ومن كثرة ما عمل للخفاء، صار دربا على معاملة الأمراء: سأله الحجاج كم عطاءك قال ألفين: فاستدرك الحجاج وقال: ويحك كم عطاؤك؟ قال ألفان. قال لم لحنت؟ قال: لما لحن الأمير لحنت. ولما عرب أعربت..
وسمعنا الحسن البصري(110) الجسور، أذ يروي عن علي، يقول: «قال أبو زينب» - ولما سأله ابن عياش (ما هذا الذي يقال عنك إنك قلته في علي؟) أجاب (يا ابن أخي أحقن دمي من هؤلاء الجبابرة لولا ذلك لسالت بي أعشب) .
ولما تقطعت بين الشيعة وغيرهم الأسباب، اضمحلت، أو قلت، المشاركة العلمية، وصار هنالك عالمان فقيهان متقاطعان.
ولم يكن غريبا في هذه القطيعة أن تقل رواية أهل السنة عن أهل البيت. أو أن نرى مالك بن أنس - في المدينة ذاتها - يسال عن سبب ندرة الرواية منه عن علي وابن عباس فيجيب: لم يكونا ببلدي. (يقصد أن عليا كان بالكوفة وابن عباس بمكة) . أو نراه يقتصر، فيما يرويه عن الإمام الصادق، على أحاديث قليلة جداً في الموطأ، وفيه نحو من ألف حديث(1)
ولما قال البخاري بعد أكثر من مائة عام من قيام الدولة العباسية - عن صحيحه (ما وضعت فيه إلا الصحيح. وما تركت من الصحيح أكثر)،
(1) من أدلة وحدة العلم أو التقارب فيه حديث، من هذه القلة، هو حديث اليمين مع الشاهد وهي مسألة أريق فيها مداد كثير لفقهاء أهل السنة . جاء في الموطأ رواية محمد بن الحسن:
(أخبرنا مالك أخبرنا جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى باليمين مع الشاهد) .
قال محمد بن الحسن - ذكر ذلك ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال سألته عن اليمين مع الشاهد فقال بدعة. وأول من قضى فيها معاوية. - وابن أبي شهاب أعلم عند أهل المدينة بالحديث من غيره. وكذلك ذكر ابن جريج عن عطاء بن ابي رباح قال: (كان القضاء الأول : لا يقبل إلا شاهدان وأول من قضى باليمين مع الشاهد عبد الملك بن مروان..).
وهذا الحديث وارد في سنن الترمذي وابن ماجه ورواه عن ابن عباس مسلم وأبو داود والنسائي ومسند أحمد. والصحاح الخمسة تذكره موصولا- وتعمل به المدينة ومكة، وقد ذكر ابن الجوزي أن رواة الحديث يزيدون عن عشرين صحابيا.
والمذاهب الثلاثة تعمل به . وأبو حنيفة لا يعمل به.