ص 601
ومن كلامه عليه السلام
ليس شأني شأن من يخاف الموت ما أهون الموت على سبيل نيل العز
وإحياء الحق ليس الموت في سبيل العز إلا حياة خالدة، وليست الحياة مع الذل إلا
الموت الذي لا حياة معه أفبالموت تخوفني هيهات طاش سهمك وخاب ظنك، لست أخاف الموت
إن نفسي لأكبر من ذلك وهمتي لأعلى من أن أحمل الضيم خوفا من الموت وهل تقدرون على
أكثر من قتلي، مرحبا بالقتل في سبيل الله ولكنكم لا تقدرون على هدم مجدي ومحو عزي
وشرفي، فإذا لا أبالي بالقتل. وهو القائل: موت في عز خير من حياة في ذل. رواه
العلامة المعاصر الأستاذ توفيق أبو علم في (أهل البيت) (ص 448 ط السعادة بالقاهرة).
ص 602
ومن وصية له عليه السلام إلى أخيه محمد

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به
الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد بن علي المعروف بابن الحنفية، إن الحسين
بن علي يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله جاء بالحق
من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من
في القبور إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت أطلب الاصلاح
في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير
بسيرة جدي محمد، وسيرة أبي علي بن أبي طالب (وسيرة الخلفاء الراشدين) فمن قبلني
بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد على هذا صبرت حتى يقضي الله بيني وبين القوم
بالحق ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاكمين، هذه وصيتي إليك يا أخي وما توفيقي إلا
بالله عليه توكلت وإليه أنيب، والسلام عليك وعلى من اتبع الهدى ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم.رواه العلامة الخوارزمي في (مقتل الحسين) (ج 1 ص 188 ط الغري) قال: ثم
دعا الحسين عليه السلام بدواة وبياض وكتب فيها هذه الوصية لأخيه محمد. فذكرها. قال:
ثم طوى الحسين كتابه هذا وختمه بخاتمه ودفعه إلى أخيه محمد ثم ودعه وخرج في جوف
الليل يريد مكة في جميع أهل بيته وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان سنة ستين فلزم
الطريق الأعظم فجعل يسير وهو يتلو هذه الآية (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من
القوم الظالمين).
ص 603
ومن كتابه عليه السلام إلى أشراف الكوفة

بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي
إلى سليمان بن صرد والمسيب ابن نجية ورفاعة بن شداد وعبد الله بن وال وجماعة
المؤمنين: أما بعد، فقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في حياته: من
رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في
عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول ولا فعل كان حقيقا على الله أن يدخله
مدخله وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن،
وأظهروا في الأرض الفساد وعطلوا الحدود والأحكام واستأثروا بالفئ وأحلوا حرام الله،
وحرموا حلاله، وإني أحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد
أتتني كتبكم وقدمت على رسلكم ببيعتكم إنكم لا تسلموني ولا تخذلوني فإن وفيتم لي
ببيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهليكم وأولادكم
فلكم بي أسوة وإن لم تفعلوا ونقضتم عهودكم ونكثتم بيعتكم، فلعمري ما هي منكم بنكر
لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي والمغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم
(ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم والسلام). رواه الخوارزمي في (مقتل
الحسين) (ج 1 ص 234 ط مطبعة الزهراء) قال: ودعا الحسين (حين النزول بكربلا) بدواة
وبياض وكتب إلى أشراف الكوفة ممن يظن أنه على رأيه. فذكره.
ص 604
ومن كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة حين بلغ الحاجر

بسم الله الرحمن الرحيم من
الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله
الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإن كتاب مسلم ابن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم
واجتماع ملإكم على نصرنا والطلب بحقنا فسألت الله أن يحسن لنا الصنع وأن يثيبكم على
ذلك أعظم الأجر وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم
التروية، فإذا قدم عليكم رسولي فاكمشوا أمركم وجدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه
إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. رواه محمد بن جرير الطبري في
(تاريخ الأمم والملوك) (ج 4 ص 297 ط الاستقامة بمصر) عن أبي مخنف، عن محمد بن قيس
إن الحسين أقبل حتى إذا بلغ الحاجر من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى أهل
الكوفة وكتب معه إليهم. فذكر الكتاب. ورواه العلامة ابن كثير في (البداية والنهاية)
(ج 8 ص 167 ط السعادة بمصر) عن أبي مخنف بعين ما تقدم عن (تاريخ الأمم) لكنه ذكر
بدل كلمة فاكمشوا: فاكتموا، وبدل كلمة فسألت: فنسأل.
ص 605
ومن خطبة له عليه السلام بذي حسم

قال عقبة بن أبي العيزاز: قام حسين عليه السلام
بذي حسم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا
قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت جدا فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء
وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه
ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فإني لا أرى الموت إلا شهادة، ولا الحياة مع
الظالمين إلا برما. (إلى أن قال:) فترقرقت عينا حسين عليه السلام ولم يملك دمعه ثم
قال: منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، اللهم اجعل لنا ولهم الجنة
نزلا واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك. رواه الحافظ محمد
بن جرير الطبري في (تاريخ الأمم والملوك) (ج 4 ص 305 ط الاستقامة بمصر). ورواه
الحافظ ابن عبد ربه الأندلسي في (عقد الفريد) (ج 2 ص 218 ط الشرقية بمصر) قال: (علي
بن عبد العزيز) قال: حدثني الزبير قال: حدثني محمد بن الحسين قال: لما نزل عمر بن
سعد بالحسين وأيقن أنهم قاتلوه قام في أصحابه خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
قد نزل بي ما ترون من الأمر، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واشمأزت فلم
يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء الأخنس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون الحق لا يعمل
به والباطل لا ينهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله.
ص 606
فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا ذلا وندما. ورواه الحافظ
الطبراني في (المعجم الكبير) (ص 146 مخطوط) قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، نا
الزبير بن بكار، نا محمد بن الحسن قال: لما نزل عمر بن سعد بحسين وأيقن أنهم قاتلوه
وقام في أصحابه خطيبا فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ثم قال: قد نزل ما ترون من الأمر
وأن الدنيا تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها وانشمرت حتى لم يبق منها إلا كصبابة الإناء
إلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه،
ليرغب المؤمن في لقاء الله وأني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا
برما. ورواه العلامة أبو نعيم الاصبهاني في (حلية الأولياء) (ج 2 ص 39 ط السعادة
بمصر) قال: حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا علي بن عبد العزيز. فذكر الحديث بعين ما تقدم
عن (المعجم الكبير) إلا أنه ذكر بدل قوله ما ترون من الأمر: من الأمر ما ترون، وبدل
كلمة برما: جرما. ورواه العلامة الخوارزمي في (مقتله) (ج 2 ص 4 ط الغري) قال:
أخبرنا الإمام الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني أجازه، أخبرنا أبو علي
الحداد، حدثنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا علي بن عبد العزيز.
فذكر الحديث بعين ما تقدم عن (المعجم الكبير) سندا ومتنا لكنه ذكر بدل قوله ما ترون
من الأمر: من الأمر ما ترون، وبدل قوله لقاء الله: لقاء ربه، وبدل كلمة الحياة:
العيش. ورواه ابن عساكر الدمشقي في (تاريخ دمشق) على ما في منتخبه (ج 4 ص 333 ط
روضه الشام) بعين ما تقدم عن (المعجم الكبير) لكنه أسقط كلمة من الأمر، وذكر بدل
كلمه وانشمرت، واستمرت، وبدل كلمة برما: شؤما.
ص 607
ورواه العلامة الذهبي في (تاريخ الإسلام) (ج 2 ص 345 ط مصر) بعين ما تقدم عن
(المعجم الكبير) سندا ومتنا لكنه ذكر بدل قوله قد نزل ما ترون من الأمر: قد نزل بنا
ما ترون، وبدل قوله وانشمرت: واستمرت. ورواه العلامة المذكور في (سير أعلام
النبلاء) (ج 3 ص 209 ط مصر) بعين ما تقدم عنه في (تاريخ الإسلام) سندا ومتنا. ورواه
العلامة محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى) (ص 149 ط القدسي بالقاهرة) قال: قال
الزبير بن بكار: وحدثني محمد بن الحسن قال: لما أيقن الحسين بأنهم قاتلوه قام خطيبا
فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ثم قال: قد نزل ما ترون من الأمر وإن الدنيا قد تغيرت
وتنكرت وأدبر خيرها ومعروفها واستمرت حتى لم يبق فيها إلا صبابة كصبابة الإناء
وخسيس عيش كبيس الرعا للوثيل ألا ترون الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ليرغب
المؤمن إلى لقاء الله عز وجل وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا
ندامة. أخرجه ابن بنت منيع. ورواه العلامة باكثير الحضرمي في (وسيلة المآل) (ص 198
نسخة مكتبة الظاهرية بدمشق). روى الحديث بعين ما تقدم عن (ذخائر العقبى). ورواه
العلامة الزبيدي في (الإتحاف) (ج 10 ص 320 ط الميمنية بمصر) عن محمد بن الحسين بعين
ما تقدم عن (المعجم الكبير) لكنه قال: إنه عليه السلام خطب بها حين نزل عسكر عبيد
الله في كربلاء، وأيقن أنهم قاتلوه فقام في أصحابه خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم
قاله. وذكر بدل كلمة إلا خسيس عيش: إلا حسبي من عيش.
ص 608
ومن كلامه عليه السلام في طريق كربلا

خذلتنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف
من غير حرج عليه وليس عليه منا ذمام، قال: فتفرق الناس عنه أيادي سبا يمينا وشمالا
حتى بقي في أصحابه الذي جاؤا معه من مكة. رواه ابن كثير في (البداية والنهاية) (ج 8
ص 168) عن أبي مخنف، عن أبي جناب، عن عدي بن حرملة، عن عبد الله بن سليم، والمنذر
بن المشتمعل الأسديين قالا فسار الحسين حتى إذا كان بزرود بلغه أيضا مقتل الذي بعثه
بكتابه إلى أهل الكوفة بعد أن خرج من مكة ووصل إلى حاجر فقاله. ورواه الحضرمي في
(وسيلة المآل) (ص 192 مخطوط) قال: قال عليه السلام: أيها الناس من أحب أن ينصرف
فلينصرف وليس عليه منا ذم ولا ملام فتفرق الأعراب عنه يمينا وشمالا حتى بقي في
أصحابه الذين خرجوا معه من مكة لا غير ورواه ابن الصباغ في (الفصول المهمة) (ص 171
ط الغري) بعين ما تقدم عن (وسيله المآل).
ص 609
ومن خطبة له عليه السلام بالبيضة

قال أبو مخنف عن عقبة بن أبي العيزار أن الحسين
خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد
الله مخالفا لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله يعمل
في عباد الله بالا ثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن
يدخله مدخله ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان وأظهروا
الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفئ وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من
غير وقد أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني فإن
تممتم علي بيعتكم تصيبوا رشدكم فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى
الله عليه وسلم نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم فلكم في أسوة وإن لم تفعلوا ونقضتم
عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن
عمي مسلم والمغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم ضيعتم ومن نكث فإنما ينكث على نفسه
وسيغني الله عنك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. رواها الطبري في (تاريخ الأمم
والملوك،) (ج 4 ص 304 ط الاستقامة بمصر). ورواها ابن الأثير الشيباني في (الكامل)
(ج 3 ص 280 ط المنيرية بمصر) بعين ما تقدم عن (تاريخ الأمم) لكنه ذكر بدل كلمة غير،
غيري - وبدل تممتم، أتممتم - ثم قال: فقال له الحر: إني أذكرك الله في نفسك فإني
أشهد لئن قاتلت لتقتلن فلئن قوتلت لتهلكن فيما أرى فقال له الحسين: أبالموت تخوفني
وهل يعد وبكم الخطب
ص 610
إن تقتلوني وما أدري ما أقول لك ولكني أقول كما قال أخو الأوسي لابن عمه وهو يريد
نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أين تذهب فإنك مقتول فقال:
سأمضي وما بالموت عار
على الفتى * إذا ما نوى خيرا وجاهد مسلما
وواسى رجالا صالحين بنفسه * وخالف مثبورا
وفارق مجرما
فإن عشت لم أندم وإن ميت لم ألم * كفى بك ذلا أن تعيش وترغما
فلما سمع
ذلك الحر تنحى عنه.
ص 611
ومن خطبة له عليه السلام لأصحابه ليلة العاشوراء

أثني على الله أحسن الثناء وأحمده
على السراء والضراء، اللهم إني أحمدك على أن كرمتنا بالنبوة وجعلت لنا أسماعا
وأبصارا وأفئدة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين فاجعلنا لك من الشاكرين. أما بعد
فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا أخير من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي
فجزاكم الله جميعا عني خيرا. ألا وإني لأظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا، وإني قد
أذنت لكم جميعا فانطلقوا في حل ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه
جملا وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعا خيرا، ثم تفرقوا في
البلاد في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله فإن القوم يطلبوني ولو أصابوني لهوا عن
طلب غيري رواها في (الكامل) (ج 3 ص 284 ط المنيرية بمصر) قال: جمع الحسين عليه
السلام أصحابه ليلة العاشوراء فقالها. ورواها الحافظ الطبري في (تاريخ الأمم
والملوك) (ج 4 ص 317 ط الاستقامة بمصر). عن أبي مخنف عن عبد الله بن الفائشي عن
الضحاك بن عبد الله المشرقي بطن من همدان أيضا عن الحارث بن حصيرة عن عبد الله بن
شريك العامري عن علي بن الحسين قالا جمع الحسين أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد وذلك
عند قرب المسا قال علي بن الحسين فدنوت منه لأسمع وأنا مريض فسمعت أبي وهو يقول
لأصحابه فذكره بعين ما تقدم عن (الكامل) لكنه أسقط قوله فاجعلنا من الشاكرين وزاد
ولم تجعلنا من المشركين وذكر بدل كلمة أوفى: أول وبدل كلمة أذنت: رأيت.
ص 612
ورواها العلامة الخوارزمي في (مقتل الحسين) (ج 1 ص 246 ط الغري) قال: قال (أبو
مخنف) وجمع الحسين عليه السلام أصحابه بين يديه ثم حمد الله وأثنى عليه وقال: أللهم
لك الحمد على ما علمتنا من القرآن وفقهتنا في الدين وأكرمتنا به من قرابة رسولك
محمد صلى الله عليه وآله وجعلت لنا أسماعا وأبصارا فاجعلنا من الشاكرين أما بعد
فإني لا أعلم أصحابا أصلح منكم ولا أعلم أهل بيت أبر ولا أوصل ولا أفضل من أهل بيتي
فجزاكم الله جميعا عني خيرا إن هؤلاء القوم ما يطلبون أحدا غيري ولو قد أصابوني
وقدروا على قتلي لما طلبوكم أبدا وهذا الليل قد غشيكم فقوموا واتخذوه جملا وليأخذ
كل رجل منكم بيد رجل من اخوتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم.
ورواه العلامة القندوزي في (ينابيع المودة) (ص 339 ط اسلامبول) لكنه قال: فقال لهم:
إني لا أعلم أصحابا أوفى بالعهد ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل
بالرحم من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا فأنتم في
حل منى، وهذه الليلة سيروا بسوادها فاتخذوها سترا جميلا، فقال له إخوته وأهل بيته
وأصحابه: لا نفارقك لحظة ولا يبقي الله إيانا بعدك أبدا.
ص 613
ومن دعائه عليه السلام لما صبحت الخيل به

قال أبو مخنف عن بعض أصحابه، عن أبي خالد
الكاهلي قال: لما صبحت الخيل الحسين رفع الحسين يديه فقال: اللهم أنت ثقتي في كل
كرب ورجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة كم من هم يضعف فيه الفؤاد
وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني
إليك عمن سواك ففرجته وكشفته فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة.رواه
الحافظ الطبري في (تاريخ الأمم والملوك) (ج 4 ص 321 ط الاستقامة بمصر). ورواه ابن
كثير في (البداية والنهاية) (ج 8 ص 169 ط السعادة بمصر) عن أبي مخنف، عن أبي خالد
بعين ما تقدم عن (تاريخ الأمم) لكنه ذكر بدل قوله من كل أمر نزل: في كل أمر نزل بي،
وبدل قوله رغبة مني: فيه، وزاد بعد قوله كشفته: وكفيتنيه.
ص 614
ومن خطبة له عليه السلام غداة يوم العاشوراء

عباد الله اتقوا الله وكونوا من الدنيا
على حذر فإن الدنيا لو بقيت لأحد أو بقي عليها أحد لكانت الأنبياء أحق بالبقاء
وأولى بالرضا وأرضى بالقضاء، غير أن الله تعالى خلق الدنيا للبلاء، وخلق أهلها
للفناء، فجديدها بال ونعيمها مضمحل وسرورها مكفهر والمنزل بلغة والدار قلعة فتزودوا
فإن خير الزاد التقوى، واتقوا الله لعلكم تفلحون. رواها ابن عساكر في (تاريخ دمشق)
(ج 4 ص 333 ط روضة الشام) قال: خطب عليه السلام في اليوم الذي استشهد فيه فحمد الله
وأثنى عليه، ثم قالها. ورواه في (كفاية الطالب) (ص 282 ط الغري) قال: أخبرنا فرج بن
عبد الله الحبشي فتى أبي جعفر القرطبي، أخبرنا الحافظ أبو محمد القاسم بن الحافظ
أبي القاسم، أخبرنا القاضي أبو المعالي محمد بن يحيى القرشي، أخبرنا سهل بن بشر
الأسفرايني، أخبرنا محمد بن الحسين بن أحمد السري، أخبرنا الحسن بن رشيق، حدثنا
يموت بن المزرع، حدثنا محمد بن الصباح السماك، حدثنا بشر بن طامحة، عن رجل من
همذان. فذكرها بعينها.
ص 615
ومن كلامه عليه السلام في موعظة أعدائه

أيها الناس اسمعوا مني نصيحة أقولها لكم،
فأنصت الناس كلهم، فقال بعد حمد الله والثناء عليه: أيها الناس إن قبلتم مني
وأنصفتموني كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم على سبيل، وإن لم تقبلوا مني فاجمعوا أمركم
وشركاءكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون إن وليي الله الذي
نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين. فلما سمع ذلك أخواته وبناته ارتفعت أصواتهن بالبكاء
فقال عند ذلك: لا يبعد الله ابن عباس، يعني حين أشار عليه أن لا يخرج بالنساء معه
ويدعهن بمكة إلى أن ينتظم الأمر ثم بعث أخاه العباس فسكتهن، ثم شرع يذكر الناس فضله
وعظمة نسبه وعلو قدره وشرفه، ويقول: راجعوا أنفسكم وحاسبوها هل يصلح لكم قتال مثلي؟
وأنا ابن بنت نبيكم، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري، وعلي أبي، وجعفر ذو
الجناحين عمي، وحمزة سيد الشهداء عم أبي وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة، فإن صدقتموني بما أقول فهو الحق، فوالله ما تعمدت
كذبة منذ علمت أن الله يمقت على الكذب وإلا فاسألوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن ذلك، جابر بن عبد الله، وأبا سعيد، وسهل ابن سعد، وزيد بن أرقم، وأنس بن
مالك يخبرونكم بذلك، ويحكم! أما تتقون الله أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟ فقال
عند ذلك شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد الله على حرف إن كنت أدري ما يقول؟ فقال له حبيب
بن مطهر: والله يا شمر إنك لتعبد الله على سبعين حرفا، وأما نحن فوالله إنا لندري
ما يقول، وإنه قد طبع على قلبك، ثم قال: أيها الناس ذروني أرجع إلى مأمني من الأرض،
فقالوا: وما يمنعك
ص 616
أن تنزل على حكم بني عمك؟ فقال: معاذ الله (إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن
بيوم الحساب) ثم أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها (ثم قال: أخبروني أتطلبوني
بقتيل لكم قتلته؟ أو مال لكم أكلته؟ أو بقصاصة من جراحة؟ قال: فأخذوا لا يكلمونه.
قال: فنادى يا شبيب بن ربعي، يا حجار بن أبجر، يا قيس بن الأشعث، يا زيد بن الحارث،
ألم تكتبوا إلي: أنه قد أينعت الثمار، وأخضر الجناب، فأقدم علينا فإنما تقدم على
جند مجندة؟ فقالوا له: لم نفعل، فقال: سبحان الله! والله لقد فعلتم، ثم قال: أيها
الناس إذ قد كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم، فقال له قيس الأشعث: ألا تنزل على حكم بني
عمك فإنهم لن يؤذوك ولا ترى منهم إلا ما تحب؟ فقال له الحسين: أنت أخو أخيك، أتريد
أن تطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء
الذليل، ولا أقر لهم إقرار العبيد. رواه ابن كثير في (البداية والنهاية) (ج 8 ص 178
ط مصر).
ص 617
ومن كلامه عليه السلام في الاحتجاج مع القوم

ألست أنا ابن بنت نبيكم وابن أول
المؤمنين إيمانا والمصدق لله ورسوله؟ أليس حمزة سيد الشهداء عمي؟ أليس جعفر الطيار
في الجنان عمي؟ أليس قال: جدي صلى الله عليه وآله: إن هذين ولداي سيدا شباب أهل
الجنة من الخلق أجمعين؟ أليس قال: إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل
بيتي؟ فإن صدقتموني فيما أقول فنعما هو وإلا فاسئلوا جابر بن عبد الله وسعد وسهل بن
سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك فإنهم سمعوا ذلك من جدي صلى الله عليه وآله.
ثم نادى: يا شبث بن ربعي ويا كثير بن شهاب ألم تكتبوا إلي أن أقدم لك ما لنا وعليك
ما علينا؟ فقالوا: ما نعرف ما تقول فأنزل على حكم الأمير وبيعة يزيد، فقال: والله
لا أعطي بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد، وإني أعوذ بالله أن أنزل تحت حكم
كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.ثم قال لأعدائه: يا قوم الكوفة إن الدنيا قد تغيرت
وتكدرت وهذه دار فناء وزوال تتصرف بأهلها من حال إلى حال فالمغرور من اغتر بها وركن
إليها وطمع فيها معاشر الناس أما قرأتم القرآن أما عرفتم شرايع الإسلام؟ وثبتم على
ابن نبيكم تقتلوه ظلما وعدوانا، معاشر الناس، هذا ماء الفرات تشرب منه الكلاب
والخنازير والمجوس وآل نبيكم يموتون عطاشا، فقالوا: والله لا تذوق الماء بل تذوق
الموت غصة بعد غصة وجرعة بعد جرعة. فلما سمع منهم ذلك رجع إلى أصحابه وقال لهم: إن
القوم قد استحوذ عليهم الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون، ثم جعل يقول:
ص 618
تعديتم يا شر قوم ببغيكم * وخالفتموا قول النبي محمد
أما كان خير الخلق أوصاكم بنا
* أما كان جدي خيرة الله أحمد
أما كانت الزهراء أمي ووالدي * على أخو خير الأنام
الممجد
لعنتم وأخزيتم بما قد فعلتموا * فسوف تلاقون العذاب بمشهد
رواه في (ينابيع
المودة) (ص 340 ط مصر).
ص 619
ومن خطبة له عليه السلام يوم عاشوراء

الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء
وزوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال فالمغرور من غرته، والشقي من فتنته، فلا تغرنكم
هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها وأراكم قد اجتمعتم
على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم، فأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته، وجنبكم
رحمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم، أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد، ثم
إنكم زحفتم إلى ذريته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله
العظيم فتبا لكم وما تريدون، إنا لله وإنا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد
إيمانهم فبعدا للقوم الظالمين. فقال عمر بن سعد: ويلكم كلموه فإنه ابن أبيه، والله
لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما قطع ولما حصر فكلموه، فتقدم إليه شمر بن ذي الجوشن
فقال: يا حسين ما هذا الذي تقول أفهمنا حتى نفهم، فقال عليه السلام: أقول لكم:
اتقوا الله ربكم ولا تقتلون فإنه لا يحل لكم قتلي ولا انتهاك حرمتي فإني ابن بنت
نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم، ولعله قد بلغكم قول نبيكم محمد صلى الله عليه وآله:
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ما خلا النبيين والمرسلين فإن صدقتموني بما
أقول وهو الحق فوالله ما تعمدت كذبا منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله، وإن كذبتموني
فإن فيكم من الصحابة مثل جابر بن عبد الله وسهل بن سعد، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك
فاسألوهم عن هذا فإنهم يخبرونكم أنهم سمعوه من رسول الله، فإن كنتم في شك من أمري،
أفتشكون أني ابن بنت نبيكم، فو الله ما بين المشرقين والمغربين ابن بنت نبي غيري،
ويلكم أتطلبوني بدم أحد منكم قتلته، أو بمال استملكته أو بقصاص
ص 620
من جراحات استهلكته فسكتوا عنه لا يجيبونه، ثم قال عليه السلام: والله لا أعطيهم
يدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد، عباد الله إني عذت بربي وربكم أن ترجمون
وأعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب. فقال له شمر بن ذي الجوشن: يا
حسين بن علي أنا أعبد الله على حرف إن كنت
أدري ما تقول، فسكت الحسين عليه السلام، فقال حبيب بن مظاهر للشمر: يا عدو الله
وعدو رسول الله إني لأظنك تعبد الله على سبعين حرفا، وأنا أشهد أنك لا تدري ما يقول
فإن الله تبارك وتعالى قد طبع على قلبك، فقال له الحسين عليه السلام: حسبك يا أخا
بني أسد فقد قضى القضاء وجف القلم والله بالغ أمره، والله إني لأشوق إلى جدي وأبي
وأمي وأخي وأسلافي من يعقوب إلى يوسف وأخيه ولي مصرع أنا لاقيه. رواه في (مقتل
الخوارزمي) (ج 1 ص 252) قال: قاله عليه السلام حين تقدم حتى وقف قبالة القوم وجعل
ينظر إلى صفوفهم كأنها السيل، ونظر إلى ابن سعد واقفا في صناديد الكوفة.
ص 621
ومن كلام له عليه السلام في نصيحة القوم

ركب الحسين راحلته وتقدم إلى الناس ونادى
بصوت عال يسمعه كل الناس فقال: أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتى أعظكم بما
يجب لكم علي وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم فإن قبلتم عذري وصدقتم قولي
وأنصفتموني كنتم بذلك أسعد ولم يكن لكم على سبيل، وإن لم تقبلوا مني العذر فاجمعوا
أمركم وشركاء كم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون إن وليي الله
الذي نزل الكتاب وهو يتولي الصالحين. قال: فلما سمع أخواته قوله بكين وصحن وارتفعت
أصواتهن فأرسل إليهن أخاه العباس وابنه عليا ليسكتاهن وقال: لعمري ليكثرن بكاؤهن.
فلما ذهبا قال: لا يبعد ابن عباس، وإما قالها حين سمع بكاءهن لأنه كان نهاه أن يخرج
بهن معه، فلما سكتن حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد وعلى الملائكة والأنبياء.
وقال ما لا يحصى كثرة فما سمع أبلغ منه. ثم قال: أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا
ثم راجعوا أنفسكم فعاتبوها وانظروا هل يصلح ويحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن
بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأولى المؤمنين بالله والمصدق لرسوله، أوليس حمزة سيد
الشهداء عم أبي؟ أوليس جعفر الشهيد الطيار في الجنة عمي؟ أو لم يبلغكم قول مستفيض
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ولأخي: (أنتما سيدا شباب أهل الجنة وقرة
عين أهل السنة) فإن صدقتموني بما أقول وهو الحق والله ما تعمدت كذبا مذ علمت إن
الله يمقت عليه وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن
عبد الله أو
ص 622
أبا سعيد أو سهل بن سعد أو زيد بن أرقم أو أنسا يخبروكم أنهم سمعوه من رسول الله
صلى الله عليه وسلم أما في هذا حاجز يحجزكم عن سفك دمي. فقال شمر: - وهو يعبد الله
على حرف - إن كان يدري ما يقول، فقال له حبيب ابن مطهر (هكذا في النسخة) والله إني
أراك تعبد الله على سبعين حرفا، وإن الله قد طبع على قلبك فلا تدري ما تقول ثم قال
الحسين فإن كنتم في شك مما أقول أو تشكون في أني ابن بنت نبيكم، فوالله ما بين
المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم، أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم
قتلته أو بمال لكم استهلكته أو قصاص من جراحة؟ فلم يكلموه فنادى يا شبث بن ربعي،
ويا حجار بن أبحر، ويا قيس ابن الأشعث، ويا زيد بن الحرث ألم تكتبوا إلي في القدوم
عليكم؟ قالوا: لم نفعل ثم قال: بلى (والله لقد) فعلتم، ثم قال: أيها الناس إذ
كرهتموني فدعوني أنصرف إلى مأمني من الأرض، قال: فقال له قيس بن الأشعث أولا تنزل
على حكم ابن عمك - يعني ابن زياد - فإنك لن ترى إلا ما تحب؟ فقال له الحسين: أنت
أخو أخيك أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل، لا والله ولا أعطيهم
بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبد، عباد الله إني عذت بربي وربكم أن ترجموني
أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب، ثم أناخ راحلته ونزل عنها. رواه
الشيباني لابن الأثير في (الكامل) (ج 3 ص 287 ط المنيرية بمصر).
ص 623
ومن كلامه عليه السلام بعد صلاته يوم العاشوراء

أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا
الله تعالى وتعرفوا الحق لأهله يكن رضاء الله عنكم وأنا أهل بيت نبيكم محمد صلى
الله عليه وآله أولى بولاية هذه الأمور عليكم، من هؤلاء المدعين ما ليس لهم
والسائرين فيكم بالظلم والجور والعدوان، وإن كرهتمونا وجهلتم حقنا وكان رأيكم على
خلاف ما جائت به كتبكم انصرفت عنكم. رواه الخوارزمي في (مقتل الحسين) (ج 1 ص 232 ط
النجف) قال: قاله عليه السلام حين انصرف عن صلاته يوم عاشوراء وثب قائما على قدميه
فحمد الله وأثنى عليه فقاله.
ص 624
ومن كلامه عليه السلام لما أحاطت به أعداؤه فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا

ويلكم ما
عليكم أن تنصتوا إلي فتسمعوا قولي وإنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد فمن أطاعني كان من
المرشدين، ومن عصاني كان من المهلكين، وكلكم عاص لأمري غير مستمع لقولي، قد انخزلت
عطياتكم من الحرام، وملئت بطونكم من الحرام فطبع الله على قلوبكم، ويلكم ألا
تنصتون؟ ألا تسمعون؟ فتلاوم أصحاب عمر بن سعد وقالوا: أنصتوا له فقال الحسين: تبا
لكم أيتها الجماعة وترحا أفحين استصرختمونا والهين متحيرين فأصرخناكم مؤدين مستعدين
سللتم علينا سيفا في رقابنا وحششتم علينا نار الفتن التي جناها عدوكم وعدونا
فأصبحتم إلبا على أوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح
لكم فيهم إلا الحرام من الدنيا أنالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه من غير حدث كان منا ولا
رأي تفيل لنا فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا تركتمونا فتجهزتموها والسيف لم يشهر
والجاش طامن والرأي لم يستحصف ولكن أسرعتم علينا كطيرة الدبا وتداعيتم إليها كتداعي
الفراش فقبحا لكم فإنما أنتم من طواغيت الأمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ونفثة
الشيطان وعصبة الآثام ومحرفي الكتاب ومطفئ السنن وقتلة أولاد الأنبياء ومبيري عترة
الأوصياء وملحقي العهار بالنسب ومؤذي المؤمنين، وصراخ أئمة المستهزئين الذين جعلوا
القرآن عضين وأنتم ابن حرب وأشياعه تعتمدون وإيانا تخذلون أجل والله الخذل فيكم
معروف وشجت عليه عروقكم وتوارثته أصولكم وفروعكم ونبتت عليه قلوبكم
ص 625
وغشيت به صدوركم فكنتم أخبث شيء سنخا للناصب وأكلة للغاصب، ألا لعنة الله على
الناكثين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا فانتم والله
هم، ألا ان الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين القتلة والذلة وهيهات منا أخذ
الدنية أبى الله ذلك ورسوله وجدود طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر
طاعة اللئام على مصارع الكرام ألا إني قد أعذرت وأنذرت ألا إني زاحف بهذه الأسرة
على قلة العتاد وخذلة الأصحاب ثم أنشد: فإن تهزم فهزامون قدما * وإن نهزم فغير
مهزمينا وما إن طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا أما إنه لا تلبثون بعدها إلا
كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى عهد عهده إلي أبي عن جدي، فأجمعوا أمركم
وشركائكم فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا
هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم
سنين كسني يوسف وسلط عليهم غلام ثفيف يسقيهم كأسا مصيرة فلا يدع فيهم أحدا قتلة
بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم فإنهم غرونا وكذبونا
وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير. رواه العلامة الخوارزمي
في (مقتل الحسين) (ج 2 ص 6 ط الغري). بإسناده عن السيد أبي طالب قال: أخبرني أبي،
أخبرني حمزة بن القاسم العلوي حدثني بكر بن عبد الله بن حبيب، حدثني تميم بن بهلول
الضبي أبو محمد، أخبرني عبد الله ابن الحسين بن تميم، حدثني محمد بن زكريا حدثني
عبد الرحمان بن القاسم التيمي، حدثني عبد الله محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن
بن الحسن عن أبيه عن جده عن عبد الله ابن الحسن قال: لما عبأ عمر بن سعد أصحابه
لمحاربة الحسين عليه السلام ورتبهم في مراتبهم وأقام الرايات في مواضعها وعبأ
الحسين أصحابه في الميمنة والميسرة فأحاطوا بالحسين
ص 626
من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة خرج الحسين من أصحابه حتى أتى الناس فاستنصتهم
فأبوا أن ينصتوا فقاله. ثم قال بعد ذلك: أين عمر بن سعد ادعو إلي عمر فدعي له وكان
كارها لا يحب أن يأتيه فقال: يا عمر أنت تقتلني وتزعم أن يوليك الدعي بن الدعي بلاد
الري وجرجان والله لا تتهنأ بذلك أبدا. عهد معهود فاصنع ما أنت صانع فإنك لا تفرح
بعدي بدنيا ولا آخرة وكأني برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة يتراماه الصبيان ويتخذونه
غرضا بينهم فغضب عمر بن سعد من كلامه ثم صرف وجهه عنه ونادى بأصحابه: ما تنظرون به
احملوا بأجمعكم إنما هي أكلة واحدة. ورواه العلامة ابن عساكر الدمشقي في (تاريخ
دمشق) (على ما في منتخبه ج 4 ص 333 ط روضة الشام). قال: عن أبي بكر بن دريد لكنه
قال: لما استكفأ الناس بالحسين ركب فرسه ثم استنصت الناس فأنصتوا له فحمد الله
وأثنى عليه ثم صلى على نبيه ثم قال: تبا لكم أيتها الجماعة وترحا حين استصرختمونا
ولهين فأصرخناكم موجعين شحذتم علينا سيفا كان في أيماننا وحششتم علينا نارا
فقدحناها على عدوكم وعدونا فأصبحتم ألفا على أوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم بغير عدل
رأيتموه بثوه فيكم ولا أصل أصبح لكم فيهم ومن غير حدث كان منا ولا رأي ثقيل فينا
فهلا لكم الويلات إذا كرهتموها تركتمونا والسيف مشيم والجاش ضامن والرأي لم يستخف
ولكن استصرعتم الشاب طيرة الدنيا وتداعيتم الينا كتداعي الفراش فيحا وحكة وهلوعا
وذلة لطواغيت الأمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب وغضبة الأنام وبقية الشيطان ومحرفي
الكلام ومطفئ السنن وملحقي العهرة بالنسب واسف المؤمنين ومزاح المستهزئين الذين
جعلوا القرآن عضين لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون
فهؤلاء يعضدون وعما يتخاذلون أجل والله الخذل فيهم معروف وشجت عليه عروقكم واستاذرت
عليه أصولكم
ص 627
فافرعكم فكنتم أخبث ثمرة شجرة للناس وأكلة لغاصب ألا فلعنة الله على الناكثين الذين
ينقضون الأيمان بعد توكيدها وقد جعلوا الله عليهم كفيلا ألا وان البغي قد ركن بين
اثنين بين المسألة والذلة هيهات منا الدنية أبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور
طابت وبطون طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية تؤثر مصارع الكرام على ظئآر اللئام ألا وأني
زاحف بهذه الأسرة على قلة العداد وكثرة العدو وخذلة الناصر. فإن يهزم فهزامون قدما
* وإن نهزم فغير مهزمينا وما إن طبنا جبن ولكن * منايانا وطعمة آخرينا ألا ثم لا
يلبثوا إلا ريثما يركب الفرس حتى تدار بكم دور الرحى ويفلق بكم فلق المحور عهدا
عهده أتاني عن أبي فأجمعوا أمركم وشركائكم ثم لا يكن عليكم غمة ثم اقضوا ولا
تنظرون.
ص 628
ومن كلامه عليه السلام إذا رأى القبور

ما أحسن ظواهرها وإنما الدواهي في بطونها
فالله الله عباد الله لا تشتغلوا بالدنيا فإن القبر بيت العمل فاعملوا ولا تغفلوا
وأنشد: يا من بدنياه اشتغل * وغره طول الأمل الموت يأتي بغتة * والقبر صندوق العمل
رواه في (بستان الواعظين) (ص 190 ط دمشق).
ومن كلامه عليه السلام

لئن أطعم أخا لي مسلما أحب إلي من أن أعتق أفقا من الناس قيل: وكم الأفق؟ قال: عشرة
آلاف. رواه العلامة أبو الوفاء في (الفنون) (ص 195 ط دار المشرق في بيروت).
ص 629
ومن كلامه عليه السلام لما أحيط بكربلاء وقيل له: انزل على حكم بني عمك

لا والله لا
أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد فأختار المنية، على الدنية، وميتة
العز على عيش الذل. وقال عليه السلام: ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين
السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله، والمؤمنين، وجدود طابت،
وحجور طهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، ولا نؤثر طاعة اللئم على مصارع الكرام. رواه
العلامة المعاصر توفيق أبو علم في (أهل البيت) (ص 448 ط مكتبة السعادة بالقاهرة).
ص 630
ومن دعائه عليه السلام لما أحاطوا به

اللهم احبس عنهم قطر السماء وامنعهم بركات
الأرض وإن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا ومزقهم مزقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض
عليهم الولاة أبدا فإنهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا، فقتلونا. رواه العلامة
الزبيدي الحنفي في (الإتحاف) (ج 10 ص 320 ط الميمنية بمصر) قال: قال محمود بن محمد
بن الفضل في (كتاب المتفجعين) حدثنا عبيد الله ابن محمد، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا
نصر بن مزاحم العطار عن أبي مخنف، حدثنا سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم قال:
سمعت الحسين بن علي رضي الله عنه وقد أحاطوا به. فذكر الدعاء.
ص 631
ومن كلامه عليه السلام أيضا في الاحتجاج مع أعدائه

أما بعد أيها الناس انسبوني
فانظروني من أنا، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يحل لكم سفك دمي
وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وسلم وابن ابن عمه وابن أولى
المؤمنين بالله أليس حمزة سيد الشهداء عمي؟ أولم يبلغكم قول رسول الله صلى الله
عليه وسلم مستفيضا فيكم لي ولأخي أنا سيد شباب أهل الجنة أما في هذا حاجز لكم عن
سفك دمي وانتهاك حرمتي؟! قالوا ما نعرف شيئا مما تقول فقال إن فيكم يعني في الكوفة
من لو سألتموه لأخبر لكم أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفي أخي
سلوا زيد بن ثابت والبراء بن عازب وأنس ابن مالك يحدثكم أنه سمع هذا القول من رسول
الله صلى الله عليه وسلم في وفي أخي فإن كنتم تشكون في هذا فتشكون أني ابن بنت
نبيكم صلى الله عليه وسلم فوالله ما تعمدت كذبا منذ عرفت أن الله يمقت على الكذب
أهله فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم ثم أنا ابن
بنت نبيكم صلى الله عليه وسلم خاصة دون غيري خبروني هل تطلبونني بقتيل منكم قتلته
أو بمال استهلكته أو بقاص (بقصاص خ) من جراحة فسكتوا. رواه البدخشي في (مفتاح النجا
في مناقب آل العبا) (ص 140، المخطوط) قال: وأخرج ابن الأخضر عن يحيى بن أبي بكر عن
بعض مشيخته قال قام الحسين بن علي رضي الله عنهما حين أتا الناس فحمد الله وأثنى
عليه ثم قاله.
ص 632
ومن كلامه عليه السلام حين رموا أصحابه بالسهام

اشتد غضب الله على اليهود والنصارى
إذ جعلوا له ولدا، واشتد غضب الله على المجوس إذ عبدت الشمس والقمر والنار من دونه،
واشتد غضب الله على قوم اتفقت آراؤهم على قتل ابن بنت نبيهم، والله لا أجيبهم إلى
شيء مما يريدونه أبدا حتى ألقى الله وأنا مخضب بدمي ثم صاح عليه السلام: أما من
مغيث يغيثنا لوجه الله تعالى أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله.قاله عليه السلام حين
رموا أصحاب الحسين وقتل منهم ما ينيف على خمسين رجلا فضرب الحسين عليه السلام بيده
إلى لحيته فقال هذه رسل القوم يعنيي السهام ثم قاله. رواه العلامة الخوارزمي في
(مقتل الحسين) (ج 2 ص 9 ط الغري نقلا عن أبي مخنف).
ص 633
ومن كلامه عليه السلام عند وداعه مع أهله

ويقول الحسين رضي الله عنه: اللهم إنك
شاهد على هؤلاء القوم الملاعين أنهم قد عمدوا أن لا يبقون من ذرية رسولك صلى الله
عليه وآله، ويبكي بكاءا شديدا وينشد ويقول:
يا رب لا تتركني وحيدا * قد أظهر
والفسوق والجحودا
وصيرونا بينهم عبيدا * يرضون في فعالهم يزيدا
أما أخي فقد مضى
شهيد * مجدلا في فدفد فريدا
وأنت بالمرصاد يا مجيدا
ثم نادى: يا أم كلثوم ويا سكينة
ويا رقية ويا عاتكة ويا زينب يا أهل بيتي عليكن مني السلام، فلما سمعن رفعن أصواتهن
بالبكاء فضم بنتها سكينة إلى صدره وقبل ما بين عينيها ومسح دموعها وكان يحبها حبا
شديدا ثم جعل يسكتها ويقول:
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي * منك البكاء إذ الحمام
دهاني
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة * ما دام مني الروح في جثماني
فإذا قتلت فأنت أولى
بالذي * تأتينه يا خيرة النسوان
رواه في (ينابيع المودة) (ص 346).
ص 634
ومن كلامه عليه السلام نظما

الموت خير من ركوب العار * والعار خير من دخول النار
والله من هذا وهذا جاري
رواه في (البيان والتبين) (ج 3 ص 255 ط الاستقامة بمصر).
ورواه في (أهل البيت) (ص 448 ط السعادة بالقاهرة).
ومن منظومه عليه السلام

أليس رسول الله جدي ووالدي * أنا البدر إن خلى النجوم خفاء
رواه العلامة توفيق علم في (أهل البيت) (ص 195 ط مصر).
ص 635
ومن كلامه عليه السلام نظما في النصيحة

إغن عن المخلوق بالخالق * تسد على الكاذب
والصادق
واسترزق الرحمن من فضله * فليس غير الله من رازق
من ظن أن الناس يغنونه *
فليس بالرحمن بالواثق
أو ظن أن المال من كسبه * زلت به النعلان من حالق
رواه أبو
الفداء في (البداية والنهاية) (ج 8 ص 209 ط القاهرة) عن أبي بكر بن كامل، عن عبد
الله بن إبراهيم، عنه عليه السلام. ورواه في (أهل البيت) (ص 438 ط السعادة بمصر)
لكنه ذكر بدل كلمة تسد: تغن.
ومن كلامه عليه السلام أيضا في النصيحة

كلما زيد صاحب
المال مالا * زيد في همه وفي الاشتغال قد عرفناك يا منغصة العيش * ويا دار كل فان
وبالي ليس يصفو لزاهد طلب الزهد * إذا كان مثقلا بالعيال رواه أبو الفداء في
(البداية والنهاية) (ج 8 ص 209) عن الأعمش عنه عليه السلام.
ص 636
ومن كلامه عليه السلام في زيارة الشهداء بالبقيع

ناديت سكان القبور فأسكتوا *
وأجابني عن صمتهم ترب الحصا
قالت أتدري ما فعلت بساكني * مزقت لحمهم وخرقت الكساء
وحشوت أعينهم ترابا بعد ما * كانت تأذي باليسير من القذا
أما العظام فإنني مزقتها *
حتى تباينت المفاصل والشوا
قطعت ذا زار من هذا كذا * فتركتها رمما يطوف بها البلا
رواه ابن كثير الدمشقي في (البداية والنهاية) (ج 8 ص 209 ط القاهرة) قال: بلغني أن
الحسين زار مقابر الشهداء بالبقيع فقاله. ورواها في (أهل البيت) (439 ط السعادة
بالقاهرة) لكنه ذكر بدل قوله الحصا: الحشا، وبدل قوله فعلت بساكني: ما صنعت بساكني،
وبدل البيت الأخير هكذا: قطعت ذا من ذا ومن هذا كذا * فتركتها مما يطوف بها البلى
ص 637
ومن منظومه عليه السلام في ذم الدنيا

لئن كانت الدنيا تعد نفيسة * فدار ثواب الله
أعلى وأنبل
وإن كانت الأبدان للموت أنشأت * فقتل امرء بالسيف في الله أفضل
وإن كانت
الأرزاق شيئا (قسما - خ ل) مقدرا * فقلة سعي المرء في الرزق أجمل
وإن كانت الأموال
للترك جمعها * فما بال متروك به المرء يبخل
رواه أبو الفداء في (البداية والنهاية)
(ج 8 ص 209 ط القاهرة) عن بعضهم عنه عليه السلام. ورواه في (أهل البيت) (ص 440 ط
القاهرة) لكنه ذكر بدل قوله فقلة سعي المرء في الرزق أجمل: فقلة حرص المرء في السعي
أجمل.
ص 638
ومن منظومه عليه السلام

لعمرك إنني لأحب دارا * تحل بها سكينة والرباب
أحبهما وابذل
جل مالي * وليس للائمي فيها عتاب
ولست لهم وإن عتبوا مطيعا * حياتي أو يعليني
التراب
رواه في (البداية والنهاية) (ج 8 ص 209 ط القاهرة). ورواه في (أهل البيت) (ص
439 ط السعادة بالقاهرة) لكنه ذكر بدل قوله للائمي فيها: لعاتب عندي، وبدل البيت
الثالث هكذا: فلست لهم وإن غابوا مضيعا * حياتي أو يغيبني التراب
ص 639
ومن منظومه عليه السلام

أذل الحياة وذل الممات * وكلا أراه طعاما وبيلا
فإن كان لا
بد من إحداهما * فسيرى إلى الموت سيرا جميلا
رواه الراغب الاصفهاني في (محاضرات
الأدباء) (ج 3 ص 142 ط بيروت) قاله رضي الله عنه يوم قتل.
ومن منظومه عليه السلام

يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالإشراق والأصيل
من طالب بحقه قتيل * والدهر لا يقنع
بالبديل
وكل حي سالك سبيل * ومنتهى الأمر إلى الجليل
ما أقرب الوعد إلى الرحيل
رواه
القندوزي في (ينابيع المودة) (ص 339 ط اسلامبول) عن مقتل أبي مخنف قال: قاله عليه
السلام حين نزل عن جواده وذلك يوم الأربعاء ثامن المحرم سنة إحدى وستين.
ص 640
ومن منظومه عليه السلام

إذا ما عضك الدهر * فلا تجنح إلى خلق .
ولا تسأل سوى الله *
المغيث العالم الحق
فلو عشت وطوفت * من الغرب إلى الشرق
لما صادفت من القدر * أن
يسعد أو يشقي
رواه الحضرمي في (وسيلة المآل) (ص 183 نسخة مكتبة الظاهرية بدمشق).
ورواها في (أهل البيت) لكنه ذكر بدل قوله المغيث العالم الحق: تعالى قاسم الرزق.
ص 641
ومن منظومه عليه السلام
ذهب الذين أحبهم * وبقيت فيمن لا أحبه
فيمن أراه يسبني *
ظهر المغيب ولا أسبه
يبغي فسادى ما استطا - ع وأمره مما أربه
حنقا يدب لي الضرا - ء
وذاك مما لا أدبه
ويرى ذباب الشر من حو - لي يطن ولا يذبه
وإذا خبا وغر الصدو - ر
فلا يزال به يشبه
أفلا يعيج بعقله * أفلا يثوب إليه لبه
أفلا يرى من فعله * ما قد
يسور إليه غيه
حسبي بربي كافيا * ما أختشي والبغي حسبه
ولقل من يبغي عليه * فما
كفاه الله ربه
رواه العلامة المعاصر الأستاذ توفيق أبو علم في (أهل البيت) (ص 440 ط
السعادة بالقاهرة). وروى البيتين الأولين والبيوت الثلاثة الأخر لكنه ذكر بدل قوله
من فعله: إن فعله، وبدل قوله يسير: يسور، وبدل البيت الأخير: ولعل من يبغي عليه *
إلا كفاه الله ربه
ص 642
شطر من قصيدة له عليه السلام

إذا استنصر المرء امرء لا يدا له * فناصره والخاذلون
سواء
أنا ابن الذي قد تعلمون مكانه * وليس على الحق المبين طماء
أليس رسول الله جدي
ووالدي * أنا البدر إن خلى النجوم خفاء
ألم ينزل القرآن خلف بيوتنا * صباحا ومن بعد
الصباح مساء
ينازعني والله بيني وبينه * يزيد وليس الأمر حيث يشاء
فيانصحاء الله
أنتم ولاته * وأنتم على أديانه أمناء
بأي كتاب أم بأية سنة * تناولها عن أهلها
البعداء
رواه العلامة المعاصر الأستاذ توفيق أبو علم في (أهل البيت) (ص 443 ط
السعادة بالقاهرة).
ص 643
ومن رجزه عليه السلام حين حمل على القوم

أنا ابن علي الطهر من آل هاشم * كفاني بهذا
مفخرا حين أفخر
وجدي رسول الله صلى الله عليه وآله أكرم من مشى * ونحن سراج الله في
الأرض نزهر
وفاطم أمي من سلالة أحمد صلى الله عليه وآله * وعمي يدعى ذا الجناحين
جعفر
وفينا كتاب الله أنزل صادقا * وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر رواه ابن الصباغ
في (الفصول المهمة) (ص 158 ط الغري).
ص 644
ومن شعره عليه السلام حين استشهد ولده الصغير
غدر القوم وقدما رغبوا * عن ثواب الله
رب الثقلين
قتلوا قدما عليا وابنه * حسن الخير كريم الأبوين
حسدا منهم وقالوا
أقبلوا * نقتل الآن أخا ذاك الحسين
خيرة الله من الخير أبي * ثم أمي فأنا ابن
الخيرتين
فضة قد صفيت من ذهب * فأنا الفضة وابن الذهبين
من له جد كجدي في الورا *
وكشيخي فأنا ابن القمرين
فاطم الزهراء أمي وأبي * قاصم الكفر ببدر وحنين
وله في يوم أحد وقعة * شفت الغل بغض العسكرين
ثم بالأحزاب والفتح معا * كان فيها
حتف أهل الوثنين
رواه في (وسيلة المآل) (ص 178) قال: قاله عليه السلام لما أحاطت به
جموع ابن زياد وكان للحسين ولد صغير يرمى بسهم فقتله ورمله الحسين فحفر له بسيفه
ودفنه. ورواه في (أهل البيت) (ص 444 ط السعادة بالقاهرة) لكنه ذكر بدل قوله نقتل
الآن أخا ذاك الحسين: نقتل الآن جميعا للحسين، وبدل قوله قد صفيت: قد صيغت، بغض
العسكرين: بفض العسكرين.
ص 645
ومن نظمه عليه السلام حين رجع إلى الخيام

خيرة الله من الخلق أبي * بعد جدي فأنا
ابن الخيرتين
أمي الزهراء حقا وأبي * وارث العلم ومولى الثقلين
عبد الله غلاما
يافعا * وقريش يعبدون الوثنين
يعبدن اللات والعزى معا * وعلي قام صلى القبلتين
مع
نبي الله سبعا كاملا * ما على الأرض مصلي غير ذين
جدي المرسل مصباح الدجى * وأبي
الموفى له في البيعتين
عروة الدين علي المرتضى * صاحب الحوض معز الحرمين
وهو الذي
صدق خاتمه * حين ساوى ظهره للركعتين
والدي الطاهر الطهر الذي * ردت الشمس عليه
كرتين
قتل الأبطال لما برزوا * يوم بدر ثم أحد وحنين
أظهر الإسلام رغما للعدى *
بحسام قاطع ذي شفرتين
من له جد كجدي المصطفى * أحد المختار صبح الظلمتين
ص 646
من له أب كأبي حيدر * ساد بالفضل على أهل الحرمين
من له عم كعمي جعفر * ذي الجناحين
كريم النسبتين
من له أم كأمي في الورى * بضعة المختار قرة كل عين
والدي شمس وأمي
قمر * فأنا الكوكب وابن النيرين
فضة قد صفيت من ذهب * فأنا الفضة وابن الذهبين
خصنا
الله بفضل والتقي * فأنا الزاهر وابن الأزهرين
نحن أصحاب العبا خمستنا * قد ملكنا
شرقها والمغربين
نحن جبريل عدا سادسنا * ولنا الكعبة ثم الحرمين
ولنا العين والأذن
التي * أذعن الخلق لها في الخافقين
ولجبريل بنا مفتخر * قد قضى عنا أبونا كل دين
فجزاه الله عنا صالحا * خالق الخلق ورب العالمين
فلنا الحق عليكم واجب * ما جرى في
الفلك إحدى النيرين
شمعة المختار قروا أعينا * في غد تسقون من كف الحسين
ص 647
فأنشأ عند ذلك يقول:
فإن تكن الدنيا تعد نفيسة * فإن ثواب الله أعلى وأجزل
وإن تكن
الأرزاق قسما مقدرا * فقلة سعي المرء في الرزق أجمل
وإن تكن الأموال للترك جمعها *
فما بال متروك به المرء يبخل
وإن تكن الأجساد للموت أنشئت * فقتل الفتى بالسيف في
الله أجمل
عليكم سلام الله يا آل أحمد * فإني أراني عنكم اليوم أرحل
أرى كل ملعون
ظلوم منافق * يروم فنانا جهرة ثم يعمل
لقد كفروا يا ويلهم بمحمد * وربهم ما شاء في
الخلق يفعل
لقد غرهم حلم الإله لأنه * حليم كريم لم يكن يعجل
رواه في (ينابيع
المودة) (ص 346 و347) قال: دنى عليه السلام من القوم وقال: ويلكم أتقتلوني على سنة
بدلتها أم على شريعة غيرتها؟ أم على جرم فعلته؟ أم على حق تركته، فقالوا له: إنا
نقتلك بغضا لأبيك، فلما سمع كلامهم حمل عليهم فقتل منهم في حملته مأة فارس ورجع إلى
خيمته، وأنشأ عند ذلك يقول. فذكر الأبيات رواه عبد الغفار الهاشمي الأفغاني في
(أئمة الهدى) (ص 104 ط القاهرة بمصر) قال: لما لم يبق في الخيام من الذكور البالغ
غير الإمام، وزاد العطش والظماء عليهم وأن هذه الفئة الكافرة الباغية في غيادة
طاغية قاس القلب جمونه عليه السلام فقال الحسين: ويلكم على ماذا تقتلوني؟ أعلى عهد
نكثته؟ أم على سنة غيرتها؟ أم على شريعة أبدلتها؟ أم على حق تركته؟ فسمع من صفوف
أعدائه (نقتلك بغضا منا لأبيك)
ص 648
فأنشد الإمام: خيرة الله من الخلق أبي * بعد جدي وأنا ابن الخيرين
والدي شمس وأمي
قمر * وأنا الكوكب ابن النيرين
فضة قد صيغت من ذهب * وأنا الفضة وابن الذهبين
من له
جد كجدي المصطفى * أو كأمي في جميع الثقلين
فاطمة الزهراء أمي وأبي * فارس الخيل
ورامي النبلتين
هازم الأبطال في هيجائه * يوم بدر ثم أحد وحنين
ابن عم المصطفى من
هاشم * وشجاع حامل للرايتين
ترك الأصنام لم يسجد لها قط * مع قريش مذ نشأ طرفة عين
أخرت عين الشمس له * ليصلي ركعة أو ركعتين
كلمة الدين وفاء وحياء * قاتل الجن ببئر
العلمين
ترك الأصنام خفضا باذلا * وفي الحرب فريق النيرين
وأباد الكفر في حملته *
برجال أبزقوا في الحملتين
فأنا ابن العين والأذن الذي * أذعن لها الخلق في الخافقين
وبنا جبريل أصبح فاخرا * وقضى أبونا عنا كل دين
فجزاه الله عنا صالحا * خالق العالم
مولى المعشرين