حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه قال حدثني أبي عن أحمد بن علي الأنصاري قال سمعت رجاء بن أبي الضحاك يقول بعثني المأمون في إشخاص علي بن موسى (ع) من المدينة و قد أمرني أن آخذ به على طريق البصرة و الأهواز و فارس و لا آخذ به على طريق قم و أمرني أن أحفظه بنفسي بالليل و النهار حتى أقدم به عليه فكنت معه من المدينة إلى مرو فو الله ما رأيت رجلا كان أتقى لله تعالى منه و لا أكثر ذكرا لله في جميع أوقاته منه و لا أشد خوفا لله عز و جل منه و كان إذا أصبح صلى الغداة فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله و يحمده و يكبره و يهلله و يصلي على النبي (ص) حتى تطلع الشمس ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار ثم أقبل على الناس يحدثهم و يعظهم إلى قرب الزوال ثم جدد وضوءه و عاد إلى مصلاه فإذا زالت الشمس قام فصلى ست ركعات يقرأ في الركعة الأولى الحمد و قل يا أيها الكافرون و في الثانية الحمد و قل هو الله و يقرأ في الأربع في كل ركعة الحمد لله و قل هو الله أحد و يسلم في كل ركعتين و يقنت فيهما في الثانية قبل الركوع و بعد القراءة ثم يؤذن و يصلي ركعتين ثم يقيم و يصلي الظهر فإذا سلم سبح الله و حمده و كبره و هلله ما شاء الله ثم سجد سجدة الشكر يقول فيها مائة مرة شكرا لله فإذا رفع رأسه قام [181]
فصلى ست ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد و قل هو الله أحد و يسلم في كل ركعتين و يقنت في ثانية كل ركعتين قبل الركوع و بعد القراءة ثم يؤذن ثم يصلي ركعتين و يقنت في الثانية فإذا سلم قام و صلى العصر فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله و يحمده و يكبره و يهلله ما شاء الله ثم سجد سجدة يقول فيها مائة مرة حمدا لله فإذا غابت الشمس توضأ و صلى المغرب ثلاثا بأذان و إقامة و قنت في الثانية قبل الركوع و بعد القراءة فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله و يحمده و يكبره و يهلله ما شاء الله ثم يسجد سجدة الشكر ثم يرفع رأسه و لم يتكلم حتى يقوم و يصلي أربع ركعات بتسليمتين و يقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع و بعد القراءة و كان يقرأ في الأولى من هذه الأربع الحمد و قل يا أيها الكافرون و في الثانية الحمد و قل هو الله أحد و يقرأ في الركعتين الباقيتين الحمد و قل هو الله ثم يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله ثم يفطر ثم يلبث حتى يمضي من الليل قريب من الثلث ثم يقوم فيصلي العشاء الآخرة أربع ركعات و يقنت في الثانية قبل الركوع و بعد القراءة فإذا سلم جلس في مصلاه يذكر الله عز و جل و يسبحه و يحمده و يكبره و يهلله ما شاء الله و يسجد بعد التعقيب سجدة الشكر ثم يأوي إلى فراشه فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح و التحميد و التكبير و التهليل و الاستغفار فاستاك ثم توضأ ثم قام إلى صلاة الليل فيصلي ثمان ركعات و يسلم في كل ركعتين يقرأ في الأوليين منها في كل ركعة الحمد مرة و قل هو الله أحد ثلاثين مرة ثم يصلي صلاة جعفر بن أبي طالب (ع) أربع ركعات يسلم في كل ركعتين و يقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع و بعد التسبيح و يحتسب بها من صلاة الليل ثم يقوم فيصلي ركعتين الباقيتين يقرأ في الأولى الحمد و سورة الملك و في الثانية الحمد لله و هل أتى على الإنسان ثم يقوم فيصلي ركعتي الشفع يقرأ في كل ركعة منهما الحمد لله مرة و قل هو الله أحد ثلاث مرات و يقنت في الثانية قبل الركوع و بعد القراءة فإذا سلم قام فصلى ركعة الوتر يتوجه فيها و يقرأ فيها الحمد مرة و قل هو الله أحد ثلاث مرات و قل أعوذ برب الفلق مرة واحدة و قل أعوذ برب الناس مرة واحدة و يقنت فيها قبل الركوع و بعد القراءة
[182]
و يقول في قنوته اللهم صل على محمد و آل محمد اللهم اهدنا فيمن هديت و عافنا فيمن عافيت و تولنا فيمن توليت و بارك لنا فيما أعطيت و قنا شر ما قضيت فإنك تقضي و لا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت و لا يعز من عاديت تباركت ربنا و تعاليت ثم يقول أستغفر الله و أسأله التوبة سبعين مرة فإذا سلم جلس في التعقيب ما شاء الله فإذا قرب من الفجر قام فصلى ركعتي الفجر يقرأ في الأولى الحمد قل يا أيها الكافرون و في الثانية الحمد و قل هو الله أحد فإذا طلع الفجر أذن و أقام و صلى الغداة ركعتين فإذا سلم جلس في التعقيب حتى تطلع الشمس ثم يسجد سجدة الشكر حتى يتعالى النهار و كان قراءته في جميع المفروضات في الأولى الحمد و إنا أنزلناه و في الثانية الحمد و قل هو الله أحد إلا في صلاة الغداة و الظهر و العصر يوم الجمعة فإنه كان يقرأ فيها بالحمد و سورة الجمعة و المنافقين و كان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الأولى الحمد و سورة الجمعة و في الثانية الحمد و سبح اسم ربك الأعلى و كان يقرأ في صلاة الغداة يوم الإثنين و يوم الخميس في الأولى الحمد و هل أتى على الإنسان و في الثانية الحمد و هل أتاك حديث الغاشية و كان يجهر بالقراءة في المغرب و العشاء و صلاة الليل و الشفع و الوتر و الغداة و يخفي القراءة في الظهر و العصر و كان يسبح في الأخراوين يقول سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ثلاث مرات و كان قنوته في جميع صلاته رب اغفر و ارحم و تجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأجل الأكرم و كان إذا أقام في بلدة عشرة أيام صائما لا يفطر فإذا جن الليل بدأ بالصلاة قبل الإفطار و كان في الطريق يصلي فرائضه ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنه كان يصليها ثلاثا و لا يدع نافلتها و لا يدع صلاة الليل و الشفع و الوتر و ركعتي الفجر في سفر و لا حضر و كان لا يصلي من نوافل النهار في السفر شيئا و كان يقول بعد كل صلاة يقصرها سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ثلاثين مرة و يقول هذا تمام الصلاة و ما رأيته صلى الضحى في سفر و لا حضر و كان لا يصوم في السفر شيئا و كان (ع) يبدأ في دعائه بالصلاة على محمد و آله و يكثر من ذلك في الصلاة و غيرها و كان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فإذا مر بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى و سأل الله الجنة و تعوذ به من النار و كان (ع) يجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
في [183]
جميع صلاته بالليل و النهار و كان إذا قرأ قل هو الله أحد قال سرا الله أحد فإذا فرغ منها قال كذلك الله ربنا ثلاثا و كان إذا قرأ سورة الجحد قال في نفسه سرا يا أيها الكافرون فإذا فرغ منها قال ربي الله و ديني الإسلام ثلاثا و كان إذا قرأ و التين و الزيتون قال عند الفراغ منها بلى و إنا على ذلك من الشاهدين و كان إذا قرأ لا أقسم بيوم القيامة قال عند الفراغ منها سبحانك اللهم و كان يقرأ في سورة الجمعة قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ للذين اتقوا وَ اللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ و كان إذا فرغ من الفاتحة قال الحمد لله رب العالمين و إذا قرأ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال سرا سبحان ربي الأعلى و إذا قرأ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قال لبيك اللهم لبيك سرا و كان (ع) لا ينزل بلدا إلا قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم فيجيبهم و يحدثهم الكثير عن أبيه عن آبائه عن علي (ع) عن رسول الله (ص) فلما وردت به على المأمون سألني عن حاله في طريقه فأخبرته بما شاهدته منه في ليله و نهاره و ظعنه و إقامته فقال لي يا ابن أبي الضحاك هذا خير أهل الأرض و أعلمهم و أعبدهم فلا تخبر أحدا بما شاهدته منه لئلا يظهر فضله إلا على لساني و بالله أستعين على ما أقوى من الرفع منه و الإساءة به .
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي قال جئت إلى باب الدار التي حبس فيها الرضا (ع) بسرخس و قد قيد (ع) فاستأذنت عليه السجان فقال لا سبيل لك إليه (ع) قلت و لم قال لأنه ربما صلى في يومه و ليلته ألف ركعة و إنما ينفتل من صلاته ساعة في صدر النهار و قبل الزوال و عند اصفرار الشمس فهو في هذه الأوقات قاعد في مصلاه و يناجي ربه قال فقلت له فاطلب لي منه في هذه الأوقات إذنا عليه فاستأذن لي فدخلت عليه و هو قاعد في مصلاه متفكرا قال أبو الصلت [184]
فقلت له يا ابن رسول الله (ص) ما شيء يحكيه عنكم الناس قال و ما هو قلت يقولون إنكم تدعون أن الناس لكم عبيد فقال اللهم فاطر السماوات و الأرض عالم الغيب و الشهادة أنت شاهد بأني لم أقل ذلك قط و لا سمعت أحدا من آبائي (ع) قاله قط و أنت العالم بما لنا من المظالم عند هذه الأمة و إن هذه منها ثم أقبل علي فقال لي يا عبد السلام إذا كان الناس كلهم عبيدنا على ما حكوه عنا فممن نبيعهم قلت يا ابن رسول الله صدقت ثم قال يا عبد السلام أ منكر أنت لما أوجب الله تعالى لنا من الولاية كما ينكره غيرك قلت معاذ الله بل أنا مقر بولايتكم .
حدثنا الحاكم أبو جعفر بن نعيم بن شاذان رضي الله عنه قال حدثنا أحمد بن إدريس عن إبراهيم بن هاشم عن إبراهيم بن العباس قال ما رأيت أبا الحسن الرضا (ع) جفا أحدا بكلمة قط و لا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه و ما رد أحدا عن حاجة يقدر عليها و لا مد رجله بين يدي جليس له قط و لا اتكأ بين يدي جليس له قط و لا رأيته شتم أحدا من مواليه و مماليكه قط و لا رأيته تفل و لا رأيته يقهقه في ضحكه قط بل كان ضحكه التبسم و كان إذا خلا و نصب مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه و مواليه حتى البواب السائس و كان (ع) قليل النوم بالليل كثير السهر يحيي أكثر لياليه من أولها إلى الصبح و كان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر و يقول ذلك صوم الدهر و كان (ع) كثير المعروف و الصدقة في السر و أكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدق .
45- باب ذكر ما يتقرب به المأمون إلى الرضا (ع) من مجادلة المخالفين في الإمامة و التفضيل :
1- حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه قال حدثنا أبي قال حدثني أحمد بن علي الأنصاري عن إسحاق بن حماد قال كان المأمون يعقد مجالس النظر و يجمع المخالفين لأهل البيت (ع) و يكلمهم في إمامة أمير المؤمنين علي بن [185]
أبي طالب (ع) و تفضيله على جميع الصحابة تقربا إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) و كان الرضا (ع) يقول لأصحابه الذين يثق بهم و لا تغتروا منه بقوله فما يقتلني و الله غيره و لكنه لا بد لي من الصبر حتى يبلغ الكتاب أجله .
2- حدثنا أبي و محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا حدثنا محمد بن يحيى العطار و أحمد بن إدريس جميعا قالا حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري قال حدثني أبو الحسين صالح بن أبي حماد الرازي عن إسحاق بن حماد بن زيد قال جمعنا يحيى بن أكثم القاضي قال أمرني المأمون بإحضار جماعة من أهل الحديث و جماعة من أهل الكلام و النظر فجمعت له من الصنفين زهاء أربعين رجلا ثم مضيت بهم فأمرتهم بالكينونة في مجلس الحاجب لأعلمه بمكانهم ففعلوا فأعلمته فأمرني بإدخالهم فدخلوا فسلموا فحدثهم ساعة و آنسهم ثم قال إني أريد أن أجعلكم بيني و بين الله تبارك و تعالى في يومي هذا حجة فمن كان حاقنا أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته و انبسطوا و سلوا خفافكم و ضعوا أرديتكم ففعلوا ما أمروا به فقال يا أيها القوم إنما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى فاتقوا الله و انظروا لأنفسكم و إمامكم و لا يمنعكم جلالتي و مكاني من قول الحق حيث كان ورد الباطل على من أتى به و أشفقوا على أنفسكم من النار و تقربوا إلى الله تعالى برضوانه و إيثار طاعته فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق إلا سلطه الله عليه فناظروني بجميع عقولكم إني رجل أزعم أن عليا (ع) خير البشر بعد رسول الله (ص) فإن كنت مصيبا فصوبوا قولي و إن كنت مخطئا فردوا علي و هلموا فإن شئتم سألتكم و إن شئتم سألتموني فقال له الذين يقولون بالحديث بل نسألك فقال هاتوا و قلدوا كلامكم رجلا واحدا منكم فإذا تكلم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزد و إن أتى بخلل فسددوه فقال قائل منهم إنما نحن نزعم أن خير الناس بعد رسول الله (ص) أبو بكر من قبل أن الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (ص) [186]
أنه قال اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر و عمر فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما علمنا أنه لم يأمر بالاقتداء إلا بخير الناس فقال المأمون الروايات كثيرة و لا بد من أن تكون كلها حقا أو كلها باطلا أو بعضها حقا و بعضها باطلا فلو كانت كلها حقا كانت كلها باطلا من قبل أن بعضها ينقض بعضا و لو كانت كلها باطلا كان في بطلانها بطلان الدين و دروس الشريعة فلما بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار و هو أن بعضها حق و بعضها باطل فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها ليعتقد و ينفى خلافه فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقا كان أولى ما اعتقده و أخذ به و روايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها و ذلك أن رسول الله (ص) أحكم الحكماء و أولى الخلق بالصدق و أبعد الناس من الأمر بالمحال و حمل الناس على التدين بالخلاف و ذلك أن هذين الرجلين لا يخلوان من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مختلفين فإن كانا متفقين من كل جهة كانا واحدا في العدد و الصفة و الصورة و الجسم و هذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة و إن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما و هذا تكليف ما لا يطاق لأنك إذا اقتديت لواحد خالفت الآخر و الدليل على اختلافهما أن أبا بكر سبى أهل الردة و ردهم عمر أحرارا و أشار عمر إلى أبي بكر بعزل خالد و بقتله بمالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه و حرم عمر المتعتين و لم يفعل ذلك أبو بكر و وضع عمر ديوان العطية و لم يفعله أبو بكر و استخلف أبو بكر و لم يفعل ذلك عمر و لهذا نظائر كثيرة قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه في هذا فصل و لم يذكر المأمون لخصمه و هو أنهم لم يرووا أن النبي (ص) قال اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر و عمر و إنما رووا أبو بكر و عمر و منهم من روى أبا بكر و عمر فلو كانت الرواية صحيحة لكان معنى قوله بالنصب اقتدوا باللذين من بعدي كتاب الله و العترة يا أبا بكر و عمر و معنى قوله بالرفع اقتدوا أيها الناس و أبو بكر و عمر بالذين من بعدي كتاب الله و العترة رجعنا إلى حديث المأمون فقال آخر من أصحاب الحديث فإن النبي (ص) قال لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا فقال المأمون هذا مستحيل من قبل أن رواياتكم أنه (ع) آخى بين أصحابه و أخر عليا (ع) فقال له في ذلك فقال و ما أخرتك إلا لنفسي .
[187]
فأي الروايتين ثبتت بطلت الأخرى قال الآخر إن عليا (ع) قال على المنبر خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر و عمر قال المأمون هذا مستحيل من قبل أن النبي (ص) لو علم أنهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص و مرة أسامة بن زيد و مما يكذب هذه الرواية قول علي (ع) لما قبض النبي (ص) و أنا أولى بمجلسه مني بقميصي و لكني أشفقت أن يرجع الناس كفارا و قوله (ع) أنى يكونان خيرا مني و قد عبدت الله تعالى قبلهما و عبدته بعدهما قال آخر فإن أبا بكر أغلق بابه و قال هل من مستقيل فأقيله فقال علي (ع) قدمك رسول الله (ص) فمن ذا يؤخرك فقال المأمون هذا باطل من قبل أن عليا (ع) قعد عن بيعة أبي بكر و رويتم أنه قعد عنها حتى قبضت فاطمة (ع) و أنها أوصت أن تدفن ليلا لئلا يشهدا جنازتها و وجه آخر و هو أنه إن كان النبي (ص) استخلفه فكيف كان له أن يستقيل و هو يقول للأنصار قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة و عمر قال آخر إن عمرو بن العاص قال يا نبي الله من أحب الناس إليك من النساء قال عائشة فقال من الرجال فقال أبوها فقال المأمون هذا باطل من قبل أنكم رويتم أن النبي (ص) وضع بين يديه طائر مشوي فقال اللهم ايتني بأحب خلقك إليك فكان عليا (ع) فأي روايتكم تقبل فقال آخر فإن عليا (ع) قال من فضلني على أبي بكر و عمر جلدته حد المفتري قال المأمون كيف يجوز أن يقول علي (ع) أجلد الحد على من لا يجب حد عليه فيكون متعديا لحدود الله عز و جل عاملا بخلاف أمره و ليس تفضيل من فضله عليهما فرية و قد رويتم عن إمامكم أنه قال وليتكم و لست بخيركم فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه أو علي (ع) على أبي بكر مع تناقض الحديث في نفسه و لا بد له في قوله من أن يكون صادقا أو كاذبا فإن كان صادقا فأنى عرف ذلك بوحي فالوحي منقطع أو بالتظني فالمتظني متحير أو بالنظر فالنظر مبحث و إن كان غير صادق فمن المحال أن يلي أمر المسلمين و يقوم بأحكامهم و يقيم حدودهم كذاب قال آخر فقد جاء أن النبي (ص) قال أبو بكر و عمر سيدا كهول أهل الجنة قال المأمون هذا الحديث محال لأنه لا يكون في الجنة كهل و يروى أن أشجعية [188]
كانت عند النبي (ص) فقال لا يدخل الجنة عجوز فبكت فقال لها النبي (ص) إن الله تعالى يقول إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً فإن زعمتم أن أبا بكر ينشأ شابا إذا دخل الجنة فقد رويتم أن النبي (ص) قال للحسن و الحسين إنهما سيدا شباب أهل الجنة من الأولين و الآخرين و أبوهما خير منهما قال آخر فقد جاء أن النبي (ص) قال لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر قال المأمون هذا محال لأن الله تعالى يقول إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ و قال تعالى وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوة مبعوثا و من أخذ ميثاقا على النبوة مؤخرا قال آخر إن النبي (ص) نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم فقال إن الله تبارك و تعالى باهى بعباده عامة و بعمر خاصة فقال المأمون هذا مستحيل من قبل أن الله تبارك و تعالى لم يكن ليباهي بعمر و يدع نبيه (ص) فيكون عمر في الخاصة و النبي (ص) في العامة و ليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم أن النبي (ص) قال دخلت الجنة فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة و إنما قالت الشيعة علي (ع) خير من أبي بكر فقلتم عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) لأن السابق أفضل من المسبوق و كما رويتم أن الشيطان يفر من ظل عمر و ألقى على لسان نبي الله (ص) و إنهن الغرانيق .
[189]
العلى ففر من عمر و ألقى على لسان النبي (ص) بزعمكم الكفار قال آخر قد قال النبي (ص) لو نزل العذاب ما نجا إلا عمر بن الخطاب قال المأمون هذا خلاف الكتاب أيضا لأن الله تعالى يقول لنبيه (ص) وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ فجعلتم عمر مثل الرسول قال آخر فقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة فقال المأمون لو كان هذا كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة نشدتك بالله أ من المنافقين أنا فإن كان قد قال له النبي (ص) أنت من أهل الجنة و لم يصدقه حتى زكاه حذيفة فصدق حذيفة و لم يصدق النبي (ص) فهذا على غير الإسلام و إن كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة و هذان الخبران متناقضان في أنفسهما قال الآخر فقد قال النبي (ص) وضعت في كفة الميزان و وضعت أمتي في كفة أخرى فرجحت بهم ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم ثم عمر فرجح بهم ثم رفع الميزان فقال المأمون هذا محال من قبل أنه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنه محال لأنه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة و إن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف ترجح بما ليس فأخبروني بما يتفاضل الناس فقال بعضهم بالأعمال الصالحة قال فأخبروني فممن فضل صاحبه على عهد النبي (ص) ثم إن المفضول عمل بعد وفاة رسول الله بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (ص) أ يلحق به فإن قلتم نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهادا و حجا و صوما و صلاة و صدقه من أحدهم قالوا صدقت لا يلحق فاضل دهرنا لفاضل عصر النبي (ص) قال المأمون فانظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل علي (ع) و قيسوا إليها ما رووا في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءا من أجزاء كثيرة فالقول قولكم و إن كانوا قد رووا في فضائل علي (ع) أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا و لا تعدوه قال فأطرق القوم جميعا فقال المأمون ما لكم سكتم قالوا قد استقصينا قال المأمون فإني أسألكم خبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيه (ص) قالوا السبق إلى الإسلام لأن الله تعالى يقول السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ
[190]
أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ .
قال فهل علمتم أحدا أسبق من علي (ع) إلى الإسلام قالوا إنه سبق حدثا لم يجر عليه حكم و أبو بكر أسلم كهلا قد جرى عليه الحكم و بين هاتين الحالتين فرق قال المأمون فخبروني عن إسلام علي (ع) أ بإلهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي (ص) فإن قلتم بإلهام فقد فضلتموه على النبي (ص) لأن النبي (ص) لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعيا و معرفا فإن قلتم بدعاء النبي (ص) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى فإن قلتم من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيه (ص) في قوله تعالى وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ و في قوله تعالى وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى و إن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيه (ص) بدعاء علي (ع) من بين صبيان الناس و إيثاره عليهم فدعاه ثقة به و علما بتأييد الله تعالى و خلة أخرى خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلف خلقه ما لا يطيقون فإن قلتم نعم فقد كفرتم و إن قلتم لا فكيف يجوز أن يأمر نبيه (ص) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره و حداثة سنه و ضعفه عن القبول و خلة أخرى هل رأيتم النبي (ص) دعا أحدا من صبيان أهله و غيرهم فيكونوا أسوة علي (ع) فإن زعمتم أنه لم يدع غيره فهذه فضيلة لعلي (ع) على جميع صبيان الناس ثم قال أي الأعمال بعد السبق إلى الإيمان قالوا الجهاد في سبيل الله قال فهل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعلي (ع) في جميع مواقف النبي (ص) من الأثر هذه بدر قتل من المشركين فيها نيف و ستون رجلا قتل علي (ع) منهم نيفا و عشرين و أربعون لسائر الناس فقال قائل كان أبو بكر مع النبي (ص) في عريشة يدبرها فقال المأمون لقد جئت بها عجيبة أ كان يدبر دون النبي (ص) أو معه فيشركه أو لحاجة النبي (ص) إلى رأى أبي بكر أي الثلاث أحب إليك أن تقول فقال أعوذ بالله من أن أزعم أنه يدبر دون النبي (ص) أو يشركه أو بافتقار من النبي (ص) إليه قال فما الفضيلة في العريش فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلفه عن الحرب فيجب أن يكون كل متخلف فاضلا أفضل من المجاهدين و الله عز و جل يقول لا يَسْتَوِي
[191]
الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً الآية قال إسحاق بن حماد بن زيد ثم قال لي اقرأ هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ فقرأت حتى بلغت وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً إلى قوله وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً فقال فيمن نزلت هذه الآيات فقلت في علي (ع) قال فهل بلغك أن عليا (ع) قال حين أطعم المسكين و اليتيم و الأسير إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً على ما وصف الله عز و جل في كتابه فقلت لا قال فإن الله تعالى عرف سريرة علي (ع) و نيته فأظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره فهل علمت أن الله تعالى وصف في شيء مما وصف في الجنة ما في هذه السورة قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قلت لا قال فهذه فضيلة أخرى فكيف تكون القوارير من فضة فقلت لا أدري قال يريد كأنها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها و هذا مثل قوله (ص) يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير و عنى به نساء كأنها القوارير رقة و قوله (ص) ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحرا أي كأنه بحر من كثرة جريه و عدوه و كقول الله تعالى وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ أي كأنه يأتيه الموت و لو أتاه من مكان واحد مات ثم قال يا إسحاق أ لست ممن يشهد أن العشرة في الجنة فقلت بلى قال أ رأيت لو أن رجلا قال ما أدري أ صحيح هذا الحديث أم لا أ كان عندك كافرا قلت لا قال أ فرأيت لو قال ما أدري هذه السورة قرآن أم لا أ كان عندك كافرا قلت بلى قال أرى فضل الرجل يتأكد خبروني يا إسحاق عن حديث الطائر المشوي أ صحيح عندك قلت بلى قال بان و الله عنادك لا يخلو هذا من .