قال المنصور للرجل: احلف بما استحلفك به أبو عبد اللّه.
قال راوي الخبر: فحلف الرجل. فلم يتم الكلام حتى خر ميتا. فارتعدت فرائص المنصور. وقال للصادق: سر من عندي إلى حرم جدك إن اخترت ذلك. وإن اخترت المقام عندنا لم نأل جهدا في إكرامك. فو اللّه لا قبلت بعدها قول أحد أبداً.
وأين يذهب الفقه من إمام المسلمين، وهو الذي يوجه اليمين، ومن حقه صياغتها وفي الصيغة ما ذكر المفتري بعظم افترائه، وبالخالق سبحانه (ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا). ومن الإنساني، ومن جلال مقام الإمام عند اللّه والناس، أن يخر صريعا من يفتري على اللّه وعلى الإمام، في مجلس الخليفة.
بهذه الآية هدى جبار السموات جباراً على الأرض لا يطأطئ رأسه. فإذا حركها عندما يناوشه الذباب سأل حضاره كالمستنكر: لم خلق اللّه الذباب. وكان الصادق حاضراً يوما فأجاب: ليذل اللّه به الجبابرة.
ولئن كان في وجود الذباب في المجلس تذكرة للجبابرة، ففي سقوط المفتري على الإمام بين أيديهم آية ما بعدها آية.
وكما يضمن أبو جعفر طاعة الإمام بالبغتات يصطعنها من حين لآخر، لا يتورع عن محاولة إفحام الإمام، بين علماء العصر، أو تسخير أعظم علماء العراق، لينصب منه شركاء يوقع فيه الإمام وليس هوى أبي جعفر مع أي منهما. ولا بأس عنده إذا أعجز كل منهما، أو أحدهما، صاحبه.
وإن المرء ليلمس خساسة الحيل الظاهرة من أبي جعفر، باتخاذ العلم والفقه أداة للشر المدبر، وعظماء العلماء وسائل للإساءة للمسالمين الذين يأمن جانبهم. فلنقس عليها فظاعة تدابيره السرية لمن يخشى العواقب منهم، ولندرك جلالة الحق إذ ينتصر على الحيلة، وجلجلة الحقيقة إذ تظهرها وسيلة أريد بها طمس معالمها، ومكانة الإمام الصادق في العلم إذ يتواضع أمامه العظماء من الفقهاء، في مجلس علمي يسيطر عليه خليفة عالم: