وحج هشام بن عبد الملك في أيام ملكه(105 - 125) فرأى الباقر بالمسجد يعلم الناس في مهابة وجلال، تعاليم الإسلام وآدابه وفرائضه وأحكامه والناس خشع في مجلسه. وغلبت هشاما غريزة المعاجزة لأهل البيت. فبعث إليه من يسأله: ما طعام الناس وشرابهم يوم المحشر؟ وأجابه الباقر بآيات الكتاب الكريم. واستطرد في تعليمه وتعليم من أرسله.
وسمعه الحجيج - عامئذ - يقول للناس (الحمد للّه الذي بعث محمدا بالحق نبياً . وأكرمنا به. فنحن صفوة الناس من خلقه وخيرته من عباده وخلفائه. فالسعيد من تبعنا. والشقي من عادانا).
ورجع هشام إلى عاصمته فأرسل في دعوة الباقر، وابنه الصادق، إلى قصبة الملك في دمشق.
يقول الصادق: (فلما وردنا دمشق حجبنا ثلاثا. ثم أدخلنا في اليوم الرابع) وكأنما أراد هشام أن يظهرهما على أنه إذا لم تكن له مكانة في جوار البيت العتيق ومسجد الرسول أو كانت الكرامة كلها، في الحج الأكبر، لأهل البيت، فإن له بيتا في دمشق وحجابا ومواعيد.
والباقر، كالأئمة من أبنائه، يفضلون عليا على سائر الصحابة. لكنهم لا يبرءون من الشيخين:
يقول لجابر الجعفي (يا جابر بلغني أن قوما بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا ويتناولون أبا بكر وعمر رضي اللّه عنهما. ويزعمون أني أمرتهم بذلك. فأبلغهم أني إلى اللّه منهم بريء. والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت إلى اللّه بدمائهم. لا نالتني شفاعة محمد أبداً إن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما).
وهو لا يترحم عليهما فحسب. ولكنه يأمر تلميذه بأن يتولاهما. وأن يبرأ من أعدائهما. يقول لتلميذه سالم (يا سالم. تولهما. وابرأ من عدوهما. فإنهما كانا إمامي هدى رضي اللّه عنهما). بل إنه يتخذ عمل أبي بكر حجة