وتجلت فيه الفضائل المنبثقة من الورع والرحمة: يصلي للّه في اليوم والليلة ألف ركعة. ولهذا سمي «السجاد». إذا توضأ اصفر لونه وإذا قام أرعد من الفرق. ولما سألوه قال: أتدرون من أريد أن أقف بين يديه ومن أناجي ؟
ومع تألق عبد اللّه بن جعفر بالمدينة، وهو الصحابي الذي يحرص الخلفاء في دمشق على مرضاته، وتفريق عبد اللّه عطاءه الجزل في فقراء المدينة، واستشهاد ابنين له يوم الحرة، وثالث في كربلاء، ومع أنه زوج بنت علي، عمة زين العابدين، مع هذا كله كان زين العابدين يحتل مكانه في الصدارة، ويحمل وصفه بجدارة.
وفي ذلك نص يروى عن مالك بن أنس قال: (سمي زين العابدين لعبادته).
علمته المحنة والورع الحكمة وحسن الخطاب، فكان في باكورة حياته على علم عظم. قال له يزيد يوم أدخل عليه - مريضا - مع نساء أهل البيت الناجيات من كربلاء - أبوك الذي قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني فصنع اللّه به ما قد رأيت. قال زين العابدين (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها)
قال يزيد: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم).
قال زين العابدين: (هذا في حق من ظلم لا من ظلم(1)).
تتابع على الكذب ولاة الشام والأمصار من عهد معاوية يشتمون
(1) ولما جيء بزين العابدين في أسرى كربلاء أقيم على درج دمشق. فقال له رجل من أهل الشام: الحمد للّه الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة. قال زين العابدين: قرأت القرآن؟ قال الرجل: نعم. قال: قرأت الـ حم؟ قال الرجل نعم. قال: أما قرأت (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) قال الرجل: فإنكم إياهم؟ قال نعم. ويقصد الإمام الآية 23 من سورة الشورى (ذلك الذي يبشر اللّه عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات. قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن اللّه غفور شكور) وأول آيات سورة الشورى (حم).