الصفحة السابقة

شرح إحقاق الحق (ج31)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 551

إليه الحجاج وقال : ما لي أراك ساكتا يا أبا سعيد ؟ فقال الحسن رضي الله عنه : وما عسيت أن أقول ؟ قال الحجاج : أخبرني برأيك في أبي تراب علي بن أبي طالب . فقال الحسن : قرأت كتاب الله تعالى فوجدت فيه قوله سبحانه : (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول من ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) وعلي ممن هدى الله وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته وأحب الناس إليه ، وصاحب سوابق مباركات سبقت له من الله تعالى ، فوالله لا أجد في علي أعدل من هذا . ومنهم العلامة الشيخ محمد علي الصابوني الأستاذ بكلية الشريعة في مكة المكرمة في التبيان في علوم القرآن (ص 84 ط عالم الكتب - بيروت) قال عند الذكر الحسن البصري : وكان يحدث بالأحاديث النبوية فإذا حدث عن علي بن أبي طاب لم يذكره خشية من بطش الحجاج ، قال يونس بن عبيد : سألت الحسن قلت : يا أبا سعيد ، إنك تقول قال رسول الله وإنك لم تدركه ؟ قال : يا ابن أخي لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك ، ولولا منزلتك مني ما أخبرتك ، إني في زمان كما ترى - وكان في عمل الحجاج - كل شيء سمعتني أقول قال رسول الله فهو عن علي بن أبي طالب ، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليا .

ابن السكيت دافع عن علي والحسن والحسين عليهم السلام عند المتوكل فقتله بذلك

ذكره جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

ص 552

فمنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في تحذير العبقري من محاضرات الخضري (ج 1 ص 42 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال : وابن السكيت النحوي دافع عن علي وولديه الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم عند المتوكل العباسي فقتله بسبب ذلك ظلما ، ومدافعتهم التي سنوها لنا ومدافعة غيرهم ممن جاء بعدهم من العلماء إنما هي مأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم .

كلام عكرمة كان علي عليه السلام أعلم بالمهيمنات

ذكره جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم العلامة أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي المتوفى سنة 388 في غريب الحديث (ج 2 ص 201 ط دار الفكر - دمشق) قال : وقال أبو سليمان في حديث علي : إن عكرمة قال : كان ابن عباس أعلم بالقرآن ، وكان علي أعلم بالمهيمنات . من حديث إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، نا وهب بن جرير ، نا أبي ، عن أيوب ، أو الزبير بن خريت ، عن عكرمة ، هكذا أثبت لي عن محمد بن إسحاق الثقفي ، عن إسحاق . وقال بعض رواة هذا الكلام : المهيمنات : القضايا . قال بعض أهل اللغة : الهيمنة : القيام على الشيء والرعاية له ، وأنشد : ألا إن خير الناس بعد نبيه * مهيمنه التاليه في العرف والنكر

ص 553

يريد القائم على الناس بعده بالرعاية لهم ، واحتج بقول الله تعالى (ومهيمنا عليه) قال : معناه قائما عليه ، وقال الأكثرون من أهل التفسير : شاهدا عليه . قال أبو سليمان : فقد يحتمل أن يكون إنما أراد بها القضايا ، على معنى أن القضاء مما يتولى القيام به الولاة ، أو لأنه مما قد تدخله الشهادات ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أقضاكم علي . قالوا : ولم يأت مفيعل في غير التصغير إلا في ثلاثة أحرف : مسيطر ومبيطر ومهيمن . قال أبو سليمان : وقد ذاكرت بهذا الحيث بعض أهل اللغة ، فقال : إنما هي المهيمات ، أي المسائل الدقيقة التي تهيم الانسان وتحيره . يقال : هام الرجل ، إذا تحير ، وهيمه الأمر ، إذا حيره . وقال أبو مالك : يقال : هيم الرجل ، إذا جعل يهذي بالشئ يتذكره ، قال الأخطل : هيم لنفسك يا جميع ولا تكن * لبني قريبة والبطون تهميم إلى أن قال : قال أبو سليمان : ولست أبعد أن يكون الصحيح : المبهمات . وإنما تابعت الرواية .

مستدرك كلام أحمد بن حنبل وولده عبد الله في علي عليه السلام

ما جاء لأحد من الصحابة من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب عليه السلام قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 4 ص 388 وج 5 ص 122 وج 15 ص 694 ومواضع أخرى ، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم ننقل عنها فيما

ص 554

سبق : فمنهم الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري الدمشقي الشيرازي الشافعي في أسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب (ص 19 ط بيروت) قال : أخبرنا جماعة شيوخنا الثقات منهم القاضي عز الدين أبو عبد الله محمد بن موسى ابن سليمان الأنصاري رحمه الله - فيما شافهنا به بدار الحديث الأشرفية داخل دمشق المحروسة ، عن الشيخ الإمام أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي قال : أخبرنا الإمام أبو الفتوح أسعد بن محمد العجلي في كتابه ، أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن محمد الحافظ ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله الشيرازي ، أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا الحسن علي بن الحسن الجراحي يقول : سمعت أبا حامد محمد بن هارون الحضرمي يقول : سمعت محمد بن منصور الطوسي يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه . ومنهم العلامة المفسر أبو إسحاق أحمد بن محمد النيشابوري الثعلبي في الكشف والبيان في تفسير القرآن (ج 1 ق 167 والنسخة مصورة من مكتبة جستربيتي بإيرلندة) قال : سمعت أبا منصور . . . سمعت محمد بن عبد الله الحافظ سمعت أبا الحسن علي ابن الحسن يقول : ما جاء في أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب عليه السلام . ومنهم الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي في تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام (ج 3 ص 638) قال :

ص 555

وقال محمد بن منصور الطوسي : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما ورد لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما ورد لعلي . ومنهم الفاضل المستشار عبد الحليم الجندي في الإمام جعفر الصادق عليه السلام (ص 204 ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية) قال : والإمام أحمد يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله من الفضائل ما جاء لعلي . ومنهم الشريف علي فكري الحسيني القاهري أحسن القصص (ج 3 ص 212 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال : قال الإمام أحمد بن حنبل : ما ورد لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث ما تقدم . ثم قال : أخرجه الحاكم . ومنهم الحافظ أبو العلي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري الهندي المتوفى سنة 1153 في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (ج 10 ص 209 ط دار الفكر في بيروت) قال : قال أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري : لم يرد في حق أحمد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر ما جاء في علي . ومنهم الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد البكري الحنبلي الشهير بابن الجوزي المتوفى سنة 597 في كتابه تبصرة المبتدي (ص 196 والنسخة مصورة من مكتبة جستربيتي) قال : فكان أحمد بن حنبل يقول : إن عليا ما زانته الخلافة ولكن هو زانها ، شعر : ما زانه الملك إذ حواه * بل كل شيء به يزان

ص 556

جرى فئات الملوك شقا * فليس قدامه عنان نالت يداه دري معال * يعجر عن مثلها العنان منهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في كتابه أئمة الفقه التسعة (ج 2 ص 28 الهيئة المصرية العامة للكتاب) قال : لا حظ أن بعض الفقهاء يفضلون العباس على الإمام علي بن أبي طالب ، نفاقا للخلفاء والأمراء من بني عباس . . وسمع أحمد بن حنبل هذا الفقيه يذكر الإمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه بما لا ينبغي ، ويشكك في حقه في الخلافة ، فانبرى أحمد يقول للفقيه على مشهد من الناس : من لم يثبت الإمامة لعلي فهو أضل من حمار . . ! سبحان الله ! . . أكان علي كرم الله وجهه يقيم الحدود ويأخذ الصدقة ويقسمها بلا حق رجب له ! ؟ أعوذ بالله من هذه المقالة . . بل هو خليفة رضيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه ، وسلم ، صلوا خلفه ، وغزوا معه ، وجاهدوا ، وحجوا ، وكانوا يسمونه أمير المؤمنين راضين بذلك غير منكرين ، فنحن له تبع ، ثم قال : ما لأحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثل ما لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه . ومنهم علامة التاريخ الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي - ابن عساكر في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب - من تاريخ دمشق (ج 3 ص 114 ط دار التعارف للمطبوعات - بيروت) قال : أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، أنبأنا وأبو منصور بن زريق ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا علي بن محمد القرشي ، أنبأنا أبو عمرو الزاهد محمد بن عبد الواحد ، أخبرني السياري ، أخبرني أبو العباس بن مسروق الطوسي ، أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : كنت بين يدي أبي جالسا ذات يوم فجاءت طائفة

ص 557

من الكرخيين فذكروا [ظ] خلافة أبي بكر ، وخلافة عمر بن الخطاب ، وخلافة عثمان بن عفان فأكثروا ، وذكروا خلافة علي بن أبي طالب وزادوا فأطالوا ، فرفع أبي رأسه إليهم فقال : يا هؤلاء قد أكثرتم في علي والخلافة ، والخلافة وعلي ، إن الخلافة لم تزين عليا بل علي زينها . قال السياري : فحدثت بهذا بعض الشيعة ، فقال لي : قد أخرجت نصف ما كان في قلبي على أحمد بن حنبل من البغض . ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ دمشق (ج 18 ص 31 ط دار الفكر) قال : قال أحمد بن حنبل : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه . قال البيهقي : وهذا لأن أمير المؤمنين عليا عاش بعد سائر الخلفاء حتى ظهر له مخالفون ، وخرج عليه خارجون ، فاحتاج من بقي من الصحابة إلى رواية ما سمعوه في فضائله ، وقرابته ، ومناقبه ، ومحاسنه ليردوا بذلك عنه ما لا يليق به من القول والفعل ، وهو أهل كل فضيلة ومنقبة ، ومستحق لكل سابقة ومرتبة ، ولم يكن أحد في وقته أحق بالخلافة منه ، وكان في قعوده عن الطلب قبله محقا ، وفي طلبه في وقته مستحقا ، وهو كما قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله : لم يزل علي بن أبي طالب مع الحق ، والحق معه حيث كان . وقال : أيضا في ص 44 : قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : كنت بين يدي أبي جالسا ذات يوم ، فجاءت طائفة من الكرخيين ، فذكروا خلافة أبي بكر وخلافة عمر ، وخلافة عثمان عفان ، فأكثروا ، وذكروا خلافة علي بن أبي طالب ، وزادوا ، فأطالوا ، فرفع أبي رأسه إليهم فقال : يا هؤلاء ، قد أكثر في علي والخلافة والخلافة وعلي ، إن لم تزين عليا بل علي زينها . قال السياري : حدثت بهذا الحديث بعض الشيعة ، فقال

ص 558

لي : قد أخرجت نصف ما كان في قلبي على أحمد بن حنبل من البغض . ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (ج 5 ص 62 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال : وروى القزاز بإسناده عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : كنت ذات يوم جالسا بين يدي أبي ، فجاءت طائفة من الكوفيين فذكروا خلافة أبي بكر وعمر وعثمان بن عفان - فذكر مثل ما تقدم . ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في كتابه أئمة الفقه التسعة (ج 2 ص 24 الهيئة المصرية العامة للكتاب) فذكر مثل ما تقدم .

مستدرك قول بعض الحكماء لعلي عليه السلام

حين بويع له لقد زينت الخلافة وما زانتك قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 4 ص 388 ومواضع أخرى ، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق : فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ دمشق لا بن عساكر (ج 18 ص 44 ط دار الفكر) قال : قال المدائني : لما دخل علي بن أبي طالب الكوفة دخل عليه رجل من حكماء العرب فقال : والله يا أمير المؤمنين ، لقد زنت الخلافة وما زانتك ، ورفعتها وما

ص 559

رفعتك ، وهي كانت أحوج إليك منك إليها . ومنهم العلامة أبو بكر أحمد بن مروان في المجالسة وجواهر العلم (ص 277 ط معهد العلوم العربية بفرانكفورت) قال : حدثنا محمد بن موسى بن حماد ، نا محمد بن الحارث ، عن المدائني - فذكر مثل ما تقدم بعينه . ومنهم الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في تاريخ الأحمدي (ص 165 ط بيروت) قال : وقال ابن حجر المكي في الصواعق المحرقة : دخل عليه حكيم من حكماء العرب فقال : والله يا أمير المؤمنين لقد زينت الخلافة وما زينتك ، ورفعتها وما رفعتك ، وهي كانت أحوج إليك منك إليها .

كلام المعروف الكرخي في حقه عليه السلام

ذكره جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم العلامة الشيخ عبد الرحمن بن علي بن الجوزي المتوفى سنة 597 في مناقب معروف الكرخي وأخباره (ص 168 ط دار الكتاب العربي في بيروت سنة 1406) قال : عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ولعلي بن أبي طالب عليه السلام ، فخلطه بدنياه وشاطره العلم ، وخصه بأشياء خصه به جبريل عليه السلام ، من الدعاء

ص 560

والذكر والخلوة .

كلام إبراهيم بن رباح في علي عليه السلام

ذكره جماعة من أعلام العامة في كتبهم : فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ دمشق لا بن عساكر (ج 18 ص 40 ط دار الفكر) قال : قال إبراهيم بن رباح : يستحق علي الخلافة بخمسة أشياء : بالقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسبق إلى الإسلام ، والزهد في الدنيا ، والفقه في الدين ، والنكاية في العدو ، فلم تر هذه الخمسة الأشياء إلا في علي عليه السلام . ومنهم الفاضل المعاصر أحمد حسن الباقوري المصري في علي إمام الأئمة (ص 47 ط دار مصر للطباعة) قال : إن عليا كرم الله وجهه يرجع إليه فقه الأئمة الأربعة مالك والشافعي ابن حنبل وأبو حنيفة ، كما يرجع إليه فقه الشيعة وفقه الصحابة رضي الله عنهم . فأما مالك فقد أخذ عن ربيعة الرأي ، وأخذ ربيعة عن عكرمة ، وأخذ عكرمة عن ابن عباس ، وأخذ وأخذ ابن عباس عن الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه . وأما الشافعي فقد أخذ عن مالك إمام المدينة المنورة ، وعن الشافعي أخذ ابن حنبل ، ثم لم يقف عطاء مالك عند العلم بل تجاوزه إلى الجود بالمال ، فقد رأى الشافعي خيلا على باب مالك استأثرت بإعجابه ، فلما رأى مالك أن الشافعي أعجبته الخيل أعطاه إياها لم يمسك منها شيئا . . ولم يجد الشافعي مندوحة عن سؤال

ص 561

مالك : ماذا أبقيت لنفسك ؟ فأجابه بالكلمة الشريفة التي يعنو لها وجه التاريخ : إنني أستحي أن أركب دابة تطأ ترابا ثوى فيه جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم . هذا . . وأما أبو حنيفة وصاحباه أبو يوسف ومحمد فقد أخذوا عن جعفر الصادق ، وأخذ جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر ، وأخذ الباقر عن علي زين العابدين الذي ينتهي علمه إلى الإمام علي رضي الله عنهم أجمعين . ومنهم الفاضل المعاصر عبد المنعم محمد عمر في خديجة أم المؤمنين - نظرات في إشراق فجر الإسلام (ص 478 ط 2 دار الريان للتراث) قال : وكان مما أنعم الله به على علي بن أبي طالب أنه ربي في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت خديجة أم المؤمنين تحبه وترعاه ، فكان لنشأته تلك أبلغ الأثر في تكوينه الخلقي والعلمي ، وكانت ملازمته للنبي الكريم سببا في إحاطته بتاريخ الإسلام وأحكامه ، وما يحض عليه من فضائل ، وما ينهى عنه من رذائل ، ولذلك كان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب يثق في صواب فتاواه ، ويسعى في طلبها عندما يشكل أمر من الأمور ، وكان يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن ويقول : علي أقضانا . ومنهم الفاضل المعصر الدكتور حسن الشرقاوي في أصول التصرف الإسلامي (ص 48 دار المعرفة الجامعية - الإسكندرية) قال : باب العلم ، وينبوع الحكمة ، ينثر الكلام كالدرر المتألقة ويعطر بأريجه الظاهر والباطن ، كان مزينا بالزهد والورع ، كشف له الغطاء وفضت عنه الأستار ، وفتحت له كنوز العلم فنهل منها ما شاء بدون حساب . . سيد العرب ، الولي الحليم قدوة المتقين وقطب العارفين . . حبيب الله ، قائد المسلمين وأمير المؤمنين . ومنهم العلامة الشيخ أحمد بن محمد الخافي الحسيني الشافعي في التبر المذاب

ص 562

(ص 52 نسخة مكتبتنا العامة بقم) قال : وجميع العلوم أهلها تنتمي إليه (ع) فالفقهاء الأربعة يرجعون إليه ، أما الإمام أبو حنيفة فهو تلميذ الصادق جعفر بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأما الإمام الشافعي فإنه قرأ على محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة وعلى مالك بن أنس فيرجع فقهه إليه ، وأما الإمام مالك فقرأ على اثنين أحدهما ربيعة الرأي تلميذ عكرمة وهو تلميذ ابن عباس وهو تلميذ علي والثاني جعفر بن محمد الصادق ، وأما الإمام أحمد فقرأ على الشافعي فيرجع فقهه إليه ، وأما النحو فهو واضعه وإنه أرشد إليه أبا الأسود ، وكذا التفسير فإن إجماع السلف منعقد على أن إمام التفسير عبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو تلميذ علي (ع) ، وأما علم القراءة فإمام الكوفيين المشهور بالقراءة عاصم بن أبي النجود وقد انتشرت روايته في الدنيا وأخذت عنه من رواية أبي بكر وحفص وهو تلميذ لأبي عبد الرحمن السلمي وهو تلميذ علي (ع) ، وأما علم الصوفية وأرباب الإشارات والحقيقة فإنهم يسندون الخرقة إليه وأصحاب الفتوة يرجعون إليه ، وهو الذي قال فيه جبرئيل مناديا يوم بدر : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ، وأما البلاغة الفصاحة فإنه فيهما إمام لا تشق غباره ومقدم لا تلحق آثاره ، ومن ذلك علم التدبير بآيات الله وتحذير عقابه والمواعظ فقد رواها عنه سيد التابعين الحسن البصري وكان تلميذ علي (ع) . وقال في ص 47 : وروى الإمام أحمد عن عقبة بن سعد العوفي ، قال : دخلنا على جابر بن عبد الله الأنصاري وقد سقط حاجباه على عينيه ، فسألناه عن علي فرفع حاجبيه بيديه وقال : ذاك من خير البشر . وقال أيضا في ص 49 :

ص 563

قال الإمام أحمد : لم يكن أحد من أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم له من المناقب ما كان لعلي (ع) ومنهم العلامة الشيخ يس بن إبراهيم السنهوتي الشافعي في الأنوار القدسية (ص 22 ط السعادة بمصر) قال : وقال ابن عباس : ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي (ع) . ومنهم العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد الحنفي المصري المتوفى سنة 1069 في تفسير آية المودة (ص 72 نسخة إحدى المكاتب الشخصية بقم) قال : شهد مع رسول [الله] المشاهد ولم يتخلف عنه إلا في تبوك ، خلفه رسول الله في أهله ، وكان غزير العلم ، وكان عمر بن الخطاب يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن ، قال ابن إسحاق : أول ذكر أسلم علي (ع) ثم زيد بن حارثة ثم أبو بكر . وقال في ذكر صفته (ع) : كان أدم شديد الأدمة عظيم العينين ، أقرب إلى القصر من الطول ذا بطن كثير الشعر عظيم اللحية أصلع أبيض الرأس واللحية يشبه أن يكون خضب مرة ثم ترك ، وقيل : كان نقش خاتمه الله الملك على عبده . ونقتصر من خصائصه على ثمانية عشر خاصة : الأولى : أنه أول من أسلم الصبيان وأول من حمل اللواء بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من يرد الحوض يوم القيامة وأول من يدخل الجنة من هذه الأمة ولكل ذلك جاءت الأخبار وشهدت الآثار . والثانية : إنه المستخلف على الودايع من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت الهجرة وعلى الأهل والعيال بالمدينة في وقت الخروج إلى غزاة تبوك حتى بكى عليه السلام وقال : يا رسول الله إن قريشا تقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استثقله فتركه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أما ترضى أن تكون مني

ص 564

بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي . الثالثة : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما آخى بين المهاجرين جعل عليا أخا لنفسه فقال له : أنت أخي وصاحبي في الدنيا والآخرة . الرابعة : أنه الممدوح بالسيادة ، لما روي إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لفاطمة : زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة . الخامسة : إنه ولي الله وولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي المؤمنين ، قال الله تعالى : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم الراكعون) نزلت في علي بن أبي طالب حين كان يصلي في المسجد وهو راكع فقام سائل يسأل فمد علي يده إلى خلفه وأومأ إلى السائل بخاتمه فأخذه من إصبعه وقال صلى الله عليه وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، رواه جمع كثير عن رسول الله . السادسة : إنه أقضى الصحابة رضي الله عنهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقضاكم علي ، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا وهو شاب فقال : يا رسول الله والله ما أدي ما القضاء ، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال : اللهم اهد قلبه وسدد لسانه ، فقال علي : فوالله ما شككت بعدها في قضاء قضيته بين اثنين . السابعة : إنه محبوب المؤمنين ومبغض المنافقين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ، فقال علي : إنه لعهد النبي إلا من إلى لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق . الثامنة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انقطع عن أصحابه لأجله ، لما روي إنهم لما أقبلوا من بدر راجعين إلى المدينة فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادوا الرفاق بعضهم بعضا : أفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فوقفوا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي فقالوا : يا رسول الله فقدناك ، فقال : إن

ص 565

أبا حسن وجد مغسا في بطنه فتخلفت عليه . التاسعة : إنه باب مدينة العلم لقوله صلى الله عليه وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه . العاشرة : أنه ذو الأذن الواعية لما روي أنه لما نزل قول تعالى (وتعيها إذن واعية) قال صلى الله عليه وسلم : سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي . قال علي : ما نسيت شيئا بعد ذلك وما كان لي أن أنسى . الحادية والعشرة : أنه جمع ثلاث مفاخر عظاما لم تجتمع قط لأحد سواه لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال له : يا علي أعطيت ثلاثا لم يعطها أحد : صهرا مثلي وزوجة مثل فاطمة ، وولدين مثل الحسن والحسين . الثانية عشرة : إنه صعد على منكب رسول الله برجليه لما روى علي عليه السلام وجهه في قصة قمع الأصنام انطلق بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اجلس فجلس إلى جنب الكعبة فصعد رسول الله على مناكبي ثم قال : انهض فنهضت فعرف ضعفي تحته فقال : اجلس فجلست ثم نزل ثم جلس ثم قال لي : يا علي إصعد على منكبي ، فصعدت على منكبه ثم نهض بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فخيل لي إني لو شئت نلت أفق السماء ، فصعدت إلى الكعبة فتنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : الق صنم الأكبر لقريش وكان من نحاس موتدا بأوتاد حديد إلى الأرض ، فقال لي رسول صلى الله عليه وسلم : عالجه فجعلت أعالجه ورسول الله يقول : إيه إيه فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه فقال : أقذفه فتكسر ونزلت من فوق الكعبة وانطلقت أنا والنبي صلى الله وسلم يسعى . الثالثة عشرة : إنه جاز سهم جبريل من غنايم تبوك ولم يشهد غزاة تبوك لما روي إن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا تبوك إستخلف عليا عليه السلام على المدينة فلما نصر الله رسوله واغتنم المسلمون أموال المشركين ورقابهم جلس رسول الله في المسجد وجعل يقسم السهام على المسلمين ، فدفع إلى كل رجل سهما ودفع إلى

ص 566

علي سهمين فقام زايدة بن الأكوع فقال : يا رسول الله أو حي نزل من السماء أو أمر من نفسك ؟ تدفع إلى المسلمين سهما وتدفع إلى علي سهمين ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنشدكم الله هل رأيتم في ميمنة عسكركم صاحب الفرس الأغر المحجل والعمامة الخضراء لها ذؤابتان سرخاتان على كتفه بيده حربة وحمل على الميمنة فأزالها وحمل على القلب فأزاله ؟ قالوا : نعم يا رسول الله لقد رأينا ذلك ، قال : ذلك جبريل وإنه أمرني أن أدفع سهمه إلى علي بن أبي طالب . قال : فجلس زايدة مع أصحابه ، وقال قائلهم شعرا : حوى سهمين من غير أن غزا * غزاة تبوك جند أسهم مسهم الرابعة عشرة : إن النظر إلى وجهه عبادة لما روت عايشة قالت : رأيت أبي يديم النظر إلى وجهه ، فسألت عن ذلك فقال : يا بنتي وما يمنعني من دلك وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : النظر إلى وجه علي عبادة . الخامسة عشرة : إنه أحب الخلق إلى الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما روى أنس بن مالك قال : أهدى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرختين مشويتين فقال : اللهم سق إلي أحب خلقك إليك ليأكل معي . قال أنس : وكنت على الباب فجاء علي فرددته رجاء أن يجئ رجل من الأنصار ثم جاء علي فأذنته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل يا علي فأنت أحب خلق الله إليه وقد دعوت الله أن يسوق إلي أحب خلقه إليه . السادسة عشرة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه يعسوب المؤمنين واليعسوب هو أمير النحل التي تنقاد له ويقوم بمصالحها وترجع إليه في أمورها . السابعة عشرة : إن النبي صلى الله عليه وسلم سماه زرء الأرض ، وقد رويت هذه اللفظة مهموزة وملينا ولكل واحدة منهما معنى هو صفة مدح لعلي عليه السلام فالزرء مهموزا هو الصوت والصوت جمال الانسان فكأنه قال : أنت جمال للأرض ، والزر ملينا هو المنفرد الوحيد فكأنه قال : أنت وحيد الأرض وأنت تسبح وحدك

ص 567

تقول : وزرت السكين إذا أثبتها في الأرض كالوتد ، فكأنه قال : أنت وتد الله ، وكل ذلك محتمل وهو وصف مدح . الثامنة عشرة : إن النبي صلى الله عليه وسلم تولى تسميته وتغذيته [وقصته في ذلك مختلفة] . ومنهم العلامة فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي المتوفى سنة 606 في مناقب الإمام الشافعي (ص 134 ط مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة) قال : (د) ونقل أنه ذكر عنده علي بن أبي طالب عليه السلام فقال رجل (من القوم) : ما نفر الناس من علي ، إلا لأنه كان لا يبالي بأحد . فقال الشافعي : كان فيه أربع خصال ، لا تكون خلصة واحدة منها في انسان ، إلا ويحق له أن لا يبالي بأحد (إنه كان زاهدا . والزاهد لا يبالي (بأحد) وكان عالما . والعالم لا يبالي بأحد) وكان شجاعا . والشجاع لا يبالي بأحد . وكان شريفا . والشريف لا يبالي بأحد . ومنهم العلامة الشيخ جمال الدين يوسف بن شاهين العسقلاني - سبط ابن حجر - في كتابه رونق الألفاظ (ص 339 والنسخة مصورة من إحدى مكاتب إسلامبول) قال : [قال ابن عبد البر :] [ . . .] صلى القبلتين وهاجر وشهد بدرا وأحدا وسائر المشاهد وإنه [ . . .] الخندق وخيبر البلاء العظيم . ومنهم العلامة أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر الباقلاني المتوفى سنة 403 في كتابه الانتصار للقرآن (ص 101 ط معهد تاريخ العلوم في فرانكفورت) قال : فأما علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فقد عرفت حاله وفضله وسابقته وجهاده وثاقب فهمه ورأيه وسعة علمه ومشاورة الصحابة له وإقرارهم بفضله وتربية الرسول صلى الله عليه وسلم ونشوه عنده وأخذه له بفضائل الأخلاق الأعمال ورغبته في تخريجه وتعليمه وكثرة أقاويله فيه وما كان يرشحه له وينبه عليه من أمره نحو قوله :

ص 568

أقضاكم علي ، وإن تولوها علي تجدوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة البيضاء والطريق المستقيم . . ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عامر النجار في الخوارج عقيدة وفكرا وفلسفة (ص 18 ط عالم الكتب في بيروت سنة 1406) قال : إنه أولى بالإمارة لأنه أول من أسلم وهو صبي ، وأقرب الناس رحما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة الزهراء ، ولجهاده المعروف في سبيل الإسلام . ومنهم العلامة أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوي المشتهر بابن الشيخ في كتاب ألف با (ج 2 ص 523 ط 2 عالم الكتب - بيروت) قال : قال بعض العلماء : الناس ثلاثة أصناف أهل العلم وأهل السخاء وأهل الحرب ، ولي في هذا المعنى : الناس هم ثلاثة * فواحد ذو دوفه وذو علوم دارس * صحيفة وورقه ومنفق في واجب * ذهبه وورقه ومن سواهم همج * لا ودك لا مرقه قلت : جمع هذه المناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وتقدم مكانه من العلم فيما مضى ومحله في الدين المحل المرتضى ، كان من شأنه رضي الله عنه وأرضى أنه كان لكل صلاة يتوضأ ، وقد تقدم أيضا أنه حاز فضلين في الكرم البذل والجود والفضل لم ينلهما أحد سواه بعد ولا قبل ، وهما تقديمه الصدقة بين يدي نجوى الرسول ليسمع وإيثاره الخاتم للمسكين وهو يركع ، وأما شجاعته وبسالته وطاقته وجزالته فقد طبقت الآفاق وسارت بها الرفاق وبقي ذكرها إلى يوم التلاق ويكفيه ما اشتهر عنه وانتشر من الخبر يوم خيبر .

ص 569

خرج رافع مولى رسول الله صلى عليه سلم ، قال : خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده ، فتناول علي بابا كان عند الحصن فترس به نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتني في نفر معي سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه ، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار ، فكان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في وصفه أيضا رضي الله عنه أنه كان إذا استعلى الفارس قده وإذا اعترضه قطه وكانت درعه صدرا بلا ظهر فقيل له في ذلك فقال : إذا وليت فلا وألت أو كما قال يعني إنه كان لا يولي ظهر أبدا ، والموأل والموئل المرجع . وفي حديث آخر كانت ضربات علي أبكارا إذا استعلى قد وإذا استعرض قط . قوله أبكارا يقال ضربة بكر أي قاطعة لا تثنى . ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه تاريخ الأحمدي (ص 165 ط بيروت سنة 1408) قال : وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي : هو أحد العلماء الربانيين ، والشجعان المشهورين ، والزهاد المذكورين ، والخطباء المعروفين ، وأحد من جمع القرآن وعرضه على رسول الله (ص) . ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور سعيد مواد في التصوف الإسلامي - رياضة روحية خالصة (ص 39 ط مكتبة الانجلو المصرية - القاهرة) قال : أما الإمام علي بن أبي طالب سيد القوم ، محب المشهود ، ومحبوب المعبود ، باب مدينة العلم والعلوم ، ورأس المخاطبات ، ومستنبط الإشارات ، راية المهندين ، ونور المطيعين ، وولي المتقين ، وإمام العادلين ، أقدمهم إجابة وإيمانا ،

ص 570

وأقومهم قضية وإيقانا ، وأعظمهم حلما ، وأوفرهم علما ، قدوة المتقين ، وزينة العارفين ، المنبئ عن حقائق التوحيد ، المشير إلى لوامع علم التفريد ، صاحب القلب العقول ، واللسان السؤول ، والآذان الواعي ، والعهد الوافي ، فقاء عيون الفتن ، ووقي من فنون المحن ، فدفع الناكثين ، ووضع القاسطين ، ودمغ المارقين ، الأخشن في دين الله ، الممسوس في ذات الله . ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب (ص 33 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال : وقد تقدم ذكر نبذ من فضائله وأنه أول من صلى القبلتين وهاجر وشهد مشاهد الرسول الله صلى الله عليه وسلم كبدر وأحد الحديبية وبيعة الرضوان والمشاهد كلها غير تبوك فإنه استخلفه فيها على المدينة وإنه أبلى ببدر وأحد الخندق وخيبر بلاء عظيما وإنه أعنى في تلك المشاهد وقام فيها المقام العظيم وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة منه يوم بدر على خلف فيه ولما قتل مصعب ابن عمير يوم أحد وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده رفعه إلى علي . وقد تقدم في خصائصه أن لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بيده في كل زحف فيحمل ذلك على الأكثر وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهادة في حديث تحرك حراء وكان إذا لم يغز لم يعط سلاحه إلا لعلي أو لأسامة . وقد تقدم ذكر منزلته في الأخوة المصاهرة والقرابة وشدة المحبة والخصوصية به وإنه آخى بين أبي بكر وعمر وادخر عليا لنفسه وخصه بذلك فيا لها من معجزة وفضيلة ، وقد روي أن معوية قال لضرار الصدائي : صف لي عليا ، قال : أعفني ، قال : لتصفنه ، فقال : إذ لا بد من وصفه فقد كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ،

ص 571

يقول فضلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس إلى الليل ووحشته وكان غزير العبرة ، طويل الفكرة ، يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذ ناديناه ويعطينا إذا سألناه ويبين لنا إذا استبنهاه ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له وإجلالا يعظم أهل الدين ويقرب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعف من عدله ، وأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سد وله وغارت نجومه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول يا دنيا غري غيري أإلي تعرضت أم إلي تشوقت ؟ هيهات هيهات ! قد طلقتك طلاق لا رجعة فيه أواه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق ، فبكى معوية وقال : رحم الله أبا حسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزن من ذبح واحدها في حجرها . أخرجه الدولابي وأبو عمرو صاحب الصفوة . وقال الإمام أحمد رحمه الله والقاضي إسماعيل بن إسحاق : يرو في فضل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضل علي بن أبي طالب ، وقال الإمام العارف بالله أحد المشايخ أبو نعيم في كتاب حلية الأبرار في عد فضائله : هو سيد القوم المشهود ومحبوب المعبود وباب مدينة العلم والحلم والعلوم ورأس المخاطبات ومستنبط الإشارات وآية المهتدين ونور المطيعين وذكي المتقين وإمام العادلين أقدمهم إجابة وإيمانا وأقومهم قضية وإتقانا ، أعظمهم حلما وأعدلهم حكما وأغزرهم علما وقال فيه أيضا ص 34 : علي بن أبي قدوة المتقين وإمام العادلين أقدمهم إجابة وإيمانا العالم بحقائق التوحيد المشير إلى لوامع التفريد صاحب القلب العقول واللسان السؤل

ص 572

الأذن الواعي والعهد الوافي فقاء عيون الفتن والمتجرع أنواع المحن قاتل الناكثين ومدمغ المارقين الأخشن في الله الممسوس في ذات الله . وقال في ص 34 : وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد ذكروا عنده عليا وقول الناس فيه ، فقال عبد الرحمن : جالسناه وحاربناه وواكلناه وشاربناه وقمنا له على الأعمال فما سمعته يقول ما يقولون إذ لا يكفيكم أن يقولوا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبيبه وأخوه وصهره وشهد بيعته الرضوان . أخرجه الإمام أحمد في المناقب . ومنهم الشيخ حسام الدين الحنفي في آل محمد (ص 46 نسخة مكتبة السيد الأشكوري) قال : وأخرج ابن سعد عن الحسن بن زيد ، قال : لم يعبد الأوثان لصغره ومن ثم يقال فيه كرم الله وجهه إنه لم يعبد صنما قط وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمواخاة وصهره على فاطمة سيدة نساء العالمين وأحد السابقين إلى الإسلام وأحد علماء الربانيين والشجعان المشهورين والزهاد المذكورين والخطباء المعروفين وأحد من جمع القرآن وعرضه على رسول الله صلى الله وسلم وعرض عليه أبو الأسود الدؤلي وأبو عبد الرحمن السلمي وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أمره أن يقيم بعده بمكة أياما حتى يؤدي عنه أمانته والودائع والوصايا التي كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم يلحقه بأهله ففعل ذلك ، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم سائر المشاهد إلا تبوك فإنه صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة وقال له حينئذ : أنت مني بمنزلة هارون من موسى كما مر ، وله في جميع المشاهد الآثار المشهورة وأصابه يوم أحد ستة عشرة ضربة وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم اللواء في مواطن كثيرة سيما يوم خيبر وأخبر صلى الله عليه وسلم : أن الفتح يكون على

ص 573

يده كما في الصحيحة . وقال أيضا في فضائله رضي الله عنه وكرم وجهه : وهي كثيرة عظيمة شهيرة حتى قال الإمام أحمد بن حنبل : ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي ، وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري : لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر ما جاء في علي مما يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم ، ومكانته في العلم والفهم والشجاعة والشهامة والفراسة الصداقة والكرامة والخارقة وشدته في نصر الإسلام ورسوخ قدمه في الإيمان وسخائه وصدقته مع ضعيف الحال وشفقته على المسلمين وزهده وتواضعه وتحمله [إلى أن قال :] وأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة وصهره على فاطمة سيدة نساء العالمين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لما قدمناه من مزيد علمه ودقايق مستنبطاته ، ومن ثم قال أبو بكر : علي عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي الذين حث على التمسك بهم فخصه . ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد صالح البنداق في كتابه في صحبه النبي صلى الله عليه وسلم (ص 37 ط دار الآفاق الجديدة ، بيروت سنة 1398) قال : علي بن أبي طالب : هو حامل لواء الدولة الإسلامية الغالب أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب . هو علي الذي لا يعلو علي على علاه . إنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عاش في كنفه صبيا وآمن برسالته وهو ابن عشر سنين . كان فتى عندما وقف في مشهد لم تر عين الوجود أروع منه : فقد ذكر المؤرخون أن عفيفا ابن قيس ذهب إلى مكة ليشتري عطرا من العباس بن عبد المطلب ، فوجده في الكعبة فجلسا يتحدثان . ثم مد عفيف بصره ، فرأى شابا كأن في وجهه القمر ، نظر إلى السماء برهة ثم وقف يصلي في خضوع وخشوع ، ثم جاء بعده صبي أسمر الوجه ، يميل إلى القصر تظهر عليه علامات الشجاعة ، فقام عن يمينه ، ثم جاءت امرأة متلففة في ثيابها ، خلفهما ، وكبر الشاب فكبرا معه ، ثم سجد على

ص 574

الأرض فسجدا معه . قال عفيف للعباس : هذا أمر عجيب من هؤلاء ؟ قال العباس : هذا الشاب ابن أخي محمد بن عبد الله ، وهذا الصبي ابن أخي علي بن أبي طالب ، وهذه المرأة خديجة بنت خويلد زوجة محمد هذا . علي هو الذي رد على أبي لهب عندما قال للنبي : تبا لك . وكان علي حينذاك أصغر القوم ، فأقبل على رسول الله في مشهد جمع فريقا من الناس وقال : أنا معك يا رسول الله ، أحارب من حاربت وأصادق من صادقت ، فأمسك النبي برقبته وقال : إن هذا أخي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا . علي هو الذي قال فيه النبي عندما اجتمع به في قباء بعد رحلة شاقة قام بها علي سداها الجوع والبؤس والعطش والمشقة في سبيل الرسالة الإسلامية : أنت أخي في الدنيا والآخرة . علي هو الذي قال فيه النبي لفاطمة عندما علمت بقبوله خطيبا لها مع فقره وضيق عيشه : إن الله أمرني فزوجتك أقدم الناس إسلاما ، وأكثرهم علما ، وأذكاهم عقلا ، وما زوجتك إلا بأمر من الله ، ألم تعلمي أنه أخي في الدنيا والآخرة ؟ علي هو الذي قام بدور هام في مخطط الهجرة وأقدم عليه بكل إيمان وشجاعة وجرأة ، بل في منتهى الشجاعة والثقة بالنصر . فقد رضي عن طيب نفس أن ينام في تلك الليلة المباركة التي هاجر فيها الرسول في فراش الرسول وقد تدثر به حتى لا يعرف ، وبذلك فدى علي رضي الله عنه الرسول بنفسه ونفذ تلك العملية البطولية بكل هدوء وشجاعة . علي رجل البلاغة الذي قال الشيخ الإمام محمد عبده عن كتابه نهج البلاغة : ليس في وسعي أن أصف هذا الكتاب بأزيد مما دل عليه اسمه . وقد جاء في استهلال نهج البلاغة من هو الإمام علي : إختص بقرابته القريبة من الرسول عليه السلام ، فكان ابن عمه ، وزوج بنته وأحب عترته إليه . كما كان كاتب وحيه ، وأقرب الناس إلى فصاحته وبلاغته ، وأحفظهم لقوله وجوامع كلمه ،

ص 575

أسلم على يديه صبيا قبل أن يمس قلبه عقيدة سابقة أو يخالط عقله شوب من شرك موروث ، ولازمه فتيا يافعا ، في غدوه ورواحه وسلمه وحربه ، حتى تخلق بأخلاقه ، واتسم بصفاته وفقه عنه الدين ، وثقف ما نزل به الروح الأمين ، فكان من أفقه أصحابه وأقضاهم ، وأحفظهم وأوعاهم ، وأدقهم في الفتيا ، وأقربهم إلى الصواب ، وحتى قال فيه عمر : لا بقيت لمعضلة ليس فيها أبو الحسن . شهد سيدنا علي جميع غزوات النبي إلا تبوك حيث استخلفه النبي في أهل بيته . اشتهر بالشجاعة وعلى يده فتحت خيبر . وقد أنجب من زواجه بفاطمة بنت الرسول الحسن الحسين وزينب وأم كلثوم . وقد مات علي شهيدا وهو يهم بصلاة الفجر ودفن بالكوفة التي كان قد اتخذها عاصمة له بعد انتصاره في وقعه الجمل ، وكان له من العمر 63 عاما . ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في تحذير العبقري من محاضرات الخضري (ج 2 ص 104 ط بيروت سنة 1404) قال : تقدمت آثار كثيرة دالة على غزارة علمه واعتراف الصحابة والتابعين له بذلك وثنائهم عليه وفي مقدمتهم الفاروق ، وتقدم أيضا حديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها) وهذا الحديث رواه الطبراني في الكبير وأبو الشيخ في السنة والحاكم في المستدرك وصححه عن ابن عباس مرفوعا ، وحكم عليه ابن الجوزي بالوضع ورد عليه الحافظ العلائي ردا علميا وقال : الصواب إن الحديث حسن ، وبهذا أفتى الحافظ ابن حجر من سأله عنه فقال : الصواب خلاف قولهما وإن الحديث من قسم الحسن لا يرتقي إلى درجة الصحة ولا ينحط إلى درجة الوضع . ومنهم الفاضل المعاصر أحمد عبد العليم البردوني في المختار من كتاب عيون الأخبار - لابن قتيبة (ص 179 ط دار الثقافة والارشاد القومي - القاهرة) قال : قال معاوية لشداد بن أوس : يا شداد أنا أفضل أم علي ؟ وأينا أحب إليك ؟

ص 576

فقال : علي أقدم هجرة ، وأكثر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخير سابقة ، وأشجع منك قلبا ، وأسلم منك نفسا . وأما الحب فقد مضى علي ، فأنت اليوم عند الناس أرجى منه . ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور أحمد حجازي السقا في الخوارج الحروريون (ص 37 ط مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة) قال : وفي كتاب شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار نرى عند المعتزلة ما نصه : ما منقبة من المناقب كانت متفرقة في الصحابة إلا وقد كانت مجتمعة في أمير المؤمنين من العلم والورع والشجاعة والسخاء ، وغير ذلك . ومما يدل على ذلك : إجماع أهل البيت ، وهذا كما يدل على أن عليا أفضل الصحابة ، فإنه يدل على أن الحسن كان أفضل الصحابة بعده ، ثم الحسين - عليهم السلام ، وإذا كانت المناقب الحميدة فيه - خاصة العلم - فإن الخطأ بعيد عنه . ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور حسن إبراهيم حسن في تاريخ الإسلام - السياسي والديني والثقافي والاجتماعي (ج 1 ص 222 ط دار الجيل - بيروت ومكتبة النهضة المصرية القاهرة) قال : اتصف علي بن أبي طالب بالخصال الحميدة . فقد نشأ في بيت رسول الله ، فتأدب بآدابه العالية وتخلق بصفاته الكريمة . وكان أول من أسلم من الصبيان كما تقدم . وقد أحله الرسول من نفسه المحل اللائق به ، فعهد إليه بكثير من أمور المسلمين ، فأبلى فيها بلاء حسنا وأخلص في نصرة الإسلام ، فعلا أمره ونبه ذكره ، واشتهر بالشجاعة والبطولة . وليس أدل على ذلك من تعرضه للخطر في الليلة التي هاجر فيها الرسول ، إذ لبس ثوب الرسول وبات في فراشه ، مع أنه كان يعلم عزم المشركين على قتله في تلك الليلة ، كما اختاره الرسول في غزوة خيبر وقال : لأعطين الراية غدا لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فيفتح الله عليه . فلما

ص 577

أصبح الناس دعا عليا ووجهه إلى فتح خيبر . كما اشتهر علي بالمروءة والوفاء واحترام العهود والحرص على مال المسلمين . يدل على ذلك ما نقله الطبري (ج‍ 6 ص 90) عن أبي رافع خازن بيت المال في عهد علي قال : دخل علي يوما وقد زينت ابنته ، فرأى عليها لؤلؤة من بيت المال قد كان عرفها فقال : من أين لها هذه ؟ لله علي أن أقطع يدها . فلما رأيت جده في ذلك قلت : أنا يا أمير المؤمنين زينت بها ابنة أخي ، ومن أين كانت تقدر عليها لو لم أعطها ! فسكت . وذكر صاحب الفخري (ص 81) أن عقيل بن أبي طالب أخا علي من أبيه وأمه طلب من بيت المال شيئا لم يكن له حق فيه ، فمنعه علي وقال : يا أخي ليس لك في هذا المال إلا ما أعطيتك ، ولكن اصبر حتى يجئ مالي وأعطيك ما تريد ، فلم يرض عقيلا هذا الجواب ، ففارق عليا وقصد معاوية بالشام . وكان علي لا يعطي ولديه الحسن والحسين أكثر من حقهما . وكان يرجع إليه في كثير من مسائل الدين وتفسير القرآن ورواية الحديث ومسائل الميراث والمشكل من القضايا . روي أن عمر كان يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن ويقول : قضية ولا أبا حسن لها . وأبو حسن كنيه علي بن أبي طالب . وكان علي يقول : سلوني سلوني عن كتاب الله تعالى ، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أنزلت بليل أم نهار في سهل أم في جبل . وكان علي مضرب الأمثال في الفصاحة ، يلقي القول فيأخذ بمجامع القلوب ، ويخطب الخطبة فيثير النفوس ويحمسها للحرب ، كما كان أشعر الخلفاء الراشدين . أخرج السيوطي . ومنهم الفاضل المعاصر المستشار عبد الحليم الجندي في الإمام جعفر الصادق عليه السلام (ص 31 ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - القاهرة) قال :

ص 578

أما ما لم يشركه فيه بشر فهو ما أجمعت عليه كتب الشيعة وشاركها فيه كثيرون من علماء أهل السنة منذ القرون الأولى كالمسعودي والحاكم والكنجي - حتى القرون الحديثة - كالآلوسي ، وهو أن عليا ولد بالكعبة . وإذا كان للصديق مكان (الصديقية) فلعلي قوله عليه الصلاة والسلام (علي مني وأنا منه) . وإذا كانت لعمر مكانة الفاروق ، فعمر نفسه كان يتمنى لو كان له واحدة من ثلاثة من خصال علي . وإذا كان عثمان ذا النورين بإصهاره إلى النبي في زوجتين لعثمان . فعلي وحده - صاحب النسب ، والعقب ، الباقي من رسول الله . لقد كان الحسن والحسين يسميان الرسول أباهما . كما كان الرسول يسميهما ابنيه طول حياته . ولم يناديا عليا بأنه أبوهما إلا بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومنهم العلامة السيد حسين عليشاه ابن السيد روشن عليشاه الحسيني النقوي البخاري الحنفي الهندي المتوفى سنة 1322 في كتابه تحقيق الحقائق ، گلزار مرتضوي - محبوب التواريخ (ص 7 ط أحسن المطابع في لاهور) قال : وجناب شاه ولايت در تمامي علوم هائى أستاذ هستند وهو يك كس سند استاذى خويش رابا جناب حضرت شاه ولا يت عليه السلام مى رساند . إلى أن قال : وعمر بن الخطاب در اكثر مناظره مسائل مشكل به آن حضرت شاه ولايت رجوع مى كرد وهمچنين ديگر صحابه اى : وكان مولى الورى استاذا في كل العلوم . وكان الناس يسندون سند علومهم بجنابه عليه السلام - إلى أن قال : وكان عمر بن الخطاب يراجع في أكثر المسائل المشكلة والمناظرات بجنابه ، وكذا كان سائر

ص 579

الصحابة في الرجوع إليه . ويأتي تفصيل هذا الكلام في الروضة الثالثة من هذا الكتاب . وهو أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو السبطين وأول هاشمي ولد بين هاشميين ، وأول خليفة من بني هاشم وأصغر أولاد أبي طالب . وخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله بالمدينة فلم يخرج إلى تبوك واستقله المنافقون فقالوا : ما أخذ معه الفتى لأمر عظيم ، فالتحق به وأخبره بذلك فرده إلى المدينة وقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وله في جميع مشاهده بلاء عظيم وأثر حسن وأعطاه صلى الله عليه وسلم اللواء في مواطن كثيرة منها يوم بدر وفيه خلاف ولما قتل مصعب بن عمير يوم أحد وكان اللواء بيده ، دفعه صلى الله عليه وسلم إلى علي . وآخاه مرتين فإنه صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين مرة ، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة ، وقال لعلي فيها : أنت أخي في الدنيا والآخرة . . وأسلم علي وهو ابن خمس عشره سنة وقيل : ابن عشر سنين ، عن أنس بن مالك أنه بعث صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء ، وقال علي : أنا أول من صلى معه صلى الله عليه وسلم . قال سلمان الفارسي : أول هذه الأمة ورودا على نبيها أولها إسلاما علي بن أبي طالب . وعن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد صلت الملائكة علي وعلى سبع سنين وذلك إنه لم يصل معي رجل غيره ، قاله ابن الأثير في أسد الغابة وقال : قال علي : لم أعلم أحد من هذه الأمة عبد الله قبلي ، لقد عبدته قبل أن يعبده أحد منهم خمس سنين أو سبع سنين ، وسئل محمد ابن كعب القرطبي عمن أول أسلم علي وأبو بكر ؟ قال : سبحان الله علي أولهما

ص 580

إسلاما وإنما اشتبه على الناس لأنه أخفى إسلامه عن أبي طالب ، وأبو بكر أظهر ، وقد مر في ترجمة أبي بكر غير هذا فراجعه . ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد أسعد أطلس في تاريخ العرب (ج 3 ص 256 ط دار الأندلس - بيروت) قال : ذكرنا في الفصل الثاني طرفا من مناقبه ومزاياه النبيلة ، ونبين ههنا أنه (ع) كان على جانب عظيم من المناقب الجليلة التي لو أريد إحصاؤها لاحتيج إلى مؤلف ضخم ، قال أبو الفرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيين) : إن فضائله (ع) أكثر من أن تحصى ، فأمير المؤمنين (ع) بإجماع المخالف والممالئ ، والمضاد والموالي ، على ما لا يمكن غمطه ، ولا ينساغ ستره من فضائله المشهورة في العامة ، المكتوبة عند الخاصة ، وهي تغني عن تفصيله بقول ، أو الاستشهاد عليه برواية . ويقول ابن عبد البر الأندلسي في (الاستيعاب) : فضائله (ع) لا يحيط بها كتاب ، وقد أكثر الناس من جمعها ، فرأيت الاقتصار منها على النكت التي تحسن المذاكرة بها ، وتدل على ما سواها من أخلاقه وأحواله وسيرته ، وقال : كان بنو أمية ينالون منه وينقصونه ، فما زاده بذلك إلا سموا وعلوا ومحبة عند العلماء . قال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحق القاضي : لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأحاديث الحسان ما روي فضائل علي بن أبي طالب ، وكذلك قال النسائي أحمد بن شعيب بن علي . وروى الحاكم في المستدرك قال : سمعت القاضي أبا الحسن علي بن الحسن الجراحي ، وأبا الحسين محمد بن المظفر الحافظ يقولون : سمعنا أبا حامد محمد بن هرون هرون الحضرمي ، يقول : سمعت محمد بن منصور الطوسي يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب ، وقد تتبع

ص 581

الإمام النسائي ما خص به الإمام (علي) من المناقب دون سائر الصحابة ، فجمع من ذلك مجلدا كبيرا بأسانيد أكثرها جيد ، وقد عقد المحب الطبري في الرياض النضرة فصولا عديدة عدد بها مناقبه ، منها ما يلي : باب في أنه أول من أسلم . وباب في أنه أول من صلى . وباب في أنه أحب الناس إلى الله (جل جلاله) . وباب في أنه أحب الناس إلى الرسول (ص) . وباب في أنه من النبي (ص) بمنزلة هارون من موسى . وباب في أنه أقرب الناس قرابة من رسول الله (ص) . وباب في أنه أخو رسول الله . وباب في أن ذرية النبي (ص) وفي صلبه (ع) وأنه وزوجه وأولاده هم آل بيت النبي (ص) . وباب في أنه مولى النبي (ص) ، وأن الله يوالي من والاه ، يعادي من عاداه . وباب في أنه باب مدينة العلم ، وأنه أعلم الناس بالسنة . والحق أن مناقب الإمام (ع) جد عظيمة ، كما أن شخصيته شخصية فذة ، خلفت لنا تراثا رفيعا في القضاء ، والسياسة ، والأخلاق ، والعلم ، والأدب من شعر ونثر .

أما آثاره الأدبية التي خلفها فهي : آثاره الشعرية :

من آثاره الشعرية ديوان لطيف ، فيه نحو ألف بيت من الشعر كله في الزهد والنصائح والحكم ، والتضرع إلى الله تعالى ، وهو في الغالب ذو أسلوب ضعيف ، عليه مسحة الصوفية المتأخرة ، ويزعم بعض الناس أنه من صنع الشريف الرضي والحق أن هذا مستبعد جدا ، وأن نظرة واحدة إلى أسلوب الديوان المنسوب إلى

ص 582

الإمام وأسلوب ديوان الشريف الرضي ، تكفي للحكم ببطلان هذا الزعم ، فشعر الشريف متين قوي جزل كثير الأغراب ، فيه قوة ، وفيه إبداع . أما شعر ديوان الإمام فمهلهل الألفاظ غالبا ، ضعيف التراكيب ، وليس فيه شيء من قوة الإمام ، وأدبه وآرائه الرفيعة ، ثم إن الإمام ما عرف بكثرة قول الشعر ، وما صح عنه إلا أبيات قليلة ، كما ذكر ذلك ياقوت في معجم الأدباء . وقد طبع هذا الديوان مرات ، وشرح ، وترجم إلى اللغات التركية والفارسية ، والأجنبية ، واللاتينية . ومما ينسب إليه من الشعر قصيدة مطولة تعرف بالقصيدة الزينبية وقد ترجمت إلى التركية ، وشرحت ، كما شرحها بالعربية الشيخ عبد المعطي السملاوي .

آثاره النثرية :

للإمام آثار نثرية كثيرة نجمل الكلام عنها بما يلي : 1) غرر الحكم ودرر الكلم ، وهو مجموعة في الأمثال والحكم والنصائح ، جمعها ورتبها على حروف الهجاء ، الشيخ العلامة عبد الواحد بن عبد الواحد ، وقد نشرها المستشرق كبيرس ( .) kuypers 2) ألف كلمة : ذكرها ابن أبي الحديد في آخر شرحه على نهج البلاغة ، ولم أعثر على وجود لها . 3) نثر اللآلي : وهي مجموعة حكم وأمثال ، عددها 278 مثلا وحكمة ، وقد طبعت عدة مرات . 4) بعض الأمثال السائرة من كلام الإمام ، وقد أحصاها أبو الفضل الميداني صاحب (مجمع الأمثال) المشهور وعددها 48 مثلا . 5) طفافة الأمثل ، وهي أيضا مما جمعه الميداني ، وهذه المجموعة والكتابان السابقان قد نشرهما المستشرق (كرنيلوس) مع كتاب غرر الحكم في مجلد واحد بعنوان (حكم الإمام علي بن أبي طالب) وطبعها في أوكسفورد سنة 1806 .

ص 583

6) مطلوب كل طالب من كلام علي بن أبي طالب : وقد ذكره السيد سركيس في معجم المطبوعات العربية ، وهو كتاب لطيف في الحكم والمواعظ . 7) دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم ، وهو كتاب في الخطب والمواعظ ، جمعه القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي من كلام الإمام ، وقد طبع مرات . 8) نهج البلاغة : وهو كتاب ضخم في نحو 650 ص ، جمع فيه أبو الحسن محمد بن أبي أحمد الحسين الملقب بالشريف الرضي الموسوي العلوي (359 - 406) ه‍ خطب الإمام ورسائله ، وكلماته ، ومواعظه ، وقد انتهى من تأليفه في رجب سنة 400 بعد أن ترك أوراقا بيضاء في آخر كل باب ، رجاء أن يقف على شيء من خطبه بعد الجمع ، فيدرجه في المحل المناسب . ويمكن تقسيم (النهج) إجمالا بحسب مواضيعه إلى ثلاثة أجزاء (الأول) في الخطب و(الثاني) في المواعظ و(الثالث) في الرسائل والوصايا والحكم . وقد عني الأدباء بهذا الكتاب عناية شديدة ، قديما وحديثا ، فشرحوه وعلقوا عليه ، ومن أفضل هذه الشروح المطولة في القديم شرح الإمام اللغوي الأديب المؤرخ عبد الحميد بن هبة الله بن محمد أبي الحديد (586 - 655) وهو من كبار مفكري المعتزلة ، والشيعة الإمامية ، وكان حاد الذكاء ، واسع الاطلاع ، تشهد بذلك آراؤه الكثيرة التي نقف عليها في شرحه للنهج الذي يعد في الحقيقة دائرة معارف كبرى ، حوت العلوم والآداب التب عرفت إلى عصره ، وهو شرح في عشرين جزءا ، طبع مرات في مصر ولبنان وإيران . وممن شرح النهج من القدماء أيضا العلامة كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، وقد طبع في إيران سنة 1274 ، ومن شراح النهج المحدثين الإمام محمد عبده المتوفى سنة 1905 ، وهو شرح لغوي ليس له كبير قيمة بالنسبة إلى شرح ابن أبي الحديد ، فهو لا يحتوي على ملاحظات ولا آراء شخصية كالذي نجده عند ابن

ص 584

أبي الحديد ، وإنما هو كتاب لغوي يفسر الكلمات الغامضة ، مع أن الإمام محمد عبده كان يستطيع أن يبين كثيرا من القضايا الهامة في عالمي : الأدب والدين ، ولكنه اكتفى بشرح المفردات ، وقد طبع في بيروت ومصر ، ومن الشراح المحدثين أيضا شرح الشيخ محمد حسن نائل المرصفي ، وقد طبع في دار الكتب العربية بمصر . أما النهج فقد طبع عدة مرات في الهند وطهران وتبريز ودمشق ومصر . وأما عناية الكتاب والأدباء المحدثين بالنهج وتحليله ، فهي كثيرة جدا لما للإمام في نظر المسلمين والنصارى من مكانة سامية . رأي ابن أبي الحديد : (- 655) : يرى ابن أبي الحديد أن النهج كله من كلام الإمام ، ويرد على المنكرين لذلك بقوله : (إن كثيرا من أرباب الهوى يقولون إن كثيرا من نهج البلاغة كلام محدث صنعه قوم من فصحاء الشيعة ، وربما عزوا بعضه إلى الشريف الرضي وغيره ، وهؤلاء قوم أعمت العصبية أعينهم ، فضلوا عن النهج) .

آثاره الدينية :

خلق الإمام عددا كبيرا من القضايا والفتاوى والأحكام الشرعية في القضاء والفتيا والفقه ، ولا عجب فقد كان من أقضى أهل زمانه ، وأعلمهم بالفقه ، وأجدرهم على استنباط الأحكام الشرعية من القرآن والسنة والعرف ، وكان عمر بن الخطاب كلما وجد مشكلة دينية عويصة ، أو قضية فقهية دقيقة ، قال : (قضية ولا أبا حسن لها) . وكان (ع) بارعا بعلم الفرائض والمواريث الحساب ، وذلك لأنه أكان صافي الذهن ، ذا كاء وقاد وقريحة صافية ، ولا أدل على ذلك مما روي عنه أن امرأة جاءت إليه وشكت أن أخاها مات عن ستمائة دينار ، ولم يقسم لها سوى دينار واحد ، فقال لها : لعل أخاك ترك زوجة وابنتين وأما واثني عشر أخا وأنت ؟ فقالت : نعم ، قال لها : لقد أخذت حقك . وسئل مرة وهو على المنبر عمن ترك زوجة وأبوين وابنتين ، فقال : صار ثمن الزوجة تسعا ، وسميت هذه المسألة بالفريضة

ص 585

الخيرية . ومما ينسب إلى الإمام وضع مبادئ علم النحو ، وأن أبا الأسود الدؤلي شيخ النحاة قد أخذ ذلك عنه ، وليس في هذا الأمر أية غرابة ، فقد يكون ذلك صحيحا ، وخاصة حينما رأى الإمام أن اللغة العربية أخذت تفسد ، فأمر أبا الأسود الدؤلي أن يهتم بهذا الأمر على ضوء المبادئ التي رسمها له . ومنهم الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في المرتضى سيرة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب (ص 181 ط دار القلم - دمشق) قال : ولم يكن رضي الله عنه مع زهده وورعه وتصلبه في دينه على شيء من الفظاظة والخشونة والعبوس والكلح ، ولم يكن ثقبل الظل ، بل كان ودودا بشوشا ، فيه دعابة ملحوظة ، وقد جاء في صفة : كان حسن الوجه ، ضحوك السن ، خفيف المشي على الأرض . مع الولاة والعمال وعامة المسلمين . وكان هذا دأبه مع والولاة والعمال ، ولعل ذلك أصعب عمليا من أن يأخذ الخليفة أو الحاكم نفسه بالزهد والعمل بالعزيمة . ولم يكن علي حاكما إداريا وخليفة للمسلمين بالمعنى العام ، كما جرى عليه خلفاء بني أمية وبني العباس ، بل كان على نهج الخليفتين الأولين ، فكان ولي أمر المسلمين ومعلما ومربيا ونموذجا عمليا ، قائما بالحسبة الدينية والخلقية ، مراقبا لميولهم واتجاهاتهم الموافقة لتعاليم الإسلام وأسوة الرسول عليه الصلاة والسلام ، والمنحرفة عنها المتأثرة بالأمم المغلوبة والبلاد المفتوحة ، يقيم للناس صلاتهم ويعظهم ويفقههم في دينهم ، ويبصرهم بما يحب الله من المسلمين وبما يكره الله منهم ، كان يجلس لهم في المسجد فيسألهم عن أمورهم ، ويجيب من سأله منهم في أمور الدين والدنيا ، وكان يمشي في الأسواق ويرقبهم حين كانوا يبيعون

ص 586

ويشترون ، ويعظهم ويقول : إتقوا الله وأوفوا الكيل والميزان ، ولا تبخسوا الناس أشياءهم . وكان يحتاط لنفسه ، ولا ينتفع من مكانته وعلو نسبه في شيء فكان إذا أراد أن يشتري شيئا تحرى بين الباعة رجلا لا يعرفه فاشترى منه ، ويكره أن يحابيه البائع إن عرف أنه أمير المؤمنين ، وكان شديد الحرص على أن يحقق المساواة بين الناس في قوله وعمله وفي وجهه وفي قسمته ، وذلك ما كان يطلبه ويتوقعه من عماله في الأقاليم ، فكان شديد المراقبة لهم ، وكان أحيانا يرسل الأرصاد والرقباء ليطلعوا على سيرة العمال وآراء الناس فيهم ، ثم يطلعوه على ذلك ، وكان أمراؤه يهابونه ، وقد يلجأ - إذا دعت الحاجة - إلى التقريع والنذير ، وفي رسائله إلى العمال ما يشهد بذلك . ومنهم جماعة من الفضلاء في علي بن أبي طالب - نظرة عصرية جديدة (ص 67 ط المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت) قالوا نقلا عن حسنين كروم : يبدو علي بالنسبة إلينا كبطل أسطوري ، أسبغت عليا الروايات والحكايات والأحداث طابعا تحول بسببه إلى رمز لكل شيء مقدس ونبيل في الحياة الانسانية ، ورمزا لكل قيمة إنسانية شريفة يطمح الانسان في أن يراها قيد التحقيق ، فعلي رمز للشجاعة والبسالة والتضحية ، وهو رمز للأخلاق الكريمة والسامية التي يطمع الناس في التحلي بها ، ثم هو رمز لذلك الشوق الأبدي الذي يتفاعل دائما في نفوس الفقراء والمقهورين ، نحو حياة أفضل ، يثورون لأجلها طيلة التاريخ ، لينتزعوها من مستغلبيهم ، لقد أصبح علي رمزا للنضال الاجتماعي في التاريخ الإسلامي ، ولقد أضفت النهاية الأليمة لعلي ، وللآلام والمصاعب التي وضعها في سبيله حتى أولئك الذين كان يريد لهم حياة كريمة ، أضفت طابعا مأساويا على سيرته ، لتليها تلك الحادثة المروعة التي هزت العالم الإسلامي كله بعنف ، أعني استشهاد ابنه الحسين

ص 587

في كربلاء ، وبعدها أخذت حبات المسبحة تكر لتتعرض عائلة علي وأبناؤه وأحفاده إلى التقتيل والتنكيل اللإنساني واجهوه ، والذي استحقوا بسببه أن يكونوا رمزا للثورة الدائمة ضد الظلم والإرهاب . ومنهم الفاضل المعاصر مأمون غريب المصري القاهري في خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام (ص 141 ط مكتبة غريب في القاهرة) قال : هذه دراسة عن رجل من أعظم رجالات الإسلام عاش حياته كلها في جهاد مع النفس وجهاد مع الأعداء ، ومن يدرس حياته بعمق منذ طفولته إلى أن غادر الحياة ، يراه أدى أدوارا بالغة الروعة في مسيرة التاريخ الإسلامي ، أسلم في طفولته ، وبات في فراش الرسول عند هجرته ، خاض المعارك كلها مع الرسول ما عدا غزوة تبوك حيث استخلفه الرسول في أهله وقال له مطيبا خاطره : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي . وكانت شجاعته تفوق الخيال ، ومعاركه في غزوات الرسول صورا رائعة لهذه الشجاعة ، ولنقف الآن عند موقف واحد ، يوم أراد النبي فتح خيبر ، لخيانتهم للعهود والمواثيق ، وكان اليهود يظنون أن محمدا لا يستطيع محاربتهم ، ولقد عهد الرسول بالراية في اليوم الأول لأبي بكر الصديق ، ولكن الفتح لم بتحقق ، فأعطى الراية عمر بن الخطاب ، فلم يتحقق الفتح ، وقال الرسول الكريم : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبانه ، ويفتح عليه وليس بالفرار . وفي صباح اليوم التالي أعطى لراية لعلي بن أبي طالب ، الذي هاجم الحصن ، وتصدى له بطل اليهود (مرحب) وكان مدججا بالسلاح من أعلى الرأس إلى أخمص القدم ، وقد ضرب علي بن أبي طالب ضربة قوية طوحت بالترس من يد علي بن أبي طالب . وبسرعة تقدم علي باب الحصن ، وحمله وضرب به (مرحب) ضربة شقت رأسه ، وخر بطل اليهود صريعا مضرجا بدمائه . وكانت بداية الانتصار

ص 588

على اليهود ، وقد عجز سبعة من الصحابة بعد ذلك عن حمل هذا الباب الذي حارب به الإمام معركته مع مرحب ! وكان من عادته أن يخرج إلى ميدان القتل حاسر الرأس ، لا يحتمي بالدروع ولا الحديد ! لهذا أحبه الرسول الكريم ، حتى أنه قال ذات يوم لعمه العباس : والله يا عم لله أشد حبا له مني ، وأن الله قد جعل ذربة كل نبي في صلبه ، وجعل ذريتي من صلب هذا . إنه إنسان عاش في بيت النبوة ، وتربى تربية دينية صافية ، وأخذ من الرسول الكريم الكثير ، أخذ عنه الجرأة ، والشجاعة ، الفصاحة ، والمواقف الجادة ، والخوف من الله ، وكيف يتعامل مع الناس بالخلق الرفيع ، حتى ورد عن الإمام قوله : سلوني عن كتاب الله ما شئتم ، فوالله ما من آية من آياته إلا وأنا أعلم أنزلت في ليل أو نهار . وكان يمشي في الطرقات بلا حراس ولا حجاب ، إنما يعيش بين الناس كواحد منهم ، يلبس الثياب الخشنة حتى لا يدفعه ذلك إلى الزهو أو الإعجاب بالنفس . ولا أحد يعرف بالضبط ما كان سوف يكون عليه مسار التاريخ الإسلامي ، لو تولى علي الخلافة في ظروف غير هذه الظروف ، ولم تكن هناك الفتنة التي اشتعل أوارها في نهاية حكم عثمان رضي الله عنه ، ولو تفرغ للفتوحات الإسلامية ، ونشر قيم الإسلام ومبادئه ، وهو من باب العلم كما قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها . لا أحد يدري ماذا ستكون عليه الحياة في ظل إمام له هذه الشجاعة وهذا العلم وهذا الحلم وهذه التقوى وهو يقود مجتمعا ييمم وجهه شطر الجهاد ، ونشر نور الله في الأرض دون أن تستنفد قواه في الحروب الأهلية أو المشاكل الداخلية بجانب صراع الأفكار التي ضلت طريقها عن فهم روح الإسلام بأصالته وتسامحه وتوافقه

ص 589

مع الفطرة السليمة وبعده عن العنف ، لا يدري أحد أي مجتمع كان سوف يكون عليه هذا المجتمع المعطر بأريج النبوة . ولو كان في عصر ليست فيه كل ما شاهدنا من عوامل عطلت الفتوحات وفرقت كلمة المسلمين وأضعفت بل وأنهكت قواهم والله وحده أعلم ما كانت ستكون عليه الأمة الإسلامية الصاعدة من تطور كبير فقد كان على حد تعبير ضرار له : كان بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطلق الحكمة من لسانه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويأنس بالليل ووحشته ، وكان غزير العبرة ، وطويل الفكرة ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما خشن ، وكنا والله مع قربه منا لا نكاد نكلمه لهيبته ، يعظم أهل الدين ، ويقرب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، لا ييأس الضعيف من عدله ، وأشهد لقد رأيته وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، قابضا على لحيته يبكي ويقول : يا دنيا غري غيري . وكان من أعظم فقهاء وفرسان الإسلام وذهب شهيدا وبقيت أفكاره وآراؤه وقصة حياته مثلا أعلى لإنسان عاش لله وبالله وسوف تتردد دائما كلمة النبي عليه الصلاة والسلام عبر كل العصور عنه : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه . رحمه الله . ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور أحمد شلبي أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة في موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية (ج 1 ص 291 ط مكتبة النهضة المصرية) قال : لا شك أن علي بن أبي طالب يقف في القمة بين العلماء ، فهو أول من أسلم من الصبيان ، وكان يعيش في بيت الرسول . ومن هنا كان أسبق من تلقى عنه ، وكان أصفى المؤمنين قلبا : وأبعدهم عن ترف العيش ، إذ أصبح منذ نشأته وهو يرى الرسول مثله الأعلى وأمله في الحياة ، فتخلق بأخلاقه ، واغترف من فيض علمه ، ثم

ص 590

كان من كتاب الوحي ، وبهذا كان من أسبق المسلمين لتلقي كلام الله وتدوينه ، والعمل بما جاء به . ولم تكن الدنيا عند علي ذات بال ، وذلك على النمط الذي اتعبه الرسول صلوات الله عليه ، ومن هنا بات علي في فراش الرسول ليلة الهجرة وهو يعلم أن قريشا ستقتل من تجده في هذا الفراش ، وهي مغامرة لا يطيقها إلا الأبطال ، ثم إن الرسول ترك له أن يرد الأمانات إلى أصحابها وهي ثقة واسعة ، ولما انتهى علي من هذه المهام لحق بمعلمه في المدينة حتى لا يضيع منه شيء من التلقي والمعرفة ، وفي غزوة بدر وقف على مبارزا عملاقا ، فضرب بسيفه أول ضربة في الغزوة الأولى ، وكذلك في كل الغزوات ، وزوجه رسول الله من أحب بناته إليه ، من السيدة فاطمة وقال لها الرسول : زوجتك أقدم الناس إسلاما وأكثرهم علما . ولما سأل ابن عباس عن علم علي أجاب : ما أنا إلا قطرة من بحار علمه ، وإذا كان الرسول مدينة العلم فعلي بابها ، وقد دعا رسول الله لعلي أن يهديه في القضاء بقوله : اللهم اهد قلبه وثبت لسانه ولقنه الصواب ، ومن هنا كان علي أقضى الناس حتى ضرب به المثل فكانوا يقولون : قضية ولا أبو حسن لها . وحثه الرسول على استعمال العقل ، والفكر فقال له : يا علي إذا تقرب الناس إلى الله بأنواع البر فتقرب أنت إليه بحكمة العقل ، تسبقهم بالدرجات والزلفى عند الناس وعند الله . ويعلق بعض الباحثين على هذا الحديث بقوله : إن رسول الله يذكر أن ثروة علي كانت في علمه وعقله ، ويستطيع بها أن يتقرب إلى الله بتعليم الجاهل وحل مشكلات الخلق ، وهو بذلك ينال الحظوة عند الله والناس . وقال في ص 296 : سبق أن تحدثنا عن علي بن أبي طالب وذكرنا أنه نال من العلم والصفاء فيضا اكتسبه من عشرته للرسول من نشأته في بيته ، حتى ليمكن القول إن عليا كان أكثر المسلمين تأثرا بالرسول في هذين المجالين .

ص 591

أما الحديث عن زهد علي فيوضحه أنه عاش عمره فقيرا اقتداء بسيد البشر ، وكانت زوجته السيدة فاطمة تطحن القمح بيدها حتى كلت هذه اليد ، وتحمل القربة حتى أثرت في نحرها ، وكنست البيت حتى أغبرت ثيابها ، ولما قص علي على الرسول ألم ابنته من الطحن وحمل القربة ، وأعمال المنزل ، وأنها تحتاج خادما يقيها عناء ما تلاقي ، إلتفت لها الرسول وقال : يا فاطمة اتقى الله وأدي فريضة ربك ، واعملي عمل أهلك ، ويروى أنه نزلت في زهد علي ورغبته في العطاء الآية الكريمة : (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) . أما بطولة علي فكانت مضرب المثل ، وقد صارع علي أبطال الشرك وصرعهم ، ومن أعتى هؤلاء عمرو بن ود الذي ضربه ضربة قاضية في غزوة الخندق . ومما يدل على بطولته وحبه لله ورسوله ما رواه البخاري من أن الرسول قال يوم خيبر : لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسول يفتح الله على يديه . قال عمر : ما أحببت الإمارة إلا يومئذ . فتساورت (تطلعت) للرسول رجاء أن أدعى لها ، ولكن الرسول دعا علي بن أبي طالب وأعطاه الراية . وفصاحة علي مضرب المثل ، فقد رويت عنه نصائح غراء لولاته عندما آلت له الخلافة ، وهي نصائح تحمل البلاغة وقوة البيان من جانب ، كما توضح من جانب آخر أنه في مجال الفكر والخلق كان انسانا مثاليا ، إنه القائل : أطلق عن الناس عقدة كل حقد ، وتغاب عن كل ما لا يصح لك ، ولا تعجلن إلى تصديق ساع ، فإن الساعي غاش وإن تشبه بالناصحين ، ولا تدخل في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الإحسان ويخوفك الفقر ، ولا جبانا يضعفك عن الأمور ، ولا حرصا يزين لك الشره بالجور ، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله ، والصق بأهل الورع والصدق ، ثم رضهم (عودهم) على ألا يطروك ، فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو ، وإياك والإعجاب بنفسك ، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان يمحق به ما يكون من إحسان المحسنين ، وإياك والمن على رعيتك بإحسانك فإن

ص 592

المن يبطل الإحسان ، واعلم أن الأمر مأخوذ منك لغيرك . وعلى هذا فقد كان علي من أجدر المسلمين بمكانة الداعية ، وقد فتح الله له الأبواب في بلاد اليمن ، ويسر له كل صعب ، مما سهل انتشار الإسلام في هذه الأصقاع . وقال في ص 612 : هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ، ابن عم الرسول وزوج ابنته فاطمة ، وهي البنت الوحيدة من نسل الرسول التي أعقبت وعن طريقها وجدت ذرية سيدنا رسول الله حتى العهد الحاضر . وقد سبق لنا أن قلنا إن أبا طالب كفل محمدا بعد موت جده عبد المطلب ، فلما كبر محمد أراد أن يسدد هذا الدين لعمه ، فأخذ عليا ورباه في بيته ، وبخاصة أن أبا طالب كان كثير الأولاد ، وأن مكة أصابها جدب ، فمست الضائقة حياة أبي طالب . ولما بعث محمد كان علي صبيا فآمن به ، ولذلك يقال : إن عليا أول من آمن من الصبيان ، وبات علي في فراش الرسول ليلة الهجرة مع علمه بأن الموت يطوف حول هذا الفراش ، ويوشك أن ينزل بمن ينام فيه . وقد رضع علي آداب الإسلام منذ الصبا ، وكان في الفصاحة بالغاية ، ولعله كان الراوية الأول لأحاديث الرسول ، وكان في العلم سباقا لا يشق له غبار . أما شجاعته فكانت مضرب الأمثال ، وقد رأيناه في الطيعة دائما في جميع غزوات الرسول ، ولا تكاد تخلو غزوة من علي مصارعا ومبارزا غير هياب للموت ، ولا مقيما للخوف وزنا ، وطالما كسب بسيفه النصر للمسلمين ، ومن الواضح أن بطولة علي والدماء التي سفكها مدافعا عن الإسلام ورادا عنه مهاجميه ، أورثته كثرا من الأعداء ، فقد كانت هناك جراح في قلوب الكثيرين من الطعنات القاتلة التي وجهها علي إلى

ص 593

أبطال منهم أو إلى ذويهم تقدموا مزهوين ببطولتهم ، معارضين للإسلام ، فلاقوا مصرعهم على يده كرم الله وجهه - إلى آخر ما قال . ومنهم الفاضل المعاصر زهير صادق رضا الخالدي في أبطال من التاريخ العربي الإسلامي (ص 37 ط 1 مطابع دار الشؤون الثقافية العامة سنة 1409) قال : وكان علي بن أبي طالب (رض) واسع العقيدة ماضي العزيمة ، جرئ الرأي ، صريح القول في العمل . وقال الشاعر العربي : إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة * فإن فساد الرأي أن تترددا ومنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي محمصاني في تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء (ص 584 ط دار العلم للملايين - بيروت) قال : الإمام أبو الحسن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كان ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، ورفيقه في حجره منذ صغره ، وصهره زوج السيدة فاطمة الزهراء . وكان أول المسلمين من الأولاد ، ووالد الحسن والحسين ، سيدي شباب أهل الجنة ، بشهادة الرسول الكريم . كان زينة أهل البيت ، الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، بعبارة القرآن الكريم . فكان إمام الأولياء والأبرار ، وراية الهدى والتقوى . وكان من أوائل الهادين والمهتدين ، ومن أسياد العرب وأفاضل الصديقين . ثم كان سيد الفرسان وفارس الأبطال ، حتى صدق فيه اسمه القديم حيدرة أي الأسد . وأصبح في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وبعدها ، من القواد اللامعين ، والمبارزين البارزين . وكان إلى كل ذلك ، من الصحابة المقربين ، والمشاورين المرموقين ، حتى قال عنه عمر الفاروق : لولا علي لهلك عمر . ولا يفتين أحد في المسجد وعلي حاضر . وهكذا كان الإمام علي ، بعبارة ابن عباس : مليئا عزما وحزما وعلما ونجدة .

ص 594

فكان مجليا في العلم ، وفي تفسير القرآن الكريم ورواية الحديث الشريف ، وفي الخطابة واللغة والبلاغة ، وهو الذي أمر أبا الأسود الدؤلي بوضع كتابه في النحو . ثم كان متفرقا في القضاء بشهادة الرسول الكريم : أقضاكم علي . وكانت ولا تزال أقواله وعظاته ووصاياه أشهر من نار على علم ، وقد دونت في كتابه نهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي ، وتواترت روايتها على ألسنة الناس والمثقفين من كل جيل . وهو القائل مثلا : آلة السياسة سعة الصدر . من كثرت نعمة الله عليه ، كثرت حوائج الناس إليه . لا تقسروا أولادكم على آدابكم ، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم . إن الله عز وجل فرض على الأغنياء ما يكفي الفقراء . وهو الذي حذر من كلمة حق يراد بها باطل ، يوم تمسك بها المنافقون والمفسدون وأصحاب الفتنة . ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد الخضري بك المفتش بوزارة المعارف ومدرس التاريخ الإسلامي بالجامعة المصرية في محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية (ج 2 ص 81 ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر) قال : يخطر ببال من فحص تاريخ الخلفاء الراشدين وعلم تفاصيل أحوالهم هذا السؤال : كيف دانت قريش لشيخين أولهما من بني تيم بن كعب والثاني من بني عدي؟ وخضعت لهما الخضوع التام ، فسار القوم بقلب واحد في سبيل نصرة الإسلام وعلو شأنه حتى إذا آلت لبني عبد مناف ووليها اثنان منهم نغصت على أو لهما حياته في آخرها ، ولم يصف الأمر لثانيهما في جميع حياته ، بل كانت مدة اختلاف وفرقة مع ما هو معلوم من قرب بني عبد مناف للرسول صلى الله عليه وسلم فهم ، عشيرته الأدنون وسادة قريش في جاهليتهم كما سادوا عليهم في الإسلام ، ذلك إلى ما امتاز به ثانيهما من المميزات الكبرى التي لم تجتمع في غيره ؟ لا بد

ص 595

لذلك من أسباب ، أما ما كان من أمر عثمان فقد بينا أسبابه فيما مضى وأما أمر علي فإنا سنجيب عنه الآن ببيان ما كان من خلق علي وما كان من الظروف التي أحاطت به . كان علي ممتازا بخصال قلما اجتمعت لغيره وهي : الشجاعة - الفقه - الفصاحة . فأما الشجاعة فقد كان محله منها لا يجهل ، وقف المواقف المعهودة وخاض عمرات الموت لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه ، وأول ما عرف من شجاعته بياته موضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة وهو يعلم أن قوما يتراصدونه حتى إذا خرج يقتلونه ، فلم يكن ذلك مما يضعف قلبه أو يؤثر في نفسه ثم قي بدر وما بعدها من المشاهد كان علما لا يخفى مكانه يبارز الأقران فلا يقفون له ويفرق الجماعات بشدة هجماته ، وقد آتاه الله من قوة العضل وثبات الجنان القسط الأوفر ، أعمد سيفه مدة أربع وعشرين سنة حتى إذا جاءت خلافته جرده على مخالفيه فعمل به الأفاعيل وكان الناس يهابون منازلته ويخشون مبارزته لما يعلمون من شدة صولته وقوة ضربته . وأما الفقه فلم يكن مقامه فيه بالمجهول صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ صبوته وأخذ عنه القرآن وكان يكتب له مع ما أوتيه من ذكاء بني عبد مناف ثم بني هاشم ولم يزل معه إلى أن توفي عليه السلام ، كل هذا أكسبه قوة في استنباط الأحكام الدينية فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان يستشيرونه في الأحكام ويرجعون إلى رأيه إذا خالفهم في بعض الأحيان ، وأكثر من عرف ذلك عنه عمر بن الخطاب . وأما الفصاحة فيعرف مقداره فيها من خطبه ومكاتباته التي جمع منها السيد المرتضى جملة عظيمة في الكتاب الموسوم بنهج البلاغة وقد وصفه شارحه الأستاذ الشيخ محمد عبده بقوله - فذكر نبذة من أقواله . ومنهم الفاضل المعاصر عبد الوهاب النجار في الخلفاء الراشدون (ص 475 ط

ص 596

دار القلم - بيروت) قال : هنا أترك الكلام لصديقي المرحوم الخضري بك يقول كلمة في ذلك : أيخطر ببال من فحص عن تاريخ الخلفاء الراشدين وعلم تفاصيل أحوالهم هذا السؤال - فذكر عين ما تقدم عن المحاضرات . ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في علي إمام المتقين (ج 2 ص 337 ط مكتبة غريب بالفجالة) قال : وكم من الكلمات المشرقة ، والمواقف المضيئة خلفها الإمام ميراثا للانسانية كلها ، ودليلا ، ونبراسا . وصدق رسول الله حين قال لعلي : أنت سيد في الدنيا ، سيد في الآخرة . . من أحبك فقد أحبني وحبيبك حبيب الله ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، وبغيضك بغيض الله ، وويل لمن أبغضك من بعدي . وقبل أن يموت كان قد أوصى بربع أرضه التي في الحجاز لأصحاب الحاجات . . فقضى ولم يخلف تراثا غير الحكمة ، والقدوة الحسنة ، وما مات أحد من رعيته إلا خلف من المال أكثر مما ترك الإمام . عاش يناضل دفاعا عن الشريعة ، والحق ، والمودة ، والإخاء ، والسلام ، والمساواة بين الناس . . فسلام عليه . سلام عليه يوم قال فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام : رحم الله عليا ، اللهم أدر الحق معه حيث دار . ودار الحق معه حيث دار ، وما عاداه في حياته وبعد موته إلا البغاة ، وفرسان الضلال ، وعبيد الشهوات ، وأهل البدع والشح والأهواء . . . سلام عليه يوم قال عنه الرسول عليه الصلاة والسلام : من اتخذ عليا إمام لدينه ، فقد استمسك بالعروة الوثقى .

ص 597

وعبر أجيال متطاولة تعاورت فيها الأحداث المآسي العظام ، والهزائم التي تقصم الظهر وتكسر القلب ، والانتصارات التي تثير الكبرياء في النفس . . عبر تلك الأزمان اتخذه المتقون إماما ، فقد كان دعاؤه مع عباد الله الصالحين : واجعلنا للمتقين إماما . . واتخذه المساكين إماما . . واتخذه الفتيان والنساك والزهاد والعلماء والمجاهدون والشجعان إماما . . . سلام عليه . . عليه السلام . وقال في كتابه : أئمة الفقه التسعة ج 2 ص 22 : انصرف أحمد يجمع السنن وآثار الصحابة ، ويبحث من خلالها عن أحكام تنقذ الناس من الضلال . . وكان يجمع ما رواه الصحابة من أحاديث ، كل على حدة ، ويسند إلى الصحابي ما رواه . . فكان لا بد له أن يجمع ما رواه الإمام علي بن أبي طالب ، لا يبالي في ذلك أن يتهمه أحد بالتشيع أو بالميل إلى العلويين . . وفي الحق أنه ما كان متشيعا ولا صاحب ميل للعلويين . . ولكنه تعلم من أستاذه الشافعي أن الإمام عليا كان أحق بالخلافة من معاوية ، وأن معاوية كان باغيا ، ودافع أحمد عن رأي أستاذه في مواجهة منتقديه . . وقد روى أحمد عن أستاذه الشافعي : قال رجل في علي : ما نفر الناس منه إلا أنه كان لا يبالي بأحد . فقال الشافعي : كان في علي كرم الله وجهه أربع خصال لا تكون منها خصلة واحدة لإنسان إلا يحق له ألا يبالي بأحد : كان زاهدا والزاهد لا يبالي بالدنيا وأهلها ، وكان عالما والعالم لا يبالي بأحد : وكان شجاعا والشجاع لا يبالي بأحد ، وكان شريفا والشريف لا يبالي بأحد . وكان علي كرم الله وجهه قد خصه النبي صلى الله عليه وسلم بعلم القرآن ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام دعا له وأمره أن يقضي بين الناس ، وكانت قضاياه ترفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيمضيها . ومنهم العلامة المفسر أبو إسحاق أحمد بن النيشابوري المشتهر بالثعلبي المتوفى سنة 427 وقيل سنة 437 في تفسير الكشف والبيان في تفسير القرآن (ق 82 والنسخة مصورة من مكتبة جستربيتي بإيرلندة) قال :

ص 598

وعن يونس بن رويان قال : ما نزل في أحد من القرآن ما نزل في علي بن أبي طالب رضي الله عنه . ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (ج 18 ص 26 ط دار الفكر) قال : وعن عبيدة قال : صحبت عبد الله سنة ثم صحبت عليا : فكان فضل ما بينهما في العلم كفضل المهاجر عن الأعرابي ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد أيمن بن عبد الله بن حسن الشبراوي القويني في فهرس أحاديث كشف الأستار (ص 91 ط بيروت سنة 1408) قال : كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة ابن أبي طالب . عبد الله 2550 ومنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف (ج 2 ص 817 ط عالم التراث للطباعة والنشر - بيروت) قال : كنت أرى أن عليا أفضل الناس بعد رسول الله أبو جحيفة 1 / 127 وقال أيضا في ج 5 ص 462 : علي بن أبي طالب أعلم الناس كنز 32980 ومنهم الشريف الشهاب أحمد الحسيني الشيرازي الإيجي الشافعي في توضيح الدلائل (ق 213 نسخة مكتبة فارس بشيراز) قال : وعن عطاء وقيل له : أكان في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد أعلم من علي ؟ قال : ما أعلم . رواه الطبري وقال أخرجه العلقمي .

ص 599

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (ج 18 ص 37 ط دار الفكر) قال : وعن عبد الملك بن أبي سليمان قال : قلت لعطاء بن أبي رباح : أكان في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أعلم من علي بن أبي طالب ؟ قال : لا والله ، ما أعلمه . ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب (ص 26 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال : وعن عطاء وقد قيل : كان في جوار محمد صلى الله عليه وسلم أحد أعلم من علي ؟ قال : قال : ما أعلم . ومنهم العلامة عبد الغني بن إسماعيل الشامي في زهر الحديقة في رجال الطريقة (ص 174 نخسة إحدى مكاتب إيرلندة) قال : ومات يعني [علي عليه السلام] يوم مات وهو أفضل من على وجه الأرض رضي الله تعالى عنه . ومنهم الفاضل المعاصر أحمد حسن الزيات عضو مجمع اللغة العربية في تاريخ الأدب العربي (ص 130) قال : ورث علي بن أبي طالب بحكم مولده ومرباه مناقب النبوة ، ومواهب الرسالة ، وبلاغة الوحي ، وصراحة المؤمن ، وبسالة المجاهد ، فأجمع الناس على إجلاله وكادوا يطبقون على حبه . حتى من كتب عنه من الأوربيين قد شاركوا المسلمين في هذه العاطفة ، فقد قال فيه الكاتب الإنجليزي كارليل : أما ذلك الفتى علي فلا يسعك

ص 600

إلا أن تحبه ، ركب الله في طبعه النبل منذ الحداثة ، وتجلى في خلاله الكرم طوال عمره ، ثم طبعه على العمل ونفاذ الهمة وصراحة البأس ، وآتاه سر الفروسية وجرأة الليث ، وكل أولئك في رقة قلب وصدق إيمان وكرم فعال يليق بالفروسية المسيحية ، ثم سار علي خصومته وخلافته وسياسته على ضوء هذه الأخلاق ، فما قارف الأثرة ، ولا حاول الفرقة ، ولا راقب الفرصة ، ولا أثار العصبية ، ولا استخدم المال ، وإنما أخلص النية للعمرين ، ومحض النصيحة لعثمان ، وأعذر بالحجة لمعاوية . ولكن دنيا الفتوح كانت قد أخذت على عهده تتجاهل دين البساطة والزهد ، ولم تعد السياسة الدينية وحدها قادرة على كبح النفوس المفتونة بمال معاوية في الشام ، وثراء الرافدين في العراق ، فانتشر أمره وانصدعت خلافته ، ثم قتل مظلوما في محرابه ، فكان محياه ومماته تاريخا داميا للفضيلة المعذبة والنفس المطمئنة الشهيدة . ثم ورث بنيه وأهليه ذلك العزم الثائر وهذا المجد الثائر ، فذب الموت للحسن سرا في كأس مذعوفة ، وقتل الحسين قتلة لا يزال يرعد من هولها الدهر . وتلاحقت الفواجع الأموية فصرع زيد وقتل يحيى ، وأفتنت المنايا الرواصد في اختلاج بني علي ، وهم يقابلون هول الغوائل الظاهرة والباطنة بالشجاعة والصبر والاحتساب ، حتى أسفرت حول وجوههم طفاوة من التنزيه والتقديس وتخللت محبتهم قلوب المسلمين ، ولا سيما الشيعة ، فإن ندمهم على خذلانهم إياهم ، وألمهم لما رأوا من اضطهادهم وأذاهم ، رفعا في نفوسهم ذلك الحب . إلى أن قال في ص 186 : كان علي كرم الله وجهه قوي العضل ، صادق البأس ، شجاع القلب لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه . وكان حجة في الفقه ، قدوة في الورع ، شديد الشكيمة في الحق ، قوي الثقة بالنفس ، لا يعرف الهوادة في الدين ولا المرونة في

ص 601

الدنيا ، فكانت هذه الخلال الكريمة من أنصار معاوية الداهية في الخلاف عليه . ولا نعلم بعد رسول الله فيمن سلف وخلف أفصح من علي في المنطق ، ولا أبل ريقا في الخطابة . كان حكيما تتفجر الحكمة من بيانه ، وخطيبا تتدفق البلاغة علي لسانه ، وواعظا ملء السمع والقلب ، ومترسلا بعيد غور الحجة ، ومتكلما يضع لسانه حيث شاء . وهو بالإجماع أخطب المسلمين وإمام المنشئين ، وخطبه في الحث على الجهاد ، ورسائله إلى معاوية ، ووصفه الطاووس والخفاش والدنيا وعهده للأشتر النخعي إن صح ذلك تعد من معجزات اللسان العربي ، وبدائع العقل البشري . وما نظن ذلك قد تهيأ له إلا لشدة خلاطه للرسول ومرانته منذ الحداثة على الخطابة له والخطابة في سبيله . ومنهم العلامة كمال الدين عمر بن أحمد بن هبة الله الشهير بابن العديم المتوفى سنة 660 في كتابه بغية الطلب في تاريخ حلب (ص 288 ط معهد تاريخ العلوم العربية في فرانكفورت سنة 1406) قال : الفصل الثاني في بيان أن عليا عليه السلام على الحق في قتاله معاوية : لا خلاف بين أهل القبلة رضي الله عنه إمام حق منذ ولي الخلافة إلى أن مات وإن من قاتل معه كان مصيبا ومن قاتله كان باغيا ومخطئا إلا الخوارج فإن مذهبهم معلوم ولا اعتبار بقولهم . وقال أيضا في ص 296 : أخبرنا السلار بهرام بن محمود بن بختيار الأتابكي إذنا وسمعت منه بالمزة من غوطة دمشق قال : أخبرنا الحافظ عبد الخالق بن أسد بن ثابت ، قال : أخبرني أبو المعالي عبد الخالق بن عبد الصمد بن البدن ببغداد ، قال : أخبرنا قاضي القضاة أبو بكر محمد بن عبد الله بن الحسين إجازة ، قال : أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي ، قال : أخبرنا الحاكم أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله ، قال حدثنا

ص 602

أبو عبد الله الحسين بن علي بن جعفر بالري ، قال : حدثنا أبو بكر الجعابي ، قال : حدثنا أبو سعيد ، قال : حدثنا أحمد بن يحيى ، قال : حدثنا الوليد بن حماد ، عن عمه الحسن بن زياد ، عن أبي حنيفة ، إنه قال : ما قاتل أحد عليا إلا وعلي أولى بالحق منه ، ولولا ما سار علي فيهم ما علم أحد كيف السيرة في المسلمين . ومنهم العلامة عبد الغني بن إسماعيل النابلسي الشامي في زهر الحديقة في رجال الطريق (ق 172 والنسخة مصورة من إحدى مكاتب إيرلندة) قال : علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي المكي المدني الكوفي أمير المؤمنين ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم واسم أبي طالب عبد مناف هذا هو المشهور وقيل اسمه كنيته وأم علي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية وهي أول هاشمية ولدت هاشميا لهاشمي أسلمت وهاجرت إلى المدينة وتوفيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في قبرها . كنية علي رضي الله عنه أبو الحسن وكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا تراب فكانت أحب ما ينادى به إليه ، وهو أخو رسول الله صلى عليه وسلم بالمؤاخاة وصهره على فاطمة سيدة نساء العالمين وأبو السبطين ، وهو أول خليفة من بني هاشم وأحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة . أسلو وهو ابن خمسة عشرة سنة وقيل أسلم علي والزبير وهما ابن ثمان سنين وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان وخيبر والفتح وحنينا والطائف وسائر المشاهد إلا تبوك فإن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة ، وله في جميع المشاهد آثار مشهورة وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم اللواء في مواطن كثيرة ، وقال سعيد بن المسيب : أصابت عليا يوم الأحد ست عشرة ضربة وثبت في الصحيحين إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه الراية يوم خيبر وأخبر أن الفتح يكون على يديه .

ص 603

وأحواله في الشجاعة وآثاره في الحروب مشهورة . وأما علمه فكان من العلوم بالمحل العالي ، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمأة حديث وست وثمانون حديثا اتفق البخاري ومسلم بخمسة عشر روى عنه بنوه الثلاثة الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبو موسى وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير وأبو سعيد وزيد بن أرقم وجابر بن عبد الله وأبو أمامة وصهيب وأبو رافع وأبو هريرة وجابر بن سمرة وحذيفة ابن أسيد وسفينة وعمرو بن حريث وأبو ليلى والبراء بن عازب وطارق بن شهاب وطارق بن أشيم وجرير بن عبد الله وعمارة بن ربية وأبو الطفل وعبد الرحمن بن أبزي وبشر بن سحيم وأبو جحيفة الصحابيون رضي الله عنهم إلا أبي الحنفية فإنه تابعي وروى عنه من التابعين خلائق مشهورون ، وقال ابن المسيب : وكان أحد يقول سلوني غير علي ، وقال ابن عباس : أعطي علي تسعة أعشار العلم والله لقد شاركهم في العشر الباقي . ومنهم العلامة أبو الفتح الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن يحيى المشهر بابن سيد الناس المتوفى سنة 732 في منح المدح أو شعراء الصحابة من مدح الرسول أو رثاه (ص 184 ط دار الفكر - دمشق) قال : علي بن أبي طالب واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، أمير المؤمنين ، أبو الحسن رضي الله عنه ، وأمه أول هاشمية ولدت لهاشمي ، أسملت وهاجرت إلى المدينة وتوفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم . ومن حديث عطاء عن ابن عباس ، قال : لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب ألبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ، واضطجع معها في قبرها ، فقالوا : ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه ؟ ! فقال : إنه لم يكن أحد بعد

ص 604

أبي طالب أبر بي منها ، إنما ألبستها قميصي لتكتسى من حلل الجنة واضطجعت معها ليهون عليها . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تبنى عليا قبل البعثة ، ثم آخى عليه السلام بين المهاجرين بعضم وبعض ، ثم أخي بين المهاجرين والأنصار بعد الهاجرة ، وآخى بين علي ونفسه في المرتين . وذكر محمد بن جرير الطبري : حدثنا علي بن عبد الله الدهقان ، ثنا مفضل بن صالح ، عن سماك بن حرب عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره : هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف ، وهو الذي صبر معه يوم فر عنه غيره ، وهو الذي غسله وأدخله في قبره . قرئ على السد أبي الفضل بن العلم المزي وأنا أسمع ، أخبركم أبو علي حنبل ابن عبد الله قراءة عليه وأنتم تسمعون فأقر به ، أنا الرئيس أبو القاسم هبة الله بن محمد الشيباني ، أنا أبو علي الحسن بن علي بن المذهب ، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا أبي ، ثنا يحيى ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن علي رضي الله عنه ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا حديث السن . قال : قلت : تبعثني إلى أقوام يكون بينهم أحداث ، ولا علم لي بالقضاء . قال : إن الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك . قال : فما شككت في قضاء بين اثنين بعد . رواه ابن ماجة في الأحكام ، عن علي بن محمد بن يعلى وأبي معاوية ، عن الأعمش به . ورواه أبو داود ، عن عمرو بن عون ، عن شريك ، عن سماك ، عن حسين أبي المعتمر ، عن علي . قد روى مسلم في صحيحه قوله : إنه تعهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق . وروى الترمذي في المناقب قوله عليه السلام : أنا دار الحكمة وعلي بابها س وأخبرنا عبد الرحيم بن

ص 605

يحيى ، أنا أبو علي الرماني ، ثنا ابن الحصين ، أنا ابن المذهب ، أنا أبو بكر بن حمدان ، أنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا ابن نمير ، عن أبي عبد الرحيم الكندي ، عن زاذان بن عمر ، قال : سمعت عليا في الرحبة وهو ينشد الناس : من شهد رسول صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم وهو يقول ما قال ؟ فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه . وروينا عن أبي عمر بن عبد البر رحمه الله ، قال ، حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف ، ثنا يحيى بن مالك بن عائذ ، ثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن مقلة البغدادي بمصر ، ثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد ، ثنا العكلي ، عن الحرمازي ، عن رجل من همدان ، قال : معاوية لضرار الصدائي : يا ضرار صف لي عليا ، قال : اعفني يا أمير المؤمنين ، قال : لتصفنه . قال أما إذ لا بد من وصفه فكان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحشته ، وكان غزير الدمعة طويل الفكرة ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما خشن ، كان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، وينبئنا إذا استنبأناه ، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له . يعظم أهل الدين ، ويقرب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله . وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول : يا دنيا غري غيري ، إلي تعرضت أم إلي تشوفت ؟ هيهات هيهات ! قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعمرك قصير وخطرك حقير . آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق . فبكى معاوية وقال : رحم الله أبا الحسن ، كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزن من ذبح واحدها في حجرها .

ص 606

ومما روينا عن ابن إسحاق من شعر علي رضي الله عنه يوم بدر : ألم تر أن الله أبلى رسوله * بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل بما أنزل الكفار دار مذلة * فألفوا هوانا من إسار ومن قتل فأمسى رسول الله قد عز نصره * وكان رسول الله أرسل بالعدل في أبيات ذكرها . ومما ذكر له يذكر إخلاء بني النضير وما تقدم ذلك من قتل كعب بن الأشرف : فأصبح أحمد فينا عزيزا * عزيز المقامة والموقف فيا أيها الموعدوه سفاها * ولم يأت جورا ولم يعنف ألستم تخافون أدنى العذا * ب وما أمن الله كالأخوف وأن تصرعوا تحت أسيافه * كمصرع كعب أبي الأشرف قتل علي رضي الله عنه في رمضان سنة أربعين شهيدا ، قتله ابن ملجم . ومنهم العلامة الشيخ محمد بن داود بن محمد البازلي الكردي الشافعي المتوفى سنة 925 في كتابه غاية المرام (ص 69 والنسخة مصورة من مكتبة جستربيتي بإيرلندة) قال : علي بن أبي طالب اسمه عبد مناف صحابي قرشي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وزوج ابنته فاطمة وأبو ذريته ، فإنه انقرض ذرية سيد الخلق إلا من فاطمة . قيل إنه أول من أسلم ، وهو من السابقين الأولين ، أحد العشرة المبشرة ، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام ، وأحد الستة صاحب الشورى ، وأفضل الأحياء على وجه الأرض يوم مات بإجماع أهل السنة ، أبو الحسن الكوفي وأمه فاطمة بنت أسد ابن هاشم ، شهد بدرا وجميع المشاهد غير تبوك ، روى عن النبي (ص) خمسمائة وستين حديثا ، للبخاري منها تسعة وعشرون حديثا ، وروى عن أبو جحيفة وابناه الحسنان ومحمد المشهور بابن الحنفية ومروان بن الحكم

ص 607

وأبو عبد الرحمن بن ليلى وربعي بن حراش وعبيدة السلماني ، نقل عنه البخاري في مواضع أولها : أثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب العلم . تولى الخلافة بعد عثمان يوم الجمعة لثمان خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ومدتها أربع سنين وتسعة أشهر ، مات صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع وعشرين سنة . هذا على قول من يقول إنه عاش سبعا وخمسين سنة ، وسيأتي أن المرجح إنه عاش ثلاثا وستين سنة ، فيكون مراهقا عند البعثة إن لم يكن بالغا على اختلاف في ذلك ، وعلى الأول لا يكون مميزا لو لم يقل أحد يذلك ، نعم منهم من قال إنه كان مميز القول : سبقتهم إلى الإسلام طرا صفيرا ما بلغت أوان حلمي ولهذا ذهب الأئمة الثلاثة من جميع علمائنا إلى أن إسلام المميز صحيح اقتداء بعلي ، فإنه صلى الله عليه وسلم دعاه إلى الإسلام قبل البلوغ فأجابه ، وأجاب جمهور علمائنا إن هذا الشعر لم يصح منه وإن عليا كان ابن خمس عشرة سنة ، وأجاب البيهقي : إن الأحكام كانت متعلقة منوطة بالتمييز قبل الهجرة ، وإنما تعلقت بالبلوغ الخندق بعد الهجرة . ومنهم الحافظ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله القرشي التميمي البكري البغدادي المتوفى سنة 597 في عجائب علوم القرآن (ص 53 ط الزهراء للإعلام العربي سنة 1407) قال : علي بن أبي طالب ، بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ابن عم الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزوج ابنته من السابقين الأولين ، المرجح أنه أول من أسلم ، وهو أحد العشرة ، مات في رمضان سنة أربعين ، وهو يومئذ أفضل الأحياء من بني آدم بالأرض بإجماع أهل السنة وله ثلاث وستون سنة على الأرجح . ومنهم العلامة أبو نصر أحمد بن محمد بن الحسين البخاري الكلاباذي المتوفى سنة

ص 608

398 في رجال البخاري المسمى بالهداية والإرشاد (ج 2 ص 524 ط دار المعرفة في بيروت) قال : ذكر اسمه الشريف ، وسرد نسبه المنيف وبين شمة من فضائله ومناقبه عليه السلام وعد جماعة ممن عنه العلم . . ومنهم العلامة إسماعيل بن هبة الله الموصلي الشافعي في غاية الوسائل في معرفة الأوائل (ق 242 نسخة مكتبة سلطان أحمد الثالث بإسلامبول) قال : أول من ولده الهاشميان - ثم سرد نسبه الشريف من الطرفين (الأب والأم) . ومنهم العلامة محمد بن محمد الجزري الحنفي البلخي في الدرجات العلية (ق 15 نسخة إحدى مكاتب تركيا) سرد اسمه ونسبه الشريف - إلى أن قال في شأن أمه فاطمة بنت أسد : هي أول هاشمية ولدت هاشميا - ثم ذكر إسلامها وهجرتها إلى المدينة ووفاتها في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله سلم والنبي صلى عليها ونزل في قبرها . . الخ . ومنهم العلامة ابن العسقلاني في تقريت التهذيب (ج 1 ص 39) قال بعد سرد نسبه الشريف : هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته من السابقين الأولين أول من أسلم - الخ .

 

الصفحة السابقة

شرح إحقاق الحق (ج31)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب