الإمام جعفر الصادق

بل توالت الحروب على دولة بني مروان، بقيام دولة عبد اللّه بن الزبير، وخروج الخوارج، وقيام الفتن، ومنها فتنة ابن الأشعث وقد انضم إليها العلماء. وخروج زيد بن علي زين العابدين، وخذلان أهل الكوفة له سنة 121 كما خذلوا جده سنة 61. فاستشهد زيد ومثل برأسه(1) الخليفة هشام بن عبد الملك، ثم استشهد ابنه يحيى سنة 125.
وكان جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين شجرة باسقة تترعرع في كل ورقة من أوراقها خصيصة من خصائص أهل البيت في عصر جديد للعلم. تعاونت فيه أجيال ثلاثة متتابعة منه ومن أبيه وجده.
ولما استمسك بإمامته وقنع بمنصبه التعليمي، علا قدره في أعين طلاب السلطة. وأمنوا جانبه. واتخذوا من زهده فيها شهادة لهم ضد من ينازعونهم.
لكنه كان الغرض الذي تنجذب إليه الأنظار: فهو يمثل العقيدة الدينية التي يقاس بفضائلها عمل الحكام في الإسلام، وما يتبعه من رضى العامة عنهم، أو سخطها عليهم.
وهو - بوجه خاص - حجر الزاوية من صرح (أهل البيت) ترنو إليه أبصار الذين يدعون الخلافة بدعوى أنهم من «أهل البيت».
وهو مقيم في المدينة، العاصمة الأولة، والدائمة، للإسلام، يتحلق فيها المتفقهة، حول علماء الإسلام في مسجد الرسول، يحملون بأيديهم مصابيح السنة، أو يعلنون شرعية الحكومة أو عدمها، وحسن السيرة أو فسادها، وإقرار أهل العلم أو إنكارهم. وهي أمور أساسية، تحرص عليها الدولة العادلة، وتتجنب الاتهام بمخالفتها أي دولة.


(1) لم تمض أعوام حتى دالت دولة بني مروان، ونبش العباسيون قبور معاوية وابنه يزيد وعبد الملك بن مروان فلم يجدوا فيها ما يصنعون فيه مثلة. أما قبر هشام فوجدوا فيه جثة هشام لم تبل بعد، فصنعوا فيها أكثر مما صنع برأس زيد. إذ أمر السفاح بضربها بالسياط وصلبها وحرقها وتذريتها في الهواء.

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة