الفهرس

الاجتهاد في العمل

 

تمهيد :

لابدّ أن نشير ـ قبل مطالعة روايات هذا القسم ـ إلى أنّ وصايا أهل البيت عليهم السّلام لاتقتصر على ما جاء هنا ، بل ينبغي لمن أراد جمع وصاياهم في شتّى المواضيع أن يُفرد لذلك كتابًا خاصًّا . وسوف نلاحظ في هذا القسم أبرز مواعظ أهل البيت عليهم السّلام ـ الخُلقيّة منها والسياسيّة والاجتماعيّة ـ للاُمّة الإسلاميّة وبخاصّة أتباعهم والعلماء ، ومع أخذ الظروف الحاكمة في العالم الإسلاميّ بعين الاعتبار .
وسوف نستعرض هذه المواعظ في الفصول الأربعة التالية .

1 ـ الإمام عليّ عليه السّلام : مَعاشِرَ شيعَتِي ، اِصبِروا عَلى عَمَلٍ لا غِنىً بِكُم عَن ثَوابِهِ ، وَاصبِروا عَن عَمَلٍ لا صَبرَ لَكُم عَلى عِقابِهِ ، إنّا وَجَدنَا الصَّبرَ عَلى طاعَةِ اللهِ أهوَنَ مِنَ الصَّبرِ عَلى عَذابِ اللهِ عَزَّوجَلَّ . اِعلَموا أنَّكُم في أجَلٍ مَحدودٍ وأمَلٍ مَمدودٍ ونَفَسٍ مَعدودٍ ، ولابُدَّ لِلأَجَلِ أن يَتَناهى ولِلأَمَلِ أن يُطوى ولِلنَّفَسِ أن يُحصى . ثُمَّ دَمَعَت عَيناهُ وقَرَأ: وإنَّ عَلَيكُم لَحافِظينَ
* كِرامًا كاتِبينَ * يَعلَمونَ ما تَفعَلونَ [1] [2] .

2 ـ الإمام زين العابدين عليه السّلام : معاشِرَ أصحابي، اُوصيكُم بِالآخِرَةِ ولَستُ اُوصيكُم بِالدُّنيا ، فَإِنَّكُم بِها مُستَوصَونَ وعَلَيها حَريصونَ وبِها مُستَمسِكونَ .
معاشِرَ أصحابي ، إنَّ الدُّنيا دارُ مَمَرٍّ وَالآخِرَةَ دارُ مَقَرٍّ ، فَخُذوا مِن مَمَرِّكُم لِمَقَرِّكُم ، ولا تَهتِكوا أستارَكُم عِندَ مَن لا يَخفى عَلَيهِ أسرارُكُم ، وأخرِجوا مِنَ الدُّنيا قُلوبَكُم قَبلَ أن تَخرُجَ مِنها أبدانُكُم[3] .

3 ـ عَمرُو بنُ سَعيدِ بنِ هِلالٍ : دَخَلتُ عَلى أبي جَعفَرٍعليه السّلام ونَحنُ جَماعَةٌ فَقالَ : كونُوا الـنُّمرُقَةَ الوُسطى يَرجِعُ إلَيكُمُ الغالي ، ويَلحَقُ بِكُمُ التّالي ، وَاعمَلوا يا شيعَةَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَاللهِ ما بَينَنا وبَينَ اللهِ مِن قَرابَةٍ ولا لَنا عَلَى اللهِ حُجَّةٌ ، ولا يُتَقَرَّبُ إلَى اللهِ إلّا بِالطّاعَةِ ، مَن كانَ مُطيعًا نَفَعَتهُ وَلايَتُنا ، ومَن كانَ عاصِيًا لَم تَنفَعهُ وَلايَتُنا . قالَ : ثُمَّ التَفَتَ إلَينا وقالَ : لا تَغتَرّوا ولا تَفتُروا ، قُلتُ : ومَا الـنُّمرُقَةُ الوُسطى ؟ قالَ: ألا تَرَونَ أهلاً تَأتونَ أن تَجعَلوا لِلنَّمَطِ الأَوسَطِ فَضلَهُ[4] .

4 ـ جابِرٌ ، عَن أبي جَعفَرٍعليه السّلام : قالَ لي : يا جابِرُ ، أيَكتَفي مَن يَنتَحِلُ[5] التَّشَيُّعَ أن يَقولَ بِحُبِّنا أهلَ البَيتِ ؟! فَوَاللهِ ماشيعَتُنا إلّا مَنِ اتَّقَى اللهَ وأطاعَهُ ، وما كانوا يُعرَفونَ، يا جابِرُ، إلّا بِالتَّواضُعِ وَالتَّخَشُّعِ وَالأَمانَةِ وكَثرَةِ ذِكرِ اللهِ وَالصَّومِ وَالصَّلاةِ وَالبِرِّ بِالوالِدَينِ وَالتَّعاهُدِ لِلجيرانِ مِنَ الفُقَراءِ وأهلِ المَسكَنَةِ وَالغارِمينَ وَالأَيتامِ وصِدقِ الحَديثِ وتِلاوَةِ القُرآنِ وكَفِّ الأَلسُنِ عَنِ النّاسِ إلّا مِن خَيرٍ ، وكانوا اُمناءَ عَشائِرِهِم فِي الأَشياءِ . قالَ جابِرٌ : فَقُلتُ : يَا بنَ رَسولِ اللهِ ، ما نَعرِفُ اليَومَ أحَدًا بِهذِهِ الصِّفَةِ ، فَقالَ : يا جابِرُ ، لاتَذهَبَنَّ بِكَ المَذاهِبُ ، حَسبُ الرَّجُلِ أن يَقولَ : اُحِبُّ عَلِيًّا وأتَوَلّاهُ ثُمَّ لا يَكونَ مَعَ ذلِكَ فَعّالاً ؟ ! فَلَو قالَ : إنّي اُحِبُّ رَسولَ اللهِ فَرَسولُ اللهِ صلّى الله عليه و آله خَيرٌ مِن عَلِيٍّ عليه السّلام ثُمَّ لا يَتَّبِعُ سيرَتَهُ ولا يَعمَلُ بِسُنَّتِهِ ما نَفَعَهُ حُبُّهُ إيّاهُ شَيئًا ، فَاتَّقُوا اللهَ وَاعمَلوا لِما عِندَ اللهِ ، لَيسَ بَينَ اللهِ وبَينَ أحَدٍ قَرابَةٌ ، أحَبُّ العِبادِ إلَى اللهِ عَزَّوجَلَّ (وأكرَمُهُم عَلَيهِ) أتقاهُم وأعمَلُهُم بِطاعَتِهِ . يا جابِرُ ، وَاللهِ ما يُتَقَرَّبُ إلَى اللهِ تَبارَكَ وتَعالى إلّا بِالطّاعَةِ ، وما مَعَنا بَراءَ ةٌ مِنَ النّارِ ولا عَلَى اللهِ لِأَحَدٍ مِن حُجَّةٍ ، مَن كانَ ِللهِ مُطيعًا فَهُوَ لَنا وَلِيٌّ ، ومَن كانَ ِللهِ عاصِيًا فَهُوَ لَناعَدُوٌّ ، وما تُنالُ وَلايَتُنا إلّا بِالعَمَلِ وَالوَرَعِ[6] .

5 ـ الإمام الباقر عليه السّلام : أعينونا بِالوَرَعِ ، فَإِنَّهُ مَن لَقِيَ اللهَ عَزَّوجَلَّ مِنكُم بِالوَرَعِ كانَ لَهُ عِندَ اللهِ فَرَجٌ ، وإنَّ اللهَ عَزَّوجَلَّ يَقولُ : مَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسولَ فَاُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أنعَمَ اللهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ وحَسُنَ اُولئِكَ رَفيقًا[7] فَمِنَّا النَّبِيُّ ومِنَّا الصِّدّيقُ وَالشُّهَداءُ وَالصالِحونَ[8] .

6 ـ عنه عليه السّلام ـ لِفُضَيلٍ ـ : بَلِّغ مَن لَقيتَ مِن مُوالينا عَنَّا السَّلامَ ، وقُل لَهُم : إنّي لا اُغني عَنكُم مِنَ اللهِ شَيئًا إلّا بِوَرَعٍ ، فَاحفَظوا ألسِنَتَكُم وكُفّوا أيدِيَكُم ، وعَلَيكُم بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ ، إنَّ اللهَ مَعَ الصّابِرينَ[9] .

7 ـ الإمام الصادق عليه السّلام : يَابنَ جُندَبٍ ، بَلِّغ معاشِرَ شيعَتِنا وقُل لَهُم : لا تَذهَبَنَّ بِكُمُ المَذاهِبُ ، فَوَاللهِ لا تُنالُ وَلايَتُنا إلّا بِالوَرَعِ وَالاِجتِهادِ فِي الدُّنيا ، ومُواساةِ الإِخوانِ فِي اللهِ ، ولَيسَ مِن شيعَتِنا مَن يَظلِمُ النّاسَ[10] .

8 ـ عنه عليه السّلام : عَلَيكَ بِتَقوَى اللهِ وَالوَرَعِ وَالاِجتِهادِ وصِدقِ الحَديثِ وأداءِ الأَمانَةِ وحُسنِ الخُلُقِ وحُسنِ الجِوارِ ، وكونوا دُعاةً إلى أنفُسِكُم بِغَيرِ ألسِنَتِكُم ، وكونوا زَينًا ولا تَكونوا شَينًا ، وعَلَيكُم بِطولِ الرُّكوعِ وَالسُّجودِ ، فَإِنَّ أحَدَكُم إذا أطالَ الرُّكوعَ وَالسُّجودَ هَتَفَ إبليسُ مِن خَلفِهِ وقالَ : يا وَيلَهُ ! أطاعَ وعَصَيتُ ، وسَجَدَ وأبَيتُ[11] .

9 ـ عنه عليه السّلام : مَعاشِرَ الشّيعَةِ ، كونوا لَنا زَينًا ولا تَكونوا عَلَينا شَينًا ، قولوا لِلنّاسِ حُسنًا، اِحفَظوا ألسِنَتَكُم وكُفّوها عَنِ الفُضولِ وقَبيحِ القَولِ[12] .

10 ـ عنه عليه السّلام : كونوا دُعاةً لِلنّاسِ بِغَيرِ ألسِنَتِكُم ، لِيَرَوا مِنكُمُ الوَرَعَ وَالاِجتِهادَ وَالصَّلاةَ وَالخَيرَ ، فَإِنَّ ذلِكَ داعِيَةٌ[13] .

11 ـ عنه عليه السّلام : أي مَفَضَّلُ ، قُل لِشيعَتِنا : كونوا دُعاةً إلَينا بِالكَفِّ عَن مَحارِمِ اللهِ وَاجتِنابِ مَعاصيهِ وَاتِّباعِ رِضوانِ اللهِ ، فَإِنَّهُم إذا كانوا كَذلِكَ كانَ النّاسُ إلَينا مُسارِعينَ[14] .

12 ـ عنه عليه السّلام : إيّاكُم أن تَعمَلوا عَمَلاً يُعَيِّرونا بِهِ ، فَإِنَّ وَلَدَ السَّوءِ يُعَيَّرُ والِدُهُ بِعَمَلِهِ ، كونوا لِمَنِ انقَطَعتُم إلَيهِ زَينًا ولا تَكونوا عَلَيهِ شَينًا[15] .


الهامش


(42) الانفطار : 10 ـ 12 .
(43) أمالي الصدوق : 96 / 5 عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السّلام ، روضة الواعظين : 535 وذكر ذيله في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 20 / 281 / 223 وفيه «إنّما الناس في نفس معدود، وأمل معدود ، وأجلٍ محدود ، ولابدّ للأجل أن يتناهى وللنفس أن يحصى وللأمل أن ينقضي، ثمّ قرأ : وإنّ عليكم لحافظين * كرامًا كاتبين» .
(44) أمالي الصدوق : 182 / 5 عن طاووس اليمانيّ .
(45) مشكاة الأنوار : 60 ، شرح الأخبار : 3 / 502 / 1440 نحوه .
(46) أي: يدّعيه من غير أن يتّصف به .
(47) الكافي : 2 / 74 / 3 ، وراجع أمالي الصدوق : 499 / 3 ، صفات الشيعة : 90 / 22 ، تنبيه الخواطر : 2 / 185 ، أمالي الطوسيّ : 296 / 582 .
(48) النساء : 69 .
(49) الكافي : 2 / 78 / 12 عن أبي الصباح الكنانيّ .
(50) تفسير العيّاشيّ : 1 / 68 / 123 ، دعائم الإسلام : 1 / 133 وفيه «بورع واجتهاد» ، مستطرفات السرائر : 74 / 17 ، مشكاة الأنوار : 44 ، وذكره أيضًا في : 46 كلاهما عن الفضيل عن الإمام الصادق عليه السّلام .
(51) تحف العقول : 303 .
(52) الكافي : 2 / 77 / 9 عن أبي اُسامة .
(53) أمالي الصدوق : 326 / 17 ، أمالي الطوسيّ : 440 / 987 ، بشارة المصطفى : 170 وفيه «قبح القول» كلّها عن سليمان بن مهران .
(54) الكافي : 2 / 78 / 14 ، وذكر أيضًا في : 105 / 10 وفيه «... بالخير بغير ألسنتكم ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع» كلاهما عن ابن أبي يعفور .
(55) دعائم الإسلام : 1 / 58 ، شرح الأخبار : 3 / 506 / 1453 .
(56) الكافي : 2 / 219 / 11 عن هشام الكنديّ .

الصفحة السابقة

          اهل البيت (ع) في الكتاب و السنة

طباعة

الصفحة اللاحقة