حجة الله في الأرض |
إن حجة الله في الأرض هو واسطة الفيض بين الخالق والخلق تشريعاً وتكويناً على ما في الروايات. وقد ضرب هشام بن الحكم وهو من أصحاب الإمام الصادق (ع) لذلك مثالاً، فقال إن منزلة حجة الله في النظام الكوني كالقلب في بدن الإنسان، فكما أن الإنسان بحاجة إلى القلب كذلك الأمة بحاجة إلى الإمام (ع) (1). وكما أن القلب يوصل الدم إلى كافة الأعضاء الصغيرة والكبيرة وجميع الشرايين والأوردة، كذلك الإمام (ع) هو الواسطة بين الله وخلقه، بحيث لا تستغني من وجوده كافة المخلوقات من إنسان وغير إنسان. وكما أن القلب إذا ما توقف عن العمل، فانه ستتعطل كافة أعضاء البدن وتموت.. وبموت الإنسان سيتعرض جسده لأنواع مختلفة من الميكروبات وما أشبه وسيؤدى إلى تفسخه وتلاشيه وفنائه، كذلك بالنسبة إلى الإمام المعصوم (ع) فإذا فرض يوماً ما خلو العالم من الحجة، فسيفنى الكون وينعدم كل شيء، كما ورد في الحديث الشريف: «لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها»(2). ومن هنا بدأ الله عزوجل بالخليفة قبل الخليقة لأنه سبحانه حكيم والحكيم من يبدأ بالأهم فالأهم وفي ذلك يقول الصادق جعفر بن محمد (ع) حيث يقول: «الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق»(3)، وقد خلق الله نور حجحه الطاهرين (عليهم أفضل الصلاة والسلام) قبل أن يخلق الخلق أجمعين، فكان أول مخلوق هو حجة الله، وآخر موجود يغمض عينيه عن الدنيا هو حجة الله أيضاً، حيث بموته يفنى العالم، قال تعالى: (إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت)(4) والروايات في هذا الباب الكثيرة.
عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله (ع)
: تكون الأرض ليس فيها إمام، قال: «لا» قلت: يكون إمامان، قال: وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: «إن الأرض لا تخلو إلا وفيها عالم كلما إن زاد المؤمنون شيئا ردهم وإن نقصوا شيئا تممه لهم»(6). وعن أبي عبد الله (ع) قال: «ما زالت الأرض إلا ولله فيها الحجة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله»(7). وعن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: تبقى الأرض بغير إمام، قال: «لا»(8). وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: «إن الله أجل وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل»(9). وعن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: «اللهم إنك لا تخلي الأرض من حجة لك على خلقك ظاهراً أو خافياً مغموراً لئلا تبطل حجتك وميثاقك»(10).
وعن أبي جعفر (ع) قال: «والله ما ترك الله أرضا منذ قبض آدم (ع) إلا وفيها إمام يهتدى به إلى الله وهو حجته على عباده وعن أبي حمزة قال: قلت لأبي عبد الله (ع) : تبقى الأرض بغير إمام، قال: «لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت»(12). وعن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: قلت له: أتبقى الأرض بغير إمام، فقال: «لا» قلت: فإنا نروى عن أبي عبد الله (ع) : «أنها لا تبقى بغير إمام إلا أن يسخط الله تعالى على أهل الأرض أو على العباد» فقال: «لا تبقى إذاً لساخت»(13). وعن أبي جعفر (ع) قال: «لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله»(14). وعن ابن الطيار قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: «لو لم يبق في الأرض إلا اثنان لكان أحدهما الحجة»(15). وعن كرام قال: قال أبو عبد الله (ع) : «لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام، وقال: إن آخر من يموت الإمام لئلا يحتج أحدهم على الله عز وجل تركه بغير حجة لله عليه»(16). |
(1) راجع الكافي: ج1 ص169 باب الاضطرار إلى الحجة ح3، وبحار الأنوار: ج23 ص6-8 ب1 ح11. ونص الحديث: عن يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبد الله الصادق (ع) جماعة من أصحابه فيهم هشام بن الحكم وحمران بن أعين ومؤمن الطاق وهشام بن سالم والطيار وجماعة من أصحابه فيهم هشام بن الحكم وهو شاب، فقال أبو عبد الله (ع) : «يا هشام». قال: لبيك يا ابن رسول الله. قال: «ألا تحدثني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته». قال هشام: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أجلك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك. فقال أبو عبد الله الصادق (ع) : «يا هشام إذا أمرتكم بشيء فافعلوه». قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة وعظم ذلك علي فخرجت إليه ودخلت البصرة في يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة وإذا أنا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء متزر بها من صوف وشملة مرتد بها والناس يسألونه فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت: أيها العالم أنا رجل غريب تأذن لي فأسألك عن مسألة؟ قال: فقال: نعم. قال: قلت له: ألك عين. قال: يا بني أي شيء هذا من السؤال؟ فقلت: هكذا مسألتي. فقال: يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقا. قال: فقلت: أجبني فيها. قال: فقال لي: سل. فقلت: ألك عين؟ قال: نعم. قال: قلت: فما ترى بها؟ قال: الألوان والأشخاص. قال: فقلت: ألك أنف؟ قال: نعم. قال: قلت: فما تصنع بها؟ قال: أتشمم بها الرائحة. قال: قلت: ألك فم؟ قال: نعم. قلت: وما تصنع به؟ قال: أعرف به طعم الأشياء. قال: قلت: ألك لسان؟ قال: نعم. قلت: وما تصنع به؟ قال: أتكلم به. قال: قلت: ألك أذن؟ قال: نعم. قلت: وما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الأصوات. قال: قلت: ألك يد؟ قال: نعم. قلت: وما تصنع بها؟ قال: أبطش بها وأعرف بها اللين من الخشن. قال: قلت: ألك رجلان؟ قال: نعم. قلت: ما تصنع بهما؟ قال: أنتقل بهما من مكان إلى مكان. قال: قلت: ألك قلب؟ قال: نعم. قلت: وما تصنع به؟ قال: أميز به كل ما ورد على هذه الجوارح. قال: قلت: أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ قال: لا. قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة. قال: يا بني إن الجوارح إذا شكت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته أو لمسته ردته إلى القلب فتقن اليقين ويبطل الشك. قال: فقلت: إنما أقام الله القلب لشك الجوارح. قال: نعم. قال: قلت: فلابد من القلب وإلا لم يستقم الجوارح. قال: نعم. قال: فقلت: يا أبا مروان إن الله تعالى ذكره لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح ويتقن ما شك فيه ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليهم شكهم وحيرتهم ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك؟ قال: فسكت ولم يقل شيئا. قال: ثم التفت إلي فقال: أنت هشام؟ فقلت: لا. فقال لي: أجالسته؟ فقلت: لا. فقال: فمن أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة. قال: فأنت إذا هو. قال: ثم ضمني إليه وأقعدني في مجلسه وما نطق حتى قمت. فضحك أبو عبد الله (ع) ثم قال: «يا هشام من علمك هذا؟». قال: فقلت: يا ابن رسول الله جرى على لساني؟ قال: «يا هشام هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى». (2) راجع دلائل الإمامة: ص231 معرفة أن الله تعالى لا يخلي الأرض من حجة. (3) كمال الدين: ج1 ص4 الخليفة قبل الخليقة. (4) سورة الانفطار: 1-2. (5) الكافي: ج1 ص178 باب أن الأرض لا تخلو من حجة ح1. (6) بصائر الدرجات: ص331 ب10 ح2. (7) غيبة النعماني: ص138 ب8 ح4. (8) بحار الأنوار: ج23 ص55 ب1 ح117. (9) الكافي: ج1 ص178 باب أن الأرض لا تخلو من حجة ح6. (10) دلائل الإمامة: ص232 معرفة أن الله تعالى لا يخلي الأرض من حجة. (11) الكافي: ج1 ص178-179 باب أن الأرض لا تخلو من حجة ح8. (12) علل الشرائع: ج1 ص196 ب153 ح5. (13) كمال الدين: ج1 ص201-202 ب21 ح2. (14) منتخب الأنوار المضيئة: ص33 ف3. (15) الكافي: ج1 ص179 باب انه لو لم يبق في الأرض إلا رجلان ح1. (16) علل الشرائع: ج1 ص196 ب153 ح6. |