[142]
و إنه كان يخرج عليها إلى مكة فيعلق السوط بالرحل فما يقرعها قرعة حتى يدخل المدينة و روي أنه حج عليها أربعين حجة .
حماد بن حبيب الكوفي العطار قال : انقطعت عن القافلة عند زبالة فلما أن أجنني الليل أويت إلى شجرة عالية فلما أن اختلط الظلام إذا أنا بشاب قد أقبل عليه أطمار بيض تفوح منه رائحة المسك فأخفيت نفسي ما استطعت فتهيأ للصلاة ثم وثب قائما و هو يقول يا من حاز كل شيء ملكوتا و قهر كل شيء جبروتا ألج قلبي فرح الإقبال عليك و ألحقني بميدان المطيعين لك ثم دخل في الصلاة فلما رأيته و قد هدأت أعضاؤه و سكنت حركاته قمت إلى الموضع الذي تهيأ فيه إلى الصلاة فإذا أنا بعين تنبع فتهيأت للصلاة ثم قمت خلفه فإذا بمحراب كأنه مثل في ذلك الوقت فرأيته كل ما مر بالآية التي فيها الوعد و الوعيد يرددها بانتحاب و حنين فلما أن تقشع الظلام وثب قائما و هو يقول يا من قصده الضالون فأصابوه مرشدا و أمه الخائفون فوجدوه معقلا و لجأ إليه العائذون فوجدوه موئلا متى راحة من نصب لغيرك بدنه و متى فرح من قصد سواك بنيته إلهي قد انقشع الظلام و لم أقض من حياض مناجاتك صدرا صل على محمد و آله و افعل بي أولى الأمرين بك يا أرحم الراحمين فخفت أن يفوتني شخصه و أن يخفى علي أمره فتعلقت به فقلت بالذي أسقط عنك ملاك التعب و منحك شدة لذيذ الرهب إلا ما لحقتني منك جناح رحمة و كنف رقة فإني ضال فقال لو صدق توكلك ما كنت ضالا و لكن اتبعني و اقف أثرى فلما أن صار تحت الشجرة أخذ بيدي و تخيل لي الأرض تميد من تحت قدمي فلما انفجر عمود الصبح قال لي أبشر فهذه مكة فسمعت الضجة و رأيت الحجة فقلت له بالذي ترجوه يوم الآزفة يوم الفاقة من أنت قال إذا أقسمت فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
كتاب المقتل قال أحمد بن حنبل : كان سبب مرض زين العابدين (عليه السلام) في كربلاء
[143]
أنه كان ألبس درعا ففضل عنه فأخذ الفضلة بيده و مزقه .
عبد الله بن عطاء التميمي قال : كنت مع علي بن الحسين في المسجد فمر عمر بن عبد العزيز و عليه نعلان شراكهما فضة و كان من أمجن الناس و هو شاب فنظر إليه علي بن الحسين (عليه السلام) فقال يا عبد الله بن عطاء أ ترى هذا المترف أنه لن يموت حتى يلي الناس قلت إنا لله هذا الفاسق قال نعم لا يلبث عليهم إلا يسيرا حتى يموت فإذا هو مات لعنه أهل السماء و استغفر له أهل الأرض .
الروضة سأل ليث الخزاعي سعيد بن المسيب عن إنهاب المدينة قال : نعم شدوا الخيل إلى أساطين مسجد رسول الله و رأيت الخيل حول القبر و انتهب المدينة ثلاثا فكنت أنا و علي بن الحسين نأتي قبر النبي فيتكلم علي بن الحسين بكلام لم أقف عليه فيحال ما بيننا و بين القوم و نصلي و نرى القوم و هم لا يروننا و قام رجل عليه حلل خضر على فرس محذوف أشهب بيده حربة مع علي بن الحسين (عليه السلام) فكان إذا أومى الرجل إلى حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يشير ذلك الفارس بالحربة نحوه فيموت قبل أن يصيبه فلما أن كفوا عن النهب دخل علي بن الحسين على النساء فلم يترك قرطا في أذن صبي و لا حليا على امرأة و لا ثوبا إلا أخرجه إلى الفارس قال يا ابن رسول الله إني ملك من الملائكة من شيعتك و شيعة أبيك لما أن ظهر القوم بالمدينة استأذنت ربي في نصرتكم آل محمد فأذن لي لأن أذخرها يدا عند الله تبارك و تعالى و عند رسوله و عندكم أهل البيت إلى يوم القيامة .
و روى أبو مخنف عن الجلودي أنه : لما قتل الحسين (عليه السلام) كان علي بن الحسين نائما فجعل رجل يدافع عنه كل من أراد به سوءا .
و أصيب الحسين (عليه السلام) و عليه دين بضعة و سبعون ألف دينار فاهتم علي بن الحسين بدين أبيه حتى امتنع من الطعام و الشراب و النوم في أكثر أيامه و لياليه فأتاه آت في المنام فقال لا تهتم بدين أبيك فقد قضاه الله عنه بمال بجنس فقال علي و الله ما
[144]
أعرف في أموال أبي مال يقال له بجنس فلما كان من الليلة الثانية رأى مثل ذلك فسأل عنه أهله فقالت له امرأة من أهله كان لأبيك عبد رومي يقال له بجنس استنبط له عينا بذي خشب فسأل عن ذلك فأخبر به فما مضت بعد ذلك إلا أيام قلائل حتى أرسل الوليد بن عتبة بن أبي سفيان إلى علي بن الحسين يقول له أنه قد ذكرت لي عين لأبيك بذي خشب تعرف ببجنس فإذا أحببت بيعها ابتعتها منك قال علي بن الحسين خذها بدين الحسين و ذكره له قال قد أخذتها فاستثنى منها سقي ليلة السبت لسكينة .
و كان زين العابدين يدعو في كل يوم أن يراه الله قاتل أبيه مقتولا فلما قتل المختار قتلة الحسين بعث برأس عبيد الله بن زياد و رأس عمر بن سعد مع رسول من قبله إلى زين العابدين و قال لرسوله إنه يصلي من الليل و إذا أصبح و صلى صلاة الغداة هجع ثم يقوم فيستاك و يؤتى بغدائه فإذا أتيت بابه فاسأل عنه فإذا قيل لك إن المائدة بين يديه فاستأذن عليه و ضع الرأسين على مائدته و قل له المختار يقرأ عليك السلام و يقول لك يا ابن رسول الله قد بلغك الله ثأرك ففعل الرسول ذلك فلما رأى زين العابدين الرأسين على مائدته خر ساجدا و قال الحمد لله الذي أجاب دعوتي و بلغني ثأري من قتلة أبي و دعا للمختار و جزأه خيرا .
رجل من بني حنيفة قال : كنت مع عمي فدخل على علي بن الحسين فرأى بين يديه صحائف ينظر فيها فقال عمي أي شيء هذه الصحائف قال هذه ديوان شيعتنا ثم قال إن الله خلقنا من عليين و خلق شيعتنا من طين من أسفل ذلك و خلق عدونا من سجين و خلق أولياءهم من أسفل ذلك .
بشير النبال و يحيى ابن أم الطويل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كنت خلف أبي (عليه السلام) و هو على بغلته فنفرت فإذا رجل في عنقه سلسلة و رجل يتبعه فقال يا علي بن الحسين اسقني فقال الرجل لا تسقه لا سقاه الله و كان أول ملك في الشام و روى نحو ذلك إدريس بن عبد الله و علي بن المغيرة و مالك بن عطية و أبو حمزة الثمالي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال بينا أنا و أبي متوجهين إلى مكة و أبي قد تقدم مني في موضع يقال ضجنان و ذكر الخبر بعينه .
[145]
أبو جعفر (عليه السلام) : خدم أبو خالد الكابلي علي بن الحسين دهرا من عمره ثم إنه أراد أن ينصرف إلى أهله فأتى علي بن الحسين (عليه السلام) و شكا إليه شدة شوقه إلى والديه فقال يا أبا خالد يقدم غدا رجل من أهل الشام له قدر و مال كثير و قد أصاب بنتا له عارض من أهل الأرض و يريدون أن يطلبوا معالجا يعالجها فإذا أنت سمعت قدومه فأته و قل له أنا أعالجها لك على أن أشترط لك أني أعالجها على ديتها عشرة آلاف فلا تطمئن إليهم و سيعطونك ما تطلب منهم فلما أصبحوا قدم الرجل و من معه و كان من عظماء أهل الشام في المال و المقدرة فقال أ ما من معالج يعالج بنت هذا الرجل فقال له أبو خالد أنا أعالجها على عشرة آلاف درهم فإن أنتم وفيتم وفيت على أن لا يعود إليها أبدا فشرطوا أن يعطوه عشرة آلاف فأقبل إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فأخبره الخبر فقال إني أعلم أنهم سيغدرون بك و لا يفون لك انطلق يا أبا خالد فخذ بإذن الجارية اليسرى ثم قل يا خبيث يقول لك علي بن الحسين اخرج من هذه الجارية و لا تعد ففعل أبو خالد ما أمره فخرج منها فأفاقت الجارية و طلب أبو خالد الذي شرطوا له فلم يعطوه فرجع مغتما كئيبا فقال له علي بن الحسين ما لي أراك كئيبا يا أبا خالد أ لم أقل لك إنهم يغدرون بك دعهم فإنهم سيعودون إليك فإذا لقوك فقل لست أعالجها حتى تضعوا المال على يدي علي بن الحسين فإنه لي و لكم ثقة و وضعوا المال على يدي علي بن الحسين فرجع أبو خالد إلى الجارية فأخذ بإذنها اليسرى ثم قال يا خبيث يقول لك علي بن الحسين اخرج من هذه الجارية و لا تعرض لها إلا بسبيل خير فإنك إن عدت أحرقتك بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة فخرج منها و دفع المال إلى أبي خالد فخرج إلى بلاده .
محمد بن علي الحلبي قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لما أتي بعلي بن الحسين إلى يزيد بن معاوية و من تبعهم جعلوهم في بيت فقال بعضهم إنما جعلنا في هذا البيت ليقع علينا فقال مواظب الحرس انظروا إلى هؤلاء يخافون أن يقع عليهم
[146]
البيت و إنما يخرجون غدا فيقتلون فأخبره (عليه السلام) قومه بمقاله و في رواية أنه بشرهم بإطلاقهم غدا .
الزهري : جاء رجل إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فقال ما خبرك فقال خبري يا ابن رسول الله أني أصبحت و علي أربعمائة دينار لا قضاء عندي لها و لي عيال ليس لي ما أعود به إليهم فبكى علي بن الحسين بكاء شديدا فقيل ما يبكيك يا ابن رسول الله فقال و هل يعد البكاء إلا للمصائب و المحن الكبار فقالوا كذلك قال فأية محنة و مصيبة أعظم على حر مؤمن أن يرى بأخيه المؤمن خلة و لا يمكنه سدها و يشاهده على فاقة فلا يطيق دفعها فلما تفرقوا أتاه الشاكي و قال يا ابن رسول الله بلغني عن فلان أنه قال عجبا لهؤلاء يدعون أن السماء و الأرض و كل شيء يطيعهم و أن الله لا يردهم عن شيء من طلباتهم ثم يعترفون بالعجز عن صلاح خواص إخوانهم يا ابن رسول الله ذلك أغلظ علي من محنتي فقال (عليه السلام) فقد أذن الله في فرجك يا فلان احمل له فطوري و سحوري فحمل قرصين فقال خذهما فليس عندنا غيرهما فإن الله يكشف عنك بهما و ينيلك خيرا واسعا منهما فدخل الرجل السوق مع الوسوسة فمر بسماك قد بارت عليه سمكته و قد أراحت فقال خذ سمكة بائرة بقرصة يابسة ثم مر برجل معه ملح قليل مزهود فيه فناداه أعطني قرصتك المزهودة و خذ ملحي المزهود ففعل فجاء الرجل بالسمكة و الملح فقال أصلح هذه بهذا فلما شق بطن السمكة وجد فيه لؤلؤتين فاخرتين فحمد الله عليهما فبينا هو في سروره ذلك إذ قرع بابه فنظر من على الباب فإذا هو صاحب السمكة و الملح يقولان جهدنا أن نأكل القرص فلم تعمل فيه أسناننا فأخذ القرصين منهما فلما استقر بعد انصرافهما عنه قرع بابه فإذا هو رسول علي بن الحسين (عليه السلام) قد دخل فقال إنه يقول لك إن الله قد أتاك بالفرج فاردد طعامنا فإنه لا يأكله غيرنا و باع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم و حسنت حاله فقال بعض المخالفين ما أشد هذا التفاوت بينا هو لا يقدر أن يسد منه فاقة إذ أغناه هذا الغني العظيم فقال (عليه السلام) هكذا قالت قريش للنبي كيف يمضي إلى بيت المقدس و يشاهد ما فيه من آثار الأنبياء من مكة و يرجع إليها في ليلة واحدة و هو لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في اثني عشر يوما و ذلك حين هاجر منها ثم قال جهلوا و الله أمر الله و أمر أوليائه
[147]
مع أن المراتب الرفيعة لا تنال إلا بالتسليم لله و ترك الاقتراح عليه و الرضا بما يريده بهم الخبر .
معرفة الرجال عن الكشي عن أبي بصير : كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا فقال له جعلت فداك إن لي خدمة و مودة و انقطاعا فأسألك بحرمة رسول الله و أمير المؤمنين إلا ما أخبرتني أنت الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه قال الإمام علي بن الحسين علي و على كل مسلم فجاء أبو خالد إلى علي بن الحسين فلما دخل عليه قال مرحبا يا كنكر ما كنت لنا بزائر ما بدا لك فينا فخر أبو خالد ساجدا شاكرا لله مما سمع منه فقال الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي فقال له علي (عليه السلام) و كيف عرفت إمامك قال لا و الله ما عرفني بهذا الأمر إلا أبي و أمي ثم قص عليه حديث ابن الحنفية .
نوادر الحكمة عن محمد بن أحمد بن يحيى بالإسناد عن جابر و عن الباقر (عليه السلام) : أنه جرى بينه و بين محمد بن الحنفية منازعة في الإمامة فقال يا محمد اتق الله و لا تدع ما ليس لك بحق إني أعظك أن تكون من الجاهلين يا عم إن أبي أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى العراق فانطلق بنا إلى الحجر الأسود فمن شهد له بالإمامة كان هو الإمام فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود فناداه محمد فلم يجبه فقال علي أما إنك لو كنت وصيا و إماما لأجابك فقال له محمد فادع أنت يا ابن أخي و اسأله فدعا الله تعالى علي بما أراد ثم قال أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء و ميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا بلسان عربي مبين من الوصي و الإمام بعد الحسين فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول من موضعه ثم أنطقه الله بلسان عربي مبين فقال اللهم إن الوصية و الإمامة بعد الحسين لعلي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول الله فانصرف محمد و هو يتولى علي بن الحسين (عليه السلام) .
المبرد في الكامل : قال أبو خالد الكابلي لمحمد بن الحنفية أ تخاطب ابن أخيك بما لا يخاطبك بمثله فقال إنه حاكمني إلى الحجر الأسود و زعم أنه ينطقه فصرت معه إلى الحجر فسمعت الحجر يقول سلم الأمر إلى ابن أخيك فإنه أحق به منك فصار أبو خالد إماميا .
[148]
الحميري :
عجبت و لكن صروف الزمان *** و أمر أبي خالد ذي البيان
و من رده الأمر لا ينثني *** إلى الطيب الطهر نور الجنان
علي و ما كان من عمه *** برد الأمانة عطف العيان
و تحكيمه حجرا أسودا *** و ما كان من نطقه المستبان
بتسليم عم بغير امتراء *** إلى ابن أخ منطقا باللسان
شهدت بذلك حقا كما *** شهدت بتصديق آي القرآن
علي إمامي و لا أمتري *** و خليت قولي بكان و كان
و لنا :
بعد النبي أئمة لمعاشر *** و أئمتي من بعده أولاده
إن كان قد شرفت به أصحابه *** فبنوه ما شرفوا و هم أكباده
فصل في زهده (عليه السلام) :
زرارة بن أعين : سمع سائلا في جوف الليل يقول أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته و لا يرى شخصه ذلك علي بن الحسين (عليه السلام) .
حلية الأولياء و فضائل الصحابة : كان علي بن الحسين إذا فرغ من وضوء الصلاة و صار بين وضوئه و صلاته أخذته رعدة و نفضة فقيل له في ذلك فقال ويحكم أ تدرون إلى من أقوم و من أريد أناجي و في كتبنا أنه كان إذا توضأ اصفر لونه فقيل له في ذلك فقال أ تدرون من أتأهب للقيام بين يديه .
طاوس الفقيه : رأيت في الحجر زين العابدين (عليه السلام) يصلي و يدعو عبيدك ببابك أسيرك بفنائك مسكينك بفنائك سائلك بفنائك يشكو إليك ما لا يخفى عليك و في خبر لا تردني عن بابك .
و أتت فاطمة بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى جابر بن عبد الله فقالت له يا صاحب رسول الله إن لنا عليكم حقوقا و من حقنا عليكم إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا أن
[149]
تذكروه الله و تدعوه إلى البقيا على نفسه و هذا علي بن الحسين بقية أبيه الحسين قد انخرم أنفه و نقبت جبهته و ركبتاه و راحتاه أذاب نفسه في العبادة فأتى جابر إلى بابه و استأذن فلما دخل عليه وجده في محرابه قد أنصبته العبادة فنهض علي فسأله عن حاله سؤالا خفيا أجلسه بجنبه ثم أقبل جابر يقول يا ابن رسول الله أ ما علمت أن الله خلق الجنة لكم و لمن أحبكم و خلق النار لمن أبغضكم و عاداكم فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك فقال له علي بن الحسين يا صاحب رسول الله أ ما علمت أن جدي رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر فلم يدع الاجتهاد و تعبد هو بأبي و أمي حتى انتفخ الساق و ورم القدم و قيل له أ تفعل هذا و قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر قال أ فلا أكون عبدا شكورا فلما نظر إليه جابر و ليس يغني فيه قول قائل يا ابن رسول الله البقيا على نفسك فإنك من أسرة بهم يستدفع البلاء و تستكشف اللأواء و بهم تستمسك السماء فقال يا جابر لا أزال على منهاج أبوي مؤتسيا بهما حتى ألقاهما فأقبل جابر على من حضر فقال لهم ما رئي من أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين إلا يوسف بن يعقوب و الله لذرية علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف .
الصادق (عليه السلام) : و لقد دخل أبو جعفر على أبيه (عليه السلام) فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد و قد اصفر لونه من السهر و رمضت عيناه من البكاء و دبرت جبهته من السجود و ورمت قدماه من القيام في الصلاة قال فقال أبو جعفر فلم أملك حين رأيته بتلك الحال من البكاء فبكيت رحمة له و إذا هو يفكر فالتفت إلي بعد هنيهة من دخولي فقال يا بني أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي فأعطيته فقرأ فيها يسيرا ثم تركها من يده تضجرا و قال من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب .
[150]
مصباح المتهجد : كان له خريطة فيها تربة الحسين إذا قام في الصلاة تغير لونه فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقا .
الباقر (عليه السلام) : كان علي بن الحسين يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة و كانت الريح تميله بمنزلة السنبلة و كانت له خمسمائة نخلة و كان يصلي عند كل نخل ركعتين و كان إذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر و كان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله و كان يصلي صلاة مودع يرى أنه لا يصلي بعدها أبدا .
و روي : أنه كان إذا قام إلى الصلاة تغير لونه و أصابته رعدة و حال أمره فربما سأله عن حاله من لا يعرف أمره في ذلك فيقول إني أريد الوقوف بين يدي ملك عظيم و كان إذا وقف في الصلاة لم يشغل بغيرها و لم يسمع شيئا لشغله بالصلاة .
و سقط بعض ولده في بعض الليالي فانكسرت يده فصاح أهل الدار و أتاهم الجيران و جيء بالمجبر و جبر الصبي و هو يصيح من الألم و كل ذلك لا يسمعه فلما أصبح رأى الصبي يده مربوطة إلى عنقه فقال ما هذا فأخبروه .
و وقع حريق في بيت هو فيه ساجد فجعلوا يقولون يا ابن رسول الله النار النار فما رفع رأسه حتى أطفيت فقيل له بعد قعوده ما الذي ألهاك عنها قال ألهتني عنها النار الكبرى .
الباقر (عليه السلام) : و لقد كان سقط منه كل سنة سبع ثفنات من مواضع سجوده و كان يجمعها فلما مات دفنت معه .
الأصمعي : كنت أطوف حول الكعبة ليلة فإذا شاب ظريف الشمائل و عليه ذؤابتان و هو متعلق بأستار الكعبة و يقول نامت العيون و علت النجوم و أنت الملك الحي القيوم غلقت الملوك أبوابها و أقامت عليها حراسها و بابك مفتوح للسائلين جئتك لتنظر إلي برحمتك يا أرحم الراحمين ثم أنشأ يقول :
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم *** يا كاشف الضر و البلوى مع السقم
[151]
قد نام وفدك حول البيت قاطبة *** و أنت وحدك يا قيوم لم تنم
أدعوك رب دعاء قد أمرت به *** فارحم بكائي بحق البيت و الحرم
إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف *** فمن يجود على العاصين بالنعم
قال : فاقتفيته , فإذا هو زين العابدين (عليه السلام) .
طاوس الفقيه : رأيته يطوف من العشاء إلى السحر و يتعبد فلما لم ير أحدا رمق السماء بطرفه و قال إلهي غارت نجوم سماواتك و هجعت عيون أنامك و أبوابك مفتحات للسائلين جئتك لتغفر لي و ترحمني و تريني وجه جدي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) في عرصات القيامة ثم بكى و قال و عزتك و جلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك و ما عصيتك إذ عصيتك و أنا بك شاك و لا بنكالك جاهل و لا لعقوبتك متعرض و لكن سولت لي نفسي و أعانني على ذلك سترك المرخى به علي فأنا الآن من عذابك من يستنقذني و بحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني فوا سوأتاه غدا من الوقوف بين يديك إذا قيل للمخفين جوزوا و للمثقلين حطوا أ مع المخفين أجوز أم مع المثقلين أحط ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي و لم أتب أ ما آن لي أن أستحي من ربي ثم بكى ثم أنشأ يقول :
أ تحرقني بالنار يا غاية المنى *** فأين رجائي ثم أين محبتي
أتيت بأعمال قباح ردية *** و ما في الورى خلق جنى كجنايتي
ثم بكى , و قال : سبحانك تعصى كأنك لا ترى , و تحلم كأنك لم تعصى , تتودد إلى خلقك بحسن الصنيع كأن بك الحاجة إليهم و أنت يا سيدي الغني عنهم , ثم خر إلى الأرض ساجدا .
فدنوت منه و شلت رأسه و وضعته على ركبتي و بكيت حتى جرت دموعي على خده .
فاستوى جالسا , و قال : من ذا الذي أشغلني عن ذكر ربي ?
فقلت : أنا طاوس , يا ابن رسول الله , ما هذا الجزع و الفزع و نحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا و نحن عاصون جافون أبوك الحسين بن علي و أمك فاطمة الزهراء و جدك رسول الله .
قال : فالتفت إلي , و قال : هيهات هيهات يا طاوس , دع عني حديث أبي و أمي و جدي , خلق الله الجنة لمن أطاعه و أحسن و لو كان عبدا حبشيا , و خلق النار لمن عصاه و لو كان قرشيا , أ ما سمعت قوله تعالى فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ
[152]
و الله لا ينفعك غدا إلا تقدمة تقدمها من عمل صالح .
ابن حماد :
و راهب أهل البيت كان و لم يزل *** يلقب بالسجاد حسن تعبد
يقضي بطول الصوم طول نهاره *** منيبا و يفني ليله بتهجد
فأين به من علمه و وفائه *** و أين به من نسكه و تعبده
و كفاك في زهده ; الصحيفة الكاملة , و الندب المروية عنه (عليه السلام) فمنها .
ما روى الزهري : يا نفس حتام إلى الحياة سكونك , و إلى الدنيا ركونك , أ ما اعتبرت بمن مضى في أسلافك , و من وارته الأرض من آلافك , و من فجعت به من إخوانك .
شعر :
فهم في بطون الأرض بعد ظهورها *** محاسنها فيها يوالي دواثر
خلت دورهم منهم و أقوت عراصهم *** و ساقتهم نحو المنايا المقادر
و خلوا عن الدنيا و ما جمعوا لها *** و ضمتهم تحت التراب الحفائر
و منها : ما روي عن الصادق (عليه السلام) : حتى متى تعدني الدنيا فتخلف , و أئتمنها فتخون , و أستنصحها فتغش , لا تحدث جديدة إلا تخلق مثلها , و لا تجمع شملا إلا بتفريق بين , حتى كأنها غيري أو محتجبة تغار على الآلاف و تحسد أهل النعم .
شعر :
فقد آذنتني بانقطاع و فرقة *** و أومض لي من كل أفق بروقها
و منها : ما روى سفيان بن عيينة : أين السلف الماضون و الأهل و الأقربون و الأنبياء و المرسلون ; طحنتهم و الله المنون و توالت عليهم السنون و فقدتهم العيون ; و إنا إليهم لصائرون و إنا لله و إنا إليه راجعون .
إذا كان هذا نهج من كان قبلنا *** فإنا على آثارهم نتلاحق
فكن عالما أن سوف تدرك من مضى *** و لو عصمتك الراسيات الشواهق
فما هذه دار المقامة فاعلمن *** و لو عمر الإنسان ما ذر شارق
[153]
و مما جاء في صدقته (عليه السلام) :