الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج8)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 2

للعلامة مادح أهل البيت: وقد خمسه الشاعر المفلق عبد الباقي العمري والقصيدة المذكورة في كتاب حلية البشر (ج 2 ص 711):

(يا عليا به تباهي العلا * وتناهي في نعته الإطراء)

(ما لمجد شائوت فيه انتهاء * غاية المدح في علاك ابتداء)

(ليت شعري ما تصنع الشعراء)

(كنت للمجتبى بحرب وسلم * وزرا قائما بكل مهم)

(أنت صنو له بعلم وحكم * يا أخا المصطفى وخير ابن عم)

(وأمير إن عدت الأمراء)

(رتب نلتها بنسبة طه * قصرت كل رتبة عن مداها)

(إن نظرنا الأنام من مبتداها * ما نرى ما استطال إلا تناها)

(ومعاليك ما لهن انتهاء)

(لدراريك في سما المجد ضوء * وبحضن الأدوار منهن خب ء)

(يقتفي الحتم من سواريك بدء * فلك دائر إذا غاب جزء)

(من نواحيه أشرقت أجزاء)

(أو كشمس يغشي سناها الهباء * من غبار تثيره الهيجاء)

(فيميط الهباء عنها الهواء * أو كبدر ما يعتريه خفاء)

(من غمام إلا عراه انجلاء)

(أنت بحر لكنه غير آجن * لقريش به حمي ومساكن)

(لك مد قبل التكون كائن * يحذر البحر صولة الجزر لكن)

ص 3

(غارة المد غارة شعراء)

(نلت فضلا أبا تراب فأقصى * كل فضل عم الوجود وخصا)

(وبيوم الحساب لا يستقصي * ربما رمل عالج يوم يحصى)

(لم يضق في رماله الإحصاء)

(ولو أن الأقلام كل نبات * ومياه البحار حبر دواة)

(ضقن عما أظهرت من خارقات * وتضيق الأرقام عن معجزات)

(لك يا من إليه ردت ذكاء)

(منهجا للهدى خلقت قديما * جئت تهدي عميا وتشفي سقيما)

(فاتخذناك هاديا وحكيما * يا صراطا إلى الهدى مستقيما)

(وبه جاء للصدور شفاء)

(شدت في ذي الفقار للدين أصلا * فتسامى قدرا وعز وجلا)

(وعلى ما أسست قولا وفعلا * بني الدين فاستقام ولولا)

(ضرب ماضيك ما استقام البناء)

(أنت والحق دمتما بوفاق * أنت يوم اللقاء على الحوض ساق)

(أنت ذاك الكرار يوم سباق * أنت للحق سلم ما لراق)

(يتأتي بغيره الارتقاء)

(فيك خير الأنام أوتي سؤلا * مثل ما أوتي ابن عمران قبلا)

(يا أبا شبر وقد صح نقلا * أنت هارون والكليم محلا)

(من نبي سمت به الأنبياء)

(قل تعالوا ندعو بمحكم ذكر * لك فخر بها علا كل فخر)

(أنا أدري وجملة الخلق تدري * أنت ثاني ذوي الكساء ولعمري)

(أشرف الخلق من حواه الكساء)

ص 4

(كنت في جيب الغيب معني يصان * حين لا أعصر ولا أحيان)

(أيقل الأسرار منك مكان * ولقد كنت والسماء دخان)

(ما بها فرقد ولا جوزاء)

(بك ليل العماء ضاء بلالي * فاستضاء الوجود من ظلمة الغي)

(درة كنت والجواهر لا شيء * في دجى بحر قدرة بين بردى)

(صدف فيه للوجود الضياء)

(نقطة فرغت وليس وعاء * ملئت حكمة ولا إملاء)

(أنت باء لها العباء غطاء * لا الخلا يوم ذاك فيها خلاء)

(فيسمي ولا الملاء ملاء)

(خبر جاءنا بذا مأثور * وحديث مسلسل مشهور)

(عنعنته عن الصدور صدور * قال زورا من قال ذلك زور)

(وافترى من يقول ذاك افتراء)

(قصب السبق في مقام كريم * حزتها من لدن حكيم عليم)

(أنت يا من سبقت في تقديم * آية في القديم صنع قديم)

(قاهر قادر على ما يشاء)

(هل أتى في سواك ذكر حكيم * لك في نص آية تعظيم)

(أولم يفن من له الجهل خيم * نبأ والعظيم قال عظيم)

(ويل قوم لم يغنها الانباء)

(خصك الله من لدنه بمفخر * في مرايا العقول لا يتصور)

(كنت في غابة الهوية حيدر * لم تكن في العموم من عالم الذر)

(وينهل عن العموم النهاء)

(إنما الناس إن نظرت معادن * فرقها في تفاضل متباين)

(خلني من دفائن وضغائن * معدن الناس كلها الأرض لكن)

(أنت من جوهر وهم حصباء)

(كم قضينا من نشر تلك المطاوي * عجبا يوقع النهى في مهاوي)

ص 5

(ولقد صح إذ سبرنا الفحاوي * شبه الشكل ليس يقضي تساوي)

(إنما في الحقائق الاستواء)

(لم ينل نجم الأرض مهما تزيا * مثل نجم السماء مكانا عليا)

(فاتحاد الألفاظ لم يغن شيئا * لا تفيد الثرى حروف الثريا)

رفعة أو يعمه استعلاء)

(روضة أنت للعقول وروح * يجتني من طوباك رشد ونصح)

(ومتى هب من عبيرك نفح * شمل الروح من نسيمك روح)

(حين من ربه أتاه النداء)

(طالما للأملاك كنت دليلا * ولناموسهم هديت سبيلا)

(يوم نادى رب السماء جبرئيلا * قائلا من أنا فروي قليلا)

(وهو لولاك فاته الاهتداء)

(لك شكل نتيجة للقضايا * لك قلب للعالمين مرايا)

(لك فعل حوى رفيع المزايا * لك اسم رآه خير البرايا)

(مذ تدلى وضمه الاسراء)

(فوعاه بالحس حدا ورسما * حيث ساوى معناه منك مسمى)

(قبل عرض الأسماء اسما فاسما * خط مع اسمه على العرش قدما)

(في زمان لم تعرض الأسماء)

(إثر هذا أبدي عوالم ملك * فاطر الأرض والسماء ذات حبك)

(وأناط البروج فيها بسلك * ثم لاح الصباح من غير شك)

(وبدا سرها وبان الخفاء)

(فقضاها مسبب الأسباب * نوبة للأرحام والأصلاب)

(وجرى ما جرى بأم الكتاب * وبرى الله آدما من تراب)

(ثم كانت من آدم حواء).

ص 1

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تتمة الباب الثالث (1) الذي عقدناه للإشارة إلى بعض علومه عليه السلام)

 

 

كونه عليه السلام واضعا لعلم النحو

وقد تعرض له جماعة من أعلام القوم ننقل كلمات جملة منهم مع رعاية ترتيب يقع كلام كل واحد منهم تلو ما يناسبه في مضمونه. فمنهم العلامة أبو البركات الأنباري في (لمع الأدلة في أصول النحو) (ص 97) قال: أول من وضع قواعد أصوله، ونبه على فروعه وفصوله ذلك الحبر العظيم علي بن أبي طالب عليه السلام. ومنهم العلامة المذكور في (نزهة الالباء) (ص 3 ط القاهرة) قال: إعلم أيدك الله بالتوفيق وأرشدك إلى سواء الطريق، أن أول من وضع علم العربية وأسس قواعده وحد حدوده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأخذ عنه

(هامش)

(1) وهو الباب الثالث من أبواب المقصد الثالث (الذي عقدناه في علم مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام). (*)

ص 2

أبو الأسود الدئلي. (1) ومنهم العلامة الشيباني القفطي في (إنباه الرواة على أنباء النحاة) (ج 1 ص 4 ط القاهرة) قال: الجمهور من أهل الرواية على أن أول من وضع النحو أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه. ومنهم العلامة النحو والأدب أبو القاسم عبد الرحمان بن إسحاق الزجاجي النهاوندي البغدادي المتوفى سنة 337 في (الايضاح في علل النحو) (ص 42

(هامش)

(1) قال العلامة المذكور عند ذكره لذلك. وكان أبو الأسود ممن صحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وكان من المشهورين بصحبته ومحبته ومحبة أهل بيته وفي ذلك يقول:

يقول الأرذلون بنو قشير * طوال الدهر لا تنسى عليا

فقلت لهم فكيف يكون تركي * من الأشياء ما يحصى عليا

أحب محمدا حبا شديدا * وعباسا وحمزة والوصيا

فإن يك حبهم رشدا أصبه * وفيهم أسوة إن كان غيا

فكم رشدا أصبت وحزت مجدا * تقاصر دونه هام الثريا

وكان ينزل البصرة في بني قشير وكانوا يرجمونه بالليل لمحبته عليا وأهل بيته فإذا ذكر رجمهم له قالوا: إن الله تعالى يرجمك فيقول لهم: تكذبون لو رجمني الله أصابني ولكنكم ترجمون فلا تصيبون. وروى أن سبب وضع علي (ع) لهذا العلم أنه سمع أعرابيا يقر: لا يأكله إلا الخاطئين فوضع النحو. وقال في (ص 9) وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى وغيره أخذ أبو الأسود الدئلي النحو عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. (*)

ص 3

ط مكتبة دار العروبة بالقاهرة) قال: وقد روى لنا أن أول من قال ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، أعني قوله: الكلام اسم وفعل وحرف. وفي (ص 89) ويقال: إنه (أي أبا الأسود الدئلي) أول من سطر كتاب الكلام اسم وفعل وحرف وجاء لمعنى فسئل عن ذلك فقال: أخذته من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. ومنهم العلامة ابن كثير في (البداية والنهاية) (ج 8 ص 312 ط القاهرة) قال: أبو الأسود الذي نسب إليه النحو ويقال إنه أول من تكلم فيه وإنما أخذه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. ومنهم العلامة الدينوري في (الشعر والشعراء) (ص 280 ط السقاء بالقاهرة) قال: في ترجمة أبي الأسود الدئلي: إنه يعد في نحويين لأنه أول من عمل في النحو بعد علي بن أبي طالب الخ. ومنهم علامة الأدب أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري الأهوازي في (المصون) (ص 118 طبع الكويت) قال: أول من تكلم في النحو أبو الأسود الدئلي، وقال: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أمره بذلك. ومنهم العلامة الشيخ عبد الحي بن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب) (ج 1 ص طبع القاهرة) قال: أبو الأسود الدئلي الذي أسس النحو بإشارة علي إليه. ومنهم العلامة أحمد القلقشندي في (صبح الأعشى) (ج 1 ص 350 ط القاهرة) قال: أبو الأسود الدئلي واضع النحو بأمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. (وفي ص 420، الطبع المذكور)

ص 4

أول من وضع النحو أبو الأسود الدئلي بأمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهو أول من نقط المصاحف النقط الأول على الاعراب -. ومنهم العلامة السمعاني في (الأنساب) (ص 1113) قال: وقيل: إنما سمي هذا العلم بهذا الاسم، لأن العرب لما اختلطوا بالعجم ولد لهم الأولاد من عجميات فسد لسانهم، وصاروا يلحنون في الكلام، فقال علي لأبي الأسود الدئلي: قد فسد لسان المولدين فاجمع في علم الإعراب شيئا. ومنهم العلامة الشهير بابن النديم البغدادي في (الفهرست) (ص 65 ط الاستقامة بالقاهرة) قال: نقل عن أكثر العلماء أن النحو أخذ عن أبي الأسود الدئلي وأنه أخذ عن على أمير المؤمنين عليه السلام. ثم قال: قال أبو جعفر بن رستم الطبري: إنما سمي النحو نحوا، لأن أبا الأسود الدئلي قال لعلي عليه السلام وقد ألقى عليه شيئا من أصول النحو. قال أبو الأسود: واستأذنته أن أصنع نحو ما صنع فسمي ذلك نحوا. وقد اختلف الناس في سبب الذي دعى أبو الأسود إلى ما رسمه من النحو فقال أبو عبيدة: أخذ النحو عن علي بن أبي طالب أبو الأسود وكان لا يخرج شيئا أخذه عن علي كرم الله وجهه إلى أحد، حتى بعث إليه زياد أن أعمل شيئا، يكون للناس إماما، ويعرف به كتاب الله، الحديث. ومنهم العلامة عبد الله بن سعد اليافعي في (مرآة الجنان) (ج 1 ص 203 ط حيدر آباد) قال: إنما سمي النحو نحوا لأن أبا الأسود المذكور قال: استأذنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن أوضع نحو ما وضع فسمي لذلك نحوا والله أعلم.

ص 5

ومنهم العلامة الكنفراني الاسلامبولي في (الموفى) (ص 4 ط مجمع العلمي العربى بسوريا) قال: وكان مجلي الحلبة في هذا المضمار أبو الأسود الدئلي الكناني أخذ أعلام التابعين بإرشاد من الإمام علي رضي الله عنه. ومنهم العلامة النسابة السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي في (تاج العروس) (ج 1 ص 10 ط القاهرة) في مادة (المولود) قال: نقل السيوطي في (الزهر) عن أبي الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي، في كتابه (مراتب النحويين) ما حاصله: إن أول من رسم للناس النحو واللغة أبو الأسود الدئلي وكان أخذ ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان من أعلم الناس بكلام العرب. ومنهم العلامة النحوي اللغوي أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد الله الزبيدي الإشبيلي المتوفى سنة (379) في كتابه (طبقات النحاة) (ص 13 ط القاهرة) قال: وقال أبو العباس محمد بن يزيد: سئل أبو الأسود الدئلي عمن فتح له الطريق إلى الوضع في النحو وأرشده إليه فقال: تلقيته من علي بن أبي طالب رحمه الله، وفي حديث آخر قال: ألقي إلي علي أصولا احتذيت عليها. ومنهم العلامة السيوطي في (الوسائل) (ص 120 ط القاهرة) قال: أخرج أبو الفرج في الأغاني، من طريق جعفر بن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال: قيل لأبي الأسود: من أين لك هذا العلم، يعنون النحو قال: أخذت حدوده عن علي بن أبي طالب -. ومنهم العلامة البستوي الحنفي في (محاضرة الأوائل) (ص 69 طبع الاستانة) قال:

ص 6

فقيل له (أي أبي الأسود الدئلي): من أين لك هذا العلم؟ أي النحو فقال أخذت حدوده عن علي رضي الله عنه، أوائل السيوطي. ومنهم العلامة اليافعي في (مرآة الجنان) (ج 1 ص 203 ط حيدر آباد الدكن) قال: وقيل لأبي الأسود: من أين لك هذا العلم؟ يعنون النحو، قال: تلقنت حدوده من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ومنهم الحافظ أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي المتوفى سنة 322 في (الزينة في الكلمات الإسلامية العربية) (ص 71 ط دار الكتاب العربي بمصر): قال عبد الله بن إبراهيم بن مهدي المقري المصري المعروف بالعمري: حدثنا الأصمعي قال: سمعت أبا عمرو بن العلا يقول: جاء أعرابي إلى علي عليه السلام فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، كيف تقر هذه الحروف - لا يأكله إلا الخاطئون - كلنا والله يخطو. قال: فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام، وقال: يا أعرابي لا يأكله إلا الخاطئون، قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين ما كان الله ليظلم عباده. ثم التفت أمير المؤمنين عليه السلام إلى أبي الأسود الدئلي فقال: إن الأعاجم قد دخلت في الدين كافة، فاصنع للناس شيئا يستدلون به على صلاح ألسنتهم. ورسم له الرفع والنصب والخفض. وقد روي في هذه القصة أخبار غير هذه. ومنهم العلامة أبو البركات الأنباري في (نزهة الالباء) (ص 3 ط القاهرة) قال: وحكى أبو حاتم السجستاني ولد أبو الأسود الدئلي في الجاهلية وأخذ النحو عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، إلى أن قال: والصحيح أن أول من وضع النحو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لأن الروايات كلها تستند إلى أبي الأسود، وأبو الأسود يسند إلى علي فإنه روى عن أبي الأسود أنه سئل فقيل له: من أين لك هذا النحو؟

ص 7

فقال: لفقت حدوده من علي بن أبي طالب. ومنهم العلامة الذهبي في (تاريخ الإسلام) (ج 3 ص 94 ط مصر) قال: وقد أمره (أي أبا الأسود) علي رضي الله عنه بوضع النحو فلما أراه أبو الأسود ما وضع قال: ما أحسن هذا النحو الذي نحوت، ومن ثم سمي النحو نحوا. ومنهم العلامة المعاصر الحاج ميرزا عبد الله الزنجاني في (تاريخ القرآن) (ص 65 ط القاهرة): وكان أبو الأسود الدئلي قد تعلم أصول النحو من علي أمير المؤمنين عليه السلام اشتهر هو بعد ذلك بعلم العربية.

سبب تأسيسه عليه السلام لعلم النحو

وقد ذكر في كلمات القوم لذلك وجوه: (الأول والثاني) ما تقدم في تضاعف ما نقلناه عن القوم قبيل هذا (الثالث) ما ذكره جماعة من أعلام القوم: منهم العلامة أبو العباس محمد بن يزيد الشهير بالمبرد في (كتاب الفاضل) (ص 5 ط دار الكتاب بمصر) قال: وذكر أن السبب الذي بني له أبواب النحو وعليه أصلت أصوله إن ابنة أبي الأسود الدئلي قالت: يا أبت ما أشد الحر قال: الحصباء بالرمضاء، قالت:

ص 8

إنما عجبت من شدته، قال: أوقد لحن الناس، فأخبره بذلك عليا رحمه الله عليه فأعطاه أصولا بني منها، وعمل بعده عليها، فأخذه عن أبي الأسود عنبسة بن معدان المهري الذي يقال له عنبسة الفيل. ومنهم علامة الأدب الشيخ أبو الفتح نصر الله بن محمد بن الأثير الشافعي في (المثل السائر) (ص 5 طبع القاهرة): قال: وأول من تكلم في النحو أبو الأسود الدئلي، وسبب ذلك أنه دخل على ابنة له بالبصرة فقالت له: أبت ما أشد الحر متعجبة ورفعت أشد فظنها مستفهمة فقال: شهرنا حر فقالت: يا أبت إنما أخبرتك ولم أسألك فأتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين ذهبت لغة العرب ويوشك إن تطاول عليها زمان أن تضمحل فقال له: وما ذاك؟ فأخبره خبر ابنته، فقال: هلم صحيفة ثم أملى عليه: الكلام لا يخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، ثم رسم له رسوما فنقلها النحويون في كتبهم. ومنهم العلامة الشيخ محمد جمال الدين في (شرح العيون) (المطبوع بهامش الغيث المسجم ج 2 ص 36) قال: أول من وضع علم النحو أبو الأسود الدئلي، وسبب وضعه لذلك أنه دخل على ابنته بالبصرة، فقالت له: يا أبت ما أشد الحر فقال: شهر آذار، فقالت: يا أبت إنما أخبرتك ولم أسألك، وكان مرادها التعجب، فأتى أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه، فقال: يا أمير المؤمنين ذهبت لغة العرب لما خالطت الأعاجم، ويوشك أن تضمحل، وأخبره خبر ابنته، فأمره فاشترى صحفا فأملى عليه: الكلام كله لا يخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، ثم قال له: انح هذا النحو فسمي النحو، ثم رسم رسوم النحو كلها.

ص 9

إن سلسلة طبقات النحويين تنتهي إليه عليه السلام

ذكره القوم: منهم العلامة القفطي في (إنباه الرواة على أنبأ النجاة) (ج 1 ص 6 طبع القاهرة) قال: وأهل مصر قاطبة يرون بعد النقل والتصحيح، أن أول من وضع النحو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وأخذ عنه أبو الأسود الدئلي، وأخذ عن أبي الأسود الدئلي نصر بن عاصم البصري، وأخذ عن نصر أبو عمرو بن العلا البصري، وأخذ عن أبي عمرو الخليل بن أحمد، وأخذ عن الخليل سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان ين قنبر (1) وأخذ عن سيبويه أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط وأخذ عن الأخفش أبو عثمان بكر بن محمد المازني الشيباني وأبو عمرو الجرمي وأخذ عن المازني والجرمي أبو العباس محمد بن يزيد المبرد، وأخذ عن المبرد أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن السراج، وأخذ عن ابن السراج أبو علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي، وأخذ عن الفارسي أبو الحسن علي بن عيسى الربيعي، وأخذ عن الربعي أبو نصر القاسم بن مباشر الواسطي، وأخذ عن ابن المباشر طاهر بن أحمد بن بشاذ المصري، وأخذ أيضا عن الزجاج أبو جعفر النحاس أحمد بن إسماعيل المصري، وأخذ عن النحاس أبو بكر الأدفوي (2) وأخذ عن الأدفوي أبو الحسن علي بن إبراهيم الحوفي وأخذ عن الحوفي طاهر بن أحمد بن بابشاذ النحوي وأخذ عن ابن بابشاذ أبو عبد الله محمد بن بركات النحوي المصري، وأخذ عن ابن بركات وعن غيره أبو محمد بن بري، وأخذ عن ابن بري جماعة من علماء أهل مصر *(هامش *(1) بضم القاف ثم فتح النون وسكون الباء الموحدة كذا ضبطه في تاج العروس (ج 3 ص 508) (2) هو محمد بن علي الأدوفي ترجمته مذكورة في الإنباه برقم (684) فراجع. (*)

ص 10

وجماعة من القادمين عليه من المغرب وغيرها، وتصدر في موضعه بجامع عمرو بن العاص تلميذه الشيخ أبو الحسين النحوي المصري المنبوز بخرء الفيل. ومات في حدود سنة عشرين وستمأة -.

بعض ما ألقاه عليه السلام إلى أبي الأسود من أصول النحو

وننقل شطرا من ذلك عن كتب القوم: فمنهم العلامة ابن أبي الحديد في (شرح النهج) (ج 1 ص 6 ط القاهرة) قال: ومن العلوم علم النحو والعربية، وقد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه وأنشأه وأملى على أبي الأسود الدئلي جوامعه وأصوله، من جملتها: الكلام كله ثلاثة أشياء: اسم وفعل وحرف، ومن جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة ونكرة وتقسيم وجوه الإعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم، وهذا يكاد يلحق بالمعجزات لأن القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر ولا تنهض بهذا الاستنباط -. ومنهم العلامة الشيباني في (إنباه الرواة) (ج 1 ص 4 ط القاهرة) قال: قال: أبو الأسود الدئلي رحمه الله: دخلت على أمير المؤمنين علي عليه السلام فرأيته مطرقا مفكرا، فقلت: فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ فقال: سمعت ببلدكم لحنا، فأردت أن أصنع كتابا في أصول العربية، فقلت له: إن فعلت هذا أبقيت فينا (2) هذه اللغة العربية، ثم أتيته بعد أيام، فألقى إلي صحيفة فيها:

(هامش)

(1) في الأصل فيما تفكر (2) في رواية ياقوت عن الزجاج، إن فعلت هذا يا أمير المؤمنين أحييتنا وبقيت فينا هذه اللغة (معجم الأدباء ج 14 ص 49). (*)

ص 11

بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام كله اسم، وفعل، وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معني ليس باسم ولا فعل ثم قال: تتبعه وزد فيه ما وقع لك. واعلم أن الأشياء ثلاثة: ظاهر ومضمر، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر وإنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر. فجمعت أشياء وعرضتها عليه، فكان من ذلك حروف النصب، فذكرت منها: إن، وأن، وليت، ولعل، وكأن، ولم أذكر لكن، فقال: لم تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها. فقال: بلى هي منها، فزدها فيها (2). ومنهم العلامة أبو البركات الأنباري في (نزهة الالباء) (ص 3 ط القاهرة) قال: روى أبو الأسود قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فوجدت في يده رقعة، فقلت: ما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال إني تأملت كلام العرب فوجدته

(هامش)

(1) كذا في (معجم الأدباء) (ج 14 ص 49) وفي (نزهة الالباء) إن الأسماء وهو أوفق. (2) ثم قال: هذا هو الأشهر من أمر ابتدأ النحو. وقد تعرض الزجاجي أبو القاسم إلى شرح هذا الفصل من كلام علي كرم الله وجهه ورأيت بمصر في زمن الطلب بأيدي الوراقين جز فيه أبواب من النحو يجمعون على أنها مقدمة علي بن أبي طالب الذي أخذها عنه أبو الأسود الدئلي. وروي أيضا عن أبي الأسود قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأخرج لي رقعة فيها (الكلام كله اسم وفعل وحرف جاء لمعنى). قال: فقلت: ما دعاك إلى هذا؟ قال: رأيت فسادا في كلام بعض أهلي، فأحببت أن أرسم رسما يعرف به الصواب من الخطأ. فأخذ أبو الأسود النحو عن علي عليه السلام. الخ.

ص 12

قد فسد بمخالطة هذه الحمراء يعني الأعاجم، فأردت أن أصنع شيئا يرجعون إليه ويعتمدون عليه ثم ألقى إلي الرقعة وفيها مكتوب: الكلام كله اسم وفعل وحرف، فالاسم، ما أنبأ عن المسمى والفعل ما أنبأ به والحرف ما أفاد معنى. وقال لي: انح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع إليك واعلم يا أبا الأسود إن الأسماء ثلاثة ظاهر ومضمر واسم لا ظاهر ولا مضمر وإنما يتفاضل الناس يا أبا الأسود فيما ليس بظاهر لا مضمر وأراد بذلك الاسم المبهم قال: ثم وضحت بابي العطف والنعت ثم بابي التعجب والاستفهام إلى أن وصلت إلى باب إن وأخواتها ما خلا لكن فلما عرضتها على علي عليه السلام أمرني بضم لكن إليها، وكنت كلما وضعت بابا من أبواب النحو، عرضته عليه رضي الله عنه إلى أن حصلت ما فيه الكفاية، قال: ما أحسن هذا النحو الذي قد نحوت فلذلك سمي نحوا. ومنهم العلامة اليافعي في (مرآة الجنان) (ج 1 ص 203 ط حيدر آباد) قال: وهو (أي أبو الأسود) أول من وضع النحو، وفي سبب ذلك اختلاف كثير، قيل: إن عليا رضي الله عنه وضع له الكلام كله ثلاثة اسم وفعل وحرف، ثم دفعه إليه. ومنهم العلامة ابن كثير الدمشقي في (البداية والنهاية) (ج 8 ص 312 ط القاهرة) قال: قال أين خلكان وغيره: كان أول من ألقى إليه علم النحو علي بن أبي طالب وذكر له أن الكلام اسم وفعل وحرف ثم إن أبا الأسود نحى نحوه وفرع على قوله، وسلك طريقه، فسمي هذا العلم: النحو، لذلك. ومنهم العلامة ابن التيمية الحنبلي الحراني في (منهاج السنة) (ج 4 ص 142 ط القاهرة) قال: روى أنه قال لأبي الأسود الدئلي: الكلام اسم وفعل وحرف وقال: انح هذا النحو

ص 13

ومنهم العلامة الزبيدي في كتابه (تاج العروس) (ج 10 ص 360 ط القاهرة) في مادة (نحا). قال بعد أن ذكر وجوها لتسمية النحو: وقيل: لقول علي رضي الله عنه بعد ما علم أبا الأسود الاسم والفعل وأبوابا من العربية: انح علي هذا النحو. ومنهم الحافظ السيوطي في (تاريخ وأبوابا من العربية: انح علي هذا النحو. ومنهم الحافظ السيوطي في (تاريخ الخلفاء) (ص 181 ط السعادة بمصر) قال: وقال أبو القاسم الزجاجي في أماليه: حدثنا أبو جعفر محمد بن رستم الطبري حدثنا أبو حاتم السجستاني حدثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي حدثنا سعيد بن سلم الباهلي حدثنا أبي عن جدي عن أبي الأسود الدئلي أو قال: عن جدي أبي الأسود عن أبيه، فذكر الحديث بعين ما تقدم عن (إنباه الرواة) إلا أنه ذكر بدل قوله أبقيت: أحييتنا وبقيت فينا - وبدل قوله الكلام كله: الكلمة. ومنهم الحافظ المذكور في (الوسائل) (ص 119 ط القاهرة) روى الحديث فيه أيضا بعين ما تقدم عن (إنباه الرواة) إلا أنه ذكر بدل قوله أبقيت فينا أحييتنا وبقيت فينا. ومنهم العلامة السكتري البغوي في (محاضرة الأوائل) (ص 69 ط الاستانة) روى الحديث بعين ما تقدم عن (الوسائل). ومنهم العلامة البدخشي في (مفتاح النجا) (ص 77 مخطوط) روى الحديث نقلا عن السيوطي في (تاريخه) بعين ما تقدم عنه بلا واسطة لكنه لم يبدل كغيره من الكتب قوله: الكلام كله بقوله: الكلمة. ومنهم العلامة السيد مسعود بن حسن بن أبي بكر الشافعي في (الرحيم الرحمان) (ص 88 ط القاهرة) روى الحديث نقلا عن (تاريخ الخلفاء) بعين ما تقدم عنه بلا واسطة.

ص 14

ومنهم العلامة برهان الدين محمد بن إبراهيم بن يحيى بن علي الأنصاري الكتبي في (غرر الخصائص الواضحة) (ص 157 طبع الشرفية بمصر) قال: فأما النحو فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الذي ابتكره واخترعه وقالوا في أصل وضعه له: إن أبا الأسود الدئلي كان ليلة على سطح بيته وعنده بنت له، فرأت السماء ونجومها وحسن تلألؤ أنوارها مع وجود الظلمة، فقالت: يا أبت، ما أحسن السماء بضم النون، فقال: أي بنية نجومها وظن أنها أرادت أي شيء أحسن منها فقالت: يا أبت إنما أردت التعجب من حسنها، فقال: قولي ما أحسن السماء فلما أصبح غدا على علي رضي الله عنه، وقال: يا أمير المؤمنين حدث في أولادنا ما لم نعرفه وأخبره بالقصة فقال: هذا بمخالطة العجم ثم أمره فاشترى صحفا وأملى عليه بعد أيام: أقسام الكلام ثلاثة: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى وجملة من باب التعجب، وقال انح نحو هذا فكان ذلك أول ما ألف في النحو، ثم قال: تتبعه وزد فيه ما وقع لك، واعلم يا أبا الأسود إن الأشياء ثلاثة النحو، ظاهر ومضمر وشيء ليس بظاهر ولا مضمر قال: فجمعت منها أشياء وعرضتها عليه فكان من ذلك حروف النصب فذكرت منها إن وأن وليت ولعل وكأن ولم أذكر لكن فقال لي لم تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها، قال: بل هي منها فزدتها فيها -. منهم العلامة المير حسين بن معين الدين الميبدي اليزدي في (شرح ديوان أمير المؤمنين) (ص 183 مخطوط) قال: روى أن أبا الأسود الدئلي سمع من يقر: (إن الله برئ من المشركين ورسوله) بالجر فذكره لعلي فقال: بمخالطة العجم، أقسام الكلام ثلاث: اسم، وفعل، وحرف، والاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أوجد معنى في غيره، والفاعل مرفوع وما سواه فرع عليه، والمفعول منصوب وما سواه فرع عليه، والمضاف إليه مجرور وما سواه فرع عليه، يا أبا الأسود انح هذا النحو.

ص 15

ومنهم العلامة أبو الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي الحلبي المتوفى سنة 351 في (مراتب النحويين) (ص 8 القاهرة) قال: وكان أبو الأسود أخذ ذلك (أي علم النحو) عن أمير المؤمنين عليه السلام لأنه سمع لحنا فقال لأبي الأسود: اجعل للناس حروفا وأشار له إلى الرفع والنصب والجر وكان أبو الأسود ضنينا بما أخذه من ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام. وأخبرنا محمد بن يحيى، قال: أخبرنا محمد بن زيد عن الخليل قال لم يزل أبو الأسود ضنينا بما أخذه عن علي عليه السلام. ومنهم علامة النحو القاضي أبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي الشيرازي المتوفى في سنة 468 في (أخبار النحويين) (ص 11 مكتبة مصطفى الحلبي بمصر) قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: أخذ أبو الأسود عن علي بن أبي طالب عليه السلام العربية، فكان لا يخرج شيئا مما أخذه عن علي بن أبي طالب عليه السلام إلى أحد، حتى بعث إليه زياد اعمل شيئا تكون فيه إماما (ينتفع الناس به) وتعرب به كتاب الله فاستعفاه من ذلك حتى سمع أبو الأسود قارئا يقرء: (إن الله برئ من المشركين ورسوله) فقال: ما ظننت أن أمر الناس صار إلي فرجع إلى زياد فقال: أنا أفعل ما أمر به الأمير فليبغني كاتبا لقنا يفعل ما أقول فأتي بكاتب من عبد القيس، فلم يرضه، فأتي بآخر (قال العباس أحسبه منهم) فقال أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطه فوقه على أعلاه، فإن ضممت فمي فانقط نقطة بين يدى الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف فان اتبعت شيئا من ذلك غنة، فاجعل مكان النقطة نقطتين، فهذا نقط أبي الأسود. ومنهم علامة النحو واللغة والحديث أبو الفتح عثمان بن جنى المتوفى سنة 3 92 في (الخصائص) (ج 2 ص 8) وروى من حديث علي رضي الله عنه مع الأعرابي الذي اقرئه المقري (إن الله بري من المشركين ورسوله)، حتى قال الأعرابي برئت من رسول الله،

ص 16

فأنكر ذلك علي عليه السلام، ورسم لأبي الأسود من عمل النحو ما رسمه: ما لا يجهل موضعه (1).

علمه عليه السلام بالفصاحة

وقد اشتهرت فصاحته في الآفاق يعرفه كل مخالف مؤالف حتى قيل: إن كلامه فوق كلام المخلوقين ودون كلام الخالق وناهيك في ذلك المراجعة إلى خطبه عليه السلام وكلماته، وقد جمعنا مما أورده القوم من ذلك في كتبهم قدرا كثيرا نستدركه على ما جمعه في نهج البلاغة في مجلد مستقل من ملحقات الاحقاق أنشأ الله تعالى ولا نذكر ههنا إلا أنموذجا مما ذكره القوم في فصاحته. قال العلامة الشهير بابن أبي الحديد في (شرح نهج) (ج 1 ص 8 القاهرة) وأما الفصاحة فهو عليه السلام إمام الفصحاء وسيد البلغاء، وفي كلامه قيل: دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين، ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة، قال عبد الحميد ابن يحيى: حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثم فاضت وقال ابن نباتة: حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الإنفاق إلا سبعة (سعة ظ) وكثرة حفظت مأة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب، ولما قال محقن بن أبي محقن لمعاوية: جئتك من عند أعيى الناس قال له: ويحك كيف يكون أعيى الناس فوالله ما سن الفصاحة لقريش غيره ويكفي هذا الكتاب الذي نحن شارحوه دلالة على أنه لا يجارى في الفصاحة ولا يبارى في البلاغة، وحسبك أنه لم يدون لأحد من فصحاء الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دون له، وكفاك في هذا الباب ما يقوله أبو عثمان الجاحظ في مدحه في كتاب البيان والتبيين وفي غيره من كتبه -.

(هامش)

(1) وفي القرطبي أن الأعرابي قال: أوقد برئ الله من رسوله! فان يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرء منه. (ما لا يجهل موضعه) بدل من قوله: (ما رسمه). (*)

ص 17

وقال في (ج 2 ص 99 ط القاهرة): قال أبو عثمان: فكان جعفر يسميه فصيح قريش. واعلم أننا لا يتخالجنا الشك في أنه عليه السلام أفصح من كل ناطق بلغة العرب من الأولين والآخرين إلا من كلام الله سبحانه وكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك لأن فضيلة الخطيب والكاتب في خطابته وكتابته تعتمد على أمرين هما مفردات الألفاظ ومركباتها، أما المفردات فأن تكون سهلة سلسة غير وحشية ولا معقدة، وألفاظه عليه السلام كلها كذلك، فأما المركبات فحسن المعنى، وسرعة وصوله إلى الأفهام، واشتماله على الصفات التي باعتبارها فضل بعض الكلام على بعض، وتلك الصفات هي الصناعة التي سماها المتأخرون البديع من المقابلة والمطابقة وحسن التقسيم ورد آخر الكلام على صدره، والترصيع، والتسهيم والتوشيح، والمماثلة، والاستعارة، ولطافة استعمال المجاز، والموازنة، والتكافؤ والتسميط، والمشاكلة، ولا شبهة إن هذه الصفات كلها موجودة في خطبه وكتبه، مبثوثة متفرقة فيه فرش كلامه عليه السلام، وليس يوجد هذان الأمران في كلام أحد غيره فانكان قد تعملها وأفكر فيها وأعمل رويته في رصفها ونثرها فلقد أتى بالعجب العجاب ووجب أن يكون إمام الناس كلهم في ذلك لأنه ابتكره ولم يعرف من قبله، وإن كان اقتضبها ابتدأ وفاضت على لسانه مرتجلة وجاش بها طبعه بديهة من غير روية ولا اعتمال فأعجب وأعجب، وعلى كلا الأمرين فلقد جاء مجليا والفصحاء تنقطع أنفاسهم على أثره ويحق ما قال معاوية لمحقن الضبي لما قال به: جئتك من عند أعيى الناس: يا ابن اللخناء ألعلي تقول هذا؟ وهل سن الفصاحة لقريش غيره. واعلم أن تكلف الاستدلال على أن الشمس مضيئة يتعب وصاحبه منسوب إلى السفه وليس جاحد الأمور المعلومة علما ضروريا بأشد سفها ممن رام الاستدلال بالأدلة النظرية عليها.

ص 18

علمه عليه السلام بالجفر والأعداد والاسم الأعظم

ونحن نورد بعض ما ذكره القوم في ذلك منها ما ذكره العلامة القندوزي فيه (ينابيع المودة) (ص 14 ط اسلامبول) قال: علي أول من وضع مربع مائة في مأئة في الإسلام وقد صنف الجفر الجامع في أسرار الحروف وفيه ما جرى للأولين وما يجري للآخرين وفيه اسم الله الأعظم وتاج آدم وخاتم سليمان وحجاب آصف:، وكانت الأئمة الراسخون من أولاده رضي الله عنهم يعرفون أسرار هذا الكتاب الرباني واللباب النوراني وهو ألف وسبعمأة مصدر المعروف بالجفر الجامع والنور اللامع وهو عبارة عن لوح القضاء والقدر. ثم الإمام الحسين رضي الله عنه ورث علم الحروف من أبيه كرم الله وجهه، ثم الإمام زين العابدين ورث من أبيه رضي الله عنهما، ثم الإمام محمد الباقر ورث من أبيه رضي الله عنهما. ثم الإمام جعفر الصادق ورث من أبيه رضي الله عنهما وهو الذي غاص في أعماق أغواره واستخرج درره من أصداف أسراره وحل معاقد رموزه وفك طلاسم كنوزه وصنف الخافية في علم الجفر في خافيته الباب الكبير أبتث وفي الباب الصغير أبجد إلى قرشت ونقل أنه يتكلم بغوامض الأسرار والعلوم الحقيقية وهو ابن سبع سنين (2)

(هامش)

(1) وقال في (ص 402، الطبع المذكور) وكان الاسم الأعظم مكتوبا على عصا موسى عليه السلام وسيف علي كرم الله وجهة. (2) قال علامة الشيخ ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم بن الفرات الحنفي المصري المتوفى سنة 804 في (تاريخه) (ج 8 ص 34 طبعة بيروت) في ترجمة الشيخ محمد بن الحسن الاخميمي الدمشقي المتوفى سنة 684:. إنه كان متضلعا في علم الجفر والحروف وإنه رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأراه دائرة الحروف وعلمه الجفر والمستحصلة في المنام. (*)

ص 19

ومنها ما ذكره العلامة الآمرتسري في (أرجح المطالب) (ص 162 ط لاهور) قال: علم الجفر والحساب كان لعلي عليه السلام وبالجملة ما من علم إلا ولعلي عليه السلام له بناء وهو مصدر العلوم كلها. ومنها ما ذكره العلامة الشيخ محمد بن طلحة الحلبي الشافعي في (الدر المنظم) (على ما في ينابيع المودة ص 403 ط اسلامبول) ذكر فيه: جعفر الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو ألف وسبعمأة مصدر من مفاتيح العلوم ومصابيح النجوم المعروف عند علماء الحروف بالجفر الجامع والنور اللامع وهو عبارة عن لوح القضاة والقدر عند الصوفية، وقيل: مفاتيح اللوح والقلم، وقيل سر القضاء والقدر، وقيل مفتاح علم اللدني، وهما كتابان جليلان أحدهما ذكر الإمام علي كرم الله وجهه على المنبر وهو قائم يخطب بالكوفة على ما سيأتي فإنه المسمى بخطبة البيان، والآخر أسره رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم وعلي بابها وأمره بتدوينه فكتبه الإمام علي رضي الله عنه حروفا متفرقة على طريقه سفر آدم عليه السلام في جفر يعني في رفق قد صنع من جلد البعير واشتهر بين الناس بالجفر الجامع والنور اللامع، وقيل الجفر والجامعة وفيه ما جرى للأولين وما يجرى للآخرين، والإمام جعفر الصادق رضي الله عند قد جعل في خافية الباب الكبير ات ث إلى آخرها والباب الصغير أبجد إلى قرشت. ونقل عنه في (ص 410، الطبع المذكور) ما هذه عبارته: وقد تكلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في هذا السر المصون واللؤلؤ المكنون على شأن الماضي والمستقبل، وهو ألف وسبعمأة مصدر، وهو محتو على ثمانية وعشرين صورة بعدد منازل القمر، وقد ذكر أرباب الحقائق أن صورة من هذه الصور احتوت على سبعين ملكا، فجعلنا أعداد هذه الملوك فوجدناها

ص 20

ألفا وتسعمأة وستين ملكا، وفيه أيضا سبعة أشكال بعدد الكواكب السيارة، قد ذكر الإمام علي فيها شأن أربعة عشر ملكا من بني أمية، أولهم معاوية، وآخرهم مروان بن محمد وخلص لهم الأمر (83) سنة كاملة وهي ألف شهر، ثم فيه اثنا عشر شكلا بعدد حقائق البروج قد ذكر فيها أسرار خلفاء العباسية، أولهم أبو العباس السفاح واسمه عبد الله بن محمد بن علي بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم، قدبويع لهم في ربيع الأول في عام (132) من الهجرة، وكانت خلافته أربع سنين وعشر أشهر كخلافة الإمام علي كرم الله وجهه، آخرهم الإمام المستكفي بالله وصفا لهم الزمان خمسمأة وتسعة وستون سنة وكلهم تسعة وثلاثون خليفة، وهذا الإمام المهدي يبايعه أهل الله في شوال، وقد ذكر فيه أرباب أسرار الملاحم والفتن من ابتدأ ظهور المهدي إلى انقراض العالم، وقد ورثه من أبيه الحسن العسكري، وهو ورثه من أبيه علي النقي، وهو ورثه من أبيه الحسن العسكرى، وهو ورثه من أبيه علي النقي، وهو ورثه من أبيه محمد التقي، وهو ورثه من أبيه علي الرضا، وهو ورثه من أبيه موسى الكاظم، وهو ورثه من أبيه جعفر الصادق، وهو ورثه من أبيه محمد الباقر، وهو ورثه من أبيه زين العابدين، وهو ورثه من أبيه الحسين، وهو ورثه من أبيه الإمام علي رضي الله عنهم أجمعين. ومنها ما ذكره علامة علم الحروف في زمانه الشيخ عبد الرحمان بن محمد بن علي بن أحمد في (درة المعارف) (على ما في ينابيع المودة ص 398 ط اسلامبول) قال: وأما آدم عليه الصلاة والسلام أول من تكلم في الحروف، ثم ذكر علم الأنبياء بالحروف، وتوارث بعضهم من بعض إلى أن انتهى إلى نبينا صلى الله عليه وآله - إلى أن قال -: ثم إن عليا كرم الله وجهه ورث علم أسرار الحروف من سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وهو أول من وضع وفق مأة في مأة في الإسلام ثم الإمامان الحسن والحسين ورثا علم أسرار الحروف

ص 21

من أبيهما الإمام زين العابدين ورث من أبيه علم أسرار الحروف ثم ابنه الإمام محمد الباقر ثم ابنه الإمام جعفر الصادق رضي الله عنهم وهو الذي حل. معاقد رموزه وفك طلاسم كنوزه وقال الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه علمنا غابر، ومزبور، وكتاب مسطور في رق منشور، ونكت في القلوب، ومفاتيح أسرار الغيوب، وعندنا الجفر الأبيض والجفر الأحمر والجفر الأكبر والجفر الأصغر، والجامعة، والصحيفة، وكتاب علي كرم الله وجهه (1).

(هامش)

(1) وقال بعد ذلك: قال لسان الحروف ومشكاة أنوار الظروف شارح الزهر الفائح والسر اللائح، أبو عبد الله زين الكافي قدس الله سره: أما قوله: علمنا غابر، فإنه أشار به إلى العلم بما مضى من القرون والأنبياء عليهم الصلوات والتحيات وكلما كان من الحوادث في الدنيا، وأما المزبور، فإنه أشار به إلى المسطور في الكتب الإلهية والأسرار الفرقانية المنزلة من السماء على المرسلين والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وأما الكتاب المسطور، فإنه أشار به إلى أنه مرقوم في اللوح المحفوظ، وما قوله: نقر في السماء، فإنه به إلى أنه كتاب علي وخطاب جلي لا ينفر منه الطبع ولا يكرهه السمع لأنه كلام عذب يسمعونه ولا يرون قائله ويؤمنون بالغيب، وأما الجفر الأبيض، فإنه أشار به إلى أنه وعاء فيه سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عند من له الأمر ولا يظهر حتى يقوم رجل من أهل البيت، وأما الجفر الأكبر، فإنه أشار به إلى المصادر الوفقية التي هي من ألف باء تاء ثاء إلى آخرها وهي ألف وفق. وأما الجفر الأصغر، فإنه أشار به إلى المصادر التي هي مركبة من أبجد إلى قرشت وهي سبعمأة وفق، وأما الجامعة، فإنه أشار به إلى كتاب فيه علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وأما الصحيفة، فهي فاطمة رضي الله عنها، فإنه أشار بها إلى ذكر الوقايع والفتن والملاحم وما هو كائن إلى يوم القيامة، وأما كتاب علي، فإنه أشار به إلى كتاب أملاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فلق فيه، أي من شق فمه ولسانه المبارك وكتب علي وأثبت فيه كلما يحتاج إليه من الشرايع الدينية والأحكام حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة. (*)

ص 22

إلى أن قال: ولا بد للشارع في علم الحروف من معرفة علم التصحيف كتب علي كرم الله وجهه خراب البصرة بالريح يعني بالزنج، قال الحافظ الذهبي ما علم تصحيف هذه الكلمة إلا بعد المأتين من الهجرة بالغرمط الزنجي خرجت البصرة. إلى أن قال: قال تعالى (ولقد آتينا داود وسليمان علما) قال بعض المفسرين: ذلك هو الاسم الأعظم تركب من الحروف الواردة في فواتح السور، وكان مكتوبا على خاتم سليمان بن داود لان الحديد لداود، وسخر الجن لسليمان، وطوى الأرض للخضر، وبه تعلم العلم اللدني وبه أوتي عرش بلقيس، وبه يحيى عيسى الطري ، وكان مكتوبا على عصا موسى عليه السلام وسيف علي كرم الله وجهه.

علمه عليه السلام بتعبير الرؤيا

ما ذكره القوم: منهم العلامة الشيخ عبد الرحمان بن عبد السلام البغدادي في (نزهة المجالس) (ج 2 ص 20 ط القاهرة) قال: قال جابر بن عبد الله لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم: رأيت في النوم بقرا كبارا تحلب بقرا صغارا، ورأيت أصناما على منابر يرمين بشرر النار من أفواههم، ورأيت بساتين خضرة على نهر يابس، ورأيت مرضى ويعودون أصحاء، ورأيت فرسا برأسين تأكل ولا تتغوط، ورأيت كرباسا معلقا بين السماء والأرض قد تعلق كل واحد بطرف منه، ورأيت طيرين خرجا من وكرهما فقال الإمام علي رضي الله عنه: أما البقر الكبار الذين يحلبون الصغار فهم الأمراء يأكلون أموال الناس، وأما الأصنام التي على المنابر فهو من يجلس عليها وليس من أهلها، وأما البساتين الخضرة التي على النهر اليابس فهم العلماء ظاهرهم عامر بالعلم وباطنهم يابس من ترك العمل وأما المرضى الذين يعودون الأصحاء فهم الفقراء يترددون إلى أبواب الأغنياء، وأما

ص 23

الفرس برأسين فهو الغني يأكل ولا يشكر، وأما الكرباس المعلق بين والسماء والارض فهو الإسلام، وأما الطيران فهما الوفاء والأمانة يخرجان ثم لا يعودان.

علمه عليه السلام بالمسائل الحسابية

ونذكر أنموذجا منه: ذكره الشيخ سليمان البخلي القندوزي في (ينابيع المودة) (ص 75 ط اسلامبول) قال: وروي أن رجلا من اليهود سأله (أي عليا) حين وضع قدمه على الركاب أي عدد له كسور التسعة له نصف وثلث وربع وخمس وسدس سبع وثمن وتسع وعشر كلها صحيح ؟ قال علي رضي الله عنه البديهة فورا: إضرب أيام إسبوعك في أيام سنتك فما حصل فهو مقصودك فأسلم اليهودي وتسمى هذه المسألة المسألة الركابية أقول: وقد تقدم نبذة من المسائل الحسابية في ذكر بعض قضايا المعجبة.

كلام محمد بن طلحة الشافعي في بعض أقسام علومه عليه السلام

قال العلامة المذكور في (مطالب السؤول) (ص 28) في عداد العلوم:

الأول علم القرآن وقد استفاض بين الأمة أن رئيس أئمة التفسير وقدوتهم والمقدم عليهم والمشار إليه فيه عبد الله بن عباس (رض) وهو كان تلميذا لعلي عليه السلام ومقتديا به، وآخذ عنه، ومستفيدا منه

وثانيها علم القرائات وإمام الكوفيين المشهور بالقراءة منهم عاصم بن أبي النجود إلى أن قال: فعاصم فيها تلميذ لتلميذ علي عليه السلام.

ص 24

وثالثها علم النحو وقد تقرر في العالم أن أول ما ظهر النحو من علي عليه السلام وأنه هو الذي أرشد أبا الأسود الدئلي إليه.

ورابعها علم البلاغة والفصاحة وكان فيها إماما لا يشق غباره، ومقدما لا تلحق آثاره

وخامسها علم تصفية الباطن وتزكية النفس فقد أجمع أهل التصوف من أرباب الطريقة وأئمة الحقيقة أن انتساب خرقتهم ومرجعهم في آداب طريقتهم ومردهم في أسباب حقيقتهم إلى علي عليه السلام.

وسادسها علم التذكر بأيام الله، وتحذير عقابه، والموعظة والتخويف بآيات كتابه.

وسابعها علم الزهد والورع، وكان في الصحابة رضوان الله عليهم أجمع من الزهاد والمشهود لهم به كأبي ذر الغفاري وأبي الدرداء، وسلمان الفارسي رضي الله عنهم وكان بأسرهم تلامذة لعلي عليه السلام

وثامنها علم مكارم الأخلاق وحسن الخلق وقد بلغ في ذلك إلى الغاية القصوى.

وتاسعها علم الشجاعة والقوة، واتصافه بذلك أشهر من النهار وأظهر من الشمس لذوي الأبصار.

وعاشرها وهي القاعدة الواكف سبب صلاحها المزدلفة سبب إصلاحها والوارفة على الملة ظل جناحها الصارفة حكمها عن الأمة مخدور جناحها الخ (1)

(هامش)

(1) قال العلامة محمد خواجة پاسارى البخاري في (فصل الخطاب) (على ما في ينابيع المودة ص 373 ط اسلامبول) قال: وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي النيشابوري في كتابه: قال الشيخ جنيد قدس سره: أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لو تفرغ إلينا عن الحروف لوصل إلينا عنه من هذا العلم (*)

ص 25

علمه عليه السلام بالفقه

قال الشيخ العلامة ابن أبي الحديد المدائني المعتزلي في (شرح النهج) (ج 1 ص 6 ط القاهرة) قال: ومن العلوم علم الفقه وهو عليه السلام أصله وأساسه، وكل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه، ومستفيد من فقهه، أما أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف ومحمد وغيرهما فأخذوا عن أبي حنيفة، وأما الشافعي فقرء على محمد بن الحسن فيرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة، وأما أحمد بن حنبل فقرء على الشافعي فيرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة، وأبو حنيفة قرء على جعفر بن محمد عليه السلام وقرء جعفر على أبيه عليه السلام وينتهي الأمر إلى علي عليه السلام، وأما مالك بن أنس فقرء على ربيعة وقرء ربيعة على عكرمة، وقرء عكرمة على عبد الله بن عباس، وقرء عبد الله بن عباس على علي عليه السلام، وإن شئت رددت إليه فقه الشافعي بقرائته على مالك كان لك ذلك، فهؤلاء الفقهاء الأربعة، وأما فقه الشيعة فرجوعه إليه ظاهر، وأيضا فإن فقهاء الصحابة كانوا عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس، وكلاهما أخذا عن علي عليه السلام، أما ابن عباس فظاهر، وأما عمر فقد عرف كل أحد رجوعه إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة وقوله غير مرة لولا علي لهلك عمر (1) وقوله لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن (2) وقوله لا يفتين أحد في المسجد وعلي حاضر (3) فقد عرف =

(هامش)

ما لا يقوم له القلوب وقال أيضا: صاحبنا في هذا الأمر الذي أشار إلى ما تضمنه القلوب وأومئ إلى حقائقه بعد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجعفر الصادق رضي الله عنه فاق جميع أقرانه من أهل بيته (إنتهى). (1) سيأتي ذكر بعض مداركه. (2) سيأتي ذكر بعض مداركه. (3) سيأتي ذكربعض مداركه. (*)

ص 26

بهذا الوجه أيضا انتهاء الفقه إليه وقد روت العامة والخاصة قوله (1) صلى الله عليه وآله: أقضاكم علي، والقضاء هو الفقه فهو إذا أفقههم وروى الكل أيضا أنه عليه السلام قال له وقد بعثه إلى اليمن قاضيا: اللهم أهد قلبه وثبت لسانه (2) قال: فما شككت بعدها في قضاء بين اثنين وهو عليه السلام الذي أفتى في المرأة التي وضعت لستة أشهر، وهو الذي أفتى في الحامل الزانية، وهو الذي قال في المنبرية صار ثمنها تسعا وهذه المسألة لو أفكر الفرضي فيها فكرا طويلا لاستحسن منه بعد طول النظر الجواب فما ظنك بمن قاله بديهة واقتصبه ارتجالا (3). (إنتهى). وقال علامة الكلام والأدب السيد أحمد بن يحيى بن المرتضى الحسني المهدي لدين الله اليماني الصنعائي المتوفى سنة 80 في كتابه (طبقات المعتزلة) (ص 6 ط بيروت): قال: وكذلك فقه أهل العراق أخذوه عن أبي حنيفة عن حماد بن سلمة عن علقمة والأسود عن علي عليه السلام وابن مسعود

(هامش)

(1) تقدم ذكر بعض مداركه في (ج 4 من ص 320، إلى ص 323) فراجع (2) تقدم ذكر بعض مداركه في باب نوادر أدعية النبي صلى الله عليه وآله في علي (ع) في (ج 7 ص 63 إلى ص 77) وسيجئ الأحاديث المشتملة عليه بنحو الإخبار بأن الله سيهدي قلبه ويثبت لسانه. (3) سيأتي مدارك ذلك كله عند ذكر بعض قضاياه العجيبة (4) ثم قال بعد ذلك: وسند المعتزلة لمذهبهم أوضح من الفلق إذ يتصل إلى واصل وعمرو اتصالا ظاهرا شاهرا، وهما أخذا عن محمد بن علي بن أبي طالب وابنه أبي هاشم عبد الله ابن محمد، ومحمد هو الذي ربي واصلا وعلمه حتى تخرج واستحكم، ومحمد أخذ عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما ينطق عن الهوى. قال الحاكم: وبيان اتصاله بواصل وعمرو إنه أخذه القاضي عن أبي عبد الله البصري = (*)

ص 27

فلنذكر جمله مما ورد في كتب القوم مما يدل على غزارته في علم الفقه:

الأول ما رواه جماعة من أعلام القوم:

منهم العلامة المشهور بابن سعد في (الطبقات الكبرى) (ج 2 ص 338 ط دار الصادر بيروت) قال: أخبرنا سليمان أبو داود الطيالسي قال: أخبرنا شعبة عن السماك بن حرب قال: سمعت عكرمة يحدث عن ابن عباس قال: إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا لا نعدوها. ومنهم الحافظ أبو محمد عبد الرحمان بن أبي حاتم الرازي المتوفى سنة 327 في كتابه (الجرح والتعديل) (ج 1 ص 27 طبع حيدر آباد) قال: حدثنا عبد الرحمان بن أبي حاتم نا يونس بن حبيب نا أبو داود فذكر الحديث بعين ما تقدم عن (الطبقات الكبرى) سندا ومتنا. ومنهم العلامة المشهور بابن كيع في (أخبار القضاة) (ج 1 ص 90 ط السعادة بمصر) قال: حدثنا أحمد بن ملاعب بن حسان، وأحمد بن موسى الحرامي، قالا: حدثنا عمر بن طلحة القيار، قال: حدثنا أسباط بن نصر، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إلا بلغنا شي تكلم به علي قضاء أو فتيا لم تجاوزه إلى غيره.

(هامش)

= وأبو عبد الله أخذه عن أبي إسحاق بن عياش، وأبو إسحاق أخذه عن أبى هاشم وطبقته، وأبو هاشم أخذه عن أبيه أبي علي الجبائي، وأبو علي أخذه عن أبي يعقوب الشحام، والشحام أخذه عن أبي الهذيل وأبو الهذيل أخذه عن عثمان الطويل وطبقته، وعثمان أخذه عن واصل وعمرو، وهما أخذاه عن عبد الله بن محمد، وعبد الله أخذه عن أبيه محمد بن علي ابن الحنفية، ومحمد أخذه عن أبيه علي (ع) وعلي عليه السلام أخذ عنه صلى الله عليه وآله وسلم. وما ينطق عن الهوى. (*)

ص 28

ومنهم الحافظ ابن عبد البر في (الاستيعاب) (ج 2 ص 462 ط حيدر آباد الدكن) قال: قال وحدثنا فضيل عن عبد الوهاب قال حدثنا شريك عن ميسرة عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به. ومنهم العلامة محمد خواجه پارسا البخاري في (فصل الخطاب) (على ما في ينابيع المودة ص 372 ط اسلامبول) قال: قال ابن عباس إذا ثبت لنا شي عن علي لم نعدل إلى غيره وسؤال كبار الصحابة ورجوعهم إلى فتواه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات مشهور، وأما زهده فهو من الأمور المشهورة التي أشرك في معرفتها الخاص والعام. ومنهم الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني في (تهذيب التهذيب) (ج 1 ص 337 ط حيدر آباد) روى عن سعيد عن ابن عباس بعين ما تقدم عن (الاستيعاب) ومنهم الحافظ المذكور في (الإصابة) روى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بعين ما تقدم عن (الاستيعاب) ومنهم العلامة المذكور في (فتح الباري) (ص 137) روى عن ابن عباس قوله كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به، وقول سعيد بن عمر بن العاص لم كان صفو الناس إلى علي مما فيه الإخبار بأن الجميع كان يرجع إليه لشهرته بالعلم بينهم... ومنهم العلامة ابن الأثير في (أسد الغابة) (ج 4 ص 23 ط مصر) قال: وروي سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: إذا ثبت لنا الشي عن علي لم نعدل عنه إلى غيره. ومنهم العلامة ابن حجر الهيتمي في (الصواعق) (ص 76 ط الميمنية بمصر) روى الحديث من طريق ابن سعد عن ابن عباس بعين ما تقدم عن (الطبقات).

ص 29

ومنهم العلامة السيوطي في (تاريخ الخلفاء) (ص 171 ط السعادة بمصر) روى من طريق ابن سعد عن ابن عباس بعين ما تقدم عن (الطبقات). ومنهم العلامة المولى علي المتقي الهندي في (منتخب كنز العمال) (المطبوع بهامش المسند ج 5 ص 53 ط حيدر آباد). روى عن ابن عباس بعين ما تقدم عن الطبقات . ومنهم العلامة البدخشي في (مفتاح النجا) (ص 56 مخطوط) روى من طريق ابن سعد عن ابن عباس بعين ما تقدم عن (الطبقات). ومنهم العلامة الآمرتسري في (أرجح المطالب) (ص 113 ط لاهور) روى من طريق ابن عبد البر عن (الاستيعاب) عن ابن عباس بعين ما تقدم عنه بلا واسطة. ومنهم العلامة أحمد بن محمد المغربي في (فتح الملك العلي) (ص 36) روى عن ابن أبي خثيمة: حدثنا فضيل عن عبد الوهاب قال: ثنا شريك عن ميسرة عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بعين ما تقدم عن (الصواعق).

الثاني ما رواه جماعة من أعلام القوم:

منهم الحافظ ابن عبد البر في (الاستيعاب) (ج 2 ص 462 ط حيدر آباد) قال: قال أحمد بن زهير، وحدثنا محمد بن سعيد الأصفهاني، قال: حدثنا معاوية ابن هشام عن سفيان عن قليب عن جبير في حديث قالت عايشة أما أنه (أي عليا) لأعلم الناس بالسنة. ومنهم العلامة أخطب خوارزم في (المناقب) (ص 54 ط تبريز) قال: وبهذا الإسناد (أي الإسناد المتقدم في كتابه) عن أحمد بن الحسين هذا، أخبرني أخبرني

ص 30

أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو حامد أحمد بن علي بن المقري، حدثني أبو عيسى الترمذي، حدثني عياش العنبري، حدثني الأموص بن حواب حدثني سفيان الثوري عن قليب العامري عن جسرة في حديث قالت عايشة نعم هو (أي علي) أعلم الناس بالسنة. ومنهم العلامة محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى) (ص 78 ط القدسي بمصر) روى عن عايشة بعين ما تقدم عن (الاستيعاب). ومنهم العلامة المذكور في (الرياض النضرة) (ج 2 ص 193 ط الخانجي بمصر) روى فيه أيضا عن عايشة بعين ما تقدم عن (الاستيعاب). ومنهم العلامة الحمويني في (فرائد السمطين) (مخطوط) قال: أنبأني أبو اليمن بن عبد الوهاب بن عساكر عن أبي الحسن محمد بن علي المقري إجازة عن أبي عبد الله محمد بن الفضل إجازة قال: أنا أبو بكر أحمد الحافظ قال: أنا أبو عبد الله الحافظ قال: أنا أبو حامد أحمد بن علي المقري قال أبو عيسى الترمذي فذكر بعين ما تقدم عن (مناقب الخوارزمي) سندا ومتنا. ومنهم العلامة الزرندي في (نظم درر السمطين) (ص 133 ط مطبعة القضاء في القاهرة) روى عن عايشة ما تقدم عن (المناقب) بعينه. ومنهم العلامة السيوطي في (تاريخ الخلفاء) (ص 66 ط الشرفية بمصر) روى عن عايشة ما تقدم عن (الاستيعاب) بعينه. ومنهم العلامة البدخشي في (مفتاح النجا) (ص 56 مخطوط) روى من طريق ابن عساكر عن عايشة ما تقدم عن (الاستيعاب) بعينه. ومنهم العلامة الشيخ محمد الصبان في (إسعاف الراغبين) (ص 180 ط مصر) قال:

ص 31

وذكر (أي علي عليه السلام) عند عايشة فقالت: إنه أعلم من بقي بالسنة. ومنهم العلامة العارف علي ددة السكتواري في (محاضرة الأوئل) (ص 62 ط الاستانة) قال: وقالت أم المؤمنين عائشة رض: علي أعلم الناس بالسنة. ومنهم العلامة المعاصر أحمد بن محمد المغربي في (فتح الملك العلي) (ص 36) روى من طريق ابن أبي خثيمة عن عايشة بعين ما تقدم عن (الاستيعاب) سندا ومتنا ومنهم العلامة الآمرتسري في (أرجح المطالب) (ص 121 ط لاهور) روى من طريق أبي عمر عن عايشة ما تقدم عن (الاستيعاب) بعينه.

الثالث ما رواه جماعة من أعلام القوم:

منهم الحافظ ابن عبد البر في (الاستيعاب) (ج 2 ط حيدر آباد الدكن) قال: وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذلك فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام فقال له: دعني عنك. ومنهم العلامة النبهاني المعاصر في (الشرف المؤيد) (ص 95 ط مصر) ذكر ما تقدم عن (الاستيعاب) بعينه. ومنهم العلامة المعاصر أحمد بن محمد بن الصديق المغربي في (فتح الملك العلي) (ص 37) نقل عن ابن عبد البر ما تقدم عن (الاستيعاب) بعينه.

ص 32

ومنهم العلامة الآمرتسري في (أرجح المطالب) (ص 658 ط لاهور) نقل عن ابن عبد البر ما تقدم عنه بعينه.

الرابع ما رواه القوم:

منهم العلامة السيد أحمد بن يحيى اليماني الصنعائي في (طبقات المعتزلة) (ص 33 ط بيروت) قال: وعن أبي الدرداء أنه قال: العلماء ثلاثة، رجل بالشام يعني نفسه، ورجل بالكوفة يعني ابن مسعود، ورجل بالمدينة يعني عليا عليه السلام، ثم قال: والذي بالشام يسأل الذي بالكوفة، والذي بالكوفة يسأل الذي بالمدينة، والذي بالمدينة لا يسأل أحدا. ومنهم العلامة الآمرتسري في (أرجح المطالب) (ص 106 طلاهور) روى الحديث عن أبي الدرداء بعين ما تقدم عن (طبقات المعتزلة) إلى قوله عليا وأسقط ما بعده وزاد في آخره: وهو أعلم بالسنة منا، أخرجه الحضرمي.

الخامس ما رواه القوم:

منهم الحافظ ابن وكيع في (أخبار القضاة) (ج 1 ص 91 ط السعادة بمصر) قال: حدثنا علي بن حرب الموصلي، قال: حدثنا ابن فضيل، قال: سمعت ابن شبرمة يقول: إذا ثبت لنا الحديث عن علي أخذناه، وتركنا ما سوا.

ص 33

السادس ما رواه القوم:

منهم العلامة التفتازاني الشافعي في كتابه (شرح المقاصد) (ج 2 ص 222 ط الاستانة) قال: قال أبو حنيفة رحمه الله: لولا علي لم نكن نعرف السيرة في الخوارج. ومنهم العلامة المولى علي القاري الهروي الحنفي في (شرح كتاب الفقه الأكبر) لأبي حنيفة إمام الحنفية (ص 71 ط القاهرة) قال: وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لولا علي لم نعرف السيرة في الخوارج (1)

السابع ما رواه جماعة من أعلام القوم:

منهم الحافظ ابن عبد ربه في (الاستيعاب) (ج 2 ص 462 ط حيدر آباد) وقال: حدثني يحيى بن آدم قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن مغيرة قال

(هامش)

(1) قال العلامة الگنجي الشافعي في (كفاية الطالب) (ص 99 ط الغري) ولولا أن عليا عليه السلام سن للناس قتال أهل البغي وشرع الحكم في قتلهم وإطلاق الأسارى منهم وتحريم سلب أموالهم وذراريهم، لما عرف ذلك، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم سن في قتال المشركين نهب أموالهم وسبي ذراريهم وسن علي عليه السلام في قتال أهل البغي أن لا يجهز على جريح ولا يقتل الأسير ولا تسبى النساء والذرية ولا تؤخذ أموالهم، وهذا وجه حسن صحيح، ومع هذا فقد قال العلماء من الصحابة والتابعين وأهل بيته بتفضيل علي عليه السلام وزيادة علمه وغزارته وحدة فهمه ووفور حكمته وحسن قضاياه وصحة فتواه، وقد كان أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من علماء الصحابة يشاورونه في الأحكام ويأخذون بقوله في النقض والابرام اعترافا منهم بعلمه ووفور فضله ورجاحة عقله وصحة حكمه) (*)

ص 34

ليس أحد منهم أقوى قولا في الفرائض من علي قال: وكان المغيرة صاحب الفرائض. ومنهم العلامة الآمرتسري في (أرجح المطالب) (ص 131 ط لاهور) روى نقلا عن الاستيعاب عن المغيرة بعين ما تقدم عنه بلا واسطة. ومنهم العلامة المعاصر السيد أحمد بن محمد بن الصديق المغربي من مشايخنا في الرواية في (فتح الملك العلي) (ص 40) قال الحسن بن علي الجواني في كتاب المعرفة حدثني يحيى بن آدم فذكر بعين ما تقدم عن (الاستيعاب) سندا ومتنا.

علمه عليه السلام بالقضاء (وهو يبتني على علم الفقه)

وقد تقدم روايات كثيرة في (باب نوادر أدعية النبي صلى الله عليه وآله في علي) مشتملة على دعائه له بقوله: اللهم أهد قلبه وثبت لسانه، وهناك روايات أخر وفيها أنه صلى الله عليه وآله قال له: إن الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك وينبغي إيرادها ههنا تكميلا لما تقدم ومقدمة لما نريد إيراده في هذا الفصل وهي على أقسام:

الأول ما رواه أبو البختري عن علي عليه السلام

رواه جماعة من أعلام القوم: منهم العلامة أحمد بن محمد بن حنبل في (المسند) (ج 1 ص 83 ط الميمنية بمصر) قال: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثني يحيى عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن

ص 35

وأنا حديث السن قال: قلت: تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث ولا علم لي بالقضاء قال: أن الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك، قال: فما شككت في قضاء بين اثنين بعد. ومنهم العلامة النسائي في (الخصائص) (ص 11 ط التقدم بمصر) حيث قال: أخبرنا علي بن حسين المروزي قال أخبرنا عيسى بن الأعمش عن عمرو ابن مرة عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى اليمن فقلت إنك تبعثني إلى قوم أسن مني فكيف القضاء عنهم فقال إن الله تعالى سيهدي قلبك ويثبت لسانك، قال لي: فما شككت في حكومة بعد. وقال أخبرنا أبو جعفر عن عمرو بن البصري قال: حدثنا عمرو بن مرة فذكر الحديث بعين ما تقدم عن (المسند) سندا ومتنا لكنه أسقط قوله: ولا علم لي بالقضاء. وذكر أن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، وكأنه وقع الغلط في نسخة المسند في ضبط هذه العبارة. ومنهم العلامة محمد بن سعد الشهير بابن سعد في (الطبقات الكبرى) (ج 2 ص 337 ط دار الصارف بمصر) قال: وقال عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا حديث السن ليس لي علم بالقضاء، فضرب صدري وقال: إذهب فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك قال: فما شككت في قضاء بين اثنين بعد -. ومنهم الحافظ أبو نعيم في (حلية الأولياء) (ج 4 ص 381 ط السعادة بمصر) قال: حدثنا أبو بكر الطلحي، قال: ثنا أبو حصين الوادعي، قال. ثنا يحيى الحماني، قال: ثنا عبد السلام عن الأعمش فذكر الحديث بعين ما تقدم عن (المسند) إلا أنه ذكر بدل قوله: تبعثني إلى قوله: لا علم لي بالقضاء: وأنا غلام حدث السن لا علم لي بالقضاء، فوضع يده على صدري. وقال: رواه أبو معاوية، وجرير، وابن نمير، ويحيى بن سعيد عن الأعمش مثله.

ص 36

ورواه شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري قال حدثني من سمع عليا يقول مثله. ومنهم القاضي أبو بكر محمد بن خلف المشهور بابن وكيع في (أخبار القضاة) (ج 1 ص 84 طبع مصر) قال: حدثنا الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي، قال: حدثنا عمر بن عبد الرحمن أبو حفص الآبار، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، إنك تبعثني وأنا حديث السن لا علم لي بالقضاء قال: انطلق فإن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك قال: فما شككت (شككت ظ) في قضاء بين اثنين. وفي (ص 85، الطبع المذكور) حدثنا عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشي، قال: حدثنا بشر بن عمر الزهراني قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري. قال: حدثني من سمع عليا، فذكر نحوه. ومنهم العلامة البيهقي في (السنن الكبرى) (الجز العاشر ص 86 حيدر آباد الدكن) قال: أخبرنا أبو علي الروذباري، وأبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان، وأبو الحسين ابن الفضل القطان، وأبو محمد السكري، قالوا: أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا الحسن بن عرفة فذكر الحديث بعين ما تقدم أولا عن (أخبار القضاة) ثم قال: وأخبرنا ابن فورك أنبأ عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمع أبا البختري يقول حدثني من سمع عليا رضي الله عنه يقول لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت يا رسول الله تبعثني وأنا رجل حديث السن لا علم لي بكثير من القضاء قال: فضرب يده في صدره وقال: إن الله (انه خ)

ص 37

يثبت لسانك ويهدي قلبك، فما أعياني قضاء بين اثنين. ومنهم العلامة أبو اليقظان الشيخ أبو الحسن الكازروني في (شرف النبي) (على ما في مناقب الكاشي المخطوطة ص 89) روى الحديث بعين ما تقدم عن (المسند) لكنه زاد قبل قوله: إن الله سيهدي قوله فضرب بيده في صدره فقال: إذهب. ومنهم العلامة محب الدين الطبري في (الرياض النضرة) (ج 2 ص 198 ط محمد أمين الخانجي بمصر) روى الحديث من طريق أحمد بعين ما تقدم عنه في (المسند) بلا واسطة. وفي رواية أن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك قال: ثم وضع يده على فمه أخرجهما أحمد. ومنهم العلامة المذكور في (ذخائر العقبى) (ص 83 ط مكتبة القدسي بمصر) روى الحديث فيه أيضا من طريق أحمد بعين ما تقدم عنه في (المسند) بلا واسطة. ومنهم علامة الأدب الراغب الإصبهاني في (محاضرات الأدباء) (ج 4 ص 477 ط مكتبة الحيوة في بيروت) روى الحديث بعين ما تقدم أولا عن (أخبار القضاة). ومنهم العلامة الآمرتسري في (أرجح المطالب) (ص 39 وص 480 ط لاهور) روى الحديث من طريق أحمد، والنسائي، والحاكم بعين ما تقدم عن (المسند) وفي (ص 119 الطبع المذكور) روى الحديث بعين ما تقدم عن (المسند) ثم قال: أخرجه الترمذي. والنسائي، وابن ماجة، والبزار، وأبو يعلى، وابن حبان، والحاكم، باختلاف يسير.

ص 38

الثاني ما رواه حنش عن علي عليه السلام

رواه جماعة من أعلام القوم: منهم العلامة أحمد بن حنبل في (المسند) (ج 1 ص 149 ط الميمنية بمصر) قال: حدثنا عبد الله، حدثني أبو الربيع الزهراني، وثنا علي بن حكيم الأودي، وحدثنا محمد بن جعفر الوركاني، وثنا زكريا بن يحيى زحمويه، وحدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة الحضرمي، وحدثنا داود بن عمرو الضبي، قالوا: ثنا شريك عن سماك عن حنش عن علي رضي الله عنه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا، فقلت: تبعثني إلى قوم وأنا حدث السن ولا علم لي بالقضاء، فوضع يده على صدري فقال: ثبتك الله وسددك إذا جاءك الخصمان فلا تقض للأول حتى تسمع من الآخر فإنه أجدر أن يبين لك القضاء قال: فما زلت قاضيا وهذا لفظ حديث داود بن عمرو الضبي وبعضهم أتم كلاما من بعض. وأيضا في تلك الص: حدثنا عبد الله، ثنا محمد بن سليمان لوين وثنا محمد بن جابر عن سماك عن حنش. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم قاضيا إلى اليمن، فساق الحديث. ومنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن سعد الشهير بابن سعد في (الطبقات الكبرى) (ج 2 ص 337 ط دار الصارف بمصر) قال: أخبرنا الفضل بن عنبسة الخزاز الواسطي قال: أخبرنا شريك عن سماك عن حنش ابن المعتمر عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا فقلت يا رسول الله

ص 39

إنك ترسلني إلى قوم يسألونني ولا علم لي بالقضاء! فوضع يده على صدري وقال: إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا قعد الخصمان بين يديك فلا تقض حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن تبين لك القضاء،: فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء بعد. ومنهم الحافظ الطيالسي في (مسنده) (ص 19 ط حيدر آباد الدكن) قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شريك وزائدة وسليمان بن معاذ قالوا: حدثنا سماك بن حرب عن حنش بن المعتمر عن علي قال لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، قلت تبعثني وأنا حديث السن لا علم لي بكثير من القضاء فقال لي: إذا أتاك الخصمان فلا تحكم للأول حتى تسمع ما يقول الآخر فإنك إذا سمعت ما يقول الآخر عرفت كيف يقضى، إن الله عز وجل سيثبت لسانك ويهدي قلبك قال علي: فما زلت قاضيا بعده. ومنهم العلامة النسائي في (الخصائص) (ص 12 ط التقدم بمصر) حيث قال: أخبرنا أحمد بن سليمان الرهاوي قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا شريك عن سماك بن حرب عن حنش بن المعتمر عن علي رضي الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا شاب فقلت يا رسول الله تبعثني وأنا شاب إلى قوم ذوي أسنان أقضي بينهم ولا علم لي بالقضاء فوضع يده على صدري ثم قال إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقضي بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنك إذا فعلت ذلك تبدي لك القضاء قال علي رضي الله عنه: فما أشكل علي قضاء بعد ذلك. ومنهم العلامة محمد بن خلف المشهور بابن وكيع في (أخبار القضاة) (ج 1 ص 85 ط القاهرة) قال: حدثنا أحمد بن موسى إسحاق الحرامي، قال: حدثنا عمر بن طلحة القيار

ص 40

قال: حدثنا أسباط بن نصر، عن سماك، عن حنش، عن علي، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت: إنك تبعثني وأنا حديث السن، لا علم لي بكثير من القضاء، فضرب صدري، وقال: إذهب فإن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك قال: فما أعيا علي قضاء -. حدثني داود بن يحيى الدهقان، قال: حدثنا عباد، قال حدثنا عاصم بن حميد النخعي، عن سماك عن حنش، عن علي مثله -. حدثني الحسين بن محمد البجلي، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن هاشم، عن سليمان بن قرم، عن سماك، عن حنش، عن علي، عن النبي عليه السلام بنحوه -. ومنهم الحافظ البيهقي في (السنن الكبرى) (ج 10 ص 140 ط حيدر آباد الدكن) قال: (وقد أخبرنا) أبو علي الروذباري في كتاب السنن لأبي داود أنبأ أبو بكر بن داسه، ثنا أبو داود، ثنا عمرو بن عون، أنبأ شريك عن سماك، عن حنش، عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا فقلت يا رسول الله: ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء فقال: إن الله جل ثناؤه سيهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين (فلا تقضي خ ل) حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء قال: فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء بعد. وفي (ص 141 الطبع المذكور) قال: أخبرنا أبو بكر بن فورك أنبأ عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود فذكر الحديث بعين ما تقدم عن (مسند الطيالسي) سندا ومتنا.

ص 41

ومنهم العلامة الشهير بابن كثير في (البداية والنهاية) (ج 5 ص 107 ط السعادة بمصر) قال: وقال الإمام أحمد حدثنا أسود بن عامر ثنا شريك عن سماك عن حنش عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسن مني فذكره بعين ما تقدم عن أحمد. ورواه أحمد أيضا وأبو داود من طرق عن شريك والترمذي من حديث زائدة كلاهما عن سماك بن حرب عن حنش بن المعتمر وقيل ابن ربيعة الكناني الكوفي عن علي به. ومنهم العلامة أبو الحسن علي بن عبد الله النباهي المالكي في (قضاة الأندلس) (ص 23 ط دار الكاتب بالقاهرة) روى الحديث من طريق أبي داود بعين ما تقدم أولا عن (السنن الكبرى). ومنهم العلامة عطاء الله بن فضل الله الهروي في (الأربعين حديثا) (ص 71 مخطوط) روى الحديث بعين ما تقدم أولا عن (السنن الكبرى) ومنهم العلامة عبد الغني بن إسماعيل الدمشقي في (ذخائر المواريث) (ج 3 ص 14 ط) أشار إلى ما تقدم عن (السنن الكبرى) بقوله: حديث بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا فقلت ترسلني وأنا حديث السن (د) في القضاء عن عمرو بن عون (ت) في الأحكام عن هناد (ه) فيه عن علي بن محمد. ومنهم العلامة الشيباني في (تيسير الوصول) (ج 2 ص 216 ط نول كشور) روى الحديث من طريق أبي داود، والترمذي بعين ما تقدم عن (السنن الكبرى)

ص 42

الثالث ما رواه حارثة بن مضرب عن علي عليه السلام

روى عنه جماعة من أعلام القوم: منهم الحافظ أحمد بن حنبل في (المسند) (ج 1 ص 88 ط الميمنية بمصر) قال: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا يحيى بن آدم، ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب، عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت: يا رسول الله إنك تبعثني إلى قوم هم أسن مني لأقضي بينهم، قال: إذهب فإن الله تعالى سيثبت لسانك ويهدي قلبك. وأورد أيضا هذه الرواية بسند آخر، في (ج 1 ص 111 وص 150) ومنهم العلامة أبو عبد الله المشهور بابن سعد المتوفى 230 في (الطبقات الكبرى) (ج 2 ص 337 ط دار الصارف بمصر) قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى العبسي، أخبرنا شيبان عن أبي إسحاق عن عمرو بن حبشي عن حارثة عن علي وأخبرنا عبيد الله بن موسى وحدثني إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة عن علي قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم، إلى اليمن فقلت يا رسول الله إنك تبعثني إلى قوم شيوخ ذوي أسنان وإني أخاف أن لا أصيب! فقال، إن الله سيثبت لسانك ويهدي قلبك -. ومنهم العلامة النسائي في (الخصائص) (ص 12 ط التقدم بمصر) حيث قال: أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا إسرائيل ابن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت إنك تبعثني إلى قوم هم أسن مني لأقضي بينهم فقال: إن الله سيهدي

ص 43

قلبك ويثبت لسانك. ومنهم العلامة محمد بن خلف الشهير بابن وكيع في (أخبار القضاة) (ج 1 ص 85) قال: حدثنا زهير بن محمد بن قمير، قال: أخبرنا خالد بن الوليد، قال: أخبرنا إسرائيل فذكر الحديث بعين ما تقدم عن (مسند أحمد) سندا ومتنا، إلا أنه ذكر بدل كلمة أسن: أشد. ومنهم العلامة الشيخ إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن حمويه الحمويني في (فرائد السمطين) المخطوط قال: أنبأتني الشيخة زينب بنت مكي بن علي بن كامل الحرانية، قال أنا حنبل بن عبد الله المكبر بجميع مسند الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل سماعا عليه، قال: أنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد، أنا أبو علي الحسن بن علي المذهب، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: ثنا يحيى بن آدم فذكر الحديث بعين ما تقدم عن (الخصائص) سندا ومتنا، لكنه زاد قبل قوله: فإن الله سيهدي: كلمة اذهب. ومنهم العلامة جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي في (نظم درر السمطين) (ص 127 ط مطبعة القضاء) روى الحديث بعين ما تقدم عن (فرائد السمطين). ومنهم العلامة الشيخ محمد بن طولون الدمشقي في (الشذورات الذهبية) (ص 119 ط بيروت) روى الحديث بعين ما تقدم عن (المسند).

ص 44

الرابع ما رواه عمرو بن حبيش عن علي عليه السلام

روى عنه القوم: منهم العلامة النسائي في (الخصائص) (ص 12 ط التقدم بمصر) قال: أخبرنا شبيب عن أبي إسحاق عن عمرو بن حبيش عن علي كرم الله وجهه (وأخبرني) أبو عبد الرحمن زكريا بن يحيى قال: حدثنا محمد بن العلا قال: حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان عن أبي إسحاق عن عمرو بن حبشي، عن علي كرم الله وجهه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت: يا رسول الله إنك تبعثني إلى شيوخ ذوي أسنان إني أخاف أن لا أصيب فقال: إن الله سيثبت لسانك ويهدي قلبك.

الخامس ما رواه أبو جحيفة عن علي عليه السلام

رواه القوم: منهم القاضي أبو بكر محمد بن خلف بن حيان بن صدقة بن زياد الضبي المشهور بابن وكيع المتوفى سنة 360 في (أخبار القضاة) (ج 1 ص 87 و88 ط مصر) قال:

ص 45

أخبرني سهل، قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل، عن سفيان، عن علي بن الأقمر، عن أبي جحيفة عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن، فقلت: إنك تبعثني إلى قوم يسألونني ولا علم لي، قال: فوضع يده على صدري، وقال: إن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك، فإذا قعد بين يديك الخصمان، فلا تقض حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك، قال علي: فما زلت قاضيا وما شككني في قضاء بعد.

السادس ما رواه

رواه القوم: منهم العلامة المولى علي المتقي الهندي في (منتخب كنز العمال) (المطبوع بهامش المسند ج 5 ص 36 ط الميمنية بمصر) قال: قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم ناس من اليمن فقالوا ابعث من يفقهنا في الدين ويعلمنا السنن ويحكم فينا بكتاب الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم انطلق يا علي إلى أهل اليمن ففقهم في الدين وعلمهم السنن واحكم فيهم بكتاب الله فقلت إن أهل اليمن قوم ظغام يأتوني من القضاء بما لا علم لي به فضرب النبي صلى الله عليه وسلم على صدري ثم قال: إذهب فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك فما شككت في قضاء بين اثنين حتى الساعة.

السابع ما رواه عبد الله بن سلمة عن علي عليه السلام

رواه القوم:

ص 46

منهم العلامة ابن وكيع في (أخبار القضاة) (ج 1 ص 85 مصر) قال: أخبرني جعفر بن محمد بن سعيد البجلي في كتابه: أن حسن بن حسين العرني حدثهم، قال حدثنا عمرو بن ثابت، عن عبدان بن جامع، عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة، عن علي، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فذكر نحوه أي نحو ما تقدم عنه، في حديث أبي البختري.

الثامن ما روي عن علي عليه السلام مرسلا

رواه القوم: منهم العلامة الشيخ عمر بن علي الجندي في (طبقات الفقهاء) (ص 16 ط مصر) قال: روي عن علي عليه السلام أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا فقلت يا رسول الله تبعثني وأنا شاب وهم كهول فقال: انطلق فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك فقال علي عليه السلام فوالله ما تعاييت في شيء بعد انتهى. ومنهم العلامة ابن أبي الحديد في (شرح النهج) (ج 2 ص 236 ط القاهرة) روى الحديث بعين ما تقدم عن (الطبقات) مع تغيير في الجملة. ومنهم العلامة المولى علي المتقي الهندي في (منتخب كنز العمال) (المطبوع بهامش المسند ج 5 ص 35 ط الميمنية بمصر) روى عن علي أنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: انطلق فاقرأها على الناس فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك إن الناس سيتقاضون إليك فإذا أتاك الخصمان فلا تقض لواحد حتى تسمع كلام الآخر فإنه

ص 47

أجدر إن لم تعلم لمن الحق عن علي. ومنهم العلامة السكتواري البستوي الحنفي في (محاضرة الأوائل) (ص 62 ط الاستانه) قال: أول قاض بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال يا رسول الله أتبعثني إلى كهول اليمن ولا علم لي بالقضاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق إلى اليمن فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك.

إعجاب النبي صلى الله عليه وآله لقضاء علي عليه السلام وقوله: الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت

رواه جماعة من أعلام القوم: منهم العلامة محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى) (ص 85 ط مكتبة القدسي بمصر) قال: وعن حميد بن عبد الله بن يزيد قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم قضاء قضى به علي بن أبي طالب فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت ، أخرجه أحمد في المناقب. ومنهم العلامة القندوزي في (ينابيع المودة) (ص 75 ط اسلامبول) روى الحديث من طريق أحمد بن عبد الله بن يزيد بعين ما تقدم عن (ذخائر العقبى). ومنهم العلامة الآمرتسري في (أرجح المطالب) (ص 328 ط لاهور) روى الحديث من طريق أحمد عن حميد بن عبد الله بعين ما تقدم عن (ذخائر العقبى).

ص 48

قول النبي صلى الله عليه وسلم في علي عليه السلام: الحمد لله الذي من على العباد بمن يقضي قضاء النبي

رواه القوم: منهم الحافظ محمد بن مجد الدين أبي الفوارس في (الأربعين) (ص 13 مخطوط) قال: حدثنا منصور بن مظفر بن أردش البغدادي ببغداد في جامع القصر يوم الجمعة منتصف شهر صفر قال: أخبرنا القاضي أبو طالب شهريار الفقيه الطوسي عن محمد عن أحمد بن المظفر بن زكريا البصري عن مهدي بن الرضا عن أبيه موسى بن جعفر ابن محمد عن أبيه عن محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي أنه قال: ثور قتل حمارا على عهد النبي صلى الله عليه وآله فرفع ذلك إليه وهو في أناس من أصحابه منهم أبو بكر وعمر وعثمان فقال النبي صلى الله عليه وآله يا أبا بكر إقض بينهما فقال: يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة ما عليها شي فقال النبي صلى الله عليه وآله لعمر: إقض بينهما فقال: كقول أبي بكر صاحبه فالتفت النبي صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام وقال له: يا علي إقض بينهما فقال: حبا وكرامة إن كان الثور دخل على الحمار فقتله في مستراحه ضمن أصحاب الثور دية الحمار وإن كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان على صاحب الثور، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله يده إلى السماء وقال: الحمد لله الذي من على العباد بمن يقضي قضاء النبيين ومنهم العلامة القندوزي في (ينابيع المودة) (ص 76 ط اسلامبول) روى الحديث من طريق مصعب بن سلام التميمي بعين ما تقدم عن (الأربعين) إلا أنه لخص صدر الحديث إلى قوله فقال: يا علي إقض بينهما.

ص 49

فرح النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء علي عليه السلام وقوله: (ما أعلم منها إلا ما قضى علي)

رواه القوم: منهم الحافظ أحمد بن حنبل في (مسنده) (ج 4 ص 373 ط الميمنية بمصر) قال: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا سفيان عن أجلح عن الشعبي عن عبد خير الحضرمي عن زيد بن أرقم قال كان علي رضي الله تعالى عنه باليمن فأتي بامرأة وطأها ثلاثة نفر في طهر واحد فسأل اثنين أتقران لهذا بالولد فلم يقرا ثم سأل اثنين أتقران لهذا بالولد فلم يقرا ثم سأل اثنين حتى فرغ يسأل اثنين اثنين غير واحد فلم يقروا ثم أقرع بينهم فألزم الولد الذي خرجت عليه القرعة وجعل عليه ثلثي الدية فرفع النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه. ومنهم الحافظ النسائي في (السنن) (ج 2 ص 107 ط الميمنية بمصر) قال: أخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم قال أنبأنا عبد الرزاق قال أنبأنا الثوري عن صالح الحمداني عن الشعبي فذكر الحديث بعين ما تقدم عن (المسند) إلا أنه أسقط فيه قوله ثانيا: ثم سأل اثنين. أخبرنا علي بن حجر، قال حدثنا علي بن مسهر عن الأجلح عن الشعبي قال أخبرني عبد الله بن أبي الخليل الحضرمي عن زيد بن أرقم قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من اليمن فجعل يخبره ويحدثه وعلي بها فقال يا رسول الله أتى عليا ثلاثة نفر يختصمون في ولد وقعوا في امرأة في طهر وساق الحديث. ثم قال:

ص 50

أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى عن الأجلح عن الشعبي عن عبد الله ابن أبي الخليل عن زيد بن أرقم قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه يومئذ باليمن فأتاه رجل فقال: شهدت عليا أتي في ثلاثة نفر ادعوا ولد امرأة فقال علي لأحدهم: تدعه لهذا؟ فأبى وقال لهذا: تدعه لهذا؟ فأبى وقال لهذا: تدعه لهذا؟ فأبى قال علي رضي الله عنه: أنتم شركاء متشاكسون وسأقرع بينكم فأيكم أصابته القرعة فهو له وعليه ثلثا الدية فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. ثم قال: أخبرنا إسحاق بن شاهين قال: حدثنا خالد عن الشيباني عن الشعبي عن رجل من حضرموت عن زيد بن أرقم قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن فأتي بغلام تنازع فيه ثلاثة وساق الحديث. ومنهم القاضي أبو بكر محمد بن خلف المشهور بابن وكيع المتوفى سنة 306 في كتابه (أخبار القضاة) (ج 1 ص 91 ط مصر) قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، وعلي بن سهل بن المغيرة، قالا: حدثنا محاضر بن المورع، قال: حدثنا أجلح، عن الشعبي، عن عبد الله الحضرمي، عن زيد ابن أرقم، قال: بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل من أهل اليمن، وعلي يومئذ بها، فجعل يحدث النبي صلى الله عليه وسلم أبي بامرأة فذكر الحديث بعين ما تقدم عن (المسند). ثم قال: حدثنا الحسن بن يحيى بن أبي الربيع الجرجاني، قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا سفيان الثوري، عن أجلح، عن الشعبي، عن عبد خير الحضرمي، عن زيد ابن أرقم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب بمثله. وحدثناه أحمد بن علي المقري، قال: حدثنا علي بن شبرمة الجاري،

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج8)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب