الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج32)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 251

دار الإيمان - بدمشق وبيروت) قال: وعن مجمع التيمي قال: كان علي رضي الله عنه يكنس بيت المال ويصلي فيه يتخذه مسجدا رجاء أن يشهد له يوم القيامة. وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب (3 / 49) عن مجمع التيمي نحوه. ومنهم العلامة القزويني في مختصر شعب الإيمان للبيهقي (ص 62 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال: وعن علي رضي الله عنه في طيب مطعمه أنه كان يجاء بخبزه في جراب من المدينة. ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (ج 18 ص 57 ط دار الفكر) قال: قال أبو صالح السمان: رأيت عليا دخل بيت المال، فرأى فيه شيئا فقال: ألا أرى هذا هاهنا وبالناس إليه حاجة؟ فأمر به فقسم وأمر بالبيت فكنس ونضح فصلى فيه أو قال فيه، يعني نام. وعن عبد الرحمن بن أبي بكره قال: لم يرزأ علي بن أبي طالب من بيت مالنا، يعني بالبصرة، حتى فارقنا عن جبة وخميصة درابجردية. وقال أيضا في ص 58: وحدث أبو حكيم صاحب الحناء عن أبيه: أن عليا عليه السلام أعطى العطاء في سنة ثلاث مرات، ثم أتاه مال من أصبهان فقال: أغدوا إلى العطاء الرابع إني لست لكم بخازن. وقال: قسم الحبال، فأخذها قوم وردها قوم. وقال أيضا في ص 59:

ص 252

وعن مجمع: أن عليا كان يكنس بيت المال، ثم يصلي فيه، رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين. وقال أيضا في ص 60: وعن سفيان قال: ما بنى علي آجرة ولا لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة، وإن كان ليؤتى بحبوته من المدينة في جراب. وعن مجمع التيمي قال: خرج علي بن أبي طالب بسيفه إلى السوق، فقال: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إزارا ما بعته. وقال في ص 61: وعن سعيد الرجاني قال: اشترى علي قميصين سنبلاويين أنبجانيين بسبعة دراهم: فكسا قنبرا أحدهما، فلما أراد أن يلبس قميصه فإذا إزاره مرقوع برقعة من الكم. وقال في ص 64: حدث رجل من ثقيف أن عليا استعمله على عكبرا، قال: ولم يكن السواد يسكنه المصلون، فقال لي بين أيديهم: لتستوف خراجهم، ولا يجدون فيك رخصة، ولا يجدون فيك ضعفا. ثم قال لي: إذا كان عند الظهر فرح إلي، فرحت إليه، فلم أجد عليه حاجبا يحجبني دونه، وجدته جالسا وعنده قدح وكوز فيه ماء، فدعا بطينة، فقلت في نفسي: لقد أمنني حتى يخرج إلي جوهرا، ولا أدري ما فيها، فإذا عليها خاتم، فكسر الخاتم، فإذا فيها سويق، فأخرج منه وصب في القدح، فصب عليه ماء فشرب وسقاني، فلم أصبر أن قلت له: يا أمير المؤمنين، أتصنع هذا بالعراق؟ طعام العراق أكثر من ذلك، قال: أما والله ما أختم عليه بخلا عليه، ولكني أبتاع قدر ما يكفيني، فأخاف أن يفنى، فيصنع فيه من غيره، فإنما حفظي لذلك، وأكره أن أدخل

ص 253

بطني إلا طيبا، وإني لم أستطع أن أقول لك إلا الذي قلت لك بين أيديهم، إنهم قوم خدع، ولكني آمرك الآن بما تأخذهم به، فإن أنت فعلت وإلا أخذك الله به دوني، فإن يبلغني عنك خلاف ما أمرتك عزلتك، فلا تبيعن لهم رزقا يأكلونه، ولا كسوة شتاء ولا صيف، ولا تضربن رجلا منهم سوطا في طلب درهم، ولا تقبحه في طلب درهم، فإنا لم نؤمر بذلك، ولا تبتغ لهم دابة يعملون عليها، إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو، قال: قلت: إذا أجيئك كما ذهبت، قال: وإن فعلت، قال: فذهبت، فتتبعت ما أمرني به، فرجعت والله ما بقي علي درهم واحد إلا وفيته. ومنهم الحافظ أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان الجشمي السجستاني في المعمرون والوصايا (ص 154 ط دار إحياء الكتب العربية بمصر) قال: وحدثونا عن أبي نعيم، عن إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر قال: سمعت عبد الملك بن عمير، قال: حدثني رجل من ثقيف قال: استعملني علي بن أبي طالب رضي الله عنه على عكبرا - فذكر مثل ما تقدم عن ابن منظور باختلاف يسير في اللفظ. ومنهم الفاضل المعاصر خالد عبد الرحمن العك المدرس في إدارة الإفتاء العام بدمشق في مختصر حياة الصحابة للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي (ص 269 ط دار الإيمان - دمشق بيروت) قال: أخرج أبو نعيم في الحلية (1 / 82) عن رجل من ثقيف أن عليا رضي الله عنه استعمله على عكبرا، قال: ولم يكن السواد يسكنه المصلون - فذكر مثل ما تقدم عن ابن منظور إلى: إلا طيبا، ثم قال: وعن الأعمش قال: كان علي رضي الله عنه يغدى ويعشى، ويأكل هو من شيء يجيئه من المدينة. ومنهم العلامة الشيخ محمد بن داود بن محمد البازلي الكردي الحموي الشافعي في كتابه غاية المرام (ق 77 نسخة مكتبة جستربيتي بإيرلندة) قال:

ص 254

قال رجل من ثقيف: كان علي يجعل طعامه في جراب - فذكر مثل ما تقدم عن ابن منظور بتفاوت في اللفظ، ثم قال: قال الغزالي في إحيائه: تولى علي العراق وكان مأكوله من جراب كان يحمل إليه كل سنة من الحجاز من ملكه وكان يختم على الجراب فقيل له، فقال: علمت من أين أدخلت بجراب وما أريد آكل ما لم أعلم. فرضي الله عنه ما أزهده في الدنيا مع أنها أتته. ومنهم الفاضل المعاصر خالد عبد الرحمن العك المدرس في إدارة الإفتاء العام بدمشق في مختصر حياة الصحابة للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي (ص 345 ط دار الإيمان - دمشق وبيروت) قال: وأخرج البخاري في الأدب (ص 81) عن صالح بياع الأكسية عن جدته قالت: رأيت عليا رضي الله عنه اشترى تمرا بدرهم فحمله في ملحفته، فقلت له أو قال له رجل: أحمل عنك يا أمير المؤمنين، قال: لا، أبو العيال أحق أن يحمل. وأخرجه ابن عساكر كما في المنتخب (65 / 56)، وأبو القاسم البغوي، كما في البداية (8 / 5) عن صالح بنحوه. وأخرج ابن عساكر عن زاذان عن علي رضي الله عنه أنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو وال، يرشد الضال، وينشد الضال، ويعين الضعيف، ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا) ويقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة على سائر الناس: كذا في المنتخب (65 / 56) وأخرجه أبو القاسم البغوي نحوه كما في البداية (8 / 5). وأخرج ابن سعد (3 / 18) عن جرموز قال: رأيت عليا رضي الله عنه وهو يخرج من القصر وعليه قطريتان: إزار إلى نصف الساق، ورداء مشمر قريب منه، ومعه درة له يمشي بها في الأسواق، ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع، ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ويقول: لا تنفخوا اللحم. وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب (3 / 48).

ص 255

وأخرج ابن راهويه وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وأبو يعلى والبيهقي وابن عساكر - وضعف - عن أبي مطر قال: خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي خلفي: ارفع إزارك فإنه أتقى لربك، وأتقى لثوبك، وخذ من رأسك إن كنت مسلما، فإذا هو علي ومعه الدرة، فانتهى إلى سوق الإبل فقال: بيعوا ولا تحلفوا، فإن اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة. ثم أتى صاحب التمر فإذا خادم تبكي فقال: ما شأنك؟ قالت: باعني هذا تمرا بدرهم فأبى مولاي أن يقبله، فقال: خذه وأعطها درهما فإنه ليس لها أمر، فكأنه أبى، فقلت: ألا تدري من هذا؟ قال: لا، قلت: علي أمير المؤمنين، فصب تمره وأعطاها درهما وقال: أحب أن ترضى عني يا أمير المؤمنين، قال: ما أرضاني عنك إذا وفيتهم. ثم مر مجتازا بأصحاب التمر فقال: أطعموا المسكين يربو كسبكم. ثم مر مجتازا حتى انتهى إلى أصحاب السمك فقال: لا يباع في سوقنا طاف. ثم أتى دار بزاز وهي سوق الكرابيس، فقال: يا شيخ أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم، فلما عرفه لم يشتر منه شيئا، ثم أتى آخر فلما عرفه لم يشتر منه شيئا، ثم أتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم لبسه ما بين الرسغين إلى الكعب، فجاء صاحب الثوب فقيل: إن ابنك باع من أمير المؤمنين قميصا بثلاثة دراهم، قال: فهلا أخذت منه درهمين؟ فأخذ الدرهم ثم جاء به إلى علي فقال: أمسك هذا الدرهم. قال: ما شأنه؟ قال: كان قميصا ثمنه درهمان باعك ابني بثلاثة دراهم. قال: باعني رضاي وأخذت رضاه. كذا في المنتخب (5 / 57).

مستدرك زهد علي عليه السلام وعدله

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 4 ص 331 وص 398 وص 405 وج 5 ص 4 وج 8 ص 245 وص 532 وج 15 ص 613 وج 17 ص 574 وج 21 ص 364 ومواضع أخرى، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق.

ص 256

فمنهم الفاضل المعاصر آدم عبد الله الألوري في تاريخ الدعوة الإسلامية في الأمس إلى اليوم (ص 77 ط دار مكتبة الحياة - بيروت) قال: وسار على هذه السيرة سيدنا علي الذي تولى الخلافة وقال: أيتها الدنيا غري بغيري فقد طلقتك ثلاثا. فتأثر بهذه النزعة إبراهيم بن أدهم الذي حوى الملك والجاه والمال والشرف ثم نفض يديه منها وخرج هائما على وجهه يتزهد فيها طالبا عيشة الفقراء والمساكين (1).

(هامش)

(1) قال الفاضل المعاصر خالد محمد خالد في كتابه في رحاب علي عليه السلام (ص 188 ط دار المعارف بمصر ولبنان): وإذا كان الولاء للحق يتمثل أول ما يتمثل في قهر الدنيا والتفوق على إغرائها وفتونها، فإن ابن عم رسول الله وتلميذه العظيم، قد بلغ في ذلك المدى وجاوز المستطاع. هاهو ذا، يخرج إلى سوق الكوفة، وهو خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، حاملا أحد أسيافه الأثيرة لديه، الحبيبة إليه عارضا إياه للبيع وقائلا: من يشتري سيفي هذا؟ فوالله لو كان معي ثمن إزار ما بعته؟ لماذا هذه الفاقة، وبيت المال يستقبل كل يوم من أقطار الإسلام مالا غدقا ومن حقه كأمير المؤمنين أن يأخذ منه كفايته؟ لماذا يصر على أن يطحن بنفسه دقيقه؟ ويرقع مدرعته حتى لا يبقى فيها مكان لرقاع جديدة؟ لماذا لا يأكل الخبز إلا قديدا مخلوطا بنخالته؟ ويهرب من قصر الإمارة بالكوفة إلى كوخ من طين. نقول لماذا؟ لأن الولاء للحق، والزهو بالدنيا لا يجتمعان. ولقد تعلم ذلك من قدوة سلفت، طالما كان يلهج بها ذاكرا، ومذكرا. تلك القدوة التي لم تغب عن خاطره لحظة من نهار والتي عبر عنها فقال: في رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قبضت عنه أطراقها، ووطئت لغيره أكنافها.. وفي موسى كليم الله، إذ يقول: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)، ووالله ما سأله إلا خبزا = (*)

ص 257

(هامش)

= يأكله. وفي المسيح عيسى بن مريم الذي كان يلبس الخشن ويأكل الجشب دابته رجلاه، وخادمه يداه. تلك هي المنازل العلي التي يحلق عندها البطل الزاهد الأواب وهو لهذا لا يعدل شيئا بجشب الطعام وخشن الثياب. لقد كانت هوايته الكبرى، إهانة الدنيا، وإذلال مغرياتها الهائلة بأن يرفع في وجهها يدا لا تهتز ولا تختلج، تقول لتلك المغريات: لا. فلما ولي أمر المسلمين، وصار لهم خليفة وأميرا، تحولت الهواية إلى واجب. أجل آنئذ لم يعد نبذ الدنيا وإذلال سلطانها وإغرائها مجرد هواية لبطولته، أو رياضة لروحه. بل صارت واجبا تفرضه مسئوليات الحكم، وتبعات القدوة، وآنئذ سمعناه يقول: أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين، ثم لا أشارك المؤمنين في مكاره الزمان.. والله لو شئت لكان لي من صفو هذا العسل، ولباب هذا البر، ومناعم هذه الثياب ولكن، هيهات أن يغلبني الهوى، فأبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى. هو إذن مقيم لم يرحل يعلم الناس في كل جيل وعصر، أن الولاء للحق أثمن تكاليف الانسان.. ويعلم الحكام في كل جيل وعصر، أن الولاء للحق يعني رفض إغراء الدنيا، ورفض غرور السلطان. وهو مقيم لم يرحل.. يجد عصرنا هذا في نهجه وحكمه أستاذا ومعلما وهاديا. فاليوم، حيث تعبي الحضارة كل قواها لمحاربة الفقر، وإرباء الكفاية، وتوزيع العدل، نجد أمير المؤمنين عليا يدرك من قرابة ألف وأربعمائة عام بؤس الفقر ووظيفة المال إدراك الحاكم المسئول، لا إدراك الواعظ المتمني. انظروا ها هوا ذا ناسك لم يمنعه نسكه، وزهده عن أن يعرف ضراوة الفقر وبؤسه وعداءه لتقدم الروح والضمير فيقول قولته الباهرة: لو كان الفقر رجلا لقتلته. وها هو ذا يبدأ الساعات الأولى من حكمه وخلافته بوقف تضخم الثروات التي سببها التمييز في الأنصبة والعطاء بين الذين أسلموا قبل الفتح، والذين أسلموا بعده = (*)

ص 258

(هامش)

= فيلتزم منهج التسوية في العطاء. وفي حدود قدرة بيت المال يأخذ كل حاجته ولا يزيد، وإنه ليفحم المعارضين لمنهجه بكلمات قصار لكنها كبار، إذ يقول: لو كان المال مالي لسويت بينهم، فكيف والمال مال الله، وهؤلاء، عباده. إن وظيفة المال عنده، تتمثل في سد حاجات الشعب فردا فردا، وهو أي المال ليس مثوبة على دين، ولا تكريما لمركز، بل ولا ثمنا لجهد. إنه قيام بضرورات العيش، وسد لحاجات الناس، لا أكثر من هذا، ولا أقل. وهو بهذه المثابة، لا يصلح قط أن يكون حكرا ولا أن يكون دولة بين أيدي قلة مثرية. إن تحديد إقامة المال في بضع أيد، أو بضع بيوت، هدر لوظيفته وإلغاء لدوره الصحيح في فقه الإمام، الذي هو فقه الإسلام. من أجل هذا قال كلمات راشدة صاغ بها مبدأ من أعظم مبادئ حكمه وحكومته. إن الله فرض من أموال الأغنياء أقوات الفقراء.. فما جاع فقير، إلا بتخمة غني. من العسير أن نجد عبارة تحدثنا عن وظيفة المال ويجتمع فيها المنطق العلمي، والألق الانساني، على هذا النسق الفريد والرشيد. إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بتخمة غني. ألا وإن الإمام بهذا المبدأ، لا ينفي عن المال نزوة الاحتكار فحسب. بل ينفي عنه كذلك نزوة السرف في إنفاقه والجموح في طلب المناعم به. فجوع الفقير ناشئ عن تخمة الغني، والجوع والتخمة كلاهما مظهر لخلل في وظيفة المال وعدالة التوزيع. فحين تأخذ وظيفة المال دورها الصحيح في تغطية المعايش وسد الحاجات بغير سرف أو ترف فآنئذ لا توجد التخمة التي تخلق الجوع، ولا يوجد الجوع الذي يحقد على التخمة. وعبارته الرشيدة هذه: إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء. تعطينا دلالتها الرائعة حكما فقهيا باهرا، هو أن أموال الأغنياء ليست حقا خالصا لهم ما دام في مجتمعهم فقراء بل هي حق لهم وللفقراء معا، هي حق للفقراء الذين خلت منه = (*)

ص 259

(هامش)

= أيديهم، بقدر ما هي حق للأغنياء الذين تمتلئ به أيديهم. ولقد كان الإمام رضي الله عنه يضع مبدأه هذا كما يضع كل مبادئه موضع التنفيذ السديد، لا يصرفه عن ذلك تلك الفتن المجنونة حوله، ولا الحرب المتسعرة ضده. ترى هل كان لسياسته هذه دور في تألب الأحقاد عليه وانفضاض الدين كانوا أنصاره بالأمس من حوله. هل لعبت مخاوف المسلمين الذين أثروا ثراء كبيرا، والذين كانوا في طريقهم إلى الثراء دورا غير منظور في محاربة الخليفة الذي رفع هذا الشعار، وهذا المبدأ: إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء. على أي حال، فقد رحل عن الدنيا الشكل الخارجي للبطل: أما موضوعه الحي ومضمونه النقي، فقد بقيا غذاء للحقيقة وريا. وسيظل الإمام حيا في جميع القيم وفي كل الحقائق التي عاش يناضل دونها، ومات حاملا رايتها، سيظل حيا وماثلا في فضائله وعظائمه التي صاغ منها حياة امتدت إلى الثالثة والستين، والتي أجاد وصفها ضرار بن ضمرة الكناني، فقال واصفا الإمام: كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطلق الحكمة من لسانه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته. كان غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفيه ويخاطب نفسه. يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه، ويبتدئنا إذا أتيناه، ويأتينا إذا دعوناه. وكنا والله مع قربه منا لا نكاد نكلمه لهيبته، ولا نبتدئه لعظمته. وكان إذا تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه وقد مثل في محرابه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه وهو يقول: يا دنيا، يا دنيا، إلي تعرضت، أم إلي تشوقت؟ هيهات هيهات، غري غيري، قد أبنتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. لقد كان حظ الإمام مع الناس عاثرا. ولكن حظوظه مع نفسه في طهرها وتقاها، = (*)

ص 260

(هامش)

= كانت رابية ووافية فبغير عون من تأييد يبذله مؤيدون وأصدقاء. وبغير جزع أمام المؤامرات الضارية، يثيرها في وجهه أعداء، تلو أعداء وقف الإمام علي يبني وحده بإيمانه الفرد، ويساعده الأشد، حياة سامقة تبقى على مر الزمان منارا لذوي الرشد والنهى. ولئن كان لم ينصفه الذين غلوا في حربه ولم ينصفه الذين غلوا في حبه. فقد أنصفته عظمته الفريدة، إذ فرضت على الأعداء جلالها وعلى الأصدقاء استغناءها، وسارت على وجه الزمان طاهرة، ناضرة، ظافرة وتلكم هي العظمة حقا. وقال الأستاذ أحمد عبد الهادي طلخان في مالية الدولة الإسلامية المعاصرة (ص 226 ط مكتبة وهبة بالقاهرة): حدثنا سعيد بن محمد، عن هارون بن عنترة، عن أبيه قال: أتيت عليا بالرحبة يوم فيروز أو مهرجان وعنده دهاقين وهدايا، قال: فجاء قنبر فأخذ بيده فقال: يا أمير المؤمنين، أنت رجل لا تقبل شيئا وإن لأهل بيتك في هذا المال نصيبا وقد خبأت لك خبيئة. قال: وما هي؟ قال: فانطلق وانظر ما هي. قال: فأدخله بيتا فيه غرارة مملؤة ذهبا وفضة مموهة بالذهب، فلما رآها علي قال: ثكلتك أمك، فقد أردت أن تدخل في بيتي نارا عظيمة، ثم جعل يزنها ويعطي كل عريف حصته، وكان علي شديدا في محاسبة رجاله حرصا على العدل والحق. وقال العلامة حميد بن زنجويه المتوفى سنة 251 في كتابه الأموال (ج 2 ص 610 مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية): أنا حميد، أنا ابن أبي أويس، حدثني سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كان يقسم المال حتى تبعر الغنم في بيوت المال فأتي مرة بمال فما وجد له موضعا حتى أمر ببيوت المال فقمت. وقال العلامة أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي الأصفهاني المتوفى سنة 576 في المشيخة البغدادية (نسخة مكتبة جستربيتي): حدثنا أحمد بن جعفر، عن بشر بن موسى الأسدي، حدثنا أبو زكريا يحيى بن = (*)

ص 261

ومنهم الفاضل المعاصر عبد السلام محمد هارون في كتابه تهذيب إحياء علوم الدين للغزالي (ج 2 ص 236 ط القاهرة) قال: كان أزهد الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ومنهم العلامة الشيخ أبو المعالي محمد بن الحسن بن محمد بن علي ابن حمدون في التذكرة الحمدونية (ص 69 ط بيروت) قال: قال الأحنف: دخلت على معاوية فقدم إلي من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه، ثم قدم لونا ما أدري ما هو، فقلت: ما هذا؟ قال مصارين البط محشوة بالمخ قد قلي بدهن الفستق وذر عليه الطبرزد فبكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلت: ذكرت عليا، بينا أنا عنده فحضر وقت إفطاره فسألني المقام إذ دعا بجراب مختوم، قلت: ما في الجراب؟ قال: سويق شعير، قلت: خفت عليه أن يؤخذ أو بخلت به؟ قال: لا ولا أحدهما ولكني خفت أن يلته الحسن والحسين بسمن أو زيت. قلت: محرم هو يا أمير المؤمنين؟ قال: لا ولكن يجب على أئمة الحق أن يعتدوا أنفسهم من ضعفة الناس لئلا يطغى الفقير فقره، قال معاوية: ذكرت من لا ينكر فضله. ومنهم الفاضل المستشار عبد الحليم الجندي في الإمام جعفر الصادق عليه السلام (ص 253 ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - القاهرة) قال: وأما الأمة فجعلت مكان معاوية من علي مثلا سائرا في اللسان العربي، وأين معاوية من علي! - فذكر قصة الأحنف مع معاوية كما تقدم عن التذكرة . ومنهم العلامة الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن الحنفي البغدادي المعروف بابن

(هامش)

= إسحاق، حدثنا يزيد بن عطا، عن ابن إسحاق، عن هبيرة: أن الحسن بن علي عليهما السلام خطب الناس فقال: أيها الناس لقد فقدتم رجلا لم يسبقه الأولون ولم يدركه الآخرون، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه في السرية وإن جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، والله ما ترك بيضاء ولا صفراء إلا ثمانمائة درهم في ثمن خادم. (*)

ص 262

الجوزي المتوفى سنة 597 في المصباح المضئ (ج 1 ص 360 ط مطبعة الأوقاف في بغداد) قال: أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا جعفر بن أحمد، قال: أنبأنا أبو علي التميمي، قال: أنبأنا أبو بكر بن جعفر، قال: أنبأنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أنبأنا وهب بن إسماعيل، قال: أنبأنا محمد بن قيس، عن علي بن ربيعة، عن علي بن أبي طالب قال: جاءه ابن النباح فقال: يا أمير المؤمنين امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء. قال: الله أكبر، فقام متوكئا على ابن النباح حتى قام على بيت المال فقال: هذا جناي وخياره فيه * وكل جان يده إلى فيه ونودي في الناس فأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين وهو يقول: يا صفراء يا بيضاء غري غيري، ها وها، حتى ما بقي فيه دينار ولا درهم ثم أمر بنضحه وصلى فيه ركعتين. وذكر مثله في الحدائق ج 1 ص 389 باختلاف قليل في اللفظ. ومنهم العلامة الشيخ أبو الجواد البتروني الحنفي في الكوكب المضئ (ق 48 والنسخة مصورة من مكتبة طوب قبو سراي باسلامبول) قال: وكان علي رضي الله عنه يوما جالسا فجاء النباح - فذكر مثل ما تقدم عن المصباح باختلاف قليل في اللفظ. وزاد في آخره: رجاء أن يشهد له يوم القيامة. ومنهم المؤرخ الصارم إبراهيم بن محمد بن إيدمر في الجواهر الثمين في سيرة الخلفاء والسلاطين (ص 63 ط بيروت) قال: سيرته: كان إذا دخل إلى بيت المال ونظر إلى ما فيه من الذهب والفضة يقول: ابيضي واصفري وغرى غيري، إني من الله بكل خير. وقال أيضا في ص 65: وروي أن عليا قسم ما في بيت المال بين المسلمين ثم أمر به فكنس ثم صلى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيمة.

ص 263

وعن أبي حيان التيمي قال: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المنبر يقول: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته. ومنهم قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد الماوردي البصري البغدادي في نصيحة الملوك (ص 319 ط مؤسسة شباب الجامعة بالإسكندرية) قال: وروى مجمع بن أبي رجاء قال: خرج إلينا علي بن أبي طالب رحمه الله بسيف يبيعه. فقال: من يشتري مني هذا؟ ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته، قال: فقلت أنا أبيعك وأنسئك ثمنه. قال: فلما خرج عطاؤه قضاني. ومنهم علامة التاريخ صارم الدين إبراهيم بن محمد بن إيدمر بن دقماق القاهري المتولد سنة 750 والمتوفى 809 في الجوهر الثمين في سيرة الخلفاء والسلاطين (چ 1 ص 65 ظ عالم الكتب في بيروت سنة 1405) قال: وعن أبي حيان التيمي قال: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المنبر يقول: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته. ومنهم الشيخ أبو الجود البتروني الحنفي في الكوكب المضئ (ق 49 والنسخة مصورة من مكتبة طوب قبو سراي باسلامبول) قال: قال ابن الأرقم: رأيت عليا رضي الله عنه وهو يبيع سيفا له - فذكر مثل ما تقدم. ومنهم العلامة أحمد بن محمد الخافي الحسيني الشافعي في التبر المذاب (ص 53 نسخة مكتبتنا العامة بقم) قال: ومن ذلك الزهد والورع، وقد كان جماعة من الصحابة جمعوا الزهد واشتهر عنهم كأبي الدرداء وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي وكانوا بأسرهم معترفين لعلي عليه السلام بذلك فإنه طلق الدنيا ثلاثا. قال قبيصة بن جابر: لم يكن أحد من الصحابة أزهد من علي بن أبي طالب، كان قوته الشعير غير المنخول ولا المأدوم ولم يشبع من البر ثلاثة أيام. قال عمر بن عبد العزيز: ما علمنا أن أحدا كان أزهد من علي بن أبي طالب.

ص 264

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب (ص 40 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال: وقال عبد الله بن أبي سفيان: أهدى دهقان من دهاقين السواد إلى الحسن بردا وإلى الحسين بردا، فقال: ما هذان البردان؟ قالا: أهداهما إلينا دهقان من دهاقين السواد فأخذهما وجعلهما في بيت المال. ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (ج 18 ص 59 ط دار الفكر) قال: قال عبد الله بن أبي سفيان: أهدى إلي دهقان من دهاقين السواد بردا، وإلى الحسن أو الحسين بردا مثله، فقام علي يخطب بالمدائن يوم الجمعة، فرآه عليهما، فبعث إلي وإلى الحسين فقال: ما هذان البردان؟ - فذكر مثل ما تقدم عن الجواهر بعينه. ومنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة 748 في تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام (ج 3 ص 645) قال: وعن علي أنه اشترى قميصا بأربعة دراهم فلبسه، وقطع ما فضل منه عن أصابعه من الكم. وعن جرموز قال: رأيت عليا وهو يخرج من القصر، وعليه إزار إلى نصف الساق، ورداء مشمر، ومعه درة يمشي بها في الأسواق، ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع، ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ولا تنفخوا اللحم. وقال الحسن بن صالح بن حي: تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز، فقال: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب. وعن رجل أنه رأى عليا قد ركب حمارا ودلى رجليه إلى موضع واحد، ثم قال: أنا الذي أهنت الدنيا. ومنهم الفاضل المعاصر عبد السلام محمد هارون في كتابه تهذيب إحياء علوم

ص 265

الدين للغزالي (ج 2 ص 217 ط القاهرة) قال: وعن علي رضي الله عنه أنه لم يأكل بعد قتل عثمان ونهب الدار طعاما إلا مختوما حذرا من الشبهة. ومنهم الحافظ الشيخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي الحنبلي المتولد سنة 508 والمتوفى 597 في كتابه القصاص والمذكرين (ص 24 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال: وكان علي بن أبي طالب يلبس دني الثياب، فقيل له في ذلك، فقال: يقتدي بي الرجل المسلم. ومنهم الفاضل المعاصر الشريف علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله الحسيني القاهري المولود بها سنة 1296 والمتوفى بها أيضا سنة 1372 في كتابه أحسن القصص (ج 3 ص 199 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال: وكان رضي الله عنه سيد الزهاد في الدنيا، الجامحين عن الاغترار بزخارفها، والانخداع بباطلها، وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا، طلق الدنيا، وكانت الأموال تجئ إليه من جميع بلاد الإسلام. حدثنا أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: لما أتي علي عليه السلام بالمال أقعد بي يديه الوزان والنقاد، فكون كومة من ذهب، وكومة من فضة، وقال: يا حمراء، ويا بيضاء، احمري وابيضي، وغري غيري، وأنشد: هذا جناي وخياره فيه إذ * كل جان يده إلى فيه ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم (ص 212 ط القاهرة سنة 1399) قال: عن هبيرة بن يريم قال: خطب الحسن بن علي فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم، ولا يدركه الآخرون كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه بالراية، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، لا ينصرف حتى يفتح له.

ص 266

عن عمرو بن حبشي قال: خطبنا الحسن بن علي، بعد قتل علي فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس، ما سبقه الأولون بعلم، ولا أدركه الآخرون، إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه ويعطيه الراية، فلا ينصرف حتى يفتح له، وما ترك من صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه، كان يرصدها لخادم لأهله. ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ أبو إسحاق الحويني الأثري حجازي بن محمد بن شريف في تهذيب خصائص الإمام علي للحافظ النسائي (ص 32 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، أخبرنا النضر بن شميل قال: أخبرنا يونس، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم قال: جمع الناس الحسن بن علي وعليه عمامة سوداء لما قتل أبوه فقال: لقد كان قتلتم بالأمس رجلا ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ويقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ثم لا ترد رايته حتى يفتح الله عليه، ما ترك دينارا ولا درهما، إلا تسعمائة أخذها عياله من عطاء كان أراد أن يبتاع خادما لأهله. ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور الحبيب الجنحاني التونسي في كتابه التحول الاقتصادي والاجتماعي في مجتمع صدر الإسلام (ص 31 ط دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة 1406) قال: ولما توفي الإمام علي خطب ابنه الحسن في مسجد الكوفة فقال: ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادما (1).

(هامش)

(1) قال الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في المرتضى برة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب (ص 179 ط دار القلم دمشق): زهده وورعه وكان أوضح خلة يتصف بها وشعار يتميز به، هو الزهد البالغ مع توافر أسباب (*)

ص 267

(هامش)

الرخاء والثراء، والسلطة المطلقة، وتوفير الناس وإجلالهم الذي يمنع من النقد والحسبة والمؤاخذة، وقد روى يحيى بن معين عن علي بن جعد عن الحسن بن صالح، قال: تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز فقال: أزهد الناس في الدنيا علي ابن أبي طالب. وهنالك أمثلة من زهده، وهي قليل من كثير: أخرج أبو عبيد عن عنترة قال: دخلت على علي بن أبي طالب بالخورنق، وعليه قطيفة وهو يرعد فيها من البرد، فقالت: يا أمير المؤمنين، إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك نصيبا في هذا المال، وأنت ترعد من البرد؟ فقال: إني والله لا أرزأ من مالكم شيئا، وهذه القطيفة هي التي خرجت بها من بيتي، أو قال من المدينة. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن رجل من ثقيف أن عليا رضي الله عنه استعمله على عكبرا، قال: ولم يكن السواد يسكنه المصلون، وقال لي: إذا كان عند الظهر فرح إلي، فرحت إليه، فلم أجد عنده حاجبا يحجبني عنه دونه، فوجدته جالسا وعنده قدح وكوز من ماء، فدعا بطينة فقلت في نفسي: لقد أمنني حتى يخرج إلي جوهرا، ولا أدري ما فيها، فإذا عليها خاتم، فكسر الخاتم فإذا فيها سويق، فأخرج منها، فصب في القدح، فصب عليه ماءا فشرب وسقاني، فلم أصبر فقلت: يا أمير المؤمنين، أتصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك، قال: أما والله ما أختم عليه بخلا عليه، ولكني أبتاع قدر ما يكفيني، فأخاف أن يفنى فيصنع من غيره، وإنما حفظي لذلك، وأكره أن أدخل بطني إلا طيبا. وأوتي بالفالوذج ووضع قدامه بين يديه، فقال: إنك طيب الريح، وحسن اللون، طيب الطعم، ولكن أكره أن أعود نفسي ما لم تعتده. وعن زيد بن وهب قال: خرج علينا علي رضي الله عنه وعليه رداء وإزار قد وثقه بخرقة، فقيل له، فقال: إنما ألبس هذين الثوبين ليكون أبعد لي من الزهو، وخيرا لي في صلاتي، وسنة للمؤمن. وعن مجمع بن سمعان التيمي قال: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسيفه إلى = (*)

ص 268

(هامش)

= السوق، فقال: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إزار ما بعته. وأخرج أحمد عن عبد الله بن رزين قال: دخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقرب إلينا خزيرة، فقلنا: أصلحك الله، لو أطعمتنا هذا البط يعني الأوز فإن الله أكثر الخير، قال: يا ابن رزين، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان: قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين يدي الناس. وأخرج أبو عبيد في الأموال عن علي رضي الله عنه أنه أعطى العطاء في سنة ثلاث مرات، ثم أتاه مال من أصبهان، فقال: اغدوا إلى عطاء رابع، إني لست بخازنكم، فأخذها قوم وردها قوم. خطب علي الناس فقال: أيها الناس والله الذي لا إله إلا هو، ما رزأت من مالكم قليلا ولا كثيرا إلا هذه، وأخرج قارورة من كم قميصه فيها طيب، فقال: أهدى إلي دهقان، وقال ثم أتى بيت المال وقال: خذوا، أنشأ يقول: أفلح من كانت له قوصرة * يأكل منها كل يوم تمرة ويقول هبيرة بن يريم: قال سمعت الحسن بن علي خطيبا، فخطب الناس فقال: يا أيها الناس لقد فارقكم أمس رجل ما ترك بيضاء ولا صفراء إلا سبع مائة درهم فضلت من عطائه، أراد أن يشتري بها خادما. وقال الفاضل المعاصر الدكتور حسن الشرقاوي في أصول التصوف الإسلامي (ص 53 ط دار المعرفة الجامعية - الإسكندرية): زاد زهد علي رضي الله عنه عن زهد أكابر الزهاد، ولم يدخل إلى أهله وهو أمير المؤمنين شيئا من أموال المسلمين، ولم يلبس وهو أمير المؤمنين إزارا يزيد على ثلاثة دراهم، يغسل بيت المال بيده عسى أن يكون ذلك شفيعا له يوم القيامة، يبيع سيفه الذي قاتل به المشركين ويقول: لو كان عندي ثمن إزار قميص ما بعته، يرى وهو يلبس المرقع من الثياب فيعاتبه أحد الخوارج فيقول له: ما لك وثوبي، إنه أبعد عن الكبر = (*)

ص 269

ومنهم الفاضل المعاصر خالد عبد الرحمن العك المدرس في إدارة الإفتاء العام بدمشق في مختصر حياة الصحابة للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي (ص 246 ط دار الإيمان - دمشق وبيروت) قال: وأخرج أبو نعيم في الحلية (1 / 81) عن علي بن ربيعة الوالبي، عن علي بن أبي طالب قال: جاءه ابن النباج فقال: يا أمير المؤمنين امتلأ بيت مال المسلمين من صفراء وبيضاء، فقال: الله أكبر، فقام متوكئا على ابن النباج حتى قام على بيت مال المسلمين، فقال: هذا جناي وخياره فيه * وكل جان يده إلى فيه يا بن النباج علي بأشياع الكوفة، قال فنودي في الناس، فأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين وهو يقول: يا صفراء، ويا بيضاء، غري غيري، ها وها، حتى ما بقي منه دينار ولا درهم. ثم أمره بنضحه وصلى فيه ركعتين. وعن معاذ بن العلاء عن أبيه عن جده قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة أهداها إلي الدهقان، ثم نزل إلى بيت المال ففرق كل ما فيه، ثم جعل يقول: أفلح من كانت له قوصرة * يأكل منها كل يوم مره وعن عنترة الشيباني قال: كان علي رضي الله عنه يأخذ في الجزية والخراج من أهل كل صناعة من صناعته وعمل يده، حتى يأخذ من أهل الإبر الإبر والمسال والخيوط والحبال، ثم يقسمه بين الناس، وكان لا يدع في بيت المال مالا يبيت فيه

(هامش)

= وأجدر أن يقتدي به المؤمن. بمن يقتدي المسلم إن لم يقتد بعلي، باب العلم، ومنارة الحكمة، وشقيق الرسول وعلى سريره في الجنة. الباكي الحزين، المؤمن الصابر، الصادق اليقين، العادل الأمين، أول المجاهدين، الناصر للدين، العالم الحكيم... العارف بعلوم الظاهر والباطن والحق والباطل. (*)

ص 270

حتى يقسمه، إلا أن يغلبه شغل فيصبح إليه، وكان يقول: يا دنيا، لا تغريني وغري غيري، وينشد: هذا جناي وخياره فيه * وكل جان يده إلى فيه وأخرج أبو عبيد عن عنترة قال: أتيت عليا رضي الله عنه يوما فجاءه قنبر، فقال: يا أمير المؤمنين إنك رجل لا تليق شيئا، وإن لأهل بيتك في هذا المال نصيبا، وقد خبأت لك خبيئة، قال: وما هي؟ قال: انطلق فانظر ما هي، قال: فأدخله بيتا فيه باسنة مملوءة آنية ذهب وفضة مموهة بالذهب، فلما رآها علي قال: ثكلتك أمك لقد أردت أن تدخل بيتي نارا عظيمة؟ ثم جعل يزنها ويعطي كل عريف بحقه، ثم قال: هذا جناي وخياره فيه * وكل جان يده إلى فيه لا تغريني، وغري غيري، - كذا في منتخب الكنز (5 / 57) وأخرج أحمد في الزهد ومسدد عن مجمع نحو ما تقدم عن أبي نعيم في الحلية ، كما في المنتخب (5 / 57). ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان في جامع الأحاديث (القسم الثاني ج 3 ص 681 ط دمشق) قالا: عن كليب قال: قدم على علي مال من أصبهان فقسمه على سبعة أسهم، فوجد فيه رغيفا فكسره على سبعة وجعل على كل قسم منها كسره، ثم دعا أمراء الأسباع فأقرع بينهم لينظر أيهم يعطى أولا. (ق، كر). ومنهم الفاضل المعاصر الشريف علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله الحسيني القاهري المولود بها سنة 1296 والمتوفى بها أيضا سنة 1372 في كتابه أحسن القصص (ج 3 ص 200 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال: كان علي رضي الله عنه صلبا في الحق، لا تلين قناته هوادة، ولا تأخذه فيه مرعاة، وهو يربأ بنفسه أن يستهوي الأفئدة بالمداجاة والمقاربة، وبذل العطاء، كما كان يفعل

ص 271

سواه ثم هو يرى أن حيدته عن خطته تلك تنكب منهاج الشرع القويم، وانتقاض لدينه، وكان من جراء ذلك أن انفض من حوله أمس الناس رحما به، كأخيه عقيل، وابن عمه عبد الله بن عباس، وكان مسلكه ذلك أحد أسباب إخفاقه، ولنذكر مثلا يؤيد ذلك. رووا أن عقيلا لزمه دين فقدم على علي بالكوفة فأنزله، وأمر ابنه الحسن، فكساه، فلما أمسى دعا بعشائه، فإذا هو خبز، وملح، وبقل، فقال عقيل: ما هو إلا ما أرى؟ قال: لا. قال: فتقضي ديني. قال: وكم دينك؟ قال: أربعون ألفا، قال: ما هي عندي. ولكن إصبر حتى يخرج عطائي فإنه أربعة آلاف فأرفعه إليك، فقال: بيوت المال بيدك وأنت تسوفني بعطائك؟ قال: أتأمرني أن أدفع إليك أموال المسلمين، وقد ائتمنوني عليها؟ قال: فإني آت معاوية. فإذن له، فأتى معاوية وكان معاوية زوج خالته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة. غاضب عقيل أخاه وهجره إلى معاوية، فأكرمه وقربه وقضى حوائجه وأدى عنه دينه، وقد قال له معاوية يوما: هذا أبو يزيد، لولا أنه علم أني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه، فقال له عقيل: أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي، وقد آثرت دنياي، أسأل الله خاتمة خير. وقال له معاوية: أبا يزيد، أنا لك خير من أخيك علي. قال: صدقت، إن أخي آثر دينه على دنياه، وأنت آثرت دنياك على دينك، فأنت خير من أخي، وأخي خير لنفسه منك. ومنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عيد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة 911 في كتابه مسند علي بن أبي طالب (ج 1 ص 85 ط المطبعة العزيزية بحيدر آباد، الهند) قال: عن الشعبي قال: قال علي رضي الله عنه ولقد تزوجت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار وما لي خادم غيرها. (هناد).

ص 272

وقال أيضا في ص 96: عن محمد بن كعب القرظي: إن أهل العراق أصابتهم أزمة فقام بينهم علي بن أبي طالب فقال: أيها الناس أبشروا فوالله إني لأرجو أن لا يمر عليكم إلا يسير حتى تروا ما يسركم من الرفاه واليسر، قد رأيتني مكثت ثلاثة أيام من الدهر ما أجد شيئا آكله حتى خشيت أن يقتلني الجوع فأرسلت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستطعمه لي، فقال: يا بنية والله ما في البيت طعام يأكله ذو كبد إلا ما ترين بشيء قليل بين يدي ولكن ارجعي فسيرزقكم الله، فلما جاءتني فأخبرتني وانفلت وذهبت حتى آتي بني قريظة، فإذا يهودي على شفة بئر قال: يا عربي هل لك أن تستقي لي نخلي وأطعمك، قلت: نعم، فبايعته على أن أنزع كل دلو بتمرة فجعلت أنزع فكلما نزعت دلوا أعطاني تمرة حتى إذا امتلأت يدي من التمر قعدت فأكلت وشربت من الماء، ثم قلت: يا لك بطنا لقد لقيت اليوم ضرا، ثم نزعت مثل (ذلك) لابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضعت ثم انقلبت راجعا حتى إذا كنت ببعض الطريق إذا أنا بدينار ملقى، فلما رأيته وقفت أنظر إليه وأوامر نفسي آخذه أم آذره، فأبت نفسي إلا آخذه، قلت أستشير رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته. فلما جئتها أخبرتها الخبر، قالت: هذا رزق من الله، فانطلق فاشتر لنا دقيقا فانطلقت حتى جئت السوق فإذا يهودي من يهود فدك جمع دقيقا من دقيق الشعير فاشتريت منه فلما أكتلت منه قال: ما أنت من أبي القاسم؟ قلت: ابن عمي وابنته امرأتي، فأعطاني الدينار فجئتها فأخبرتها الخبر فقالت: هذا رزق من الله عز وجل فاذهب به فارهنه بثمانية قراريط ذهب في لحم ففعلت ثم جئتها به فقطعته لها ونصبت ثم عجنت وخبزت ثم صنعنا طعاما وأرسلتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءنا فلما رأى الطعام قال: ما هذا ألم تأتني آنفا تسألني فقلنا: بلى إجلس يا رسول الله نخبرك الخبر،، فإن رأيته طيبا أكلت وأكلنا، فأخبرناه الخبر، فقال هو طيب فكلوا بسم الله، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فإذا هو بأعرابية تشتد كأنه نزع فؤادها، فقال: يا رسول الله إني

ص 273

أبضع معي بدينار فسقط مني والله ما أدري أين سقط فنظر بأبي وأمي أن يذكر لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعي لي علي بن أبي طالب فجئت فقال: اذهب إلى الجزار فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن قراريطك علي فأرسل بالدينار فأرسل به فأعطاه الأعرابية فذهبت به. (العدني). وقال أيضا في ص 93: عن علي رضي الله عنه أهديت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فما كان فراشنا ليلة أهديت إلا مسك كبش. (ابن المبارك في الزهد). وقال أيضا في ص 139: عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أكيس قلت: الله ورسوله أعلم، قال: إن أكيس الناس أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعاد. (الحارث). عن علي رضي الله عنه قال: خرجت في غداة شاتية من بيتي جائعا حرضا قد أدلقني البرد، فأخذت إهابا مقطوعا قد كان عندنا فجوبت ثم أدخلته في عنقي ثم حزمته على صدري أستدفئ به، والله ما في بيتي شيء آكل منه ولو كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم لسلفني، فخرجت في بعض نواحي المدينة فاطلعت إلى يهودي في حائط من ثغرة جداره فقال: ما لك يا أعرابي هل لك في كل دلو بتمرة، فقلت نعم فاتح الحائط، ففتح لي فدخلت فجعلت أنزع دلوا ويعطيني تمرة حتى ملأت كفي قلت حسبي منك الآن فأكلتهن ثم جرعت من الماء ثم جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلست إليه في المسجد وهو في عصابة من أصحابه، فاطلع علينا مصعب بن عمير في بدرة له مرقوعة، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ما كان فيه من النعيم ورأى حاله التي هو عليها انذرفت عيناه فبكى ثم قال: كيف أنتم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلة ووضعت بين يديه صحيفة ورفعت أخرى وسترت بيوتكم كما تستر الكعبة. قلنا: نحن يومئذ خير [منا اليوم نتفرغ] للعبادة ونكفى

ص 274

المؤنة. قال: لا أنتم اليوم خير منكم يومئذ. (ابن راهويه، وهناد، ت: وقال: حسن غريب، ع). وقال أيضا في ص 207: عن علي بن الأرقم، عن أبيه قال: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعرض سيفا له في رحبة الكوفة ويقول: من يشتري مني سيفي هدا، فوالله لقد جلوت به غير مرة عن وجه رسول الله صلى عليه وسلم، ولو أن عندي ثمن إزار ما بعته. (يعقوب بن سفيان، طس، حل، كر). ومنهم العلامة محمد بن أبي بكر الأنصاري في الجوهرة (ص 118 ط دمشق) قال: وكان قتادة رحمه الله يقول: قتل علي رضي الله عنه على غير مال احتجنه، ولا دنيا أصابها. ومنهم العلامة عبد الغني بن إسماعيل الشامي في زهرة الحديقة (ص 173 نسخة إحدى مكاتب إيرلندة) قال: وعن سفيان بن عيينة قال: ما بنى علي لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، وروي أنه كان عليه إزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم. ومنهم العلامة أبو الحجاج يوسف بن مجمد البلوى المشتهر بابن الشيخ في كتاب ألف با (ج 1 ص 448 ط عالم الكتب) قال: قال سعيد بن جبير: إن عليا قدم الكوفة وهو خليفة وعليه إزاران قطريان قد رقع إزاره برقعة ليست بقطرية من ورائه، فجاء أعرابي ينظر إلى تلك الخرقة مخالفة فقال: يا أمير المؤمنين كل من هذا الطعام والبس واركب فإنك ميت أو مقتول، قال: إن هذا خير لي في صلاتي وأصلح لعملي وأشبه بهيئة الصالحين قبلي وأجدر أن يقتدي بي من أتى بعدي. وكان علم رضي الله عنه أنه مقتول إذ كان قد أخبره بذلك رسول الله صلى الله عليه

ص 275

وسلم وعلى آله. ويروى أنه أتي بابن ملجم إليه وقيل له: إنا قد سمعنا من هذا كلاما ولا نأمن قتله إياك، قال: ما أصنع به؟ ثم قال رضي الله عنه: أشدد حيازيمك للموت * فإن الموت لاقيك ولا تجزع من الموت * إذا حل بواديك ومنهم الفاضل المعاصر الأستاذ عباس محمود العقاد في المجموعة الكاملة - العبقريات الإسلامية (ج 2 ص 26 ط دار الكتاب اللبناني - بيروت) قال: قال عمر بن عبد العزيز وهو من أسرة أمية التي تبغض عليا وتخلق له السيئات وتخفي ما توافر له من الحسنات: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب. وقال سفيان: إن عليا لم يبن آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة، وقد أبى أن ينزل القصر الأبيض بالكوفة إيثارا للخصاص التي يسكنها الفقراء. وربما باع سيفه ليشتري بثمنه الكساء والطعام. وروى النضر بن منصور عن عقبة بن علقمة قال: دخلت على علي عليه السلام فإذا بين يديه لبن حامض آذتني حموضته وكسر يابسة. فقلت: يا أمير المؤمنين، أتأكل مثل هذا؟ فقال لي: يا أبا الجنوب، كان رسول الله يأكل أيبس من هذا ويلبس أخشن من هذا - وأشار إلى ثيابه - فإن لم آخذ بما أخذ به خفت ألا ألحق به. ومنهم العلامة الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي المتوفى سنة 307 في مسند أبي يعلى (ج 1 ص 387 ط دار المأمون للتراث - دمشق) قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، عن أبي إسحاق، عن يزيد بن رومان القرظي، عن رجل سماه ونسيته، عن علي بن أبي طالب، قال: خرجت في غداة شاتية جائعا وقد أوبقني البرد، فأخذت ثوبا من صوف قد كان عندنا، ثم أدخلته في عنقي وحزمته على صدري أتدفئ به، والله ما في بيتي شيء آكل منه، ولو كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم شيء لبلغني، فخرجت في بعض

ص 276

نواحي المدينة فانطلقت إلى يهودي في حائطه، فاطلعت عليه من ثغرة جداره، فقال: ما لك يا أعرابي؟ هل لك في دلو بتمرة؟ قلت: نعم، افتح لي الحائط، ففتح لي، فدخلت، فجعلت أنزع الدلو ويعطيني تمرة حتى ملأت كفي. قلت: حسبي منك الآن. فأكلتهن ثم جرعت من الماء، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست إليه في المسجد. ومنهم العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عمر الوصابي الحبيشي المتوفى سنة 782 في البركة في فضل السعي والحركة (ص 30 ط دار المعرفة - بيروت) قال: ويروى أن عليا كرم الله وجهه كان يستقي الماء ليهودي كل دلو بتمرة. ويروى أنه آجر نفسه يسقي نخلا بشيء من شعير ليلة حتى أصبح. وقال: تزوجت فاطمة وما معنا إلا إهاب كبش ننام عليه بالليل، ونعلف عليه الناضج بالنهار. وقال: لما أردت أن أبتني بفاطمة واعدت رجلا صواغا على أن يرتحل معي فنأتي بأذخر فنبيعه من الصواغين فأستعين به على وليمة عرسي. وفي حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه وهو يختلي لفرسه أي يحش لها. وقال: بنيت بيتا بيدي يكنني من المطر ويظلني من الشمس ما أعانني عليه أحد من خلق الله تعالى. وقال ابن عباس: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث عليا بالراية قال: أين علي؟ قالوا: هو في الرحا يطحن، فقال: وما كان أحدكم يطحن عنه. ومنهم الشيخ أبو الفضل الحويني الأثرى في جمهرة الفهارس (ص 38 ط دار الصحابة بطنطا) قال: كان فراش علي ليلة بنى بفاطمة رضوان الله عليها جلد كبش.

ص 277

ومنهم عدة من الفضلاء المعاصرين في فهرس أحاديث وآثار المصنف للشيخ عبد الرزاق الصنعاني (ج 3 ص 49 ط عالم الكتب - بيروت) قال: لما أهديت فاطمة إلى علي لم نجد أسماء بنت عميس المغازي 5 9781 / 458 ومنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة 748 في تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام (ج 3 ص 643) قال: وقال أبو حيان التيمي: حدثني مجمع أن عليا كان يكنس بيت المال ثم يصلي فيه، رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين. وقال أبو عمرو بن العلاء، عن أبيه قال: خطب علي فقال: أيها الناس، والله الذي لا إله إلا هو، ما رزأت من مالكم قليلا ولا كثيرا إلا هذه القارورة، وأخرج قارورة فيها طيب، ثم قال: أهداها إلي دهقان. وقال أيضا في ص 637: وعن الشعبي قال: قال علي: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحيته، وتعجن فاطمة على ناحيته، يعني ننام على وجه، وتعجن على وجه. ومنهم العلامة الحافظ الشيخ جلال الدين السيوطي المصري المتوفى سنة 911 في كتابه مسند فاطمة عليها السلام (ص 85 ط المطبعة العزيزية بحيدر آباد، الهند سنة 1406) قال: عن الشعبي قال: قال علي رضي الله عنه: لقد تزوجت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ومالى ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار وما لي خادم غيرها. (هناد).

ص 278

ومنهم العلامة الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224 في الأموال (ص 283 ط دار الكتب العلمية - بيروت) قال: قال أبو عبيد: ثنا يزيد، عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: لم يرزأ علي بن أبي طالب من بيت مالنا حتى فارقنا، غير جبة محشوة وخميصة درابجردية. ومنهم العلامة حميد بن زنجويه المتوفى سنة 251 في كتابه الأموال (ج 2 ص 608 ط مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية) قال: حدثنا حميد قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يزيد، عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: لم يرزأ علي بن أبي طالب من بيت مالنا - فذكر مثل ما تقدم. ومنهم الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي في الوافي بالوفيات (ج 21 ص 112 نسخة مكتبة جستربيتي بإيرلندة) قال: وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت عليا خرج علينا وعليه قميص غليظ رازي إذا مدكم قميصه بلغ إلى الظفر وإذا أرسله صار إلى نصف الساعد، وكان يطوف في الأسواق ومعه درة يأمرهم بتقوى الله وصدق الحديث وحسن البيع والوفاء في الكيل والميزان. ومنهم الدكتور أحمد شلبي في موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية (ج 1 ص 635 ط مكتبة النهضة المصرية) قال: أما موقف المسلمين من علي فيلخصه الشعبي بقوله: كان علي بن أبي طالب في هذه الأمة مثل المسيح عيسى بن مريم في بني إسرائيل: أحبه قوم فكفروا في حبه،

ص 279

وأبغضه قوم فكفروا في بغضه. ومنهم العلامة الحافظ أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال الأنصاري الأندلسي القرطبي المتولد سنة 494 والمتوفى سنة 578 في قرطبة في كتابه غوامض الأسماء المبهمة (ج 8 ص 777 ط بيروت) قال: أنا أبو محمد بن عتاب في جماعة سواه، عن أبي عمر النمري قال: أنبأنا خلف بن القاسم قال: أنبأ أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن قال: حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي قال: ثنا محمد بن المثنى قال: ثنا أبو عاصم قال: حدثتني زينب بنت أبي طليق أم الحصين قالت: سمعت حبان بن جرء قال: سمعت أبا هريرة يقول: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم يشكو الغرث، فانطلق رجل من أصحابه فاستقى عشرين دلوا كل دلو بتمرة فجاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمها إياه فأكلها. الرجل هو: أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما أنبأ أبو القاسم بن ورد مكاتبة، عن أبي محمد بن العسال قال: أنبأ أبو زيد عبد الرحمن بن عيسى، عن محمد ابن منصور قال: ثنا علي بن أحمد ابن عدي قال: ثنا محمد بن عمر المالقي قال: ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال: أنبأ إسحاق بن إبراهيم قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: ثنا أيوب، عن مجاهد، عن علي قال: جعت مرة بالمدينة جوعا شديدا فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بامرأة وقد جمعت مدرا تريد بله، فأتيتها فقاطعتها على كل ذنوب تمرة، ومددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يدي، ثم أتيت الماء فأصبت منه، ثم أتيتها فقلت بكفي هكذا بين يديها، فعدت لي تسع عشرة تمرة، وأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأكل معي منها. ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان في جامع الأحاديث (القسم الثاني ج 4 ص 433 ط دمشق) قالا:

ص 280

عن علي رضي الله عنه قال: جعت مرة بالمدينة فإذا أنا - فذكرا مثل ما تقدم عن غوامض الأسماء وقالا في آخره: (حم) والدورقي وابن منيع و(حل) وزاد: وقال لي خيرا ودعا لي وصحح. ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة 711 في مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (ج 8 ص 15 ط دار الفكر) قال: وعن ابن عباس قال: بلغ علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جوع، فأقام رجلا من اليهود، فاستقى له سبعة عشر دلوا على سبع عشر تمرة ثم أتى بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، بلغني ما بك من الشدة، فأتيت رجلا من اليهود فاستقيت له سبعة عشر دلوا على سبع عشرة تمرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فعلت هذا حبا لله ولرسوله؟ قال: نعم، قال: فأعد للبلاء تجفافا، يعني الصبر. ومنهم الفاضل المعاصر خالد عبد الرحمن العك في إدارة الإفتاء العام بدمشق في مختصر حياة الصحابة للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي (ص 279 ط دار الإيمان - دمشق وبيروت) قال: قصة علي عليه السلام حين أصابته خصاصة: وأخرج ابن عساكر، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أصابت نبي الله صلى الله عليه وسلم خصاصة، فبلغ ذلك عليا رضي الله عنه، فخرج يلتمس عملا يصيب فيه شيئا ليغيث به النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى بستانا لرجل من اليهود فاستسقى له سبعة عشر دلوا، على كل دلو تمرة، فخيره اليهودي على تمره، فأخذ سبعة عشر عجوة، فجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من أين لك هذا يا أبا الحسن؟ قال: بلغني ما بك من الخصاصة يا نبي الله، فخرجت ألتمس لك عملا لأصيب لك طعاما. قال: حملك على هذا حب الله

ص 281

ورسوله؟ قال: نعم يا نبي الله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يحب الله ورسوله إلا الفقر أسرع إليه من جرية السيل على وجهه، ومن أحب الله ورسوله فليعد للبلاء تجفافا وإنما يغنى. كذا في كنز العمال 3 / 321. ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في حياة فاطمة عليها السلام (ص 185 ط دار الجيل - بيروت) قال: وعن ابن عباس قال: أصاب نبي الله خصاصة - فذكر الحديث مثل ما تقدم، ثم قال: أخرجه ابن ماجة. ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم (ص 138 ط القاهرة سنة 1399) قال: عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قال علي رضي الله عنه: بتنا ليلة بغير عشاء، فأصبحت فخرجت ثم رجعت إلى فاطمة عليها السلام، وهي محزونة، فقلت: ما لك؟ فقالت: لم نتعش البارحة ولم نتغد اليوم، وليس عندنا عشاء. فخرجت فالتمست فأصبت ما اشتريت طعاما ولحما بدرهم. ثم أتيتها به فخبزت وطبخت، فلما فرغت من إنضاج القدر قالت: لو أتيت أبي فدعوته. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع في المسجد، وهو يقول: أعوذ بالله من الجوع ضجيعا فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله عندنا طعام فهلم. فتوكأ علي حتى دخل والقدر تفور، فقال: اغرفي لعائشة فغرفت في صحفة، ثم قال: اغرفي لحفصة فغرفت في صحفة، حتى غرفت لجميع نسائه التسع، ثم قال: اغرفي لأبيك، وزوجك فغرفت. فقال اغرفي فكلي فغرفت، ثم رفعت القدر وإنها لتفيض، فأكلنا منها ما شاء الله. ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في حياة الإمام علي عليه السلام (ص 118 ط دار الجيل) قال:

ص 282

عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قال علي رضي الله عنه - فذكر الحديث مثل ما تقدم بعينه. ومنهم العلامة أبو الحسن بن محمد بن الخزرجي في تخريج الدلالات السمعية (ص 591) قال: وفي العقد لابن عبد ربه: كان علي رضي الله عنه يقسم بيت المال في كل جمعة حتى لا يبقى فيه شيئا، ثم يرش له ويقيل فيه ويتمثل بهذا البيت: هذا جناي وخياره فيه إذ * كل جان يده إلى فيه وقال فيه: وذكر ابن المنذر رحمه الله تعالى في الأشراف عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه كان يأخذ الجزية من كل ذي صنع: من صاحب الإبر إبرا، ومن صاحب المسال مسالا، ومن صاحب الحبال حبالا، ثم يدعو العرفاء فيعطيهم الذهب والفضة فيقسمونه، ثم يقول: خذوا هذا فاقتسموه، فيقولون: لا حاجة لنا فيه. فيقول: أخذتم خياره وتركتم علي في شراره لتحملنه. ومنهم الفاضل المعاصر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد السلام خضر السلفي مؤسس الجمعية السلفية في كتابه المحنة المحمدية في بيان العقائد السلفية (ص 117 ط بيروت سنة 1407) قال: عن علي رضي الله عنه قال: جعت مرة جوعا شديدا فخرجت لطلب العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا تريد بله فقاطعتها كل ذنوب على تمرة. فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداي ثم أتيتها فعدت لي ست عشرة تمرة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأكل معي منها. رواه أحمد وابن ماجة بسند صححه ابن السكن. وجود الحافظ ابن حجر إسناد أحمد، قال في نيل

ص 283

الأوطار شرح منتقى الأخبار وأخرج البيهقي وابن ماجة من حديث ابن عباس بلفظ: إن عليا آجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة. وقال فيه - أي الحديث -: بيان ما كانت عليه الصحابة من الحاجة وشدة الفاقة والصبر على الجوع وبذل الأنفس واتعابها في تحصيل القوام من العيش للتعفف عن السؤال وتحمل المنن وأن تأجير النفس لا يعد دناءة وإن كان المستأجر غير شريف أو كافرا، والأجير من أشراف الناس وعظمائهم ا ه‍. ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب (ص 41 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال: عنه قال: جعت بالمدينة جوعا شديدا فخرجت لطلب العمل في عوالي المدينة فرأيت امرأة قد جمعت مدرا فظننتها تريد بله، فابتها كل دلو بتمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداي ثم أتيتها فقلت: تكليني يدي هكذا أو بسط إسماعيل راوي الحديث عديه جميعا، فعدت لي ستة عشرة تمرة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأكل معي منها ودعا لي. خرجه أحمد. ومنهم الشريف علي فكري الحسيني القاهري في أحسن القصص (ج 3 ص 197 ط بيروت) قال: حكى سيدنا علي عن نفسه قال: جعت بالمدينة جوعا شديدا - فذكر مثل ما تقدم عن جواهر المطالب باختلاف في اللفظ. وفيه وبعد بله: لتعمله طينا هي في حاجة إليه فأتيتها فعاطيتها، وفيه أيضا: يدي موضع يداي، وفيه: فقلت: بكلتا يدي - موضع: تكليني يدي، وليس فيه: أو بسط إسماعيل رواي الحديث عديه، بل فيه: هكذا بين يديها أو بسط يديه جميعا.

ص 284

ومنهم قائد الحنابلة أبو عبد الله أحمد بن محمد حنبل الشيباني المتولد سنة 164 والمتوفى 241 في الزهد (ص 162 ط دار الكتب العلمية في بيروت 1403) قال: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا أبو النذر إسماعيل بن عمر، حدثنا سفيان، عن سعيد بن عبيد، عن علي بن ربيعة: أن عليا عليه السلام كان له امرأتان كان إذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم وإذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم. وقال أيضا: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا مختار بن نافع، عن أبي مطر قال: رأيت عليا عليه السلام متزرا بإزار مترديا برداء ومعه الدرة كأنه أعرابي بدوي، حتى بلغ سوق الكرابيس فقال: في قميص بثلاثة دراهم فلما عرفه لم يشتر منه شيئا فأتى آخر فلما عرفه لم يشتر منه شيئا فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم، ثم جاء أبو الغلام فأخبره فأخذ أبوه درهما ثم جاء به فقال: هذا الدرهم يا أمير المؤمنين. فقال: ما شأن هذا الدرهم؟ قال: كان ثمن القميص درهمين، فقال: باعني رضاي وأخذ رضاه. وقال أيضا في ص 163: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا وكيع، حدثنا مسعر، عن أبي بحر، عن شيخ لهم قال: رأيت على علي عليه السلام إزارا غليظا قال: اشتريته بخمسة دراهم فمن أربحني درهما بعته. قال: ورأيت معه دراهم مصرورة فقال: هذه بقية نفقتنا من ينبع. حدثنا عبد الله، حدثني أبو عبد الله السلمي، حدثنا إبراهيم بن عقبة، عن سفيان الثوري، عن عمر بن قيس قال: قيل لعلي عليه السلام: لم ترفع قميصك؟ قال: يخشع

ص 285

القلب ويقتدي به المؤمن. وقال أيضا في ص 164: حدثنا عبد الله، حدثني بن إبراهيم الدورقي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن عمرو بن قيس، عن عدي بن ثابت أن عليا عليه السلام أتي بفالوذج فلم يأكله. حدثنا عبد الله، حدثني علي بن حكيم الأودي، حدثنا شريك، عن موسى الطحان عن مجاهد، عن علي عليه السلام قال: جئت إلى حائط أو بستان فقال لي صاحبه دلوا وتمرة، فدلوت دلوا بتمرة فملأت كفي ثم شربت من الماء ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بملء كفي فأكل بعضه وأكلت بعضه. حدثنا عبد الله، حدثنا زكريا بن يحيى الكسائي، حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن مجمع التيمي، عن يزيد بن محجن قال: كنا مع علي عليه السلام بالرحبة فدعا بسيف فسله فقال: من يشتري هذا فوالله لو كان عندي ثمن إزار ما بعته. حدثنا عبد الله، حدثني علي بن مسلم، حدثنا عبيد بن موسى، عن عثمان بن ثابت أبي عبد الرحمن الهمداني، عن جدته، عن أمها قالت: أتى علي عليه السلام دار فرات فقال لخياط: أتبيع القميص أتعرفني قال: نعم قال: لا حاجة لي فيه، فأتى آخر فقال له أتعرفني قال: لا، قال: بعني قميص كرابيس، قال: فباعه، ثم قال له: مد القميص فلما بلغ أطراف أصابعه قال: اقطع ما فوق ذلك وكفه ولبسه، فقال: الحمد لله الذي كساني ما أتوارى به وأتجمل في خلقه. حدثنا عبد الله، حدثني إسماعيل أبو معمر، حدثنا زافر بن سليمان، عن أبي سنان الشيباني، حدثني رجل بهراة قال: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يمشي إلى العيد. وقال أيضا في ص 165:

ص 286

حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا حسين بن محمد، حدثنا شريك، عن أبي مغيرة وهو عثمان بن أبي زرعة، عن زيد بن وهب قال: قدم على علي رحمه الله وفد من أهل البصرة منهم رجل من رؤوس الخوارج يقال له الجعد بن بعجة، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا علي اتق الله فإنك ميت وقد علمت سبيل المحسن - يعني بالمحسن عمر رضي الله عنه - ثم قال: إنك ميت، فقال علي عليه السلام: لا والذي نفسي بيده بل مقتولا قتلا ضربة على هذا تخضب هذه قضاء مقضي وعهد معهود وقد خاب من افترى، ثم عاتبه في لبوسه فقال: ما يمنعك أن تلبس؟ قال: ما لك وللبوسي، إن لبوسي هذا أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم. حدثنا عبد الله، حدثني سفيان بن وكيع، وحدثنا أبو غسان، عن أبي داود المكفوف، عن عبد الله بن شريك، عن حبة، عن علي عليه السلام أنه أتي بالفالوذج فوضع قدامه قال: إنك لطيب الريح حسن اللون طيب الطعم ولكن أكره أن أعود نفسي ما لم تعتده. حدثنا عبد الله، حدثني محمد بن يحيى الأزدي، حدثنا الوليد بن القاسم وحدثنا مطير بن ثعلبة التيمي، حدثنا أبو النوار بياع الكرابيس قال: أتاني علي بن أبي طالب ومعه غلام له فاشترى مني قميصي كرابيس، ثم قال لغلامه: اختر أيهما شئت، فأخذ أحدهما وأخذ علي عليه السلام الآخر فلبسه ثم مد يده ثم قال: اقطع الذي يفضل من قدر يدي، فقطعه وكفه فلبسه ثم ذهب. حدثنا عبد الله، حدثني شريح بن يونس، قال: حدثنا علي بن هشام، عن صالح بياع الأكسية، عن أمه أو جدته قالت: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه اشترى تمرا بدرهم فحمله في ملحفة فقالوا: نحمل عنك يا أمير المؤمنين، قال: لا أبو العيال أحق أن يحمل. وقال أيضا في ص 166:

ص 287

حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي قال: خطبنا الحسن بن علي عليه السلام بعد قتل علي عليه السلام فقال: لقد فارقكم رجل أمين ما سبقه الأولون بعلم ولا أدركه الآخرون، إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه ويعطيه الراية فلا ينصرف حتى يفتح له، وما ترك من صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه كان يرصده لا خادم لأهله. حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا حجاج، حدثنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن محمد بن كعب القرظي، عن علي عليه السلام قال: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع وإن صدقتي اليوم لأربعون ألفا. ومنهم العلامة أبو عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الرحمن بن عمر الوصابي الحبيشي المتوفى سنة 782 في البركة في فضل السعي والحركة (ص 29 ط الفجالة الجديدة بمصر) قال: ويروى أن عليا كرم الله وجهه كان يستقي الماء ليهودي كل دلو بتمرة. ويروى أنه آجر نفسه يسقي نخلا بشيء من الشعير ليلة حتى أصبح. وقال: تزوجت فاطمة وما معنا إلا إهاب كبش ننام عليه بالليل، ونعلف عليه الناضح بالنهار. وقال: لما أردت أن أبتني بفاطمة واعدت رجلا صواغا على أن يرتحل معي فنأتي بأذخر فنبيعه من الصواغين فأستعين به على وليمة عرسي. وفي حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه وهو يختلي لفرسه أي يحش لها، وقال: بنيت بيتا بيدي يكنني من المطر ويظلني من الشمس ما أعانني عليه أحد من خلق الله تعالى. وقال ابن عباس: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث عليا بالراية قال: أين علي؟ قالوا: هو في الرحا يطحن، فقال: وما كان أحدكم يطحن عنه. ومنهم العلامة الحافظ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى

ص 288

سنة 597 في سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز (ص 274 ط بيروت سنة 1404) قال: وعن حسين بن صالح قال: تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز فقال قائلون: فلان، وقال قائلون: فلان، فقال عمر بن عبد العزيز: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب عليه السلام.

مستدرك عفوه وحلمه وصفحه عن عدوه

رواه جماعة من علماء العامة في كتبهم: فمنهم الفاضل المعاصر الشريف علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله الحسيني القاهري المولود بها سنة 1296 والمتوفى بها أيضا سنة 1372 في كتابه أحسن القصص (ج 3 ص 196 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال: كان رضي الله عنه أحلم الناس عن مذنب، وأصفحهم عن مسئ، يشهد بذلك أنه ظفر يوم واقعة الجمل بمروان بن الحكم، وكان أعدى الناس له، وأشدهم بغضا، فصفح عنه. وكان عبد الله بن الزبير يشتمه ويسبه على رؤوس الأشهاد، وخطب يوم البصرة فقال: قد أتاكم الوغد (اللئيم) علي بن أبي طالب فظفر به يوم الجمل، فأخذه أسيرا وصفح عنه، وقال له: اذهب فلا أرينك، ولم يزده على ذلك. وظفر بسعيد بن العاص بعد واقعة الجمل بمكة، وكان له عدوا، فأعرض عنه ولم يقل شيئا، وتمت له الغلبة على السيدة عائشة رضي الله عنها يوم الجمل، فكانت عاقبة أمرها معه أن جهزها بكل ما ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع، واختار لها أربعين امرأة من نساء

ص 289

أهل البصرة المعروفات، وردها إلى المدينة مكرمة محترمة. وحاربه أهل البصرة وسبوه ولعنوه، فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم. ولما ملك عسكر معاوية عليه الماء وأحاطوا بشريعة الفرات وقال رؤساء الشام له: اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشا، سألهم علي وأصحابه أن يسوغوا له شرب الماء، فقالوا: لا والله ولا قطرة حتى تموت ظمأ كما مات عثمان بن عفان. فلما رأى أن الموت لا محالة منه تقدم بأصحابه، وهجم على عسكر معاوية حملات كثيفة، حتى أزالهم عن مراكزهم، بعد قتل ذريع، وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلات بلا ماء، فقال أصحابه وشيعته: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك ولا تسقهم قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضا بالأيدي فلا حاجة لك إلى الحرب. فقال رضي الله عنه: لا والله لا أكافئهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة، ففي حد السيف ما يغني عن ذلك.

مستدرك من عدله وعفوه وسماحته ما أوصاه في قاتله

أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره ولا تمثلوا به قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 8 ص 565 وص 789 وج 17 ص 550 وص 562 وج 18 ص 41 ومواضع أخرى، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق: فمنهم قائد الشافعية أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204 في المسند (ص 313 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال:

ص 290

أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن عليا رضي الله عنه قال في ابن ملجم بعد ما ضربه به: أطعموه واسقوه وأحسنوا إسارة فإن عشت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت وإن شئت استقدت وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا. ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان في جامع الأحاديث (القسم الثاني ج 4 ص 449 ط دمشق) قالا: عن ابن الحنفية قال: دخل علينا ابن ملجم الحمام، وأنا وحسن وحسين رضي الله عنهم جلوس في الحمام، فلما دخل كأنهما اشمأزا منهم، وقالا: ما أجرأك تدخل علينا. قال: فقلت لهما: دعاه عنكما، فلعمري ما يريد بكما أجسم من هذا، فلما كان يوم أتي به أسيرا، قال ابن الحنفية: ما أنا اليوم بأعرف مني يوم دخل علينا الحمام، فقال علي رضي الله عنه: إنه أسير فأحسنوا نزله، وأكرموا مثواه، فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن مت فاقتلوه قتلتي ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن عليا رضي الله عنه كان يخرج إلى الصبح ومعه درة يوقظ بها الناس، فضربه ابن ملجم، فقال علي: أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره، فإن عشت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت وإن شئت استقدت، وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا به. (الشافعي)، (ق) (1).

(هامش)

(1) قال الفاضل المعاصر خالد محمد خالد في أبناء الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كربلا (ص 41 ط 5 دار ثابت - القاهرة): وأي صورة للعدالة وللرحمة يمكن أن يرقى إليها حكم كهذه الصورة التي يتجلى فيها ابن أبي طالب ودماؤه تنزف وأجله يسرع، وقد جئ إليه بقاتله، فلا يشتغل باله ولا يؤرق حياته في لحظات وداعها سوى مصير قاتله، وحين يقدر على الكلام تنفرج شفتاه عن هذه الكلمات: يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون في دماء المسلمين خوضا، تقولون: قتل = (*)

ص 291

(هامش)

= أمير المؤمنين. أحسنوا نزله يعني قاتله فإن أعش، فأنا أولى بدمه قصاصا أو عفوا وإن أمت، فاضربوه بضربة. ولا تمثلوا بالرجل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور. ورجل نسك من أرفع طراز، غزير الدمعة من خشية الله، دائم الإخبات لله يلبس أخشن الثياب، ويأكل أجشب الطعام ويحيا بين الناس كواحد منهم. وكان نسكه كخليفة يتمم نسكه كعابد، فكان يأبى إلا مشاركة الناس في كل ما ينزل بهم من ضر وشظف ويخص نفسه من ذلك بالنصيب الأوفى. ولقد لخص لنا نسك خلافته وإمارته في هذه الكلمات: أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين، ثم لا أشارك المؤمنين في مكاره الزمان. والله، لو شئت لكان لي من صفو هذا العسل، ولباب هذا البئر، ومناعم هذه الثياب. ولكن، هيهات إن يغلبني الهوى، فأبيت مبطانا وحولي بطون غرثى، وأكباد حرى. هذه الومضة من حياته ومن عظمة منهجه وسلوكه، تصور على نحو متواضع، القضية التي نهض يقاتل من أجلها قضية استمرار عصر النبوة بكل فضائله ومزاياه، وإنها لقضية جديرة بولاء لا ينتهي، وتضحيات لا تفنى وهي لم تكن بالنسبة للإمام علي قضية خاصة، ولا قضية شخصية، بل هي قضية الإسلام كله، وقضية كل مؤمن أواب. وإذا كانت الأقدار ستؤثره وأبناءه من بعده، بأن يكونوا أعظم شهدائها وأشرف قرابينها، فلتكن مشيئة الله. إن هناك من يموتون من أجل الباطل، ومن يموتون في سبيل الحق، فما مزية الحق على الباطل في مجال التضحية والفداء؟ مزيته أن ضحاياه شريفة ورفيعة وغالية بينما ضحايا الباطل صغيرة دنيئة محقرة. فليكن هو وأبناؤه شرفا للحق في مماتهم واستشهادهم، كما كانوا شرفا له في محياهم، وهكذا كان من الصعب عليه، بل من المستحيل أن يترك قضية الإسلام للأهواء التي هبت عليه جائحة، جامحة. كانت المهادنة مستحيلة وكانت المسايرة أكثر استحالة. ولم يكن أمامه سوى أن = (*)

ص 292

ومنهم العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي صاحب العقد الفريد في طبائع النساء وما جاء فيها من العجائب والغرائب (ص 224 ط مكتبة القرآن - بولاق القاهرة) قال: منهم قولهم: ملكت فأسجح. وقد قالته عائشة رضي الله عنها لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه يوم الجمل حين ظهر على الناس فدنا من هودجها، وكلمها فأجابته: ملكت فأسجح. أي ظفرت فأحسن، فجهزها بأحسن الجهاز، وبعث معها أربعين امرأة، وقال بعضهم: سبعين، حتى قدمت المدينة. ومنهم الفاضلان عبد مهنا وسمير جابر في أخبار النساء في العقد الفريد (ص 136 ط دار الكتب العلمية) قال: قالت عائشة رضوان الله عليها لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه يوم الجمل حين ظهر على الناس، فدنا من هودجها وكلمها فأجابته: ملكت فأسجح. أي ظفرت فأحسن، فجهزها بأحسن الجهاز، وبعث معها أربعين امرأة، وقال بعضهم: سبعين، حتى قدمت المدينة. ومنهم الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في المرتضى سيرة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب (ط دار القلم - دمشق) قال: وقد تواترت الرواية عنها بإظهار الندم، وأنها كانت تقول: ليتني مت قبل يوم الجمل، وإنها كانت إذا ذكرت ذلك اليوم تبكي حتى تبل خمارها.

(هامش)

= يحمل سيفه وكفنه، ثم يمضي.. فللمسئوليات العظام خلق وللتضحيات يعيش. وإنه لسليل بيت، كانت العظمة دثاره، حتى في الجاهلية وقبل الإسلام، وإنه لتلميذ دين نشأ ونما، بين أروع التضحيات وأشرفها وأسماها. (*)

ص 293

ومنهم العلامة القاضي أبو العباس أحمد بن محمد الجرجاني الثقفي المتوفى سنة 483 في المنتخب من كنايات الأدباء وإرشادات البلغاء (ص 99 ط مطبعة السعادة بمصر) قال: وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: أتى علي رضي الله عنه بالوليد بن عقبة يوم الجمل أسيرا، فقال لما رآه: هنيدة قد حللت بدار قوم * هم الأعداء والأكباد سود هم إن يظفروا بي يقتلوني * وإن أظفر فليس لهم جلود فقال الوليد: أنشدك الله يا أمير المؤمنين في دمي، فخلى عنه. ومنهم الفاضل المعاصر السيد علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله يتصل نسبه بالحسين عليه السلام القاهري المصري المولود سنة 1296 والمتوفى 1372 بالقاهرة في كتابه السمير المهذب (ج 1 ص 75 ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1399) قال: وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه، دعا غلاما له فلم يجبه، فدعاه ثانيا فرآه مضطجعا فقال له: أما تسمع يا غلام؟ قال: نعم. قال: فما حملك على ترك جوابي؟ قال: أمنت عقوبتك فتكاسلت، فقال: اذهب فأنت حر لوجه الله. ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب (ق 42 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال: وعن عبد الله بن رزين قال: دخلت على علي بن أبي طالب يوم الأضحى فقرب إلينا

ص 294

حريرة فقلت: أصلحك الله لو قربت إلينا من هذا البط - يعني الأرز - فإن الله قد أكثر الخير، فقال: يا بن رزين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لخليفة من مال الله إلا قصعتان يأكلها هو وأهله وقصعة يضعها بين يدي الناس. خرجه أحمد. ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور فوزي عطوي في الاقتصاد والمال في التشريع الإسلامي والنظم الوضعية (ص 71 ط 1 دار الفكر العربي عام 1408) قال: كما روي أن شيخا مكفوفا كبيرا مر بالإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو يسأل، فقال أمير المؤمنين: ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، نصراني، فقال أمير المؤمنين: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه، انفقوا عليه من بيت المال. ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد توفيق بن علي البكري الصديقي المتوفى سنة 1351 في بيت الصديق (ص 273) قال: وقال عبد الملك بن عمير: حدثني رجل من ثقيف قال: استعملني علي بن أبي طالب على مدرج سابور فقال: لا تضربن رجلا سوطا في جباية درهم ولا تتبعن لهم رزقا ولا كسوة شتاء ولا صيفا ولا دابة يعملون عليها ولا تقيمن رجلا قائما في طلب درهم، قلت: يا أمير المؤمنين إذا أرجع إليك كما ذهبت من عندك. قال: وإن رجعت ويحك! إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو يعني الفضل. ومنهم علامة الأدب أبو الطيب محمد بن إسحاق بن يحيى الوشاء في الظرف والظرفاء (ص 34 ط عالم الكتب - بيروت) قال: وكان لعلي بن أبي طالب عليه السلام جارية تدخل وتخرج وكان له مؤذن شاب، فكان إذا نظر إليها قال لها: أنا والله أحبك، فلما طال ذلك عليها أتت عليا عليه السلام

ص 295

فأخبرته، فقال لها: إذا قال لك ذلك فقولي: أنا والله أحبك فمه، فأعاد عليها الفتى قوله فقالت له: وأنا والله أحبك فمه. فقال: تصبرين ونصبر حتى يوفينا من يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب، فأعلمت عليا عليه السلام فدعا به فزوجه منها ودفعها إليه. ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في علي إمام المتقين (ج 1 ص 41 ط مكتبة غريب - الفجالة) قال: على أن هذا الزاهد الذي يكاد يذوى من الجوع كانت تعتريه القوة إذا انشغل بالعلم الذي تلقاه عن رسول الله، أو بالجهاد في سبيل الله كانت تتلبسه الشجاعة والقدرة البدنية الخارقة، في المواقع التي شهدها مع الرسول منذ إذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. إلى أن قال بعد ذكر مجاهداته في إعلاء كلمة التوحيد ونصرة سيد المرسلين من غزوات بدر وأحد والأحزاب وخيبر وحنين وغيرها: وقد أفاء الله من هذه الغزوات على المجاهدين وفي طليعتهم علي، ولكنه كان يتصدق بكل ما يصل إليه، ولا يبقى في داره إلا ما يكفي الطعام والكساء: الطعام الذي يقيم الأود، والكساء الذي لا زخرف فيه ولا أبهة. وبعثه الرسول أول مرة إلى اليمن في شهر رمضان من السنة العاشرة من الهجرة. عقد له اللواء، وعممه بيده وقال: امض لا تلتفت، فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك. فخرج في ثلاثمائة فارس، فدعاهم إلى الإسلام، فأبوا ورموا بالنبل، ثم حمل عليهم بأصحابه، فتفرقوا وانهزموا، فكف عن مطاردتهم، ودعاهم إلى الإسلام، فأسرعوا وأجابوا، بايعه نفر من رؤسائهم على الإسلام، وتبعهم أهل البلاد وقدموا حللا من الخز وأنعاما وأموالا كثيرة لعلي وقالوا: هذه صدقتنا فخذ منها حق الله.

ص 296

وجمع علي كرم الله وجهه الغنائم الكثيرة وقسم على أصحابه نصيبهم منها، وعاد بالباقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوافاه بمكة حين وافاها للحج. وعجل إلى رسول الله، وترك على جنده رجلا من أصحابه، فعمد الرجل إلى الحلل التي كانت من الغنائم والتي حملها علي معه لتكون من أموال المسلمين فكسا كل رجل من الجند حلة خز، فلما دنا الجيش خرج علي ليلقاهم فإذا عليهم الحلل. قال: ويلك ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجملوا. قال: انزعها ويلك قبل أن تنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتزع الحلل من الناس، وأعادها إلى مكانها من الغنائم. فاشتكى الناس عليا فقام صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: يا أيها الناس لا تشكوا عليا فوالله ليخشوشن في سبيل الله.

خوفه عليه السلام من الله تعالى

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف النبهاني بن نصر الأزدي القرطبي المشتهر بابن الفرضي في تاريخ علماء الأندلس (ج 1 ص 17 ط مطبعة المدني بمصر) قال: سليمان بن منفوش، من أهل شذونة، حدث عن يحيى بن عبد الله الخراساني بحديث منكر، حدثت به عنه ابنتيه علة، وهي أم أبي عمرو عثمان بن محمد بن أحمد السمرقندي، نا به أبو عمر يوسف بن محمد بن سليمان الخطيب، قال: نا أبو عمر وعثمان بن محمد بن أحمد السمرقندي، قال: حدثتني أمي علة بنت سليمان بن منفوش، عن يحيى بن عبد الله الخراساني، عن إسماعيل بن يوسف البجلي، عن جبلة، عن الصلت، قال: اشتكى علي بن أبي طالب رضي الله عنه عينيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يخوض في رحمة الله؟ قالوا: وما ذاك؟ فداك الآباء

ص 297

والأمهات، قال علي بن أبي طالب عليل، فأقبل المهاجرون والأنصار مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي في ظل جدار نائم تحت رأسه قطعة لبنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حبيبي كيف أصبحت؟ فرفع رأسه فقال: يا رسول الله، ما مرت بي ليلة أشد وجعا من ليلة مرت بي، قال: يا علي كيف لو رأيت أهل النار في النار يتأوون، وإذا هبط ملك الموت إلى العبد الكافر ومعه كلاب من نار كثير شعبه، يضرب به جوف الكافر فينزع روحه، فاستوى علي جالسا وهو يقول: والذي بعثك بالكرامة، لقد أنسيتني وجعي، أعد علي فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله فهل تصيب أحدا من أمتك؟ قال: إي والذي بعثني بالكرامة. قال: يا رسول الله. قال: الحاكم الجائر، وآكل مال اليتيم، وشاهد الزور.

مستدرك إنفاقه عليه السلام في سبيل الله تعالى

إعطاؤه عليه السلام حلة للسائل الذي كتب حاجته على الأرض بأمره قد تقدم مثله في ج 8 ص 582 ومواضع أخرى من هذا الكتاب المستطاب، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق: فمنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب (ص 100 والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال: روى الحافظ ابن عساكر يرفعه إلى أبي الأصبغ قال: جاء رجل إلى علي رضي الله

ص 298

عنه فقال: يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة قد رفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك فإن قضيتها حمدت الله وشكرتك وإن لم تقضها حمدت الله وعذرتك. قال علي رضي الله عنه: أكتب حاجتك على الأرض فإني أكره أن أرى ذل السؤال على وجهك، فكتب: إني محتاج. فقال علي بحلة فأتي بها فأخذها الرجل ولبسها وقال: كسوتني حلة تبلى محاسنها * فسوف أكسوك من حسن الثناء حللا إن نلت حسن ثنائي نلت مكرمة * فلست تبغى بما قد قلته بدلا إن الثناء ليحيى ذكر صاحبه * كالغيث يحيى نداه السهل والجبلا لا تزهد الدهر في خير تواقعه * فكل شخص سيجزى بالذي عملا فقال علي بالدنانير فأتي بمائة دينار فدفعها إليه. قال الأصبغ: فقلت: يا أمير المؤمنين حلة ومائة دينار؟ قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نزلوا الناس منازلهم، وهذه منزلة هذا الرجل عندي. حديث آخر رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم العلامة محمد بن الحاج حسن الآلاني الكردي في رفع الخفا في شرح ذات الشفا (ص 278 ط بيروت) قال: روي أن عليا كرم الله وجهه كان يوما جالسا على الفرات فأتاه أعرابي من بني أسد فقال: يا أمير المؤمنين والله ما تركت في بيتي شيئا فأعطاني، قال: أوليس قد أعطيتك إعطاءك؟ قال: بلى ولكنه نفذ، قال لا يجوز لنا أن نعطيك حتى نعطي الناس، قال: أعطني من مالك، قال: والله ما أصبح في بيتي فضلة عن قوتي، فولى الأعرابي وهو يقول: والله لتسألن عن وقوفي بين يديك يوم القيامة، فبكى علي بكاء شديدا وقال لغلامه: ائتني بدرعي الفلانية، فدفعها إلى الأعرابي.

ص 299

حديث آخر في إنفاقه عليه السلام في سبيل الله تعالى رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم: فمنهم الفاضل المعاصر طه عبد الله العفيفي في من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم (ص 303 ط دار التراث العربي بالقاهرة) قال: وقد ورد أنه كان في بيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه خمس من الأنفس: علي وفاطمة والحسن والحسين والحارث لم يذوقوا في ليلتهم طعاما فباتوا ليلتهم على الطوى. وما أن أصبحوا حتى دفعت فاطمة رداءها إلى علي ليبيعه ويقتاتون بثمنه، فباعه علي رضي الله عنه بستة دراهم، وبينما هو في الطريق إلى بيته لقي جماعة كاد الجوع يقتلهم فآثرهم بستة دراهم على نفسه وزوجته وأولاده وأعطاهم إياها. وما أن تجاوزهم بخطوات حتى أقبل عليه رجل في يده ناقة فألقى عليه السلام ثم قال: يا أبا الحسن ألك في شراء هذه الناقة؟ قال علي: أجل لو كان معي ثمنها. قال الرجل: خذها نسيئة وأد ثمنها حين يفتح الله عليك. قال علي: بكم تبيعها؟ قال: بمائة درهم، فاشتراها علي وأخذ بزمامها وذهب، فقابله رجل آخر فقال له: أتبيع هذه الناقة يا أبا الحسن؟ قال: نعم. قال: بكم اشتريتها؟ قال: بمائة درهم فقال له الرجل: أتا اشتريها منك بربح ستين درهما. فباعها له بعد أن دفع الرجل إليه المائة والستين درهما. ثم ذهب بعد ذلك قاصدا بيته، فلقيه الرجل الأول فقال لعلي: أين الناقة يا أبا الحسن؟ قال: قد بعتها. قال: فأعطني حقي إذن. فدفع إليه المائة وبقي معه الستون. ثم هرول إلى بيته وصب الدراهم في حجر السيدة فاطمة الزهراء وقص عليها القصة

ص 300

قائلا: تاجرت مع الله بستة دراهم فأعطاني ستين لكل درهم عشرة دراهم. قالت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها: لا نأكل من هذا المال حتى نعرض الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبراه بالقصة، فابتسم صلوات الله عليه وسلامه عليه ثم قال أبشر يا علي تاجرت مع الله فأربحك، فالبائع جبريل، والمشتري ميكائيل، والناقة مركب فاطمة في الجنة. ثم قال: يا علي أعطيت ثلاثا لم يعطها غيرك، لك زوجة سيدة أهل الجنة، وولدان سيدا شباب أهل الجنة، ولك صهر هو سيد المرسلين، فاشكر الله على ما أعطاك واحمده فيما أولاك. ومنهم العلامة الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضري السيوطي المصري المتوفى سنة 911 في كتابه مسند فاطمة عليها السلام (ص 26 ط المطبعة العزيزية بحيدر آباد، الهند سنة 1406) قال: عن عبيد الله بن محمد، عن عائشة: قالت: وقف سائل على أمير المؤمنين علي فقال للحسن أو الحسين: اذهب إلى أمك فقل لها تركت عندك ستة دراهم فهات منها درهما، فذهب ثم رجع فقال: قالت: إنما تركت ستة دراهم للدقيق، فقال علي: لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده، قل لها: ابعثي بالستة دراهم، فبعثت بها إليه فدفعها إلى السائل. قال: فما حل حبوته حتى مر به رجل معه جمل يبيعه فقال علي: بكم الجمل؟ قال: مائة وأربعين درهما. فقال علي: اعقله على إنا نؤخرك بثمنه شيئا، فعقله الرجل ومضى ثم أقبل رجل فقال: لمن هذا البعير؟ فقال علي: لي، فقال: أتبيعه؟ قال: نعم، قال: بكم؟ قال: بمأتي درهم. قال: قد ابتعته. قال: فأخذ البعير وأعطاه المأتين. فأعطى الرجل الذي أراد أن يؤخره مائة وأربعين درهما وجاء بستين درهما إلى فاطمة فقالت: ما هذا؟ قال: هذا ما وعدنا الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها). العسكري.

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

شرح إحقاق الحق (ج32)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب