الصفحة السابقة

شرح إحقاق الحق (ج27)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

 

ص 501

 

مسح الرسول جبينه * فله بريق في الخدود أبواه من عليا قري‍ * - ش، جدة خير الجدود

سماع أهل الكوفة نوح الجن للحسين عليه السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد الحافي [الخوافي] الحسيني الشافعي في التبر المذاب (ص 92) قال: قال الشعبي: سمع أهل الكوفة قائلا يقول في جوف الليل: أبكي قتيلا بكربلا * مضرج الجسم بالدماء أبكي قتيل الطغاة ظلما * بغير جرم سوى الوفاء أبكي قتيلا بكى عليه * من ساكني الأرض والسماء سبوا أهاليه واستحلوا * ما حرم الله في الإماء فجسمه بالعراء معرى * إلا من الدين والحياء كل الرزايا لها عزاء * وما لذا الرزء عن عزاء

سماع أهل المدينة الطيبة

نوح الجن للحسين عليه السلام رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب (ص 140 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بالمشهد) قال: وسمع أهل المدينة ليلة قتل الحسين مناديا ينادي:

 

ص 502

 

أيها القاتلون جهلا حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل كل أهل السماء يدعو عليكم * من نبي ومرسل وقتيل قد لعنتم على لسان ابن داو * د وموسى وصاحب الإنجيل قال: ومكث الناس ثلاثة أشهر كأنما تلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس.

حديث الزهري

في نوح الجن للحسين عليه السلام رواه جماعة من أعلام القوم في كتبهم: فمنهم العلامة الشريف أحمد بن محمد الخوافي [الحافي] الحسيني في التبر المذاب (ص 92 نسخه مكتبتنا بقم) قال: قال الزهري: ومما حفظ من نوح الجن على الحسين: مسح النبي جبينه * فله بريق في الخدود أبوه من عليا قريش * وجده خير الجدود قتلوك يا بن الرسول * فأسكنوا نار الخلود وقال أيضا: وذكر هشام بن محمد قال: لما قتل الحسين سمع قائلا يقول من السماء: أيها القاتلون جهلا حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل كل من في السماء يبكي عليه * من نبي ومرسل وقبيل قد لعنتم على لسان ابن داو * د وموسى وصاحب الإنجيل

حديث الجصاصين

في نوح الجن له عليه السلام رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم:

 

ص 503

 

فمنهم العلامة كمال الدين عمر بن أحمد ابن أبي جرادة الحلبي المولود سنة 588 والمتوفى 660 في بغية الطلب في تاريخ حلب (ج 6 ص 2651 ط دمشق) قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الغني بن سليمان بالقاهرة، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمد الأرتاحي، قال: أخبرنا أبو الحسن بن الفراء إجازة لي، قال: أنبأنا أبو إسحق الحبال وست الموفق خديجة المرابطة. قال أبو إسحق: أخبرنا أبو القاسم عبد الجبار ابن أحمد الطرسوسي قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا أبو بكر الحسن بن الحسين بن بندار قراءة عليه. وقالت خديجة: قرئ على أبي القاسم يحيى بن أحمد بن علي بن الحسين بن بندار وأنا شاهدة أسمع، قال: أخبرني جدي أبو الحسن علي بن الحسين، قالا: أخبرنا محمود - يعني ابن محمد الأديب - قال: حدثنا الحنفي، قال: حدثنا صلت بن مسعود، عن سفيان قال: أخبرنا أبو جناب قال: حدثنا الجصاصون أنهم سمعوا الجن تنوح على الحسين رضي الله عنه: مسح النبي جبينه * فله بياض في الخدود أبواه من عليا معد * جده خير الجدود أنبأنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد، عن عمه علي بن الحسن، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن شجاع، قال: أخبرنا عبد الوهاب بن محمد، قال: أخبرنا الحسن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثني أبو عبد الله التيمي، قال: حدثنا علي بن عبد الحميد السمعاني، عن أبي مزيد الفقيمي قال: كان الجصاصون إذا خرجوا في السحر سمعوا نوح الجن على الحسين - فذكر البيتين ثم قال: فأجبتهم: خرجوا به وفدا إليه * فهم له شر الوفود قتلوا ابن بنت نبيهم * سكنوا به نار الخلود

 

ص 504

 

ومنها حديث أبي قبيل رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (ج 7 ص 155 ط دار الفكر) قال: وعن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين بن علي احتزوا رأسه، وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ وينحتون الرأس، فخرج عليهم قلم من حديد، فكتب بسطر دم: أترجوا أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب؟ فهربوا وتركوا الرأس، ثم رجعوا. ورواه أيضا عن إمام مسجد بني سليم قال: غزا أشياخ لنا الروم فوجدوا في كنيسة من كنائسهم: أترجوا أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب؟ فقالوا: منذ كم وجدتم هذا الكتاب في هذه الكنيسة؟ قالوا: قبل أن يخرج نبيكم بستمائة عام.

 

ص 505

 

بعض كلمات العلماء المؤلفين في حق الإمام الحسين الشهيد صلوات الله عليه

ننقل هنا جملة من الكلمات التي قالها بعض المؤلفين حول استشهاد الإمام الحسين عليه السلام: فمنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب (ص 144 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال: ورأيت في تاريخ ابن خلكان رحمه الله قضية غريبة فأحببت ذكرها هيهنا، وهي: قال مشارف الخزانة الصلاحية: ذكرت الله وقد آويت إلى فراشي فيما عامل به آل سفيان لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وفي قضية الحسين وقتله وقتل أهل بيته وأسر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملهم على الأقتاب سبايا ووقوفهم على درج دمشق سبايا عرايا، فبكيت بكاء شديدا وأرقت ثم نمت، فرأيت أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه، فحين رأيته بادرت إليه وقبلت يديه وبكيت، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين تفتحون مكة فتقولون من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن، ثم يفعل بولدك الحسين وأهل بيتك بالطف ما فعل. فتبسم وقال: ألم تسمع أبيات ابن الصيفي؟ قلت:

 

ص 506

 

لا. قال: اسمعها فهي الجواب. قال: فطالت ليلتي حتى برق الفجر، فجئت بيت ابن الصيفي فطرقت بابه سحرا، فخرج إلي حاصرا حافي القدمين: ما الذي جاء بك هذه الساعة؟ فقصصت عليه قصتي، فأجهش بالبكاء وقال: والله ما قلتها إلا ليلتي هذه ولم يسمعها بشر: ملكنا وكان العفو منا سجية * فلما ملكتم سال بالدم أبطح وحللتم قتل الأسارى وطالما * غدونا عن الأسرى نعف ونصفح وحسبكم هذا التفاوت بيننا * وكل إناء بالذي فيه ينضح وقد أكثر الناس من الرثاء والبكاء على ما أصاب أهل البيت، وقالوا ما لا يحصى من المقالات نظما ونثرا، وذكروا في قتل الحسين عليه السلام وما كان من أمره ما أضربت عن ذكره صفحا ولم ارو له سفحا، ولا يحتمل هذا المختصر أكثر من ذلك، وفيه كفاية. وبالجملة والتفصيل فما وقع في الإسلام قصية أفضح منها، وهي مما تنبو الأسماع عنها وتتفطر القلوب عند ذكرها حزنا وأسى وتأسفا وتنهل لها المدامع كالسحب الهوامع. هذا والعهد بالنبي قريب، وروض الإيمان خصيب، وغصن دوحه غض جديد، وظله وافر مديد، ولكن الله يفعل ما يريد. وما أظن أن من استحل ذلك وسلك مع أهل النبي هذا المسالك شم ريحة الإسلام ولا آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام ولا خالط الإيمان مشاشة قلبه ولا آمن من طرفه بربه، والقيامة تجمعهم وإلى ربهم مرجعهم. لقد قرأ قارئ بين يدي الشيخ العالم العلامة أبي الوفاء ابن عقيل رحمه الله: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين) فبكى وقال: يا سبحان الله غاية ما كان طمعه فيما قال (فليبتكن آذان الأنعام) جاوزوا والله الحد الذي طمع فيه، ضحوا بأشمط عنوان السجود به قطع الليل تسبيحا وقرآنا، أي والله عمدوا إلى علي بن أبي طالب بين ضفتيه فقتلوه، ثم قتلوا ابنه الحسين بن فاطمة الزهراء

 

ص 507

 

وأهل بيته الطيبين بعد أن منعوهم الماء، هذا والعهد بينهم قريب وهم القرن الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا تقبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فمه وترشفه ثناياه، فنكثوا على ثناياه وفمه بالقضيب، تذاكروا والله أحقاد يوم بدر وما كان فيه، أين هذا من طمع الشيطان وغاية أمله تبتك آذان الأنعام. هذا مع قرب العهد وسماع كلام رب الأرباب (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) لا تروا والله حقائدهم في عصره مخافة السيف، فلما صار الأمر إليهم كشفوا قناع الغي والحيف، سيجزيهم وصفهم أنه حكيم عليم. وشعره وحكمه كثيرة، وقد اقتصرت على هذا القدر، فإن مناقبه ومناقب أخيه وأبيه لا تحصر، نسأل الله أن يحشرنا في زمرتهم وأن يعيد علينا من بركتهم ويحيينا ويميتنا على محبتهم، آمين بمنه وكرمه. ومنهم العلامة كمال الدين عمر بن أحمد ابن أبي جرادة الحلبي المولود سنة 588 والمتوفى 660 في بغية الطلب في تاريخ حلب (ج 6 ص 2646 ط دمشق) قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الغني بن سلمان بن بنين المصري بالقاهرة، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمد بن حامد الأرتاحي، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين ابن عمر الموصلي الفراء إجازة لي، قال: أنبأنا أبو أسحق إبراهيم بن سعيد الحبال وست الموفق خديجة مولاة أبي حفص عمر بن الحسن الطرسوسي أبو إسحق، أخبرنا أبو القاسم عبد الجبار بن أحمد بن عمر بن الحسن الطرسوي قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا أبو بكر الحسن بن الحسين بن بندار الأنطاكي قراءة عليه. وقالت خديجة: قرئ على أبي القاسم يحيى بن أحمد بن علي بن الحسين بن بندار الأذني الأنطاكي وأنا شاهدة أسمع، قال: أخبرني جدي القاضي أبو الحسن علي بن الحسين بن بندار. قالا: حدثنا أبو العباس محمود بن محمد بن الفضل الأديب بأنطاكية، قال: حدثنا أبو فروة، قال: حدثنا أبو الجواب، قال: حدثنا يونس بن أبي إسحق، عن أبي إسحق،

 

ص 508

 

عن عمرو بن نعجة قال: أول ذل دخل على الإسلام قتل الحسين وادعاء معاوية زيادا. ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عمر فروخ في تجديد في المسلمين لا في الإسلام (ص 152 ط دار الكتاب العربي - بيروت) قال: يقول ابن خلدون في هذه القضية: ولما حدث في يزيد ما حدث من الفسق اختلف الصحابة حينئذ في شأنه: فمنهم من رأى الخروج عليه ونقض بيعته من أجل ذلك، كما فعل الحسين وعبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - ومن اتبعهما في ذلك . ثم يتابع القول فيقول: وأما الحسين فإنه الحسين فإنه لما ظهر فسق يزيد عند الكافة من أهل عصره، بعثت شيعة أهل البيت بالكوفة إلى الحسين أن يأتيهم فيقوموا بأمره. فرأى الحسين أن الخروج على يزيد متعين من أجل فسقه، ولا سيما (عند) من له القدرة على ذلك، وظنها من نفسه وأهليته وشوكته (أي قوته وسلاحه). فأما الأهلية فكانت كما ظن وزيادة... ومن أعدل من الحسين في زمانه في إمامته وعدالته في قتل أهل الآراء (الفاسدة)؟ . وقال أيضا في ص 154: نحن المسلمين اليوم في جميع بقاع الأرض بحاجة إلى أن ينهض فينا حسين يدلنا على الطريق السوي في الدفاع عن الحق، عن الحق الذي لا يتجزأ، عن الحق الذي لا يتبدى في صور مختلفات، عن الحق الذي لا يكون في يوم ذات اليمين وفي يوم آخر ذات الشمال. لسنا نحن الذين نجعل الحق هو الحق، بل نحن الذين يجب علينا أن نقر بالحق حين نرى الحق ملء أعيننا. والحق لا يكون اثنين، والحق لا يفرق بين المتفقين ولكنه يوحد المختلفين. وقال أيضا في ص 161:

 

ص 509

 

ولا شك في أن الحسين رضي الله عنه كان يفكر في رفع الظلم الذي رآه في زمانه: أيقدم على رفع الظلم بالكلمة اللينة أو بالنصيحة القاسية أو بالجدال أو بالحرب. إن السكوت على الظلم لا يجوز بحال لا ومنهم العلامة العارف الشيخ أحمد بن علي بن يحيى الرفاعي المتوفى سنة 578 في البرهان المؤيدي (ص 147 ط دار الكتاب النفيس - بيروت) قال: الحسين عليه السلام طلبت بشريته حقها الشرعي، الذي لا نزاع فيه، فغارت الربوبية فرفعت روحه إلى مقعد صدق، فلما قرت الروح في مقامها حنت لقالبها المبارك (فقطع دابر القوم الذين ظلموا)، وتحكم سيف العدل في الأمرين، فكانت في بشرية الإمام ما فعلت، وكأنها تقول لها: طلبت قود الرقاب إلي، وأنا أريد قودك بالكلية إلي، فطلبك إلي اضمحل عند إرادتي إياك إلي، فبارزتك إرادتي بأكف من قطعتهم عني، فأدنيتك بمن قطعتهم عني، وعرفتك أني فافعل، ويراد لي قبل تعلق إرادتي فلا أفعل، ولك ثواب الطلب، لأنك طلبت قود الرقاب إلي لا إليك، ولو أنك طلبت قود الرقاب إليك لما قدتك إلي. فإن من طلب قود الرقاب إليه، بين خطر القهر والاستدراج، فإن قهرته قهرته بأكف عباد وصلتهم بي، فقطعت الآخر بهم عني، وإن فتكت به وبنفسه ومراده عساكر: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) فقد ضل!. أي سادة، طلب القود إلى الله، قبل تعلق إرادته، جرأ أعداء الله على ابن ولي الله، وسبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبوب الله، وابن أحباب الله، الذي قام منار بشريته الكريم يدعو إلى الله، وطار طائر روحه النوراني إلى حضرة قدس الله، فكيف بمن يدعو إلى نفسه بنفسه؟ بشريته مقتولة، وروحه مبعودة، وحاله شاهد عليه.

 

ص 510

 

ومنهم الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد بن عبد الله فكري الحسيني القاهري المولد بها سنة 1296 والمتوفى بها أيضا 1372 في أحسن القصص (ج 4 ص 261 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال: كما أن حياة الحسين رضي الله عنه منار المهتدين، فمصرعه عظة المعتبرين، وقدوة المستبسلين. 1 - ألم تر كيف اضطره تكد الدنيا إلى إيثار الموت على الحياة، وهو أعظم رجل في وقته لا ينظر له في شرقها ولا في غربها. 2 - وأبت نفسه الكريمة الضيم واختار السلة على الذلة، فكان كما قال فيه أبو نصر ابن نباتة: والحسين الذي رأى الموت في العز * حياة والعيش في الذل قتلا 3 - مع التفاوت الذي بلغ أقصى ما يتصوره بين فئته القليلة وجيش ابن زياد في العدد والعدد والمدد، قد كان ثباته ورباطة جأشه وشجاعته تحير الألباب، ولا عهد للبشر بمثلها، كما كانت دناءة أخصامه لا شبيه لها. 4 - وما سمع منذ خلق، ولن يسمع حتى يفنى أفظع من ضرب (ابن مرجانة) من ابن سمية بقضيب ثغر ابن بنت رسول الله، ورأسه بين يديه بعد أن كان سيد الخلق عليه الصلاة والسلام يلثمه. 5 - ومن آثار العدل الإلهي قتل عبيد الله بن زياد (يوم عاشوراء) كما قتل الحسين رضي الله عنه يوم عاشوراء، وأن يبعث برأسه إلى علي بن الحسين كما بعث برأس الحسين إلى ابن زياد. 6- وهل أمهل يزيد بن معاوية بعد الحسين إلا ثلاث سنين أو أقل، فقد روى ابن جرير الطبري في تاريخه عن هشام بن محمد الكلبي أنه ولي سنتين وثمانية أشهر. 7 - وأي موعظة أبلغ من أن كل من اشترك في دم الحسين اقتص الله تعالى منه فقتل أو نكب.

 

ص 511

 

8 - وأي عبرة لأولي الأبصار أعظم من كون ضريح الحسين حرما معظما، وقبر يزيد بن معاوية مزبلة أو (مبولة). 9 - وتأمل عناية الله بالبيت النبوي الكريم بقتل أبناء الحسين ولا يترك منهم إلا صبي مريض مشرف على الهلاك، فيبارك الله في أولاده فيكثر عددهم ويعظم شأنهم. 10 - والذين قتلوا مع الحسين من أهل بيته رجال ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبه، كما قال الحسن البصري، وكانوا عنوان الشهامة والشمم والقدوة في الصبر والحرب والكرم. وإن الأولى بالطف من آل هاشم * تآساو فسنوا للكرام التآسيا 11 - وكل من أصابته الشدائد جعل رئيس هؤلاء الكرام أسوة كمصعب بن الزبير وبني المهلب وغيرهم كما اقتدى أصحاب نجدة بن عامر، والمختار بن أبي عبيد، وعبد الله بن الزبير وأخيه مصعب وغيرهم في خذلان أمرائهم بأهل العراق حين خذلوا إمامهم الحسين. 12 - ومقتل الحسين بغض بني أمية إلى الناس وأيد حجة أعدائهم وزعزع أوتاد ملكهم، وكان أكبر أسباب زوال دولتهم. 13 - والحسين هو الذي عبد للأمم طريق الخروج على ولاة الفسق والجور، ودعا إلى جهاد الظلم من استطاع إليه سبيلا، فجاد بنفسه، وبذل مهجته لإقامة الحق والعدل والسنة مقام الباطل، والاستبداد والأهواء. 14 - ولو قدرت ولاية الحسين لكان خيرا للأمة في حكومتها وحياتها، وأخلاقها وجهادها، وشتان ما بين السبط الزكي، والظالم السكير (يزيد القرود والطنابير) وهل يستوي الفاسق الجائر، والعادل الإمام؟ وأين الذهب من الرغام؟ ولكن اقتضت الحكمة الإلهية سير الحوادث بخلاف ذلك، وإذا أراد الله أمرا فلا مرد له. واقتضت إرادة الله أيضا أن يبقى أثر جهاد الحسين على ممر الدهور كلما

 

ص 512

 

أرهق الناس الظلم تذكرة لمن ندب نفسه لخدمة الأمة، فلم يحجم عن بذل حياته متى كانت فيه مصلحة أحوالها.

 

ص 513

قول إبراهيم النخعي لو كنت في قتلة الحسين وأمرت بدخول الجنة لما فعلت حياء من النبي صلى الله عليه وآله

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم علامة التاريخ واللغة ابن منظور الإفريقي في مختصر تاريخ دمشق (ج 7 ص 152) قال: وعن محمد بن خالد قال: قال إبراهيم: لو كنت فيمن قتل الحسين ثم أدخلت الجنة لاستحييت أن أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب (ص 134 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال: وقال محمد بن خالد: قال إبراهيم النخعي: لو كنت فيمن - فذكر الكلام مثل ما تقدم عن ابن منظور.

 

ص 514

 

ومنهم الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي المتوفى سنة 742 في تهذيب الكمال (ج 6 ص 438 ط مؤسسة الرسالة - بيروت) قال: وقال محمد بن الصلت الأسدي: حدثنا سعيد بن خثيم، عن محمد بن خالد، قال: قال إبراهيم - يعني النخعي - لو كنت ممن - فذكر مثل ما تقدم عن ابن منظور. ومنهم العلامة الخطاط ياقوت المستعصمي في رسالة آداب وحكم وأخبار وآثار وفقه وأشعار (ص 57 ط دار المدينة - بيروت بضميمة رسائل أخرى) قال: وقال عمر؟ رحمة الله عليه: لو كنت في قتلة الحسين وأمرت بدخول الجنة لما فعلت حياء من أن تقع علي عين محمد صلوات الله عليه وسلامه. ومنهم العلامة الشريف أحمد بن محمد بن أحمد الحسيني الخوافي [الحافي] الشافعي في التبر المذاب (ص المخطوط 91) قال: قال الزهري: ولما بلغ الربيع بن خثيم قتل الحسين بكى وقال: لقد قتلوا فتية لو رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبهم وأطعمهم بيده وأجلسهم فخذه. وقال أيضا: وذكر ابن سعد في الطبقات، عن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغها قتل الحسين قالت: أوقد فعلوها، ملأ الله قلوبهم وبيوتهم وقبورهم نارا، ثم بكت حتى غشي عليها. ومنهم الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي المتوفى سنة 742 في تهذيب الكمال (ج 6 ص 412 ط مؤسسة الرسالة - بيروت) قال: قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، قال:

 

ص 515

 

حدثني عبد الله بن عمير مولى أم الفضل. قال محمد بن عمر: وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه. قال: وأخبرنا يحيى بن سعيد بن دينار السعدي عن أبيه. قال: وحدثني عبد الرحمن بن علي بن حسين. قال أبي الزناد، عن أبي وجزة السعدي، عن محمد بن عمر: وغير هؤلاء أيضا قد حدثني. قال محمد بن سعد: وأخبرنا علي بن محمد، عن يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، عن أبيه وعن لوط بن يحيى الغامدي، عن محمد بن نشر الهمذاني، وغيره، وعن محمد بن الحجاج عن عبد الملك بن عمير، وعن هارون بن عيسى عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه، وعن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن مجالد عن الشعبي. قال محمد بن سعد: وغير هؤلاء أيضا قد حدثني في هذا الحديث مطابقة فكتبت جوامع حديثهم في مقتل الحسين رحمة الله عليه ورضوانه وصلواته وبركاته. قال: لما بايع الناس ليزيد بن معاوية، كان حسين بن علي بن أبي طالب ممن لم يبايع له، وكان أهل الكوفة يكتبون إلى حسين يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية، كل ذلك يأبى، فقدم منهم قوم إلى محمد بن الحنفية فطلبوا إليه أن يخرج معهم فأبى، وجاء إلى الحسين فأخبره بما عرضوا عليه، وقال: إن القوم إنما يريدون أن يأكلوا بنا ويشيطوا دماءنا، فأقام حسين على ما هو عليه من الهموم، مرة يريد أن يسير إليهم ومرة يجمع الإقامة، فجاءه أبو سعيد الخدري فقال: يا أبا عبد الله إني لك ناصح، وإني عليه مشفق وقد بلغني أنه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونكم إلى الخروج إليهم، فلا تخرج فأني سمعت أباك يقول بالكوفة: والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني وما بلوت منهم وفاء ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم ثبات ولا عزم ولا صبر على السيف.

 

ص 516

 

قال: وقدم المسيب بن نجبة الفزاري وعدة معه إلى الحسين بعد وفاة الحسن، فدعوه إلى خلع معاوية، وقالوا: قد علمنا رأيك ورأي أخيك. فقال: إني لأرجو أن يعطي الله أخي على نيته في حبه الكف وأن يعطيني على نيتي في حبي جهاد الظالمين. وكتب مروان بن الحكم إلى معاوية: إني لست آمن أن يكون حسين مرصدا للفتنة وأظن يومكم من حسين طويلا. فكتب معاوية إلى الحسين: إن من أعطى صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء، وقد أنبئت أن قوما من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق، وأهل العراق من قد جربت، قد أفسدوا على أبيك وأخيك، فاتق الله واذكر الميثاق وإنك متى تكدني أكدك. فك تب إليه الحسين: أتاني كتابك، وأنا بغير الذي بلغك عني جدير، والحسنات لا يهدي لها إلا الله، وما أردت لك محاربة ولا عليك خلافا، وما أظن لي عند الله عذرا في ترك جهادك، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة. فقال معاوية: إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا. وكتب إليه معاوية أيضا في بعض ما بلغه عنه: إني لأظن أن في رأسك نزوة، فوددت أني أدركها وأغفرها لك. قالوا: ولما حضر معاوية دعا يزيد بن معاوية فأوصاه بما أوصاه، وقال له: انظر حسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أحب الناس إلى الناس فصل رحمه وارفق به يصلح لك أمره، فإن يك منه شيء فإني أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه. وتوفي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستين، وبايع الناس ليزيد، فكتب يزيد مع عبد الله بن عمرو بن أويس العامري - عامر بن لؤي - إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو على المدينة أن ادع الناس فبايعهم وابدأ بوجوه قريش، وليكن أول من تبدأ به الحسين بن علي، فإن أمير المؤمنين - رحمه الله - عهد إلي في أمره الرفق به واستصلاحه، فبعث الوليد من ساعته نصف الليل إلى الحسين بن علي، وعبد الله بن

 

ص 517

 

الزبير، وأخبرهما بوفاة معاوية، ودعاهما إلى البيعة ليزيد فقالا: نصبح وننظر ما يصنع الناس. ووثب الحسين فخرج وخرج معه ابن الزبير، وهو يقول: هو يزيد الذي تعرف، والله ما حدث له حزم ولا مروءة. وقد كان الوليد أغلظ للحسين: فشتمه الحسين وأخذ بعمامته فنزعها من رأسه، فقال الوليد: إن هجنا بأبي عبد الله إلا أسدا، فقال له مروان أو بعض جلسائه: اقتله، قال: إن ذلك لدم مضنون في بني عبد مناف. فلما صار الوليد إلى منزله، قالت له امرأته أسماء ابنة عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أسببت حسينا؟ قال: هو بدأني فسبني، قالت: وإن سبك حسين تسبه وإن سب أباك تسب أباه؟ قال: لا. وخرج الحسين وعبد الله بن الزبير من ليلتهما إلى مكة، وأصبح الناس فغدوا على البيعة ليزيد وطلب الحسين وابن الزبير فلم يوجدا، فقال المسور بن مخرمة: عجل أبو عبد الله، وابن الزبير الآن يلفته ويزجيه إلى العراق ليخلوا بمكة. فقدما مكة فنزل الحسين دار العباس بن عبد المطلب ولزم ابن الزبير الحجر ولبس المعافري، وجعل يحرض الناس على بني أمية، وكان يغدو ويروح إلى الحسين ويشير عليه أن يقدم العراق ويقول: هم شيعتك وشيعة أبيك. إلى أن قال: وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم، فخرج متوجها إلى العراق في أهل بيته وستين شيخا من أهل الكوفة، وذلك يوم الاثنين في عشر ذي الحجة سنة ستين. فكتب مروان إلى عبيد الله بن زياد: فإن الحسين بن علي قد توجه إليك، وهو الحسين بن فاطمة، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتالله ما أحد يسلمه الله أحب إلينا من الحسين وإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شيء، ولا ينساه العامة، ولا يدع ذكره، والسلام عليك. وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص: أما بعد فقد توجه إليك الحسين وفي مثلها

ص 518

 

تعتق أو تكون عبدا تسترق كما تسترق العبيد. وقال أبو الوليد أحمد بن جناب المصيصي: حدثنا خالد بن يزيد بن أسد بن عبد الله القسري، قال: حدثنا عمار بن أبي معاوية الدهني، قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام، حدثني بقتل الحسين عليه السلام حتى كأني حضرته، قال: مات معاوية، والوليد بن عتبة بن أبي سفيان على المدينة، فأرسل إلى الحسين بن علي ليأخذ بيعته فقال: أخرني، ورفق به فأخره، فخرج إلى مكة فأتاه رسل أهل الكوفة: إنا قد حبسنا أنفسنا عليك ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي فاقدم علينا - قال: وكان النعمان بن بشير الأنصاري على الكوفة - فبعث الحسين بن علي إلى مسلم بن عقيل بن أبي طالب ابن عمه، فقال له: سر إلى الكوفة فانظر ما كتبوا به إلي فإن كان حقا قدمت إليهم، فخرج مسلم حتى أتى المدينة، فأخذ منها دليلين، فمرا به في البرية فأصابهم عطش، فمات أحد الدليلين، وكتب مسلم إلى الحسين - عليه السلام - يستعفيه، فأبى أن يعفيه، وكتب إليه: أن أمض إلى الكوفة، فخرج حتى قدمها فنزل على رجل من أهلها يقال له: عوسجة، فلما تحدث أهل الكوفة بقدومه دبوا إليه فبايعه منهم اثنا عشر ألفا، فقام رجل ممن يهوى يزيد بن معاوية يقال له: عبيد الله بن مسلم ابن شعبة الحضرمي إلى النعمان بن بشير، فقال له: إنك لضعيف أو مستضعف قد فسد البلاد، فقال له النعمان: لأن أكون ضعيفا في طاعة الله أحب إلي من أكون قويا في معصية وما كنت لأهتك سترا ستره الله، فكتب بقوله إلى يزيد بن معاوية، فدعا يزيد مولى له يقال له: سرجون - قد كان يستشيره - فأخبره الخبر، فقال له: أكنت قابلا من معاوية لو كان حيا؟ قال: نعم. قال: فاقبل مني، إنه ليس للكوفة إلا عبيد الله بن زياد، فولها إياه - وكان يزيد عليه ساخطا، وكان قد هم بعزله، وكان على البصرة - فكتب إليه برضاه عنه، وأنه قد ولاه الكوفة مع البصرة وكتب أن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله إن وجده. فأقبل عبيد الله بن زياد في وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة متلثما، فلا يمر على

 

ص 519

 

مجلس من مجالسهم فيسلم عليهم إلا قالوا: وعليك السلام يا بن رسول الله، وهم يظنون أنه الحسين بن علي - عليه السلام - حتى نزل القصر فدعا مولى له فأعطاه ثلاثة آلاف درهم، وقال: اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايع أهل الكوفة فأعلمه أنك رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر، وهذا مال تدفعه إليه ليقوى به، فخرج الرجل فلم يزل يتلطف ويرفق حتى دل على شيخ يلي البيعة، فلقيه فأخبره الخبر فقال له الشيخ: لقد سرني لقاؤك إياي ولقد ساءني ذلك، فأما ما سرني من ذلك فما هداك الله له، وأما ما ساءني فإن أمرنا لم يستحكم بعد. فأدخله على مسلم، فأخذ منه المال وبايعه ورجع إلى عبيد الله فأخبره. وتحول مسلم حين قدم عبيد الله من الدار التي كان فيها إلى دار هانئ بن عروة المرادي، وكتب مسلم بن عقيل إلى الحسين - عليه السلام - يخبره ببيعة اثني عشر ألفا من أهل الكوفة ويأمره بالقدوم. قال: وقال عبيد الله لوجوه أهل الكوفة: ما بال هانئ ابن عروة لم يأتني فيمن أتى؟ قال: فخرج إليه محمد بن الأشعث في أناس منهم، فأتوه وهو على باب داره، فقالوا له: إن الأمير قد ذكرك واستبطأك، فانطلق به، فلم يزالوا به حتى ركب معهم، فدخل على عبيد الله بن زياد وعنده شريح القاضي، فلما نظر إليه قال لشريح: أتتك بحائن رجلاه ، فلما سلم عليه قال له: يا هانئ أين مسلم؟ قال: ما أدري، قال: فأمر عبيد الله صاحب الدراهم فخرج إليه فلما فظع به، فقال: أصلح الله الأمير، والله ما دعوته إلى منزلي، ولكنه جاء فطرح نفسه علي. فقال: أئتني به، قال: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه. قال: ادنوه إلي، قال: فأدني فضربه بالقضيب، فشجه على حاجبه وأهوى هاني إلى سيف شرطي ليستله، فدفع عن ذلك، وقال له: قد أحل الله دمك، وأمر به فحبس في جانب القصر، فخرج الخبر إلى مذحج، فإذا على باب القصر جلبة فسمعها عبيد الله، فقال: ما هذا؟ قالوا: مذحج. فقال لشريح: أخرج إليهم فأعلمهم أني إنما حبسته لأسائله، وبعث عينا عليه من مواليه يسمع ما يقول، فمر بهانئ، فقال له هانئ: يا شريح اتق الله، فإنه قاتلي.

 

ص 520

 

فخرج شريح حتى قام على باب القصر، فقال: لا بأس عليه إنما حبسه الأمير ليسائله، فقالوا: صدق، ليس على صاحبكم بأس، قال: فتفرقوا، وأتى مسلما الخبر، فنادى بشعاره، فاجتمع إليه أربعون ألفا من أهل الكوفة، فقدم مقدمة، وهيأ ميمنة، وهيأ ميسرة، وسار في القلب إلى عبيد الله، وبعث عبيد الله إلى وجوه أهل الكوفة، فجمعهم عنده في القصر، فلما سار إليه مسلم وانتهى إلى باب القصر أشرفوا من فوقه على عشائر، فجعلوا يكلمونهم ويردونهم فجعل أصحاب مسلم يتسللون حتى أمسى في خمس مئة، فلما اختلط الظلام، ذهب أولئك أيضا. فلما رأى مسلم أنه قد بقي وحده، تردد في الطريق، فأتى باب منزل فخرجت إليه امرأة، فقال لها: اسقيني ماء، فسقته، ثم دخلت، فمكثت ما شاء الله، ثم خرجت فإذا هو على الباب، قالت: يا عبد الله إن مجلسك ريبة، فقم، فقال لها: إني مسلم بن عقيل فهل عندك مأوى؟ قالت: نعم، فادخل، وكان ابنها مولى لمحمد بن الأشعث، فلما علم به الغلام، انطلق إلى محمد بن الأشعث فأخبره، فبعث عبيد الله عمرو بن حريث المخزومي صاحب شرطته إليه ومعه محمد بن الأشعث فلم يعلم مسلم حتى أحيط بالدار، فلما رأى ذلك مسلم خرج سيفه فقاتلهم، فأعطاه محمد بن الأشعث الأمان، فأمكن من يده، فجاء به إلى عبيد الله فأمر به فأصعد إلى أعلى القصر فضرب عنقه وألقى جثته إلى الناس، وأمر بهانئ فسحب إلى الكناسة، فصلب هناك، فقال شاعرهم: فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل أصابهما أمر الأمير فأصبحا * أحاديث من يسعى بكل سبيل أيركب أسماء الهماليج آمنا * وقد طلبته مذحج بقتيل وأقبل الحسين عليه السلام بكتاب مسلم بن عقيل إليه، حتى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال لقيه الحر بن يزيد التميمي، فقال له: أين تريد؟ فقال: أريد هذا المصر. قال له: أرجع، فإني لم أدع لك خلفي خيرا أرجوه، فهم أن يرجع، وكان معه

 

ص 521

 

إخوة مسلم بن عقيل، فقالوا: والله لا نرجع حتى نصب بثأرنا أو نقتل، فقال: لا خير في الحياة بعدكم. فسار فلقيته أول خيل عبيد الله، فلما رأى ذلك عدل إلى كربلاء وأسند ظهره إلى قصباء حتى لا يقاتل من وجه واحد، فنزل وضرب أبنيته، وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا ونحوا من مئة راجل، وكان عمر بن سعد بن أبي وقاص قد ولاه ابن زياد الري وعهد إليه، فدعاه، فقال: اكفني هذا الرجل، فقال: اعفني، فأبي أن يعفيه، قال: فأنظرني الليلة، فأخره فنظر في أمره، فلما أصبح غدا إليه راضيا بما أمره به، فتوجه عمر بن سعد إلى الحسين - عليه السلام -، فلما أتاه قال له الحسين - عليه السلام - اختر واحدة من ثلاث: إما أن تدعوني فألحق بالثغور، وإما أن تدعوني فأذهب إلى يزيد، وإما أن تدعوني فأذهب من حيث جئت. فقبل ذلك عمر بن سعد، وكتب بذلك إلى عبيد الله، فكتب إليه عبيد الله: لا ولا كرامة حتى يضع يده في يدي! فقال الحسين - عليه السلام -: لا، والله لا يكون ذلك أبدا، فقاتله فقتل أصحابه كلهم، وفيهم بضعة عشر شابا من أهل بيته - عليه السلام - ويجئ سهم فيقع بابن له صغير في حجره، فجعل يمسح الدم عنه ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا ثم يقتلوننا، ثم أمر بسراويل حبرة، فشقها، ثم لبسها ثم خرج بسيفه فقاتل حتى قتل، وقتله رجل من مذحج، وحز رأسه فانطلق به إلى عبيد الله بن زياد، فقال: أوقر ركابي فضة وذهبا * فقد قتلت الملك المحجبا قتلت خير الناس أما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا فوفده إلى يزيد ومعه الرأس، فوضع بين يديه وعنده أبو برزة الأسلمي، فجعل يزيد ينكث بالقضيب على فيه ويقول: نفلق هاما من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما فقال له أبو برزة: ارفع قضيبك، فوالله لربما رأيت فاه رسول الله صلى إله عليه وسلم على فيه يلثمه. وسرح عمر بن سعد بحرمة وعياله، ولم يكن بقي من أهل بيت

 

ص 522

 

الحسين عليه السلام إلا غلام كان مريضا مع النساء، فأمر به عبيد الله ليقتل، فطرحت زينب بنت علي نفسها عليه، وقالت: لا يقتل حتى تقتلوني، فرق لها فتركه، وكف عنه. ثم جهزهم وحملهم إلى يزيد، فلما قدموا عليه جمع من كان بحضرته من أهل الشام، ثم أدخلوا عليه فهنؤوه بالفتح، فقام رجل منهم أحمر أزرق ونظر إلى وصيفة من بناتهم، فقال: يا أمير المؤمنين هب إلي هذه، فقالت زينب: لا، والله ولا كرامة لك ولا له إلا أن يخرج من دين الله، فأعادها الأزرق فقال له يزيد: كف. ثم أدخلهم إلى عياله فجهزهم وحملهم إلى المدينة، فلما دخلوها خرجت امرأة من بنات عبد المطلب ناشرة شعرها واضعة كفها على رأسها تتلقاهم وتبكي وهي تقول: ماذا تقولون إن قال النبي لكم * ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي * منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم * أن تخلفوني بشر في ذوي رحمي قال أبو الوليد أحمد بن جناب: لم أسمع هذا البيت الأخير إلا من هذا الشيخ. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرني العباس بن هشام بن محمد الكلبي، عن أبيه، عن جده، قال: كان رجل من بني أبان بن دارم يقال له: زرعة، شهد قتل الحسين، فرمى الحسين بسهم فأصاب حنكه، فجعل يلتقي الدم، ثم يقول هكذا إلى السماء، فيرقى به، وذلك أن الحسين دعا بماء ليشرب، فلما رماه حال بينه وبين الماء فقال: اللهم طمه، اللهم ظمه، قال: فحدثني من شهده وهو يموت وهو يصيح من الحر في بطنه والبرد في ظهره وبين يديه المراوح والثلج وخلفه الكانون وهو يقول: اسقوني، أهلكني العطش، فيؤتى بالعس العظيم فيه السويق أو الماء واللبن لو شربه خمسة لكفاهم، قال: فيشربه، ثم يعود فيقول: اسقوني أهلكني العطش، قال: فانقد بطنه كانقداد البعير. وقال سفيان بن عيينة عن إسرائيل أبي موسى، سمعت الحسن يقول: قتل مع

 

ص 523

 

الحسين ستة عشر رجلا من أهل بيته 1). ثم ذكر بعض كراماته عليه السلام التي وقعت بعد شهادته مثل اسوداد السماء واحمرارها كالدم وصيرورتها كالعلقة وكون الشمس في أطراف الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة وإن الكواكب يضرب بعضها ببعض وإن السماء مطرت دما وإن الشمس كسفت وظهرت الكواكب نصف النهار وتسايل حيطان دار إمارة ابن زياد

 

(هامش)

1) قال الدكتور بشار عواد معروف في تعليقاته على تهذيب الكمال (6 / 431): تاريخ خليفة 235، وتاريخ ابن عساكر (284) وتصنيف الرواية: ما على وجه الأرض يومئذ أهل بيت لهم شبيهون . وروى خليفة عن الحسن بن أبي عمرو، قال: سمعت فطر بن خليفة، قال: سمعت منذر الثوري عن ابن الحنفية، قال: قتل مع الحسين بن علي سبعة عشر رجلا كلهم قد ارتكض في بطن فاطمة . وقال أبو الفرج الإصبهاني في مقاتل الطالبيين: فجميع من قتل يوم الطف من ولد أبي طالب سوى من يختلف في أمره: اثنان وعشرون رجلا (65). قال بشار: هذا العدد الذي ذكره أبو الفرج يتضمن المختلف فيهم، وقد ذكر ذلك هو في المقاتل (53 - 65). ولعل أدق قائمة هي التي ذكرها أبو مخنف، وتصح فيها رواية ابن الحنفية التي أوردها خليفة بن خياط (وهي لا تشمل المختلف فيهم، فقد قتل مع الحسين عليه السلام ستة من إخوته هم: العباس، وجعفر، وعبد الله، وعثمان، ومحمد، وأبو بكر أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد شك بعضهم بمقتل أبي بكر بن علي بن أبي طالب. وقتل من أولاده: علي الأكبر وعبد الله. وقتل من أولاد أخيه الحسن: أبو بكر وعبد الله، والقاسم. وقتل من أبناء أخيه عقيل سوى مسلم ثلاثة هم: جعفر بن عقيل، وعبد الرحمن بن عقيل، وعبد الله بن عقيل، وقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل، ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل. وقتل من أولاد ابن عمه عبد الله بن جعفر بي أبي طالب اثنان هما: عون بن عبد الله، ومحمد بن عبد الله، (انظر تاريخ الطبري: 5 / 468 - 469، وتاريخ خليفة: - 234 235 وقائمة منقولة عن المدائني وأبي عبيدة، ومقاتل الطالبيين: 53 - 65). وفي الرواية التي أسندها خليفة إلى محمد بن الحنفية كلهم قد ارتكض في بطن فاطمة نظر لأنهم ليسوا كلهم من نسل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما هو معروف مشهور، فلا رضي الله عن قاتليهم.

 

ص 524

اللعين دما وصيرورة الزعافير نارا ولم يقلب حجر إلا كان تحته دم عبيط وصيرورة الورس المنهوب من عسكره عليه السلام رمادا وظهور النار في لحوم الإبل المنهوبة من المعسكر وصيرورتها كالعلقم. ورمى الله بصر الرجل الساب الخبيث بكوكبين من السماء واحتراق بعض القتلة بنار المصباح وغرقه في الماء ورؤية ابن عباس وأم سلمة رضي الله عنهما في النوم بيوم عاشوراء النبي صلى الله عليه وآله وإخباره صلى الله عليه وآله إن الحسين قد قتل وغير ذلك وقد روينا بعضها في مواضعه - إلى أن قال في ص 440: وقال [أي محمد بن سعد] أيضا: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: حدثنا ابن أبي مليكة، قال: بينما ابن عباس جالس في المسجد الحرام، وهو يتوقع خبر الحسين بن علي إلى أن أتاه آت فساره بشيء، فأظهر الاسترجاع فقلنا: ما حدث يا أبا العباس؟ قال: مصيبة عظيمة عند الله نحتسبها، أخبرني مولاي أنه سمع ابن الزبير يقول: قتل الحسين بن علي، فلم نبرح حتى جاء ابن الزبير، فعزاه ثم انصرف، فقام ابن عباس فدخل منزله ودخل عليه الناس يعزونه، فقال: إنه ليعدل عندي مصيبة حسين شماتة ابن الزبير، أترون مشي ابن الزبير إلي يعزيني، إن ذلك منه إلا شماتة. قال محمد بن عمر: فحدثني ابن جريج، قال: وكان المسور بن مخرمة بمكة حين جاء نعي الحسين بن علي فلقي ابن الزبير، فقال: قد جاء ما كنت تمنى موت حسين بن علي، فقال ابن الزبير: يا أبا عبد الرحمن تقول لي هذا؟ فوالله ليته بقي ما بقي بالحمى حجر، والله ما تمنيت ذلك له، قال المسور: أنت أشرت إليه بالخروج إلى غير وجه؟ قال: نعم أشرت عليه ولم أدر أنه يقتل، ولم يكن بيدي أجله، ولقد جئت ابن عباس فعزيته، فعرفت أن ذلك يثقل عليه مني، ولو أني تركت تعزيته، قال: مثلي يترك لا تعزيني بحسين؟ فما أصنع، أخوالي وغرة علي وما أدري على أي شيء ذلك. فقال له المسور: ما حاجتك إلى ذكر ما مضى وبثه، دع الأمور تمضي وبر

 

ص 525

 

أخوالك فأبوك أحمد عندهم منك. وقال حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن أم سلمة: سمعت الجن تنوح على الحسين. وقال سويد بن سعية، عن عمرو بن ثابت، عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة: ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي صلى الله عليه وسلم إلا الليلة، وما أرى ابني إلا قد قتل - تعني الحسين - فقالت لجاريتها: أخرجي فسلي، فأخبرت أنه قد قتل وإذا جنية تنوح: ألا يا عين فاحتفلي بجهد * ومن يبكي على الشهداء بعدي على رهط تقودهم المنايا * إلى متخير في ملك عبد وقال عمر بن شبة: حدثني عبيد بن جناد، قال: حدثنا عطاء بن مسلم، عن أبي جناب الكلبي، قال: أتيت كربلاء فقلت لرجل من أشراف العرب بها: بلغني أنكم تسمعون نوح الجن. قال: ما تلقى حرا ولا عبدا إلا أخبرك أنه سمع ذلك. قلت: فأخبرني ما سمعت أنت؟ قال: سمعتهم يقولون: مسح الرسول جبينه * فله بريق في الخدود أبواه من عليا قريش * جده خير الجدود وقال أبو الوليد بشر بن محمد بن بشر التميمي الكوفي: حدثني أحمد بن محمد المصقلي، قال: حدثني أبي، قال: لما قتل الحسين بن علي سمع مناد ينادي ليلا يسمع صوته ولم ير شخصه: عقرت ثمود ناقة فاستؤصلوا * وجرت سوانحهم بغير الأسعد فبنو رسول الله أعظم حرمة * وأجل من أم الفصيل المقصد عجبا لهم لما أتوا لم يمسخوا * والله يملي للطغاة الجحد وقال أبو سعيد بن أسعد التغلبي: حدثنا يحيى بن اليمان، قال: أخبرني إمام سليم قال: غزا أشياخ لنا الروم فوجدوا في كنيسة من كنائسهم:

 

ص 526

 

أترجو أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب فقالوا: منذ كم وجدتم هذا الكتاب في هذه الكنيسة؟ قالوا: قبل أن يخرج نبيكم بست مئة عام. أخبرنا بذلك أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد ابن البخاري، وأبو محمد عبد الرحيم بن عبد الملك بن عبد الملك المقدسيان، وأبو العباس أحمد بن شيبان بن تغلب الشيباني، وأبو يحيى إسماعيل بن أبي عبد الله بن العسقلاني، وأم أحمد زينب بنت مكي بن علي الحراني، قالوا: أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد، قال: أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، قال: حدثنا أبو محمد الحسن ابن علي الجوهري إملاء قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد العسكري، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا محمد بن الجنيد، قال: حدثنا أبو سعيد التغلبي، فذكره. وقال زكريا بن يحيى الساجي، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن صالح الأزدي، قال: حدثنا السري بن منصور بن عمار، عن أبيه، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، قال: لما قتل الحسين بن علي احتزوا رأسه وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ ويتحيون الرأس، فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب سطر دم: أترجو أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب فهربوا وتركوا الرأس، ثم رجعوا. أخبرنا بذلك أبو إسحاق بن الدرجي، قال: أنبأنا أبو جعفر الصيدلاني في جماعة، قالوا: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله، قالت: أخبرنا أبو بكر بن ريذة، قال: أخبرنا أبو القاسم الطبراني، قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، فذكره. وقال محمد بن زكريا الغلابي، عن عبد الله بن الضحاك، عن هشام بن محمد: لما أجري الماء على قبر الحسين نضب بعد أربعين يوما وامتحى أثر القبر فجاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمه حتى وقع على قبر الحسين، فبكى، وقال:

 

ص 527

 

بأبي وأمي ما كان أطيبك وأطيب تربتك ميتا، ثم بكى، وأنشأ يقول: أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه * فطيب تراب القبر دل على القبر وقال مكرم بن أحمد القاضي، عن أحمد بن سعيد الجمال: سألت أبا نعيم عن زيارة قبر الحسين وكأنه أنكر أن يعلم أين قبره. وقال علي بن المديني وغير واحد، عن سفيان بن عيينة: سمعت الهذلي يسأل جعفر بن محمد، فقال: قتل الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وقال الحميدي، عن سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: قتل علي وهو ابن ثمان وخمسين، ومات لها حسن، وقتل لها حسين. وقال الزبير بن بكار، عن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد: قتل حسين وهو ابن ثمان وخمسين. قال الزبير: والحديث الأول في سنه أثبت. يعني: ابن ست وخمسين. وقال زهير بن العلاء، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: قتل الحسين بن علي يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وهو ابن أربع وخمسين سنة وستة أشهر ونصف. وقال الزبير بن بكار: قتل الحسين يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين. وكذلك قال الليث بن سعد، وأبو بكر بن عياش، وأبو معشر المدني، والواقدي، وخليفة بن خياط وغير واحد أنه قتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، زاد بعضهم: يوم السبت، وقيل: يوم الاثنين، وقيل: قبل آخر يوم من سنة ستين، وقيل: سنة اثنين وستين، وقيل غير ذلك في تاريخ وفاته ومبلغ سنه. وقال الواقدي: الثابت عندنا أنه قتل في المحرم يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة وأشهر. وقال يحيى بن أبي بكير: حدثنا علي - ويكنى أبا إسحق - عن عامر بن سعد البجلي، قال: لما قتل الحسين بن علي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في

 

ص 528

 

المنام، فقال: إن رأيت البراء بن عازب فأقر مني السلام وأخبره أن قتلة الحسين بن علي في النار، وإن كاد الله ليسحت أهل الأرض منه بعذاب أليم. قال: فأتيت البراء فأخبرته، فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتصور بي. وقال عبد العزيز بن أحمد الكتاني: عن أسد بن القاسم الحلبي: رأى جدي صالح ابن السحام بحلب - وكان صالحا دينا - في النوم كلبا أسود وهو يلهث عطشا ولسانه قد خرج على صدره، فقلت: هذا كلب عطشان دعني أسقه ماء أدخل فيه الجنة، وهممت لأفعل، فإذا بهاتف يهتف من ورائه وهو يقول: يا صالح لا تسقه، يا صالح لا تسقه، هذا قاتل الحسين بن علي أعذبه بالعطش إلى يوم القيامة. وقال الزبير بن بكار: وقال سليمان بن قتة يرثي الحسين رضي الله عنه: إن قتيل الطف من آل هاشم * أذل رقابا من قريش فذلت فإن يتبعوه عائذ البيت يصبحوا * كعاد تعمت عن هداها فضلت مررت على أبيات آل محمد * فألقيتها أمثالها حين حلت وكانوا لنا غنما فعادوا رزية * لقد عظمت تلك الرزايا وجلت فلا يبعد الله الديار وأهلها * وإن أصبحت منهم برغمي تخلت إذا افتقرت قيس خبرنا فقيرها * وتقتلنا قيس إذا النعل زلت وعند غني قطرة من دمائنا * سنجزيهم يوما بها حين حلت ألم تر أن الأرض أضحت مريضة * لفقد حسين والبلاد اقشعرت قال: يريد أنهم لا يرعون عن قتل قرشي بعد الحسين. وعائذ البيت: عبد الله بن الزبير. وقال الأستاذ أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني: أنشدني الحاكم أبو عبد الله الحافظ في مجلس الأستاذ أبي منصور الحمشاذي على حجرته في قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما:

 

ص 529

 

جاءوا برأسك يا بن بنت محمد * متزملا بدمائه تزميلا وكأنما بك يا ابن بنت محمد * قتلوا جهارا عاقدين رسولا قتلوك عطشانا ولم يترقبوا * في قتلك التنزيل والتأويلا ويكبرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا أخبرنا بذلك أبو الحسن بن البخاري، قال: أنبأنا أبو سعد بن الصفار، قال: أخبرنا أبو عبد الله الفراوي، قال: أخبرنا أبو عثمان الصابوني، فذكره. وقال أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي: أنشدت لبعض الشعراء في مرثية الحسين بن علي رضي الله عنهما: لقد هد جسمي رزء آل محمد * وتلك الرزايا والخطوب عظام وأبكت جفوني بالفرات مصارع * لآل النبي المصطفى وعظام عظام بأكناف الفرات زكية * لهن علينا حرمة وذمام فكم حرة مسبية فاطمية * وكم من كريم قد علاه حسام لآل رسول الله صلت عليهم * ملائكة بيض الوجوه كرام أفاطم أشجاني بنوك ذوو العلى * فشبت وإني صادق لغلام وأصبحت لا ألتذ طيب معيشة * كأن علي الطيبات حرام ولا البارد العذب الفرات أسيغه * ولا ظل يهنيني الغداة طعام يقولون لي صبرا جميلا وسلوة * وما لي إلى الصبر الجميل مرام فكيف اصطباري بعد آل محمد * وفي القلب منهم لوعة وسقام؟

 

الصفحة السابقة

شرح إحقاق الحق (ج27)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب