مكتبة الإمام زين العابدين

فهرس الكتاب

 

 

مكارم الأخلاق

إن حياة الإمام علي بن الحسين (ع) وسيرته الطاهرة مليئة بمكارم الأخلاق وهي تشكل قسماً مهماً من بحر فضائله ومكارمه، فكان الإمام (ع) خير دليل وأسوة للإنسان الصالح، وأفضل نموذج لكل البشرية في طريق الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.

يقول أحد الشعراء(1):

من ذا يكافئ زهــــرة فواحة؟

أو من يثيب البلبل المترنما

ينبغي للإنسان بصورة عامة وللمسلم بصورة خاصة أن يكون كباقة الورد العطرة، وأن يخدم الإنسانية من دون أن يتوقع مكافأة الناس له، وأن يعمل خالصاً لله عزوجل، كما ورد في القرآن الكريم حكاية عن أهل البيت (ع) حيث قالوا: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً)(2).

وأن يحب الناس، وإذا ما أساء إليه شخص ما، فعليه بالعفو والإحسان، فإن النبي (ص) والأئمة الأطهار (ع) كانوا كذلك، يغضون الطرف عن الذنب ويحسنون إلى المذنب.

وخلاصة القول على الإنسان أن يقابل الإساءة بالإحسان والشر بالخير، مما يعبر عنه في علم الأخلاق بـ(الملكات الإنسانية العالية).

وهذه من مزايا مدرسة أهل البيت (ع) .

إن المجرم في عالم اليوم إذا لم يلتزم بمنطق القوانين والمقررات، فإنهم سوف يجبرونه بالقوة من أجل المحافظة على حقوق الآخرين حتى لا يتجاوز حدوده ويتعدى على حقوق الآخرين.

أما في سيرة أهل البيت (ع) الأخلاقية، فإن المجرم لا يُطرد ولاينفى، بل يجعل منه مؤمن صالح، حيث يسعون في هدايته بالحكمة والموعظة الحسنة ويستقبلونه بالوجه الطلق، مما يوجب هدايته إلى الطريق المستقيم والفطرة التي فطر الله الناس عليها.

فسياستهم (ع) هي سياسة اللين واللاعنف والأخلاق الطيبة، أما سياسة العصا والسيف فإنها ليست من شيمهم، فلم يقوموا بالسيف إلا للدفاع عن النفس، فإن نبي الإسلام العظيم (ص) وخليفته الإمام أمير المؤمنين (ع) لم يبتدئوا بحرب مطلقاً، بل كانوا دائماً وفي كل حروبهم في حالة الدفاع عن النفس وصد هجوم الكفار والمشركين، وحتى في تلك الحروب الدفاعية كانوا يجتنبون حد الإمكان عن القتل وإراقة الدماء(3).

نعم إنهم حملوا رسالة المحبة إلى العالم، وبينوا أن معالم دينهم قائمة على المحبة وكانوا يقابلون حتى أعدائهم بالمحبة والوئام.

وكان الإمام زين العابدين غصناً من أغصان هذه الشجرة النبوية العظيمة والمورقة دائماً والملقية بظلالها على رؤوس الخلق إلى أبد الآبدين.

وقد كانت أخلاقه الطيبة مدرسة للآجيال، وإليكم بعض النماذج من سلوكه الطاهر.

 

(1) هو الشاعر: إيليا أبو ماضي. وقال في قصيدته حول المحبة:

كن بلسماً إن صار دهرك أرقما

وحـــلاوة إن صار غـــيــرك علقما

إن الحياة حبتـــك كـــل كنــوزها

لا تبخـلن على الحياة بـــبعـــض ما

أحسن وإن لم تجز حتى بالثـــنا

أي الجزاء الغيث يبغـي إن هـــما؟

من ذا يكافي زهـــرة فـــوّاحة؟

أو من يثيـــب البلبـــل المتــــرنما؟

لو لم تفح هذي وهذا ما شـدى

عـــاشـــت مذممة وعـــاش مذمـما

يا صاح خذ علم المحبة عنهما

أني وجدت الحب علمـــا قـــيمـــــــاً

أيقظ شعورك بالمحبة إن غفى

لولا شعور الناس كانوا كالدمــــــى

أحبب فيغدو الكـــوخ كـوناً نيّرا

وأبغض فيمسي الكون سجناً مظلما

(2) سورة الإنسان: 9.

(3) فقد ورد أنه بعد واقعة الجمل قالت صفية بنت الحارث زوجة عبد الله بن خلف الخزاعي للإمام علي (ع) : يا قاتل الأحبة، يا مفرق الجماعة، فقال الإمام (ع) : «إني
لا ألومك أن تبغضيني يا صفية وقد قتلت جدك يوم بدر وعمك يوم أحد وزوجك الآن، ولو كنت قاتل الأحبة لقتلت من في هذه البيوت» ففتش فكان فيه مروان وعبد الله بن الزبير، بحار الأنوار: ج31 ص310 ب114.