الحق أن الحسين قدم للمسلمين الذين تعاقبوا في آثاره على مدار الزمان، حجة بالغة من أهل بيت الرسول، إذ ينفردون في التاريخ بهذه الخصيصة التي لم يماثلهم، أو يقاربهم، فيها أهل بيت آخر في تاريخ الإنسانية: الاستشهاد في سبيل هداية البشر لما هو أقوم. وهي بعض خصائص الرسل.
منح الاستشهاد اسما لكربلاء. وخلد الأسماء التي تساقط أصحابها كالكواكب المنتثرة من السماء فوق الصحراء، لا لتنكدر، ولكن لتقدم للبشر درس الدفاع عن الحق. من فئة قليلة، واثقة في الحق سبحانه، لا تهمها أرواحها، وإنما يهمها العمل الصالح في ذاته. ولا تنظر إلى الساعة التي هي فيها، وإنما تمد أبصارها إلى مستقبل الإنسانية كله، لترتفع بالدنيا إلى مستوى أفكار الأئمة.
ولقد صدق الحسين المسلمين في كل موقف وقفه. وكان عند وصية أبيه له ولأخيه الحسن وهو يجود بأنفاسه الأخيرة (أوصيكما بتقوى اللّه . ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما) فلم يبتغ الدنيا واشترى بها الآخرة فأمس يقول (إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما).
وشملت السماء ابن النبي في كربلاء بمزيد من التأييد . بمعان جليلة من جلال الإسلام ، نختار منها هنا واقعة منه وواقعة من عدوه : في الأولى أخذ إخذ أبيه فسقى جيش العدو من العين التي نزل عندها ولم يحرم الماء قاتليه(1). وفي الأخرى ترك قائدان من القواد جيش ابن زياد، في وطيس المعركة، إلى الجماعة العزلاء حول الحسين، ليستشهدوا في
(1) وتعلم عليهما صلاح الدين في حربه مع الصليبين يوم أرسل طيبه إلى الملك رتشارد قلب الأسد قائد الصليبيين.
وأين من قواعد الحرب الإسلامية قواعدها عند الأوربيين. إن ابقراط أبا الطب اليوناني الذي ورثت أوربة قسمه الأشهر يقسمه كل طبيب قبل أداء واجبه بالنزاهة والأمانة وعدم التعصب - لكن أبقراط علم الأوربين درسا آخر حين رفض أن يعالج مرضى الطاعون في الجيش الفارسي قائلا إن شرفه يمنعه من معالجة عدو لبلاده