ص 1
مستدركات فضائل ومناقب أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين ويعسوب
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
ص 3
مستدرك ترجمة الإمام علي عليه السلام
قد تقدم في هذا الكتاب الشريف ذكر اسمه الشريف
ونسبه المنيف مرارا نقلا عن كتبا العامة ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها
فيما سبق: فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711
في مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (ج 17 ص 297 ط دار الفكر) قال: علي بن أبي طالب
عليه السلام واسم أبي طالب عبد مناف، بن عبد المطلب واسمه شيبة، بن هشام واسمه
عمرو، ابن عبد مناف واسمه المغيرة، بن قصي واسمه زيد، أبو الحسن الهاشمي ابن عم
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختنه على ابنته، وأخوه وأبو سبطيه الحسن
والحسين. من المهاجرين الأولين، شهد بدرا واحدا والمشاهد كلها، وبويع بالخلافة بعد
قتل عثمان بن عفان يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين،
وكانت بيعته في دار عمرو بن محصن الأنصاري، ثم بويع للعامة من الغد يوم السبت في
مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ص 4
ومنهم العلامة الحافظ أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي المتوفى سنة 354 في
السيرة النبوية وأخبار الخلفاء (ص 521 ط مؤسسة الكتب الثقافية ودار الفكر في
بيروت) قال: علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد
مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن
كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أبو الحسن
الهاشمي، وأمه فاطمة بنت أسد بن هشام بن عبد مناف، وهاشم أخو هشام، ومن زعم أنه أسد
بن هاشم بن عبد مناف فقد وهم. ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن ابن
الجوزي المتوفى سنة 597 في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (ج 5 ص 66 ط دار
الكتب العلمية بيروت) قال: هو علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد
المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ويكنى أبا الحسن وأبا تراب. وأمه فاطمة بنت أسد بن
هاشم بن عبد مناف، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وعلي عليه السلام أول من صدق رسول
الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم، وشهد المشاهد معه ولم يختلف عن مشهد، إلا أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه في غزوة تبوك، فقال: أتخلفني في النساء
والصبيان؟ فقال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. ولما آخى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بين الناس آخى بينه صلى الله عليه وسلم وبين علي بن أبي طالب
رضي الله عنه. ومنهم العلامة محمد بن حسن الآلاني الكردي المتوفى سنة 1189 في رفع
الخفا شرح ذات الشفا (ج 2 ص 257 ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية) قال:
ص 5
كان آدم شديد الأدمة عظيم العينين أقرب إلى القصر، ذا بطن، كثير الشعر، عريض
اللحية، أصلع أبيض الرأس، لم يخضب إلا نادرا، كذا في صفوة ابن الجوزي. وفي ذخيرة
[ذخائر] العقبى للمحب الطبري: كان ربعة معتدلا، أدعچ العينين عظيمهما، حسن الوجه
كأنه قمر، عظيم البطن إلى السمن، وفي رواية: أغيد كأن عنقه بريق فضة، أصلع ليس في
رأسه شعر إلا من خلفه، وشديد الساعد واليدين إذا مشى إلى الحرب هرول، ما صارع أحدا
إلا صرعه، خفيف المشي ضحوك السن. إلى أن قال بعد نقل قول شرح المقاصد عن بعض
المتكلمين انعقاد الإجماع على كونه حقيقا بالخلافة: قال إمام الحرمين: ولا عبرة
بقول من قال: لا إجماع على إمامة علي إن الخلافة لم تنكر له. ومنهم العلامة الحافظ
زين الدين الشيخ زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنكي الأزهرى الشافعي
المتوفى سنة 925 في تعليقة فتح الباقي على ألفية العراقي (ج 1 ص 26 ط دار الكتب
العلمية في بيروت) قال: علي بن أبي طالب: أمير المؤمنين أبو الحسنين علي بن أبي
طالب الهاشمي صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خصه الله تبارك وتعالى بمزايا
فجعل السلالة النبوية من صلبه، فقد أخرج الطبراني في الكبير عن جابر والخطيب عن ابن
عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تبارك وتعالى جعل ذرية كل نبي
في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي من فاطمة. وفي حديث: إن الله لم يبعث نبيا قط إلا
جعل ذريته من صلب غيري فإن الله جعل ذريتي من صلب علي ه. واعلم أن الشرف كان يطلق
في الصدر الأول على كل من كان من أهل البيت سواء كان حسنيا أم حسينيا أم علويا من
ذرية محمد بن الحنفية وغيره من أولاد علي بن أبي طالب أم جعفريا أم عقيليا أم
عباسيا، ولهذا نجد المؤرخين كالحافظ الذهبي وغيره يقول في التراجم: الشريف العباسي
الشريف العقيلي الشريف الجعفري، فلما
ص 6
ولي الخلافة الفاطميون بمصر قصروا اسم الشريف على ذرية الحسن والحسين واستمر ذلك
بمصر إلى الآن، قاله السيوطي. فتخصيص الشرف بأولاد السبطين ليس بشرعي وإنما هو
عرفي. قال في الدر النفيس عقب نقله ما سلف: وهذا الذي أحدثه الفاطميون بمصر هو قديم
عندنا بالمغرب من لدن افتتحه المولى إدريس بن عبد الله ه. ومن مزاياه دخوله في
المباهلة والكساء وحمله في أكثر الحروب اللواء وقول النبي صلى الله عليه وسلم: أما
ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. وهو في المرتبة الرابعة باعتبار التفضيل
على ما عليه الجمهور، وقد وقع بينه وبين معاوية حرب طاحنة أفضت إلى التحكيم وبسببه
نشأت الخوارج لخروجهم عن التحكيم ونشأت إذ ذاك فتن معضلة لا يمكننا الوقوف على
حقيقتها كما قال أئمة السلف، فتلك دماء طهر الله منها أيدينا فلا نلوث بها ألسنتنا.
مات شهيدا في 17 رمضان سنة 40 هجرية وله 63 سنة ضربه عبد الرحمن بن ملجم الخارجي،
ودفن بالكوفة في قصر الإمارة عند المسجد الجامع (1).
(هامش)
(1) قال الفاضل المعاصر خالد محمد خالد في كتابه في رحاب علي عليه السلام ص 45
ط دار المعارف بمصر ودار المعارف بلبنان: هنا يعيش علي ويحيا. أجل، هنا مذ كان محمد
عليه السلام عابدا يبحث عن الحق، ويتعبد في غار حراء، ويقلب وجهه في السماء، وكأنه
على موعد يترقبه ويتعجله. وهو هنا يعيش بعد أن أوحى إلى رسول الله ودعته السماء
ليقول كلمتها، ويبلغ رسالتها. وعندما بدأت أيام الرسالة الأولى بل عندما بدأت أول
ساعاتها ولحظاتها - كان هناك ثلاثة يلحظون التغير الهائل الذي أخذ يرسم سيماه على
حياة الرسول، هم خديجة زوجته وعلي ابن عمه وزيد خادمه، ولقد أسلموا بهذا الترتيب
أيضا. سأله علي وهو ابن عشر سنين لا غير: ماذا أراك تصنع؟ وأجابه الرسول: إني أصلي
لله رب العالمين. وسأله علي: ومن يكون رب العالمين؟ وعلمه الرسول وهداه: = (*)
ص 7
(هامش)
= إنه إله واحد لا شريك له له الخلق وبيده الأمر يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
ولم يتردد الغلام المبارك، فأسلم وكان أول المسلمين في حين كانت خديجة رضي الله
عنها أول المسلمات. ومن ذلك اليوم، وهو مع النبي لا يفارقه، يصلي معه، ويصغي إليه،
ويراه وهو يتهيأ لتلقي الوحي. وكم من آية وآيات، كان هو أول من يسمعها وهي لا تزال
حديثة العهد بمنزلها وموحيها. وأخذ الذين اصطفتهم السماء لصحبة الرسول يقبلون عليه
مؤمنين: أبو بكر الصديق فعثمان والزبير وطلحة وابن عوف وسعد بن أبي وقاص. فأبو
عبيدة وأبو سلمة والأرقم وأبناء مظعون وخباب وسعيد بن زيد وعمار وعمير وابن مسعود
الذين كتب لهم حظ السبق إلى الإسلام. وصارت دار الأرقم على الصفا مكان لقائهم،
يتلقون فيه خفية وسرا، فيتلو عليهم الرسول ما يتنزل به الوحي على قلبه ويصلي بهم،
ويبارك إيمانهم. لم يغب علي عن دار الأرقم أبدا، ولم يفته من مشاهدها الخالدة مشهد
واحد وتحت سقفها وكذلك سقف الدار التي يسكنها النبي، ويقيم علي معه فيها. طالما سمع
آيات الله تتلى، وطالما غمرته أنوار النبوة تغسل حوبه وذنبه. ماذا؟! أأقول تغسل
حوبه وذنبه؟ ولكن متى كان له حوبه أو ذنب متى، وهو الذي ولد في الإيمان والعبادة
والهدى؟ إنه وهو في السادسة من عمره بدأ يعيش مع محمد الصادق الأمين، يتأدب على
يديه، ويتأثر بطهره، وعظمة نفسه، وتقى ضميره وسلوكه وحين بلغ العاشرة، كان الوحي قد
أمر الرسول بالدعوة وكان هو سابق المسلمين. وسارت حياته من ذلك اليوم إلى أن يجئ
اليوم الذي سيلقى فيه ربه تطبيقا كاملا وأمينا لنهج الرسول وتعاليم القرآن. ألا
بوركت هذه الحياة، حياة لم تكن لها قط، صبوة ولا شهوة ولا هفوة. حياة ولد صاحبها
وتبعات الرجال فوق كاهله. حتى لهو الأطفال، لم يكن لحياة ابن أبي طالب فيه حظ ولا
نصيب. = (*)
ص 8
(هامش)
= فلا مزامير البادية، ولا أغاني السمار شبع منها سمع الطفل، ووجدان الشاب. لكأن
المقادير كانت تدخر سمعه ووجدانه، لكلمات أخرى ستغير وجه الأرض، ووجه الحياة. أجل
لقد أدخر سمع الفتى وقلبه، ليتلقى بهما كما لم يتلق أحد مثله آيات الله العلي
الكبير. أرأيتم الآيات التي سمعناها من قبل؟ فلنتصور عليا وهو يسمعها طازجة مشرقة
متألقة حديثة العهد بربها، يرتلها رسول رب العالمين. ولكن لا فلن نستطيع أن نتصور،
أو حتى تخيل. وحسبنا ونحن نطالع هذه الحياة أن نقدر على متابعة الكلمات التي تروي
أنباءها وعجائبها. في نور هذه الآيات المنزلة، والتي كان الوحي يجئ بها تباعا، قضى
علي بن أبي طالب بواكير حياته النضرة، يبهره نورها ويهزه هديرها. يسمع آية الجنة
يتلوها الرسول، فكأنما الغلام الرشيد يراها رأي العين، حتى ليكاد يبسط يمينه ليقطف
من مباهجها وأعنابها. ويسمع آية النار، فيرتعد كالعصفور دهمه إعصار، ولولا جلال
الصلاة وحرمتها لولي هاربا من لفح النار الذي يكاد يحسه ويراه. أما إذا سمع آية تصف
الله في عظمته، وجلاله، أو آية تعاتب الناس على إشراكهم بالله ما ليس لهم به علم،
وجحودهم فضله ونعمته فعندئذ يتحول الغلام الراشد إلى ذوب تقى وحياء. لقد أشرب قلبه
جمال القرآن وجلاله وأسراره، هذا الذي كان يشهد نزوله آية آية حتى صار جديرا بأن
يقول وهو صادق: سلوني وسلوني وسلوني عن كتاب الله ما شئتم.. فوالله ما من آية من
آياته إلا وأنا أعلم أنزلت في ليل أم في نهار. وحتى كان كما وصفه الحسن البصري رضي
الله عنه. أعطي القرآن عزائمه وعلمه وعمله، فكان منه في رياض مونقة وأعلام بينة.
هذا هو علي بن أبي طالب. هذا هو الذي نرجو ألا نكون مغالين إذ وصفناه بأنه: ربيب
الوحي. فطوال السنوات الأولى لنزول الوحي، كان فتانا هناك، يشهد نزوله، ويسبق غيره
في تلقيه من رسول رب العالمين. ويلقى سمعه، وقلبه لأسراره وأنواره. ولطالما شهدته
شعاب مكة، وهو ثاني اثنين الرسول عليه السلام، وعلي كرم الله = (*)
ص 9
(هامش)
= وجهه، يصليان معا، بعيدا عن أعين القرشيين وأذاهم. وهنالك في رحاب الصحراء
الواسعة، حيث لا يرتد البصر أمام حدود أو سدود، وحيث تتنزل على النفس أسرار الكون
العظيم. عاكسة على الشعور جلاله ومجده، كان علي يتلقى من فم الرسول كلمات القرآن
وآياته نفسه مرفهة، وعزمه متهلل قلبه جميع، وروحه حر وشخصيته بكل خصائصها الموروثة
والمكتسبة، تتلقى تأثيرا لا يقاوم وتستسلم في غبطة مطلقة لهذه الآيات التي آمن بها
وحيا ودينا. وآمن بقارئها وتاليها نبيا ورسولا. من أجل هذا، لا نعجب، إذ رأينا عليا
طوال حياته يعطي القرآن ولاء مطلقا ولا يقبل أدنى ميل عنه، ولا يغفر أقل تفريط فيه.
إنه ربيب الوحي والتلميذ الأول للقرآن وإنه سابق المسلمين، ألم يسمع القرآن يتساءل
في هدير ورهبة: (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته
يؤمنون) بأي حديث. إن الفتى الأواب ليرتجف من هول التساؤل، وجلال الخطاب ويجيب في
صيحة مكظومة: لا بحديث غير حديثك نؤمن، يا رب كل شيء. ومن هذه الآية، ومثلها معها
من آيات القرآن العظيم، أشرب قلب علي ولاء للقرآن ليس له نظير. ألم يسمع القرآن
يحدد للرسول طريقه المستقيم فيقول: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها، ولا
تتبع أهواء الذين لا يعلمون). إنه أيضا من هذه الآية، ومثلها من آيات القرآن
وتعاليم السماء، ليستمد عزما خارقا على أن يسير فوق صراط الحق بخطى ثابتة راسخة
أكيدة، متخطيا أهواء الذين لا يعلمون في استقامة قديس، وشموخ مقتدر. لك الله أبا
الحسن أكنت تدري، أي معارك ضارية ستخوضها غدا ضد أهواء الذين لا يعلمون؟ من ولائه
الوثيق للقرآن، وشهوده فجر الوحي وضحاه كان علي ربيب الوحي. ومن ولائه الوثيق
للإسلام، وسبقه إليه قبل غيره من رجال العالمين كان علي سابق المسلمين. وسابق
المسلمين لقب لا يستحقه علي لمجرد سبقه إلى الإسلام. فعلي، هو الذي علم الناس فيما
بعد، أنه: ليس الطريق لمن سبق بل لمن صدق. إنما يستحقه لأنه = (*)
ص 10
(هامش)
= حاز كلتا الحسنيين: السبق والصدق. وحين نتتبع مظاهر إسلامه نرى عجبا وحين نستقبل
شمائل إيمانه، نستقبل روضات يانعات نتأنق فيهن، ويثملنا عبيرها، وطهرها وتقاها.
والآن، ما بالكم برجل اختاره الرسول من بين أصحابه جميعا: ليكون في يوم المؤاخاة
أخاه؟ وكيف كانت أبعاد إيمانه وأعماقه، حتى آثره الرسول بهذه المكرمة والمزية؟
عندما تمت هجرة النبي والمسلمين إلى المدينة، آخى الرسول بين المهاجرين والأنصار
وجعل لكل أنصاري أخا من المهاجرين حتى إذا فرغ عليه السلام من دمجهم في هذا الإخاء
العظيم رنا بصره تلقاء شاب عالي الجبهة، ريان النفس، مشرق الضمير وأشار الرسول
إليه، فأقبل عليه، وبين الأبصار المشدودة إلى هذا المشهد الجليل، أجلس النبي عليا
إلى جواره، وربت على كتفه، وضمه إليه وهو يقول: وهذا أخي. لقد كان الصديق أبو بكر،
وكان الفاروق عمر آنئذ هناك، فهل من حقنا أن نتساءل: لماذا لم يختص الرسول أحدهما
بهذا الذي اختص به عليا؟ إن تساؤلا كهذا يفسد جلال المشهد ويفوت علينا رواءه
والمسلم الذي ينشد الأدب مع رسول الله وأصحابه يحني هامته إجلالا لهذا الرعيل الأول
والأسبق من أصحابه على حد سواء. اختار الرسول إذن عليا ليكون في هذه المؤاخاة أخاه،
وكل شرف كان الإسلام يضفيه علي ابن أبي طالب كان يزيد إحساسه بمسئولياته الدينية
شحذا، وقوة. ولم يكن في طول الدنيا وعرضها ما يراه ابن أبي طالب كفوا لأن يكون
مثوبة على إسلامه وأجرا. إن الإمام كرم الله وجهه كان يعرف تماما قيمة الذي هداه
ربه إليه، وكان من الذين يؤمنون بأن الخير مثوبة نفسه. فالذي يوفق للخير ولحق يكون
جاهلا بقيمة الحق والخير، إذا هو طلب من الدنيا مثوبة وأجرا نظير فعله الخير وحمله
راية الحق. وهكذا حمل علي إسلامه بين جنبيه، وتحت ضلوعه، وفي أعماق روحه، ومضى
يستصغر شأن الدنيا بكل فنونها وزينتها. = (*)
ص 11
(هامش)
= وكلما تراءت له مباهجها سدها بعبارته المأثورة: يا دنيا، إليك عني.. يا دنيا، غري
غيري. وعلي في إسلامه، نموذج عظيم مكتمل الشكل والجوهر. فإذا كان الإسلام عبادة،
ونسكا جهادا، وبذلا ترفعا وزهدا فطنة وورعا سيادة وتواضعا قوة ورحمة عدالة وفضلا
استقامة وعلما بساطة وتمكنا ولاء وفهما. إذا كان الإسلام ذلك كله، فإن سابق
المسلمين عليا كرم الله وجهه كان أحد النماذج الباهرة والنادرة لهذا الإسلام. ومن
شاء أن يتعرف إلى حياة الإمام وسلوكه، فليقرأ كلماته ذلك أنه لم يكن بين مقاله
وفعاله، تفاوت أو تناقض. أجل لم يكن بين ما يقول، وما يفعل. بعد ولا مسافة، ولا
فراغ. فإذا حث الناس على الزهد، فلأنه أسبقهم إليه، وإذا حثهم على البذل، فلأنه
أقدرهم عليه، وإذا حثهم على طاعة أية طاعة فلأنه يمارسها في أعلى مستوياتها. صلى
الفجر يوما بأصحابه في الكوفة، وهو أمير للمؤمنين، فلما فرغ من صلاته جلس سائما
جزينا ولبث في مكانه ومجلسه، والناس من حوله يحترمون صمته فلا يتحركون حتى طلعت
الشمس، واستقر شعاعها العريض على حائط المسجد من داخل. فنهض الإمام علي وصلى ركعتين
ثم هز رأسه في أمى، وقلب يده وقال: والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم،
فما أرى اليوم شيئا يشبههم.. لقد كانوا يصبحون وبين أعينهم آثار ليل باتوا فيه سجدا
لله، يتلون كتابه ويتراوحون بين جباههم وأقدامهم.. وإذا ذكروا الله مادوا كما يميد
الشجر في يوم الريح.. وهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم. هذه صورة الماضي العظيم. صورة
الأيام الجليلة الرائعة أيام الوحي والرسالة يعيش فيها علي العابد دوما وأبدا ولا
يستطيع الزمن مهما توغل في البعد أيامه وأعوامه أن ينتزع الإمام العابد منها، فهي
منسكه ومحرابه. وإنه ليحدث المسلمين عن الإسلام الذي آمن به، وجعله كتاب حياته،
فيقول: تعلموا العلم، تعرفوا به، واعملوا، وكونوا من أهله.. ألا وإن الدنيا قد
ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد أتت مقبلة ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء
الآخرة ولا تكونوا = (*)
ص 12
(هامش)
= من أبناء الدنيا. ألا وإن الزاهدين في الدنيا قد اتخذوا الأرض بساطا، والتراب
فراشا، والماء طيبا. ألا وإن من اشتاق إلى الآخرة، سلا عن الشهوات.. ومن أشفق من
النار، رجع عن المحرمات.. ومن طلب الجنة، سارع إلى الطاعات.. ومن زهد في الدنيا،
هانت عليه مصائبها.. ألا، وإن لله عبادا شرورهم مأمونة وقلوبهم محزونة، أنفسهم
عفيفة وحوائجهم خفيفة، صبروا أياما قليلا لعقبى راحة طويلة إذا رأيتهم في الليل،
رأيتهم صافين أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم..
وأما نهارهم فظماء حلماء بررة أتقياء كأنهم القداح.. ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضى
وما بهم من مرض، ولكنه الأمر العظيم. ذلك هو شغله الشاغل ينام هديره ويصحو على
زئيره. دين الله الذي حمل أمانته، وقرأ كتابه ويوم الله، الذي سيقف فيه بين يديه
غدا، لينظر جزاءه وحسابه. أو من أجل هذا، لا ينام علي ولا يستريح؟ أجل، من أجل هذا،
يقضي ليله ونهاره في عبادة تضني جسمه الأيد الوثيق. ومن أجل هذا، يدع الدنيا وراءه
ظهريا، فيأبى وهو خليفة للمسلمين، أن ينزل قصر الإمارة بالكوفة. ويؤثر عليه الأرض
الخلاء. والدار المهجورة. ويلحون عليه كي ينزل قصر الإمارة هذا. فيجيبهم، لا قصر
الخبال لا أنزله أبدا. ومن أجل هذا، يلبس الثوب الخشن، فيسأله أصحابه أن يعطي نفسه
ومنصبه بعض حقهما فيقول: هذا الثوب، يصرف عني الزهو ويساعدني على الخشوع في صلاتي.
وهو قدوة صالحة للناس، كي لا يسرفوا ويتبذخوا. ثم يتلو القرآن العظيم: (تلك الدار
الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين). إنه لا
يركن إلى الدنيا لحظة من نهار. إنها بالنسبة له، قد أدبرت وآذنت بوداع فلماذا إذن
يعطيها ولاءه وبلاءه؟ إن الآخرة عند الإمام هي الدار هي الأبد وما أهل الدنيا في
شتى العصور والدهور إلا سائرون فوق جسر كلما انتهى من عبوره قوم وجدوا أنفسهم أمام
الأبدية حيث الجنة، أو النار. ألا فلنصغ لحديثه: إن المضمار اليوم، وغدا السباق..
ألا وإنكم في أيام أمل، من ورائه أجل.. فمن قصر في أمله قبل حضور أجله فقد خاب
علمه.. ألا فاعملوا لله في = (*)
ص 13
(هامش)
= الرغبة، كما تعلمون له في الرهبة.. ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها ولم أر
كالنار نام هاربها. ألا وإن من لم ينفعه الحق، ضره الباطل.. ومن لم يستقم به الهدى،
حاد به الضلال. ألا وإن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر.. وإن الآخرة وعد
صادق، يحكم فيها ملك قادر.. وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل.. فإن
اتباع الهوى، يصد عن الحق.. وإن طول الأمل، ينسي الآخرة. فلتأت الأحداث والأهوال
عاصفة، تقتلع الجبال من حول الأمام، فإنه لن يتبع الهوى أبدا. فإن اتباع الهوى يصد
عن الحق. ولتبذل الدنيا له كل نفسها وزينتها، وبهجتها، وإغرائها، فإنه لن يربطها به
أمل ولا رجاء. فإن طول الأمل، ينسي الآخرة. وهو رضي الله عنه لا يريد أن يتوه عن
الحق، ولا يريد أن ينسى الآخرة. فالحق حياته والآخرة داره. على أن زهد ابن أبي طالب
في الدينا، وعزوفه عنها ليس زهد الهاربين من تبعات الوجود ومسئوليات الحياة. إنما
هو زهد يشكله إسلامه، الذي يجعل المسئولية العادلة دينا، ويجعل العمل الصالح الدائب
عبادة وقربى. وهنا نلتقي ب علي يصحح المعايير والموازين، إذ لا يكاد يسمع رجلا يذم
الدنيا مذمة العاجز المتواكل حتى يقول: الدنيا دار صدق، لمن صدقها ودار نجاة، لمن
فهم عنها، ودار غنى وزاد لمن تزود منها. مهبط وحي الله.. ومسجد أنبيائه.. ومتجر
أوليائه.. ربحوا فيها الرحمة، واكتسبوا فيها الجنة. أجل هذه هي دنيا المسلم، كما
يفهمها ربيب الوحي، وسابق المسلمين.. دار عمل لا لهو يكدح فيها الانسان لينشئ لنفسه
مصيرا سعيدا يوم يقوم الناس لرب العالمين. وهي دار صدق، لمن عاش فيها صادقا مع
مسئولياته وتبعاته ودار نجاة، لمن سار فيها على درب النجاة. وبهذا الفهم السديد
للدنيا، ربحها علي وربح بها مصيره وأخراه. فهي بالنسبة له، لم تكن دار لعب ولهو
أبدا. منذ طفولته الباكرة، حمل الإسلام في قلبه. وحمل معه كل أعباء الرجال. ولقد
قطع حياته وقضى أيامه على الأرض في كفاح موصول، ونضال لم يعرف الراحة يوما. وعاش
كما وصفه الرسول عليه السلام: مخشوشن في سبيل الله. = (*)
ص 14
(هامش)
= مقت الترف من كل نفسه، ونأى عنه بكل قوته وعزمه. ذلك أنه فهم الإسلام وعاشه،
وتعلم منه أن الترف مشغلة الفارغين العاطلين. والإنسان الذي يعيش مع مسئوليات كبار
كتلك التي يفرضها الإسلام الحق على أبنائه الحقيقيين وأهله إنما يكون حظه من الصدق
والتوفيق مضاهيا حظه من البساطة والتخشن. وهكذا كان الإمام، وهكذا أراد للناس أن
يكونوا. عندما قدم مكة من اليمن ورسول الله يومئذ يحج حجة الوداع، تعجل هو إلى لقاء
النبي تاركا جنوده الذين عادوا معه على مشارف مكة بعد أن أمر عليهم أحدهم. وبدا
لهذا الأمير المستخلف أن يلبس الجند حللا زاهية من تلك التي عادوا بها من اليمن،
حتى يدخلوا مكة وهم في زينتهم يسر منظرهم الأعين. وأمرهم، فأخرجوا من أوعيتهم حللا
جديدة ارتدوها، واستأنفوا سيرهم إلى مكة. وعاد علي بعد لقاء الرسول، ليصحب جنده
القادمين وعلى أبواب مكة رآهم مقبلين في حللهم الزاهية. وأسرع نحوهم، وسأل أميرهم:
ويلك ما هذا؟ قال: لقد كسوت الجند ليتجملوا إذا قدموا على إخوانهم في مكة. وصاح به
علي: ويلك انزع قبل أن تنتهي بهم إلى رسول الله. فخلعوا حللهم جميعا، وكظموا في
أنفسهم مرارة بما صنع بهم علي الورع، الزاهد، الأواب.. ولما دخلوا مكة، ولقوا
الرسول، شكا إليهم بعضهم عليا، وقصوا عليه نبأه معهم. فاستقبل الرسول القوم وقال:
أيها الناس لا تشكوا عليا فوالله، إنه لأخشن في سبيل الله من أن يشكى. وهو بإسلامه
وفي إسلامه لا يتغير طفلا وشابا وشيخا جنديا وقائدا وخليفة للمسلمين.. إن تقوى الله
تأخذ عليه لبة وهو لا يعامل الناس بذكائه، ولا بحسبه ونسبه. بل بإخلاصه وتقواه.. ثم
هو لا يريد منهم، بل ولا يقبل منهم أن يعاملوه بغير الصدق والتقوى. من أجل هذا
سنراه حين يقع الصدام بينه وبين معاوية يؤثر الهزيمة مع الإخلاص والتقوى. على
انتصار يتحقق بالمكر والمراوغة. ويقول له ابن عمه عبد الله بن عباس وهو الصالح
الورع: خادعهم، فإن الحرب خدعة، فيجيبه الإمام الطاهر: لا والله لا أبيع ديني
بدنياهم أبدا. مسلم عظيم يفجر الدنيا من حواليه ذمة، واستقامة، = (*)
ص 15
(هامش)
= وطهرا. وكذلك نراه وهو يخطب أصحابه في أول جمعة، بالكوفة، وهو أمير المؤمنين، لا
يخطب خطبة خليفة ولا أمير ولا حاكم.. لا يصدر قرارات، ولا يرسم سياسة على كثرة ما
كانت الظروف تتطلب من قرارات، وسياسة بل لا يجعل خطابه الأول هذا استجابة لحماس
أصحابه وشد زناد الحمية في أنفسهم استعدادا للمعركة التي سيخوضونها مع جيش الشام
المقاتل، المدرب، الصعب المراس، لا شيء من ذلك كله يضمنه الخليفة والإمام خطابه.
إنما هي الدعوة الخالصة لتقوى الله وحسن عبادته وطاعته اسمعوا: أوصيكم عباد الله
بتقوى الله فإن تقوى الله خير تواصى به عباده، وأقرب الأعمال لرضوانه، وأفضلها في
عواقب الأمور عنده. وبتقوى الله أمرتم، وللإحسان خلقتم.. فاحذروا من الله ما حذركم
من نفسه، فإنه حذر بأسا شديدا. واخشوا الله ليست بتعذير واعملوا من غير رياء ولا
سمعة، فإن من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل ومن عمل مخلصا له تولاه الله
وأعطاه فضل نيته، وأشفقوا من عذاب الله فإنه لم يخلقكم عبثا ولم يترك شيئا من أمركم
سدى قد سمى آثاركم، وعلم أسراركم وأحصى أعمالكم، وكتب آجالكم فلا تغرنكم الدنيا،
فإنها غرارة لأهلها، والمغرور من اغتر بها وإن الآخرة لهي دار القرار. أهذا خطاب
رئيس دولة؟ كلا إنما هو خطاب ناسك. خطاب مسلم ومؤمن وجه وجهه وقلبه وحياته للذي فطر
السماوات والأرض، لا يعنيه إلا أن يحيا في مرضاته تقيا، وأن يحيا الذين من حوله
أتقياء، أنقياء. كذلك نراه ونرى إسلامه الوثيق حين لم يعد، بد من لقاء معاوية في
معركة صفين يستقبل جيشه ليلة المعركة خطيبا، فلا يعدهم ولا يمنيهم. ولا يرفع أمامهم
مباهج الدنيا ونعيمها، ثمنا للنصر إذا هم ظفروا به.. إنما يحدثهم حديثا آخر يختلف
عن كل الأحاديث التي تتطلبها أمثال هذه المناسبة. أنظروا.. ألا إنكم ملاقوا القوم
غدا فأطيلوا الليلة قيامكم وصلاتكم وأكثروا تلاوة القرآن، وسلوا الله الصبر والعفو
والعافية. = (*)
ص 16
(هامش)
= في أوقات السلم، وفي أوقات الحرب فوق ثبج النصر، وتحت وقع الهزيمة في سرائه، وفي
ضرائه لا يستولي عن تفكيره، وعلى ضميره، وعلى شعوره سوى تقوى الله سبحانه. وحتى وهو
يكتب إلى عمرو بن العاص الذي انحاز إلى صف معاوية، وبات يشكل خطرا حقيقيا على جبهة
الإمام، لا نلتقى بالإمام يمني عمرا بدنيا، ولا يستميله إلى هوى نفس السلاح الذي
كان معاوية يكسب به الأنصار بل نبصره يصدع عمرا بالحق في غير مساومة، ولا مجامل.
إنه يناشده تقوى الله لا غير، هذه التقوى التي تجري من بن أبي طالب مجرى الدم،
فيقول له في كتابه إليه: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص.. أما
بعد، فإن الدنيا مشغلة عن غيها وصاحبها مقبور فيها ومهموم عليها لم يصب منها شيئا
قط، إلا فتحت له حرصا، ولا أدخلت عليه مؤونة تزيده رغبة فيها ولن يستغني صاحبها بما
ناله عما لم يبلغه، ومن وراء ذلك فراق ما جمع والسعيد من وعز بغيره، فلا تحبط أجرك
أبا عبد الله، ولا تجارين معاوية في باطله، فإن معاوية غمط الناس، وسفه الحق. إنه
يرفض أن تحدد علاقات الناس به، أو علاقاته بهم منفعة أو غرض. حتى في أحرج ساعات
حياته، يمعن في الرفض وفي الاستغناء. إنه يؤمن بأن الحق مقدس وأنه، جل من كل ثمن.
ولا شيء على وجه الأرض يمثل الحق في يقينه مثلما يمثله الإسلام. ومن أجل ذلك نذر
حياته لقضية الإسلام منذ عمره الباكر. وعاش عمره المسلم يتنفس النقاء، والصدق،
والاستقامة. ليس في حياته كلها وقفة واحدة مع المساومة، أو المداجاة، أو الالتواء..
ولعله لو شاء لكان داهية لا يشق له غبار فحدة ذكائه، واتقاد بصيرته يعطيانه من
الدهاء ما يريد. لكنه تخلى عن كل مواهب الرجل الداهية وأحل مكانها كل مواهب الرجل
الورع. إن فهمه لحقيقة الإسلام. وأن ولاءه الوثيق له قد حملا حياته من الأعباء فوق
ما تطيق. ولقد كان بعض جهاده وبلائه كفيلا بأن يبوئه مكانه العالي بين الأخيار
الصادقين. ولكن الرجل الذي وصفه الرسول بأنه مخشوشن في سبيل الله قد أخذ نفسه
بعزائم الأمور، وناط قدرته وطاقته بالمستحيل، ونذر للإسلام حياة استقلها، فراح =
(*)
ص 17
ومنهم العلامة الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي في تهذيب الكمال في أسماء
الرجال (ج 20 ص 473 ط مؤسسة الرسالة، بيروت) فذكر ترجمته عليه السلام وسرد اسمه
ونسبه الشريف. ومنهم الشريف علي فكري الحسيني القاهري في أحسن القصص (ج 3 ص 178
ط بيروت) قال: نسبه: هو أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، بن هاشم، ابن عبد
مناف، بن قصي، فهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه فاطمة بنت أسد، بن
هاشم، بن عبد مناف، وكان علي أصغر بنيها، وهي أول هاشمية ولدت هاشميا، فهو أول
خليفة أبواه هاشميان. إلى أن قال: ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان علي
أول صبي أسلم وسنه ثمان سنين. وقال المرحوم الشيخ محمد عبد المطلب في قصيدته
المشهورة بالعلوية التي ألقاها في الجامعة المصرية سنة 1919 [1338 ه] ما يأتي:
(هامش)
= يحملها أعباء مائة حياة. ومع أيامه المجيدة التي عاشها في دنيا الناس هذه، حقق
الإسلام فيه معجزة الصياغة تلك المعجزة المتمثلة في قدرة هذا الدين على صياغة
العظمة الانسانية في أحسن تقويم. إن ابن أبي طالب في كل مجالات حياته، لواحد من
أولئك الذين تجلى فيهم إعجاز الإسلام، فلنواصل سيرنا معه، لنرى كيف تكون العظمة
الانسانية وكيف يكون العظماء. (*)
ص 18
علي في صباه وإسلامه:
تبصر هل ترى إلا عليا * إذا ذكر الهدى ذاك الغلاما
غلام يبتغي
الإسلام دينا * ولما يعد أن بلغ الفطاما
إذ الروح الأمين بقم فأنذر * أتى طه
لينذرهم فقاما
وأمتهم إلى الإسلام أم * غدت بالسبق أوفرهم سهاما
وصلى حيدر فشأى
قريشا * إلى الحسنى فسموه الإماما
وما اعتنق الحنيق بغير رأي * ولم يسلك محجته
اقتحاما
ولكن النبوة أمهلته * ليجمع رأيه يوما تماما
فأقبل والحجا يرخى عليه *
جلالا يصغر الشيخ الهماما
يمد إلى النبي يد ابن عم * بحبل الله يعتصم اعتصاما
صغير السن يخطر في إباء * فلا ضيما يخاف ولا ملاما
وما زالت به الأيام ترقى * على
درج النهى عاما فعاما
وقد جمع الحجا والدين فيه * خلائق تجمع الخير اقتثاما
فما
أوفى على العشرين حتى * شهدنا من عظائمه عظاما
ولما بلغ مرتبة الرجل، كان بحرا لا
يدرك غوره في الحلم والحكمة، راسخ الإيمان، سخيا جوادا، يتصدق على الفقراء مع ضيق
حاله، أبي النفس شديدا على الكفار، رحيما على المؤمنين. زواجه: تزوج بالسيدة فاطمة
بنت الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة، وسنها خمس عشرة سنة،
ورزق منها بالحسن والحسين وزينب رضي الله عنهم أجمعين، وكان خطيبا مفوها، يستولي
بفصاحته على النفوس، وكان ممن يكتبون الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال له
النبي صلى الله عليه وسلم عندما آخى بين المهاجرين والأنصار: أنت أخي في الدنيا
والآخرة.
ص 19
شجاعته وإخلاصه للنبي صلى الله عليه وسلم: في الليلة التي اعتزم فيها الكفار قتل
النبي عليه الصلاة والسلام أمره الرسول أن يبيت في مكانه، إيهاما للكفار، وخرج هو
مع أبي بكر مهاجرين إلى مدينة، فامتثل علي أمره، وفداه بنفسه، ونام في فراشه غير
هياب ولا وجل، فلما دخلوا عرفوه، وأدركوا أن النبي قد فاتهم، وأخفقت مكيدتهم
ومؤامرتهم. وقال الشاعر في استخلافه ليلة الهجرة:
فلم ينس النبي له صنيعا * عشية
ودع البيت الحراما
عشية سامه في الله نفسا * لغير الله تكبر أن تساما
فأرخصها فدى
لأخيه لما * تسجى في حظيرته وناما
وأقبلت الصوارم والمنايا * لحرب الله تنتحم
انتحاما
فلم يأبه لها أنفا على * ولم تقلق بجفنيه مناما
وأغشى الله أعينهم فراحت *
ولم تر ذلك البدر التماما
عمو عن أحمد ومضى نجيا * مع الصديق يدرع الظلاما
وغادرت
البطاح به ركاب * إلى الزوراء تعتزم اعتزاما
وفي أم القرى خلى أخاه * على وجد به
يشكو الأواما
أقام بها ليقضيها حقوقا * على طه بها كانت لزاما
وقال في ص 193: ماذا
يقول القائل، في صف هذا الإمام العادل؟ وكل وصاف منسوب إلى العجز لتقصيره عن الغاية
مهما انتهى به القول، وكفى بشهادته صلى الله عليه وسلم بأنه باب مدينة العلم دليلا
على مكنون السر الذي فيه. فهو أول في العلوم، أول في الشجاعة، أول في الحلم والصفح،
أول في الفصاحة، أول في الزهد، أول في العبادة، أول في التدبير
ص 20
والسياسة، أسد الناس رأيا، وأصحهم تدبيرا، لولا تقاه لكان أدهى العرب، كأنما أفرغ
في كل قلب، فهو محبوب إلى كل نفس، ظهر من حجاب العظمة بمعاليه، فاستولى الاضطراب
على الأذهان والمدارك، وذهب الناس فيه مذاهب خرجت بهم عن حدود العقل والشريعة، أهل
الذمة تحبه، والفلاسفة تعظمه، وملوك الروم تصوره في بيوتها وبيعها، ورؤساء الجيوش
تكتب اسمه على سيوفها كأنما هو فال الخير، وآية النصر والظفر. هذا ما قاله المرحوم
الشيخ محمد عبده في وصفه. وقال في ص 195: صفاته الخلقية: كان علي كرم الله وجهه،
شديد الأدمة ثقيل العينين عظيمهما، أقرب إلى القصر من الطول، ذا بطن كثير الشعر
عريض اللحية أصلع، أبيض الرأس واللحية. صفاته الخلقية: شجاعته: علاوة على ما سبق
ذكره من شجاعته، وإخلاصه للنبي عليه الصلام والسلام نقول: كان لعلي كرم الله وجهه
في الحرب مواقف مشهودة يضرب بها الأمثال، فهو الشجاع الذي ما فرط قط، ولا ارتاع من
كتيبة، ولا بارز أحدا إلا قتله. وقد شهد الغزوات كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم
إلا غزوة تبوك، فقد خلفه على أهله حين خرج لقتال الروم في جيش جرار، وأبلى علي في
نصرة رسول الله ما لم يبله أحد. وكان رضي الله عنه قويا جدا، فهو الذي قلع باب خيبر
واجتمع عليه عصبة من الناس ليقلبوه فلم يقدروا. قال جابر بن عبد الله: حمل علي
الباب على ظهره يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها، وأنهم جروه بعد ذلك فلم
يحمله إلا أربعون رجلا. أخرجه ابن عساكر. وهو الذي اقتلع هبل (صنم كبير كانت قريش
تعبده) من أعلى الكعبة، وكان
ص 21
عظيما كبيرا فألقاه على الأرض. إلى أن قال في ص 240: وكان علي ممتازا بخصال قلما
اجتمعت لغيره وهي: الشجاعة والعفة والفصاحة. 1 - فأما الشجاعة فقد كان محله منها لا
يجهل، وقف المواقف المشهودة المعهودة، وخاض غمرات الموت، لا يبالي أوقع على الموت
أم وقع الموت عليه، وأول ما عرف من شجاعته مبيته موضع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليلة الهجرة، وهو يعلم أن قوما يترصدونه، حتى إذا خرج قتلوه، فلم يكن ذلك مما يضعف
قلبه أو يؤثر في نفسه. ثم في واقعة بدر، وما بعدها من المشاهد، كان علما خفاقا لا
يخفي مكانه، يبارز الأقران فلا يقفون له، ويفرق الجماعات بشدة هجماته، وقد آتاه
الله من قوة العضل، وثبات الجنان، القسط الأوفر، أغمد سيفه مدة أربع وعشرين سنة،
حتى إذا جاءت خلافته جرده على مخالفيه، ففعل الأفاعيل، وكان الناس يهابون مواقفه،
ويخشون مبارزته، لما يعلمون من شدة صولته، وقوة ضربته. 2 - وأما الفقه فلم يكن
مقامه فيه مجهولا، صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ صباه، وأخذ عنه القرآن
الكريم، وكان يكتب له مع ما أوتيه من ذكاء بني عبد مناف ثم بني هاشم، ولم يزل معه
إلى أن توفي عليه السلام. كل هذا أكسبه قوة في استنباط الأحكام الدينية، فكان
الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان يستشيرونه في الأحكام، ويرجعون إلى رأيه إذا خالفهم في
بعض الأحيان، وأكثر من عرف ذلك عنه عمر بن الخطاب. 3 - وأما الفصاحة، فيعرف مقداره
من خطبه، ومكاتباته الواردة في كتاب نهج البلاغة. هذه الصفات العلية مع ما منحه
الله من شرف القرابة للرسول صلى الله عليه وسلم
ص 22
ومصاهرته له جعلته يرى لنفسه فضلا على سائر قريش صغيرها وكبيرها شيخها وفتاها، ويرى
بذلك له الحق في ولاية الأمر دونهم. وهذا كان من أكبر الأسباب في عدم استقامة الأمر
له (كما جاء في كتب التاريخ). وقال في كتابه السمير المهذب (ج 2 ص 220 ط
بيروت): هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قرشي
أسلم قبل البلوغ، ولازم الرسول من صغره، فاهتدى بهديه، ولم يسجد طول حياته لغير
ربه، وشهد المشاهد كلها إلا غزوة تبوك لأن رسول الله استخلفه فيها على المدينة. كان
محبوبا، معظما عند جميع الناس، وفارسا قويا، وبطلا مدربا عالما بفنون الحرب
وأساليبها، وله القدم الثابت في جميع الغزوات. كان في جميع العلوم من الراسخين، ومن
الزهاد والعباد المخلصين، ومن الفصحاء والخطباء المجيدين، ومن السابقين الأولين.
وهو ابن عم الرسول وزوج البتول، وأبو الحسن والحسين رضي الله عنه. لقد افتدى الرسول
بنفسه، حيث نام على فراشه ليلة الهجرة، وخلفه الرسول بمكة مع أهله، وأنابه منابه في
أداء الأمانات والودائع، فأقام بعد الهجرة أياما يؤدي ذلك، ثم أخذ آل البيت وهاجر.
كان أول المسلمين من الصبيان، وأول المبارزين يوم بدر، وأول الثابتين يوم أحد
وحنين، وأول السابقين يوم الفتح، وأول أهل التدبير والسياسة، وأول أهل الكرم والجود
والشفقة والتواضع والحلم، وأول من وضع قواعد النحو للغة العربية، وأعطاها لأبي
الأسود الدؤلي وقال له: أنح هذا النحو يا أبا الأسود. وكفى بشهادته صلى الله عليه
وسلم بأنه قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها. دليلا على تفوقه في العلوم.
ص 23
عن أبي مطر البصري أنه شهد عليا أتى أصحاب التمر، وجارية تبكى عند التمار فقال: ما
شأنك؟ قالت: باعني تمرا بدرهم، فرده مولاي فأبى أن يقبله، فقال علي: يا صاحب التمر
خذ تمرك وأعطها درهمها، فإنها خادم وليس لها أمر. فدفع صاحب التمر عليا. فقال
المسلمون: أتدري من دفعت؟ قال: لا. قالوا: أمير المؤمنين فصب تمرها، وأعطاها
درهمها، وقال: أحب أن ترضى عني. فقال لا ما أرضي عنك إلا إذا أوفيت الناس حقوقهم.
(محاسن الآثار). من هذه الحكاية نعلم مقدار تواضع سيدنا علي، وعدم ضرره الرجل، وكيف
نصح له ومنعه من ظلم الناس، وأمره برد الحقوق إلى أصحابها. ومنهم الفاضل المعاصر
عبد الأعلى مهنا في طرائف الخلفاء والملوك (ص 28 ط دار الكتب العلمية، بيروت)
قال: هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي أبو الحسن أمير المؤمنين،
رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين، وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم
وصهره، وأحد الشجعان الأبطال، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء، وأول الناس
إسلاما بعد خديجة. ولد بمكة وربي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه. وكان
اللواء بيده في أكثر المشاهد. ولي الخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان فقام بعض أكابر
الصحابة يطلبون القبض على قتلة عثمان وقتلهم، وتوقى على الفتنة فتريث فغضبت عائشة
وقام معها جمع في مقدمتهم طلحة والزبير وقاتلوا عليا فكانت وقعة الجمل سنة 36 ه
وظفر علي. ثم كانت وقعة صفين وأمر التحكيم. قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي غيلة
في مؤامرة 17 رمضان المشهورة. ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي
في آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم (ص 27 ط القاهرة سنة 1399)
ص 24
ذكر ترجمته وسرد فضائله ومناقبه عليه السلام. وقال أيضا في تعاليقه على كتاب
تاريخ الثقات (ص 347): الإمام علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبو الحسن، أول من
صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة. (الترمذي) (5: 642)، ولقد صلى قبل أن
يصلي الناس وكان ابن عشر سنين، كان شديد العناية بحديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وبعثه إلى مكة بسورة التوبة، كما بعثه إلى اليمن قاضيا، وهو أحد الأربعة
الذين أمر الله نبيه أن يحبهم، وجاء في الحديث: لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا
منافق. وثبت في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه
وسلم، قال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وقال له مرة: أنت مني وأنا منك
(البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) وهو أحد العشرة المبشرين
بالجنة، ودعاه النبي صلى الله عليه وسلم أبا تراب. وأخرج البخاري في كتاب المغازي
أن عليا اشتكى عينيه يوم خيبر، فبصق فيهما صلى الله عليه وسلم، حتى كأن لم يكن به
وجع، وأعطاه الراية ففتح الله عليه، كما دعى له الرسول صلى الله عليه وسلم فما
اشتكى بعدها، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يضحي عنه بمنى، وزوجه فاطمة
ابنته كما جهز له وليمة عرسه فأعطى علي فاطمة درعه صداقا، ثم رش النبي صلى الله
عليه وسلم وضوءه عليه وعلى فاطمة بعد زفافهما، وكان فقيرا، فكم بات هو وفاطمة ليالي
بغير عشاء، وكان يربط الحجر على بطنه من الجوع، ولقد استقى ليهودي كل دلو بتمرة،
ولقد أمره النبي لما خرج إلى المدينة في الهجرة أن يقيم بعده حتى يؤدي ودائع كانت
عنده للناس، ثم بات في مضجع الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة، وكان صاحب لواء
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وفي كل مشهد، وعندما انتقل رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى غسله علي وهو يقول: بأبي أنت وأمي طبت ميتا وحيا.
ومات
ص 25
الإمام علي وما ترك صفراء ولا بيضاء، رضي الله عنه. ومنهم العلامة أبو زكريا يحيى
بن شرف النووي في المجموع شرح المهذب (ج 1 ص 348 ط دار الفكر) فذكره عليه
السلام. ومنهم الفاضل المعاصر عبد السلام هاشم حافظ في المدينة المنورة في
التاريخ (ص 100 ط نادى المدينة المنورة الأدبي) فذكره عليه السلام. ومنهم الفاضل
المعاصر الأستاذ عباس محمود العقاد في المجموعة الكاملة - العبقريات الإسلامية
(ج 2 ص 15 ط دار الكتاب اللبناني - بيروت) فذكره عليه السلام. ومنهم الفاضل المعاصر
الشيخ محمد الخضري ابن الشيخ عفيفي الباجوري المفتش بوزارة الأوقاف في إتمام
الوفاء في سيرة الخلفاء (ص 169 ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر) فذكر عليه
السلام. ومنهم يسري عبد الغني البشري في تعاليقه على كتاب كشف الكربة في وصف حال
أهل الغربة (ص 74 ط مكتبة القرآن - القاهرة) فذكره عليه السلام. ومنهم الفاضل
المعاصر الدكتور محمد كمال الدين عز الدين في تعليقة المختصر
ص 26
الصغير في سيرة البشير النذير لابن جماعة (ص 111 ط عالم الكتب - بيروت) فذكره
عليه السلام. ومنهم الدكتور محمد عبد السلام أبو النيل في تعاليقه على تفسير
مجاهد بن جبر (ص 95 ط دار الفكر الإسلامي الحديثة) فذكره عليه السلام. ومنهم
الفاضل الدكتور دوايت. رونلدسن في عقيدة الشيعة تعريب ع. م. (ص 61 ط مؤسسة
المفيد - بيروت) فذكر ترجمته عليه السلام. ومنهم الفاضل المعاصر سيف الدين الكاتب
خريج جامعة الأزهر في أعلام الصحابة (ج 1 ص 8 ط مؤسسة عز الدين في بيروت) فذكر
ترجمته عليه السلام. ومنهم الفاضل المعاصر حبشي فتح الله الحفناوي في من وصايا
علي عليه السلام للأطفال والفتيان (ص 3 ط المكتب الجامعي الحديث - إسكندرية)
فترجمه عليه السلام. ومنهم الفاضل المعاصر عمر فروخ في تاريخ الأدب العربي (ج 1
ص 307 ط دار العلم للملايين - بيروت) فترجمه عليه السلام. ومنهم الدكتور محمد حسين
الذهبي الأستاذ في علوم القرآن والحديث في
ص 27
التفسير والمفسرون (ج 1 ص 91 ط دار القلم - بيروت) فترجمه عليه السلام. ومنهم
الدكتور علي شلق في العقل الفلسفي في الإسلام (ص 71 ط دار المدى - بيروت)
فترجمه عليه السلام. ومنهم حنا الفاخوري في تاريخ الأدب العربي (ص 320) فذكر
ترجمته عليه السلام. ومنهم الدكتور أبو زيد شلبي أستاذ الحضارة بكلية اللغة العربية
- جامعة الأزهر في الخلفاء الراشدون (ص 1932 ط مكتبة وهبة - القاهرة) فذكر
ترجمته عليه السلام. ومنهم العلامة محمد زكي إبراهيم رائد العشيرة المحمدية في
مراقد أهل البيت بالقاهرة (ص 17 ط مطبوعات العشيرة المحمدية بمبنى جامع البنات
بالقاهرة) فذكر ترجمته عليه السلام. ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد الخضري بك
المفتش بوزارة المعارف بمصر في محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية (ج 2 ص 49 ط
المكتبة التجارية الكبرى بمصر) فذكر ترجمته عليه السلام. ومنهم الحافظ أبو محمد عبد
الغني بن عبد الواحد الجماعيلي المقدسي المولود سنة 541 والمتوفى 600 في سيرة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أصحابه العشرة
ص 28
(ص 67 ط دار الجنان - بيروت) فذكر ترجمته عليه السلام. ومنهم العلامة الشيخ محمد
جمال الدين القاسمي الدمشقي في فضل المبين على عقد الجوهر الثمين - شرح الأربعين
العجلونية (ص 39 الطبعة الثالثة دار النفائس - بيروت) فذكر ترجمته عليه السلام.
ومنهم الفاضل المعاصر باقر أمين الورد المحامي عضو اتحاد المؤرخين العرب في معجم
العلماء العرب (ج 1 ص 148 ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية - بيروت) فذكر
ترجمته عليه السلام. ومنهم الفاضل المعاصر أحمد حسن الزيات عضو مجمع اللغة العربية
في تاريخ الأدب العربي (ص 185 ط بيروت) فذكر ترجمته عليه السلام. ومنهم الفاضل
المعاصر محمد رضا في الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين
(ط دار الكتب العلمية - بيروت) فذكر ترجمته عليه السلام. ومنهم الفاضل المعاصر
عبد الوهاب النجار في الخلفاء الراشدون (ص 376 الطبعة الأولى دار القلم -
بيروت) فذكر ترجمته عليه السلام.
ص 29
ومنهم الأستاذ مناع بن خليل القطان في تاريخ التشريع الإسلامي (ص 270 ط دار
المريخ - الرياض) فذكر ترجمته عليه السلام. ومنهم الدكتور عبد السلام الترمانيني في
أحداث التاريخ الإسلامي بترتيب السنين (ج 1 ص 381 ط الكويت) فذكر ترجمته عليه
السلام. ومنهم المستشار سالم البهنساوي في الخلافة والخلفاء الراشدون بين الشورى
والديمقراطية (ص 267 الطبعة الأولى، الزهراء للإعلام العربي - القاهرة) فذكر
ترجمته عليه السلام. ومنهم الفاضل المعاصر علي إبراهيم حسن أستاذ التاريخ الإسلامي
في التاريخ الإسلامي العام (ص 260 ط مكتبة النهضة المصرية العام) فذكر ترجمته
عليه السلام. ومنهم الدكتور محمد أمين فرشوخ في موسوعة عباقرة الإسلام في العلم
والفكر والأدب والقيادة (ص 245 ط دار الفكر العربي - بيروت) فذكر ترجمته عليه
السلام. ومنهم الفاضل المعاصر عيسى أيوب الباروني في الرقابة المالية في عهد
الرسول والخلفاء الراشدين (ص 421 الطبعة الأولى جمعية الدعوة الإسلامية العالمية)
فذكر ترجمته عليه السلام.
ص 30
ومنهم جماعة من فضلاء لجنة الزهراء للإعلام العربي في العشرة المبشرون بالجنة في
طبقات ابن سعد (ص 189 و194 الطبعة الثالثة، الزهراء للإعلام العربي - القاهرة)
فذكروا ترجمته عليه السلام. ومنهم الفاضل المعاصر أبو اليقظان عطية الجبوري الأستاذ
المساعد بجامعة بغداد في دراسات في التفسير ورجاله (ص 62 ط 3 دار الندوة
الجديدة - بيروت) فذكر ترجمته عليه السلام. ومنهم الفاضل المعاصر الهادي حمو في
أضواء على الشيعة (ص 112 ط دار التركي) ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد الحليم
محمود في التفكير الفلسفي في الإسلام (ص 120 ط 2 دار المعارف - القاهرة) فذكر
ترجمته عليه السلام. ومنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي محمصاني في تراث
الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء (ص 56 ط دار العلم للملايين - بيروت) فذكر
ترجمته عليه السلام. ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه حياة الإمام علي
عليه السلام (ص 114 ط دار الجيل في بيروت) فذكر ترجمته عليه السلام.
ص 31
ومنهم الفاضل المعاصر عبد المنعم الهاشمي في كتابه أصهار رسول الله صلى الله عليه
وسلم (ص 38 ط دار الهجرة - بيروت) فذكر ترجمته عليه السلام. ومنهم الشريف علي
فكري القاهري في أحسن القصص (ج 3 ص 207 ط دار الكتب العلمية - بيروت) فذكر
ترجمته عليه السلام. ومنهم الفاضل المعاصر يوسف أسعد داغر في مصادر الدراسة
الأدبية (ج 1 ص 93 ط بيروت) قال: فذكر ترجمته عليه السلام. ومنهم الفاضل المعاصر
الدكتور عصام الدين محمد علي في وقفة بين أصحاب الديانات وأنصار المذاهب (ص 175
ط منشأة المعارف بالإسكندرية جلال خري وشركائه) فذكر ترجمته عليه السلام. ومنهم
الفاضل المعاصر الدكتور محمد أسعد أطلس في تاريخ العرب (ج 3 ص 204 و208 ط دار
الأندلس - بيروت) فذكر ترجمته عليه السلام.
ص 32
مستدرك ألقابه وكناه الشريفة 
تقدم ما يدل على ذلك نقلا عن أعلام العامة مرارا،
ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق: فمنهم الشريف علي فكري الحسيني
القاهري في أحسن القصص (ج 3 ص 178 ط بيروت) قال: كنيته: وكناه النبي عليه
السلام أبا تراب وذلك أنه وجده نائما في المسجد قد سقط عنه رداؤه، وأصاب التراب
جسده، فجاء حتى جلس عند رأسه وأيقظه، وجعل يمسح التراب عن ظهره، ويقول له: اجلس
إنما أنت أبو تراب. فكانت من أحب كناه إليه، وكان يفرح إذا دعى بها. وكأنه اسمه
الأول الذي سمته به أمه حيدرة باسم أبيها أسد بن هاشم والحيدرة الأسد، فغير أبوه
اسمه وسماه عليا. ومنهم الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في تعاليق كتاب تاريخ
الثقات (ص 347) قال: ودعاه النبي صلى الله عليه وسلم أبا تراب.
ص 33
ومنهم العلامة المؤرخ أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي في المنتظم (ج 5 ص 66 ط
دار الكتب العلمية بيروت) قال: ويكنى [عليه السلام] أبا الحسن وأبا تراب. ومنهم
العلامة شهاب الدين أحمد الشيرازي الحسيني الشافعي في توضيح الدلائل (ص 126
النسخة المصورة من مكتبة الملي بفارس) قال: وقيل: إنه سمي المرتضى لأن جبرئيل عليه
الصلاة والسلام قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يقول: رضيت فاطمة
لعلي وعليا بها والرضى إلى المرضي أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته أو علي ذو الرضا
عن الله تعالى. هكذا أوردها بعض أكابر العلماء والمشايخ العرفاء.
مستدرك مولده
الشريف عليه السلام 
قد تقدم في هذه الموسوعة مرارا ما رويناه عن العامة أن مولده
المبارك كان بمكة المكرمة في جوف الكعبة، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها
فيما سبق: فمنهم الشريف علي فكري الحسيني القاهري في أحسن القصص (ج 3 ص 178 ط
بيروت) قال: ولد بمكة داخل البيت الحرام في السنة الثانية والثلاثين من ميلاد النبي
صلى الله عليه وسلم، وشب في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متحليا بمكارم
الأخلاق،
ص 34
مقتديا به في أقواله وأفعاله، فنشأ عف اللسان، قوي العزيمة، طاهر العقيدة، لم يتدنس
بدنس الجاهلية، ولم يعبد وثنا قط، ولم يسجد لصنم، ولذا قيل: علي كرم الله وجهه (1).
(هامش)
(1) قال الفاضل المعاصر عبد المنعم الهاشمي في كتابه أصهار رسول الله صلى الله عليه
وسلم ص 44 ط دار الهجرة ببيروت: الإمام الصهر الخطوبة والزواج كان الإمام فقيرا
لدرجة إنه أي فقره اضطره إلى أن يعمل أجيرا عند أحد الملاك من الأنصار، فكان يقضي
يومه بين الصلاة وري النخيل. وبدا له في هذه الأيام رغبته في الزواج من فاطمة،
وبينما هو يمتج الماء من البئر إذ بعثمان وأبي بكر يمران به، فأوقفه الرجلان عن
عمله وذكراه برغبة كثيرا ما أبداه في الزواج من فاطمة بنت الرسول قائلين: إنه أحق
الناس بها، فغضب علي وعتب عليهما أن كلماه في هذا الحكم الذي ظنه محال التحقيق
لفقره وضيق ذات اليد.. إلا أنه كرم الله وجهه تذكر وعدا قد وعده به رسول الله وراح
يدق بقدمه المستدق شوارع وطرقا تؤدي إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى وصل
هناك ودق الباب فأذن له: فوقف مطأطئ الرأس في حياء أمام رسول الله، فقال له الرسول:
تكلم يا علي ما حاجتك. فذكر رضي الله عنه فاطمة بعد أن تكلم ذاكرا أنه عليه السلام
رباه وعطف عليه ووعده أيضا، وتوقفت الكلمات في حلق الإمام عند هذا الحد حياء من
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجابه الرسول باسما وعيناه لا تفارق وجه الإمام. هي
لك لست بدجال وهنا يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم إنه قد وعده بذلك أي ليس بكذاب
ثم أضاف عليه السلام: وهل عندك شيء؟ (يقصد المهر) فقال الإمام كرم الله وجهه: لا يا
رسول الله إنما جئت حاملا كل مالي سيفي ودرعي، قال عليه السلام: إن السيف للإسلام
ليس للرسول أن يقبله، أما الدرع ففي قوة ذراع البطل غناء عنها، وتستطيع أن تبيعها
وتأتي بثمنها مهرا لفاطمة. فصمت الرسول صلى الله عليه وسلم برهة ثم دخل على فاطمة
يقول لها: إن عليا يذكرك فسكتت وأطرقت حياء.. = (*)
ص 35
(هامش)
= وحسبي أن الرسول قد أشرق على وجهه ابتسامة الرضا عما تم في هذه اللحظات الكريمة.
وخرج الإمام بنبأه على أصحابه وكان ممن علموا خبر هذا الحديث عثمان بن عفان الذي
اشترى منه الدرع بثمن لا بأس به وأعاده له هدية ليلة زفافه المباركة. وأمهرها
الإمام رضي الله عنه بعد أن باع بعيرا كان بملكه أيضا وبعض متاعه أمهرها أربعمائة
وثمانين درهما فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إجعل ثلثين في الطيب وثلثا في
المتاع. الزفاف وجاء ذلك اليوم.. ودعا بلال عددا من المؤمنين ليستمعوا إلى خطبة
رسول الله في زواج الإمام علي بن أبي طالب من فاطمة بنت محمد بن عبد الله وانصرف هو
أي بلال فأحضر لوازم الزواج المتواضعة فاشترى بنصف المهر الأشياء التي لا يستغني
عنها في بيت: جلد شاة فراشا للنوم قميصين غطاء رأس واحد وسوارين من الفضة ووسادة من
الجلد محشوة بسعف النخيل ورحى وإناءين كبيرين للماء وإبريقا من الفخار وقربة. وأنفق
الباقي في الزبد والدقيق والتمر لوليمة العرس. وعاد بلال محمدا بكل ما يلزم البيت
بينما وقف الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب في المسلمين ويقول: الحمد لله المحمود
بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المهروب إليه من عذابه، النافذ أمره في
أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه، إن
الله عز وجل جعل للمصاهرة نسبا لاحقا وأمرا مفترضا وحكما عادلا، وخيرا جامعا وشج به
الأرحام، وألزمها الأنام وقال عز وجل: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا
وصهرا وكان ربك قديرا) وأمر الله تعالى يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره ولكل
قضاء قدر ولك قدر أجل، ولكل أجل كتاب ثم إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي
وأشهدكم أني زوجت من فاطمة عليا على أربعمائة مثقال فضة، إن رضي ذلك على السنة
القائمة والفريضة الواجبة. وبعد انتهاء الخطبة دعا لهما بحسن المعاشرة وبالذرية
الصالحة المباركة وبعد أن = (*)
ص 36
(هامش)
= أتم عقد الزواج أحضر الرسول للحاضرين من المهاجرين والأنصار بعضا من التمر وقدمه
إليهم قائلا: تخاطفوا. وبعد ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا علي إنه لا بد
للعروس من وليمة. قال سعد بن أبي وقاص مبادرا في الحديث: عندي كبش وأهداه إلى هذا
الحفل الكريم، وجمع رهط من المسلمين أغلبهم من الأنصار: آصعا من ذرة، وأكل الجميع
في حفل عرس بنت رسول الله.. وجاء المساء وزفت النسوة من المهاجرين والأنصار فاطمة
وقالت في ذلك إحدى نساء الأنصار تصف عروسنا المباركة: كنب مع النسوة اللاتي أهدين
فاطمة إلى علي، فأهديناها في بردين من برود الأول عليها ملوجان من فضة مصفران
بزعفران فدخلنا بيت علي فإذا إهاب شاة ووسادة فيها ليف وقربة ومنخل ومنشفة وقدح.
وكانت أم أيمن من النسوة اللاتي حضرن الحفل فها هي ذي يشاركنها الرواية رواية قصة
هذا العرس الرائع فتقول: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عليا ألا يدخل على فاطمة
حتى يجيئه، وكانت اليهود يؤخرون الرجل عن أهله، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى وقف بالباب وقال: السلام عليكم ورحمة الله أتأذنون لي، فأذن له فقال: أثم أخي.
فقالت أم أيمن ضاحكة مستغربة كلمة أخي: بأبي أنت وأمي يا رسول الله من أخوك؟ قال
عليه السلام: علي يا أم أيمن. قالت تكرر وتستغرب: وكيف يكون أخاك وقد زوجته ابنتك؟
قال: هو ذاك يا أم أيمن. ثم دعا عليه السلام بماء فيه آنية فغسل فيه يديه ثم دعا
عليا فجلس بين يديه فنضح على صدره من ذلك الماء وبين كتفيه. ثم دعا عليه الصلاة
والسلام فاطمة قائلا: تعالى يا بنية، فأقبلت على استحياء بغير خمار تعثر في ثوبها
فنضح عليها من ذلك الماء ثم قال: والله ما ألوت أن زوجتك غير أهلي. وهم الرسول
بالخروج وكان ذلك بعد صلاة العشاء بكت فاطمة فقال لها مباركا مهدئا: أي بنيتي قد
تركتك وديعة عند رجل إيمانه أقوى إيمان وعلمه أكثر من علم الجميع وإنه أفضل الناس
أخلاقا وأعلاهم نفسا. صدق رسول الله. = (*)
ص 37
(هامش)
= وكان الزفاف بعد غزوة بدر لكن الخطوبة كانت قبل بدر، ويروى في ذلك أن عمر السيدة
فاطمة كان ثماني عشر سنة والإمام كرم الله وجهه في الخامسة والعشرين. وبدأت حياتها
هنيئة راضية، في رفاهية الإيمان وحلاوته وتقشف مادي سما فوقه إيمانها مما جعل
العروسان الشابان يكسران حاجز السعادة بالمادة فقط لا بل ليست الرفاهية قصورا
وحدائق فقط. فاطمة في بيت الإمام دخلت الزهراء البتول بيت الإمام وكانت أمه فاطمة
بنت عبد الأسد سيدة قريش ذات طيب وشرف وخلق عظيم. وجاء علي بزوجته باسما هاشا للأم
الرؤوم وقال: يا أماه اكفي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقيان الماء
والذهاب في الحاجة وهي تكفيك الداخل أي داخل البيت الطحن والعجن، وحسبي أن الأم
سعيدة بهذا المنزل لابنها الكريم الذي تزوج من ابنة حبيبه الذي عايش طفولته وشبابه
وهاهو ذا يهديه ابنته وهو من المال قليل ومن الزاد ما يكفي يومه فقط صلى الله عليه
وسلم. واستمرت الحياة هانئة جميلة بين العروس وزوجها، وما تخلو الشهور الأولى من
الزواج من دلال العروس حين يغضب الزوج قليل التجربة بمسؤولية الزواج ولكنها لا تطول
وتتنظم الحياة هانئة بينهما فيما بعد، ومما يذكر في ذلك خبر عظيم وجميل في سرده
ليكون درسا مسبقا من الأسرة النبوية رضي الله عنهم أجمعين. حملت السيدة فاطمة حملها
الأول وجاءت أم الفضل زوج العباس بن عبد المطلب وقالت: يا رسول الله رأيت رؤيا
عجيبة، فقال عليه السلام: خيرا. قالت: رأيت عضوا من أعضاء جسمك في بيتنا، فابتسم
وقال لها: خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما فترضعينه، وذهب إلى فاطمة وبشرها بغلام. وبعد
أيام جاء الطفل الحسن بن علي بن أبي طالب فأولم عليه السلام وذبح شاة وقام بتوزيعها
على الفقراء وأعطى القابلة فخذ الشاة ودينارا وراح والغلام يبكي ويعلو صوته في بيت
الإمام فيجئ الرسول ويقول لفاطمة: أرضعي الحسن يا فاطمة فإن صوته يؤلمني، رضي الله
عنهم أجمعين. = (*)
ص 38
(هامش)
= وتحركه فاطمة بين يديها وتقول: أشبه أباك يا حسن * خلع عن الحق الرسن واعبد إلها
ذا منن * ولا توالي ذا الإحن وجاء بعده بعام الحسين ثم زينب، وكانوا مكرمين عند
جدهم الرسول صلى الله عليه وسلم وكان دائما يقول: الحسن والحسين ريحانتاي في
الدنيا. وذات يوم تقاتل الحفيدان، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول: إيها
حسن. فقالت فاطمة والإمام علي كرم الله وجهه: يا رسول الله أعلى حسين تواليه؟
فابتسم الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال: هذا جبريل يقول: إيها حسين ولم يطق
الرسول أيضا سماع بكاء حسين بن علي فأسرع إلى فاطمة يقول: يا فاطمة أسكتي حسينا ألم
تعلمي إن بكاءه يؤذيني؟ وأنجبا السيدة زينب عقيلة بني هاشم كما سموها وعاشا على
الإيمان والحب. نعم عاشا على الإيمان والحب لا طمع في الدنيا ومالها وزينتها والسمع
والطاعة لتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا الإمام رضي الله عنه وكرم الله
وجهه يروي لنا كيف كانا يواجهان حياتهما. قال الإمام: اشتكت فاطمة ما تلقى من الرحى
وقد تعبت يداها من إدارتها فبلغها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بسبي - أي جاءه
بعض الأسرى - فاتته تسأله خادما يساعدها في شؤون البيت فلم تجد أباها، فذكرت ذلك
للسيدة عائشة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت عائشة له ذلك فأتانا وقد أخذنا
مضاجعنا وأردنا أن ننام فذهبنا نقوم. فقال عليه السلام: على مكانكما، ألا أدلكما
على خير مما سألتماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله ثلاثا وثلاثين واحمداه ثلاثا
وثلاثين، وسبحاه ثلاثا وثلاثين إن ذلك خير مما سألتماني. وكان ذلك مثلا لتضحية
الرسول وأهله رضوان الله عليهم برغد هذه الدنيا والرغبة فيها بل آثروا شظفها
وشقاءها على رغدها ونعيمها حبا في العدل وكرها في متاعها = (*)
ص 39
ومنهم العلامة أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوى المشتهر بابن الشيخ في كتاب ألف با
(ج 1 ص 222 ط 2 عالم الكتب - بيروت) قال: قال علي رضي الله عنه: يا ابن عباس إذا
صليت العشاء الآخرة فالحق إلى الجبانة، قال: فصليت ولحقته وكانت ليلة مقمرة، قال:
فقال لي: ما تفسير الألف من الحمد؟ قلت: لا أعلم، فتكلم في تفسيرها ساعة تامة، ثم
قال: ما تفسير اللام من الحمد؟ قلت: لا أعلم، قال: فتكلم فها ساعة تامة، ثم قال: ما
تفسير الحاء من الحمد؟ قال: قلت: لا أعلم، قال: فتكلم في تفسيرها ساعة تامة، ثم
قال: ما تفسير الميم من الحمد؟ قال: قلت: لا أعلم، قال: فتكلم في تفسيرها ساعة
تامة، قال: فما تفسير الدال من الحمد؟ قال: قلت: لا أدري، فتكلم فيها إلى أن بزق
عمود الفجر، قال: وقال لي: قم يا بن عباس إلى منزلك فتأهب لفرضك. فقمت وقد وعيت ما
قال، ثم تفكرت فإذا علمي بالقرآن في علم على كالقرارة في المثعنجر. قال: القرارة
الغدير الصغير، والمثعنجر البحر. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: علم رسول الله صلى
الله عليه وسلم من علم الله وعلم علي رضي الله عنه من علم النبي صلى الله عليه وسلم
وعلمي من علم علي وما علمي وعلم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في علم علي رضي الله
عنه إلا كقطرة في سبعة أبحر، فانظر كيف تفاوت الخلق في العلوم والفهوم. يقال: إن
عبد الله بن عباس أكثر البكاء على علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى
(هامش)
= القليل (إنما الحياة الدنيا لهو ومتاع). ولما رآها صلى الله عليه وسلم تقتني
سلسلة من الذهب أهداها لها الإمام، قال عليه السلام لفاطمة: يا فاطمة أيسرك أن يقول
الناس ابنة الرسول في يدها سلسلة من نار؟ ثم خرج عليه السلام ولم يعقد، فأرسلت أم
الحسن رضي الله عنها فباعتها واشترت بثمنها عبدا فأعتقته. فحدث الرسول بعد ذلك
قائلا: الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار. (*)
ص 40
ذهب بصره، وإذ قد وقع ذكر علي وابن عباس رضي الله عنهما فلنذكر بعض فضائلهما ولنبدأ
بمفاخر علي الزكي العلي ابن عم النبي ولنثن بالثناء على ابن عباس العدل الرضي ابن
عم النبي أيضا: قال أبو الطفيل: شهدت عليا يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألوني
عن شيء إلا أخبرتكم به وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل
نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل ولو شئت أوقرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة
الكتاب. وسيأتي قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن
أراد العلم فليأته من بابه، وقول ابن عباس فيه: لقد أعطي علي تسعة أعشار العلم وأيم
الله لقد شاركهم في العشر العاشر، وكان معاوية رحمه الله يكتب فيما ينزل به فيسأله
علي ابن أبي طالب عن ذلك فلما بلغه قتله قال: لقد ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي
طالب، وكان عمر بن الخطاب يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن، وسئل عطاء: أكان في
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد أعلم من علي؟ قال: لا والله ما أعلمه وفضائله
كثيرة قد جمعها الناس ودونوها. ومنهم الفاضل المعاصر الأستاذ عباس محمود العقاد في
المجموعة الكاملة - العبقريات الإسلامية (ج 2 ص 24 ط دار الكتاب اللبناني -
بيروت) قال: يقول: اسألوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده لا تسألوني في شيء
فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدى مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم بناعقها
وقائدها وسائقها، ومناخ ركابها ومحط رحالها.
ص 41
مستدرك تزويج أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة الزهراء عليها السلام

تقدم نقل ما
يدل عليه عن أعلام العامة في ج 6 ص 592 وج 10 ص 345 وج 17 ص 83 وج 18 ص 172 وج 25 ص
360، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق: فمنهم أبو الفرج عبد
الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة 597 في المنتظم في تاريخ الملوك
والأمم (ج 3 ص 84 ط دار الكتب العلمية بيروت) قال: ثم دخلت سنة اثنين من الهجرة.
فمن الحوادث فيها: [زواج علي بن أبي طالب بفاطمة رضي الله عنهما]. [إن علي بن أبي
طالب رضي الله عنه] تزوج فاطمة رضي الله عنها في صفر لليال بقين منه، وبنى بها في
ذي الحجة. إلى أن قال في ص 85: أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي، قال: أنبأنا الحسن بن
علي الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال:
أخبرنا الحسين بن الفهم. قال: وحدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم،
قال: أخبرنا المنذر ابن ثعلبة، قال: أخبرنا علياء بن أحمد اليشكري: أن أبا بكر خطب
فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: انتظر بها القضاء، فجاء عمر إلى أبي
بكر وأخبره فقال: لله درك يا أبا بكر. ثم إن أبا بكر قال لعمر: أخطب فاطمة إلى
النبي صلى الله عليه
ص 42
وسلم، فخطبها فقال له مثل ما قال لأبي بكر: انتظر بها القضاء، فجاء إلى أبي بكر
فأخبره فقال: لله درك يا عمر. ثم إن أهل علي قالوا لعلي: أخطب فاطمة إلى رسول الله،
فقال: بعد أبي بكر وعمر؟ فذكروا له قربته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطبها
فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم، فباع علي بعيرا له وبعض متاعه، فبلغ أربعمائة
وثمانين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اجعل ثلثين في الطيب وثلثا في المتاع.
قال محمد بن سعد: وأخبرنا وكيع، عن عباد بن منصور قال: سمعت عطاء يقول: خطب علي
فاطمة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عليا يذكرك فسكتت، فزوجها. إلى
أن قال في ص 86: وأخبرنا مالك بن سعيد النهدي قال: أخبرنا عبد الرحمن بن حميد
الرؤاسي، عن عبد الكريم بن سليط ابن بريدة، عن أبيه قال: أتى علي كرم الله وجهه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال: ما حاجة ابن أبي طالب؟ قال: ذكرت
فاطمة بنت رسول الله محمد، قال: مرحبا وأهلا. ولم يزده عليها. فخرج علي على رجال من
الأنصار فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه قال لي مرحبا وأهلا. قال: يكفيك من
رسول الله صلى الله وسلم إحداهما، أعطاك الأهل وأعطاك المرحب. فلما كان بعد أن زوجه
قال: يا علي إنه لا بد للعرس من وليمة. فقال سعد: عندي كبشان. وجمع له رهط من
الأنصار آصعا من ذرة، فلما كان ليلة البناء، قال: لا تحدث شيئا حتى تلقاني. فدعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فتوضأ فيه، ثم أفرغه على علي ثم قال: اللهم
بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما. قال: وحدثنا يزيد بن هارون قال:
أخبرنا جرير بن حازم قال: أخبرنا أيوب، عن
ص 43
عكرمة أن عليا خطب فاطمة رضي الله عنهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما
تصدقها؟ قال: ما عندي ما أصدقها. قال: فأين درعك الحطمية؟ قال: عندي. قال: أصدقها
إياها. قال: وأخبرنا أبو أسامة، عن مجالد، عن عامر قال: قال علي بن أبي طالب رضي
الله عنه: لقد تزوجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش، ننام عليه بالليل، ونعلف
عليه الناضح بالنهار، ومالي ولها خادم غيرها. ومنهم العلامة الحافظ الشيخ جلال
الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضري السيوطي المصري المتوفى سنة 911 في
كتابه مسند فاطمة عليها السلام (ص 87 ط المطبعة العزيزية بحيدر آباد، الهند سنة
1406) قال: (مسند أنس) (ابن جرير): حدثني محمد بن الهيثم، حدثني بن الحسن حماد،
حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن الحسن، عن أنس بن
مالك قال: جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقعد بين يديه فقال: يا رسول
الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإني وإني، قال: وما ذاك؟ قال: تزوجني
فاطمة، فسكت عنه أو قال: أعرض عنه، فرجع أبو بكر إلى عمر، فقال: هلكت وأهلكت، قال:
وما ذاك؟ قال: خطبت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عني، قال: مكانك حتى
آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأطلب مثل الذي طلبت، فأتى عمر النبي صلى الله عليه
وسلم فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله! قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإني
وإني، وقال: ما ذاك؟ قال: تزوجني فاطمة فأعرض عنه، فرجع عمر إلى أبي بكر فقال: إنه
ينتظر أمر الله فيها انطلق بنا إلى علي حتى نأمره أن يطلب مثل الذي طلبنا. قال علي:
فأتياني وأنا أعالج فسيلا فقالا: ابنة عمك تخطب؟ قال: فنبهاني لأمر فقمت أجر ردائي
طرفا على عاتقي وطرفا أجره على الأرض حتى أتيت رسول الله
ص 44
صلى الله عليه وسلم فقعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله! قد عرفت قدمي في الإسلام
ومناصحتي وإني وإني. قال: وما ذاك؟ يا علي! قلت: تزوجني فاطمة قال: عندك شيء؟ قلت:
فرسي وبدني، قال: أعني درعي، قال: أما فرسك فلا بد لك منها وأما درعك [فبعها]،
فبعثتها بأربعمائة وثمانين وآتيته بها فوضعتها في حجره، فقبض منها قبضة، فقال: يا
بلال أبغنا بها طيبا، وأمره أن يجهزوها. فجعل لهم سرير شرط بالشرط ووسادة من أدم
حشوها ليف وملئ البيت كثيبا يعني رملا، وقال لي: إذا أتتك فلا تحدث شيئا حتى آتيك،
فجاءت مع أم أيمن حتى قعدت في جانب البيت وأنا في جانب، وجاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: هاهنا أخي؟ فقالت أم أيمن: أخوك وقد زوجته ابنتك، قال: نعم، فدخل
فقال لفاطمة: ائتني بماء فقامت إلى قعب البيت فجعلت فيه ماء فأتت، فأخذه فمج فيه ثم
قال لها: قومي، فنضج بين ثدييها وعلى رأسها، وقال: اللهم إني أعيذها بك وذريتها من
الشيطان الرجيم، وقال لها: ادبري فأدبرت فنضح بين كتفيها ثم قال: اللهم إني أعيذها
بك وذريتها من الشيطان الرجيم، ثم قال لعلي: ائتني بماء فعلمت الذي يريد فقمت فملأت
القعب ماء فأتيته به فأخذ منه بفيه ثم مجه ثم صب على رأسي وبين ثدي ثم قال: اللهم
أني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ثم قال: ادبر، فأدبرت فصب بين كتفي وقال:
اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم، وقال لي: ادخل بأهلك باسم الله
والبركة. (ابن جرير). وقال في ص 82: عن علي [عليه السلام] رضي الله عنه: إنه لما
تزوج فاطمة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: اجعل عامة الصداق في الطيب. (ابن
راهويه). عن علي [عليه السلام] رضي الله عنه قال: لما تزوجت فاطمة قلت: يا رسول
الله ما أبيع فرسي أو درعي؟ قال: بع درعك فبعتها بثنتي عشرة أوقية وكان ذلك مهر
ص 45
فاطمة. عن علي رضي الله عنه قال: لما تزوجت فاطمة قلت: يا رسول الله ابن لي. قال:
أعطها شيئا؟ قلت: ما عندي شيء، قال: فأين درعك الحطمية؟ قلت: عندي، قال: فأعطها
إياه. (ن وابن جرير، طب، ق، ض). وروى أحاديث أخرى مثله في ص 83 و84 و85 ومواضع
أخرى. ومنهم القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المتوفى سنة 520 في
كتابه المقدمات الممهدات (ج 3 ص 352 ط دار الغرب ا الإسلامي في بيروت سنة 1408)
قال: وتزوج علي بن أبي طالب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء
العالمين، بعد وقعة أحد وقيل إنه تزوجها بعد أن ابتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعائشة بأربعة أشهر ونصف، وبنى بها بعد تزوجه إياها بسبعة أشهر ونصف، وكان سنها يوم
تزوجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف، وسن علي رضي الله عنه يومئذ إحدى وعشرين سنة
وخمسة أشهر. فولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم، وزينب، ولم يتزوج عليها غيرها حتى
ماتت، وتوفيت رضي الله عنها بعد رسول الله بيسير قيل بثلاثة أشهر وقيل بستة أشهر
وقيل بثمانية أشهر. وقال أيضا في ص 370 عند ذكر حوادث السنة الأولى: وفيها تزوج علي
فاطمة، ويقال في السنة الثانية على رأس اثنين وعشرين شهرا من قدوم النبي صلى الله
عليه وسلم المدينة. ومنهم العلامتان الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد في
القسم الثاني من جامع الأحاديث (ج 4 ص 381 ط دمشق) قالا:
ص 46
عن علي رضي الله عنه قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما، فقال عمر: أنت لها يا
علي، قال: ما لي من شيء إلا درعي وجملي وسيفي، فتعرض على ذات يوم لرسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: يا علي هل لك من شيء؟ قال: جملي ودرعي أرهنهما، فزوجني رسول
الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، فلما بلغ فاطمة ذلك بكت، فدخل عليها رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: ما لك تبكين يا فاطمة؟ والله لقد أنكحتك أكثرهم علما، وأفضلهم
حلما، وأقدمهم سلما، وفي لفظ أولهم سلما. (ابن جرير وصححه والدولابي في الذرية
الطاهرة). ومنهم الفاضل المعاصر المستشار عبد الحليم الجندي في الإمام جعفر
الصادق عليه السلام (ص 21 ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - القاهرة) قال: روى
ابن الأثير في أسد الغابة: أخبرنا عن الحارث، عن علي فقال: خطب أبو بكر وعمر يعني
فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عليهما، فقال عمر: أنت لها يا علي، فقلت: ما لي من شيء إلا درعي أرهنها. فزوجه رسول
الله صلى الله عليه وسلم فاطمة. فلما بلغ ذلك فاطمة بكت، قال: فدخل عليها رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: ما لك تبكين يا فاطمة! فوالله لقد أنكحتك أكثرهم علما
وأفضلهم خلقا وأولهم سلما. ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه حياة الإمام
علي عليه السلام (ص 52 ط دار الجيل في بيروت) قال: عن ابن عباس قال: لما زوج رسول
الله صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها من علي رضي الله عنه كان فيما أهدى
معها سرير مشروط ووسادة من أديم حشوها ليف وقربة، وقال: وجاء ببطحاء من الرمل
فبسطوه في البيت وقال لعلي رضي الله
ص 47
عنه: إذا أتيت بها فلا تقربها حتى آتيك، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدق
الباب فخرجت إليه أم أيمن. فقال: اعلم أخي. قالت: وكيف أخاك وقد زوجته ابنتك؟! قال:
إنه أخي ثم أقبل على الباب ورأى سوادا فقال: من هذا؟ قالت: أسماء بنت عميس فأقبل
عليها فقال لها: جئت تكرمين ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكان اليهود يوجدون
من امرأته إذا دخل لها قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر من ماء فتفل
فيه وعوذ فيه ثم دعا عليا رضي الله عنه فرش من ذلك الماء على وجهه وصدره وذراعيه.
ثم دعا فاطمة فأقبلت تعثر في ثوبها حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل بها
مثل ذلك ثم قال لها مثل ذلك، ثم قال لها: يا ابنتي والله ما أردت أن أزوجك إلا خير
أهلي. وروى أيضا في ص 117 مثله عن أم أيمن، وفيه: أثم أخي مكان: اعلم أخي. وذكر في
ص 115 جهاز عرس فاطمة عليها السلام فقال: أما نفس الجهاز فأنقله إليكم بالحرف
الواحد كما تواتر على ألسنة الرواة وهذا هو: قميص وخمار لغطاء الرأس وثوب له زغب
وعباءة قصيرة بيضاء ومنشفة وفرشان أحدهما ليف، والآخر صوف ومخدة ليف وأربعة متكات
حشوها من نبات الأرض وسرير من جريد النخل وجلد كبش وحصير وستار من صوف وقدح من خشب
ورحى للطحن وإناء من نحاس للعجن والغسيل وقربتان: كبيرة وصغيرة ووعاء من ورق النخل
مزفت وجرة خضراء وكوزان خزف ومنخل. ورش الإمام أرض الدار برمل ناعم ونصب في البيت
خشبة من الحائط إلى الحائط لتعليق الثياب إذ لا خزانة ولا صندوق لثياب العروس. وفي
هذا البيت كان يجلس رب العائلة محمد مع عائلته على عن يمينه وفاطمة عن يساره والحسن
والحسين في حجره يقبل هذا مرة وذاك أخرى يباركهم ويدعو لهم
ص 48
ويسأل الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا. وفي ذات يوم دخل هذا البيت رسول
الله على عادته فوجد عليا وفاطمة يطحنان بالجاروش فقال: أيكما أعيا؟ أي تعب قال
علي: فاطمة يا رسول الله فقال لها: قومي يا بنية فقامت وجلس يطحن مع علي. عاشت
فاطمة عند علي وهو لا يملك إلا قلبه وسيفه وإلا علمه وإيمانه وكان يسكن في بيت
متواضع طحنت فيه فاطمة بالرحى حتى تورمت كفها واستقت بالقرة حتى اسود صدرها وكنست
البيت حتى اغبرت ثيابها. ومن كتاب مناقب علي والحسنين وأمهما فاطمة الزهراء نثبت
بعض النصوص التي تتكامل بها الصورة الخالدة للزواج الخالد. ومنهم أبو إسحاق الحويني
في تهذيب خصائص الإمام علي (ص 95 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال: أخبرنا
أبو مسعود إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا حاتم بن وردان، حدثنا أيوب السختياني، عن
أبي يزيد المدني، عن أسماء بنت عميس قالت: كنت في زفاف فاطمة بنت رسول الله، فلما
أصبحنا جاء النبي صلى الله عليه وسلم فضرب الباب، ففتحت له أم أيمن يقال كانت في
نسائه لتبعثه وسمعن النساء صوت النبي صلى الله عليه وسلم فتحسسن، قال: أحسنت، فجلسن
في ناحية، قالت: وأنا في ناحية، فجاء علي رضي الله عنه فدعا له، ثم نضح عليه من
الماء، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى سوادا، فقال: من هذا؟ قلت: أسماء،
قال: ابنة عميس؟ قلت: نعم، قال: كنت في زفاف فاطمة بنت رسول الله تكرمينها؟ قلت:
نعم، قالت: فدعا لي. ومنهم العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عمر
الوصابي الحبيشي المتوفى 782 في البركة في فضل السعي والحركة (ص 300 ط دار
المعرفة - بيروت)
ص 49
قال: (الحديث الثامن والعشرون): ولما زوج فاطمة من علي رضي الله عنها، وزفها استدعى
بماء ودعا فيه بالبركة ثم رشه عليهما. ومنهم الفاضل المعاصر محمد علي قطب في كتابه
فضل تربية البنات في الإسلام (ص 96 ط دار القلم - بيروت) قال: جاء علي رضي الله
عنه وكرم وجهه ومعه فاطمة عليها السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكيان
إليه ما يلقيان من عناء العمل فجعل العمل بينهما قسمة: فاطمة لعمل البيت وعلي لعمل
الخارج.
ص 50
علمه عليه السلام 
مستدرك علمني ألف باب يفتح كل باب ألف باب

قد مر ما يدل عليه نقلا
عن أعلام العامة في ج 4 ص 342 وج 6 ص 40 وج 7 ص 599 وج 17 ص 465 وج 20 ص 243 ومواضع
أخرى من هذا الكتاب المستطاب، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق:
فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر
تاريخ دمشق لابن عساكر (ج 18 ص 18 ط دار الفكر) قال: وعن عبد الله بن عمرو أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: ادعوا لي أخي، فدعي له عثمان، فأعرض عنه
ثم قال: ادعوا لي أخي، فدعي له علي بن أبي طالب، فستره بثوب وانكب عليه. فلما خرج
من عنده قيل له: ما قال؟ قال: علمني ألف باب يفتح كل باب ألف باب. ومنهم العلامة
حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي في رسالته اللدنية
(ص 106 المطبوع في ضمن مجموعة رسائله - القسم الثالث - في دار
|