ص 1
إحقاق الحق وإزهاق الباطل
تأليف
العلامة في العلوم العقلية والنقلية متكلم الشيعة
نابغة الفضل والأدب القاضي
السيد نور الله الحسيني المرعشي التستري
الشهيد في بلاد
الهند
سنة 1019
الجزء الثامن عشر
مع تعليقات نفيسة هامة
للعلامة الحجة آية الله
العظمى
السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي دام ظله الوارف
ص 3
بسم الله الرحمن الرحيم
بقية مستدرك فضائل أمير المؤمنين عليه السلام غير المأثورة
عن رسول الله صلى الله عليه وآله

الباب الخامس

في عبادة علي عليه السلام
تقدم في (ج
8 ص 596، إلى ص 605) من كتابنا هذا شطر مما ورد في عبادته ولا نذكر
هيهنا إلا
أنموذجا مما ذكره القوم فيها: فممن لم نذكر كلامه العلامة الشيخ عز الدين عبد
الحميد بن أبي الحديد في (شرح النهج) (ج 1 ص 9 ط مصطفى البابي الحلبي القاهرة) قال:
وقيل لعلي بن الحسين عليه السلام وكان الغاية في العبادة: أين عبادتك
ص 4
عبادة جدك؟ قال: عبادتي عند عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول الله صلى الله
عليه وآله. ومنهم العلامة السمرقندي في (تنبيه الغافلين) (ص 177 مخطوط) قال: روي عن
علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إنه كان إذا حضر وقت الأمانة التي عرضها الله على
السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان فلا أدري
أحسن أداء ما حملت أم لا. ومنهم العلامة النقشبندي في (مناقب العشرة) (ص 40 مخطوط)
روى عن طريق أحمد أن النبي (ص) قال لعلي وفاطمة: إذا آويتما إلى فراشكما فسبحا
ثلاثا وثلاثين وأحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين قال علي رضي الله عنه: فما
تركتهن منذ علمنيهن رسول الله صلى عليه وسلم. فقيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا
ليلة صفين. أخرجه أحمد. ومنهم الحافظ الحميدي في (المسند) (ج 1 ص 24 ط الميمنية
بمصر) روى الحديث بعين ما تقدم عن (مناقب العشرة). ومنهم العلامة المولى محمد مبين
الهندي في (وسيلة النجاة) (ص 223 ط لكهنو) روى الحديث بمعنى ما تقدم عن (مناقب
العشرة) وفي آخره قال علي: والله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله. قال له ابن
الكواء ولا ليلة الصفين فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق نعم ولا ليلة الصفين.
ومنهم العلامة باكثير الحضرمي في (وسيلة المآل) (ص 140 مخطوط) روى الحديث من طريق
أحمد بعين ما تقدم عن (وسيلة النجاة).
ص 5
الباب السادس

في عدل علي عليه السلام
عدله في الحكومة

ونذكر جملة مما ورد في ذلك:
منها ما رواه القوم: منهم العلامة المولى علي القاري في (شرح الفقه الأكبر) (ص 120
ط العثمانية اسلانبول) قال: روى آباءه عليه السلام عن قبول الحكومة إلا على كتاب
الله وسنة رسوله قال في نقل قصة الشورى: فأخذ عبد الرحمن (أي في ندوة الشورى) بيد
عليّ عليه السّلاموقال: أوليك أن تحكم بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين فقال
علي أحكم بكتاب الله وسنة رسوله وأجتهد رأيي. ثم قال لعثمان مثل ذلك
ص 6
فأجابه وعرض عليهما (أي علي وعثمان) ثلاث مرات وكان علي يجيب بجوابه الأول وعثمان
يجيبه بما يدعوه ثم بايع عثمان. ومنهم الفاضلان المعاصران الشيخ محمد أبو الفضل
إبراهيم والشيخ علي محمد البجاوي المصريان المالكيان في كتابهما (أيام العرب في
الإسلام) (ص 390 طبع دار إحياء الكتب العربية لعيسى الحلبي وشركائه بمصر) قال: ولما
خرجت الخوارج من الكوفة أتى عليا أصحابه وشيعته فبايعوه وقالوا: نحن أولياء الله من
واليت وأعداء من عاديت فشرطه لهم فيه سنة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فجاءه
ربيعة بن أبي شداد الخثعمي - وكان شهد معه الجمل وصفين ومعه راية خثعم - فقال له:
بايع على كتاب الله وسنة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم. فقال ربيعة: وعلى سنة
أبي بكر وعمر. فقال له علي: ويلك لو إن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسول
الله صلّى الله عليه وآله وسلم لم يكونا على شيء من الحق، فبايعه فنظر إليه علي
وقال: أما والله لكأني بك وقد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت وكأني بك وقد وطئتك الخيل
بحوافرها. ومنها ما تقدم النقل عنهم في (ج 8 ص 262) وننقل هيهنا عمن لم ننقل عنهم
هناك: منهم العلامة المولى محمد عبد الله بن عبد العلي القرشي الهاشمي الحنفي
الهندي في (تفريح الأحباب في منقب الآل والأصحاب) (ص 333 ط دهلي) قال: عن عبد الله
بن عباس قال: دخلت عليه (أي على علي) يوما وهو يخصف
ص 7
نعله فقلت له ما قيمة هذا النعل التي تخصف فقال هي والله أحب إلي من دنياكم أو
أمرتكم هذه إلا أن أقيم حقا وأدافع باطلا. ثم قال: كان رسول الله صلّى الله عليه
وآله وسلم يخصف نعله ويرقع ثوبه ويركب الحمار ويردف خلفه. ومنها ما رواه القوم:
منهم العلامة النسابة الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري المصري المتوفى
سنة 732 في (نهاية الإرب) (ج 7 ص 28 طبع دار الكتب المصرية بالقاهرة) قال: وروي أن
عليا رضي الله عنه قال للمغيرة بن شعبة لما أشار عليه بتولية معاوية: أوما كنت متخذ
المضلين عضدا. ومنها: ما تقدم النقل عنهم في (ج 8 ص 546 وص 547) ونروي هيهنا عمل لم
نرو عنهم هناك: منهم العلامة محمد بن عبد الله الإسكافي في (المعيار والموازنة) (ص
248) قال: وذكروا أنه ولى رجلا من ثقيف (عكبرا) فقال له: بين يدي أهل الأرض الذين
[كان] عليهم [الخراج: لتستوفي خراجهم ولا يجدون فيك رخصة] ولا يجدون فيك ضعفا. ثم
قال له: عد إلي عند الظهر قال: فلما رحت إليه دخلت عليه وليس بيني
ص 8
وبينه حجاب، وإذا [في] جنبه كوز فيه ماء وقدح، قال: ودعا بطينة مختومة فأتي بها،
فقلت عند نفسي: كل هذا قد نزلت عند أمير المؤمنين يريني جوهرا وظننت أن فيها جوهرا،
فكسر الخاتم ثم صب الماء في القدح، فإذا سويق فشرب، ثم سقاني ولم أصبر أن قلت: يا
أمير المؤمنين أبالعراق تصنع هذا؟ العراق أكثر خيرا وأكثر طعاما؟! فقال لي: إني لست
لشيء أحفظ مني لما ترى إذا خرج عطائي ابتعت منه ما يكفيني، وأكره أن يفنى فيزاد فيه
من غيره، وأكره أن أدخل بطني إلا طيبا، ثم أمر بها فختمت ثم رفعت. ثم أقبل علي
فقال: إني لم أقل لك الذي قلت بين يدي أهل الأرض، إلا أنهم قوم خدع، فإذا قدمت على
القوم فانظر ما آمرك به، فإن خالفتني وأخذك الله به دوني وإن بلغني خلاف ما آمرك به
عزلتك إن شاء الله، إذا قدمت على القوم فلا تبغين فيهم كسوة شتاء ولا صيف، ولا
درهما ولا دابة، ولا تضربن رجلا سوطا لمكان درهم ولا تقمه على رجليه. قال: قلت: يا
أمير المؤمنين إذن أرجع كما ذهبت؟ قال: وإن رجعت فإنا لم نؤمر أن نأخذ منهم إلا
العفو. قال: فرجعت فما بقي علي درهم إلا أديته. ومنهم العلامة الشيخ محمد يوسف بن
الياس الهندي في (حياة الصحابة) (ج ص 118 2 ط حيدرآباد الدكن) روى من طريق زنجويه
والبيهقي بمثل ما تقدم عن (المعيار والموازنة). ومنهم الحافظ ابن عساكر في (ترجمة
الإمام علي من تاريخ دمشق) (ج 3 ص 198 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن
إسماعيل الفضيلي، أنبأنا أبو القاسم أحمد بن محمد الخليلي، أنبأنا أبو القاسم علي
بن أحمد الخزاعي، أنبأنا أبو سعيد الهيثم
ص 9
ابن كليب الشاشي، أنبأنا أبو جعفر محمد بن علي، أنبأنا أبو نعيم، أنبأنا إسماعيل
ابن إبراهيم بن مهاجر البجلي، قال: سمعت عبد الملك بن عمير (يقول) فذكر الحديث بعين
ما تقدم عن (المعيار والموازنة) بتغيير يسير. ومنها ما تقدم النقل عنهم (في ج 8 ص
532) إلى ص 536 ونروي هيهنا عمن لم نرو عنهم هناك: منهم العلامة ابن الأثير الجزري
في (المختار في مناقب الأخيار) (ص 6 من نسخة المكتبة الظاهرية بدمشق) قال: قال
الشعبي: وجد علي بن أبي طالب (رض) درعه عند رجل نصراني فأقبل به إلى شريح يخاصمه
فجاء علي حتى جلس إلى جنب شريح فقال يا شريح لو كان خصمي مسلما ما جلست إلا معه
ولكنه نصراني وقد قال رسول الله (ص): إذا كنتم وإياهم فاضطروهم إلى مضايقة وصغروا
بهم كما صغر الله بهم من غير أن تطغوا، ثم قال علي هذا الدرع درعي لم أبع ولم أهب
فقال شريح للنصراني: ما يقول أمير المؤمنين فقال النصراني ما الدرع إلا درعي وما
أمير المؤمنين عندي فالتفت شريح إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين هل من بينة؟ فضحك
علي وقال أصاب شريح ما لي بينة فقضى بها للنصراني قال فمشى خطى ثم رجع فقال: أما
أنا فأشهد أن هذا أحكام الأنبياء أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه وقاضيه يقضي عليه
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الدرع درعك والله يا أمير
المؤمنين اتبعت الجيش وأنا منطلق إلى صفين فخرجت من بعيرك الأورق فقال: أما إذا
أسلمت فهي لك وحمله على فرس. قال: فأخبرني من رآه يقاتل
ص 10
الخوارج مع علي يوم النهروان. ومنهم العلامة الشيخ محمد يوسف الحنفي في (حياة
الصحابة) (ج 1 ص 348 ط دار القلم بدمشق) روى الحديث من طريق الترمذي والحاكم عن
الشعبي بعين ما تقدم عن (المختار) بتفاوت يسير في بعض ألفاظ الحديث بما لا يوجب
تغييرا في المعنى. ومنهم العلامة الشيخ أبو سعيد محمد الخادمي في شرح وصايا أبي
حنيفة) (ص 177 ط العامرة بالاسلامبول) روى الحديث عن الشعبي بعين ما تقدم عن
(المختار) ومنهم العلامة الشيخ أحمد التابعي المصري في (الاعتصام بحبل الإسلام) (ص
161) قال: روي أن عليا تحاكم إلى شريح القاضي في أيام خلافته في درعه وقال: درعي
عرفتها مع هذا اليهودي. فقال شريح لليهودي ما تقول قال: درعي وفي يدي فطلب شاهدين
من علي فأتى علي بابنه الحسن وقنبر مولاه ليشهدا عند شريح فقال شريح: أما شهادة
مولاك فقد أجزتها لك لأنه صار معتقا وأما شهادة ابنك لك فلا أجيزها لك وكان من مذهب
علي على أنه يجوز شهادة الابن للأب وخالفه شريح في ذلك فلم ينكره عليّ عليه
السّلامفسلم الدرع لليهودي فقال اليهودي أمير المؤمنين اليهودي فسلم الدراع علي
اليهودي ووهبه فرسا وكان معه حتى استشهد في حرب صفين.
ص 11
ومنهم العلامة أبو الفداء عماد الدين بن إسماعيل في (التاريخ) (ج 1 ص 182 ط مطبعة
الحسينية المصرية بالقاهرة). روى الحديث ملخصا. ومنهم العلامة محمد بن سالم واصل في
(تجريد الأغاني) (القسم 2 ج 3 ص 1862 شركة مساهمة المصرية). روى الحديث بعين ما
تقدم عن (الاعتصام). ومنهم الحافظ ابن عساكر في (ترجمة الإمام علي (ع) من تاريخ
دمشق) (ج 3 ص 169 ط بيروت). روى الحديث بسنده عن الشعبي بعين ما تقدم عن (المختار).
عدله في القضاوة

ونذكر شيئا مما ورد في ذلك: منها ما قد تقدم عنهم في (ج 8 ص 540)
ونروي هيهنا عمن لم نرو عنهم هناك: منهم العلامة الشيخ محمد يوسف بن الياس في (حياة
الصحابة) (ج 2 ص 251 دار القلم بدمشق) قال: وأخرج ابن عساكر عن علي بن ربيعة قال:
جاء جعدة بن هبيرة إلى علي رضي الله عنهما فقال: يا أمير المؤمنين يأتيك الرجلان
أنت أحب إلى أحدهما
ص 12
من نفسه أو قال من أهله وماله والآخر لو يستطيع أن يذبحك فتقضي لهذا على هذا. قال:
فلهزه عليّ عليه السّلاموقال: هذا شيء لو كان لي فعلت ولكن إنما ذا شيء لله. ومنهم
العلامة الزمخشري في (ربيع الأبرار) (ص 385 مخطوط) قال: نزل بعلي رجل فمكث عنده
أياما ثم تغوث علي في خصومة فقال علي (ع) أخصم أنت؟ فقال نعم. قال: تحول عنا فإن
رسول الله (ص) نهى أن يضاف خصم إلا ومعه خصمه. ومنهم العلامة الشيخ منصور بن يونس
بن إدريس الحنبلي في (كشاف القناع) (ج 6 ص 315 ط مكتبة النصر الحديثة الرياض). روى
عن علي أنه نزل به رجل فقال لك خصم قال: نعم - فذكر الحديث بعين ما تقدم عن (ربيع
الأبرار).
عدله عليه السلام في الحرب

وقد ورد فيه أخبار كثيرة ذكرنا جملة منها في
تضاعيف الأخبار التي أوردناها من فضائله عليه السلام في مجلدات هذا الكتاب ولا نذكر
هيهنا إلا خبرين لم نذكرهما سابقا:
ص 13
الأول

ما رواه القوم: منهم العلامة الشيخ علاء الدين علي بن حسام الدين الشهير
بالمتقي الهندي المتوفى سنة 975 في كتابة (منتخب كنز العمال) (المطبوع بهامش المسند
ج 5 ص 446 ط بمصر الميمنية) قال: عن أبي بشر الشيباني في قصة حرب الجمل قال:
فاجتمعوا بالبصرة فقال علي: من يأخذ المصحف ثم يقول لهم ماذا تنقمون تريقون دماءنا
ودماءكم؟ فقال رجل أنا يا أمير المؤمنين قال إنك مقتول قال لا أبالي. قال خذ المصحف
فذهب إليهم فقتلوه فقال من الغد مثل ما قال بالأمس فقال رجل أنا قال إنك مقتول كما
قتل صاحبك قال لا أبالي فذهب فقتل ثم قال آخر كل يوم واحد فقال علي قد حل لكم
قتالهم الآن فبرز هؤلاء وهؤلاء فاقتتلوا قتالا شديدا فرد عليهم ما كان في العسكر
حتى القدر.
الثاني

ما رواه القوم: منهم العلامة محمود بن عمر الزمخشري في (الفائق)
(ص 230) قال: لما غلب علي رضي عنه على البصرة قال أصحابه: بم تحل لنا دماءهم ولا
تحل لنا نساءهم وأموالهم، فسمع بذلك الأحنف فدخل عليه فقال: إن
ص 14
أصحابك قالوا كذا وكذا، فقال: لأيم الله لآتينهم عن ذلك.
الثالث

ما رواه القوم:
منهم العلامة عبد العزيز بن محمد الرجبي الحنفي في (فقه الملوك ومفتاح الرتاج
المرصد على خزانة كتاب الخراج) (ج 2 ص 535 ط مطبعة الارشاد على نفقة الأوقاف) قال:
قال: وحدثنا بعض المشيخة عن جعفر عن أبيه أن عليا رضي الله عنه أمر مناديه فنادى
يوم البصرة: لا يتبع مدبر ولا يذقف على جريح ولا يقتل أسير ومن أغلق بابه فهو آمن،
ومن ألقى سلاحه فهو آمن. عدله في احترازه عن التعدي حتى إلى قاتله تقدم نقله منا
(في ج 8 ص 565، إلى ص 573) وإنما ننقل هيهنا عمن لم ننقل عنهم هناك: منهم العلامة
السيد أحمد زيني دحلان الشافعي في (الفتح المبين) (المطبوع بهامش السيرة النبوية ج
2 ص 262 ط دار المعرفة في بيروت) قال: عن عبد الله بن عبد العزيز العبدي أنه سمع
أباه يقول جاء عبد الرحمن بن ملجم يستحمل عليا فحمله ثم قال: أما إن هذا قاتلي. قيل
فما يمنعك منه. قال إنه لم يقتلني بعد، وكان عبد الرحمن بن ملجم يتردد على عليّ
عليه السّلامفيعطيه ويحسن إليه وكان إذا أدبر يقول:
ص 15
أريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد ولما ضرب ابن ملجم لعنه الله عليا
رضي الله عنه وأمسكوه لعنه الله، قال عليّ عليه السّلام أحضروه فأدخل عليه فقال أي
عدو الله ألم أحسن إليك قال بلي. قال فما حملك على هذا؟ قال شحذته يعني سيفه أربعين
صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه. فقال عليّ عليه السّلام لا أراك مقتولا إلا به
وما أراك إلا من شر خلق الله. ثم قال: النفس بالنفس إن هلكت فاقتلوه كما قتلني وإن
بقيت رأيت فيه رأيي. ومنهم العلامة باكثير الحضرمي في (وسيلة المآل) (ص 155 مخطوط)
قال: عن سكين بن عبد العزيز العبدي أنه سمع أباه يقول: جاء عبد الرحمن بن ملجم
يستحمل عليا فحمله ثم قال أما إن هذا قاتلي قيل فما يمنعك منه قال: إنه لم يقتلني
بعد. وقيل له إن ابن ملجم سم سيفه وسنه ويقول إنه سيقتلك به قتلة تتحدث بها العرب.
فبعث إليه وقال له لم تسن وتسم سيفك قال لعدوي وعدوك فخلى سبيله وقال: ما قتلني بعد
فلما كان ليلة الجمعة السابع عشر على الأصح أخذوا سيافهم وجلسوا مقابل السدة التي
يخرج منها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. ومنهم العلامة الشيخ حسين بن محمد
الدياربكري في (تاريخ الخميس) (ج 2 ص 282 ط الوهبية بمصر) قال: روي أنه لما ضربه
ابن ملجم أوصى إلى الحسن والحسين وصية طويلة في آخرها: يا بني عبد المطلب لا تخوضوا
دماء المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا تقتلوا بي إلا قاتلي أنظروا
إذا أنا مت من ضربته هذا فاضربوه ضربة بضربة ولا تمثلوا به فإني سمعت رسول الله
صلّى الله عليه وآله وسلم يقول:
ص 16
إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور. أخرجه الفضائلي. ومنهم العلامة النقشبندي في
(مناقب العشرة) (ص 47 مخطوط) قال: روي أنه قالوا له: يا أمير المؤمنين خل بيننا
وبين مراد فلا يقوم لهم ثاغية ولا راغية أبدا. قال: لا ولكن احبسوا الرجل فإن أنا
مت فاقتلوه وإن أعش فالجروح قصاص. أخرجه أحمد في (المناقب). ومنهم العلامة باكثير
الحضرمي في كتابة (وسيلة المآل في عد مناقب الآل) (ص 156 مخطوط) روى عن الحسن بن
كثير بعين ما تقدم عن (مناقب العشرة). ومنهم الفاضل العالم المعاصر الأستاذ توفيق
أبو علم في (أهل البيت) (ص 258 ط سنة 1390 هجرية) قال: وطلب الإمام الحسن إحضار عبد
الرحمن بن ملجم فلما مثل بين يديه قال له ابن ملجم: ما الذي أمرك به أبوك. قال:
أمرني أن لا أقتل غير قاتله وأن أشبع بطنك وانعم وطأك فإن عاش اقتص أو عفا وإن مات
ألحقك به. فقال الأثيم: إن كان أبوك ليقول الحق ويقضي به في حالة الغضب والرضا ثم
ضربه الإمام الحسن ضربة بالسيف وقتله ولم يمثل به.
عدله في قسمة بيت المال
نذكر
جملة مما ورد في ذلك:
منها ما رواه القوم:

ص 17
منهم العلامة قاضي القضاة صدر جهان في (طبقات ناصري) (ص 82 ج 1 ط كابل) قال: لما
قتل عثمان بايع أهل البدر عليا فأمر بكسر باب بيت المال وتقسيمه بالسوية بين الناس
فنقض طلحة وزبير بيعته.
ومنها
ما تقدم النقل عنهم في (ج 8 ص 545 وص 546) ونروي
هاهنا عمن لم نرو عنهم هناك: منهم العلامة المولوي محمد مبين الهندي في (وسيلة
النجاة) (ص 125 ط كلشن فيض في لكهنو) قال: أخرج أبو عمر قال: كان علي إذا ورد عليه
مال لم يبق منه شيئا إلا قسمه ولا ترك في بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسمته في
يوم ذلك يقول: يا دنيا غري غيري ولم يكن يستأثر من ألفي بشيء ولا يختص حميما ولا
قريبا ولا يختص بالولايات إلا أهل الديانات والأمانات وإذا بلغه عن أحد خيانة كتب
إليه قد جاءتكم موعظة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس
أشيائهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم
بحفيظ إذا أتاك كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى نبعث إليك من يتسلمه منك ثم
يرفع طرفه إلى السماء فيقول: اللهم إنك تعلم أني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك
(1).
(هامش)
(1) لم يوجد لأمير المؤمنين علي عليه السلام التعدي إلى أحد حتى مثقال ذرة. قال
العلامة الشيخ عبد الرؤف المصري في (فيض القدير في شرح الجامع الصغير) في مورد قيل
لعلي كرم الله وجهه ما بال فرسك لم يكب بك قط؟ ما وطئت به زرع مسلم. (*)
ص 18
ومنهم العلامة محمد بن أبي بكر الأنصاري في (الجوهرة) (ط دمشق): روى الحديث بعين ما
تقدم عن (وسيلة النجاة) جملة: يا دنيا، الخ. ومنهم العلامة المولوي ولي الله
اللكنهوئي في (مرآة المؤمنين في مناقب أهل بيت سيد المرسلين) (ص 82 ط الهند) قال:
في الصواعق وسبب مفارقة أخيه عقيل له إنه كان يعطيه كل يوم من الشعير ما يكفي عياله
فاشتهى عياله هريسا فصار يوفر كل يوم شيئا قليلا حتى اجتمع عنده ما اشترى به سمنا
وتمرا وصنع لهم فدعوا عليه إليه فلما جاءوا قدم له ذلك سأل عنه فقصوا عليه ذلك
فقال: أو كان يكفيكم ذلك بعد الذي عزلتم منه قالوا نعم فنقص مما كان يعطيه مقدار ما
كان يعزله كل يوم وقال: لا يحل لي أن أزيد من ذلك فغصب فحمى له حديدة وقربها من خده
وهو غافل فتأوه فقال تجزع من هذه وتعرضني لنار جهنم فقال لأذهبن إلى من يعطيني برا
ويطعمني تمرا فلحق بمعاوية وقد قال يوما لولا علم أني خير له من أخيه ما أقام عندنا
وتركه فقال له عقيل: أخي خير لي في ديني وأنت خير لي في دنيائي قد آثرت دنيائي
واسأل الله خاتمته خيرا. وفي ص (83): وأخرج ابن عساكر أن عقيلا سأل عليا فقال: إني
محتاج وإني فقير فأعطني فقال اصبر حتى يخرج عطائي مع المسلمين فأعطيك معهم فألح
عليه فقال لرجل خذ بيده فانطلق به إلى حوانيت السوق فقال دق هذه الأقفال وخذ ما في
هذه الحوانيت فقال تريد أن تتخذني سارقا قال وأنت تريد أن تتخذني سارقا آن آخذ
أموال المسلمين فأعطيكها دونهم قال لأتين معاوية قال أنت وذاك فأتى معاوية
ص 19
فسأله فأعطاه مائة ألف ثم قال اصعد المنبر فاذكر ما أولاك علي وما أوليتك فصعد فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إني أخبركم أني أردت عليا على دينه فاختار دينه
وإني أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه. ومنهم الفاضل العالم المعاصر الأستاذ
توفيق أبو علم في (أهل البيت) (ص 197 ط سنة 1390 هجري): نقل عن ابن عبد البر بمعنى
ما نقل عنه في (وسيلة النجاة) إلى قوله: وما أنا عليكم بحفيظ.
ومنها
ما رواه القوم:
منهم العلامة المؤرخ الشهير أبو الفداء في (تاريخه) (ج 1 ص 182 ط مطبعة الحسينية
المصرية) قال: وكان علي يقسم ما في بيت المال كل جمعة حتى لا يترك فيه شيئا ودخل
مرة إلى بيت المال فوجد الذهب والفضة فقال: يا صفرا اصفري ويا بيضا ابيضي وغري غيري
لا حاجة لي فيك. وقد تقدم نقل صدر الحديث عن غيره في ج 8 ص 272 وذيله في ص 263.
ومنهما
ما تقدم النقل عنهم في (ج 8 ص 257) ونروي هيهنا عمن لم نرو عنهم هناك:
ص 20
منهم الحافظ ابن عساكر في ترجمة الإمام علي من (تاريخ دمشق) (ج 3 ص 180 ط بيروت)
قال: أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو محمد بن الصريفيني، أنبأنا أبو
القاسم بن حبابة، أنبأنا أبو القاسم البغوي، أنبأنا علي بن الجعد، أنبأنا شريك عن
عثمان بن أبي ذرعة، عن أبي صالح السمان قال: رأيت عليا دخل بيت المال فرأى فيه شيئا
فقال: لا رأى هذا هيهنا وبالناس إليه حاجة، فأمر به فقسم وأمر بالبيت فكنس ونضح (ظ)
فصلى فيه أو قال فيه يعني نام.
ومنها
ما رواه القوم تقدم النقل عنهم في (ج 8 ص 538
وص 539) ونروي هيهنا عمن لم نرو عنهم هناك: منهم العلامة محمد بن أبي بكر الأنصاري
في (الجوهرة) (ص 90 ط دمشق) قال: وحدث سفيان بن عيينة قال: نا عاصم بن كليب عن أبيه
قال: قدم على علي مال من إصبهان، فقسمه سبعة أسباع، ووجد فيه رغيفا فقسمه سبع كسر،
وجعل على كل جزء كسرة، ثم أقرع بينهم أيهم يعطى أولا. ومنهم الحافظ ابن عساكر ابن
عساكر في (ترجمة الإمام علي (ع) من تاريخ دمشق) (ج 3 ص 180 ط بيروت) قال: أخبرنا
أبو محمد بن طاووس، أنبأنا طراد بن محمد، أنبأنا أبو الحسن بن
ص 21
زرقويه، أنبأنا أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب الطائي، أنبأنا علي بن
حرب، أنبأنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: قدم على علي مال من إصبهان فقسمه
على سبعة أسهم، فوجد فيه رغيفا فكسره على سبعة وجعل على كل قسم منها كسرة، ثم دعا
أمراء الأسباع فأقرع بينهم لينظر أيهم يعطى أولا. ومنهم العلامة الشيباني في
(المختار في مناقب الأخيار) (ص 5 نسخة مكتبة الظاهرية بدمشق) روى الحديث عن عاصم بن
كليب عن أبيه بعين ما تقدم عن (تاريخ دمشق). ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد بن
يوسف بن الياس في (حياة الصحابة) (ج 2 ص 250 ط دار القلم بدمشق) روى الحديث من طريق
البيهقي وابن عساكر وابن عبد البر بعين ما تقدم عن (تاريخ دمشق). ومنهم العلامة
باكثير الحضرمي في (وسيلة المآل) (ص 142 مخطوط) روى الحديث من طريق أحمد والخلعي عن
عاصم بعين ما تقدم عن (تاريخ دمشق) لكنه لم يذكر قوله: ثم دعا الأمراء الأسباع.
ومنهم العلامة المعاصر توفيق أبو علم في (أهل البيت) (ص 223 ط سنة 1390) قال: قد
بلغ من عظيم عدل الإمام أنه وجد مع المال الذي جاء من إصبهان بعينه
ص 22
رغيفا فقسمه سبعة أجزاء كما قسم المال وجعل على كل جزء جزءا. ومنهم العلامة الدكتور
فوزي في (علي ومناؤه) (ص 189 ط مصر) روى الحديث بعين ما تقدم عن (تاريخ ابن عساكر).
ومنها
ما تقدم النقل عنهم في (حياة الصحابة) (ج 2 ص 250 دار القلم بدمشق) قال:
وأخرج البيهقي عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن جده قال: أنت عليا رضي الله
عنه امرأتان تسألانه عربية ومولاة لها، فأمر لكل واحدة منهما بكر من طعام وأربعين
درهما، فأخذت المولاة الذي أعطيت وذهبت وقالت العربية: يا أمير المؤمنين تعطيني مثل
الذي أعطيت هذه وأنا عربية وهي مولاة، قال لهما علي رضي الله عنه: إني نظرت في كتاب
الله عز وجل فلم أر فيه فضلا لولد إسماعيل على ولد إسحاق عليهما الصلاة والسلام.
ومنها
ما رواه القوم: منهم العلامة علي يحيى معمر في (الأباضية في موكب التاريخ)
(القسم الأول ص 112 ط مكتبة وهبة بالقاهرة) قال: وكان أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام يكنس بيت المال كل
ص 23
جمعة، وعند ما استعارت ابنته حلية من خازن بيت المال تتزين بها لمناسبة عارضة ثم
تردها، غضب علي على الخازن وهم بقطع يد ابنته وقال: لولا أنها استعارتها لكانت أول
هاشمية تقطع يدها.
ومنها
ما تقدم النقل عنهم في (ج 8 ص 268، إلى 271 وص 537) وننقل
هاهنا عمن لم ننقل عنهم هناك: منهم العلامة الشيخ محمد يوسف بن الياس الهندي في
(حياة الصحابة) (ج 2 ص 429 ط دار القلم بدمشق) قال: وأخرج أبو عبيدة عن عنترة قال:
أتيت عليا رضي الله عنه يوما فجاءه قنبر فقال: يا أمير المؤمنين إنك رجل لا تبقي
شيئا وإن لأهل بيتك في هذا المال نصيبا وقد خبأت لك خبيثة. قال: وما هي. قال:
فانطلق فانظر ما هي. قال: فأدخله بيتا فيه مأسنة مملوءة آنية ذهبا أو فضة، فلما
رآها علي قال: ثكلتك أمك لقد أردت أن تدخل بيتي نارا عظيمة. ثم جعل يزنها ويعطي كل
شريف حصة ثم قال: هذا جنائي وخياره فيه * وكل جان يده إلى فيه لا تغريني غري غيري.
ومنها
ما رواه القوم:
ص 24
منهم العلامة الإسكافي في (المعيار والموازنة) (ص 235) قال: وبلغ من تفضله وإيثاره
على نفسه، أن عمر سأله سهمه من الفئ - وهو سهم ذي القربى - ليعود به على المسلمين،
فجاد لهم به تفضلا وكرما.
ومنها
ما تقدم (في ج 8 ص 541 ص 543) وإنما ننقل هاهنا عمن
لم نر عنهم هناك: فمنهم العلامة المولوي محمد مبين الهندي في (وسيلة النجاة) (ص 128
ط كلشن فيض في لكهنو) قال: وأخرج ابن عساكر أن عقيلا سأل عليا فقال: إني محتاج وإني
فقير فأعطني. قال: اصبر حتى يخرج عطائي مع المسلمين فأعطيك معهم، فألح عليه فقال
لرجل: خذ بيده فانطلق به إلى حوانيت أهل السوق. فقال: دق هذه الأقفال وخذ ما في هذه
الحوانيت. قال: تريد أن تتخذني سارقا. قال: وأنت تريد أن تتخذني سارقا أن آخذ أموال
المسلمين فأعطيتكها دونهم. قال: لأتين معاوية. قال: أنت وذاك. فأتى معاوية فسأله
فأعطاه مائة ألف درهما ثم قال: اصعد على المنبر فاذكر ما أولاك علي وما أوليتك،
فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إني أخبركم أني أردت عليا على دينه
فاختار دينه علي وإني أردت على دينه فاختارني على دينه.
ص 25
ومنهم العلامة الشيخ أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي في (الفنون)
(ص 47 ط دار المشرق في بيروت) روي أنه قدم عقيل بن أبي طالب على علي أخيه وهو
بالكوفة يسأله مالا، فقال للحسن: اكس عمك. فكساه قميصا من قمصانه ورداءا من أرديته،
فلما حضر العشاء دعا علي العشاء فإذا كسر تتقعقع يبوسة، فقال عقيل: أوليس عندك إلا
ما أرى. قال علي: أوليس هذا من نعمة الله كثيرا فله الحمد والشكر. فقال عقيل: يا
أمير المؤمنين لا ضير إذ كان هذا أعطني ما أقضي ديني وعجل سراحي لأرحل عنك. فقال
علي: فكم دينك. فقال: أربعمائة ألف درهم. فقال علي: فما هي عندي ولا أملكها ولكن
تصبر حتى يخرج عطائي فأقاسمك فقال عقيل: بيت المال في يدك وأنت تسوفني. قال: والله
يا أخي ما أنا وأنت في هذا المال إلا بمنزلة رجل من المسلمين. وجعلا يتكالمان في
هذا وهما فوق قصر الإمارة مشرفين على صناديق أهل السوق فقال علي: إذا أبيت ما أقول
فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسرها وخذ ما فيها. قال عقيل: أتأمرني أن أكسر صناديق
قوم قد توكلوا على الله وجعلوا أموالهم فيها واتكلوا عليها. قال: أفتأمرني أن أفتح
بيت مال المسلمين وقد توكلوا على الله وهم يرجون قبضها وأنا متقلد أخذها من وجوهها
ووضعها في حقوقها، فإن أبيت ما أقول أخذت سيفا ثم أخذت سيفا ثم انطلقنا إلى الحير
فإن فيها تجارا مياسير فدخلنا على بعضهم وأخذنا أموالهم. قال عقيل: أسارقا جئت. قال
علي: فلئن تسرق من واحد خير من أن تسرق من كافة المسلمين. قال عقيل: فأذن لي أن آتي
هذا الرجل، يعني معاوية، غير متهم لي أني إليه هجرت ولا عنك صدرت ولا به انتصرت.
قال: قد أذنت لك.
ص 26
قال: فأعني على سفري إليه. قال: يا حسن اعط عمك أربعمائة درهم فأعطاه إياها فخرج من
عنده وهو يقول: سيغنيني الذي أغنى علينا * فيدركه إلى الرحم الطلوب ويغنيني الذي
أغناه عني * ويغني ربنا رب قريب ثم وصل إلى معاوية فوصله بأربعمائة ألف لقضاء دينه،
ثم وصله بمثلها. قال حنبلي: فكيف استحل أن يأذن لأخيه في الأخذ من مال يعتقده
مسروقا أيضا، لأن معاوية أخذه عنده وفي اعتقاده بغير حق. فأجاب: بأنه اعتقد أن الذي
بيد معاوية مال بيت المال وأنه ليس بإمام ولا متصرفا بإذن الإمام فأذن لأخيه بحكم
أنه المتصرف بحق أن يأخذه بإذنه فيصير أخذا بحق. والله أعلم.
ومنها
ما تقدم النقل
عن القوم في (ج 8 ص 544، 545) وننقل هاهنا عمن لم ننقل عنه هناك: فمنهم العلامة
المولوي محب الله السهالوي في (وسيلة النجاة) (ص 127 ط كلشن فيض في لكهنو) قال: في
الصواعق وسبب مفارقة أخيه عقيل إياه أن كان يعطيه كل يوم من الشعير ما يكفي عياله،
فاشتهى عليه أولاده هريسا فصار يأخذ في كل يوم شيئا قليلا حتى اجتمع عنده ما اشترى
به سمنا وتمرا وصنع لهم فدعوا عليا إليه فلما جاء وقدم له ذلك سأل عنه فقصوا عليه
ذلك فقال: أو كان يكفيكم ذلك بعد الذي عزلتم منه. قالوا: نعم، فنقص مما كان يعطيه
مقدار ما كان يعزل كل يوم وقال: لا يحل لي أن أزيد من ذلك، فغضب فحمى له حديدة
وقربها من خده وهو غافل
ص 27
فتأوه فقال: تجزع من هذه وتعرضني لنار جهنم. فقال: لأذهبن إلى من يعطيني تبرأ
ويطعمني تمرا، فلحق بمعاوية. وقال يوما: لولا علم أني خير له من أخيه ما أقام عندنا
وتركه. فقال له عقيل: أخي خير لي في ديني وأنت خير في دنياي وقد اخترت دنياي وأسأل
الله خاتمة خير.
ص 28
الباب السابع

في مروة علي عليه السلام وسماحته
ونذكر أنموذجا من موارده: منها ما
رواه جماعة من القوم: فمنهم العلامة القاضي حسين الدياربكري المكي في (تاريخ الخميس
في أحوال أنفس نفيس) (ج 1 ص 488 ط الوهية بمصر) قال: وروي أن عليا لما قتل عمرا لم
يسلبه. فجاءت أخت عمرو حتى قامت عليه، فلما رأته غير مسلوب سلبه قالت: ما قتله إلا
كفؤ كريم. ثم سألت عن قالته قالوا: علي بن أبي طالب، فأنشأت هذين البيتين: لو كان
قاتل عمرو غير قاتله * لكنت أبكي عليه آخر الأبد لكن قاتله من لا يعاب به * من كان
يدعى قديما بيضة البلد
ص 29
ومنهم العلامة المولوي ولي الله اللكنهوئي في (مرآة المؤمنين) (ص 47) قال: لما اشتد
القتال يوم أحد جلس رسول الله (ص) تحت راية الأنصار وأرسل علي بن أبي طالب أن قدم
الراية، فتقدم علي فقال: أنا أبا القصم. فناداه أبو سعد بن طلحة صاحب لواء
المشركين: أن هل لك يا أبا القصم. فناداه أبو سعد بن طلحة صاحب لواء المشركين: أن
هل لك يا أبا القصم في البراز من حاجة. قال: فبرزا بين الصفين فاختلفا ضربتين فضربه
علي عليه السلام فصرعه ثم انصرف عنه ولم يحر عليه. فقال له أصحاب رسول الله: أفلا
أحرت عليه. فقال: إنه استقبلني بعورته فعطفني عنه الرحم وعلمت أن الله قد قتله.
ومنها ما تقدم النقل عنهم في (ج 8 ص 648 و649) وننقل هاهنا عمن لقم ننقل عنه هناك:
منهم علامة التاريخ والنسب السيد محمد بن علي بن طباطبا الشهير بابن المصطفى في
(الفخري) (ص 16 ط محمد علي صبيح بالقاهرة) قال: روي أن عليا أمير المؤمنين عليه
السلام استدعى بصوته بعض عبيدة فلم يجبه، فدعاه مرارا فلم يجبه، فدخل عليه رجل
وقال: يا أمير المؤمنين إنه بالباب واقف وهو يسمع صوتك ولا يكلمك. فلما حضر العبد
عنده قال: أما سمعت صوتي؟ قال: بلى. قال: فما منعك من إجابتي؟ قال: أنت عقوبتك قال
علي عليه السلام: الحمد لله الذي جعلني ممن يأمنه خلقه.
ص 30
ومنهم العلامة الصفوري في (نزهة المجالس) (ج 1 ص 206 ط مطبعة الأزهرية بمصر) قال:
دعى عليّ عليه السّلامغلامه فلم يجبه، ثم دعاه ثانيا فلم يجبه، فوثب إليه فرآه
مضطجعا يضحك، فقال: ما حملك على يترك جوابي؟ قال: أمنت عقوبتك. قال: أنت حر لوجه
الله تعالى. ومنهم الحافظ ابن عساكر الدمشقي في (ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق)
(ص 154 ط بيروت) قال: ثم أقبل علي نحو رسول الله (ص) ووجهه يتهلل، فقال: عمر بن
الخطاب: هلا سلبته درعه فإنه ليس للعرب) درع خير منها، فقال: ضربته فاتقاني بسوأته
فاستحييت ابن عمي أن أسلبه وخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق. ومنها ما تقدم
النقل عنهم في (ج 8 ص 650 و651) وننقل هاهنا عمن لم نرو عنهم هناك: منهم العلامة
المولى محمد عبد الله بن عبد العلي القرشي الهاشمي الحنفي الهندي في (تفريح الأحباب
في مناقب الآل والأصحاب) (ص 329 ط دهلي) روى من طريق أحمد عن أبي المطرف قال: رأيت
علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مؤتزرا بإزار مترديا برداء ومعه درة، كأنه أعرابي
يدور الأسواق
ص 31
حتى بلغ سوق الكرابيس فوقف على شيخ فقال: يا شيخ أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم،
فعرفه الشيخ فقال: نعم، فعلم أنه قد عرفه فتركه ومضى ولم يشتر منه شيئا، فأتى غلاما
حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم من صفته كذا وكذا، فأخذ درهما وجاء إليه فقال:
يا أمير المؤمنين هذا الدرهم فاضل عن ثمن القميص فخذه فإن ابني غلط إنما ثمنه
درهمان. فقال: يا شيخ اذهب بدرهمك فإنه باعني على رضائي وأخذ رضاه. ومنها ما رواه
القوم: منهم العلامة المولوي محمد مبين الهندي في (وسيلة النجاة) (ص 181 ط كلشن فيض
لكهنو) قال: أخرج الحاكم عن الأوزاعي سمعت ميمون بن مهران يذكر أن علي بن أبي طالب
قال: ما يسر لي أن آخذ سيفي في قتل عثمان وأن يكن لي الدنيا وما فيها. ومنها ما
تقدم النقل عن بعضهم في (ج 8 ص 658) وننقل هاهنا عمن لم ننقل عنه هناك:
ص 32
منهم الفاضل العالم المعاصر الأستاذ توفيق أبو علم في (أهل البيت) (ص 215 ط مصر سنة
1390 ه) قال: وكان عبد الله بن الزبير يشتمه (أي عليا) على رؤوس الأشهاد، وكان
عليه السلام يقول: ما زال الزبير رجلا منا أهل البيت حتى شب ابنه عبد الله، فظفر به
يوم الجمل فأخذه أسيرا فصفح عنه. ومنها ما تقدم النقل عن بعضهم في (ج 8 ص 658)
وننقل هاهنا عمن لم ننقل عنه هناك: منهم الفاضل العالم المعاصر الأستاذ توفيق أبو
علم في (أهل البيت) (ص 215 ط مطبعة السعادة بالقاهرة) قال: وظفر بسعيد بن العاص بعد
وقعة الجمل بمكة وكان له عدوا فأعرض عنه. ومنها ما رواه القوم: منهم العلامة
الإسكافي في (المعيار والموازنة) (ص 234) قال: وبلغ من عفوه أنه يوم الحكمين كان في
يده أسرى من أهل الشام فخلى سبيلهم، ومنعوه الماء ولم يمنعهم. ونادى يوم الجمل عند
الطعن: أن لا تقحموا منازلهم، ولا تغنموا أموالهم، ولا تتبعوا المولي منهم.
ص 33
ومنها ما تقدم النقل عن بعضهم في (ج 8 ص 656 و657) وننقل ههنا عمن لم ننقل عنه
هناك: منهم الفاضل العالم المعاصر الأستاذ توفيق أبو علم في (أهل البيت) (ص 215 ط
مصر سنة 1390 هجرية) قال: أما إكرامه للسيدة أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله
عنها فقد بعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس عممهن بالعمائم
وقلدهن بالسيوف فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به وتأففت وقالت:
هتك سري برجاله وجنده الذين وكلهم بي. فلما وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهن وقلن
لها: إنما نحو نسوة. ومنها ما رواه القوم: منهم العلامة المولى علي المتقي الهندي
في (كنز العمال) (ج 11 ص 330 ط حيدرآباد) روي من طريق البيهقي عن محمد بن عمر بن
علي بن أبي طالب أن عليا لم يقاتل أهل الجمل حتى دعا الناس ثلاثا، حتى إذا كان يوم
الثالث دخل عليه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر فقالوا: قد أكثروا فينا الجراح.
فقال: يا ابن أخي والله ما جهلت شيئا من أمرهم إلا ما كانوا فيه وقال: صب لي
ص 34
ماءا. فصب له ماء فتوضأ ثم صلى ركعتين حتى إذا فرغ رفع يديه ودعا ربه وقال لهم: إن
ظهرتم على القوم فلا تتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، وانظروا ما حضرت به الحرب
من آنية فاقبضوه وما كان سوى ذلك فهو لورثته. ثم قال البيهقي: هذا منقطع والصحيح
أنه لم يأخذ شيئا ولم يسلب قتيلا. ومنهم العلامة الشيخ محمد يوسف الدهلوي الهندي في
(حياة الصحابة) (ج 3 ص 10 ط دار القلم بدمشق) روى الحديث عن محمد بن عمر بعين ما
تقدم عن (كنز العمال). ومنهم العلامة الشيخ منصور بن يونس الحنبلي في (كشاف القناع)
(ج 6 ص 164 ط مكتبة النصر الحديثة الرياض) قال: روى مروان قال: صرخ صارخ لعلي يوم
الجمل: لا يقتل مدبر، ولا يذفف على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى السلاح
فهو آمن. رواه السعيد عن عمار نحوه. ومنهم العلامة العسقلاني في (تلخيص التحبير) (ج
4 ص 48 ط القاهرة سنة 1384 ه) روى عن طريق عن طريق ابن أبي شيبه وسعيد بن منصور
والحاكم والبيهقي عن عبد خير قال: نادى منادي يوم الجمل: ألا لا يتبع مدبرهم ولا
يذفف على جريحهم.
ص 35
ومنهم العلامة الشيخ زين الدين عمر بن مظفر الحنفي الشهير بابن الوردي في (تاريخ
ابن الوردي) (ج 1 ص 212 ط الحيدرية في الغري الشريف) قال: وتقدم عليّ عليه
السّلامإلى أصحابه أن لا يبدؤهم بقتال ولا يقتلوا مدبرا ولا يأخذوا شيئا من أموالهم
ولا يكشفوا عورة. ومنهم العلامة الأديب الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد ربه في (العقد
الفريد) (ص 198 ط القاهرة) قال: ومن حديث ابن أبي شيبة قال: كان علي يخرج مناديه
يوم الجمل يقول لا يسلبن قتيل ولا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح. ومنهم الفاضل
المعاصر الأستاذ توفيق أبو علم في (أهل البيت) (ص 275 ط مصر سنة 1390) قال: وحاربه
(أي علي (ع)) أهل البصرة وضربوا وجهه وجوه أولاده بالسيف وسبوه ولعنوه، فلما ظفر
بهم رفع السيف عنهم ونادى مناديه: ألا لا يجهز على جريح، ولا يقتل مستأسر، ومن ألقى
سلاحه فهو آمن، ومن تحيز إلى عسكر الإمام فهو آمن. ولم يأخذ من أثقالهم، ولا سبى
ذراريهم، ولا غنم شيئا من أموالهم، ولو شاء أن يفعل كل ذلك لفعل، ولكنه أبى إلا
الصفح والعفو. ومنهم الحافظ البيهقي في (السنن الكبرى) (ط مطبعة دائرة المعارف
بحيدر آباد الدكن ج 8 ص 175) قال: أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أنبأ أبو الفضل بن
خميرويه، ثنا أحمد بن
ص 36
نجدة، ثنا الحسن بن الرياح، ثنا عبد الله بن المبارك، عن معمر حدثني سيف ابن فلان
بن معاوية العنزي، حدثني خالي عن جدي قال: لما كان يوم الجمل واضطرب الخيل وأغار
الناس قال: فجاء الناس إلى عليّ عليه السّلاميدعون أشياء فأكثروا عليه فلم يفهم
قال: ألا رجل يجمع كلامه كما لي خمس كلمات أو ست. قال: فاحتفزت على إحدى رجلي قلت:
إن فهم قبل كلامي وإلا جلست من قريب، قلت: يا أمير المؤمنين إن الكلام ليس بخمس ولا
بست ولكنها كلمتان. قال: فنظر إلي قال: هضم أو قصاص، فعقد ثلثين فعقد فقال قالون
أرأيتم ما عدوتم فهو تحت قدمي هاتين. ومنهم علامة علم المسالك والممالك زكريا بن
محمد بن محمود القزويني المولود سنة 599 والمتوفى سنة 681 في (آثار البلاد وأخبار
العباد) (ص 214 ط دار صادر في بيروت) ولما سمع معاوية أن عليا عبر الفرت بعث إلى
ذلك الطريق أبا الأعور في عشرة آلاف ليمنع أصحاب علي من الماء، فبعث علي صعصعة بن
صوحان فقال: إنا سرنا إليكم لنعذر إليكم قبل القتال، فإن أبيتم كانت العاقبة أحب
إلينا، وأراك قد حلت بيننا وبين الماء، فإن كان أعجب إليك أن ندع ما جئنا له
تقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا، فقال معاوية لصعصعة: ستأتيكم
رايتي، فرجع إلى علي وأخبره بذلك، فغم علي غما شديدا لما أصاب الناس في يومهم
وليلتهم من العطش. فلما أصبحوا ذهب الأشعث بن قيس والأشتر بن الأشجع، ونحيا أبا
الأعور عن الشريعة حتى صارت في أيديهم، فأمر علي أن لا يمنع أحد من أهل الشام عن
الماء، فكانوا يسقون منه ويختلط بعضهم ببعض، وكان ذلك سنة سبع وثلاثين غرة صفر.
ص 37
ومنها ما تقدم النقل عنهم في (ج 8 ص 660) وننقل هاهنا عمن لم ننقل عنهم هناك: منهم
العلامة محمد بن عبد الملك بن سعيد الأندلسي في (المغرب في حلى المغرب) (ج 1 ص 52
القسم الخاص بمصر ط جامعة فؤاد الأول بالقاهرة) قال: إن عليا رضي الله عنه نادى
معاوية في بعض أيام صفين: يا معاوية لم يقتل الناس بيننا، هلم أحاكمك إلى الله
فأينا قتل صاحبه استقامت له الأمور. فقال له عمرو: أنصفك الرجل. فقال له معاوية: ما
أنصف وإنك لتعلم أنه لم يبارزه رجل قط إلا قتله. فقال عمرو: ما يجمل بك أن تبارزه،
قال: طمعت فيها بعدي. ولما أعاد عمرو على معاوية إشارته عليه بالمبارزة لعلي حلف
معاوية ليبارزه عمرو، فخرج عمرو لمبارزة علي، فلما نظر إلى المنية قد أطلت عليه من
سنانه كشف عورته، وقال: عورة المؤمن حمى، فرد علي عنه بصره وسلم عمرو بهذه المكيدة،
وإلى ذلك أشار أبو فراس الحمداني في قوله: ولا خير في دفع الردى بمذلة * كما ردها
يوما بسوءته عمرو ومنهم العلامة السيد عبد الرحيم بن عبد الرحمان العباسي في (معاهد
التنصيص) (ج 2 ص 194 ط مطبعة البهية بمصر) قال: ومن لطائف التلميح قول أبي فراس:
وقال أصيحابي الفرار أو الردى * فقلت هما أمران أحلاهما مر
ص 38
ولكنني أمضي لما لا يعينني * وحبسك من أمرين خيرهما الأسر
ولا خير في رفع الردى
بمذلة * كما ردها يوما بسوءته عمرو
يريد عمرو بن العاص لما ضربه عليّ عليه
السّلاميوم صفين، فاتقاه بسوءته كاشفا عنها، فأعرض وقال: عورة المرء حمى، وقد وقع
ذلك لبسر بن أرطاة أيضا مع عليّ عليه السّلامكما وقع لعمرو وكان مع معاوية بصفين
أيضا فأمره أن يلقى عليا وقال له: سمعتك تتمنى لقاءه فلو ظفرك الله به حصلت على
دنيا وأخرى ولم يزل يشجعه ويمنيه حتى رآه، فقصده في الحرب والتقيا، فصرعه علي، فكشف
عن سوءته فتركه، وفي ذلك يقول الحرث بن النضر السهمي وكان عدوا لعمرو وبسر:
أفي كل
يوم فارس ليس ينتهي * وعورته وسط العجاجة بادية
يكف بهما عنه علي سنانه * ويضحك منه
في الخلاء معاوية
بدت أمس من عمرو فقنع رأسه * وعورة بسر مثلها حذو حاذية
فقولا
لعمرو ثم بسر إلا انظرا * سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية
ولا تحمدوا إلا الحياء
وخصاكما * هما كانتا والله للنفس واقية
فلولاهما لم تنجيا من سنانه * وتلك بما فيها
عن العود ناهية
متى تلقيا الخيل المشيحة صبحة * وفيها علي فاتركا الخيل ناجية
وكونا
بعيدا حيث لا تدرك القنا * نحوركما إن التجارب كافية
ومنهم المؤرخ الجليل أبو محمد
أحمد بن أعثم الكوفي في (الفتوح) (ج 3 ص 70 ط حيدرآباد) قال: ثم تنكر علي وخرج حتى
وقف في ميدان الحرب في ميدان الحرب ودعا للبراز إلى أن قال: فلما سمع عمرو كلام علي
وشعره ولى ركضا وتبعه علي فطعنه طعنة
ص 39
وقعت الطعنة في فصول الذراع فأكفاه عن فرسه فسقط عمرو على قفاه (من ضربة علي) ورفع
رجليه فبدت سوءته وصرف علي وجهه عنه وانصرف إلى عسكره. ومنهم العلامة أبو محمد أحمد
بن أعثم الكوفي في (الفتوح) (ج 3 ص 173 ط القاهرة) روي أنه خرج بسر بن أرطاة إلى
علي وهو ساكت لا ينطق بشيء خوفا من أن يعرفه علي إذ هو تكلم. قال: ونظر إليه علي
فحمل عليه فسقط بسر على قفاه ورفع رجليه فانكشفت عورته، وصرف علي وجهه عنه ووثب بسر
قائما وسقطت البيضة عن رأسه فصاح أصحابه: يا أمير المؤمنين إنه بسر بن (أبي) أرطأة.
فقال أمير المؤمنين رضي الله عنه: دعوه فقد كان معاوية أولى بهذا الأمر من بسر.
قال: فضحك معاوية من بسر ثم قال: لا عليك يا بسر ارفع طرفك ولا تستحيني فقد نزل
بعمرو مثل الذي نزل بك. قال فصاح رجل من أهل الكوفة: ويلكم يا أهل الشام، أما
تسحيون لقد علمكم عمرو بن العاص في الحروب كشف السوءات، ثم أنشأ وجعل يقول:
في كل
يوم فارس ذو كريهة * له عورة وسط العجاجة بادية
يكف لها عنه علي سنانه * ويضحك منها
في الخلاء معاوية
بدت أمس من عمرو فنكس رأسه * وعورة بسر مثلها حذو حاذية
فقولا
لعمرو وابن أرطاة أبصرا * سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية
فلا تحمدا إلا الخنا
وخصاكما * هما كانتا والله للنفس واقية
فلولاهما لم تنجوا من سنانه * وتلك بما فيها
من العود ناهية
ص 40
قال: فكان بسر بن (أبي) أرطاة مرة يضحك من عمرو ثم صار عمرو يضحك منه، وكان بسر بعد
ذلك إذا لقى الخيل التي فيها علي تنحى ناحية. ومنهم العلامة الشيخ نجم الدين
الشافعي في (مثال الطالب) (ص 179 مخطوط) روى قصة بسر بن أرطاة بمعنى ما تقدم عن
(الفتوح). ومنهم العلامة أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الله الأنصاري
الأسدي الدباغ المالكي في كتابه (معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان) (ج 1 ص 158
ط مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة) روى قصة بسر بن أرطاة وعمرو بن العاص بمعنى ما
تقدم. ومنها ما تقدم النقل عنهم في (ج 8 ص 565، إلى ص 573) ونزد هاهنا النقل عمن لم
ننقل عنهم هناك: منهم الحافظ ابن عساكر في (ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق) (ج 3 ص
197 ط بيروت) قال: أخبرنا أبو الفتح عبد الله بن محمد بن محمد بن البيضاوي، وأبو
القاسم ابن السمرقندي، قالا أنبأنا أبو محمد الصريفيني، أنبأنا أبو بكر محمد بن عمر
بن علي بن خلف، أنبأ عبد الله بن سليمان بن الأشعث، أنبأنا كثير بن عبيد، أنبأنا
أنس - وهو ابن عياض - عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن عليا
ص 41
كان يخرج إلى الصلاة وفي يده درته فيوقظ الناس فضربه ابن ملجم فقال علي: أطعموه
واسقوه وأحسنوا أساره فإن عشت فأنا ولي دمي أعفوا إن شئت وإن شئت استقدت. وفي ج 3 ص
300 وأخذ عبد الرحمان بن ملجم فأدخل على علي فقال: أطيبوا طعامه وألينوا فراشه فإن
أعش فأنا ولي دمي عفو أو قصاص وإن مت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين. ومنهم
العلامة القاضي الشيخ حسين بن محمد بن حسن المالكي الدياربكري في (تاريخ الخميس في
أحوال أنفس نفيس) (ج 2، ص 212 ط الوهبية بمصر) روى الحديث بعين ما تقدم ثانيا عن
(تاريخ دمشق). ومنهم العلامة العسقلاني في (تلخيص التحبير) (ج 4 ص 47 ط القاهرة سنة
1384 ه) قال: وروى البيهقي من حديث الشعبي: إن ابن ملجم لما ضرب عليا تلك الضربة
أوصى فقال: قد ضربني فأحسنوا إليه وألينوا فراشه فإن أعش فعفو أو قصاص وإن أمت
فعاجلوه، فإني مخاصمه عند ربي عز وجل. ومنهم العلامة العلامة باكثير الحضرمي في
(وسيلة المآل) (ص 156 مخطوط) قال: ثم نظر إلى ولده محمد بن الحنفية فقال: هل حفظت
ما أوصيت به أخويك قال: نعم. قال: فإني أوصيك بتوقير أخويك لعظم حقهما عليك ولا
توثق
ص 42
أمرا دونهما. ثم قال: أوصيكما به فإنه أخوكما وابن أبيكما وقد كان أبوكما يحبه، ثم
قال للحسن: أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي واسقوه من شرابي فإن عشت فأنا أولى بحقي
وإن مت فاضربوه ضربة ولا تمثلوا به فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم
يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور. ومنهم الحافظ محمد بن حيان بن أحمد أبي
حاتم التميمي البستي في (الثقات) (ج 2 ص 302 ط دائرة المعارف العثمانية في
حيدرآباد) روى الحديث بعين ما تقدم عن (تاريخ الخميس). ومنهم العلامة البلاذري في
(أنساب الأشراف) (ج 2 ص 501) قال: فقال علي: إنه أسير فأحسنوا نزله وأكرموا مثواه،
فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن مت فاقتلوه قتلتي ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.
ص 43
الباب الثامن

في إنفاقه عليه السلام في سبيل الله تعالى
ونذكر جملة مما ورد فيه:
فمنها ما تقدم النقل عن بعضهم في (ج 8 ص 576) وننقل هاهنا عن غيرهم: منهم الحافظ
ابن عساكر في (ترجمة الإمام علي (ع) من تاريخ دمشق) (ج 3 ص 245 ط بيروت) قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك، أنبأنا سعيد بن أحمد بن محمد أنبأنا أبو
حامد بندار بن محمد بن أحمد الاسترآبادي بها، أنبأنا أبو العباس أحمد بن محمد بن
عمران الخفاقي، أنبأنا علي بن محمد بن حاتم القوسي، أنبأنا أبو زكريا الرملي،
أنبأنا يزيد بن هارون، عن نوح بن قيس، عن سلامة الكندي:
ص 44
عن الأصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب، قال: جاء رجل فقال: يا أمير المؤمنين إن
لي إليك حاجة فرفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك، فإن أنت قضيتها حمدت الله
وشكرتك، وإن أنت لم تقضها حمدت الله وعذرتك. فقال له [له] علي: أكتب على الأرض فإني
أكره أن أرى ذل السؤال في وجهك. فكتب: إني محتاج. فقال علي: علي بحلة. فأتى بها
فأخذها الرجل فلبسها ثم أنشأ يقول:
كسوتني حلة تبلى محاسنها * فسوف أكسوك من حسن
الثنا حللا
إن نلت حسن ثنائي نلت مكرمة * ولست تبغي بما قد قلته بدلا
إن الثناء
ليحيي ذكر صاحبه * كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا
لا تزهد الدهر في زهو تواقعه *
فكل عبد سيجزى بالذي عملا
فقال علي: علي بالدنانير. فأتي بمائة دينار فدفعها إليه،
فقال الأصبغ: فقلت: يا أمير المؤمنين حلة ومائة دينار. قال: نعم سمعت رسول الله
صلّى الله عليه وآله وسلم يقول: أنزلوا الناس منازلهم، وهذه منزلة هذا الرجل عندي
(1).
(هامش)
(1) وقال في (ج 3 ص 58): أخبرنا أبو بكر محمد بن شجاع، أنبأنا أبو عمرو ابن مندة،
أنبأنا الحسن بن أحمد، أنبأنا أبو الحسن الشيباني، أنبأنا أبو بكر بن أبي الدنيا،
أنبأنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، أنبأنا عبيد بن حماد، أنبأنا عطاء بن مسلم، عن
رجل، عن أبي إسحاق، قال: جاء ابن أجور التميمي إلى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين
جئتك من عند ألئم الناس وأبخل الناس وأعيا الناس وأجبن الناس. فقال له معاوية: ويلك
وأنى أتاه اللؤم، ولكنا نتحدث أن لو كان لعلي بيت من تبن وآخر من تبر لا بعد [كذا]
التبر قبل التبن، وأنى أتاه العي وإن كنا لنتحدث أنه ما جرت المواسي على رأس رجل من
قريش أفصح من علي، ويلك وأنى أتاه الجبن وما برز له رجل قط إلا صرعه، والله يا ابن
أحور لولا أن الحرب خدعة لضرب عنقك [كذا] أخرج فلا تقيمن في بلدي. قال عطا: وإن كان
[معاوية] يقاتله فإنه كان يعرف فضله. (*)
ص 45
ومنهم العلامة شهاب الدين أحمد الشيرازي ابن السيد جلال الدين عبد الله في (توضيح
الدلائل) (من مخطوطة مكتبة الملي بفارس) روى الحديث بمثل ما تقدم عن (تاريخ دمشق).
ومنهم العلامة الشيخ محمد يوسف بن الياس في (حياة الصحابة) (ج 2 ص 401 ط دار القلم
بدمشق) قال: روى الحديث من طريق ابن عساكر وأبي موسى المديني في كتاب (استدعاء
اللباس) بعين ما تقدم عن (تاريخ دمشق). ومنها ما رواه القوم: منهم الشيخ صدر الدين
بن أبي الفرج بن الحسين البصري المتوفى سنة 659 في (الحماسة البصرية) (ج 1 ص 166 ط
حيدرآباد الدكن) قال: ومن طريف ذلك أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال لعليّ
عليه السّلام لما قال العباس بن مرداس السلمي:
أتجعل نهبي ونهب العبيد * بين عيينة
والأقرع
وما كان حسن ولا حابس * يفوقان مرداس في مجمع
وما أنا دون امرئ منهما * ومن
تضع اليوم لا يرفع
اقطع لسانه عني فأعطاه مائة ناقة وقال: أمضيت ما أمرت.
ص 46
ومنهم قاضي القضاة العلامة أبو المؤيد محمد بن محمود بن محمد الخوارزمي الحنفي
المتوفى سنة 665 في (جامع مسانيد أبي حنيفة) (ج 2 ص 3 ط حيدرآباد الدكن) قال: روى
أبو حنيفة عن أبي صخرة جامع بن شداد المحاربي قال: وافينا المدينة بتجارة فابتاع
منها رجل لا نعرفه فتذاكرنا ذلك فيما بيننا فقالت عجوز لنا: أربعوا فلقد بايعتم
رجلا لم يكن ليقف على رجل أن يلبسه سنان الغدر، فأرسل إلينا فأتيناه فنشرط التمر
على انطاع ثم قال: كلوا، فأصدرنا منه شبعا ثم سقانا لبنا حتى روانا عنه ريا ثم
أوفانا فأفضل، فلم نر بعده مثله في الوفاء فسألنا عنه فقيل: علي بن أبي طالب رضي
الله عنه. ومنها ما رواه القوم: منهم العلامة الشيخ علاء الدين أفندي الحنفي
المتوفى حدود سنة 1300 في (مجموعة التفسير) (ص 191 ط الاستانة) قال: عن كعب (رض)
أنه قال: مرضت فاطمة رضي الله عنها فجاء علي كرم الله وجهه إلى منزله وقال: يا
فاطمة ما يريد قلبك من حلوات الدنيا؟ فقالت: يا علي اشتهى رمانة فشغل ساعة لأنه ما
كان معه درهم ثم قام وذهب إلى سوق واستقرض درهما واشترى لها رمانا، فلما رجع إليها
ورأى شخصا مريضا مطروحا على قارعة الطريق، فوقف علي على رأسه ساعة فقال الشيخ: يا
علي أنا هاهنا مطروح ومر الناس علي ولم يلتفت إلي أحد. فقال علي (ع): ما يريد قلبك
ص 47
فقال: الرمان. فتفكر علي (ع) في نفسه وقال لنفسه: اشتريت رمانة واحدة لأجل فاطمة
(ع) وإن أعطيتها لهذا الشيخ تبقى فاطمة محرومة فإن لم أعطه فقد خالفت قول الله
(وأما السائل فلا تنهر) وقول النبي (ص): لا ترد السائل ولو كان على فرس، وقوله: من
أنهر سائلا مسلما جائعا في بابه عذبه الله تعالى ألف سنة في نار جهنم، فكسر الرمانة
وأطعمه. فلما أكل الشيخ في هذه الساعة فعوفيت فاطمة في بيتها وهو مغموم القلب، فلما
أتى فاطمة وإن عليا مستحي فقامت إليه وضمته إلى صدرها فقالت: ما لك أنت مغموم فبعزة
الله تعالى، فلما أطعمت الرمان لذلك الشيخ زالت عني اشتهاء الرمان، ففرح علي
بكلامها فإذا أتى رجل قرع الباب فقال علي: من أنت على الباب. فقال: افتح فرأى سلمان
الفارسي وبيده طبق مغطى بمنديل فوضعه بين يديه، فقال علي: ممن هذا يا سلمان؟ فقال:
من الله إلى رسوله ومن رسوله إليك، فلما كشف الغشاء فإذا فيه تسعة رمانة، فقال: يا
سليمان لو كان هذا من الله لكان عشرة كما قال (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها).
فضحك سلمان فأخرج رمانا من كمه فقال: يا علي والله لكانت عشرة ولكن أردت بذلك أن
أختبرك. ومنها ما تقدم النقل عنهم في (ج 89 ص 586 و587 و588) وننقل هاهنا عمن لم
نرو عنهم هناك: منهم العلامة النقشبندي في (مناقب العشرة) (ص 37 مخطوط) قال: وعن
جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر رضي الله عنه أقطع عليا ينبع ثم
ص 48
اشترى عليّ عليه السّلامأرضا إلى جنب أرضه فحفر فيها عينا فبينما هم يعملون فيها إذ
انفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء، فأتي عليّ عليه السّلامفبشر بذلك فقال: بشروا
الوارث، ثم تصدق بها على الفقراء والمساكين وابن السبيل وفي سبيل الله. ومنهم
العلامة باكثير الحضرمي في (وسيلة المآل) (ص 139 مخطوط) روى الحديث من طريق ابن
السمان في الموافقة بعين ما تقدم عن (مناقب العشرة). ومنهم العلامة شهاب الدين أحمد
الشيرازي الشافعي ابن السيد جلال الدين عبد الله في (توضيح الدلائل) (من مخطوطة
مكتبة الملي بفارس) روى الحديث بعين ما تقدم عن (مناقب العشرة). ومنها ما رواه
القوم: فمنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد بن حديده الأنصاري في
(المصباح المضئ في كتاب النبي) (ج 2 ص 32 ط حيدر آباد) قال: قال السهيلي: ومن رواية
يونس عن ابن إسحاق أنا أبا نيزر مولى علي ابن أبي طالب (عليه السلام) كان ابنا
للنجاشي نفسه، وأن عليا وجده عند تاجر بمكة، فاشتراه منه وأعتقه مكافأة لما صنع
أبوه من المسلمين.
ص 49
وذكر أن الحبشة مرج عليها أمرها بعد موت النجاشي رحمه الله وأنهم أرسلوا وفدا منهم
إلى [أبي] نيزر وهو مع علي (عليه السلام) ليملكوه ويتوجوه ولم يختلفوا عليه، فأبى
وقال: ما كنت لأطلب الملك بعد أن من الله علي بالاسلام. ومنها ما تقدم النقل عنهم
في (ج 8 ص 580) وننقل هاهنا عمن لم نرو عنهم هناك: منهم العلامة المولى محمد عبد
الله بن عبد العلي القرشي الهاشمي الحنفي الهندي في (تفريع الأحباب في مناقب الآل
والأصحاب) (ص 336 ط دهلي) قال: عن أبي أراكة قال: جاء سائل إلى علي فقال لبعض ولده:
اذهب إلى أمك وقل لها هات ذاك الدرهم الذي عندك، فمضى ثم عاد وقال: قد خبأناه
للدقيق. فقال: اذهب وأتني به، فذهب وعاد وهو معه، فأخذه ودفعه إلى السائل وقال: لا
يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله أوثق بما في يديه. فبينا هو يتحدث إذ مر به
رجل يبيع جملا فاشتراه منه بمائة درهم ثم باعه بمائتين فدفع المائة إلى ولده وقال:
اذهب إلى أمك وقل لها هذا ما وعدنا على لسان نبيه صلّى الله عليه وآله وسلم إخبارا
عن ربه سبحانه وتعالى (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها). قال أبو أراكه: وكان علي
يمشي يوم العيد إلى مصلى ولا يركب. ومنهم العلامة الشيخ يوسف بن الياس في (حياة
الصحابة) (ج 2 ص 316 ط دار القلم بدمشق) روى الحديث من طريق العسكري عن عبد الله بن
محمد بن عائشة بمعنى
ص 50
ما تقدم عن (مناقب الآل والأصحاب). ومنها ما رواه القوم: منهم العلامة محمد بن عبد
الله الإسكافي في (المعيار والموازنة) (ص 236) قال: ومما يحقق ذلك ما يؤثر عنه من
حديث المقداد: ذكروا أن عليا قال يوما لفاطمة: هل عندك شيء تطعميني؟ قالت: لا والله
يا أبا الحسن ما عندنا منذ ثلاث أيام إلا شيء أؤثرك به على نفسي وعلى ابني! قال
لها: فهلا أعلمتيني؟ قالت: إني لاستحيي من ربي أن أكلفك ما لا تقدر عليه!! فخرج
[علي] من عندها فتحمل دينارا أخذه قرضا فتلقاه المقداد نصف النهار، وقد وضع المقداد
كمه على رأسه من شدة الحر، فقال له علي: ما أخرجك في هذه الحال وأراك كالحيران؟
قال: خلني ولا تسألني. قال: لتخبرني. قال: خلني يا أبا الحسين ولا تكشفني. قال: يا
أخي إنه لا يسعني أن أخليك، ولا يسعك أن تكتمني. قال: خرجت من منزلي هاربا على وجهي
وذلك لأني رأيت صبياني يتضاغون جوعا فلم يقو على ذلك صبري. فأخرج علي الدينار فدفعه
إليه، ثم قال: ما أخرجني إلا ما أخرجك. ثم مضى علي إلى المسجد. فلما فرغ رسول الله
عليه السلام من صلاة المغرب خرج من المسجد، وركض عليا برجله وأتبعه علي فوقف على
باب المسجد، فلما لحقه قال له النبي عليه السلام: هل عندك عشاء؟ قال علي: فكرهت أن
أقول نعم، وقد
|