[281]
حتى أفضى إلى مالم يكن يريد ، وكان من قوله : بأي شئ كان الحسين أحق بها
من الحسن ؟ فقال أبوعبدالله عليه السلام : رحم الله الحسن ورحم الحسين وكيف ذكرت
هذا ؟ قال : لان الحسين كان ينبغي له إذا عدل أن يجعلها في الاسن من ولد
الحسن فقال أبوعبدالله عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى لما أن أوحى إلى محمد صلى الله عليه وآله
أوحى إليه بما شاء ، ولم يؤامر أحدا من خلقه ، وأمر محمد صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام بما شاء
ففعل ما أمر به ( 1 ) ولسنا نقول فيه إلا ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تبجيله وتصديقه
فلو كان أمر الحسين عليه السلام أن يصيرها في الاسن أو ينقلها في ولدهما يعني الوصية .
لفعل ذلك الحسين وما هو بالمتهم عندنا في الذخيرة لنفسه ، ولقد ولي وترك ذلك ، و
لكنه مضى لما امر به وهو جدك وعمك ، فان قلت خيرا فما أولاك به ، وإن قلت هجرا
فيغفر الله لك ، أطعني يا ابن عم واسمع كلامي ، فو الله الذي لا إله إلا هو لا آلوك نصحا
وحرصا ، فكيف ولا أراك تفعل وما لامر الله من مرد فسر أبي عند ذلك .
فقال له أبوعبدالله عليه السلام : والله إنك لتعلم أنه الاحول الاكشف الاخضر
المقتول بسدة أشجع بين دورها ، عند بطن مسيلها ، فقال أبي : ليس هو ذاك والله لنجازين
باليوم يوما ، وبالساعة ساعة ، وبالسنة سنة ، ولنقومن بثار بني أبي طالب جميعا
فقال له أبوعبدالله عليه السلام : يغفر الله لك ما أخوفني أن يكون هذا البيت يلحق صاحبنا
( منتك نفسك في الخلآء ضلالا ) ( 2 ) .
___________________________________________________________________
( 1 ) ولسنا نقول فيه أى في على عليه السلام من تبجيله أى تعظيمه فيه وفى تعظيمه لعلى عليه السلام
أوحى الله ، والمعنى انا لا نقول في على عليه السلام انه يجوز له تبديل احد من الاوصياء بغيره
اولا نقول ما ينافى تبجيله وتصديقه وهو انه خان فيما أمر به وغير أمر الرسول الله صلى الله عليه
وآله ، فلو كان أمر على المعلوم او المجهول في الاسن أى من أولادهما أو في أولاد الاسن أو ينقلها
بان يعطى تارة ولد هذا ، وتارة ولد هذا ، وقيل في ولدهما يعنى من ولداه جميعا كعبد الله
وولده وهو بعيد ، ويحتمل أن يكون في معنى من كما في بعض النسخ أيضا اى ينقلها من
اولادهما إلى غيرهم ( منه ره ) عن هامش المطبوعة .
( 2 ) هذا عجز بيت للاخطل وصدره :
انعق بضأنك يا جرير فانما * منتك نفس في الخلاء ضلالا
[282]
لا والله لا يملك أكثر من حيطان المدينة ، ولا يبلغ عمله الطائف إذا أحفل
يعني إذا أجهد نفسه وما للامر من بد أن يقع فاتق الله وارحم نفسك وبني
أبيك ، فوالله إني لاراه أشأم سلحة أخرجتها أصلاب الرجال إلى أرحام النسآء
والله إنه المقتول بسدة أجشع بين دورها ، والله لكأني به صريعا مسلوبا بزته ، بين
رجليه لبنة ، ولا ينفع هذا الغلام ما يسمع ، قال موسى بن عبدالله : يعنيني وليخرجن
معه فينهزم ويقتل صاحبه ، ثم يمضي فيخرج معه راية اخرى فيقتل كبشها ويتفرق
جيشها ، فان أطاعني فليطلب الامان عند ذلك من بني العباس حتى يأتيه الله
بالفرج ، ولقد علمت بأن هذا الامر لايتم ، وإنك لتعلم ونعلم أن ابنك ، الاحول
الاخضر الاكشف المقتول بسدة أشجع ، بين دورها عند بطن مسيلها .
فقام أبي وهو يقول : بل يغني الله عنك ولتعودن أوليفئ الله بك وبغيرك ، وما
أردت بهذا إلا امتناع غيرك وأن تكون ذريعتهم إلى ذاك ، فقال أبوعبدالله عليه السلام :
الله يعلم ما اريد إلا نصحك ورشدك ، وما علي إلا الجهد ، فقام أبي يجر ثوبه مغضبا
فلحقه أبوعبدالله عليه السلام فقال له : اخبرك إني سمعت عمك وهو خالك يذكر أنك
وبني أبيك ستقتلون ، فإن أطعتني ورأيت أن تدفع بالتي هي أحسن فافعل ، ووالله
الذي لاإله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الكبير المتعال على خلقه
لوددت أني فديتك بولدي وبأحبهم إلي ، وبأحب أهل بيتى إلي ، ما يعدلك
عندي شئ ، فلاترى أني غششتك ، فخرج أبي من عنده مغضبا أسفا .
قال : فما أقمنا بعد ذلك إلا قليلا عشرين ليلة أو نحوها ، حتى قدمت رسل
أبي جعفر فأخذوا أبي وعمومتي سليمان بن حسن ، وحسن بن حسن ، وإبراهيم بن
حسن ، وداود بن حسن ، وعلي بن حسن ، وسليمان بن داود بن حسن ، وعلي بن
___________________________________________________________________
( 1 ) وهو من قصيدة تقرب من خمسين بيتا قالها يهجوبها جريرا ، ويفتخر فيها على قيس ،
اولها .
كذبتك عينك أم رأيت بواسط * غلس الظلام من الرباب خيالا
وهى مثبتة في ديوانه ص 41 51 طبع بيروت .
[283]
إبراهيم بن حسن ، وحسن بن جعفر بن حسن ، وطباطبا إبراهيم بن إسماعيل بن
حسن ، وعبدالله بن داود ، وقال : فصفدوا في الحديد ثم حملوا في محامل أعراء
لا وطاء فيها ، ووقفوا بالمصلى لكي يشتمهم الناس قال : فكف الناس عنهم ورقو الهم
للحال التي هم فيها ، ثم انطلقوا بهم حتى وقفوا عند باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله .
قال عبدالله بن إبراهيم الجعفري : فحدثتنا خديجة بنت عمر بن علي أنهم
لما اوقفوا عند باب المسجد الباب الذي يقال له باب جبرئيل اطلع عليهم أبوعبدالله
عليه السلام وعامة ردائه مطروح بالارض ، ثم اطلع من باب المسجد فقال : لعنكم
الله يا معشر الانصار ثلاثا ما على هذا عاهدتم رسول الله صلى الله عليه وآله ولا بايعتموه ، أما والله
إن كنت حريصا ولكني غلبت ، وليس للقضاء مدفع ، ثم قام وأخذ إحدى نعليه
فأدخلها رجله والاخرى في يده ، وعامة ردائه يجره في الارض ، ثم دخل في بيته
فحم عشرين ليلة لم يزل يبكي فيها الليل والنهار ، حتى خفنا عليه فهذا حديث
خديجة .
قال الجعفري : وحدثنا موسى بن عبدالله بن الحسن أنه لما طلع بالقوم في
المحامل ، قام أبوعبدالله عليه السلام من المسجد ثم أهوى إلى المحمل الذي فيه عبدالله بن
الحسن يريد كلامه فمنع أشد المنع وأهوى إليه الحرسي فدفعه ، وقال : تنح
عن هذا ، فان الله سيكفيك ، ويكفي غيرك ، ثم دخل بهم الزقاق ، ورجع أبوعبدالله
عليه السلام إلى منزله ، فلم يبلغ بهم البقيع حتى ابتلي الحرسي بلاء شديدا
رمحته ناقته فدقت وركه فمات فيها ، ومضى القوم ، فأقمنا بعد ذلك حينا ، ثم أتى محمد
ابن عبدالله بن الحسن ، فأخبر أن أباه وعمومته قتلوا ، قتلهم أبوجعفر ، إلا حسن
ابن جعفر ، وطباطبا ، وعلي بن إبراهيم ، وسليمان بن داود ، وداود بن حسن و
عبدالله بن داود ، قال : فظهر محمد بن عبدالله عند ذلك ودعا الناس لبيعته قال : فكنت
ثالث ثلاثة بايعوه واستوثق الناس لبيعته ولم يختلف عليه قرشي ولا أنصاري ولا
عربي .
قال : وشاور عيسى بن زيد وكان من ثقاته ، وكان على شرطته ، فشاوره في
[284]
البعثة إلى وجوه قومه ، فقال له عيسى بن زيد : إن دعوتهم دعآء يسيرا لم يجيبوك
أو تغلظ عليهم فخلني وإياهم فقال له محمد : امض إلى من أردت منهم فقال : ابعث
إلى رئيسهم وكبيرهم يعني أبا عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام فانك إذا أغلظت عليه
علموا جميعا أنك ستمرهم على الطريق التي أمررت عليها أبا عبدالله ، قال : فوالله
ما لبثنا أن اتي بأبي عبدالله عليه السلام حتى اوقف بين يديه ، فقال له عيسى بن زيد : أسلم
تسلم ، فقال له أبوعبدالله عليه السلام : أحدثت نبوة بعد محمد صلى الله عليه وآله ؟ فقال له محمد : ولا لكن
بايع تأمن على نفسك ومالك وولدك ، ولا تكلفن حربا .
فقال له أبوعبدالله : ما في حرب ولا قتال ، ولقد تقدمت إلى أبيك وحذرته
الذي حاق به ، ولكن لا ينفع حذر من قدر ، يا ابن أخي عليك بالشباب ودع عنك
الشيوخ ، فقال له محمد : ما أقرب ما بيني وبينك في السن فقال له أبوعبدالله عليه السلام :
إني لم اعازك ، ولم أجئ لاتقدم عليك في الذي أنت فيه ، فقال له محمد : لا والله
لابد من أن تبايع ، فقال له أبوعبدالله عليه السلام : ما في يا ابن أخي طلب ولا هرب ، وإني
لاريد الخروج إلى البادية فيصدني ذلك ويثقل علي حتى يكلمني في ذلك الاهل
غير مرة ، وما يمنعني منه إلا الضعف ، والله والرحم أن تدبر عنا ونشقى بك .
فقال له : يا أبا عبدالله قد والله مات أبوالدوانيق يعني أبا جعفر فقال له
أبوعبدالله عليه السلام : وما تصنع بي وقد مات ؟ قال : اريد الجمال بك ، قال : ما إلى
ما تريد سبيل ، لا والله مامات أبوالدوانيق ، إلا أن يكون مات موت النوم ، قال :
والله لتبايعني طائعا أو مكرها ولا تحمد في بيعتك ، فأبى عليه إباءا شديدا ، فأمر
به إلى الحبس ، فقال له عيسى بن زيد : أما إن طرحناه في السجن وقد خرب السجن
وليس عليه اليوم غلق خفنا أن يهرب منه .
فضحك أبوعبدالله عليه السلام ثم قال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
أو تراك تسجنني ؟ قال : نعم والذي أكرم محمدا صلى الله عليه وآله بالنبوة لاسجننك ولاشددن
عليك ، فقال عيسى بن زيد : احبسوه في المخبأ ، وذلك دار ريطة اليوم ، فقال له
أبوعبدالله عليه السلام : أما والله إني سأقول ثم اصدق ، فقال له عيسى بن زيد : لو تكلمت
[285]
لكسرت فمك .
فقال له عبدالله عليه السلام : أما والله يا أكشف يا أزرق ، لكأني بك تطلب
لنفسك جحرا تدخل فيه ، وما أنت في المذكورين عنداللقاء ، وإني لاظنك إذا
صفق خلفك طرت مثل الهيق النافر ، فنفر عليه محمد بانتهار : احبسه وشدد عليه
واغلظ عليه .
فقال له أبوعبدالله عليه السلام : أما والله لكأني بك خارجا من سدة أشجع إلى
بطن الوادي ، وقد حمل عليك فارس معلم ، في يده طرادة نصفها أبيض ونصفها
أسود ، على فرس كميت أقرح ، فطعنك فلم يصنع فيك شيئا ، وضربت خيشوم
فرسه فطرحته ، وحمل عليك آخر خارج من زقاق آل أبي عمار الدئليين ، عليه
غدير تان مضفورتان قد خرجتا من تحت بيضته ، كثير شعر الشاربين ، فهو والله صاحبك
فلا رحم الله رمته .
فقال له محمد : يا أبا عبدالله عليه السلام حسبت فأخطأت ، وقام إليه السراقي ابن سلح
الحوت ، فدفع في ظهره حتى ادخل السجن ، واصطفي ما كان له من مال وما كان
لقومه ممن لم يخرج مع محمد ، قال : فطلع باسماعيل بن عبدالله بن جعفر بن
أبي طالب ، وهو شيخ كبير ضعيف ، قد ذهبت إحدى عينيه ، وذهبت رجلاه ، وهو
يحمل حملا ، فدعاه إلى البيعة ، فقال له : يا ابن أخي إني شيخ كبير ضعيف ، وأنا
إلى برك وعونك أحوج ، فقال له : لابد من أن تبايع ، فقال له : وأي شئ تنتفع
ببيعتي والله إني لاضيق عليك مكان اسم رجل إن كتبته ، قال : لا بد لك أن تفعل
-بحار الانوار مجلد: 43 من ص 285 سطر 19 الى ص 293 سطر 18
فأغلظ عليه في القول ، فقال له إسماعيل : ادع لي جعفر بن محمد : فلعلنا نبايع جميعا .
قال : فدعا جعفر عليه السلام فقال له إسماعيل : جعلت فداك إن رأيت أن تبين
له فافعل ، لعل الله يكفه عنا ، قال : قد أجمعت ألا اكلمه فليرفي رايه ، فقال
إسماعيل لابي عبدالله عليه السلام : أنشدك الله هل تذكر يوما أتيت أباك محمد بن علي
عليه السلام وعلي حلتان صفراوان ، فأدام النظر إلي ثم بكى فقلت له : ما يبكيك ؟
فقال لي : يبكيني أنك تقتل عند كبرسنك ضياعا ، لا ينتطح في دمك عنزان ، قال :
[286]
فقلت : متى ذاك ؟ قال : إذا دعيت إلى الباطل فأبيته ، وإذا نظرت إلى أحول مشوم
قومه ينتمي من آل الحسن على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ، يدعو إلى نفسه ، قد تسمى
بغير اسمه ، فأحدث عهدك واكتب وصيتك ، فانك مقتول من يومك أو من غد ؟
فقال له أبوعبدالله عليه السلام : نعم وهذا ورب الكعبة لا يصوم من شهر رمضان إلا أقله
فأستودعك الله يا أبا الحسن وأعظم الله أجرنا فيك ، وأحسن الخلاقة على من خلفت
وإنا لله وإنا إليه راجعون قال : ثم احتمل إسماعيل ورد جعفر إلى الحبس .
قال : فوالله ما أمسينا حتى دخل عليه بنو أخيه بنو معاوية بن عبدالله بن جعفر
فتوطؤه حتى قتلوه ، وبعث محمد بن عبدالله إلى جعفر عليه السلام فخلى سبيله ، قال : وأقمنا بعد
ذلك حتى استهللنا شهر رمضان ، فبلغنا خروج عيسى بن موسى يريد المدينة ، قال :
فتقدم محمد بن عبدالله ، على مقدمته يزيد بن معاوية بن عبدالله بن جعفر ، وكان على
مقدمة عيسى بن موسى ، ولد الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن ، وقاسم ، ومحمد
ابن زيد وعلي وإبراهيم بنو الحسن بن زيد ، فهزم يزيد بن معاوية وقدم عيسى
ابن موسى المدينة ، وصار القتال بالمدينة ، فنزل بذباب ، ودخلت علينا المسودة
من خلفنا ، وخرج محمد في أصحابه ، حتى بلغ السوق فأوصلهم ومضى ثم تبعهم حتى
انتهى إلى مسجد الخوامين ، فنظر إلى ما هناك فضآء ليس مسود ولا مبيض ، فاستقدم
حتى انتهى إلى شعب فزارة ، ثم دخل هذيل ، ثم مضى إلى أشجع ، فخرج إليه
الفار ؟ الذي قال أبوعبدالله عليه السلام من خلفه م سكة هذيل فطعنه فلم يصنع فيه
شيئا ، وحمل على الفارس وضرب خيشوم فرسه بالسيف ، فطعنه الفارس فأنفذه في
الدرع وانثنى عليه محمد فضربه فأثخنه ، وخرج إليه حميد بن قحطبة وهو مدبر على
الفارس يضربه من زقاق العماريين ، فطعنه طعنة أنفذ السنان فيه فكسر الرمح
وحمل على حميد ، فطعنه حميد بزج الرمح فصرعه ، ثم نزل فضربه حتى أثخنه
وقتله وأخذ رأسه ، ودخل الجند من كل جانب ، وأخذت المدينة ، وأجلينا هربا
في البلاد .
قال موسى بن عبدالله : فانطلقت حتى لحقت بابراهيم بن عبدالله ، فوجدت
[287]
عيسى بن زيد مكمنا عنده ، فأخبرته بسوء تدبيره ، وخرجنا معه حتى اصيب
رحمه الله ، ثم مضيت مع ابن أخي الاشتر عبدالله بن محمد بن عبدالله بن حسن
حتى اصيب بالسند ، ثم رجعت شريدا طريدا ، تضيق علي البلاد ، فلما
ضاقت علي الارض ، واشتد الخوف ذكرت ما قال أبوعبدالله عليه السلام فجئت
إلى المهدي وقد حج ، وهو يخطب الناس في ظل الكعبة ، فما شعر إلا وأني قد
قمت من تحت المنبر ، فقلت : لي الامان يا أميرالمؤمنين وأدلك على نصيحة لك عندي
فقال : نعم ما هي ؟ قلت : أدلك على موسى بن عبدالله بن حسن فقال : نعم لك الامان
فقلت له : أعطني ما أثق به ، فأخذت منه عهودا ومواثيق ، ووثقت لنفسي ، ثم قلت :
أنا موسى بن عبدالله فقال لي : إذا تكرم وتحبى فقلت له : أقطعني إلى بعض أهل
بيتك يقوم بأمري عندك .
فقال : انظر إلى من أردت فقلت : عمك العباس بن محمد ، فقال العباس :
لا حاجة لي فيك فقلت : ولكن لي فيك الحاجة ، أسألك بحق أميرالمؤمنين إلا
قبلتني ، فقبلني شاء أو أبى ، وقال لي المهدي من يعرفك وحوله أصحابنا أو أكثرهم
فقلت : هذا الحسن بن زيد يعرفني ، وهذا موسى بن جعفر يعرفني ، وهذا الحسن
ابن عبيدالله بن عباس يعرفني فقالوا : نعم يا أميرالمؤمنين كأنه لم يغب عنا ، ثم
قلت للمهدي : يا أميرالمؤمنين لقد أخبرني بهذا المقام أبوهذا الرجل ، وأشرت
إلى موسى بن جعفر عليه السلام .
قال موسى بن عبدالله : وكذبت على جعفر كذبة فقلت له : وأمرني أن اقرئك
اسلام وقال : إنه إمام عدل وسخي قال : فأمر لموسى بن جعفر عليه السلام بخمسة آلاف
دينار ، فأمر لي موسى عليه السلام منها بألفي دينار ، ووصل عامة أصحابه ، ووصلني فأحسن
صلتي ، فحيث ما ذكر ولد محمد بن علي بن الحسين فقولوا : صلى الله عليهم ، و
ملائكته ، وحملة عرشه ، والكرام الكاتبون ، وخصوا أبا عبدالله عليه السلام بأطيب ذلك
وجزى موسى بن جعفر عني خيرا ، فأنا والله مولاهم بعدالله ( 1 ) .
___________________________________________________________________
( 1 ) الكافى ج 12 ص 358 366 .
[288]
بيان : قوله قريبا حال عن الضمير المستتر في الظرف ، والتذكير لما ذكره
الجوهري ( 1 ) حيث قال : وقوله تعالى ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) ( 2 )
ولم يقل قريبة لانه أراد بالرحمة الاحسان ، ولان مالا يكون تأنيثه حقيقيا
جاز تذكيره .
وقال الفراء ( 3 ) إذا كان القريب في معنى المسافة يذكر ويؤنث وإذا كان
في معنى النسب يؤنث بلا اختلاف بينهم ، انتهى .
وأسد الاله حمزة ره وعلي الخير على الاضافة هو أميرالمؤمنين عليه السلام الذي
هو منبع جميع الخيرات ، والرؤاس بضم الراء وتشديد الهمزة جمع رأس صفة للجميع
والطرب والحزن والثاني أنسب ، فاندفعت أي شرعت في الكلام ، والهجر
بالضم الفحش من القول .
والاختزال الانفراد والبعد ، فقال : أي الجعفري ، هذه أي دار خديجة
تسمى دار السرقة لكثرة وقوع السرقة فيها .
فقالت خديجة : إنما اختارها محمد بن عبدالله فبقينا فيها بعده ، ويحتمل أن
يكون العائد في قوله ( فقال ) راجعا إلى موسى ، وإنما سماها دار السرقة لانها
مما غصبها محمد بن عبدالله ممن خالفه ، وهو المراد بالاصطفاء والاول أظهر ، و
ضمير تمازحه للجعفري على الالتفات أو لموسى أو لمحمد أي تستهزئ به ، لانه
ادعى المهدوية وقتل وتبين كذبه .
قوله عليه السلام : ولقد ولى وترك أي كيف يدخره لنفسه ، وقد استشهد وترك لغيره
قوله عليه السلام : وهو جدك ، لان امه كانت بنت الحسين عليه السلام .
وقال المطرزي ( 4 ) لا آلوك نصحا معناه لا أمنعكه ولا أنقصكه من آلى في الامر
___________________________________________________________________
( 1 ) الصحاح 1 ص 198 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر .
( 2 ) سورة الاعراف الاية 56 .
( 3 ) معانى القرآن للفراء ج 1 ص 380 طبع دار الكتب بمصر ، بتفاوت في النقل عنه .
( 4 ) المغرب ج 1 ص 18 طبع حيدر آباد ، وفى نقل المؤلف عنه تقديم وتأخير .
[289]
يألو إذا قصر انتهى .
وقوله : فكيف من باب الاكتفاء ببعض الكلام أي كيف أقصر في نصحك مع ما
يلزمني من مودتك لقرابتك وسنك ، وقوله : ولا أراك كلام مستأنف ، ويحتمل أن
يكون المعنى : كيف يكون كلامي محمولا على غير النصح ، والحال أني أعلم أنك
لا تفعل ، إذ لو لم يكن لله تعالى وإطاعة أمره لكان ذكره مع عدم تجويز التأثير
لغوا والاول أظهر ، وقوله : لتعلم للاستقبال ، ودخول اللام لتحقق الوقوع كأنه
واقع ، ويمكن أن يكون للحال بأن يكون علم بإخبار آبائه أو باخباره عليهم السلام ومع
ذلك كان يسعى في الامر ، حرصا على الملك ، أو لاحتمال البداء ، والاكشف من به
كشف محركة أي انقلاب من قصاص الناصية ، كأنها دائرة والعرب تتشأم به ، و
الاخضر الاسود كما في القاموس ( 1 ) أو المراد به الاخضر العين ، والسدة بالضم
الباب ، وقديقرء بالفتح لمناسبة المسيل .
والاشجع اسم قبيلة من غطفان ، وضمير مسيلها للسدة أو للاشجع لانه اسم
القبيلة ، ليس هو : أي محمد ذاك الذي ذكرت ، أو ليس الامر كما ذكرت ، باليوم
أي بكل يوم ظلم لبني امية وبني العباس ، يوما أي يوم انتقام ، والبيت للاخطل
يهجو جريرا ، صدره ( إنعق بضأنك يا جرير فانما ) ( 2 ) أي إنه ضأنك عن مقابلة
الذئب ، منتك أي جعلتك متمنيا بالاماني الباطلة ، ضلالا أي محالا ، وهو أن
يغلب الضأن على الذئب ، والطائف طائف الحجاز ، وقيل : المراد هنا موضع قرب
المدينة .
وفي القاموس ( 3 ) الاحتفال المبالغة وحسن القيام بالامور ، رجل حفيل
مبالغ فيما أخذ فيه ، وما للامر أي الذي ذكرت من عدم استمرار دولته أو لقضاء
الله تعالى ، وفي القاموس ( 4 ) السلاح كغراب ، النجو ، وفي المغرب ( 5 ) : السلح
___________________________________________________________________
( 1 ) القاموس ج 2 ص 21 .
\ \ \ ( 2 ) سبقت الاشارة إلى تعيين البيت .
( 3 ) القاموس ج 3 ص 358 .
\ \ \ ( 4 ) نفس المصدر ج 1 ص 229 .
( 5 ) المغرب للمطرزى ج 1 ص 259 .
[290]
التغوط ، وفي المثل : أسلح من حبارى ، وقول عمر لزياد في الشهادة على المغيرة :
قم يا سلح الغراب ، معناه يا خبيث ، وفي المصباح ( 1 ) : سلحة تسمية بالمصدر
بين دورها أي قبيلة الاشجع وقيل السدة .
وفي القاموس ( 2 ) : البز الثياب والسلاح كالبزة بالكسر ، والبزة بالكسر
الهيئة ، ويقتل صاحبه أي محمد فيخرج معه أي مع موسى والاظهر مع بلا ضمير ، و
الكبش بالفتح سيد القوم وقائدهم ، والمراد هنا إبراهيم ، لتعودن أي عن الامتناع
باختيارك عند ظهور دولتنا ، أو ليفئ الله بك من الفئ يمعنى الرجوع ، والباء للتعدية
أي يسهل الله أن نذهب بك جبرا ، إلا امتناع غيرك أي تريد أن لا يبا يعنا غيرك
بسبب امتناعك عن البيعة ، وأن تكون وسيلتهم إلى الامتناع ، فذاك إشارة إلى الامتناع
وفي بعض النسخ : بهذا الامتناع غيرك أي غرضك من الامتناع أن تخرج أنت و
تطلب البيعة لنفسك ، وأن تكون وسيلتهم إلى الخروج والجهاد والاول أظهر .
والجهد بالفتح السعي بأقصى الطاقة ، عمك أي علي بن الحسين عليه السلام مجازا
وهو خاله حقيقة لان ام عبدالله هي فاطمة بنت الحسين عليه السلام ، وبني أبيك أي إخوتك
وبنيهم ، ورأيت أي اخترت ، أن تدفع بالتي هي أحسن أي تدفع ما زعمته مني
سيئة بالصفح والاحسان ، مشيرا إلى قوله تعالى ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة ) ( 3 )
أو المعنى : تدفع القتل عنك بالتي هي أحسن ، وهي ترك الخروج بناءا على احتمال
البداء والاول أظهر ، على خلقه متعلق بالمتعال ، فديتك على المعلوم أى صرت
فداءك ويحتمل أن يكون المراد هنا إنقاذه من الضلالة ومن العذاب ، وما يعدلك
أي يساويك ، رسل أبي جعفر ، أي الدوانيقي .
فصفدوا : على بناء المجهول ، من باب ضرب ، والتفعيل من صفده إذا شده
وأوثقه ، والاعراء جمع عراء كسحاب : أي ليس لها أغشية فوقهم ولا وطاء وفرش
___________________________________________________________________
( 1 ) المصباح المنير للفيومى ص 386 طبع بولاق الطبعة الثانية .
( 2 ) القاموس ج 2 ص 166 .
( 3 ) سورة المؤمنون ، الاية : 96 .