أقدم المنصور الإمام الصادق من المدينة إلى العراق وبعث إلى أبي حنيفة فقال له: إن الناس قد افتتنوا بجعفر. فهيئ له المسائل الشداد.
ويقول أبو حنيفة عن لقائه بعد ذلك (بعث إلي أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته. فدخلت عليه وجعفر بن محمد جالس عن يمينه. فلما أبصرت به دخلتني من الهيبة لجعفر بن محمد الصادق ما لم يدخلني لأبي جعفر فسلمت عليه، فأومأ إلى فجلست. ثم التفت إليه فقال: يا أبا عبد اللّه هذا أبو حنيفة. قال جعفر: إنه قد أتانا. ثم التفت إلي المنصور وقال: يا أبا حنيفة ألق على أبي عبد اللّه (الصادق) مسائلك. فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا. وأهل المدينة يقولون كذا. ونحن نقول كذا. فربما تابعهم. وربما خالفنا جميعا. حتى أتيت على أربعين مسألة). .
ولقد قال أبو حنيفة في مقام آخر (ألسنا روينا أن أعلم للناس أعلمهم باختلاف الناس).
وإنما يقصد أبو حنيفة باختلاف الناس الاجتهاد الفقهي للمقارنة بين مذاهب المجتهدين فأبو حنيفة - وهو الإمام الأعظم عند أهل السنة - يقرر أن الإمام الصادق أعلم الناس باختلاف الناس في المدينة حيث علم المحدثين، وفي الكوفة حيث علم أهل الرأي. وكانتا قد بلغتا أوجهما، على أيدي أبي حنيفة ومالك. وهما التلميذان في مجالس الإمام الصادق. وكمثلهما كان إمام العراق الآخر سفيان الثوري.
وأبو حنيفة أكبر سنا من جعفر الصادق. ولد قبله بأعوام وسيموت بعده. وكان أبو حنيفة كما قال مالك لو حدثك أن السارية من ذهب لقام بحجته.
والجاحظ كبير النقدة يقول بعد مائة عام (جعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه ويقال إن أبا حنيفة من تلاميذه وكذلك سفيان الثوري. وحسبك بهما في هذا الباب).
والجاحظ يذكر تلاميذ العراق. ولو ذكر تلاميذ المدينة لما نسي مالك بن أنس.