والمسلمون يرفعون أبا حنيفة إلى مكانته العليا بين كبار المجادلين من أهل الإسلام، ولا يجدونه ساكتا في يوم من الأيام، كهيئة ما كان في ذلك المقام.
فأما تفسير القرآن بما ينفي البخل عن المعطي جل شأنه فحجة الصادق فيه لا راد لها. واما حجاجه بعدم طاعة أهل الكوفة فظاهر لأبي حنيفة، إمام الكوفة في الفقه والأدب الديني والاجتماعي، الذي دخل وجلس وتكلم، دون أن يطيع، ثلاث مرات.
اما أسئلته عن القياس فقد وضعت القياس موضع التهمة. ولم يحر أبو حنيفة جوابا، وهو المقتدر. ولو سأل الصادق أبا حنيفة عن حكمة كل حكم لأجاب وأضاف: أن كل ذلك ليس يمنع القياس عنده. وربما كان أبو حنيفة يومذاك كهيئته يوم سكت عن الرد بأن الظبي لا تكون له رباعية، مخافة أن يظن به ظان أنه يريد ردا على الإمام، في حين أنه قد جاء إلى مجلسه ليتعلم. أو إجلالا منه لمقام الإمام وهو بين يديه. فذلك أدب الأئمة الذي جعل الشافعي وهو يصلي عند قبر أبي حنيفة لا يرفع يديه ويقول : (أدباً مع هذا الإمام أن أظهر خلافه بحضرته).
طعم أبو حنيفة يوما مع الإمام الصادق - فرفع الإمام يده حمدا للّه ثم قال: اللهم هذا منك ومن رسولك. قال أبو حنيفة: يا أبا عبد اللّه أجعلت مع الله شريكا؟ قال الإمام: إن اللّه يقول في كتابه (وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله) فقال أبو حنيفة « لكأني ما قرأتها قط في كتاب ولا سمعتها إلا في هذا الموقف.