غاضبت دمشق العراق والحجاز أيام صيرها معاوية حاضرة بني أمية. وتابعته على ذلك دولة بني مروان. لكن المدينة بلدة طيبة وشعب كريم. وثب أهلها بالأمويين بعد كربلاء ثم تركوهم يجلون عنها، على موثق من أهلها، ألا يدلوا جند يزيد على عوراتها. وجلا الأمويون إلى الشام إلا زوج مروان بن الحكم، عائشة بنت عثمان بن عفان، توجهت إلى الطائف في حماية «علي زين العابدين».
والمدينة واحة في قفر، والرزق نزر في الصحاري الساخنة، إلا ما يرد إلى الناس من تجارة أو عطاء، متقطع كسحائب الصحراء، يجري، ويجف، حسب الشهوات، في دمشق. وأهل البيت تجيئهم حقوقهم في بيت المال أو لا تجيء، لكنهم ينفقون المال خفية وعلانية - ولو كان بهم خصاصة - فعلي زين العابدين مصدر من مصادر الرزق المجهولة للناس، لا يعرف إلا بعد أن يموت، فيتفقد الناس المصدر فيعرفونه. وكذلك أبناؤه، يتزعمهم الباقر. وهو القائل: إن استطعت ألا تقابل أحدا إلا ولك الفضل عليه فافعل.
أما ابن عمهم عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب فكان وثيق العرى بالخلفاء. سأله يزيد بن معاوية يوما كم عطاؤك؟ قال ألف ألف درهم. قال يزيد: قد أضعفناها لك. قال ابن جعفر. فداك أبي وأمي. وما قلتها لأحد قبلك. فضاعف يزيد عطاءه مرة ثانية.
ولما خرج عبد اللّه من المجلس، قال جلساء يزيد: تعطي رجلا واحدا اربعة آلاف ألف درهم قال: ويحكم إني أعطيتها أهل المدينة أجمعين. فما يده فيها إلا عارية.
والحق أن الفقراء كان لهم في أمواله حق معلوم، فكانوا يستدينون في انتظار ورود عطاء عبد اللّه بن جعفر من العاصمة.