فأوّل من بعث إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمره بسدّ الأبواب:
العباس بن عبد المطلب، فقال: سمعاً وطاعةً لله ولرسوله، وكان الرسول(2)معاذ بن جبل.
ثمّ مرّ العباس بفاطمة (عليها السلام) فرآها قاعدة على بابها وقد اقعدت الحسن والحسين (عليهم السلام) فقال لها: ما بالك قاعدة؟ انظروا إليها كأنّها لبوة بين يديها جرواها(3)اتظن أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخرج عمّه ويدخل ابن عمّه.
فمرّ بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لها: ما بالك قاعدة؟
قالت: انتظر أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسدّ الأبواب.
فقال لها: إنّ الله تعالى أمرهم بسدّ الأبواب واستثنى منهم رسوله وإنّما أنتم نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4).
61 ـ وفي التفسير المنسوب إلى الإمام ـ أيضاً ـ: وقالت فاطمة (عليها السلام): وقد أختصم إليها امرأتان فتنازعتا في شيء من أمر الدّين، أحداهما معاندة والآخرى مؤمنة، ففتحت على المؤمنة حجّتها، فاستظهرت على المعاندة، ففرحت فرحاً
____________
1 ـ ذلك إنّهم كانوا يمرّون في المسجد وهم جنب ـ احياناً ـ.
2 ـ أي: الّذي بعثه النبيّ إلى العباس رسولا.
3 ـ اللبوة: انثى الأسد، والجرو: ولد الأسد.
4 ـ التفسير المنسوب إلى الإمام: 17 وعنه البحار 39:22 ـ 23.
فقالت فاطمة (عليها السلام): إنّ فرح الملائكة باستظهارك عليها اشدّ من فرحك، وإنّ حزن الشيطان ومردته بحزنها أشدّ من حزنها.
وإنّ الله تعالى قال للملائكة: اوجبوا لفاطمة ـ بما فتحت على هذه المسكينة الأسيرة ـ من الجنان ألف ألف ضعف ممّا كنت(1) أعددت لها واجعلوا هذه سنّةً في كل من يفتح على أسير مسكين فيغلب معانداً مثل ألف ألف ما كان معداً له(2)(3).
زهدها (عليها السلام)
62 ـ مسند أحمد بن حنبل: حدّثنا عبد الله، حدّثني أبي، حدّثنا عبد الصمد، حدّثنا همام، حدّثنا يحيى، حدّثني زيد بن سلام، أنّ جدّه حدّثه، إنّ أبا أسماء حدّثه، أنّ ثوبان مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حدّثه: أنّ إبنة هبيرة دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي يدها خواتيم من ذهب يقال لها "الفتخ"، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرع يدها بعصية معه يقول لها: أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار، فأتت فاطمة، فشكت إليها ما صنع بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: وانطلقت أنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقام خلف الباب ـ وكان إذا استأذن قام خلف الباب ـ. قال: فقالت لها فاطمة: اُنظري إلى هذه السلسلة الّتي أهداها إليّ أبو الحسن؟
قال: وفي يدها سلسلة من ذهب، فدخل النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا فاطمة أبا العدل
____________
1 ـ في التفسير المنسوب إلى الإمام: ما كنت ـ وهو خطا ـ.
2 ـ سقطت كلمة: (له) من الأصل.
3 ـ التفسير المنسوب إلى الإمام الحديث: 229 وعنه البحار 2:8، مسنداً عن أبي محمّد (عليه السلام) وايضاً البحار 8:180 والإحتجاج 1:11.
63 ـ بحار الأنوار: عن الكافي ومكارم الأخلاق: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أراد السّفر سلّم على من أراد التسليم عليه من أهله، ثمّ يكون آخر من يسلّم عليه فاطمة، فيكون وجهه إلى سفره من بيتها وإذا رجع بدأ بها.
فسافر مرّة وقد أصاب عليّ (عليه السلام) شيئاً من الغنيمة، فدفعه إلى فاطمة فخرج، فأخذت سوارين من فضّة وعلقت على بابها ستراً، فلمّا قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل المسجد، فتوجّه نحو بيت فاطمة كما كان يصنع، فقامت فرحة إلى أبيها صبابة وشوقاً إليه، فنظر، فإذا في يدها سوارين من فضّة وإذا على بابها ستراً.
فقعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث ينظر إليها.
فبكت فاطمة وحزنت وقالت: ما صنع هذا بي قبلها، فدعت ابنيها، فنزعت الستر من بابها وخلعت السّوارين من يديها، ثمّ دفعت السوارين إلى أحدهما والسترّ إلى الآخر.
ثمّ قالت لهما: إنطلقا إلى أبي، فاقرأه السلام وقولا له: ما احدثنا بعدك غير هذا، فشأنك به، فجاءاه، فأبلغاه ذلك عن اُمّهما، فقبّلهما رسول الله والتزمهما وأقعد كلّ واحد منهما على فخذه، ثمّ أمر بذينك السوارين فكسّرا فجعلهما قطعاً ثمّ دعا أهل
____________
1 ـ مسند أحمد بن حنبل 5:278 وعنه هامش مسند فاطمة: 5 ـ 6. (قلت): كذا يروي العامّة في سيّدتنا الزهراء وأما ما نعتقده نحن، فهو إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) شهد لها بأنّها سيّدة نساء أهل الجنّة وانزل الله على رسوله تطهير أهل البيت من الرجس [كما في سورة الأحزاب: 33/33] فكيف يمكن أن يصدر منها معصية توجب لها النار؟!
ثمّ قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) رحم الله فاطمة، ليكسونّها الله بهذا الستر من كسوة الجنّة وليحلّينها بهذين السوارين من حليّ الجنّة(2).
64 ـ دلائل الإمامة: وأخبرني القاضي أبو إسحاق ابراهيم بن احمد بن محمّد
____________
1 ـ الزيادة اقتضاها السياق.
2 ـ بحار الأنوار 43:83.
قلت: حديث الستر وروجوع النبي (صلى الله عليه وآله) عن دار فاطمة عند رؤيته للستر، قد ذكره أحمد ابن حنبل في مواضع من مسنده وهي:
الموضع الأوّل في الجزء الثاني: 21 حدّثنا عبد الله، حدّثني أبي، حدّثنا ابن نمير حدّثنا فضيل ـ يعني: ابن عزوان ـ عن نافع، عن عبد الله بن عمر: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتى فاطمة، فوجد على بابها ستراً، فلم يدخل عليها وقلّما كان يدخل إلاّ بدأ بها...
والموضع الثاني في الجزء الخامس: 275 حدّثنا عبد الله حدّثني أبي، حدّثنا عبد الصمد، حدّثني أبي، حدّثنا محمّد بن حجادة، حدّثني حميد الشّامي، عن سليمان الميهني، عن ثوبان مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا سافر آخر عهده بانسان من أهله فاطمة، وأوّل من يدخل عليه إذا قدم فاطمة.
والموضع الثالث: رواية يرويها عن الامام الباقر (عليه السلام) وفيها ما يشعر بتكذيب هذا الموضع أساساً فيروي في الجزء السادس: 283 ما يلي: حدّثنا عبد الله، حدّثني أبي، حدّثنا القاسم بن الفضل، قال: قال: لنا محمد بن عليّ، كتب إليّ عمر بن عبد العزيز إنّي [كذا في الأصل، والصحيح: ان] انسخ إليه وصيّة فاطمة، فكان في وصيّتها الستر الّذي يزعم الناس أنّها احدثته، وإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل عليها فلمّا رآه رجع.
وهذا يدلّ على أنّ الناس يزعمون ذلك ولا واقع له واظنّ أنّهم إنّما اتّهموا الزهراء (عليها السلام) بذلك ليبرئوا ساحة عتاتهم وطواغيتهم الّذين احدثوا في الاسلام الكثير الكثير.
ومن اراد أن يقف على جانب من مبتدعاتهم، فليقرأ كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة.
قالت: اتيت النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فقلت: السّلام عليك يا أبه.
فقال: وعليك السّلام يا بنيّة.
فقلت: والله ما أصبح يا نبيّ الله في بيت عليّ حبّة طعام، ولا دخل بين شفتيه طعام منذ خمس، ولا أصبحت له ثاغية ولا راغية(1) وما أصبح في بيته سُفّة ولا هفّة(2).
فقال: ادخلي يدك بين ظهري وثوبي، فإذا حجر بين كتفي النبيّ (صلى الله عليه وآله) مربوط بعمامة إلى صدره، فصاحت فاطمة صيحة شديدة، فقال لها: ما اوقدت في بيوت آل محمّد نار منذ شهر، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): أتدرين ما منزلة عليّ؟! كفاني أمري وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وضرب بين يديّ بالسّيف وهو ابن ستّ عشر سنة وقتل الأبطال وهو ابن تسع عشرة سنة وفرّج همومي وهو ابن عشرين سنة، ورفع باب خيبر وهو ابن نيف وعشرين، وكان لا يرفعه خمسون رجلا، فاشرق لون فاطمة (عليها السلام)، ولن تقرّ قدميها مكانها حتّى أتت عليّاً، فإذا البيت قد أنار بنور وجهها، فقال لها عليّ: يا أبنة محمّد لقد خرجت من عندي ووجهك على غير هذه الحال.
فقالت: إنّ النبيّ حدّثني بفضلك فما تمالكت حتّى جئتك. فقال لها: كيف لو
____________
1 ـ الثغاء: صوت الشاة، والرغاء: صوت الناقة، أي ماله شاة ولا ناقة.
2 ـ الهفّة: السحاب لا ماء فيه، والسفّة، ما ينسج من الخوص كالزبيل، أي: لا مشروب في بيته ولا مأكول.
65 ـ إحقاق الحق: عن أنس(رضي الله عنه): جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فقالت: يا رسول الله إنّي وابن عمّي ما لنا فراش إلاّ جلد كبش ننام عليه ونعلف عليه ناضحنا بالنهار، فقال: يا بنيّة إصبري، فإنّ موسى بن عمران أقام مع إمراته عشر سنين مالها فراش إلاّ عباءة قطوانية(2).
66 ـ الذريّة الطاهرة: حدّثنا أحمد بن يحيى الاودي، حدّثنا ضرار بن صرد، حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن أبي نديك، حدّثنا محمّد بن موسى، عن فاطمة بنت محمّد عليهما السلام إنّ رسول الله أتاها يوماً فقال: أين إبنيّ يعني: حسناً وحسيناً؟
قالت: قلت أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق، فقال عليّ (عليه السلام): أذهب بهما فإنّي أتخوّف أن يبكيا عليك وليس عندك شيء، فذهب بهما إلى فلان اليهوديّ.
فوجّه إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوجدهما يلعبان في مشربه بين أيديهما فضل من تمر، فقال: يا عليّ ألا تقلب ابنيّ قبل أن يشتدّ الحرّ عليهما؟! قال: فقال عليّ: أصحبنا وليس في بيتنا شيء، فلو جلست يا رسول الله حتّى أجمع لفاطمة تمرات، فجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليّ ينزح لليهوديّ كلّ دلو بتمرة، حتّى أجمع له شيء من تمر، فجعله في حجرته، ثمّ أقبل، فحمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحدهما وحمل عليّ الآخر حتّى أقبلهما(3).
____________
1 ـ دلائل الامامة: 3. والمناقب 3:354.
2 ـ (قلت): ذكر هذا الحديث العلاّمة الرحماني في كتابه فاطمة الزهراء (عليها السلام): 478 عن السيرة النبويّة لزيني دحلان وزاد فيه: أي بيضاء كثير الخمل، وانظر احقاق الحق 10: 400.
3 ـ الذريّة الطاهرة: 145. الاقلاب: الصرف إلى المنزل. أقبلهما. أي: صرفهما إلى منزلهما.
فقال (صلى الله عليه وآله): ما أجد لك شيئاً، ولكن الدال على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل من يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، يؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة ـ وكان بيتها ملاصقاً لبيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الّذي ينفرد به لنفسه من ازواجه ـ، وقال: يا بلال قم، فقف به على منزل فاطمة.
فانطلق الأعرابي مع بلال، فلمّا وقف على باب فاطمة نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ومختلف الملائكة ومهبط الروح الأمين بالتنزيل من عند ربّ العالمين.
فقالت فاطمة: وعليك السلام، فمن أنت يا هذا؟
قال: شيخ من العرب أقبلت على أبيك سيّد البشر مهاجراً من شقة(4)، وأنا يا
____________
1 ـ انفتل من صلاته: اتمّها وفرغ منها.
2 ـ السمل: الخلق من الثياب: يقال قد سمل الثوب وأسمل.
3 ـ الرشا: الصلة والعطاء، مأخوذ من الحبل الّذي يوضع على البئر للوصول إلى الماء. وقال المجلسي: قال الجزري: يقع الرياش على الخصب والمعاش والمال المستفاد.
4 ـ الشقة: السفر البعيد.
فقالت: خذ هذا أيّها الطّارق، فعسى الله أن يرتاح لك(2)؟ هو خير منه.
قال الأعرابي: يا بنت محمّد شكوت إليك الجوع، فناولتني جلد كبش، ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب(3) قال: فعمدت ـ لمّا سمعت هذا من قوله ـ إلى عقد كان في عنقها اهدته لها فاطمة بنت عمّها حمزة بن عبد المطّلب، فقطعته من عنقها ونبذته إلى الأعرابي. فقالت: خذه وبعه، فعسى الله أن يعوّضك به ما هو خير.
فأخذ الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والنبيّ (صلى الله عليه وآله) جالس في أصحابه، فقال: يا رسول الله اعطتني فاطمة هذا العقد، فقالت: بعه، فعسى الله أن يصنع لك.
قال: فبكى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وقال: وكيف لا يصنع الله لك وقد اعطتكه فاطمة بنت محمّد سيّدة بنات آدم.
فقال عمّار بن ياسر رحمة الله عليه: فقال: يا رسول الله أتأذن لي بشراء هذا العقد؟
قال: اشتره يا عمّار، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذّبهم الله بالنّار، فقال عمّار: بكم العقد يا أعرابي؟ قال بشبعة من الخبز واللحم وبردة يمانية استر بها عورتي واصلّي
____________
1 ـ القرظ: هو ورق السلم، وهو شيء يدبغ به الأديم.
2 ـ قال المجلسي: يقال: ارتاح الله لفلان: أي رحمه.
3 ـ السغب: الجوع.
فأمّن(1) النبيّ (صلى الله عليه وآله) على دعائه، وأقبل على أصحابه، فقال: إنّ الله قد أعطى فاطمة في الدّنيا ذلك، أنا أبوها وما أحد من العالمين مثلي، وعليّ بعلها ولو لا عليّ لمّا كان لفاطمة كفو أبداً، واعطاها الحسن والحسين وما للعالمين مثلهما سيّدا شباب أسباط الأنبياء، وسيّدا شباب أهل الجنّة، وكان بإزائه مقداد وعمّار وسلمان، فقال: وازيدكم؟ قالوا: نعم، يا رسول الله. قال: أتاني الروح ـ يعني: جبرئيل ـ أنّها إذا هي قبضت ودفنت يسألها الملكان في قبرها من ربّك؟ فتقول: الله ربّي، فيقولان: فمن نبيّك؟
فتقول: أبي، فيقولان، فمن وليّك؟ فتقول: هذا القائم على شفير قبري عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
ألا أزيدكم من فضلها، إنّ الله قد وكل بها رعيلا(2) من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها، وهم معها في حياتها وعند قبرها وعند موتها يكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، فمن زارني بعد وفاتي،
____________
1 ـ أي قال: آمين، وهو بمعنى، اللّهمّ استجب. بحار الأنوار 43: 65.
2 ـ قال المجلسي: وقال الجزري: يقال للقطعة من الفرسان: رعلة، ولجماعة الخيل: رعيل.
فعمد عمّار إلى العقد، فطيّبة بالمسك ولفّه في بردة يمانيّة ـ وكان له عبد اسمه "سهم" ابتاعه من ذلك السهم الّذي أصابه بخيبر ـ، فدفع العقد إلى المملوك وقال له: خذ هذا العقد فأدفعه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت له، فأخذ المملوك العقد، فأتى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبره بقول عمّار، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): انطلق إلى فاطمة، فأدفع إليها العقد وأنت لها، فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأخذت فاطمة (عليه السلام) العقد واعتقت المملوك، فضحك الغلام.
فقالت: ما يضحكاك يا غلام؟ فقال: اضحكني عظم بركة هذا العقد أشبع جائعاً وكسى عرياناً واغنى فقيراً واعتق عبداً ورجع إلى ربّه(1).
خشيتها من الله تعالى
68 ـ الدروع الواقية: من كتاب زهد النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأبي جعفر أحمد القمّي(2) أنّه لما نزلت هذه الآية على النبي (صلى الله عليه وآله): {وإنّ جهنّم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكلّ باب منهم جزء مقسوم} (3).
بكى النبي (صلى الله عليه وآله) بكاءاً شديداً وبكت صحابته لبكائه ولم يدروا ما نزل به
____________
1 ـ المراد هنا: إلى صاحبه. هذا وقد روي هذا الحديث، عن بشارة المصطفى. المجلسي في البحار43:56 ـ 59.
2 ـ هذا الكتاب مفقود في الوقت الحاضر، ومؤلفه من علماء القرن الرابع الهجري، وله كتب اُخرى هي: المسلسلات وجامع الأحاديث، والعروس، ونوادر الآثر، وكتاب الغايات، وقد طبعت كلّها في مجلّد واحد على مطابع المكتبة الإسلامية بطهران. وقد جمعنا بعض أحاديث هذا الكتاب من كتب متفرّقة لعلّ الله ييسر الحاقها بالكتب الموجودة من مؤلفات هذا العالم الجليل.
3 ـ سورة الحجر 15:43 و44.
وكان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا رأى فاطمة (عليها السلام) فرح بها، فانطلق بعض أصحابه إلى باب بيتها، فوجد بين يديها شعيراً وهي تطحن فيه وتقول: {وما عند الله خير وأبقى} (1)، فسلّم عليها وأخبرها بخبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وبكائه، فنهضت والتفّت بشملة لها خلقة(2) قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل، فلمّا خرجت، ونظر سلمان الفارسي إلى الشملة بكى، وقال: واحزناه أنّ بنات قيصر وكسرى لفي السندس والحرير وابنة محمّد (صلى الله عليه وآله) عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً.
فلمّا دخلت فاطمة على النبي (صلى الله عليه وآله) قالت: يا رسول الله إنّ سلمان تعجّب من لباسي، فوالّذي بعثك بالحقّ مالي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ مسك كبش نعلف عليه بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه وإن مرفقتنا لمن آدم حشوها ليف.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا سلمان إن ابنتي لفي الخيل السوابق.
ثمّ قالت: فديتك، ما الّذي أبكاك؟!
فذكر لها ما نزل به جبرئيل من الآيتين المتقدمتين، قال: فسقطت فاطمة (عليها السلام) على وجهها وهي تقول: الويل ثمّ الويل لمن دخل النار.
فسمع سلمان فقال: يا ليتني كنت كبشاً لأهلي، فأكلوا لحمي ومزّقوا جلدي ولم أسمع بذكر النّار.
وقال ابوذر: ياليت امّي كانت عاقراً، ولم تلدني ولم أسمع بذكر النار.
وقال مقداد: يا ليتني كنت طائراً في القفاز، ولم يكن عليّ حساب، ولا عقاب
____________
1 ـ سورة القصص 28:60.
2 ـ أي بالية.
وقال علي (عليه السلام): ياليت السباع مزّقت لحمي، وليت أمّي لم تلدني ولم اسمع بذكر النار.
ثمّ وضع عليّ (عليه السلام): يده على رأسه وجعل يبكي ويقول: وابعد سفراه واقلّه زاداه في سفر القيامة يذهبون في النّار ويتخطّفون مرضى لا يعاد سقيمهم، وجرحى لا يداوى جريحهم، واسرى لا يفكّ أسيرهم، من النّار يأكلون ومنها يشربون، وبين أطباقها يتقلّبون، وبعد لبس القطن مقطّعات النّار يلبسون، وبعد معانقة الأزواج مع الشياطين مقرنّون(1).
قال المؤلّف: وروي هذه الرواية: المحقق التويسركاني عن ابن طاوس رضي الله عنهما في كتابه "لآلي الأخبار" (5:119).
____________
1 ـ بحار الأنوار 43: 87 و8:303 وعوالم العلوم 11:130 وناسخ التواريخ 2:432.
(قلت): وقد روى المجلسي في بحار الأنوار، عن خشوع الزهراء وخوفها من الله سبحانه وتعالى ما يلي: في 81: 285 عن عدّة الداعي: 139 و67:400 عن العدّة أيضاً: كانت فاطمة (عليها السلام) تنهج في الصلاة من خيفة الله تعالى، وروى في البحار 43:172 عن الأمالي: قال النبي (صلى الله عليه وآله) في خبر ويل أخبر عما يقع من الظلم على أهل البيت (عليهم السلام): أمّا ابنتي فاطمة، فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين... إلى أن قال: متى قامت في محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول: الله عزّ وجلّ لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيّدة أمائي قائمة بين يديّ ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد اقبلت بقلبها على عبادتي، اشهدكم إنّي قد آمنت شيعتها من النار.
وفي كتاب الجنّة العاصمة: 221، ذكر العلاّمة جار الله محمود بن عمرو الزمخشري (ت / 538) في ربيع الأبرار:195 (مخطوط) باسناده عن الحسن قال: ما كان في هذه الاُمّة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتّى تورّمت قدماها.
وفي البحار ـ أيضاً ـ 43: 45 عن المناقب لابن شهر اشوب 3:337، روي أنّها (عليها السلام) ربّما اشتغلت بصلاتها وعبادتها فربّما بكى ولدها، فرؤي المهد يتحرّك، وكان الملك يحركه.
السيدة الزهراء من الممتحنات
69 ـ عوالم العلوم: وخوّف أربعة من الصالحات: آسية، عذّبت بأنواع العذاب فكانت تقول: {ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنّة} (1) ومريم خافت من الناس وهربت {فناديها من تحتها ألاّ تحزني} (2) وخديجة عذلها النساء في النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فهجرنها(3) [وفاطمة (عليها السلام) ](4).
فقالت: فاطمة (عليها السلام) أما كان أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألا يحفظ في ولده(5) ما أسرع(6) ما أخذتم وأعجل ما نكصتم(7).
____________
1 ـ سورة التحريم 66:11.
2 ـ سورة مريم 19:24.
3 ـ الظاهر وجود سقط في هذا الحديث هنا. وهو مرتبط بالرابعة الّتي خوّفت وهي فاطمة الزهراء (عليها السلام).
4 ـ ما بين المعقوفتين مأخوذ من هامش البحار 43:35.
5 ـ كذا في العوالم والبحار.
6 ـ كذا في عوالم العلوم والبحار ولعلّ الصحيح: ما اسرع، وفي هامش العوالم: في الأصل: مشرع.
7 ـ عوالم العلوم 11:44 والمناقب: 322 والبحار 43:33 والاحتجاج 1:138 قلت: قد ذكرنا عن أحمد بن حنبل فضل الزهراء (عليها السلام)، ومن جاء ذكرهنّ في الحديث أعلاه.