back page fehrest page next page

41-   باب استسقاء المأمون بالرضا (ع) و ما أراه الله عز و جل من القدرة في الاستجابة له و في إهلاك من أنكر دلالته في ذلك :

1-   حدثنا أبو الحسن محمد بن القاسم المفسر رضي الله عنه قال حدثنا يوسف

[168]

بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار عن أبويهما عن الحسن بن علي العسكري عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي (ع) أن الرضا علي بن موسى (ع) لما جعله المأمون ولي عهده احتبس المطر فجعل بعض حاشية المأمون و المتعصبين على الرضا يقولون انظروا لما جاءنا علي بن موسى (ع) و صار ولي عهدنا فحبس الله عنا المطر و اتصل ذلك بالمأمون فاشتد عليه فقال للرضا (ع) قد احتبس المطر فلو دعوت الله عز و جل أن يمطر الناس فقال الرضا (ع) نعم قال فمتى تفعل ذلك و كان ذلك يوم الجمعة قال يوم الإثنين فإن رسول الله (ص) أتاني البارحة في منامي و معه أمير المؤمنين علي (ع) و قال يا بني انتظر يوم الإثنين فابرز إلى الصحراء و استسق فإن الله تعالى سيسقيهم و أخبرهم بما يريك الله مما لا يعلمون من حالهم ليزداد علمهم بفضلك و مكانك من ربك عز و جل فلما كان يوم الإثنين غدا إلى الصحراء و خرج الخلائق ينظرون فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال اللهم يا رب أنت عظمت حقنا أهل البيت فتوسلوا بنا كما أمرت و أملوا فضلك و رحمتك و توقعوا إحسانك و نعمتك فاسقهم سقيا نافعا عاما غير رائث و لا ضائر و ليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم و مقارهم قال فو الذي بعث محمدا بالحق نبيا لقد نسجت الرياح في الهواء الغيوم و أرعدت و أبرقت و تحرك الناس كأنهم يريدون التنحي عن المطر فقال الرضا (ع) على رسلكم أيها الناس فليس هذا الغيم لكم إنما هو لأهل بلد كذا فمضت السحابة و عبرت ثم جاءت سحابة أخرى تشتمل على رعد و برق فتحركوا فقال على رسلكم فما هذه لكم إنما هي لأهل بلد كذا فما زالت حتى جاءت عشر سحابة و عبرت و يقول علي بن موسى الرضا (ع) في كل واحدة على رسلكم ليست هذه لكم إنما هي لأهل بلد كذا ثم أقبلت سحابة حادية عشر فقال أيها الناس هذه سحابة بعثها الله عز و جل لكم فاشكروا الله على تفضله عليكم و قوموا إلى مقاركم و منازلكم فإنها مسامة لكم

[169]

ولرءوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا إلى مقاركم ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله تعالى و جلاله و نزل على المنبر و انصرف الناس فما زالت السحابة ممسكة إلى أن قربوا من منازلهم ثم جاءت بوابل المطر فملئت الأودية و الحياض و الغدران و الفلوات فجعل الناس يقولون هنيئا لولد رسول الله (ص) كرامات الله عز و جل ثم برز إليهم الرضا (ع) و حضرت الجماعة الكثيرة منهم فقال يا أيها الناس اتقوا الله في نعم الله عليكم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه بل استديموها بطاعته و شكره على نعمه و أياديه و اعلموا أنكم لا تشكرون الله تعالى بشي‏ء بعد الإيمان بالله و بعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمد رسول الله (ص) أحب إليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم إلى جنان ربهم فإن من فعل ذلك كان من خاصة الله تبارك و تعالى و قد قال رسول الله (ص) في ذلك قولا ما ينبغي لقائل أن يزهد في فضل الله عليه فيه إن تأمله و عمل عليه قيل يا رسول الله هلك فلان يعمل من الذنوب كيت و كيت فقال رسول الله (ص) بل قد نجا و لا يختم الله عمله إلا بالحسنى و سيمحوا الله عنه السيئات و يبدلها من حسنات إنه كان يمر مرة في طريق عرض له مؤمن قد انكشفت عورته و هو لا يشعر فسترها عليه و لم يخبره بها مخافة أن يخجل ثم إن ذلك المؤمن عرفه في مهواه فقال له أجزل الله لك الثواب و أكرم لك المآب و لا ناقشك في الحساب فاستجاب الله له فيه فهذا العبد لا يختم الله له إلا بخير بدعاء ذلك المؤمن فاتصل قول رسول الله (ص) بهذا الرجل فتاب و أناب و أقبل على طاعة الله عز و جل فلم يأت عليه سبعة أيام حتى أغير على سرح المدينة فوجه رسول الله (ص) في أثرهم جماعة ذلك الرجل أحدهم فاستشهد فيهم قال الإمام محمد بن علي بن موسى (ع) و عظم الله تبارك و تعالى البركة في البلاد بدعاء الرضا (ع) و قد كان للمأمون من يريد أن يكون هو ولي عهده من دون الرضا (ع) و حساد كانوا بحضرة المأمون للرضا (ع) فقال

[170]

للمأمون بعض أولئك يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تكون تاريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم و الفخر العظيم من بيت ولد العباس إلى بيت ولد علي لقد أعنت على نفسك و أهلك جئت بهذا الساحر ولد السحرة و قد كان خاملا فأظهرته و متضعا فرفعته و منسيا فذكرت به و مستخفا فنوهت به قد ملأ الدنيا مخرقة و تشوقا بهذا المطر الوارد عند دعائه ما أخوفني أن يخرج هذا الرجل هذا الأمر عن ولد العباس إلى ولد علي بل ما أخوفني أن يتوصل بسحره إلى إزالة نعمتك و التواثب على مملكتك هل جنى أحد على نفسه و ملكه مثل جنايتك فقال المأمون قد كان هذا الرجل مستترا عنا يدعو إلى نفسه فأردنا أن نجعله ولي عهدنا ليكون دعاؤه لنا و ليعترف بالملك و الخلافة لنا و ليعتقد فيه المفتونون به إنه ليس مما ادعى في قليل و لا كثير و إن هذا الأمر لنا من دونه و قد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لا نسده و يأتي علينا منه ما لا نطيقه و الآن فإذ قد فعلنا به ما فعلناه و أخطأنا في أمره بما أخطأنا و أشرفنا من الهلاك بالتنويه به على ما أشرفنا فليس يجوز التهاون في أمره و لكنا نحتاج أن نضع منه قليلا قليلا حتى تصوره عند الرعايا بصورة من لا يستحق لهذا الأمر ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه قال الرجل يا أمير المؤمنين فولني مجادلته فإني أفحمه و أصحابه و أضع من قدره فلو لا هيبتك في نفسي لأنزلته منزلته و بينت للناس قصوره عما رشحته له قال المأمون ما شي‏ء أحب إلي من هذا قال فأجمع جماعة وجوه أهل مملكتك من القواد و القضاة و خيار الفقهاء لأبين نفضه بحضرتهم فيكون أخذا له عن محله الذي أحللته فيه على علم منهم بصواب فعلك قال فجمع الخلق الفاضلين من رعيته في مجلس و أسبع قعد فيه لهم و أقعد

[171]

الرضا (ع) بين يديه في مرتبته التي جعلها له فابتدأ هذا الحاجب المتضمن للوضع من الرضا (ع) و قال له إن الناس قد أكثروا عنك الحكايات و أسرفوا في وصفك بما أرى أنك إن وقفت عليه برئت إليهم منه قال و ذلك أنك قد دعوت الله في المطر المعتاد مجيئه فجاء فجعلوه آية معجزة لك أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في الدنيا و هذا أمير المؤمنين أدام الله ملكه و بقاءه لا يوازي بأحد إلا رجح به و قد أحلك المحل الذي قد عرفت فليس من حقه عليك أن تسوغ الكاذبين لك و عليه ما يتكذبونه فقال الرضا (ع) ما أدفع عباد الله عن التحدث بنعم الله علي و إن كنت لا أبغي أشرا و لا بطرا و أما ما ذكرك صاحبك الذي أحلني ما أحلني فما أحلني إلا المحل الذي أحله ملك مصر يوسف الصديق (ع) و كانت حالهما ما قد علمت فغضب الحاجب عند ذلك و قال يا ابن موسى لقد عدوت طورك و تجاوزك قدرك إن بعث الله بمطر مقدر وقته لا يتقدم و لا يتأخر جعلته آية تستطيل بها و صولة تصول بها كأنك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم (ع) لما أخذ رءوس الطير بيده و دعا أعضاءها التي كان فرقها على الجبال فأتينه سعيا و تركبن على الرءوس و خفقن و طرن بإذن الله تعالى فإن كنت صادقا فيما توهم فأحي هذين و سلطهما علي فإن ذلك يكون حينئذ آية معجزة فأما المطر المعتاد مجيئه فلست أنت أحق بأن يكون جاء بدعائك من غيرك الذي دعا كما دعوت و كان الحاجب أشار إلى أسدين مصورين على مسند المأمون الذي كان مستندا إليه و كانا متقابلين على المسند فغضب علي بن موسى (ع) و صاح بالصورتين دونكما الفاجر فافترساه و لا تبقيا له عينا و لا أثرا فوثبت الصورتان و قد عادتا أسدين فتناولا الحاجب و رضاه [و رضضاه ] و هشماه و أكلاه و لحسا دمه و القوم ينظرون متحيرين مما يبصرون فلما فرغا منه أقبلا على الرضا (ع) و قالا يا ولي الله في أرضه ما ذا تأمرنا نفعل بهذا أ نفعل به ما فعلنا بهذا يشيران إلى المأمون فغشي على المأمون مما سمع منهما فقال الرضا (ع) قفا فوقفا قال الرضا (ع) صبوا عليه ماء ورد و طيبوه ففعل ذلك به و عاد

[172]

الأسدان يقولان أ تأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه قال لا فإن لله عز و جل فيه تدبيرا هو ممضيه فقالا ما ذا تأمرنا قال عودا إلى مقركما كما كنتما فصارا إلى المسند و صارا صورتين كما كانتا فقال المأمون الحمد لله الذي كفاني شر حميد بن مهران يعني الرجل المفترس ثم قال للرضا (ع) يا ابن رسول الله هذا الأمر لجدكم رسول الله (ص) ثم لكم فلو شئت لنزلت عنه لك فقال الرضا (ع) لو شئت لما ناظرتك و لم أسألك فإن الله تعالى قد أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين إلا جهال بني آدم فإنهم و إن خسروا حظوظهم فلله عز و جل فيه تدبير و قد أمرني بترك الاعتراض عليك و إظهار ما أظهرته من العمل من تحت يدك كما أمر يوسف بالعمل من تحت يد فرعون مصر قال فما زال المأمون ضئيلا في نفسه إلى أن قضى في علي بن موسى الرضا (ع) ما قضى .

42-   باب ذكر ما أتاه المأمون من طرد الناس عن مجلس الرضا (ع) و الاستخفاف به و ما كان من دعائه (ع) :

1-   حدثنا علي بن عبد الله بن الوراق و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب و حمزة بن محمد بن أحمد العلوي و أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنهم قالوا أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي و حدثنا أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان رضي الله عنه عن أحمد بن إدريس عن إبراهيم بن هاشم عن عبد السلام بن صالح الهروي قال رفع إلى المأمون أن أبا الحسن علي بن موسى (ع) يعقد مجالس الكلام و الناس يفتتنون بعلمه فأمر محمد بن عمرو الطوسي حاجب المأمون فطرد الناس عن مجلسه و أحضره فلما نظر إليه المأمون زبره و استخف به فخرج أبو الحسن (ع) من عنده مغضبا و هو يدمدم بشفتيه و يقول و حق المصطفى و المرتضى و سيدة النساء لأستنزلن من حول الله عز و جل بدعائي عليه ما يكون سببا لطرد كلاب أهل هذه

[173]

الكورة إياه و استخفافهم به و بخاصته و عامته ثم إنه (ع) انصرف إلى مركزه و استحضر الميضاة و توضأ و صلى ركعتين و قنت في الثانية فقال اللهم يا ذا القدرة الجامعة و الرحمة الواسعة و المنن المتتابعة و الآلاء المتوالية و الأيادي الجميلة و المواهب الجزيلة يا من لا يوصف بتمثيل و لا يمثل بنظير و لا يغلب بظهير يا من خلق فرزق و ألهم فأنطق و ابتدع فشرع و علا فارتفع و قدر فأحسن و صور فأتقن و أجنح فأبلغ و أنعم فأسبغ و أعطى فأجزل يا من سما في العز ففات خواطف الأبصار و دنا في اللطف فجاز هواجس الأفكار يا من تفرد بالملك فلا ند له في ملكوت سلطانه و توحد بالكبرياء فلا ضد له في جبروت شأنه يا من حارت في كبرياء هيبته دقائق اللطائف الأوهام و حسرت دون إدراك عظمته خطائف أبصار الأنام يا عالم خطرات قلوب العارفين و شاهد لحظات أبصار الناظرين يا من عنت الوجوه لهيبته و خضعت الرقاب لجلالته و وجلت القلوب من خيفته و ارتعدت الفرائص من فرقه يا بدي‏ء يا بديع يا قوي يا منيع يا علي يا رفيع صل على من شرفت الصلاة بالصلاة عليه و انتقم لي ممن ظلمني و استخف بي و طرد الشيعة عن بابي و أذقه مرارة الذل و الهوان كما أذاقنيها و اجعله طريد الأرجاس و شريد الأنجاس قال أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي فما استتم مولاي دعاءه حتى وقعت الرجفة في المدينة و ارتج البلد و ارتفعت الزعقة و الصيحة و استفحلت النعرة و ثارت الغبرة و هاجت القاعة فلم أزايل مكاني إلى أن سلم مولاي (ع) فقال لي يا أبا الصلت اصعد السطح فإنك سترى امرأة بغية غثة رثة مهيجة الأشرار متسخة الأطمار يسميها أهل هذه الكورة سمانة لغباوتها و تهتكها و قد أسندت مكان الرمح إلى نحرها قصبا و قد شدت وقاية لها حمراء إلى طرفه مكان اللواء فهي تقود جيوش القاعة و تسوق عساكر الطغام إلى قصر المأمون و منازل قواده فصعدت السطح فلم أر إلا نفوسا تزعزع بالعصي و هامات

[174]

ترضخ بالأحجار و لقد رأيت المأمون متدرعا قد برز من قصر شاهجان متوجها للهرب فما شعرت إلا بشاجرد الحجام قد رمى من بعض أعالي السطوح بلبنة ثقيلة فضرب بها رأس المأمون فأسقطت بيضته بعد أن شقت جلد هامته فقال لقاذف اللبنة بعض من عرف المأمون ويلك هذا أمير المؤمنين فسمعت سمانة تقول اسكت لا أم لك ليس هذا يوم التميز و المحابات و لا يوم إنزال الناس على طبقاتهم فلو كان هذا أمير المؤمنين لما سلط ذكور الفجار على فروج الأبكار و طرد المأمون و جنوده أسوأ طرد أبعد إذلال و استخفاف شديد .

43-   باب ذكر ما أنشد الرضا (ع) المأمون من الشعر في الحلم و السكوت عن الجاهل و ترك عتاب الصديق و في استجلاب العدو حتى يكون صديقا و في كتمان السر :

1-   حدثنا محمد بن موسى المتوكل رضي الله عنه و محمد بن محمد بن عصام الكليني و أبو محمد الحسن بن أحمد المؤدب و علي بن عبد الوراق و علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنهم قالوا حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ره قال حدثنا علي بن إبراهيم العلوي الجواني عن موسى بن محمد المحاربي عن رجل ذكر اسمه عن أبي الحسن الرضا (ع) أن المأمون قال له هل رويت من الشعر شيئا فقال قد رويت منه الكثير فقال أنشدني أحسن ما رويته في الحلم فقال (ع) :

إذا كان دوني من بليت بجهله ** أبيت لنفسي أن تقابل بالجهل

‏و إن كان مثلي في محلي من النهى ** أخذت بحلمي كي أجل عن المثل

‏و إن كنت أدنى منه في الفضل و الحجى ** عرفت له حق التقدم و الفضل

فقال له المأمون ما أحسن هذا من قاله فقال بعض فتياننا قال فأنشدني أحسن ما رويته في السكوت عن الجاهل و ترك عتاب الصديق فقال (ع) :

إني ليهجرني الصديق تجنبا ** فأريه أن لهجره أسبابا

[175]

و أراه إن عاتبته أغربته ** فأرى له ترك العتاب عتابا

و إذا بليت بجاهل متحكم ** يجد المحال من الأمور صوابا

أوليته مني السكوت و ربما ** كان السكوت عن الجواب جوابا

فقال المأمون ما أحسن هذا هذا من قاله فقال لبعض فتياننا قال فأنشدني عن أحسن ما رويته في استجلاب العدو حتى يكون صديقا فقال (ع) :

و ذي غلة سالمة فقهرته ** فأوقرته مني لعفو التحمل‏

و من لا يدافع سيئات عدوه ** بإحسانه لم يأخذ الطول من عل

‏و لم أر في الأشياء أسرع مهلكا ** لغمر قديم من وداد معجل

فقال المأمون ما أحسن هذا هذا من قاله فقال (ع) بعض فتياننا قال فأنشدني أحسن ما رويته في كتمان السر فقال (ع) :

و إني لأنسى السر كي لا أذيعه ** فيا من رأى سرا يصان بأن ينسى

‏مخافة أن يجري ببالي ذكره ** فينبذه قلبي إلى ملتوى الحشا

فيوشك من لم يفش سرا و جال في ** خواطره أن لا يطيق له حبسا

فقال المأمون إذا أمرت أن يترب الكتاب كيف تقول قال ترب قال فمن السحا قال سح قال فمن الطين قال طن قال فقال المأمون يا غلام ترب هذا الكتاب و سحه و طنه و امض به إلى الفضل بن سهل و خذ لأبي الحسن (ع) ثلاثمائة ألف درهم .

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه كان سبيل ما يقبله الرضا (ع) من المأمون سبيل ما كان يقبله النبي (ص) من الملوك و سبيل ما كان يقبله الحسن بن علي (ع) من معاوية و سبيل ما كان يقبله الأئمة من آبائه (ع) من الخلفاء و من كانت الدنيا كلها له فغلب عليها ثم أعطي بعضها فجائز له أن يأخذه و مما أنشده الرضا (ع) و تمثل به .

2-   حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن سهل بن زياد الأدمي عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن عبد السلام بن صالح الهروي قال حدثني معمر بن خلاد و جماعة قالوا دخلنا

[176]

على الرضا (ع) فقال له بعضنا جعلنا الله فداك ما لي أراك متغير الوجه فقال (ع) إني بقيت ليلتي ساهرا متفكرا في قول مروان بن أبي حفصة :

أنى يكون و ليس ذاك بكائن ** لبني البنات وراثة الأعمام

ثم نمت فإذا أنا بقائل قد أخذ بعضادة الباب و هو يقول :

أنى يكون و ليس ذاك بكائن ** للمشركين دعائم الإسلام

‏لبني البنات نصيبهم من جدهم ** و العم متروك بغير سهام

‏ما للطليق و للتراث و إنما ** سجد الطليق مخافة الصمصام

‏قد كان أخبرك القرآن بفضله ** فمضى القضاء به من الحكام

‏إن ابن فاطمة المنوه باسمه ** حاز الوراثة عن بني الأعمام

‏و بقي ابن نثلة واقفا مترددا ** يبكي و يسعده ذوو الأرحام

3-   حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن عبد الله بن المغيرة قال سمعت أبا الحسن الرضا (ع) يقول :

إنك في دار لها مدة ** يقبل فيها عمل العامل

‏أ لا ترى الموت محيطا بها ** يكذب فيها أمل الآمل

‏تعجل الذنب لما تشتهي ** و تأمل التوبة في قابل‏

و الموت يأتي أهله بغتة ** ما ذاك فعل الحازم العاقل

4-   حدثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري قال أخبرني أبو بكر أحمد بن محمد بن الفضل المعروف بابن الخباز سنة أربع عشرة و ثلاثمائة قال حدثنا إبراهيم بن أحمد الكاتب قال حدثنا أحمد بن الحسين كاتب أبي الفياض عن أبيه قال حضرنا مجلس علي بن موسى (ع) فشكا رجل أخاه فأنشأ يقول :

أعذر أخاك على ذنوبه ** و استر و غط على عيوبه

‏و اصبر على بهت السفيه ** و للزمان على خطوبه

[177]

و دع الجواب تفضلا ** و كل الظلوم إلى حسيبه

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الريان بن الصلت قال أنشدني الرضا (ع) لعبد المطلب :

يعيب الناس كلهم زمانا ** و ما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا و العيب فينا ** و لو نطق الزمان بنا هجانا

و إن الذئب يترك لحم ذئب ** و يأكل بعضنا بعضا عيانا

لبسنا للخداع مسوك طيب ** و ويل للغريب إذا أتانا

حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه الله قال حدثنا أبو سعيد الحسين بن علي العدوي قال حدثنا الهيثم بن عبد الله الرماني قال حدثنا علي بن موسى الرضا (ع) عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن علي بن الحسين عن أبيه (ع) قال كان أمير المؤمنين (ع) يقول :

خلقت الخلائق في قدرة ** فمنهم سخي و منهم بخيل

‏فأما السخي ففي راحة ** و أما البخيل فشوم طويل

حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عباد قال حدثني عمي قال سمعت الرضا (ع) يوما ينشد و قليلا ما كان ينشد شعرا :

كلنا نأمل مدا في الأجل ** و المنايا هن آفات الأمل‏

لا تغرنك أباطيل المنى ** و الزم القصد و دع عنك العلل

‏إنما الدنيا كظل زائل ** حل فيه راكب ثم رحل

فقلت لمن هذا أعز الله الأمير فقال لعراقي لكم قلت أنشدنيه أبو العتاهية لنفسه فقال هات اسمه و دع عنك هذا إن الله سبحانه و تعالى يقول وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ

[178]

و لعل الرجل يكره هذا .

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه قال حدثني إبراهيم بن محمد الحسني قال بعث المأمون إلى أبي الحسن الرضا (ع) جارية فلما أدخلت إليه اشمأزت من الشيب فلما رأى كراهيتها ردها إلى المأمون و كتب إليه بهذا الأبيات شعرا :

نعى نفسي إلى نفسي المشيب ** و عند الشيب يتعظ اللبيب

‏فقد ولى الشباب إلى مداه ** فلست أرى مواضعه يئوب

‏سأبكيه و أندبه طويلا ** و أدعوه إلي عسى يجيب

‏و هيهات الذي قد فات عني ** تمنيني به النفس الكذوب‏

و راع الغانيات بياض رأسي ** و من مد البقاء له يشيب

‏أرى البيض الحسان يجدف عني ** و في هجرانهن لنا نصيب

‏فإن يكن الشباب مضى حبيبا ** فإن الشيب أيضا لي حبيب

‏سأصحبه بتقوى الله حتى ** يفرق بيننا الأجل القريب

حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا أبو ذكوان قال حدثنا إبراهيم بن العباس قال كان الرضا (ع) ينشد كثيرا :

إذا كنت في خير فلا تغترر به ** و لكن قل اللهم سلم و تمم

44-  باب في ذكر أخلاق الرضا (ع) الكريمة و وصف عبادته :

1-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي بنيسابور سنة اثنتين و خمسين و ثلاثمائة قال حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا عون بن محمد عن أبي عباد قال كان جلوس الرضا (ع) في الصيف على حصير و في الشتاء على مسح و لبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم .

[179]

2 -   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا جبلة بن محمد الكوفي قال حدثنا عيسى بن حماد بن عيسى عن أبيه عن الرضا (ع) عن أبيه (ع) أن جعفر بن محمد (ع) كان يقول إن الرجل ليسألني الحاجة فأبادر بقضائها مخافة أن يستغني عنها فلا يجد لها موقعا إذا جاءته .

3-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال حدثتني جدتي أم أبي و اسمها عذر قالت اشتريت مع عدة جوار من الكوفة و كنت من مولداتها قالت فحملنا إلى المأمون فكنا في داره في جنة من الأكل و الشرب و الطيب و كثرة الدنانير فوهبني المأمون للرضا (ع) فلما صرت في داره فقدت جميع ما كنت فيه من النعيم و كانت علينا قيمة تنبهنا من الليل و تأخذنا بالصلاة و كان ذلك من أشد شي‏ء علينا فكنت أتمنى الخروج من داره إلى أن وهبني لجدك عبد الله بن العباس فلما صرت إلى منزله كنت كأني قد أدخلت الجنة قال الصولي و ما رأيت امرأة قط أتم من جدتي هذه عقلا و لا أسخى كفا و توفيت سنة سبعين و مائتين و لها نحو مائة سنة و كانت تسأل عن أمر الرضا (ع) كثيرا فتقول ما أذكر منه شيئا إلا أني كنت أراه يتبخر بالعود الهندي السنى و يستعمل بعده ماء ورد و مسكا و كان (ع) إذا صلى الغداة و كان يصليها في أول وقت ثم يسجد فلا يرفع رأسه إلى أن ترتفع الشمس ثم يقوم فيجلس للناس أو يركب و لم يكن أحد يقدر أن يرفع صوته في داره كانت ما كان إنما يتكلم الناس قليلا قليلا و كان جدي عبد الله يتبرك بجدتي هذه فدبرها يوم وهبت له فدخل عليه خاله العباس بن الأخنف الحنفي الشاعر فأعجبته فقال لجدي هب لي هذه الجارية قال هي مدبرة فقال العباس بن الأخنف :

أيا غدر زين باسمك الغدر ** و أساء لا يحسن بك الدهر

[180]

4-   حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا أبو ذكوان قال سمعت إبراهيم بن العباس يقول ما رأيت الرضا (ع) يسأل عن شي‏ء قط إلا علم و لا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأول إلى وقته و عصره و كان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شي‏ء فيجيب فيه و كان كلامه كله و جوابه و تمثله انتزاعات من القرآن و كان يختمه في كل ثلاثة و يقول لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة تختمت و لكني ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها و في أي شي‏ء أنزلت و في أي وقت فلذلك صرت أختم في كل ثلاثة أيام و من كلامه (ع) المشهور قوله الصغائر من الذنوب طرق إلى الكبائر و من لم يخف الله في القليل لم تخفه في الكثير و لو لم يخوف الله الناس بجنة و نار لكان الواجب أن يطيعوه و لا يعصوه لتفضله عليهم و إحسانه إليهم و ما بدأهم به من إنعامه الذي ما استحقوه .

back page fehrest page next page