القرآن لا يقدر عليه الا البلغاء(1).
ومن القرآن ينبثق فقه الإمام في كل باب:
- يسأله سائل عن قوله تعالى (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا. ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) فيجيب: من أخرجها من هدى إلى ضلال فقد - واللّه - قتلها.
- ويجيئه زنديق يسأله عن تفسير قوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع. فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) وقوله تعالى في آخر السورة (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل) فيفحم الإمام الزنديق فيقول: «أما قوله فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة فإنما عنى النفقة. وأما قوله ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء و لو حرصتم فإنما عنى المودة . فإنه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودة).
- ويقول عن الرزق الذي يحض اللّه على الإنفاق منه (و مما رزقناهم ينفقون) فيفسرها «ومما علمناهم يبثون» فالعلم رزق. وإذاعته إنفاق واجب.
- ومن تعبيره عن حجية القرآن أبدا يسأله السائل: لم صار الشعر والخطب يمل ما أعيد منهما والقرآن لا يمل؟ فيجيب:) لأن القرآن حجة على أهل العصر الثاني كما هو حجة على أهل العصر الأول. فكل طائفة تراه عصرا جديدا. ولأن كل امرئ في نفسه، متى أعاده وفكر فيه، تلقى منه في كل مدة علوما غضة. وليس هذا كله في الشعر والخطب)(2).
(1) في القرآن مجاز كثير مثل عرض الأمانة على السموات والأرض، يفسرها بعض العلماء أنها الطاعة. ومثل يد اللّه فوق أيديهم يفسرها البعض بأنها القدرة - و هؤلاء المخرجون يبدأون من أن (اللّه ليس كمثله شيء) والآخذون بالتأويل يبدأون من ذلك المبدأ ثم يؤولون الآيات المتشابهة على أساس الآيات المحكمة. كقوله تعالى (إلى ربها ناظرة) يفسرونها على أساس قوله (لا تدركه الأبصار) فيكون المقصود الرضى عنها.
وللمؤولين تفاسير كثيرة ألقى كثير منها في غياهب الإهمال وبخاصة تفاسير المعتزلة، بقى منها الكشاف للزمخشري الفقيه الحنفي، وللبلاغة العربية فيه أعظم مكان . .
(2) يروي الشاطبي - في كتابه الاعتصام - ما يوضح حاجة العصور كافة لهدى القرآن: رووا للأوزاعي(157) قول أحد الصحابة بعد موت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بزمان: (لو خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما عرف شيئاً مما كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة) فقال الأوزاعي: فكيف لو كان اليوم؟ كان ذلك في منتصف القرن الثاني للهجرة وفيه تابعو التابعين - فكيف الأمر فيما تلاه من قرون وقرون