الإمام جعفر الصادق

معهم، ذلك الدرس العظيم: أن العمل والحرية صنوان. وأن كلا منهما وسيلة للآخر.
أرسل النبي صلى اللّه عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى خليسة مولاة سلمان الفارسي، وكانت قد اشترته بثلثمائة درهم من أعراب حملوه إلى يثرب. ومكث معها ستة عشر شهرا حتى قدم النبي يثرب. فسميت المدينة. فأتاه سلمان فأرسل النبي عليا إلى خليسة، بعد إذ أسلمت، لتعتق سلمان. قالت: قل للنبي إن شئت أعتقته، وإن شئت أعتقته، وإن شئت فهو لك، قال صلى اللّه عليه وسلم: «أعتقيه أنت» فأعتقته. فغرس لها رسول اللّه ثلثمائة فسيلة.
وكان عليه الصلاة والسلام يقول: (سلمان منا أهل البيت)(1).
ومع أن الإمام الصادق يرى إنفاق المال في البر تجارة مربحة فيقول


(1) أضافه النبي إلى أهل البيت فصلا من النبي في تنازع المهاجرين والأنصار عليه إذ كان كل من الفريقين يريده واحدا منهم.
وكان سلمان في انتسابه لأهل البيت حيث أراد صاحبه صلى اللّه عليه وسلم. فهو صاحب الرأي بحفر الخندق في يوم غزوة الخندق (الأحزاب) وعلي هو الذي قتل عمرو بن عبدود فارس العرب يوم ذاك - فلأهل البيت في هذه المعركة القدح المعلى.
وكان حكيما. إذا خلا به رسول اللّه لم يبغ أحدا غيره. عينه عمر أميراً على المدائن عاصمة فارس فكان يوزع عطاءه على الناس (خمسة آلاف درهم) ويعمل الخوص بيده ويبيعه بثلاثة دراهم ينفق واحدا ويتصدق بواحد ويشتري خوصا جديداً بواحد. وذات يوم دخلوا عليه دار الإمارة فوجدوه يعجن بيده. قال: بعثنا الخادم في عمل فكرهنا أن نجمع عليه عملين.
رآه رجل قادما من الشام فحسبه من ضخامة جسمه حمالا. فأعطاه حملا وقال اتبعني. فحمله وتبعه. ورآه الناس فتسارعوا يحملون حمل الأمير قال: لا . فرجاه الرجل، إذ أدرك مقامه، فأبى وقال: لا حتى أبلغ منزلك. وثمة وضع الحمل في مكانه وقال (أني احتسبت بما صنعت خصالا ثلاثة: أني نفيت عني الكبر. وأعنت رجلا من المسلمين على حاجته. وإن لم تسخرني سخرت من هو أضعف مني فوقيته بنفسي).
فهو يحمل الحمل عن رجل ضعيف. ولا يخزى صاحب الحمل بتعريف نفسه. وينفي عنها الكبر وهو أمير فارس لكنه يحفظ وصية صاحبه صلى اللّه عليه وسلم فيقول (أوصاني خليلي ألا يكون متاعي من الدنيا إلا كزاد الركب).
وحسبه قول أمير المؤمنين علي عنه (من لكم بمثل لقمان الحكيم).

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة