أمر معاوية بالرجل فقتل. وأمر عمرو برجله فقتل. لكن أمير المؤمنين أمر باستبقاء قاتله قائلا - وهو الطعين المشرف - إنه إذا عاش فهو ولي دمه. وإذا مات فإنه ينهى عن المثلة. ليعلم الناس الدين، كمثل ما علم العالم جميعه «قوانين الحرب والسلام» في حروبه في «الجمل» سنة 35، و «صفين» سنة 36، و«النهروان» سنة 37. فتداولتها المذاهب الأربعة لتقدمها هدية من فقه الإسلام للقوانين المعاصرة.
ومات أمير المؤمنين بعد يومين عن 65 أو 63 عاما، وأربعة أعوام وتسعة أشهر ويوم واحد في خلافة كلها معارك.
ولما مات لم يوجد بخزائنه إلا ستمائة درهم استبقاها ليشتري بها خادما. بل - وكما لخص حياته سفيان الثوري - (ما بنى لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وإن كان ليؤتى بحبوته في جراب). الحبوة الخراج.
وكما يقول محمد بن كعب القرظي (سمعت علي بن أبي طالب يقول: لقد رأيتني وأنا أربط الحجر على بطني من الجوع وإن صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار)
ولما قال معاوية لضرار من ضمرة: صف لي عليا، قال فيما قال:
كان بعيد المدى، شديد القوى. يقول فصلا. ويحكم عدلا. يتفجر العلم من جوانبه. وتنطق الحكمة من لسانه. يستوحش من الدنيا وزهرتها. ويستأنس بالليل ووحدته. وكان - واللّه - غزير الدمعة، طويل الفكرة يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن. وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه. ويبتدئنا إذا أتيناه ونحن - واللّه - مع تقريبه لنا ودنوه هنا لا نكلمه هيبة له. لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله يبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا إلي تعرضت أم إلي تشوفت. فهيهات، هيهات. غري غيري).
بايع المسلمون الحسن بن علي أميراً للمؤمنين. فخرج بجيش قوامه أربعون ألفا للقاء جيش معاوية. وتخاذل جنده كهيئة تخاذل الجند بين