التربية الصالحة |
لقد عاش الإمام علي بن الحسين (ع) في كنف ثلاثة من الأئمة المعصومين (ع) يعني أمير المؤمنين علي (ع) والإمام الحسن المجتبى (ع) والإمام الحسين (ع) وتربى في حجرهم تربية صالحة تليق بشأن الإمامة. فقد روي عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: «ولد علي بن الحسين في سنة ثمان وثلاثين من الهجرة قبل وفاة علي بن أبي طالب بسنتين وأقام مع أمير المؤمنين سنتين ومع أبي محمد الحسن عشر سنين وأقام مع أبي عبد الله الحسين عشر سنين وكان عمره سبعا وخمسين سنة»(1).
خير قدوة للصالحين كان الإمام (ع) مثالاً للتقوى والزهد والعبودية لله عزوجل، وكان من كثرة سجوده وعبادته أن لقب بالسجاد وزين العابدين(2). كما كان (ع) ملاذاً للضعفاء والمساكين.. ونموذجاً في خدمة العباد.. ومدرسة في الدعاء والمناجاة.. ودليلاً في العفو والكرم.. والجهاد في سبيل الله.. والزهد والعبادة.. والترحم على الأيتام.. وحب الناس.. وقضاء حوائج المحتاجين. وكان (ع) قمة في مكارم الأخلاق مما اعترف بذلك الخاص والعام والعدو والصديق. وقد كانت آثار الجلال والعظمة واضحة في وجهه النوراني من صغر سنه وقد قال في حقه رسول الله (ص) قبل ولادته، على ما رواه ابن عباس: «إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ أين زين العابدين؟ فكأني أنظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يخطر بين الصفوف»(3). وقد أوصى بإمامته والده الإمام الحسين (ع) على ما عينه نبي الإسلام من قبل الله تعالى(4)، ليكون الإمام الرابع على المسلمين وحجة الله على الخلق أجمعين.
|
(1) كشف الغمة: ج2 ص105 وثبتت له الإمامة من وجوه. (2) بحار الأنوار: ج46 ص6 ب1 ح10. (3) بحار الأنوار: ج46 ص2-3 ب1 ح1. (4) كما في حديث جابر، انظر كتاب الكافي: ج1 ص527 باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم (ع) ح3، وإليك نص الحديث: عن عبد الرحمن بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: «قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري: إن لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها. فقال له جابر: أي الأوقات أحببته. فخلا به في بعض الأيام، فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة (ع) بنت رسول الله (ص) ، وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح مكتوب؟ فقال جابر: أشهد بالله أني دخلت على أمك فاطمة (ع) في حياة رسول الله (ص) فهنيتها بولادة الحسين، ورأيت في يديها لوحا أخضر ظننت أنه من زمرد، ورأيت فيه كتابا أبيض شبه لون الشمس، فقلت لها: بأبي وأمي يا بنت رسول الله (ص) ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا لوح أهداه الله إلى رسوله (ص) فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابنيَ واسم الأوصياء من ولدي وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك. قال جابر: فأعطتنيه أمك فاطمة (ع) فقرأته واستنسخته. فقال له أبي: فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ. قال: نعم، فمشى معه أبي إلى منزل جابر فأخرج صحيفة من رق، فقال: يا جابر انظر في كتابك لأقرأ أنا عليك. فنظر جابر في نسخة فقرأه أبي، فما خالف حرف حرفا. فقال جابر: فأشهد بالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوبا، بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين، عظّم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إني أنا الله لا إله إلا أنا، قاصم الجبارين ومديل المظلومين وديان الدين، إني أنا الله لا إله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، فإياي فاعبد وعلي فتوكل، إني لم أبعث نبيا فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصيا، وإني فضلتك على الأنبياء وفضلت وصيك على الأوصياء وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه، وجعلت حسينا خازن وحيي وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامة معه وحجتي البالغة عنده، بعترته أثيب وأعاقب، أولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الماضين، وابنه شبه جده المحمود محمد الباقر علمي والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر، الراد عليه كالراد عليّ حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر، ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، أتيحت بعد موسى فتنة عمياء حندس، لأن خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى، وأن أوليائي يسقون بالكأس الأوفى، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غير آية من كتابي فقد افترى عليّ، ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة موسى عبدي وحبيبي وخيرتي في، علي وليي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمتحنه بالاضطلاع بها، يقتله عفريت مستكبر يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي، حق القول مني لأسرنه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه، فهو معدن علمي وموضع سري وحجتي على خلقي، لا يؤمن عبد به إلا جعلت الجنة مثواه، وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري، والشاهد في خلقي وأميني على وحيي، أخرج منه الداعي إلى سبيلي، والخازن لعلمي الحسن وأكمل ذلك بابنه محمد رحمة للعالمين، به كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب، فيذل أوليائي في زمانه، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم، فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم ويفشو الويل والرنة في نسائهم، أولئك أوليائي حقا، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل وأدفع الآصار والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون». قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك فصنه إلا عن أهله. |