذا قال آخر فما كان الواجب على علي (ع) بعد مضي رسول الله (ص) قال ما فعله قال أ فما وجب عليه أن يعلم الناس أنه إمام فقال إن الإمامة لا تكون بفعل منه في نفسه و لا بفعل من الناس فيه من اختيار أو تفضيل أو غير ذلك و إنها يكون بفعل من الله تعالى فيه كما قال لإبراهيم (ع) إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً و كما قال تعالى لداود (ع) يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ و كما .

[106]

قال عز و جل للملائكة في آدم إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فالإمام إنما يكون إماما من قبل الله تعالى و باختياره إياه في بدء الصنيعة و التشريف في النسب و الطهارة في المنشأ و العصمة في المستقبل و لو كانت بفعل منه في نفسه كان من فعل ذلك الفعل مستحقا للإمامة و إذا عمل خلافها اعتزل فيكون خليفة من قبل أفعاله قال آخر فلم أوجبت الإمامة لعلي (ع) بعد الرسول (ص) فقال لخروجه من الطفولية إلى الإيمان كخروج النبي (ص) من الطفولية إلى الإيمان و البراءة من ضلالة قومه عن الحجة و اجتنابه الشرك كبراءة النبي (ص) من الضلالة و اجتنابه الشرك لأن الشرك ظلم و لا يكون الظالم إماما و لا من عبد وثنا بإجماع و من شرك فقد حل من الله تعالى محل أعدائه فالحكم فيه الشهادة عليه بما اجتمعت عليه الأمة حتى يجي‏ء إجماع آخر مثله و لأن من حكم عليه مرة فلا يجوز أن يكون حاكما فيكون الحاكم محكوما عليه فلا يكون حينئذ فرق بين الحاكم و المحكوم عليه قال آخر فلم لم يقاتل علي (ع) أبا بكر و عمر كما قاتل معاوية فقال المسألة محال لأن لم اقتضاء و لم يفعل نفي و النفي لا يكون له علة إنما العلة للاثبات و إنما يجب أن ينظر في أمر علي (ع) أ من قبل الله أم من قبل غيره فإن صح أنه من قبل الله تعالى فالشك في تدبيره كفر لقوله تعالى فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً فأفعال الفاعل تبع لأصله فإن كان قيامه عن الله تعالى فأفعاله عنه و على الناس الرضا و التسليم و قد ترك رسول الله (ص) القتال يوم الحديبية يوم صد المشركون هديه عن البيت فلما وجد الأعوان و قوي حارب كما قال الله تعالى في الأول ف َاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ثم قال عز و جل فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ قال آخر إذا زعمت أن إمامة علي (ع) من قبل الله تعالى و أنه مفترض الطاعة فلم لم يجز إلا

[197]

التبليغ و الدعاء للأنبياء (ع) و جاز لعلي أن يترك ما أمر به من دعوة الناس إلى طاعته فقال من قبل أنا لم نزعم أن عليا (ع) أمر بالتبليغ فيكون رسولا و لكنه (ع) وضع علما بين الله تعالى و بين خلقه فمن تبعه كان مطيعا و من خالفه كان عاصيا فإن وجد أعوانا يتقوى بهم جاهد و إن لم يجد أعوانا فاللوم عليهم لا عليه لأنهم أمروا بطاعته على كل حال و لم يؤمر هو بمجاهدتهم إلا بقوة و هو بمنزلة البيت على الناس الحج إليه فإذا حجوا أدوا ما عليهم و إذا لم يفعلوا كانت اللائمة عليهم لا على البيت و قال آخر إذا أوجب أنه لا بد من إمام مفترض الطاعة بالاضطرار كيف يجب بالاضطرار أنه علي (ع) دون غيره فقال من قبل أن الله تعالى لا يفرض مجهولا و لا يكون المفروض ممتنعا إذ المجهول ممتنع فلا بد من دلالة الرسول (ص) علي الفرض ليقطع العذر بين الله عز و جل و بين عباده أ رأيت لو فرض الله تعالى على الناس صوم شهر فلم يعلم الناس أي شهر هو و لم يوسم بوسم و كان علي الناس استخراج ذلك بعقولهم حتى يصيبوا ما أراد الله تعالى فيكون الناس حينئذ مستغنين عن الرسول المبين لهم و عن الإمام الناقل خبر الرسول إليهم و قال آخر من أين أوجبت أن عليا (ع) كان بالغا حين دعاه النبي (ص) فإن الناس يزعمون أنه كان صبيا حين دعي و لم يكن جاز عليه الحكم و لا بلغ مبلغ الرجال فقال من قبل أنه لا يعرى في ذلك الوقت من أن يكون ممن أرسل إليه النبي (ص) ليدعوه فإن كان كذلك فهو محتمل التكليف قوي على أداء الفرائض و إن كان ممن لم يرسل إليه فقد لزم النبي (ص) قول الله عز و جل وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ و كان مع ذلك فقد كلف النبي (ص) عباد الله ما لا يطيقون عن الله تبارك و تعالى و هذا من المحال الذي يمتنع كونه و لا يأمر به حكيم و لا يدل عليه الرسول تعالى الله عن أن يأمر بالمحال و جل الرسول من أن يأمر بخلاف ما يمكن كونه في حكمة الحكيم فسكت القوم عند ذلك جميعا فقال المأمون قد سألتموني و نقضتم علي أ فأسألكم قالوا نعم قال أ ليس قد روت الأمة بإجماع منها أن النبي (ص) قال من كذب علي

[198]

متعمدا فليتبوأ مقعده من النار قالوا بلى قال و رووا عنه (ع) أنه قال من عصى الله بمعصية صغرت أو كبرت ثم اتخذها دينا و مضى مصرا عليها فهو مخلد بين أطباق الجحيم قالوا بلى قال فخبروني عن رجل يختاره الأمة فتنصبه خليفة هل يجوز أن يقال له خليفة رسول الله (ص) و من قبل الله عز و جل و لم يستخلفه الرسول فإن قلتم نعم فقد كابرتم و إن قلتم لا وجب أن أبا بكر لم يكن خليفة رسول الله (ص) و لا كان من قبل الله عز و جل و أنكم تكذبون على نبي الله (ص) فإنكم متعرضون لأن تكونوا ممن وسمه النبي (ص) بدخول النار و خبروني في أي قوليكم صدقتم أ في قولكم مضى (ع) و لم يستخلف أو في قولكم لأبي بكر يا خليفة رسول الله (ص) فإن كنتم صدقتم في القولين فهذا ما لا يمكن كونه إذ كان متناقضا و إن كنتم صدقتم في أحدهما بطل الآخر فاتقوا الله و انظروا لأنفسكم و دعوا التقليد و تجنبوا الشبهات فو الله ما يقبل الله تعالى إلا من عبد لا يأتي إلا بما يعقل و لا يدخل إلا فيما يعلم أنه حق و الريب شك و إدمان الشك كفر بالله تعالى و صاحبه في النار و خبروني هل يجوز أن يبتاع أحدكم عبدا فإذا ابتاعه صار مولاه و صار المشتري عبده قالوا لا قال فكيف جاز أن يكون من اجتمعتم عليه أنتم لهواكم و استخلفتموه صار خليفة عليكم و أنتم وليتموه أ لا كنتم أنتم الخلفاء عليه بل تؤتون خليفة و تقولون إنه خليفة رسول الله (ص) ثم إذا أسخطتم عليه قتلتموه كما فعل بعثمان بن عفان فقال قائل منهم لأن الإمام وكيل المسلمين إذا رضوا عنه ولوه و إذا سخطوا عليه عزلوه قال فلمن المسلمون و العباد و البلاد قالوا لله تعالى فو الله أولى أن يوكل على عباده و بلاده من غيره لأن من إجماع الأمة أنه من أحدث حدثا في ملك غيره فهو ضامن و ليس له أن يحدث فإن فعل فآثم غارم ثم قال خبروني عن النبي (ص) هل استخلف حين مضى أم لا فقالوا لم يستخلف قال فتركه ذلك هدى أم ضلال قالوا هدى قال فعلى الناس أن يتبعوا الهدى و يتركوا الباطل و يتنكبوا الضلال قالوا قد فعلوا ذلك قال فلم استخلف الناس بعده و قد تركه هو .

[199]

فترك فعله ضلال و محال أن يكون خلاف الهدى هدى و إذا كان ترك الاستخلاف هدى فلم استخلف أبو بكر و لم يفعله النبي (ص) و لم جعل عمر الأمر بعده شورى بين المسلمين خلافا على صاحبه لأنكم زعمتم أن النبي (ص) لم يستخلف و أن أبا بكر استخلف و عمر لم يترك الاستخلاف كما تركه النبي (ص) بزعمكم و لم يستخلف كما فعل أبو بكر و جاء بمعنى ثالث فخبروني أي ذلك ترونه صوابا فإن رأيتم فعل النبي (ص) صوابا فقد أخطأتم أبا بكر و كذلك القول في بقية الأقاويل و خبروني أيهما أفضل ما فعله النبي (ص) بزعمكم من ترك الاستخلاف أو ما صنعت طائفة من الاستخلاف و خبروني هل يجوز أن يكون تركه من الرسول (ص) هدى و فعله من غيره هدى فيكون هدى ضد هدى فأين الضلال حينئذ و خبروني هل ولي أحد بعد النبي (ص) باختيار الصحابة منذ قبض النبي (ص) إلى اليوم فإن قلتم لا فقد أوجبتم أن الناس كلهم عملوا ضلالة بعد النبي (ص) و إن قلتم نعم كذبتم الأمة و أبطل قولكم الوجود الذي لا يدفع و خبروني عن قول الله عز و جل قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ أ صدق هذا أم كذب قالوا صدق قال أ فليس ما سوى الله لله إذ كان محدثه و مالكه قالوا نعم قال ففي هذا بطلان ما أوجبتم من اختياركم خليفة تفترضون طاعته و تسمونه خليفة رسول الله (ص) و أنتم استخلفتموه و هو معزول عنكم إذا غضبتم عليه و عمل بخلاف محبتكم و مقتول إذا أبى الاعتزال ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فتلقوا وبال ذلك غدا إذا قمتم بين يدي الله تعالى و إذا وردتم على رسول الله (ص) و قد كذبتم عليه متعمدين و قد قال من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ثم استقبل القبلة و رفع يديه و قال اللهم إني قد أرشدتهم اللهم إني قد أخرجت ما وجب علي إخراجه من عنقي اللهم إني لم أدعهم في ريب و لا في شك اللهم إني أدين بالتقرب إليك بتقديم علي (ع) على الخلق بعد نبيك محمد (ص) كما أمرنا به رسولك (ص) قال ثم افترقنا فلم نجتمع بعد ذلك حتى قبض المأمون قال محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري و في حديث آخر

[200]

قال فسكت القوم فقال لهم لم سكتم قالوا لا ندري ما تقول قال تكفيني هذه الحجة عليكم ثم أمر بإخراجهم قال فخرجنا متحيرين خجلين ثم نظر المأمون إلى الفضل بن سهل فقال هذا أقصى ما عند القوم فلا يظن ظان أن جلالتي منعتهم من النقض علي .

46-   باب ما جاء عن الرضا (ع) في وجه دلائل الأئمة (ع) و الرد على الغلاة و المفوضة لعنهم الله :

1-   حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه قال حدثني أبي قال حدثنا أحمد بن علي الأنصاري عن الحسن بن الجهم قال حضرت مجلس المأمون يوما و عنده علي بن موسى الرضا (ع) و قد اجتمع الفقهاء و أهل الكلام من الفرق المختلفة فسأله بعضهم فقال له يا ابن رسول الله بأي شي‏ء تصح الإمامة لمدعيها قال بالنص و الدليل قال له فدلالة الإمام فيما هي قال في العلم و استجابة الدعوة قال فما وجه إخباركم بما يكون قال ذلك بعهد معهود إلينا من رسول الله (ص) قال فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس قال (ع) له أ ما بلغك قول الرسول (ص) اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله قال بلى قال و ما من مؤمن إلا و له فراسة ينظر بنور الله على قدر إيمانه و مبلغ استبصاره و علمه و قد جمع الله الأئمة منا ما فرقه في جميع المؤمنين و قال عز و جل في محكم كتابه إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ فأول المتوسمين رسول الله (ص) ثم أمير المؤمنين (ع) من بعده ثم الحسن و الحسين و الأئمة من ولد الحسين (ع) إلى يوم القيامة قال فنظر إليه المأمون فقال له يا أبا الحسن زدنا مما جعل الله لكم أهل البيت فقال الرضا (ع) إن الله عز و جل قد أيدنا بروح منه مقدسة مطهرة ليست بملك لم تكن مع أحد ممن مضى إلا مع رسول الله (ص) و هي مع الأئمة منا تسددهم و توفقهم و هو عمود من نور بيننا و بين الله عز و جل قال له المأمون يا أبا الحسن بلغني أن قوما يغلون فيكم و يتجاوزون

[201]

فيكم الحد فقال الرضا (ع) حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب (ع) قال قال رسول الله (ص) لا ترفعوني فوق حقي فإن الله تبارك تعالى اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا قال الله تبارك و تعالى ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ قال علي (ع) يهلك في اثنان و لا ذنب لي محب مفرط و مبغض مفرط و أنا أبرأ إلى الله تبارك و تعالى ممن يغلو فينا و يرفعنا فوق حدنا كبراءة عيسى ابن مريم (ع) من النصارى قال الله تعالى وَ إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ و قال عز و جل لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَ لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ و قال عز و جل مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ و معناه أنهما كانا يتغوطان فمن ادعى للأنبياء ربوبية و ادعى للأئمة ربوبية أو نبوة أو لغير الأئمة إمامة فنحن منه برءاء في الدنيا و الآخرة فقال المأمون يا أبا الحسن فما تقول في الرجعة فقال الرضا (ع) إنها لحق قد كانت في الأمم السالفة و نطق به القرآن و قد قال رسول الله (ص) يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة .

back page fehrest page next page