الدفاع عن سيد الشهداء، بين رجاله الذين ماتوا عن آخرهم، وهم عليمون أنهم يخوضون معركة، خاسرة بكل المقاييس التي يتقايس بها المتحاربون، مظفرة بمقاييس المؤمنين.
و لو عاش هؤلاء الشهداء العظماء ، سنوات أو أشهراً أخرى ، لماتوا كما يموت الآخرون . لكنهم ماتوا شهداء «كربلاء»، ليحيوا في ضمير الزمان كله أمثالا للحق، وعناوين على عظمة الإسلام.
كانت كربلاء رسالة من ابن النبي للمسلمين: هي الأولى من نوعها بما تحتويه من دروس. لا تحصى، فحسبنا أن نشير إلى البعض منها. وفي الدرس الواحد جماع دروس:
وأول الدروس يتعلق بالحق ذاته. وفي الحق أعظم الدروس: أن لا يقر أحد الباطل. وأن يقدم في سبيل ذلك نفسه، وأن يكون قدوة. وألا يهاب المكثورون كثرة الظلمة. فالأمم تبقى بالمقاومة ولا تصيبها الهزيمة إن فقدت معركة، ما دامت فيها إرادة النصر، يسعى إيمانها بين يديها لتبلغ غرضها كله، إن لم يكن من فورها، فمرحلة بعد مرحلة .
وأول من تعلم على الحسين بن علي درس سنة 61 كان عبد اللّه ابن الزبير باستشهاده بمكة بعد أعوام عشرة، وهو مكثور بجند عبد الملك ابن مروان بعد إذ حرقوا الكعبة، كما حرقها جند يزيد بن معاوية.
وتعلم عمر بن عبد العزيز وعلم المسلمين - في مدة خلافته - أن الكلام أو الصياح، ليس الأداة المثلى للإصلاح، وإنما المواقف هي التي تهز وجدان الشعوب، فكان له أعظم المواقف إذ بدأ بنفسه وأهله فضحى فكانت فيه الأسوة الحسنة. وكلل اللّه سعيه في أقصر مدة: ثلاثين شهرا كانت كافية لإصلاح دولة أدماها نحو قرن من الفساد، ولإستاد أمة تنتظر القدوة من حكامها فلا تجدها.