الإمام جعفر الصادق

كالذين درسوه والذين صدقوا فيه ، يفهمون المرارة في قول أمير المؤمنين (نزلني الدهر حتى قيل علي ومعاوية).
رضي اللّه عن أمير المؤمنين و أرضاه . فما كان ذلك ليقع إلا في آخر الزمان الذي قدره اللّه للخلفاء الراشدين(1)، وفي آخر الأيام التي قدرها اللّه لحياته
لقد طعنه عبد الرحمن بن ملجم في السابع عشر من رمضان سنة 40، باتفاق بينه وبين زميلين من «الخوارج» أن يقتلوا عليا ومعاوية وعمراً. فأصيب معاوية في عجزه. ولم يصب عمرو إذ لم يخرج للصلاة وأناب نائبا عنه فقتل.


(1) أما أهل السنة فيمثل رأيهم إمام أهل السنة أحمد بن حنبل إذ سئل من الخلفاء؟ وأجاب، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي اللّه عنهم. قال: السائل فمعاوية ؟ قال أحمد (لم يكن أحد أحق بالخلافة في زمن علي من علي. ورحم اللّه معاوية). ولما ذكر عنده سير عائشة مع طلحة والزبير قال: فكرت في طلحة والزبير، أهما كانا يريدان أعدل من علي بن أبي طالب ؟ رضوان اللّه عليهم أجمعين - وجاءه يوما جماعة فأكثروا القول وأطالوه في خلافة علي فرفع إليهم رأسه وقال: إن الخلافة لم تزين عليا ولكن عليا زينها.
ومثل الشافعي رأي المسلمين عندما قال رجل (ما نفر الناس من علي إلا لأنه كان لا يبالي بأحد) فبهته الشافعي بقوله (كان له أربع خصال لا تكون واحدة منها لإنسان إلا ويحق به ألا يبالي بأحد: أنه كان زاهدا. والزاهد لا يبالي بالدنيا وأهلها. وكان عالما. والعالم لا يبالي بأحد. وكان شجاعا. والشجاع لا يبالي بأحد. وكان شريفا. والشريف لا يبالي بأحد).
وأما الخوارج على جيشه فكانوا ثمانية آلاف دعاهم ليزيل شبهتهم. فأبوا أن يجيئوه إلا أن يقر بالكفر على نفسه ثم يتوب، فحاربهم ونصره اللّه عليهم. ثم حاربوا الأمويين والعباسيين. ومع تكفيرهم الكثيرين من جمهور المسلمين بدعوى التهاون في الدين فالمسلمون لا يكفرونهم لأنهم متأولون. وأمير المؤمنين علي يعلم المسلمين ذلك بقوله عنهم: «إخواننا بغوا علينا».
وفقه علي في معاملة العدو وفي الحرب عنوان على علم الإمام وحلمه. فهما من علم النبي وحلمه.
إذا كانت هند بنت عتبة (أم معاوية) مثلت بجثة أسد الإسلام حمزة يوم أحد، وقال النبي يومذاك (ما وقفت موقفاً قط أغيظ لي من هذا) فلما جاءه يوم فتح مكة « وحشي » قاتل حمزة اكتفى بقوله (ويحك غيب عني وجهك). وقال يومذاك لهند بنت عتبة، آكلة الأكباد، (مرحبا بك). وقال للأعداء (أنتم الطلقاء)، فلقد صنع علي صنيعه «يوم الجمل» عند ما ظفر بابن الزبير فاكتفى بأن قال له (لا أرينك بعد اليوم) وظفر بسعيد بن العاص فأعرض عنه. وظفر بأهل البصرة فصفح الصفح الجميل.

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة