الفهرس

إيثارهم

 

ويُطعِمونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسكينًا ويَتيمًا وأسيرًا * إنَّما نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللهِ لا نُريدُ مِنكُم جَزاءً ولا شُكورًا[1] .
ويُؤثِرونَ عَلى أنفُسِهِم ولَو كانَ بِهِم خَصاصَةٌ ومَن يوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَاُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ
[2] .

1 ـ ابِنُ عَبّاسٍ :
إنَّ الحَسَنَ وَالحُسَينَ مَرِضا ، فَعادَهُما رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه و آله في ناسٍ مَعَهُ، فَقالوا : يا أبَا الحَسَنِ ، لَو نَذَرتَ عَلى وَلَدِكَ . فَنَذَرَ عَلِيٌّ وفاطِمَةُ وفِضَّةُ ـ جارِيَةٌ لَهُما ـ إن بَرِئا مِمّا بِهِما أن يَصوموا ثَلاثَةَ أيّامٍ ، فَشُفِيا وما مَعَهُم شَي ءٌ ، فَاستَقرَضَ عَلِيٌّ مِن شَمعونَ الخَيبَرِيِّ اليَهودِيِّ ثَلاثَ أصوُعٍ مِن شَعيرٍ ، فَطَحَنَت فاطِمَةُ صاعًا وَاختَبَزَت خَمسَةَ أقراصٍ عَلى عَدَدِهِم ، فَوَضَعوها بَينَ أيديهِم لِيُفطِروا ، فَوَقَفَ عَلَيهِم سائِلٌ فَقالَ : السَّلامُ عَلَيكُم أهلَ بَيتِ مُحَمَّدٍ ، مِسكينٌ مِن مَساكينِ المُسلِمينَ ، أطعِموني أطعَمَكُمُ اللهُ مِن مَوائِدِ الجَنَّةِ ، فَآثَروهُ ، وباتوا لَم يَذوقوا إلَّا الماءَ ، وأصبَحوا صِيامًا . فَلَمّا أمسَوا ووَضَعُوا الطَّعامَ بَينَ أيديهِم وَقَفَ عَلَيهِم يَتيمٌ ، فَآثَروهُ . ووَقَفَ عَلَيهِم أسيرٌ فِي الثّالِثَةِ ، فَفَعَلوا مِثلَ ذلِكَ .
فَلَمّا أصبَحوا أخَذَ عَلِيٌّ عليه السّلام بِيَدِالحَسَنِ وَالحُسَينِ وأقبَلوا إلى رَسولِ اللهِ صلّى الله عليه و آله ، فَلَمّا أبصَرَهُم وهُم يَرتَعِشونَ كَالفِراخِ مِن شِدَّةِ الجوعِ قالَ: ما أشَدَّ ما يَسوؤُني ما أرى بِكُم ! وقامَ فَانطَلَقَ مَعَهُم فَرَأى فاطِمَةَ في مِحرابِها قَدِ التَصَقَ ظَهرُها بِبَطنِها وغارَت عَيناها ، فَساءَ هُ ذلِكَ ، فَنَزَلَ جَبرَئيلُ وقالَ : خُذها يا مُحَمَّدُ هَنَّأَكَ اللهُ في أهلِ بَيتِكَ ، فَأَقرَأَهُ السّورَةَ[3] [4] .

2 ـ الإمام الصادق عليه السّلام : كانَ عِندَ فاطِمَةَ شَعيرٌ فَجَعَلوهُ عَصيدَةً ، فَلَمّا أنضَجوها ووَضَعوها بَينَ أيديهِم، جاءَ مِسكينٌ ، فَقالَ المِسكينُ : رَحِمَكُمُ اللهُ ، فَقامَ عَلِيٌّ عليه السّلام فَأَعطاهُ ثُلُثَها . فَلَم يَلبَث أن جاءَ يَتيمٌ فَقالَ اليَتيمُ : رَحِمَكُمُ اللهُ ، فَقامَ عَلِيٌّ عليه السّلام فَأَعطاهُ الثُّلُثَ . ثُمَّ جاءَ أسيرٌ فَقالَ الأَسيرُ : رَحِمَكُمُ اللهُ ، فَأَعطاهُ عَلِيٌّ عليه السّلام الثُّلُثَ الباقِيَ وما ذاقوها ، فَأَنزَلَ اللهُ سُبحانَهُ الآياتِ فيهِم[5] .

3 ـ الإمام الباقر عليه السّلام ـ في بَيانِ سَبَبِ نُزولِ سورَةِ «هَل أتى» في شَأنِ أهلِ البَيتِ عليهم السّلام ـ : ويُطعِمونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ يَقولُ : عَلى شَهوَتِهِم لِلطَّعامِ وإيثارِهِم لَهُ ، مِسكينًا مِن مَساكينِ المُسلِمينَ ، و يَتيمًا مِن يَتامَى المُسلِمينَ ، وأسيرًامِن اُسارَى المُشرِكينَ ، ويَقولونَ إذا أطعَموهُم : إنَّما نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللهِ لا نُريدُ مِنكُم جَزاءً ولا شُكورًا. قالَ : وَاللهِ ما قالوا هذا لَهُم ، ولكِنَّهُم أضمَروهُ في أنفُسِهِم فَأَخبَرَ اللهُ بِإِضمارِهِم ، يَقولونَ : لا نُريدُ جَزاءً تُكافِئونَنا بِهِ ولا شُكورًا تُثنونَ عَلَينا بِهِ ، ولكِنّا إنَّما أطعَمناكُم لِوَجهِ اللهِ وطَلَبِ ثَوابِهِ[6] .

4 ـ اِبنُ عَبّاسٍ : إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السّلام أجَّرَ نَفسَهُ لِيَستَقِيَ نَخلاً بِشَي ءٍ مِن شَعيرٍ لَيلَةً حَتّى أصبَحَ . فَلَمّا أصبَحَ وقَبَضَ الشَّعيرَ طَحَنَ ثُلُثَهُ فَجَعَلوا مِنهُ شَيئًا لِيَأكُلوهُ يُقالُ لَهُ الحَريرَةُ[7]، فَلَمّا تَمَّ إنضاجُهُ أتى مِسكينٌ فَأَخرَجوا إلَيهِ الطَّعامَ ، ثُمَّ عَمِلَ الثُّلُثَ الثّانِيَ ، فَلَمّا تَمَّ إنضاجُهُ أتى يَتيمٌ فَسَأَلَ فَأَطعَموهُ ، ثُمَّ عَمِلَ الثُّلُثَ الثّالِثَ ، فَلَمّا تَمَّ إنضاجُهُ أتى أسيرٌ مِنَ المُشرِكينَ فَسَأَلَ فَأَطعَموهُ وطَوَوا يَومَهُم ذلِكَ[8] .

5 ـ اِبنُ عَبّاسٍ ـ في قَولِ اللهِ : ويُؤثِرونَ عَلى أنفُسِهِم ولَو كانَ بِهِم خَصاصَةٌ ـ : نَزَلَت في عَلِيٍّ وفاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَينِ عليهم السّلام [9] .

6 ـ أبو هُرَيرَةَ : جاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه و آله فَشَكا إلَيهِ الجوعَ ، فَبَعَثَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه و آله إلى بُيوتِ أزواجِهِ ، فَقُلنَ : ما عِندَنا إلَّا الماءُ ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه و آله : مَن لِهذَا الرَّجُلِ اللَّيلَةَ ؟ فَقالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السّلام : أنَا لَهُ يا رَسولَ اللهِ . وأتى فاطِمَةَ عليها السّلام فَقالَ : ما عِندَكِ يَابنَةَ رَسولِ اللهِ ؟ فَقالَت : ما عندَنا إلّا قوتُ الصِّبيَةِ لكِنّا نُؤثِرُ ضَيفَنا ، فَقالَ عَلِيٌّ عليه السّلام : يَابنَةَ مُحَمَّدٍ ، نَوِّمِي الصِّبيَةَ وأطفِئِي المِصباحَ ، فَلَمّا أصبَحَ عَلِيٌّ عليه السّلام غَدا عَلى رَسولِ اللهِ صلّى الله عليه و آله فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ ، فَلَم يَبرَح حَتّى أنزَلَ اللهُ عَزَّوجَلَّ : ويُؤثِرونَ عَلى أنفُسِهِم ولَو كانَ بِهِم خَصاصَةٌ ومَن يوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَاُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ [10] .

7 ـ الإمام الباقر عليه السّلام : إنَّ رَسولَ اللهِ صلّى الله عليه و آله جالِسٌ ذاتَ يَومٍ وأصحابُهُ جُلوسٌ حَولَهُ ، فَجاءَ عَلِيٌّ عليه السّلام وعَلَيهِ سَمَلُ[11] ثَوبٍ مُنخَرِقٍ عَن بَعضِ جَسَدِهِ ، فَجَلَسَ قَريبًا مِن رَسولِ اللهِ صلّى الله عليه و آله ، فَنَظَرَ إلَيهِ ساعَةً ثُمَّ قَرَأَ : ويُؤثِرونَ عَلى أنفُسِهِم ولَو كانَ بِهِم خَصاصَةٌ ومَن يوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَاُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ . ثُمَّ قالَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ عليه السّلام : أما إنَّكَ رَأسُ الَّذينَ نَزَلَت فيهِم هذِهِ الآيَةُ وسَيِّدُهُم وإمامُهُم . ثُمَّ قالَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ : أينَ حُلَّتُكَ الَّتي كَسَوتُكَها يا عَلِيُّ ؟ فَقالَ : يا رَسولَ اللهِ ، إنَّ بَعضَ أصحابِكَ أتاني يَشكو عُريَهُ وعُريَ أهلِ بَيتِهِ ، فَرَحِمتُهُ وآثَرتُهُ بِها عَلى نَفسي ، وعَرَفتُ أنَّ اللهَ سَيَكسوني خَيرًا مِنها ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه و آله : صَدَقتَ ، أما إنَّ جَبرائيلَ قَد أتاني يُحَدِّثُني أنَّ اللهَ (قَد) اتَّخَذَ لَكَ مَكانَها فِي الجَنَّةِ حُلَّةً خَضراءَ مِن إستَبرَقٍ ، وصِبغَتُها مِن ياقوتٍ وزَبَرجَدٍ ، فَنِعمَ الجَوازُ جَوازُ رَبِّكَ بِسَخاوَةِ نَفسِكَ ، وصَبرِكَ عَلى سَمَلَتِكَ[12] هذِهِ المُنخَرِقَةِ ، فَأَبشِر يا عَلِيُّ . فَانصَرَفَ عَلِيٌّ عليه السّلام فَرِحًا مُستَبشِرًا بِما أخبَرَهُ بِهِ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه و آله [13] .

8 ـ أحمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إبراهيمَ الثَّعلَبِيُّ المُفَسِّرُ : رَأَيتُ في بَعضِ الكُتُبِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلّى الله عليه و آله لَمّا أرادَ الهِجرَةَ خَلَّفَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ بِمَكَّةَ لِقَضاءِ دُيونِهِ ورَدِّ الوَدائِعِ الَّتي كانَت عِندَهُ ، وأمَرَهُ لَيلَةَ خَرَجَ إلَى الغارِ ـ وقَد أحاطَ المُشرِكونَ بِالدّارِ ـ أن يَنامَ عَلى فِراشِهِ ، وقالَ لَهُ : اِتَّشِح بِبُردِيَ الحَضرَمِيِّ الأَخضَرِ ، فَإِنَّهُ لا يَخلُصُ إلَيكَ مِنهُم مَكروهٌ إن شاءَ اللهُ تَعالى فَفَعَلَ ذلِكَ ، فَأَوحَى اللهُ إلى جَبرَئيلَ وميكائيلَ عليهما السّلام أنّي آخَيتُ بَينَكُما ، وجَعَلتُ عُمُرَ أحَدِكُما أطوَلَ مِن عُمُرِ الآخَرِ ، فَأَيُّكُما يُؤثِرُ صاحِبَهُ بِالحَياةِ ؟ فَاختارا كِلاهُمَا الحَياةَ ، فَأَوحَى اللهُ عَزَّوجَلَّ إلَيهِما : أفَلا كُنتُما مِثلَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؟! آخَيتُ بَينَهُ وبَينَ نَبِيّي مُحَمَّدٍ ، فَباتَ عَلى فِراشِهِ يَفديهِ بِنَفسِهِ ويُؤثِرُهُ بِالحَياةِ ؟! اِهبِطا إلَى الأَرضِ فَاحفَظاهُ مِن عَدُوِّهِ . فَنَزَلا ، فَكانَ جَبرَئيلُ عِندَ رَأسِ عَلِيٍّ ، وميكائيلُ عِندَ رِجلَيهِ ، وجَبرَئيلُ يُنادي : بَخٍ بَخٍ ! مَن مِثلُكَ يَا بنَ أبي طالِبٍ يُباهِي اللهُ عَزَّوجَلَّ بِهِ المَلائِكَةَ ؟! فَأَنزَلَ اللهُ عَزَّوجَلَّ عَلى رَسولِهِ وهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى المَدينَةِ ـ في شَأنِ عَلِيٍّ ـ : ومِنَ النّاسِ مَن يَشري نَفسَهُ ابتِغاءَ مَرضاتِ اللهِ [14] [15] .


الهامش


(1) الإنسان : 8 و 9 .
(2) الحشر : 9 .
(3) يعني: سورة الإنسان .
(4) الكشّاف : 4 / 169 ، وراجع كشف الغمّة : 1 / 302 .
(5) مجمع البيان : 10 / 612 ، تفسير القمّيّ : 2 / 398 وفيه «رحمكم الله أطعمونا ممّا رزقكم الله» كلاهما عن عبدالله بن ميمون القداح .
(6) أمالي الصدوق : 215 عن مسلمة بن خالد عن الإمام الصادق عليه السّلام .
(7) الحريرة : الحساء من الدسم والدقيق . (لسان العرب : 4 / 184)
(8) مجمع البيان : 10 / 612 .
(9) شواهد التنزيل : 2 / 332 / 973 .
(10) أمالي الطوسيّ : 185/309 ، وراجع تأويل الآيات الظاهرة : 653 ، شواهد التنزيل : 2/331/972 ، المناقب لابن شهرآشوب : 2 / 74 .
(11) السمل : الخَلَق من الثياب . (النهاية : 2 / 403)
(12) وفي المصدر «سلمتك» والصحيح ما أثبتناه في المتن .
(13) تأويل الآيات الظاهرة : 655 عن جابر بن يزيد .
(14) البقرة : 207 .
(15) اُسد الغابة : 4 / 98 ، العمدة : 239 / 367 ، تذكرة الخواصّ : 35 نقلاً عن تفسير الثعلبيّ عن ابن عبّاس ، وراجع شواهد التنزيل : 1 / 123 ـ 132 ، إرشاد القلوب : 224 ، ينابيع المودّة : 1 / 274 / 3 ، الصراط المستقيم : 1 / 174 ، تنبيه الخواطر : 1 / 173 .

الصفحة السابقة

          اهل البيت (ع) في الكتاب و السنة

طباعة

الصفحة اللاحقة