مقدمة المحقق

حياة السيدة فاطمة (عليها السلام)


ولدت سيدتنا الزهراء فاطمة بنت محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله) وهي رابع بنات النبي (صلى الله عليه وآله) من خديجة بنت خويلد(1) (عليها السلام) في العشرين من جُمادى الثانية في السنة الخامسة من البعثة(2).

وأطبق العامّة والخاصّة على أنّ نطفتها خلقت من ثمر الجنة أطعم الله نبيّه المختار ليلة المعراج(3).

ومحل ولادتها في مكة المكرمة مشهور ومعروف، قرب المروة في زقاق العطارين وهو ـ اليوم ـ مسجد قد أغلقه الوهابيون لسنوات عديدة بذريعة التعمير.

والسيدة الزهراء (عليها السلام) عاشت محن تبليغ رسالة السماء منذ نعومة أظفارها

____________

1 ـ ولد للنبي (صلى الله عليه وآله) من خديجة (عليها السلام) سوى القاسم وعبد الله أربع بنات هن: "زينب" و"اُمّ كلثوم" و"رقيّة" و"فاطمة" وهي افضلهنّ وأحبهنّ إلى رسول الله كما سنلمح إلى ذلك بعد قليل.

2 ـ على هذا أكثر محدّثي الشيعة كما في الكافي 1:458 ومسارّ الشيعة: 7 وإعلام الورى: ص 90 و دلائل الإمامة: 10 والمناقب 2:112 وكشف الغمّة 1:135 والبحار 43:7 وهامش مرآة العقول 1:381 وروضة الواعظين للفتال: 124. وغيرها، وفي روضة الواعظين: 134 ومناقب إبن شهرآشوب 2:112 قول بانّها ولدت بعد الإسراء بثلاث سنين.

وهناك قول آخر بأنّها ولدت في السنة الثانية من البعثة قاله الشيخ المفيد كما في البحار: 43/8 واليعقوبي في تاريخه 2:115 والتزم به الطوسي في المصباح: 732 والكفعمي في المصباح: 512 وفي مستدرك الحاكم: أنّها عليها السلام ولدت بعد البعثة بسنة واحدة. أنظر المستدرك 3:161 و163.

ولكن أغلب العامة ذهبوا إلى أنّها (عليها السلام) ولدت قبل البعثة بخمس سنوات قاله الطبري في تاريخه 2:473 وأبو الفرج في مقاتل الطالببين: 30 وأحمد في مسنده: 6:163 وأنظر: مطالب السؤول: 9 والتنبيه والاشراف: 250.

3 ـ انظر المستدرك للحاكم 1:156 وتاريخ بغداد 5:87 وذخائر العقبى: 44 وثاقب المناقب لابن المغازلي: 358 وميزان الاعتدال 2:97 ومقتل الحسين للخوارزمي: 64.


الصفحة 4
فحوصرت مع أبيها واُمّها وسائر بني هاشم في الشعب(1) ولم تبلغ من العمر سوى سنتين.

وبمجرد أن رفع الحصار وخرج المسلمون بفضل الله تعالى واجهت الزهراء وفاة اُمها الحنون خديجة بنت خويلد وذلك في السنة العاشرة من البعثة(2).

فكانت سلوة أبيها في تحمّل الاعباء ومواجهة الصعوبات والشدائد بعد وفاة السيدة خديجة وابي طالب حامي الرسول، تؤنس وحدته وتؤازره على ما يلمّ به من طغاة قريش وعتاتهم(3).

وعلمت يوماً بمكيدة قريش وعزمهم على قتل الرسول فأعلمته بذلك(4) وهي التي أزالت السلا عن ظهر أبيها (عليها السلام) ودعت على أعدائه(5).

في السنة الثامنة من عمرها الشريف هاجرت إلى المدينة المنوّرة برفقة الإمام علي (عليه السلام) هي وفاطمة بنت أسد ـ اُمّ الإمام عليّ (عليه السلام) ـ وفاطمة بنت الزبير، فوصلت المدينة المنورة في يوم الخميس 15 ربيع الأوّل(6).

زواج فاطمة (عليها السلام)

الكثير من كبار الصحابة خطبوا الزهراء (عليها السلام) فلم يجبهم الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى ذلك

____________

1 ـ انظر ما قاساه المسلمون في الشعب، في سيرة ابن هشام 1:376 و379 و2:17 وتاريخ الطبري 2:74.

2 ـ انظر بكاءها (عليها السلام) على اُمّها خديجة (عليها السلام) وسؤالها عن اُمّها في صفحة:

3 ـ أنظر سيرة ابن هشام 2:58 وتاريخ الطبري 2:80 وسيرة ابن إسحاق: 293.

4 ـ المستدرك 3:157 ومناقب ابن شهرآشوب 2:71 ودلائل النبوّة 2:43.

5 ـ سيرة إبن إسحاق: 192 ودلائل النبوة للبيهقي 2:44 و55.

6 ـ حياة فاطمة (عليها السلام): 36.


الصفحة 5
وقال في جواب بعضهم: أمرها بيد الله سبحانه وتعالى(1).

حتى خطبها عليّ (عليها السلام) (2)، فعرض الرسول (صلى الله عليه وآله) الأمر على فاطمة (عليها السلام) وعرف رضاها بذلك(3) فزوجها منه.

ومهرها علي (عليه السلام) بثمن درع له كان قد غنمه في معركة بدر الكبرى(4) وبلغ ذلك أربعمائة وثمانين أو خمسمائة درهم(5).

وعلى ذلك جرت السنة في مهور نساء المسلمين وخصوصاً بني هاشم(6).

وكان محل العقد الميمون في المسجد النبوي وفيه بارك المهاجرون والأنصار علياً والنبيّ بهذا الافتتاح السعيد(7).

وما أجدر بالمسلمين أن يعملوا بهذه الطريقة الفاضلة في إجراء عقد النكاح في المساجد بدلا من جعل المساجد محلا لاقامة الفواتح والتجمعات في المناسبات المحزنة فقط.

وأمّا الزفاف فقد اُجّل إلى شهر ذي الحجّة من السنة الثانية(8).

____________

1 ـ السيرة الحلبية 2:217 والصواعق المحرقة: 84 وتاريخ الخميس: 407، وكشف الغمّة 1: 353 وطبقات ابن سعد 8:19 وذخائر العقبى: 30 وفضائل فاطمة الزهراء لابن شاهين: 50 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد بن حنبل 5:99.

2 ـ كشف الغمّة 1:354 و355 و356 وطبقات إبن سعد 8:19 وأمالي الطوسي 1:38.

3 ـ بحار الأنوار 43:93، أمالي الطوسي 1:38.

4 ـ بحار الأنوار 43: 130 وأنظر كفاية الطالب: 166.

5 ـ وهو ما يعادل مهر اُمّها خديجة (عليها السلام) وهي إثنتا عشرة "أوقية ذهباً أو إثنتا عشرة أوقية ونشّاً، حيث أن الأوقية تساوي أربعين درهماً ـ كما في السيرة الحلبية 1:165 ـ والنش هو نصف الأوقية، فيكون المجموع: 480 أو 500 درهماً على إختلاف الروايات.

وبالأخير قال ابن شهرآشوب كما في المناقب 2:408 والمجلسي في البحار 20:33.

6 ـ وكان النبي (صلى الله عليه وآله) لا يتجاوز هذا المقدار في مهور نساء المسلمين كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12:208.

7 ـ كشف الغمّة 1:358 ـ 359 وبحار الأنوار 43:120 و129.

8 ـ وهناك قول بأنّ الزفاف كان بعد شهر من إجراء العقد ذكره كل من المفيد في مسارّ الشيعة: 10 وابن شهراشوب في المناقب: 112، والفيض في تقويم المحسنين والمجلسي في البحار 43:110.


الصفحة 6
واشترك الصحابة في تهيئة طعام الزفاف فتبرّع سعد بكبش وآخرون بأصوع من ذرة(1) وخلطها النبي (صلى الله عليه وآله) بالدهن واتخذ منها حيساً(2).

وقد جهّز النبي (صلى الله عليه وآله) ابنته الزهراء (عليها السلام) بأبسط المتاع، وجعل لذلك بعض المهر بينما جعل البعض الآخر للعطر.

وهكذا انتقلت الزهراء (عليها السلام) إلى بيت عليّ (عليه السلام) في أبسط المراسم من الناحية الماديّة وأعلاها شرفاً ومكانة من الناحية المعنويّة.

وفي الدار تقاسمت هي وعلياً (عليه السلام) الخدمة فكان لفاطمة (عليها السلام) مافي الدار ولعلي (عليه السلام) ماوراء الباب فسرّت بذلك كثيراً.

صعوبات اُخرى

لمّا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) من السبّاقين في ميادين الجهاد وكان الجهاد آنذاك يستغرق أياماً متطاولة فانّ مسؤولية ادارة شؤون العائلة كانت تلقى على عاتق الزهراء (عليه السلام) تلقائياً فكانت تستقي بالقربة إلى جانب مهام الدار المتعبة ممّا سبب لها الاعياء وحمل علياً (عليه السلام) على أن يطلب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) خادماً تعين الزهراء في الحياة(3).

____________

1 ـ بحار الأنوار 43:137 والذرية الطاهرة: 96.

والأصوع جمع صاع وهو كيل يزن مقداره ثلاثة كيلو غرامات تقريباً.

2 ـ ورد في البحار 43:132: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخذ دراهم ودفعها إلى علي وقال له: أشتر سمناً وتمراً وأقطا، فاشترى عليّ (عليه السلام) ذلك وأقبل بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحسر النبي (صلى الله عليه وآله) عن ذراعيه ودعا بسفرة من أدم وجعل يشدخ التمر والسمن ويخلطهما بالأقط حتى أتخذه حيساً.

3 ـ بحار الانوار 82:43.


الصفحة 7
فعلمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسبيحاً يكون لها عزاً في الدنيا وأجراً في الآخرة(1).

وعاشت الزهراء مع علي (عليه السلام) تسع سنوات لم تطلب منه خلال هذه المدّة الطويلة شيئاً وذلك بتأديب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2) ومع ذلك فانها كانت تعين على النفقة بغزل الصوف(3).

أولادها (عليها السلام)

ولدت لعلي (عليه السلام) اربعة أولاد: أكبرهم الإمام الحسن (عليه السلام) (4)، ولد في الخامس عشرة من رمضان سنة ثلاث للهجرة على أشهر الأقوال.

والتالي له الإمام الحسين (عليه السلام) ولد في الثالث من شعبان سنة أربع للهجرة(5).

والثالث: السيدة زينب (عليها السلام)، ولدت في السنة الخامسة أو السادسة للهجرة(6).

والرابع: السيدة اُم كلثوم، ولدت في السنة الثامنة للهجرة(7).

واسقطت بنت الهدى فاطمة (عليها السلام) ولداً خامساً كان قد سمّاه الرسول (صلى الله عليه وآله)

____________

1 ـ أنظر ما روي في ذلك في فضل تسبيح الزهراء (عليها السلام).

2 ـ أنظر: الحديث 39.

3 ـ تفسير البرهان 4:412.

4 ـ أنظر الكامل لابن الأثير 2:141، واستشهد هذا الإمام الزكي في الثامن من صفر سنة تسع وأربعين للهجرة مسموماً بسم دسّه معاوية بن أبي سفيان إليه.

5 ـ واستشهد هذا الإمام في عاشوراء سنة إحدى وستين هجرية بعد أن سطّر أعظم ملحمة في جهاد الطغاة والتي لا يزال صداها مدوّياً في العالم.

6 ـ توفيت في الرابع عشر من رجب سنة 72 للهجرة ـ كما في مزارات أهل البيت: وكانت هي المبلغة عن واقعة كربلاء الرّهيبة إلى جانب إبن أخيها علي بن الحسين عليهما السلام.

7 ـ توفيت هذه السيّدة الطاهرة في المدينة عند رجوعها من العراق بعد مقتل الحسين (عليه السلام) بأربعة أشهر وعشرة أيّام. كما عن أنوار الشهادة وبحر المصائب أنظر هامش: 164 من كتاب الذريّة الطاهرة.


الصفحة 8
محسناً(1) في حادثة هجوم أعداء الاسلام على دارها في السنة الحادية عشرة للهجرة(2).

حياتها العلمية والعملية

كانت الزهراء (عليها السلام) ربيبة العلم والتقى وكان حظّها منهما وفيراً، فقد كان لها مصحف حوى الكثير من العلوم والمعارف وعرف بمصحف فاطمة (عليها السلام) وهو موجود عند الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) الآن(3).

ولم يكن همّها (عليها السلام) معرفة العلم فقط دون بذله، بل سعت بكلّ جهدها في نشر العلم وتعليم الآخرين فكان من نتاج مدرستها السيدة "فضّة"(4)، التي لم تتكلّم طيلة عشرين عاماً من حياتها بغير آيات القرآن الكريم وكانت تنتخب منها ما يشير إلى مطلبها عندما تتعرّض للسؤال أو تطلب من الآخرين شيئاً.

وكانت إلى جانب علمها الوفير حليمة صبورة في تعليم الآخرين(5).

وأما عبادتها (عليها السلام)، فقد روي أنّها كانت تصلّي وتطيل القيام حتى تورّم قدماها(6) وكانت تنهج(7) في الصلاة من خشيّة الله وقال عنها الحسن البصري: لم يكن في الامّة أزهد ولا أعبد من فاطمة (عليها السلام) (8).

____________

1 ـ الملل والنحل 1:57 وذكره السيد المقرم في وفاة الصديقة: 62 عن تلخيص الشافي: 415 والبحار 13:215 من الطبعة الحجرية.

2 ـ أنظر تفصيل ما جرى على أهل البيت (عليهم السلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من إحراق باب دار السيّدة الزهراء (عليها السلام) وضربها وإسقاط جنينها في فصل "حوادث ما بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) ".

3 ـ أنظر ما يتعلق بمصحف فاطمة (عليها السلام) في الأحاديث.

4 ـ راجع حياة فضة ـ خادمه الزهراء (عليها السلام) في البحار 43:86 ـ 87.

5 ـ كما ورد في تفسير الإمام: والبحار 2:3.

6 ـ حياة السيدة الزهراء (عليها السلام): 60.

7 ـ كما في البحار 67:40 و81 و285 عن عدة الداعي، والنهج ـ بالتحريك ـ: الربو وتواتر النفس من شدّة الحركة أو فعل متعب (النهاية 5:134).

8 ـ مناقب ابن شهراشوب 3:341 وربيع الأبرار2:104.


الصفحة 9

نصرتها للدين الحنيف

لم تكن واجباتها المنزلية لتمنعها عن ممارسة النصر للإسلام والمسلمين قطّ، ففي الحروب الطاحنة التي كانت تدور بين الكفار والمسلمين والتي كان لا بدّ من مشاركة زوجها عليّ (عليه السلام) فيها، نرى أنّ الزهراء (عليها السلام) تتحمل مسؤوليات إدارة شؤون العائلة بشكل تام حتّى كانت تستقي بالقربة حتّى أثّر في بدنها الشريف، ومع هذا كلّه فلم تكن لتغيب عن ساحات القتال عندما تقتضي الضرورة ذلك، فنراها تحضر معركة اُحد وتداوي جرح رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1) كما تشهد مصرع حمزة(2) وتأتي بكسرة خبز إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) في غزوة الخندق(3) وتحضر فتح مكّة أيضاً(4).

وتشترك في حجّ الرسول الاعظم حجّة الوداع(5) ولعلّ حضورها في بعض تلك الاحداث إنّما كان للحفاظ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كيد المنافقات أو المشركات اللّواتي كنّ يحضرن سوح القتال ويحاولن الكيد برسول الله (صلى الله عليه وآله) بشتّى الطرق.

وحتى في مرضه (صلى الله عليه وآله) الأخير كانت الزهراء (عليها السلام) إلى جنبه تنظر إلى وجهه الشريف وتتمثّل بشعر أبي طالب (عليه السلام):


وأبيض يستسقي الغمام بوجههثمال اليتامى عصمة للأرامل

وعندها فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عينيه وقال:

بل قولي: {وما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم

____________

1 ـ مسند أحمد بن حنبل: 330 و334 وسيرة إبن هشام 3:206.

2 ـ المغازي 1:290.

3 ـ ذخائر العقبى: 46 وطبقات إبن سعد 1:114 وشرح إبن أبي الحديد 11:129.

4 ـ المغازي 1:830 و850.

5 ـ المغازي 3:1087 و1090.


الصفحة 10
على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين} وبذلك علمت قرب فراق الرسول فأخذت تبكي بصوت عال فطلبها النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأسرّ إليها شيئاً فضحكت.

وكان قد أخبرها صلوات الله عليها بأنّها أوّل من تلحقه من أهل بيته وكان هذا سبباً لسرورها(1).

وفي الحوادث المؤسفة التي حدثت بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) دافعت بكل صلابة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في محاولة جريئة لاستنقاذ حقّه المغتصب على ما بها من الجرح والألم، وانظر تفاصيل ذلك في فصل دفاعها عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

وفاة الرَّسول (صلى الله عليه وآله)

توفّي النبيّ (صلى الله عليه وآله) يوم الأثنين(2) 28 صفر سنة 11 هجرية ورأسه في حجر علي (عليه السلام) وبوفاته سرّ المنافقون وعمدوا إلى ظلم آل البيت وبالأخصّ الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) (3).

فأوّل ما عمدوا إليه بعد غصب الخلافة من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) (4) أن جاء عمر بالحطب والنار لإحراق دار فاطمة (عليها السلام) (5) وكَبَسَها بين

____________

1 ـ انظر تفاصيل ذلك في أمالي الطوسي 2:15 ومصابيح السنة 2:201 ومشكل الآثار 4:333 وصحيح الترمذي 2:319.

2 ـ هذا ما إتّفق عليه السنّة وقال به أكثر الشيعة.

3 ـ ذكر بعض علماء العامة نماذج من هذه الفظائع في كتبهم، أنظر الإمامة والسياسة 1:19 والملل والنحل 1:57 وتاريخ الطبري 2:443 وأنساب الأشراف: 586 والعقد الفريد 5:12 وأنظر كتاب سليم: 249 ودلائل الإمامة: 45.

4 ـ بينما كان الرسول (صلى الله عليه وآله) مسجّى لم يغسل بعد ولم يكفّن هرع المتآمرون إلى سقيفة بني ساعدة ليعقدوا الأمر لأبي بكر. وعندما أخبر سلمان أمير المؤمنين بذلك قال له: ءأترك نبيّ الله مسجّى وأذهب لأتنازع مع القوم؟!.

5 ـ أنظر تفصيل ما جرى عليها في فصل احراق دار فاطمة (عليها السلام).


الصفحة 11
الحائط والباب(1) ولُطمت الزهراء (عليها السلام) على خدّها وضربها قنفذ بالسوط(2) في محاولة منه لخنق صوت الحقّ والعدالة.

ومع ما أصاب الزهراء (عليها السلام) في تلك الاحداث وهي عزيزة الرسول (صلى الله عليه وآله) وذكراه في الامّة فأنّها لم تفتأ تدافع عن عليّ (عليه السلام) وعن حقّه المغتصب بالاشكال المختلفة والخطب البليغة(3) واستنهاض همم. المجاهدين(4) لاسترجاع بعض ما سلب ونهب خصوصاً بعد أن تمادى الظالمون في طغيانهم وابتزّوا "فدكاً" من السيّدة الزهراء (عليها السلام).

ماهي فدك ولماذا أخذها الظالمون؟

"فدك" مزرعة كبيرة ذات عوائد كثيرة، تبعد عن المدينة المنوّرة 140 كيلومتراً(5) وتسمّى في الوقت الحاضر بـ"حائط" أو كما تسمّيها العامّة: "حويط".

وقد صالح أهلُها اليهود رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه الأرض ليكفّ عن قتالهم(6).

وأمر الله تعالى نبيّه الكريم أن يهب هذه الأرض لبضعته الزهراء (عليها السلام) بقوله تعالى: {وآت ذا القربى حقّه} (7) كما ورد في كتب التفسير وغيرها(8).

____________

1 ـ أنظر مقالة عمر في تلك اللحظات.

2 ـ نقل الشيعة ذلك بالإجماع ومن العامة من ذكر ذلك أيضاً أنظر الإمامة والسياسة 1:19 والملل والنحل 1:57 وتاريخ الطبري 2:443 وانساب الاشراف: 586 والعقد الفريد 5:12.

وانظر تفاصيل الحوادث في كتاب سليم: 249 ودلائل الإمامة: 45.

3 ـ هناك فصل خاص في خطب الزهراء (عليها السلام).

4 ـ فكانت تدور على بيوت المهاجرين والأنصار تستنصرهم.

5 ـ في معجم البلدان: 342 فدك قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان أو ثلاثة أيّام.

6 ـ المغازي 2: 707 وفتح البلدان: 43 وسيرة ابن هشام 3:368.

7 ـ سورة الأسراء: 17/26.

8 ـ انظر الدر المنثور 4: 177 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 268 ومجمع الزوائد 7:49 وميزان الإعتدال 2:288 وكنز العمال 2:158 ودلائل الصدق 1:38 وينابيع المودة:119 ومعارج النبوّة:7.


الصفحة 12
ولم تكن فدك الهبة الوحيدة للرسول بل كان (صلى الله عليه وآله) قد وهب أمثالها لبعض أصحابه قبل فدك وبعده(1).

وذلك لأنّهم علموا بأن ما تعود به فدك وهي أربعاً وعشرين الف دينار سنوياً(2)سوف يستفيد منه عامّة المسلمين ـ دون الأراضي الاخرى التي تنحصر عوائدها بعائلة أو بشخص واحد ـ ولعلّ ذلك يصير سبباً لميل القلوب مع علي (عليه السلام) وفاطمة اللّذان يتولّيان هذان التقسيم العادل.

ولقد أخذوا فدكاً ولم تنفع معهم خطب الزهراء (عليه السلام) واحتجاجاتها لقساوة قلوبهم وشدّة كفرهم بما أنزل الله تعالى على نبيّه (صلى الله عليه وآله).

وتداولها بعدهم بنو اُميّة وبنو مروان(3) ولا تزال في أيدي أعداء آل محمّد يستفاد منها في هدم كيان الإسلام وإذلال المسلمين.

وابتزّوا أيضاً صدقات فاطمة (عليها السلام) وبساتينها السبعة التي كانت الزهراء (عليها السلام) تتولاّها منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا ممّا أثار سخط فاطمة (عليها السلام) وغضبها على أبي بكر فهجرته، وفي بعض كتب الحديث: آنهالم تزل مهاجرة له حتّى توفيت (عليها السلام) (4).

____________

1 ـ فقد أعطى أبا بكر من أراضي بني النضير أرضاً تسمّى "بئر حجر" (المغازي 1:379 وفتوح البلدان: 27 وطبقات ابن سعد 2:41) وأعطى عمراً "جرم" (السيرة الحلبية 2:284) وعبد الرحمن بن عوف "سوالة" (وفاء الوفاء 4:1296) والزبير العوام "بويلة" (مسند أحمد بن حنبل 6:347) وسهل بن حنيف وأبا دجانة الأنصاري أرضاً اُخرى "الخرايج" ليحيى بن آدم: 32 وصهيب بن سنان "ضراطة" كما في (تاريخ الخميس 1:463).

2 ـ كما في سفينة البحار 2:351.

3 ـ سرد تفصيل تداول فدك ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة 16:217 ـ 218 وعنه السيد المقرم في وفاة الصديقة: 94 و95 وغيره.

4 ـ مسند أحمد 1:6 و9.