الغير، وإهدار لحريتها وقدرتها، وتلك عبادة لغير اللّه. وليس بعد ذلك كفر.
وليس أبلغ من هذه العبارات في الدعوة للحرية الفكرية والحث على الاجتهاد واستعمال العقل.
يقول الشافعي عن مكانة علي في علوم الإسلام (كان علي كرم اللّه وجهه قد خص بعلم القرآن والفقه لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم دعا له. وأمره أن يقضي بين الناس. وكانت قضاياه ترفع إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فيمضيها).
ولقد آلى على نفسه بعد الفراغ من تجهيز الرسول صلى اللّه عليه وعلى آله ألا يرتدي إلا للصلاة أو يجمع القرآن - كما أسلفنا - فجمعه مهتما بأمور « أصولية » في الشريعة وفقهها تتعلق بالمحكم والمتشابه، أي بما لا يحتمل الاجتهاد وما يحتمله، وبالنصوص التي نسخت والتي هي واجبة التطبيق، وبالمطلق منها والذي يحتمل التخصيص، والعزائم والرخص، وبالفروض والمندوبات، وفيها المحرم والمكروه، وما هو تهذيب للأمة من فضائل وآداب(1). وفي نهج البلاغة » طائفة من أصول الفقه التي ينبه عليها أمير المؤمنين رضي اللّه عنه
(1) بهذا كان علي إمام المفسرين.
قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: ألمن قتل مؤمنا متعمدا توبة؟ قال لا. فتلوت عليه الآية التي في «الفرقان». قال: هذه مكية نسختها آية مدنية (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا).
ورووا أن ابن عباس ناظر عليا في الآية. فقال علي: من أين لك أنها محكمة؟ قال (تكاثف الوعيد). قال علي: إن اللّه نسخها بآيتين آية قبلها وآية بعدها في النظم. الأولى قوله تعالى (إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. ومن يشرك باللّه فقد افترى إثما عظيما) وأما التي بعدها في النظم فهي قوله تعالى (إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ومن يشرك باللّه فقد ضل ضلالا بعيدا) و المفسرون يضيفون إلى الآيات قوله تعالى (والذين لا يدعون مع اللّه إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم اللّه إلا بالحق) إلى قوله تعالى (ويخلد فيه مهانا) ثم استثنى بقوله (إلا من تاب وآمن وعمل صالحا).
لكم صدق ابن عباس حينما سئل عن علمه وعلم ابن عمه (علي) فقال: كالقطرة إلى جوار البحر المحيط.