ص 151
ومنهم العلامة الشيخ أحمد بن عبد الله الأنصاري في خلاصة التهذيب (ص 231 ط
القاهرة) قال : قال الزهري : ما رأيت قرشيا أفضل منه وما رأيت أفقه منه . وقال أبو
بكر بن أبي شيبة : أصح الأسانيد الزهري ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي .
ومنهم العلامة أبو الفلاح عبد الحي في شذرات الذهب (ج 1 ص 104 ط القاهرة) قال :
قال الزهري : ما رأيت أحدا أفقه من زين العابدين لكنه قليل الحديث . ومنهم العلامة
الحافظ جمال الدين يوسف المزي في تهذيب الكمال (ج 20 ص 386 ط مؤسسة الرسالة ،
بيروت) قال : وقال معمر ، عن الزهري : لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن الحسين
. وقال أيضا في ص 388 : وقال أبو بكر ابن البرقي : ونسل الحسين بن علي كله من قبل
علي الأصغر ، وأمه أم ولد ، وكان أفضل أهل زمانه . وأما الزهري فحكي عنه أنه قال :
ما رأيت هاشميا أفضل منه . ومنهم الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي في زهر
الحديقة (ق 175 نسخة جستربيتي) قال : عن الزهري كان أكثر مجالستي مع علي بن
الحسين ، وما رأيت أحدا كان أفقه منه ، ولكنه كان قليل الحديث . وقال شعيب عن
الزهري : كان علي بن الحسين من أفضل
ص 152
أهل بيته . ومنهم الشيخ جابر الجزائري في العلم والعلماء (ص 25 ط دار الكتب
السلفية) قال : فهذه شهادة الزهري له بالعلم والفقه ، فإنه قد روي عنه قوله : لم أر
هاشميا أفضل من علي بن الحسين ، وما رأيت أحدا أفقه منه . وكفى بهذه الشهادة لزين
العابدين من شهادة تثبت فضله وفقهه رحمه الله تعالى . ومنهم الشيخ محمد الخضر حسين
شيخ الأزهر في تراجم الرجال (ص 25 ط التعاونية) قال : قال الزهري : ما رأيت
أحدا أفقه من علي بن الحسين ولكنه كان قليل الحديث . وروى عنه أيضا في ص 27 أنه قال
: ما رأيت قرشيا أفضل من علي بن الحسين . ومنهم العلامة أحمد بن محمد الشيباني في
الزهد (ص 208 ط دار الكتب العلمية ، بيروت) قال : حدثنا عبد الله ، حدثنا عمر بن
محمد الناقد ، حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : قال الزهري : لم أر هاشميا أفضل من علي
بن الحسين صلوات الله عليهم أجمعين . ومنهم الحافظ شمس الدين الذهبي في العبر في
خبر من غبر (ج 1 ص 111 ط الكويت) قال : قال الزهري : ما رأيت أحدا أفقه منه لكنه
قليل الحديث . وقال أبو حاتم الأعرج : ما رأيت هاشميا أفضل منه . ومنهم الحافظ أبو
حفص عمر بن أحمد بن عثمان المعروف بابن شاهين المتوفى سنة 385 في كتابه تاريخ
أسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم (ص 206 ط دار الكتب العلمية
ص 153
في بيروت سنة 1406) قال : أخبرنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي ، أخبرنا محمد بن
يحيى بن أبي عمر العدي ، قال : أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، قال : ما رأيت هاشميا
أفضل من علي بن حسين لكن كان قليل الحديث . ومنهم علامة التاريخ والأدب والنسب أبو
الفرج علي بن الحسين بن محمد المرواني الإصفهاني المتوفى سنة 356 في الأغاني (ج
14 ص 172 ط دار الفكر) حدثني البالحيدي ، قال : حدثني محمد بن عمر السندي ، قال
حدثني سفيان بن عيينة ، عن الزهري قال : ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين .
ومنهم العلامة أحمد بن علي الشهير بابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 في تقريب
التهذيب (ج 2 ص 35) قال : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين ، ثقة
ثبت عابد فقيه فاضل مشهور ، قال ابن عيينة : عن الزهري : ما رأيت قرشيا أفضل منه ،
من الثالثة : مات سنة ثلاث وتسعين ، وقيل غير ذلك . ومنهم العلامة محمد بن داود
البازلي الكردي الحموي الشافعي في غايت المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام
(ق 79 نسخة مكتبة جستربيتي) قال : قال الزهري : ما رأيت قرشيا - فذكر مثل ما تقدم .
ومنهم العلامة جمال الإسلام إبراهيم بن علي الفيروز آبادي في طبقات الفقهاء (ق
17 نسخة مكتبة جستربيتي) قال : قال الزهري : ما رأيت قرشيا أفضل - فذكر مثل ما تقدم
.
ص 154
ومنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911 في
طبقات الحفاظ (ص 37 ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1403) قال : علي بن الحسين
بن علي بن أبي طالب ، أبو الحسين ، وأبو الحسن أو أبو محمد أو أبو عبد الله المدني
زين العابدين . قال الزهري : ما رأيت قرشيا أفضل منه ولا أفقه . وقال أيضا مثله في
كتابه عجائب القرآن ص 55 الزهراء لإعلام العربي . أصح الأسانيد عند الزهري عن
علي بن الحسين عليه السلام رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم الحافظ ابن
عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 12 ص 37 ط دار البشير بدمشق) قال : أخبرني أبو
سعد إسماعيل بن أحمد بن عبد الملك وأبو الحسن مكي بن أبي طالب ، قالا : أنا أبو بكر
أحمد بن علي بن خلف ، نا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا بكر بن أبي دارم
الحافظ بالكوفة يحكي عن بعض شيوخه عن أبي بكر بن أبي شيبة قال : أصح الأسانيد كلها
: الزهري ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي . ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن
مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر
(ج 17 ص 235 ط دار الفكر) قال : قال أبو بكر بن أبي شيبة : أصح الأسانيد كلها
الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي . ومنهم الحافظ السيوطي في طبقات الحفاظ
(ج 1 ص 37 ط بيروت) قال :
ص 155
وقال ابن أبي شيبة : أصح الأسانيد - فذكر مثل ما تقدم . ومنهم الحافظ الشيخ زين
الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر ابن إبراهيم العراقي الكردي
المتوفى سنة 806 في شرح الألفية المسماة بالتبصرة والتذكرة - له أيضا (ص 24 ط
دار الكتب العلمية ، بيروت) قال : وقيل زين العادين عن أبه * عن جده وابن شهاب عنه
به أي وقيل أصح الأسانيد ما رواه ابن شهاب المذكور عن زين العابدين ، وهو علي ابن
الحسين عن أبيه الحسين عن جده علي بن أبي طالب ، وهو قول عبد الرزاق . وروي أيضا عن
أبي بكر بن أبي شيبة ، فقوله وابن شهاب عنه به أي عن زين العابدين بالحديث ، وابن
مرفوع على الابتداء والواو للحال ، أي في حال كون ابن شهاب راويا للحديث عنه .
ومنهم العلامة الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي في تهذيب الكمال في أسماء
الرجال (ج 20 ص 388 ط مؤسسة الرسالة ، بيروت) قال : وقال الحاكم أبو عبد الله
الحافظ : سمعت أبا بكر بن أبي دارم الحافظ بالكوفة يحكي عن بعض شيوخه عن أبي بكر بن
أبي شيبة ، قال : أصح الأسانيد كلها : الزهري عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي
. ومنها
قول مالك 
رواه جماعة من أعلام القوم في كتبهم : فمنهم الحافظ ابن عساكر في
تاريخ مدينة دمشق (ج 12 ص 36 ط دار البشير
ص 156
بدمشق) قال : أخبرنا أبو الحسن ابن قيس ، نا أبو العباس ، نا أبو نصر بن الحيان ،
نا القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم ، أنا أبو غسان عبد الله بن محمد المكي ، نا يونس
بن عبد الأعلى ، نا ابن وهب ، عن مالك قال : لم يكن في أهل بيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم مثل علي بن الحسين ، وهو ابن أمة . ومنهم العلامة الحافظ جمال الدين أبو
الحجاج يوسف المزي في تهذيب الكمال في أسماء الرجال (ج 20 ص 387 ط مؤسسة
الرسالة ، بيروت) قال : قال ابن وهب عن مالك : لم يكن في أهل بيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم - فذكر مثل ما تقدم . ومنهم الشيخ جابر الجزائري في العلم
والعلماء (ص 25 ط دار الكتب السلفية) قال : وقال مالك : لم يكن في أهل بيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم - فذكر مثل ما تقدم ، إلا أنه ليس فيه وهو ابن أمة .
ومنهم العلامة الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر في تراجم الرجال (ص 25 ط
التعاونية) قال : وقال مالك بن أنس : لقد أحرم علي بن الحسين ، فلما أراد أن يقول :
لبيك ، قالها فأغمي عليه حتى سقط من أعلى ناقته ، وروي أنه قال : أخشى أن أقول :
لبيك ، فيقول : لا لبيك ، وقال مالك ، إنه كان يصلي في كل يوم وليلة مئات الركعات
إلى أن مات .
ص 157
ومنها
قول أبي حازم 
رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم العلامة الحافظ
ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ص 12 ص 35 ط دار البشير بدمشق) قال : أنبأنا
أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، أنبأنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، أنبأنا عبد
الله ابن أحمد ، حدثني أبو معمر ، أنبأنا ابن أبي حازم ، قال : سمعت أبا حازم يقول
: ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين . ومنهم أبو الفلاح عبد الحي في شذرات
الذهب (ج 1 ص 104 ط القاهرة) قال : وقال أبو حازم الأعرج - فذكر مثل ما تقدم .
ومنهم العلامة ابن منظور في مختصر تاريخ مدينة دمشق (ج 17 ص 240 ط دار الفكر
بدمشق) قال : ما رأيت هاشميا أفقه من علي بن الحسين . ومنهم الحافظ جمال الدين يوسف
المزي في تهذيب الكمال (ج 20 ص 287 ط بيروت) قال : وقال عبد العزيز بن أبي حازم
عن أبيه : ما رأيت هاشميا - فذكر مثل ما تقدم .
ص 158
ومنها
قول سعيد بن المسيب 
رواه جماعة من أعلام العلامة في كتبهم : فمنهم الشيخ أبو
الفلاح عبد الحي في الشذرات (ج 1 ص 104 ط القاهرة) قال : وعن سعيد بن المسيب
قال : ما رأيت أورع منه . ومنهم الشيخ أحمد بن عبد الله الأنصاري في خلاصة تهذيب
الكمال (ص 231 ط القاهرة) قال : وقال ابن المسيب : ما رأيت أورع منه . ومنهم جلال
الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في طبقات الحفاظ (ص 37 ط بيروت) قال :
وقال سعيد بن المسيب : ما رأيت أورع منه . ومنهم العلامة الذهبي في العبر في خبر
من غبر (ج 1 ص 111 ط الكويت) قال : وعن ابن المسيب قال - فذكر مثله . ومنهم
العلامة ابن منظور في مختصر تاريخ مدينة دمشق (ج 17 ص 236 ط دار الفكر بدمشق)
قال : قال صالح بن حسان : قال رجل لسعيد بن المسيب : ما رأيت أحدا أورع من فلان ،
قال : هل رأيت علي بن الحسين ؟ قال : لا . قال : ما رأيت أحدا أورع منه .
ص 159
ومنهم العلامة الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي في تهذيب الكمال في أسماء
الرجال (ج 20 ص 389 ط مؤسسة الرسالة ، بيروت) قال : وقال الهيثم بن عدي ، عن صالح
بن حسان ، قال رجل لسعيد بن المسيب : ما رأيت أحدا أورع من فلان . قال : هل رأيت
علي بن الحسين ؟ قال : لا - فذكر مثل ما تقدم . ومنهم العلامة الشيخ محمد الخضر
حسين شيخ الأزهر في تراجم الرجال (ص 25 ط التعاونية) قال : قال سعيد بن المسيب
: ما رأيت أورع من علي بن الحسين . ومنها
قول يحيى بن سعيد 
رواه جماعة من أعلام
العامة في كتبهم : فمنهم الحافظ ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 12 ص 36 ط
دار البشير بدمشق) قال : أخبرنا أبو الحسين ابن الفرا ، وأبو غالب وأبو عبد الله
ابنا البنا ، قالوا : أنا أبو جعفر المعدل ، أنا أبو طاهر المخلص ، نا أحمد بن
سليمان ، قال : قال زبير : قال عمي مصعب ابن عبد الله : ذكر حماد بن زيد ، عن يحيى
بن سعيد قال : سمعت علي بن الحسين - وكان أفضل هاشمي أدركته - يقول : يا أيها الناس
أحبونا حب الإسلام ، فما برح بنا بحبكم حتى صار علينا عارا . قرأت على ابن غالب
وأبي عبد الله ابني البنا ، عن أبي الحسن محمد بن محمد بن مخلد ، أنا علي بن محمد
حزقه ، أنا محمد بن الحسين ، نا ابن أبي خيثمة قال : رأيت في كتاب علي بن المديني ،
سمعت يحيى بن سعيد قال : ذكر يحيى بن سعيد الأنصاري
ص 160
علي بن الحسين فذكره بخير . ومنهم العلامة ابن منظور في مختصر تاريخ مدينة دمشق
(ج 17 ص 235 ط دار الفكر بدمشق) قال : قال يحيى بن سعيد : سمعت علي بن الحسين -
وكان أفضل هاشمي أدركته - يقول - فذكر الحديث . ومنها
قول زيد بن أسلم

رواه جماعة
من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم العلامة ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 12
ص 35 ط دار البشير بدمشق) قال : أخبرنا أبو القاسم السمرقندي ، نا أبو الفضل بن
البقال ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا عثمان بن أحمد ، نا حنبل بن إسحق ، نا أبو
بكر بن أبي شيبة ، نا حسين بن علي ، عن الوليد بن علي ، عن زيد بن أسلم قال : ما
جالست في أهل القبلة مثله - يعني علي ابن الحسين . أخبرنا أبو القاسم أيضا ، أنا
أبو بكر بن الطبري ، أنا أبو الحسين بن الفضل ، أنا عبد الله ابن جعفر ، نا يعقوب ،
نا زيد بن بشر ، أخبرني ابن وهب ، نا ابن زيد قال : كان أبي يقول : ما رأيت مثل علي
بن الحسين فيهم قط . ومنهم الحافظ جمال الدين يوسف المزي في تهذيب الكمال (ج 20
ص 287 ط بيروت) قال : وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه : ما رأيت فيهم مثل
علي بن
ص 161
الحسين قط . ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن سعد بن منيع الهاشمي البصري المشتهر بابن
سعد في الطبقات الكبرى (ج 5 ص 167 ط دار الكتب العلمية ، بيروت) قال : قال :
أخبرنا معن بن عيسى ، قال حدثنا عيسى بن عبد الملك ، عن شريك بن أبي بكر ، عن علي
بن حسين أنه كان يصبغ بالسواد . قال : أخبرنا عبد العزيز بن الخطاب الضبي ، قال
حدثنا موسى بن أبي حبيب الطائفي ، قال : رأيت علي بن حسين يخضب بالحناء والكتم ،
ورأيت نعل علي بن حسين مدورة الرأس ليس لها لسان . قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى
، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن عمار ، عن علي بن الحسين : أنه رأى أهله يخضبون
بالحناء والكتم . أخبرنا يعلى بن عبيد ، قال : حدثنا الأجلح ، عن حبيب بن أبي ثابت
قال : كان لعلي ابن حسين كساء خز أصفر يلبسه يوم الجمعة . قال : أخبرنا عبد الله بن
نمير ، قال : حدثنا عثمان بن حكيم ، قال : رأيت على علي بن حسين كساء خز وجبة خز .
قال : أخبرنا محمد بن عبيد وإسحاق الأزرق والفضل بن دكين قالوا : حدثنا بسام ابن
عبد الله الصيرفي ، عن أبي جعفر قال : أهديت لعلي بن حسين مستقة من العراق ، فكان
يلبسها ، فإذا أراد يصلي نزعها . قال : أخبرنا يحيى بن آدم قال : حدثنا سفيان ، عن
سدير ، عن أبي جعفر قال : كان لعلي بن حسين سبنجونة من ثعالب ، فكان يلبسها فإذا
صلى نزعها . قال : أخبرنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا نصر بن أوس الطائي ، قال :
دخلت على علي بن حسين وعليه سحق ملحفة حمراء وله جمة إلى المنكب مفروق . قال :
أخبرنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن يزيد بن حازم قال :
ص 162
رأيت على علي بن حسين طيلسانا كرديا غليظا وخفين يمانيين غليظين . أخبرنا مالك بن
إسماعيل ، قال : حدثنا حسين بن زيد بن علي ، عن عمه عمر بن علي ، عن علي بن حسين
أنه كان يشتري كساء الخز بخمسين دينارا فيشتو فيه ثم يبيعه ويتصدق بثمنه ، ويصيف في
ثوبين من ثياب مصر أشمونيين بدينار ، ويلبس ما بين ذا وذا من اللبوس ويقول (من حرم
زينة الله التي أخرج لعباده) (الأعراف : 32) ، ويعتم وينبذ له في السعن في العيدين
بغير عكر ، وكان يدهن أو يتطيب بعد الغسل إذا أراد أن يحرم . قال : أخبرنا محمد بن
ربيعة ، قال : حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، قال : رأيت على علي بن حسين
قلنسوة بيضاء لاطئة . قال : أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك وعبد الله بن مسلمة
وإسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس ، قالوا : حدثنا محمد بن هلال ، قال : رأيت علي
بن الحسين بن علي بن أبي طالب يعتم ويرخي عمامته خلف ظهره . ومنها
قصيدة الفرزدق
الشاعر 
قد تقدم ذكرها نقلا عن أعلام العامة في ج 12 ص 136 إلى ص 149 وج 19 ص 442
إلى ص 446 ، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما مضى : فمنهم العلامة
الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي في تهذيب الكمال في أسماء الرجال (ج
20 ص 400 ط بيروت) قال : وقال محمد بن زكريا الغلابي : حدثنا عبيد الله بن محمد بن
عائشة ، قال : حدثني أبي وغيره أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك أو
الوليد ، فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر ، فلم يقدر عليه من الزحام ، فنصب له
منبر ، فجلس عليه
ص 163
وأطاف به أهل الشام ، فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين عليه إزار ورداء أحسن
الناس وجها وأطيبهم رائحة بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز ، فجعل يطوف بالبيت فإذا
بلغ إلى موضع الحجر تنحى له الناس عنه حتى يستلمه هيبة له وإجلالا ، فغاظ ذلك هشاما
، فقال رجل من أهل الشام لهشام : من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فأفرجوا له
عن الحجر ؟ فقال هشام : لا أعرفه . لئلا يرغب فيه أهل الشام ، فقال الفرزدق : وكان
حاضرا - لكني أعرفه ، فقال الشامي : من هو يا أبا فراس ؟ فقال الفرزدق 1) :
(هامش)
1) لا اعتبار بقول من نسب القصيدة إلى غير الفرزدق بعد تصريح أكابر المحدثين
وأساطين المؤرخين أنها للفرزدق الشاعر وذكروا قصتها كما ذكرنا في ج 12 ص 136 إلى ص
149 وج 19 ص 442 إلى ص 446 عن أبي إسحق الحصري القيرواني المالكي في زهر الآداب
والمجد ابن الأثير الجزري في المختار في مناقب الأخيار والشمس السفاريني في
شرح ثلاثيات مسند أحمد والعلامة باكثير الحضرمي في وسيلة المآل والعلامة
إبراهيم البيهقي المتوفى سنة 300 في المحاسن والمساوي والحافظ الطبراني في
المعجم الكبير والحافظ الهيتمي في مجمع الزوائد والحافظ ابن حجر في الصواعق
وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة والعلامة الحضرمي في رشفة الصادي
والحافظ ابن كثير في البداية والنهاية والحافظ أبو نعيم الأصفهاني في الحلية
والعلامة ابن حجة الحموي في ثمرات الأوراق والعلامة القرماني في أخبار
الدول وآثار الأول والعلامة سبط ابن الجوزي في التذكرة والعلامة الكنجي في
كفاية الطالب والتاج السبكي في طبقات الشافعية الكبرى والعلامة الكمال
الدميري في حياة الحيوان والعلامة ابن نباته المصري في سرح العيون والشيخ
أبو محمد اليافعي الشافعي في مرآة الجنان والعلامة جار الله الزمخشري في الفائق
والعلامة الزرقاني في شرح المواهب اللدنية والعلامة الصديقي الهندي في مجمع
بحار الأنوار والعلامة العفيف اليافعي في روض الرياحين والعلامة الآمرتسري في
أرجح المطالب والعلامة الخواجه پارسا البخاري في فصل الخطاب وأبو المجد ابن
أبي الأصبغ العدواني المصري في بديع القرآن والعلامة ابن طلحة في = (*) /
ص 164
(هامش)
= مطالب السؤل والعلامة البرهان الأنصاري الكتبي في غرر الخصائص الواضحة
والعلامة الخمراوي في مشارق الأنوار والعلامة الهاشمي الأفغاني في أئمة الهدى
وعلامة اللغة والنسب الزبيدي في تاج العروس والشيخ حسن النجار المصري في
الإشراف والحافظ الراغب الأصفهاني في محاضرات الأدباء والعلامة السيد عباس
المكي في نزهة الجليس ومنية الأديب الأنيس . والعلامة الشيخ أحمد الشافعي
الصغير المصري في تحفة الراغب والحافظ الشمس الذهبي في سير أعلام والشيخ يس
السنهوتي الشافعي في الأنوار القدسية والعلامة ابن شاكر الشافعي في عيون
التواريخ والعلامة الشبلنجي في نور الأبصار وغيرهم . وهؤلاء الأعاظم كلهم
صرحوا بأن القصيدة للفرزدق ، قالها في علي بن الحسين عليهما السلام حين طاف هشام بن
عبد الملك بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر ، وأقبل علي بن الحسين عليهما
السلام يطوف بالبيت ، فلما بلغ موضع الحجر تنحى له الناس عنه واستلمه ، وقال رجل من
أهل الشام : من هذا ؟ فقال هشام : لا أعرفه . فقال الفرزدق : وأما أنا فأعرفه ،
فقال . . . وقال العلامة عبد القادر بن عمر البغدادي المتوفى سنة 1093 في شرح
أبيات مغني اللبيب (ج 5 ص 311 ط دار المأمون للتراث ، دمشق وبيروت) قال : يغضي
حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم على أن من فيه للتعليل ، وأورده
المصنف والمرادي في شرحه على أن نائب الفاعل ضمير المصدر وهو الاغضاء . قال ابن
يعيش : ولا يكون من مهابته نائب الفاعل ، لأن المفعول له لا يقوم مقام الفاعل ،
لئلا تزول الدلالة على العلة فاعرفه . إنتهى . وكذا في إعراب الحماسة لابن جني
أيضا ، قال ابن الحاج في نقد المقرب لابن عصفور : نص أبو الفتح في التنبيه
على مشكل الحماسة على أن قوله : من مهابته ، ليس نائب الفاعل ، لأنه مفعول له ،
وليس مثل : سير بزيد ، لأن بزيد مفعول في المعنى ، وهذا خطأ ، بل كل مجرور يقوم
مقام الفاعل ، فيجوز : ذهب مع فلان ، وامتلئ من الماء ، وأغضي من مهابة زيد ، وسير
في حال إقامته ، انتهى . نقله أبو حيان في تذكرته وله مذاهب قد انفرد بها ،
ويغضي بالبناء للفاعل ، وفاعله = (*)
ص 165
(هامش)
= ضمير راجع على الممدوح علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، رضي الله
عنهم ، كما يأتي ، والاغضاء : إرخاء الجفون ، وحياء : مفعول له ، ويجوز أن يكون
نائبا عن المفعول المطلق ، أي : إغضاء حياء ، ويكلم بالبناء للمفعول ، يقول : لا
يبدأ الناس بالكلام لهيبته إلا إذا تبسم . والبيت من قصيدة للفرزدق ، قال السيد
المرتضى في أماليه : أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن عمران المرزباني قال : حدثنا
الحسن بن محمد ، قال : حدثني جدي يحيى بن الحسن العلوي ، قال : حدثنا الحسن بن محمد
بن طالب ، قال : حدثني غير واحد من أهل الأدب أن علي بن الحسين حج ، فاستجهر الناس
جماله ، وتشوقوا له ، وجعلوا يقولون : من هذا ؟ فقال : الفرزدق : هذا الذي تعرف
البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي
النقي الطاهر العلم إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم يكاد
يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم يغضي حياء ويغضى من مهابته * فلا
يكلم إلا حين يبتسم أي القبائل ليست في رقابهم * لأولية هذا أو له نعم من يشكر الله
يشكر أولية ذا * فالدين من بيت هذا ناله الأمم وفي رواية الغلابي : أن هشام بن عبد
الملك حج في خلافة عبد الملك أو الوليد وهو حديث السن فأراد أن يستلم الحجر ، فلم
يتمكن من ذلك لتزاحم الناس عليه ، فجلس ينتظر خلوة ، فأقبل علي بن الحسين ، رضي
الله عنهما ، وعليه إزار ورداء ، وهو أحسن الناس وجها ، وأطيبهم ريحا ، وبين عينيه
سجادة كأنها ركبة عنز ، فجعل يطوف بالبيت ، فإذا بلغ الحجر ، تنحى عنه الناس حتى
يستلمه هيبة له وإجلالا ، فغاظ ذلك هشاما ، فقال رجل من أهل الشام لهشام : من الذي
قد هابه الناس هذه الهيبة ؟ فقال هشام : لا أعرفه ، لئلا يرغب فيه أهل الشام ، فقال
الفرزدق وكان لذلك حاضرا : لكني أعرفه ، وذكر الأبيات ، وهي أكثر مما رويناه ،
وإنما تركناها لأنها معروفة ، فغضب هشام ، وأمر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكة
والمدينة ، فبلغ = (*)
ص 166
(هامش)
= ذلك علي بن الحسين رضي الله عنه ، فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم ، وقال :
اعذرنا يا أبا فراس ، فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك ، فردها
الفرزدق ، وقال : يا بن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله ، وما كنت
لأرزأك عليه شيئا ، فردها إليه وأقسم عليه في قبولها ، وقال له : قد رأى الله مكانك
، وعلم نيتك ، وشكر لك ، ونحن أهل بيت إذا أنفذنا شيئا لم نرجع فيه ، فقبلها ، وجعل
الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس ، فمما هجاه به قوله : تحبسني بين المدينة والتي *
إليها رقاب الناس يهوي منيبها يقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعينا له حولاء باد
عيوبها هذا آخر ما رواه المرتضى رضي الله تعالى عنه ، وكذا أورد القصة وهذه الأبيات
إبراهيم الحصري في زهر الآداب ، وقد أورد السيوطي القصيدة برواية ابن عائشة من
طريق ابن عساكر ، والقصة كقصة الغلابي ، وألفاظها سواء ، وهي هذه : هذا الذي تعرف
البطحاء وطأته * . . البيت هذا علي رسول الله والده * أمست بنور هداه تهتدي الأمم
هذا ابن خير عباد الله كلهم . . البيت إذا رأته قريش قال قائلها . . البيت ينمى إلى
ذروة العز التي قصرت * عن نيلها عرب الإسلام والعجم يكاد يمسكه عرفان راحته . .
البيت في كفه خيزران ريحه عبق * من كف أروع في عرنينه شمم يغضي حياء ويغضى من
مهابته . . البيت من جده دان فضل الأنبياء له * وفضل أمته دانت له الأمم ينشق نور
الهدى عن حسن غرته * كالشمس ينجاب عن إشراقها العتم مشتقة من رسول الله نبعته *
طابت عناصره والخيم والشيم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا
الله شرفه قدما وفضله * جرى بذاك له في لوحه القلم = (*)
ص 167
(هامش)
= سهل الخليقة لا تخشى بوادره * يزينه خلتان الخلق والكرم من معشر حبهم دين وبغضهم
* كفر وقربهم منجى ومعتصم مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * في كل بدء ومختوم به الكلم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويسترب به الاحسان والنعم إن عد أهل التقى كانوا
أئمتهم * أو قيل من خير خلق الله قيل هم لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم
قوم وإن كرموا هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت * والأسد أسد الشرى والبأس يحتدم لا يقبض
العسر بسطا من أكفهم * سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا من يعرف الله يعرف أولية ذا *
الدين من جد هذا ناله الأمم إن تنكروه فإن الله يعرفه * والعرش يعرفه واللوح والقلم
وليس قولك من هذا بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم هذا آخر ما أخرجه ابن عساكر
من رواية ابن عائشة ، وقد أوردها العيني أيضا في باب النائب عن الفاعل ، وفيها
أبيات غير مذكورة فيما تقدم وهي : كلتا يديه غياث عم نفعهما * تستوكفان ولا يعروهما
عدم حمال أثقال أقوام إذا فدحوا * حلو الشمائل يحلو عنده نعم لا يخلف الوعد ميمون
نقيبته * رحب الفناء أريب حين يعتزم عم البرية بالاحسان فانقشعت * عنها العنانة
والاملاق والعدم يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم * خيم كريم وأيد بالندى هضم وفيها من
رواية أخرى : ما قال لاقط إلا في تشهده * لولا التشهد كانت لاءه نعم من ذا يقاس
بهذا في مفاخرة * إذا بنو هاشم في ذلك اختصموا وقد أوردها أيضا محمد بن المبارك بن
محمد بن ميمون في منتهى الطلب من أشعار العرب وذكر قصتها كما تقدم . وقال :
رواها لي أبو معمر الأنصاري ، رحمه الله تعالى ، متصلة
الإسناد إلى الفرزدق ، وشذ عني إسنادها وهي : = (*)
ص 168
(هامش)
= هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحجر والحرم هذا علي رسول الله
والده * أمست بنور هداه تهتدي الأمم هذا الذي عمه الطيار جعفر وال * مقتول حمزة
ليث حبه قسم هذا ابن فاطمة الغراء ويحكم * وابن الوصي الذي في سيفه النقم هذا ابن
فاطمة إن كنت جاهله . . البيت هذا ابن خير عباد الله كلهم . . البيت وبعد ، هذا ما
رواه ابن عائشة . ورواه أيضا علي بن أبي الفرج بن الحسن البصري الأصل الواسطي بلدا
في الحماسة البصرية كرواية ابن عائشة وفيها : لو يعلم البيت من قد جاء يلثمه *
لظل يلثم منه ما وطي القدم ما قال لاقط إلا في تشهده . . البيت وقد اختلف في بعض
أبيات هذه القصيدة ، فنسب إلى غير الفرزدق في مدح زين العابدين أيضا ، وقيل في غيره
، ففي الحماسة لأبي تمام : وقال الحزين الليثي في علي ابن الحسين بن علي بن أبي
طالب : هذا الذي تعرف البطحاء وطأته . . البيت إذا رأته قريش قال قائلها . . البيت
يكاد يمسكه عرفان راحته . . البيت أي القبائل ليست في رقابهم . . البيت بكفه خيزران
ريحها عبق . . البيت يغضي حياء ويغضى من مهابته . . البيت وأورد هذه الأبيات فقط
الأعلم في حماسته وقال الحزين الليثي في علي بن الحسين رضي الله عنهما ، ويقال
: قالها في عبد الله بن عبد الملك بن مروان ، وكان حسن الوجه والمذهب ، ويقال : إن
بعض هذه القصيدة للفرزدق في علي بن الحسين ، وبعضها لجرير ، وبعضها لداود بن سلم
يمدح قثم بن العباس ، ويقال : هي لكثير السهمي يمدح عبد الملك بن مروان . إنتهى .
وكثير بالتصغير كدريهم ، وقال الآمدي في المؤتلف والمختلف : ومنهم = (*)
ص 169
(هامش)
= كثير بن كثير السهمي ، أنشد له دعبل بن علي في كتابه في محمد بن علي بن الحسين بن
علي رضوان الله عليهم أجمعين : هذا الذي تعرف البطحاء وطأته . . البيت هذا ابن خير
عباد الله كلهم . . البيت إذا رأته قريش قال قائلها . . البيت يكاد يمسكه عرفان
راحته . . البيت قال الآمدي أيضا في ترجمة الحزين : منهم الحزين الكناني ، واسمه
عمرو بن عبد وهيب ابن مالك بن حريث بن جابر بن راعي الشمس الأكبر بن يعمر بن عبد بن
عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة . قال الزبير بن بكار : إنما
سموا رعاة الشمس ، لأن الشمس لم تكن تطلع في الجاهلية إلا وقدورهم تغلي للضيف ،
ولذلك يقول الحزين : أنا ابن ربيع الشمس في كل شدة * وجدي راعي الشمس وابن غريب
وكان الحزين شاعرا محسنا متمكنا ، وهو القائل في عبد الله بن عبد الملك ووفد إليه
إلى مصر وهو واليها يمدحه في أبيات : لما وقفت عليه في الجموع ضحى * وقد تعرضت
الحجاب والخدم حييته بسلام وهو مرتفق * وضجة القوم عند الباب تزدحم في كفه خيزران
ريحها عبق . . البيت يغضي حياء ويغضى من مهابته . . البيت وكذا أوردها صاحب زهر
الآداب للحزين في عبد الله بن عبد الملك ، وكذا قال ابن أبي الإصبع في تحرير
التحبير وفي الحماسة البصرية . قال الحزين الكناني ، وهو أموي الشعر : لما
وقفت عليه والجموع ضحى . . البيت حييته بسلام وهو مرتفق . . البيت في كفه خيزران .
. البيت لا يخلف الوعد ميمون نقيبته . . البيت (*)
ص 170
(هامش)
= كم صارخ بك من راج وراجية * يدعوك يا قثم الخيرات يا قثم انتهى . فرواها مدحا في
قثم بن العباس ، لا في عبد الله بن عبد الملك . قال الأصفهاني في الأغاني :
الحزين الكناني من شعراء الدولة الأموية ، حجازي مطبوع ، وكان هجاء خبيث اللسان ،
لا يرضيه اليسير ، ويكتسب بالشعر ، وهجاء الناس ، وليس ممن خدم الخلفاء ، ولا
انتجعهم بمدح ، ولا كان يريم الحجاز حتى مات ، حدث الزبير بن بكار عن عمه أن عبد
الله بن عبد الملك ، وكان من فتيان بني أمية وظرفائهم ، وكان حسن الوجه والمذهب ،
لما حج قال له أبوه : سيأتيك الحزين الشاعر بالمدينة ، وهو ذرب اللسان ، فإياك أن
تحتجب عنه ، فلما كان في المدينة دخل الحزين عليه ، فلما صار بين يديه ، رأى جماله
وبهاءه ، وفي يده قضيب خيزران وقف ساكتا ، فأمهله عبد الله ، ثم قال : السلام عليك
ورحمة الله أولا ، فقال : وعليك السلام ، ثم قال : وحيا الله وجهك أيها الأمير ،
إني قد كنت مدحتك بشعر ، فلما دخلت عليك ، ورأيت جمالك وبهاءك ، أذهلني عنه ،
فأنسيت ما قد كنت قلته ، وقد قلت في مقامي هذا بيتين ، فقال : ما هما ؟ قال : في
كفه خيزران . . البيت . يغضي حياء . . البيت . فأجازه ، فقال : أخدمني أصلحك الله ،
فقال : اختر أحد هذين الغلامين ، فأخذ أحدهما ، فقال له عبد الله : أعلينا تبقي !
خذ الآخر ، والناس يروون هذين البيتين للفرزدق في أبياته التي مدح بها علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما التي أولها : هذا الذي تعرف البطحاء
وطأته . . البيت وهذا غلط من الرواة ، وليس هذان البيتان مما يمدح به مثل علي بن
الحسين عليهما السلام ، لأنهما من نعوت الجبابرة والملوك ، وليس كذلك ، ولا هذه
صفته عليه السلام ، وله من الفضل ما ليس لأحد . وأما الأبيات التي للفرزدق فيه ،
فحدثني أحمد بن أبي الجعد ، ومحمد بن يحيى قالا : حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال
: حدثنا ابن عائشة قال : حج هشام بن عبد الملك في خلافة الوليد أخيه ومعه رؤساء أهل
الشام ، فجهد أن يستلم الحجر ، فلم يقدر من الزحام ، فنصب له منبر ، فجلس عليه ينظر
إلى الناس ، وأقبل علي بن الحسين ، وهو أحسن الناس وجها ، وأنظفهم ثوبا ، وأطيبهم
رائحة ، فطاف بالبيت ، فلما بلغ إلى الحجر ، تنحى الناس كلهم ، = (*)
ص 171
(هامش)
= وأخلوا الحجر ليستلمه هيبة وإجلالا له ، فغاظ ذلك هشاما ، وبلغ منه ، فقال رجل
لهشام : من هذا أصلح الله الأمير ؟ قال : لا أعرفه ، وكان به عارفا ، ولكنه خاف أن
يرغب فيه أهل الشام ، فقال الفرزدق ، وكان لذلك كله حاضرا : أنا أعرفه ، فسلني يا
شامي ، قال : ومن هو ؟ قال : هذا الذي تعرف البطحاء وطأته . . البيت هذا ابن خير
عباد الله كلهم . . البيت إذا رأته قريش . . البيت وليس قولك من هذا . . البيت أي
الخلائق . . البيت ليست . . البيت من يعرف الله . . البيت فحبسه ، فقال الفرزدق :
أيحبسني بين المدينة والتي . . البيتان فبعث إليه هشام فأخرجه ووجه إليه علي بن
الحسين عشرة آلاف درهم ، وقال : اعذرنا يا أبا فراس ، فلو كان عندنا في هذا الوقت
أكثر من هذا لوصلناك به ، فردها وقال : ما قلت ما كان إلا لله عز وجل ، وما كنت
لأرزأ عليه شيئا ، فقال له : قد رأى الله مكانك ، فشكر لك ، ولكنا أهل بيت إذا
أنفذنا شيئا لم نرجع فيه ، فأقسم عليه ، فقبلها . ومن الناس من يروي هذه الأبيات
لداود بن سلم في قثم بن العباس ، ومنهم من يرويها لخالد بن زيد مولى قثم فيه ، فمن
رواها لداود في قثم أو لخالد فيه ، فهي في روايته : كم صارخ بك من راج وراجية *
يدعوك يا قثم الخيرات يا قثم أي العمائر ليست في رقابهم * لأولية هذا أو له نعم في
كفه خيزران . . البيت يغضي حياء . . البيت وممن ذكرها له محمد بن يحيى الغلابي عن
مهدي بن سابق داود بن سلم قال هذه الأبيات الأربعة في قثم بن العباس ، وأن الفرزدق
أدخلها في أبياته في علي بن الحسين عليهما = (*)
ص 172
(هامش)
= السلام ، سوى البيت الأول ، وذكر الرياشي عن الأصمعي أن رجلا من العرب يقال له
داود وقف لقثم ، فناداه : يكاد يمسكه عرفان راحته . . البيت كم صارخ بك من راج
وراجية . . . . البيت فأمر له بجائزة سنية ، والصحيح أنها للحزين في عبد الله بن
عبد الملك ، وقد غلط ابن عائشة في إدخاله البيتين في تلك الأبيات ، وأبيات الحزين
مؤتلفة منتظمة المعاني متشابهة ، تنبئ عن نفسها وهي : الله يعلم أن قد جئت ذا يمن *
ثم العراقين لا يثنيني السأم ثم الجزيرة أعلاها وأسفلها * كذاك تسري على الأهوال بي
القدم ثم المواسم قد أوطئتها زمنا * وحيث تحلق عند الجمرة اللمم قالوا دمشق ينبئك
الخبير بها * ثم ائت مصر فثم النائل العمم لما وقفت عليها والجموع ضحى . . البيت
حييته بسلام . . البيت في كفه خيزران . . البيت يغضي حياء . . البيت ترى رؤوس بني
مروان خاضعة * يمشون حول ركابيه وما ظلموا إن هش هشوا له واستبشروا جذلا * وإن هم
أنسوا إعراضه وجموا كلتا يديه ربيع غير ذي خلف * فتلك بحر وهذي عارض هزم ومن الناس
من يقول : إن الحزين قالها في عبد العزيز بن مروان لذكره دمشق الشام ومصر ، وقد كان
عبد الله بن عبد الملك أيضا ولي مصر والحزين بها ، حدثني الجرمي ، قال : حدثنا
الزبير ، قال : حدثني محمد بن يحيى أبو غسان عن عبد العزيز بن عمران الزهري قال :
وفد الحزين على عبد الله بن عبد الملك وهو عامل مصر فأتي برقيق من البربر والحزين
عنده ، وفي الرقيق أخوان ، فقال عبد الله للحزين : أي الرقيق أعجب إليك ؟ قال :
ليختر لي الأمير ، فقال عبد الله للحزين : قد رضيت لك هذا ، لأحدهما ، فإني رأيته
حسن الصلاة ، فقال الحزين : = (*)
ص 173
(هامش)
= لا حاجة لي به ، فأعطني أخاه ، فأعطاه إياه ، فقال يمدحه : الله يعلم أن قد جئت
ذا يمن وذكر القصيدة بطولها ، هذا آخر ما رواه صاحب الأغاني . قال العيني :
ورأيت في كتاب أولاد السراري تأليف المبرد نسبة بعض هذه الأبيات إلى أبي دهبل
حيث قال : ومما نمي لنا عنه ، أي : عن زين العابدين أنه مر بمساكين جلوس في الشمس
يأكلون على مسح ، فسلم عليهم ، فردوا عليه ، وقالوا : هلم يا بن رسول الله ، فنزل ،
وقال : الله لا يحب المتكبرين ، فأصاب معهم ، ثم قال : قد دعوتم فأجبنا ، ونحن
ندعوكم ، فمضوا معه إلى منزله ، فأطعمهم طعامه ، وقسم بينهم كل ما كان عنده ، وفيه
يقول أبو دهبل - فيما روي - هذه الأبيات : هذا الذي تعرف البطحاء . . البيت هذا ابن
خير عباد الله . . البيت إذا رأته قريش . . البيت فأما ما يزاد في هذا الشعر بعد
هذه الأبيات ، فليس منها ، إنما هو لداود بن سلم يقوله في قثم ابن العباس بن عبد
الله بن العباس بن عبد المطلب ، رضي الله عنهم : يغضي حياء . . البيت في كفه خيزران
. . البيت كم صارخ بك من راج وراجية . . البيت انتهى . وقد طال الكلام في ذكر ما
يتعلق بها من الخلاف في بعض أبياتها ، ومن هنا نشرع في غريبها . قوله : يكاد يمسكه
عرفان راحته ، قال أبو علي في المسائل البصرية : ينبغي أن يجعل عرفان مفعولا له
، وركن الحطيم : فاعل يمسك ، وتضيف المصدر إلى المفعول ، وتحذف الفاعل ، أي :
عرفان الركن راحته ، كما حذف في *(بسؤال نعجتك) (ص / 24) وهذا أوضح في المعنى ، وإن
شئت قلت : يمسكه عرفان راحته ركن ، فجعلت العرفان فاعل يمسك ، وأضفت المصدر إلى
الفاعل وهو الراحة ، ونصبت الركن مفعولا به ، كأنه يمسكه = (*)
ص 174
(هامش)
= هذا المعنى لا الركن ، أي : هذا المعنى كاد يلبثه في هذا الموضع ، ويجعله أحق به
من غيره ، وهذا يحسن إذا كان أكثر لمس الركن بيده ، أي : فصار لكثرة ذلك منه عرفت
راحته الركن ، فنسبت المعرفة إلى الكف ، وإن لم يكن لها في الحقيقة إنما هو للانسان
، ويجوز عرفان راحته ركن ، يكون العرفان فاعل يمسك ، وراحته مفعوله ، والركن فاعل
العرفان ، أي : يكاد يمسكه أن عرف الركن . وهذا الوجه أقرب إلى الوجه الأول ، وأشبه
بالمعنى من الوجه الثاني . إنتهى . قوله : هذا الذي تعرف البطحاء ، هي أرض مكة
المنبطحة ، وكذلك الأبطح ، وبيوت مكة التي هي للأشراف بالأبطح التي هي في الروابي ،
والجبال للغرباء وأوساط الناس ، والحطيم : الجدار الذي عليه ميزاب الرحمة . وقوله :
يغضي حياء . . الخ ، قال ابن عبد ربه في أول العقد الفريد : قال ابن قتيبة : لم
يقل في الهيبة مع التواضع بيت أبدع من قول الشاعر في بعض خلفاء بني أمية : يغضي
حياء ويغضى من مهابته . . البيت وأحسن منه عندي قولي : فتى زاده عز المهابة ذلة *
وكل عزيز عنده متواضع انتهى . وأقول : بل هجنه قوله : ذلة وقوله : ينمى إلى
ذروة الخ . بالبناء للمفعول من نميته إلى أبيه . أي : نسبته ، وانتمى : انتسب ،
وذروة الشيء : أعلاه ، وقوله : في كفه خيزران . . الخ . قال الجاحظ في كتاب
البيان : كانت العرب تخطب بالمخاصر ، وتعتمد على الأرض بالقسي ، وتشير بالعصا
والقنا ، حتى كانت المخاصر لا تفارق أيدي الملوك في مجالسها ، ولذلك قال : في كفه
خيزران . . البيت ، وعبق : وصف من عبق به الطيب كفرح : إذا لزق به . قال أبو بكر
الزبيدي في كتاب لحن العامة : العرب تسمي كل قضيب لدن ناعم خيزرانا ، بضم الزاي
، وذكر بعض اللغويين أنه ليس من نبات أرض العرب . إنتهى . والأروع : الذي يروعك
جماله وجلاله ، والعرنين من كل شيء : أوله ، ومنه عرنين الأنف لأوله ، وهو ما تحت
مجتمع الحاجبين ، وهو موضع الشمم ، وهو ارتفاع الأنف ، وشممه كناية عن العزة ،
وقوله : كالشمس الخ . انجابت السحابة : انكشف ، والعتم بفتح العين المهملة والمثناة
: ظلمة الليل ، والخيم بكسر الخاء المعجمة : السجية ، والبوادر جمع بادرة : وهي
الحدة والغضب من قول = (*)
ص 175
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله
كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا
ينتهي الكرم
ينمى إلى ذروة العز التي قصرت * عن نيلها عرب الأقوام والعجم
يكاد
يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء ويغضى من مهابته * فما
يكلم إلا حين يبتسم
بكفه خيزران ريحها عبق * من كف أروع في عرنينه شمم
مشتقة من
رسول الله نبعته * طابت عناصره والخيم والشيم
ينجاب نور الهدى عن نور غرته * كالشمس
ينجاب عن إشراقها العتم
حمال أثقال أقوام إذا فدحوا * حلو الشمائل تحلو عنده نعم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا
الله فضله قدما وشرفه *
جرى بذاك له في لوحه القلم
فليس قولك من هذا بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم
من جده دان فضل الأنبياء له * وفضل أمته دانت له الأمم
(هامش)
= أو فعل ، والخلة بالفتح : كالخصلة وزنا ومعنى ، ويسترب بمعنى يرب ، يقال : رب زيد
الأمر ربا من باب نصر : إذا ساسه ، وقام بتدبيره ، والأزمة : الشدة ، وأزمت : اشتدت
، والشرى : طريق في سلمى كثيرة الأسد ، وجبل بتهامة كثير السباع ، وتحتدم بالدال
المهملة : تلتهب ، شبه البأس والحرب بالنار ، وتستوكفان : تمطران ، وعدم بفتحتين :
قلة وفقر ، ويعروهما : يحدث لهما ، وفدحوا بالبناء للمفعول من فدحه الدين : إذا
أثقله وأعجزه ، والنقيبة : النفس ، والفناء بالمد والكسر : ساحة الدار توسع للأضياف
، والأريب : البصير بالشئ ، ويعتزم : يهم بالشئ ، ويعزم عليه ، والعنانة ، بفتح
العين المهملة بعدها نونان بينهما ألف : السحابة ، والاملاق : الفقر ، والظلم : جمع
ظلمة ، وهضم بضمتين جمع هضوم ، وهي اليد التي تجود بما لديها ، وقوله : كانت لاؤه
نعم ، مدلا ، لأنه أراد الاسم ، ونصبها على الخبر لكان . (*)
ص 176
عم البرية بالاحسان فانقشعت * عنه الغيابة والاملاق والعدم
كلتا يديه سحاب عم
نفعهما * يستوكفان ولا يعروهما العدم
سهل الخليقة لا يخشى بوادره * يزينه اثنان حسن
الخلق والكرم
لا يخلف الوعد ميمون نقيبته * رحب الفناء أريب حين يعتزم
من معشر حبهم
دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويسترب به
الاحسان والنعم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * في كل بر ومختوم به الكلم
إن عد أهل
التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم *
ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت * والأسد أسد الشرى والبأس
محتدم
يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم * خيم كريم وأيد بالندى هضم
لا ينقص العسر بسطا
من أكفهم * سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا
أي الخلائق ليست في رقابهم * لأولية هذا أو
له نعم
من يشكر الله يشكر أولية ذا * فالدين من بيت هذا ناله الأمم
قال : فغضب هشام
وأمر بحبس الفرزدق ، فحبس بعسفان بين مكة والمدينة ، فبلغ ذلك علي بن الحسين ، فبث
إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم ، وقال : اعذر أبا فراس فلو كان عندنا أكثر منها
لوصلناك بها فردها ، وقال : يا بن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله
، وما كنت لأرزأ عليه شيئا . فردها إليه ، وقال : بحقي عليك لما قبلتها ، فقد رأى
الله مكانك وعلم نيتك ، فقبلها وجعل يهجو هشاما وهو في الحبس ، فكان مما هجاه به :
أيحبسني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس يهوي منيبها يقلب رأسا لم يكن رأس
سيد * وعين له حولاء باد عيوبها قال : فبعث ، فأخرجه .
ص 177
ومنهم الحافظ ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج 12 ص 48 ط دار البشير بدمشق)
قال : أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ،
أنبأنا الحسن بن أبي بكر ابن شاذان ، أنبأنا الحسن بن محمد العلوي ، حدثني جدي -
وهو يحيى بن الحسن الحسني - قال : حدثني أبو علي حسين بن محمد بن طالب ، حدثني غير
واحد من أهل الأدب أن علي بن الحسين حج فاستجهر الناس جماله وتشرفوا له وجعلوا
يقولون : من هذا ؟ من هذا ؟ فأنشأ الفرزدق يقول : فذكر سبعة أبيات من القصيدة - ثم
قال : أخبرنا أبو الحسين بن الفرا وأبو غالب بن البنا ، قالا : أنبأنا أبو نعيم
يعلى بن الفرا ، أنبأنا عبيد الله بن محمد الفرضي إجازة ، وحدثنا عنه محمد بن علي
بن مخلد ، أن أبا بكر محمد بن يحيى الصول حدثهم ، أنبأنا محمد بن زكريا ، حدثنا ابن
عائشة ، عن أبيه قال : حج هشام بن عبد الملك في خلافة الوليد وكان إذا أراد استلام
الحجر زوحم عليه ، وحج علي بن الحسين فإذا ضامن الحجر تفرق عنه الناس إجلالا له ،
فوجم لذلك هشام وقال : من هذا وما أعرفه ؟ وكان الفرزدق فأقبل على هشام فقال . فذكر
سبعة أبيات أخرى من القصيدة وبعضها ليست في الرواية الأولى - ثم قال : أخبرنا أبو
المعز بن كاوش إذنا ومناولة وقرأ على أستاده ، أنبأنا محمد بن الحسين ، أنبأنا
المعافى بن زكريا القاضي ، حدثني أبو الحضر العقيلي ، أنبأنا محمد بن زكريا ،
أنبأنا عبيد الله بن محمد بن عائشة ، حدثني أبي : إن هشام بن عبد الملك حج في خلافة
عبد الملك أو الوليد ، فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام ،
فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام ، فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين
عليه إزار ورداء أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز ،
فجعل يطوف بالبيت فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس عنه حتى يستلمه هيبة له
وإجلالا ، فغاظ ذلك هشاما ، فقال رجل من أهل الشام لهشام : من هذا
ص 178
الذي قد هابه الناس هذه الهيبة وأفرجوا له عن الحجر ؟ فقال هشام : لا أعرفه لئلا
يرغب فيه أهل الشام ، فقال الفرزدق وكان حاضرا : لكني أعرفه . فقال الشامي : من هو
يا أبا فراس ؟ فقال الفرزدق - فذكر القصيدة وقصتها إلى آخرها . ومنهم العلامة
المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ مدينة
دمشق لابن عساكر (ج 17 ص 247 ط دار الفكر) قال : حج هشام بن عبد الملك في خلافة
عبد الملك أو الوليد ، فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام ،
فنصب له منبر ، فجلس عليه ، وأطاف به أهل الشام - فذكر القصة والقصيدة مثل ما تقدم
. ومنهم العلامة موفق الدين عبد الله بن محمد المقدسي الحنبلي في التبيين في
أنساب الصحابة القرشيين ى (ص 131 ط بيروت) قال : وروينا أن هشام بن عبد الملك حج
وأراد أن يستلم - فذكر القصة مثل ما تقدم وروى من القصيدة اثني عشر بيتا . ومنهم
العلامة أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني المولود سنة 390 والمتوفى سنة 456 في
العمدة في محاسن الشعر وآدابه (ج 2 ص 789 ط دار المعرفة ، بيروت) قال : ويروى
للفرزدق في علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم - فذكر بيتين من
القصيدة . ومنهم العلامة الشيخ محمد بن داود البازلي الكردي الحموي الشافعي المتوفى
سنة 925 في غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام (ق 80 والنسخة في مكتبة
جستربيتي بإيرلندة) قال :
ص 179
قال السبكي في طبقاته الكبرى : حج هشام بن عبد الملك في زمن عبد الملك أو الوليد ،
فطاف بالبيت - فذكر القصيدة وقصتها . ومنهم العلامة أبو الطيب عبد الوحد بن علي
اللغوي المتوفى سنة 351 في شجر الدر في تداخل الكلام بالمعاني المختلفة (ص 71 ط
دار المعارف في القاهرة) قال : هو الفرزدق ، وهو أبو فراس بن همام بن غالب بن صعصعة
بن ناجية بن عقال ، توفي بالبصرة حوالي سنة 112 . قاله في مدح زين العابدين علي بن
الحسين رضي الله عنه . وذلك أنه لما حج هشام بن عبد الملك في أيام أبيه طاف بالبيت
، وجهد أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه فلم يقدر على ذلك لكثرة الزحام ، فنصب له
كرسي وجلس عليه ينظر إلى الناس ومعه جماعة من أعيان أهل الشام . فبينما هو كذلك إذ
أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم ، وكان من أجمل الناس وجها ،
وأطيبهم أرجا . فطاف بالبيت ، فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم الحجر
، فقال رجل من أهل الشام لهشام : من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة ؟ فقال هشام :
لا أعرفه ، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام . وكان الفرزدق حاضرا ، فقال : أنا أعرفه .
فقال الشامي : من هو يا أبا فراس ؟ فقال : هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده
أنبياء لله قد ختموا هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم هذا
ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله
* الخ وفي رواية إن كنت تجهله الخ . ومنهم العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد الحنفي
المصري المتوفى سنة 1069 في تفسير آية المودة (ق 28 والنسخة في إحدى المكاتب
الشخصية بقم) قال :
ص 180
قال ابن خلكان في ترجمة الفرزدق : وتنسبك إليه مكرمة يرجى بها له الجنة ، فهي : أنه
لما حج هشام بن عبد الملك في أيام أبيه - فذكر القصة وعشرين بيتا من القصيدة - إلى
أن قال : فلما سمع هشام هذه القصيدة غضب وحبس الفرزدق ، وأنفذ زين العابدين له اثني
عشر ألف درهم ، فردها وقال : مدحته لله تعالى لا للعطاء . فقال : إنا أهل بيت إذا
وهبنا شيئا لا نستعيده ، فقبلها . ومنهم العلامة الشيخ إسماعيل بن محمد الإشبيلي في
مناقل الدرر ومناقب الزهر (ق 114 نسخة جستربيتي بإيرلندة) قال : حج هشام بن عبد
الملك في زمان الوليد أو عبد الملك ، فحبط أن يستلم الحجر فلم يقدر - فذكر مثل ما
تقدم . ومنهم العلامة عز الدين محمد بن أبي بكر بن قاضي القضاة عبد العزيز بن محمد
بن . . . . . . إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الحموي الشافعي المعروف بابن جماعة
المتوفى سنة 819 في كتابه المشيخة (ق 128 والنسخة مصورة من مخطوطة مكتبة فيض
الله أفندي في إسلامبول) قال : وقصيدة أبي فراس في زين العابدين علي بن الحسين رضي
الله عنهما التي أولها : هو الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم
وفي سبب إنشائها وما حصل له بعد إنشادها من رواية عبيد الله بن محمد بن عائشة عن
أبيه وغيره بروايتك لذلك عن الشيخين كمال الدين أبي محمد عبد الرحيم بن عبد المحسن
بن حسن بن ضرغام المنشاوي الحنبلي ونور الدين أبي الحسن علي بن محمد بن أحمد بن
منون بن سحنان الصوفي قراءة عليهما وأنت تسمع سنة خمس عشرة وسبعمائة قالا : أنا عبد
الرحمن بن مكي - وساق الإسناد - إلى أن قال : أنا عبيد الله
ص 181
ابن محمد يعني ابن عائشة قال : حدثني أبي وغيره قال : حج هشام بن عبد الملك - فذكر
القصة والأبيات . وتوفي أبو فراس همام بن غالب الفرزدق سنة عشر ومائة . انتهى .
ومنهم العلامة أبو الفرج الإصبهاني في الأغاني (ج 14 ص 173 ط دار الفكر) قال :
وأما الأبيات التي مدح بها الفرزدق علي بن الحسين وخبره فيها : فحدثني بها أحمد بن
محمد بن الجعد ومحمد بن يحيى ، قالا : حدثنا محمد بن زكريا الغلابي ، قال : حدثنا
ابن عائشة ، قال : حج هشام بن عبد الملك في خلافة الوليد أخيه ومعه رؤساء أهل الشام
، فجهد أن يستلم الحجر فلم يقدر من ازدحام الناس - فذكر مثل ما تقدم . ومنهم
العلامة أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوي المشتهر بابن الشيخ في كتاب ألف با (ج
2 ص 300 ط 2 عالم الكتب ، بيروت) قال : حج هشام بن عبد الملك بن خلافة عبد الملك بن
مروان ، فلما طاف بالبيت وأتى الحجر زاحمه الناس - فذكر القصة والقصيدة مثل ما تقدم
. ومنهم جامع ديوان أبي فراس الفرزدق في الديوان المذكور (ص 511 ط دار الكتب
العلمية ، بيروت) قال : حج هشام بن عبد الملك في أيام أبيه طاف بالبيت - فذكر القصة
والقصيدة مثل ما تقدم . ومنهم العلامة الشيخ أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البر
النمري القرطبي المتوفى سنة 463 في كتابه بهجة المجالس وأنس المجالس (ج 1 ص 508
ط مصر) قال :
ص 182
ومن أحسن ما قيل في المدح نظما ، وإن كان الحسن منه كثيرا جدا ، ما ذكره أبو علي
البغدادي رواية عن شيوخه : أن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رآه هشام بن عبد
الملك وهو خليفة في حجة حجها ، وعلي يطوف بالبيت والناس يفرجون له عند الحجر تعظيما
له ، وينظرون إليه مبجلين له ، فغاظ ذلك هشاما ، فقال : من هذا ؟ كأنه لم يعرفه ،
فقال الفرزدق منكرا لقول هشام ومادحا لعلي بن حسين : هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *
والبيت يعرفه والحل والحرم وذكر ثمانية عشر بيتا من القصيدة . ومنهم العلامة صدر
الدين علي بن أبي الفرج بن الحسن البصري في الحماسة البصرية (ص 130 ج 1 ط عالم
الكتب ، بيروت) قال : وقال الفرزدق همام بن غالب في علي بن الحسين بن علي عليهم
السلام : هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم ومنهم الفاضل
المعاصر الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في كتابه العلم والعلماء (ص 254 ط دار
الكتب السلفية بالقاهرة سنة 1403) قال : لقد كان زين العابدين يتمتع بهيبة عظيمة
واحترام كبير بين سائر المسلمين ، وكيف لا ، هو ابن الدوحة النبوية أولا ، وحائز
الكمالات النفسية ثانيا . وها هوا ذا الفرزدق يسجل ما كان عليه علي بن الحسين من
مهابة واحترام في الأبيات التالية : وسبب قوله هذه القصيدة التي امتدح فيها زين
العابدين ما روي من أن هشام بن عبد الملك قد حج وذلك قبل أن يلي الخلافة فأجهد أن
يستلم الحجر فلم يتمكن من ذلك - فذكر القصة والقصيدة كما مر .
ص 183
ومنهم العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن المدني جنون المغربي الفاسي المالكي في
الدرر المكنونة (ص 101 ط فاس) قال : وفي ابن خلكان وغيره : إن للفرزدق مكرمة يرجى
له بها الجنة ، وهي لما حج هشام بن عبد الملك بن مروان جاء ليستلم الحجر الأسود فلم
يصله من شدة الزحام - فذكر القصة والقصيدة بتمامها ، وهي فيه ثلاثون بيتا - إلى أن
قال : وقد روى هذه القصة بتمامها الحافظ أبو نعيم والسلفي وغيرهما ، وذكر أيضا
الكمال الدميري في حياة الحيوان لكن بمخالفة ما في ترتيب الأبيات . ومنهم
الفاضل المعاصر الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري المولود
بها سنة 1296 والمتوفى بها أيضا 1372 في أحسن القصص (ج 4 ص 269 ط دار الكتب
العلمية في بيروت) قال : يحكى أن هشام بن عبد الملك حج في حياة أبيه ، فطاف بالبيت
وجهد أن يستلم الحجر الأسود فلم يصل إليه لكثرة الزحام - فذكر القصة والقصيدة .
ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادرخان الحنفي البريانوي الهندي في تاريخ
الأحمدي (ص 318 ط بيروت) قال : وفي حلية الأولياء لأبي نعيم الحافظ ، ووفيات
الأعيان لابن خلكان ، والصواعق المحرقة للشيخ ابن حجر المكي وغيرها قال : حجر هشام
بن عبد الملك في أيام أبيه - فذكر القصة والقصيدة كما مر . ومنهم العلامة الشيخ
محمد الدياب الاتليدي المصري في كتابه إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني
العباس (ص 33 ط المطبعة الوهبية) قال : وقيل : إنه لما حج هشام في أيام أبيه -
فذكر القصة والقصيدة كما مر .
ص 184
ومنهم العلامة الأديب موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش النحوي المتوفى سنة 643 في
شرح المفصل (ج 2 ص 53 ط إدارة الطباعة المنيرية بمصر) ذكر بيتا من القصيدة فقال :
قال الشاعر : يغضي حياء ويغضى من مهابته * فلا يكلم إلا حين يبتسم ومنهم العلامة
الأديب أبو الفتح عثمان بن جني في المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والايضاح
عنها (ج 1 ص 169 ط القاهرة) قال : هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه
والحل والحرم ومنهم الفاضل المعاصر الهادي حموفي أضواء على الشيعة (ص 124 ط دار
التركي) قال : فقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني : أن هشاما حج في أيام أبيه عبد الملك
وطاف بالبيت وجهد أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه فلم يقدر على ذلك لكثرة الزحام ،
فنصب له كرسي جلس عليه ينظر إلى الناس ، ومعه جماعة من أهل الشام ، فبينما هو كذلك
إذ أقبل زين العابدين وكان من أجمل الناس وجها فطاف بالبيت حتى إذا انتهى إلى الحجر
فسحت له الناس المزدحمة مجال استلامه . فقال رجل من أهل الشام لابن عبد الملك : من
هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة ؟ فقال هشام : لا أعرفه . مخافة أن يرغب أهل الشام
فيه إن هو ذكر اسمه ، وكان الفرزدق حاضرا فقال : أنا أعرفه ، فقال الشامي : ومن هو
يا أبا فراس ؟ فاندفع ينشد ميميته المشهورة : هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت
يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم هذا
ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أولياء الله قد ختموا
ص 185
وليس قولك من هذا بضائره * العرف تعرف من أنكرت والعجم ومنها : إذا رأته قريش قال
قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم ومنها : الله شرفه قدما وعظمه * جرى بذاك له في
لوحه القلم ومنها : إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
ومنها : يستدفع الشر والبلوى بحبهم * ويسترب به الاحسان والنعم ومنهم الفاضل
المعاصر عمر فروخ في تاريخ الأدب العربي (ج 1 ص 662 ط دار العلم للملايين ،
بيروت) قال : حج هشام بن عبد الملك في خلافة الوليد أخيه ومعه رؤساء أهل الشام -
فذكر القصة والقصيدة كما مر . ومنهم الدكتور عبد السلام الترمانيني في أحداث
التاريخ الإسلامي بترتيب السنين (ج 1 ص 632 ط الكويت) قال : وقد مدحه [علي بن
الحسين عليهما السلام] الفرزدق بقصيدته التي يقول فيها - فذكر القصيدة بعضها .
ومنهم جماعة من الفضلاء المعاصرين في قصص العرب (ج 2 ص 260 ط دار الجيل،
بيروت) قالوا : حج هشام بن عبد الملك في خلافة الوليد أخيه - فذكروا القصة وأبياتا
من القصيدة .
ص 186
ومنهم علامة الأدب أبو محمد عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري
المصري المتوفى سنة 761 في مغني اللبيب (ج 1 ص 320 ط مطبعة المدني ، القاهرة)
قال : يغضي حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم ومنهم الفاضل المعاصر
الأستاذ أحمد أبو كف في كتاب آل بيت النبي في مصر (ص 64 ط دار المعارف ،
القاهرة) قال : ومما يذكره التاريخ عن علي زين العابدين أنه لما حج هشام بن عبد
الملك أيام أبيه وطاف بالبيت العتيق ، تعذر عليه أن يلمس الحجر الأسود أو يصل إليه
لكثرة الناس حوله فوضع له كرسي ليعتليه حتى يصل إلى الحجر ، وجعل ينظر إلى الناس
لعل أحدهم يعرفه ويفسح له الطريق ، لكن الناس تغاضت عنه كأنهم لا يعرفونه ، رغم أنه
كان معه من أعيان أهل الشام الكثير . وفيما هو كذلك إذ أقبل على الحجر علي زين
العابدين ، وكان يطوف بالبيت وحين وصل إليه أفسح الناس له الطريق حتى استلم الحجر .
وهنا سأل رجل ممن كانوا مع هشام بن عبد الملك : من هذا الذي ترمقه أعين الناس
بالاجلال ، حتى أفسحوا له المكان ؟ فأنكر هشام معرفته . وكان الفرزدق الشاعر يسمع
قولة هشام ، فقال : أنا أعرفه . وسأل الرجل الشامي الشاعر الفرزدق : من هو يا أبا
فراس ؟ وهنا يقول الفرزدق قصيدته المشهورة ، الموجودة بكاملها على باب ضريح سيدي
زين العابدين ، والتي مطلعها : هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل
والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم
ص 187
إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم ويضيف الفرزدق قائلا : هذا
ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا إلى أن يختم قصيدته ، فيقول
أبو فراس : إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هموا فلما
سمع هشام هذه القصيدة غضب ، وسجن الفرزدق . وحين بلغ الأمر إلى علي زين العابدين
بعث إلى الفرزدق بأربعة آلاف درهم . لكن الفرزدق ردها ، قائلا : إنما مدحتك بما أنت
أهل له . فردها إليه زين العابدين ثانية قائلا : خذها وتعاون بها على دهرك ، فإننا
آل البيت إذا وهبنا شيئا لا نستعيده . عند ذلك قبل الفرزدق الدراهم . ومنهم الدكتور
عبد المعطي أمين قلعجي في ذيل تاريخ أسماء الثقات (ص 206 ط بيروت) قال : قصيدة
الفرزدق - وهي سماعنا - أن هشام بن عبد الملك حج - فذكر القصة والقصيدة كما مر .
ومنهم الفاضل المعاصر المستشار عبد الحليم الجندي في تعليقه على كتابه الإمام
جعفر الصادق (ص 139 ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، القاهرة) قال : حج هشام
بن عبد الملك في خلافة أبيه ، فرأى رجلا ينجفل الناس إليه ، ويفسحون في الطواف له ،
في حين لا يحفل الناس بابن الخليفة ، فسأل : من هذا ؟ وسمع الفرزدق السؤال فأنشد
ميميته الطويلة المشهورة في الأدب العربي ومما جاء فيها : هذا ابن خير عباد الله
كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم فذكر عشرة أبيات من القصيدة - إلى أن قال :
ص 188
وغضب هشام وأرسل زين العابدين للفرزدق أربعة آلاف درهم ، ردها الفرزدق قائلا : إنما
مدحتك بما أنت أهله ، وردها الإمام قائلا : إنا أهل بيت إذا وهبنا شيئا لا نستعيده
.
ص 189
حضوره عليه السلام (في مجلس ابن زياد ويزيد)

ذكره جماعة من مؤرخي العامة ومحدثيهم
في كتبهم : فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711
في مختصر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (ج 17 ص 231 ط دار الفكر) قال : وحدث
محمد بن القاسم الثقفي عن أبيه : أنه حضر عبيد الله بن زياد حين أتي برأس الحسين ،
فجعل ينكت بقضيب ثناياه ويقول : إن كان لحسن الثغر ، فقال له زيد ابن أرقم : ارفع
قضيبك ، وطالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم موضعه ، فقال : إنك شيخ قد
خرفت ، فقام زيد يجر ثوبه . ثم عرضوا عليه ، فأمر بضرب عنق علي بن الحسين ، فقال له
علي : إن كان بينك وبين هؤلاء النساء رحم فأرسل معهن من يؤديهن ، فقال : تؤديهن أنت
، وكأنه استحيى ، وصرف الله عن علي بن الحسين القتل . قال القاسم محمد : ما رأيت
منظرا قط أفظع من إلقاء رأس الحسين بين يديه وهو ينكته . قال علي بن الحسين : لما
قال عمر بن سعد : لا تعرضوا لهذا المريض غنمني رجل منهم ، وأكرم نزلي ، واختصني ،
وجعل يبكي كلما دخل وخرج حتى قلت : إن يكن عند أحد خير فعند هذا ، إلى أن نادى
منادي ابن زياد : ألا من وجد علي بن الحسين
ص 190
فليأت به، فقد جعلنا فيه ثلاث مائة درهم . فدخل علي وهو يبكي ، وجعل يربط يدي إلى
عنقي، وهو يقول : أخاف . فأخرجني إليهم مربوطا حتى دفعني إليهم [فأخذ] ثلاث مائة
درهم وأنا أنظر. فأدخلت على ابن زياد، فقال: ما اسمك ؟ فقلت: علي بن حسين. قال: أولم يقتل الله عليا ؟ قال : قلت: كان أخي أكبر مني يقال له علي، قتله الناس،
قال: بل الله قتله، قلت: (الله يتوفى الأنفس حين موتها) فأمر بقتله، فصاحت زينب
بنت علي: يا بن زياد حسبك من دمائنا، أسألك بالله إن قتلته إلا قتلتني معه،
فتركه. فلما صار إلى يزيد بن معاوية قام رجل من أهل الشام فقال : إن سباءهم لنا
حلال ، فقال علي بن حسين : كذبت ، ما ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا . فأطرق يزيد
مليا ، ثم قال لعلي بن حسين : إن أحببت أن تقيم عندنا فنصل رحمك فعلت ، وإن أحببت
وصلتك ورددتك إلى بلدك ، قال : بل تردني إلى المدينة ، فرده ووصله . قال نصر بن أوس
: دخلت على علي بن حسين ، فقال : ممن أنت ؟ قلت : من طيئ ، قال : حياك الله ، وحيا
قوما اعتزيت إليهم ، نعم الحي حيك . قال : قلت : من أنت ؟ قال : أنا علي بن الحسين
، قلت : أو لم يقتل مع أبيه ؟ قال : لو قتل - يا بني - لم تره . ومنهم الفاضل
المعاصر فؤاد شاكر في مشاهد وألوان من مواقف الرجال والنساء (ص 200 ط مكتبة
التراث الإسلامي ، القاهرة) قال : ونظر عبيد الله إلى علي بن الحسين - وكان صبيا
مريضا - وقال له: ما اسمك - فذكر مثل ما تقدم باختلاف قليل في اللفظ. ومنهم
الفاضل المعاصر محمد رضا أمين مكتبة جامعة فؤاد الأول سابقا في كتابه الحسن
والحسين سبطا رسول الله (ص 133 ط دار الكتب العلمية ، بيروت) قال:
ص 191
عرض علي بن الحسين بعد أن قتل أبوه على عبيد الله بن زياد . فقال له : ما اسمك ؟
قال : نا علي بن الحسين ، فقال : أو لم يقتل الله علي بن الحسين ؟ فسكت - فذكر مثل
ما تقدم باختلاف قليل في اللفظ . وقال أيضا في ص 137 : أرسل عمر بن سعد قائد الجيش
الذي حارب الحسين نساء الحسين وعياله إلى عبيد الله ، ولم يكن بقي من أهل بيته رضي
الله عنه إلا غلام كان مريضا مع النساء ، فأمر به عبيد الله ليقتل ، فطرحت زينب أخت
الحسين نفسها عليه وقالت : والله لا يقتل حتى تقتلوني ، فتركه . فجهزهم عبيد الله
وحملهم إلى يزيد ، فلما قدموا عليه ، جمع من كان بحضرته من أهل الشام ثم أدخلوهم
فهنأوه بالفتح . ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد جميل غازي في استشهاد الحسين
عليه السلام (ص 113 ط مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر) قال : وقال أبو مخنف
عن المجالد عن سعيد : إن ابن زياد لما نظر إلى علي بن الحسين زين العابدين قال
لشرطي : انظر أأدرك هذا الغلام ، فإن كان أدرك فانطلقوا فاضربوا عنقه ؟ فكشف إزاره
عنه فقال : نعم ، فقال : اذهب به فاضرب عنقه ، فقال له علي بن الحسين : إن كان بينك
وبين هؤلاء النسوة قرابة فابعث معهن رجلا يحافظ عليهن ، فقال ابن زياد : تعال أنت ،
فبعثه معهن . قال أبو مخنف : وأما سليمان بن أبي راشد فحدثني عن حميد بن مسلم قال :
إني لقائم عند ابن زياد حين عرض عليه علي بن الحسين . فقال له : ما اسمك ؟ قال :
أنا علي بن الحسين . قال : أو لم يقتل الله علي بن الحسين ؟ فسكت . فقال له ابن
زياد : ما لك لا تتكلم ؟ قال : كان لي أخ يقال له علي أيضا قتله الناس . قال : إن
الله قتله . فسكت . فقال : ما لك لا تتكلم ؟ فقال : (الله يتوفى الأنفس
ص 192
حين موتها) ، (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله) . قال : أنت والله منهم . ويحك
انظروا هذا أدرك ، والله إني لأحسبه رجلا . فكشف عنه مرى بن معاذ الأحمري ، فقال :
نعم قد أدرك . فقال : اقتله . فقال علي بن الحسين : من يوكل بهذه النسوة ؟ وتعلقت
به زينب عمته ، فقالت : يا بن زياد حسبك منا ما فعلت بنا ، أما رويت من دمائنا ؟
وهل أبقيت منا أحدا ؟ قال : واعتنقته وقالت : أسألك بالله إن كنت مؤمنا إن قتلته
لما قتلتني معه ، وناداه علي فقال : يا بن زياد ! إن كان بينك وبينهن قرابة فابعث
معهن رجلا يصحبهن بصحبة الإسلام . قال : فنظر إليهن ساعة ، ثم نظر إلى القوم فقال :
عجبا للرحم ، والله إني لأظن أنها ودت لو أني قتلته أقتلها معه ، دعوا الغلام ،
انطلق مع نسائك . وقال الفاضل المعاصر المستشار عبد الحليم الجندي في الإمام جعفر
الصادق (ص 134 ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، القاهرة) قال : تعاظم بيت زين
العابدين في عدد أفراده يوما بعد يوم ، وقدم السجاد لنا ابنه الباقر ، ثم قدم
الباقر ابنه الصادق . فكانوا مثلا عليا في العزوف عن السلطة والانصراف إلى تعليم
الناس العلم الصحيح والعمل الصالح والأسوة الحسنة . روى عن جابر بن عبد الله وابن
عمر إلى جوار روايته علم أهل البيت وحديثهم عن أبيه الحسين وأم المؤمنين أم سلمة .
وسمع ابن عباس . ليروي عنه فيما بعد ابناه عبد الله والباقر وخلق كثير . ورأى بعيني
المريض العاجز عن الاستشهاد ، مصاير أبيه العظيم ، وإخوته وأعمامه وأولادهم يوم
كربلاء . وتجلت فيه الفضائل المنبثقة من الورع والرحمة : يصلي لله في اليوم والليلة
ألف ركعة ، ولهذا سمي السجاد . إذا توضأ اصفر لونه وإذا قام أرعد من الفرق .
ولما سألوه قال : أتدرون من أريد أن أقف بين يديه ومن أناجي ؟ ومع تألق عبد الله بن
جعفر بالمدينة ، وهو الصحابي الذي يحرص الخلفاء في
ص 193
دمشق على مرضاته ، وتفريق عبد الله عطاءه الجزل في فقراء المدينة ، واستشهاد ابنين
له يوم الحرة ، وثالث في كربلاء ، ومع أنه زوج زينب بنت علي ، عمة زين العابدين ،
مع هذا كله كان زين العابدين يحتل مكانه في الصدارة ، ويحمل وصفه بجدارة . وفي ذلك
نص يروى عن مالك بن أنس قال : سمي زين العابدين لعبادته . علمته المحنة والورع
الحكمة وحسن الخطاب ، فكان في باكورة حياته على علم عظيم . قال له يزيد يوم أدخل
عليه مريضا مع نساء أهل البيت الناجيات من كربلاء : أبوك الذي قطع رحمي وجهل حقي
ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت . قال زين العابدين : (ما أصاب من مصيبة في
الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) . قال يزيد : (وما أصابكم من
مصيبة فبما كسبت أيديكم) . قال زين العابدين : هذا في حق من ظلم لا من ظلم . تتابع
على الكذب ولاة الشام والأمصار من عهد معاوية يشتمون عليا بأمر بني أمية ، فكان
يبقى من كذبهم شيء في عقول العامة ، أو الصبية الذين لا يعلمون . كان عبيد الله بن
مسعود من فقهاء المدينة السبعة . وكان معلم عمر بن عبد العزيز وهو صبي أودعه أبوه
أخواله - بني عدي قوم عمر بن الخطاب - بالمدينة . فسمع يوما شتم علي . فقال لعمر :
يا بني متى علمت أن الله غضب على أهل بدر ؟ قال الصبي : وهل كان علي في بدر ؟ قال
عبيد الله : وهل كانت بدر كلها إلا لعلي ! فلما ولى عمر الخلافة أبطل شتم أهل البيت
. ورد إليهم حقوقهم . وقال رجل من أنصار الأمويين بالشام : دخلت المدينة فرأيت رجلا
راكبا على بغلة لم أر أحسن وجها ولا ثوبا ولا سمتا ولا دابة منه . فسألت ، فقيل :
هذا علي بن الحسين ابن علي . فأتيته - وقد امتلأ قلبي له بغضا - فقلت له : أنت ابن
علي بن أبي طالب ؟ قال : أنا ابن ابنه . فقلت : بك وبأبيك أسب عليا ز فلما انقضى
كلامي قال : أحسبك غريبا ؟ مل بنا إلى الدار فإن احتجت منزلا أنزلناك . أو إلى مال
واسيناك . أو إلى حاجة عاوناك على
ص 194
قضائها . فانصرفت من عنده ، وما على الأرض أحد أحب إلي منه . ويروى أنه احترق البيت
الذي هو فيه وهو قائم يصلي . فلما انصرف من الصلاة قيل له : ما بالك لم تنصرف حين
اشتعلت النار ؟ قال : اشتغلت عن هذه النار بالنار الأخرى . وأنه لما حج وأراد أن
يلبي أرعد واصفر وخر مغشيا عليه . فلما أفاق سئل فقال : إني لأخشى أن أقول لبيك
اللهم لبيك . فيقول : لا لبيك ولا سعديك - فشجعوه حتى لبى . فغشى عليه حتى خر عن
راحلته . . وكان يرحل من المدينة إلى مكة فلا يقرع راحلته مرة واحدة . يقول الأصمعي
: لم يكن للحسين رضي الله عنه عقب إلا من ابنه زين العابدين ، ولم يكن لزين
العابدين نسل إلا من ابنة عمه الحسن ، فجميع الحسينيين من نسله . أما أكبر صدقته
فبالليل ، يقول : صدقة الليل تطفئ غضب الرب . إلى أن قال : فإذا جلس زين العابدين
في المسجد جلس بين القبر والمنبر ، وانعقدت حلقة كحلقة أبيه في روضة كرياض الجنة ،
يقول عنها القائل : إذا دخلت مسجد رسول الله فرأيت حلقة كأن على رؤسهم الطير فتلك
حلقة أبي عبد الله مؤتزرا إلى أنصاف ساقيه . ولقد يتحدث مع سليمان بن يسار مولى أم
المؤمنين ميمونة إلى ارتفاع الضحى . فإذا أراد أن يقوما قرأ عليهما عبد الله بن أبي
سلمة سورة ، فإذا فرغ عبد الله من التلاوة دعوا الله سبحانه . ولقد يدخل ابن شهاب
الزهري وصحبه فيسأله : فيم كنتم ؟ فيجيبه : إنهم كانوا يتذاكرون الصوم وأنهم لم
يروه واجبا إلا في رمضان ، فيقول السجاد : الصوم على أربعين وجها . ثم يشرحها له
وجها وجها . فمنها ما يجب . ومنها ما هو بالخيار أو الإباحة . الخ . وفي علمه يقول
محمد بن سعد صاحب الطبقات : كان زين العابدين ثقة مأمونا
ص 195
كثير الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عالما ، ولم يكن من أهل البيت مثله
. ويقول الزهري : ما رأيت أفقه من زين العابدين لولا أنه قليل الحديث . وهذه
الشهادة بالفقه من شيخ مالك بن أنس تعلن رأي جيل التابعين . بل إن الزهري يعلن
مكانة زين العابدين بين كل الأحياء بقوله : ما رأيت قرشيا أفضل منه ، قصد إليه يوما
ونفسه تكاد تبسل من ذنب ألم به ، فرده الإمام إلى صميم الإسلام قال : قنوطك من رحمة
الله التي وسعت كل شيء أعظم من ذنبك . والشافعي الذي يقول في ابن شهاب الزهري :
لولا الزهري لذهبت السنن من المدينة ، يضع زين العابدين في أعلى مكان ، فيعده أعلم
أهل المدينة . كان كثير البكاء من يوم كربلاء ، فقيل له في ذلك فقال : إن يعقوب
عليه السلام بكى حتى ابيضت عيناه من الحزن على يوسف - ولم يتحقق موت يوسف - وقد
رأيت بضعة عشر رجلا من أهلي يذبحون في غداة واحدة . وربما فسر لنا هذا المقال بعض
أسباب انصرافه إلى تعليم المسلمين دينهم ، لصلاح دنياهم ، وإجماع المسلمين على
إجلاله . وقال الفاضل المعاصر الأستاذ أحمد أبو كف في كتاب آل بيت النبي في مصر
(ص 59 ط دار المعارف ، القاهرة) قال : لو لم يكن علي زين العابدين مريضا في يوم
كربلاء وما حدث من مذبحة شنيعة لرجال آل البيت ، بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
، لتوقف أو انقطع نسل النبوة ، من صلب الحسين بن علي بن أبي طالب . لكن الله كان
رؤوفا بآل البيت رسوله . كان زين العابدين وهي الصفة التي لصقت بعلي بن الحسين هو
الوحيد من الذكور الذي لم تمسسه سيوف وحقد بني أمية في كربلاء ، كي يصبح زهرة آل
البيت الوحيدة التي ترعرعت ونمت ، ولتتصل عترة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولتصبح
هذه
ص 196
الزهرة بمثابة الجد التاريخي لكل ولي من أولياء الله من بيت النبوة . فعند مذبحة
كربلاء قطع نسل الرسول باستشهاد سيد شهداء أهل الجنة الحسين بن علي وفرعه ، ووصل
باستمرار حياة ابنه علي زين العابدين ، زين شباب أهل الجنة وأفضل القرشيين - كما
قيل - بعد هذا الحادث الجلل . شاءت عناية الله ، أن يكون علي بن الحسين حاضرا في
كربلاء ، كما شاءت الأقدار أن تنقذ حياته بأعجوبة لتستمر السلالة الطاهرة للرسول من
نسل الحسين فحسب القارئ الكريم أن يعرف ، أنه لا يوجد من ينتسب إلى الإمام الحسين ،
سبط الرسول ، إلا وكان من أبناء أو أحفاد علي زين العابدين . كان علي مريضا في
فراشه داخل مخيم المؤمنين الذين ذهبوا إلى كربلاء ولم يستطع أن يقوم ويمسك السيف ،
بينما النصال تصطدم بالنصال والدماء الزكية تسيل كالأنهار حارة بعد استشهاد كل
الرجال مع الحسين من أهل بيته وذويه ومن الصحابة والتابعين . وحين تنتهي المعركة ،
يساق آل البيت إلى ابن زياد وإلى الكوفة في ركب تتقدمه السبايا والرؤوس المقطعة ،
في نحو أربعين جملا وكان زين العابدين على جمل بغير وطاء ضعيفا مريضا حزينا يأسى ،
وأثناء سير الركب قال : يا أمة السوء لا سعيا لربعكم * يا أمة لم تراعي أحمدا فينا
سيرونا على الأقتاب عالية * كأننا لم نشيد فيكم دينا وهنا تحبس الأنفاس حين يتفحص
والي الأمويين الأسرى ، ويرى صبيا وحيدا معهم خشي أن يكون مع الأيام شوكة في حلق
الأمويين . فيلتفت إلى الشاب الذي كان لا يزال مجهدا بفعل المرض ، ويسأله : ما اسمك
؟ ويرد الشاب : علي بن الحسين . فيقول ابن زياد : أو لم يقتل الله عليا بن الحسين ؟
وهنا يصمت الشاب ولم يجب .
ص 197
فيصيح فيه ابن زياد : ما لك لا تتكلم ؟ ويجيب علي بن الحسين ، بعد أن كرر عليه ابن
زياد السؤال : كان لي أخ يسمى عليا قتله الناس بأسيافهم . فيقول ابن زياد : بل الله
قتله . ويجيب علي زين العابدين : (الله يتوفى الأنفس حين موتها وما كان لنفس أن
تموت إلا بإذن الله) . ويغضب الوالي الأموي ويصيح مهددا : أوبك جرأة على جوابي ،
وفيك بقية للرد ؟ والله إنك منهم . أيها القوم اكشفوا عنه ، فإن كان قد بلغ مبلغ
الشباب فاقتلوه . ويكشف عليه مرى بن معاذ الأحمري ، ويقول : نعم ، لقد بلغ مبالغ
الشباب . ويستعد الجند لضرب علي بن الحسين . ويقول ابن مرجانة : اقتلوه . ويقول زين
العابدين : من يوكل بهذه النسوة . لكن عمته السيدة زينب - بطلة كربلاء - تندفع بقوة
إيمانها وثبات يقينها فتحتضن ابن أخيها ، وتقول لابن زياد : حسبك يا بن زياد ما
رويت من دمائنا . وهل أبقيت أحدا غير هذا ؟ والله لا أفارقه ، فإن قتلته فاقتلني
معه . ويسرع علي زين العابدين ، ويقول هو الآخر بشجاعة آل بيت النبوة : أبالقتل
تهددني يا بن زياد ، أما علمت أن القتل لنا عادة ، وكرامتنا الشهادة ؟ وينكس والي
الكوفي رأسه طويلا ، ربما من خجله ثم يقول ، موجها الحديث إلى السيدة زينب : عجبا
لصلة الرحم . والله إني أظنها ودت لو أني قتلتها معه . دعوه ينطلق مع نسائه ، فإني
أراه لما به مشغولا .
ص 198
ثم يصيح في زبانيته : دعوا الغلام . وقبل هذا الموقف ، كان هناك موقف آخر مع آل
البيت عقب كربلاء مباشرة ففي كربلاء وبعد استشهاد الإمام الحسين ، تنبه جند يزيد
إلى وجود زين العابدين علي بن الحسين ، وكان صبيا مريضا ، فأراد شمر بن ذي الجوشن
أن يقتله ، فقال له حميد ابن مسلم : سبحان الله ، أتقتل الصبيان ؟ فجاء عمر بن سعد
وقال : لا يدخلن بيت النسوة أحد ، ولا يتعرض لهذا الغلام المريض أحد . وكان جند ابن
زياد قد اقتحموا فسطاط نساء آل البيت ، واعملوا فيه سلبا ونهبا ، وبعد ذلك ساقوا
الأسرى ، وكان منهم ولدان للإمام الحسن ، استصغر الجند شأنهما وسنهما فتركوهما ،
كما كان فيهم كذلك زين العابدين علي بن الحسين ، وكان مريضا في حجر عمته العقيلة
زينب . كان علي زين العابدين من الذين استقطبوا أهم الأدوار خلال مأساة كربلاء وفي
أعقابها . وربما هذا هو الذي دفع بالدكتورة بنت الشاطئ أن تقول عن السيدة زينب :
أرى أن دور السيدة زينب الحقيقي قد بدأ بعد المأساة . . إذا كان عليها أن تحمى
السبايا ، وأن تناضل مستميتة عن غلام مريض هو علي بن الحسين ، ولولاها لذبح . وحين
جاءت السبايا من آل بيت النبي إلى يزيد بن معاوية في دمشق ، أدخل زين العابدين على
يزيد وهو مغلول الأيدي ، فقال ليزيد : لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
مغلولين لفك عنا . قال يزيد : صدقت . وأمر بفك غله . فقال علي :
ص 199
ولو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعداء ، لأحب أن يقربنا فأمر يزيد منه ،
وقال : إيه يا علي بن الحسين ، أبوك الذي قطع رحمي ، وجهل حقي ونازعني سلطاني فصنع
الله به ما رأيت . فقال علي : (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في
كتاب من قبل أن نبرأها ، إذ ذلك على الله يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا
تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور) . فقال يزيد : (وما أصابكم من مصيبة
فبما كسبت أيديكم) . فقال علي : هذا في حق من ظلم - بفتح الظاء واللام - ولا من ظلم
- بضم الظاء وكسر اللام . لكن من هو علي زين العابدين ، الذي يحمل اسمه حي بأكمله
بالقاهرة ويلتف الناس حول مشهده - ولا أقول مسجده - الذي يقع بفراقة زين العابدين ،
وتحوطه المشاهد والمقابر ، يتعثر معها الطريق حتى تصل إليه ! في البداية نقول : إذا
كان الحسين بن علي والسيدة زينب من أسباط وعترة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن
علي زين العابدين بن الحسين من أعمدة آل البيت . ربما من الجيل الثالث المزهر
فأختاه هما السيدتان سكينة وفاطمة النبوية . وهو عم سيدي حسن الأنور ، وجد السيدتين
نفيسة وعائشة ومن أبنائه سيدي زيد الذي يقال إنه مدفون معه في قبره أو قبر ابنه
سيدي حسن الأنور ، وهو إمام الزيدية في اليمن . وقد اختار جده الإمام علي بن أبي
طالب أن يسميه باسمه . . ويقال إنه حين ولد فرح به وتهلل ، وأذن في أذنه ، كما أذن
الرسول في أذن أبيه الحسين حين ولادته . وأم علي زين العابدين ، هي سلافة بنت
يزدجرد (آخر ملوك فارس ، وكانت قد أسرت هي وأختان لها في غزوة للجيش الإسلامي في
عهد عمر بن الخطاب ، وحين زوجها علي بن أبي طالب للإمام الحسين قال له : خذها ،
فستلد لك سيدا في العرب ،
ص 200
وسيدا في العجم ، سيدا في الدنيا والآخرة . وقد نشأ علي زين العابدين في بيت جدته
فاطمة الزهراء ، ونال من رعاية جده الإمام علي له ، وعطفه عليه ، وتعلقه واهتمامه
به نصيبا كبيرا ، فقد كان كرم الله وجهه حريصا على أن يرى سلسلة نسبه متصلة ونسله
مستمرا . ولهذا لم يكن يسمح لبنيه بخوض المعارك الضارية للقتال ، وقال لأصحابه :
املكوا عني هذا الغلام لا يهدني فإني أنفس معه . وفي معركة صفين لم يسمح الإمام علي
لابنه الحسين بالاندفاع به نحو الموت لئلا ينقطع نسل الرسول صلى الله عليه وسلم .
ولم يكد يبلغ سيدي علي زين العابدين ، الرابعة من عمره ، حتى تعهده أبوه الحسين
وعمه الحسن ، يحفظانه من القرآن الكريم والحديث الشريف . ما يستطيع أن ينطق به لسان
ابن الرابعة ، ولما توفي عمه ، استمر أبوه يحفظه القرآن حتى أتم حفظه في سن مبكرة
فقد كان علي زين العابدين سريع الحفظ قوي الحافظة . وقد أضاف إلى القرآن والحديث ،
علوم الفقه والدين برعاية خلاصة بيت النبوة ، حتى ضرب بعلمه وفقهه المثل . فقد قال
عنه علي بن سعيد : إنه أفضل هاشمي فقها وورعا . ولما بلغ السابعة عشرة من عمره ،
تزوج من فاطمة بنت عمه الحسن بن علي بن أبي طالب . وهي التي أنجبت له من الذكورة
السادة : زيد والحسن والحسين الأصغر وعبد الرحمن وسليمان وعلي ومحمد الباقر وعبد
الله الباهر ، ومن الإناث السيدات : خديجة وفاطمة وعلية وأم كلثوم . ومما يذكره
التاريخ عن علي زين العابدين أنه لما حج هشام بن عبد الملك أيام أبيه وطاف بالبيت
العتيق ، تعذر عليه أن يلمس الحجر الأسود أو يصل إليه لكثرة الناس حوله فوضع له
كرسي ليعتليه حتى يصل إلى الحجر ، وجعل ينظر إلى الناس لعل أحدهم يعرفه ويفسح له
الطريق ، لكن الناس تغاضت عنه كأنهم لا يعرفونه ، رغم أنه كان معه من أعيان أهل
الشام الكثير .
|