فقامت تهيىء لي شيئاً، حتّى إذا قلت: إنّ الصلاة قد حضرت أقبل الحسن والحسين عليهما السلام حتّى جلسا في حجرها. فقالت لهما: يا بنيّ ما حسبكما وأبطأكما، فقال الحسن: أنا كنت في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الى حجر جبرائيل وكان الحسين يثب من حجر جبرائيل الى حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال الحسين: كنت في حجر جبرائيل، فكنت أنا اثب من حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى إذا زالت الشمس، قال جبرائيل (عليه السلام): قم، فصلّ، فان الشمس قد زالت، فعرج جبرائيل إلى السّماء، وقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّى، فجئنا.
فقلت: يا أمير المؤمنين في أي صورة نظر إليه الحسن والحسن عليهما السلام؟
فقال: في الصورة الّتي كان ينزل فيها على رسول الله.
فلمّا حضرت الصلاة خرجت، فصلّيت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلمّا انصرف من صلاته فقلت: يا رسول الله إنّي كنت في ضيعة لي، فجئت نصف النهار وأنا جائع، فسألت ابنة محمّد: هل عندك شيء، فتطعمنيه، فقامت لتهيّىء شيئاً حتّى أقبل ابناك الحسن والحسين حتّى جلسا في حجر امّهما، فسألتهما: ما أبطأكما وما حبساكما عنّي، فسمعتهما يقولان: حبسنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجبرئيل (عليه السلام)، فقالت: وكيف حبسكما جبرائيل ورسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال الحسن (عليه السلام): كنت أنا في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) والحسين في حجر جبرائيل (عليه السلام)، فكنت أنا اثّب من حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جبرائيل والحسين يثبّ من حجر جبرائيل إلى حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): صدق ابناي ما زلت أنا وجبرائيل (عليه السلام) نزهو بهما منذ اصبحنا إلى أن زالت الشمس.
210 ـ مدينة المعاجز: ابن بابويه في أماليه، قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل(قدس سره)، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبدالله (عليه السلام) العبرقي، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن زيد الشحام، عن أبي عبدالله (عليه السلام) الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه (عليهم السلام)، قال: مرض النبيّ (صلى الله عليه وآله) المرضة الّتي عوفى منها، فعادته فاطمة سيّدة النساء (عليها السلام) ومعها الحسن والحسين عليهما السلام، قد أخذت الحسن بيدها اليمنى والحسين بيدها اليسرى وهما يمشيان وفاطمة بينهما، حتّى دخلوا منزل عائشة، فقعد الحسن (عليه السلام) على جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأيمن، والحسين (عليه السلام) على جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأيسر، فأقبلا يغمزان ما بينهما من بدن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فما أفاق النبيّ (صلى الله عليه وآله) من نومه.
فقالت فاطمة (عليها السلام) للحسن والحسين عليهما السلام: حبيبيّ إنّ جدّكما اغفى، فانصرفا ساعتكما هذه، ودعاه حتّى يفيق وترجعان إليه.
فقالا: لسنا ببارحين(2) في وقتنا هذا، فاضطجع الحسن على عضد النبيّ الأيمن والحسين على عضده الأيسر، فانتبها قبل أن ينتبه النّبي (صلى الله عليه وآله): وقد كانت فاطمة (عليها السلام) حين ناما انصرفت إلى منزلها، فخرجا في ليلة ظلماء مدلهمّة ذات رعد وبرق وقد ارخت السماء عزاليها(3)، فسطع لهما نور، فلم يزإلا يمشيان في ذلك
____________
1 ـ مدينة المعاجز: 208.
2 ـ أي لسنا بذاهبين.
3 ـ أي: السماء.
فقال له الحسين: دونك يا أخي، فافعل ماترى، فاضطجعا جميعاً واعتنق كل واحد منهم صاحبه وناما.
وانتبه النبيّ (صلى الله عليه وآله) من نومته الّتي نامها، فطلبهما في منزل فاطمة، فلم يكونا فيه وافتقدهما، فقام (صلى الله عليه وآله) قائماً على رجليه، وهو يقول: الهي وسيّدي ومولاى هذان شبلاي خرجا من المخمصة والمجاعة، اللّهمّ أنت وكيلي عليهما.
فسطع من النبيّ (صلى الله عليه وآله) نور، فلم يزل يمضي في ذلك النور حتّى أتى حديقة بني النجار، فاذا هما نائمان قد اعتنق كلّ واحد منهما صاحبه وقد تقشّعت، فوقهما كطبق، فهي تمطر أشدّ مطر، ما رأى الناس مثله قط وقد منع الله عزّ وجلّ المطر عنهما في البقعة الّتي هما فيها نائمان لا يمطر عليهما قطرة، قد اكتنفتهما حيّة(2) كاجام القصب وجناحان، جناح قد غطّت به الحسن وجناح قد غطّت به الحسين عليهما السلام. فلمّا أن بصر بهما النبيّ (صلى الله عليه وآله) تنحنح، فانسابت الحية، وهي تقول: اللّهمّ إنّي اشهدك واشهد ملائكتك أن هذين شبلا نبيّك قد حفظتهما عليه ودفعتهما إليه صحيحين سالمين.
فقال لها النبيّ (صلى الله عليه وآله): أيّتها الحية فمن أنت؟ قال: أنا رسول الجن إليك.
____________
1 ـ كذا في الأصل.
2 ـ في الحديث سقط ظاهراً، وهو وصف الحية وانظر الأحاديث الآتية.
وقد حفظتهما وسلمتهما إليك سالمين صحيحين، وأخذت الحية الآية وانصرفت.
وأخذ النبيّ (صلى الله عليه وآله) الحسن، فوضعه على عاتقه الأيمن، ووضع الحسين على عاتقه الأيسر، وخرج عليّ (عليه السلام)، فلحق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال له عليّ (عليه السلام): بأبي واُمّي إدفع لي أحد شبليك حتّى أخفف عنك، فالتفت النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى الحسن (عليه السلام)، فقال: يا حسن هل تمضي إلى كتف أبيك؟ فقال له: والله يا جدّاه إن كتفك لا حبّ إليّ من كتف أبي.
فأقبل بهما إلى منزل فاطمة (عليها السلام) وقد ادّخرت لهما تميرات، فوضعتها بين أيديهما، فأكلا وشبعا وفرحا، فقال لهما النبيّ (صلى الله عليه وآله): قوما، فاصطرعا، فقاما ليصطرعا وقد خرجت فاطمة في بعض حاجتها، فدخلت، فسمعت النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول: إيه يا حسن شدّ على الحسين، فاصرعه.
فقالت: يا أبه واعجبا اتشجع هذا على هذا، اتشجّع الكبير على الصغير؟
فقال لها: يا بنيّة أما ترضين أن أقول: يا حسن شدّ على الحسين، فأصرعه، وهذا حبيبي جبرئيل يقول: يا حسين شدّ على الحسن، فأصرعه(1).
211 ـ مدينة المعاجز: عن ابن عباس: قال كنّا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإذا بفاطمة
____________
1 ـ مدينة المعاجز: 192 و231.
قال المؤلّف: قضية المصارعة تكررت في روايات عديدة، ومنها ما رواه موفق بن أحمد عن أبي ذر، كما في: 484 من غاية المرام.
فقالت: يا أبتاه إنّ الحسن والحسين قد غابا عنّي اليوم وقد طلبتهما في بيوتك، فلم أجدهما ولا أدري أين هما، وإنّ عليّاً راح إلى الدالية(1) منذ خمسة أيّام يسقي بستاناً له.
وإذا أبوبكر قائم بين يدي النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فقال له: يا أبا بكر أطلب قرّتي عيني. ثمّ قال: يا عمر ويا سلمان ويا أباذر ويا فلان ويا فلان قوموا، فأطلبوا قرّتي عيني.
قال: فأحصيت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّه وجّه سبعين رجلا في طلبهما، فغابوا ساعة، ثمّ رجّعوا ولم يصيبوهما.
فاغتم النبيّ (صلى الله عليه وآله) غمّا شديداً، فوقف عند باب المسجد، وقال: اللّهمّ بحقّ ابراهيم خليلك وبحقّ آدم صفيّك إن كان قرّتا عيني وثمرتا فؤادي أخذا برّاً أو بحراً، فاحفظهما وسلّمهما من كلّ سوء يا أرحم الراحمين.
قال: فإذا جبرائيل (عليه السلام) قد هبط من السّماء، وقال: يا رسول الله لا تحزن ولا تغتم، فان الحسن والحسين فاضلان في الدنيا والآخرة، قد وكل الله بهما ملكا يحفظهما ان قاما وقعدا وان ناما، وهما في حضيرة بني النجار.
ففرح النبيّ (صلى الله عليه وآله) بذلك وسار جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره والمسلمون من حول حتّى دخلوا حضيرة بني النجار وذلك الملك الموكّل بهما قد جعل أحد جناحيه تحتهما والآخر فوقهما، وعلى كلّ واحد منهما دراعة من صوف والمداد على شفتيهما [كذا؟]، وإذا الحسن معانق للحسين، فحمل الرسول الحسن وجبرائيل الحسين وخرج النبيّ (صلى الله عليه وآله) من الحضيرة وهو يقول: معاشر الناس اعلموا
____________
1 ـ الدالية: دلو ونحوها كما في المصباح: 119.
قال المؤلّف: الظاهر أنّ ورود امثال هذه الروايات لبيان فضيلة الحسن والحسين وقوع هذه القضايا مقدمة له والدليل عليه ملاحفظة علم النبيّ (صلى الله عليه وآله) بما كان وما هو كائن، وكذا إعلامه للناس: أنّ من ابغضهما، فهو في النار ونحو ذلك وإلاّ، فلا يمكن الجمع بين هذه الروايات وبين ما دلّ على اطلاعه (صلى الله عليه وآله) على جميع الحوادث.
212 ـ أمالي الشيخ الصدوق: حدّثني والدي، عن أبيه، عن جدّه، قال: كنّا قعودا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا جائت فاطمة (عليها السلام) تبكي، فقال لها النبيّ (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك يا فاطمة؟
قالت: يا أبتا خرج الحسن والحسين، فما ادري اين باتا؟
فقال لها النبيّ (صلى الله عليه وآله): لا تبكي، فالله الّذي خلقهما هو الطف بهما منك، ورفع النبيّ يده إلى السماء، فقال: اللّهم إن كانا اخذا براً وبحراً، فاحفظهما وسلّمهما.
فنزل جبرئيل من السماء، فقال: يا محمّد إنّ الله يقرؤكم السلام وهو يقول: لا تحزن ولا تغتم لهما، فإنّهما فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة وأبوهما خير منهما، هما نائمان في حظيرة بني النجار، وقد وكل الله بهما ملكاً.
قال: فقام النبيّ (صلى الله عليه وآله) فرحاً ومعه اصحابه حتّى اتوا حظيرة بني النجار، فإذا هم بالحسن معانق للحسين، وإذا الملك الموكل بهما قد افترش احد جناحيه تحتهما وغطاهما بالآخر.
قال: فمكث النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقبلهما حتّى انتبها، فلمّا استيقظا حمل النبيّ الحسن
____________
1 ـ مدينة المعاجز: 194 و232.
أيّها الناس ألا أدلّكم على خير الناس أباً واُمّاً؟ قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: الحسن والحسين وأبوهما عليّ بن أبي طالب واُمّهما فاطمة سيّدة نساء العالمين(1).
قال المؤلّف: وفي رواية اُخرى من كتاب مدينة المعاجز ورد هذا الحديث عن ابن عباس ألا وان فيه: قال: فحمل النبيّ (صلى الله عليه وآله) الحسن وحمل جبرئيل الحسين والناس يرون أنّ النبيّ حمله وقال: قد تقدّم هذا الحديث عن طريق ابن بابويه بطرق كثيرة عن الأعمش في معاجز الحسن بن عليّ(2).
وقال المؤلّف ـ ايضاً ـ ذكر الشيخ حسين بن عبدالوهاب في عيون المعجزات ص52 و53، قال: من طريق الحشويّة عن سليمان بن اسحاق بن عليّ بن عبدالله بن العباس قال: سمعت أبي يوماً يحدث أنّه كان يوماً عند هارون الرشيد، فجرى ذكر عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال الرشيد: تتوهّم العوام إنّي ابغض عليّاً واولاده، والله ما
____________
1 ـ بحار الأنوار 37:90 عن الأمالي، وكذا مدينة المعاجز: 193 و232، وغاية المرام: 654 و656 و658، وامالي الصدوق: 260 ـ 294.
2 ـ مدينة المعاجز: 232.
213 ـ مدينة المعاجز: تاريخ البلاذري قال: حدث محمّد بن بريد المبرّد النحوي باسناده ذكره، قال: انصرف النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى منزل فاطمة (عليها السلام)، فرآها قائمة خلف بابها، فقال: ما بال حبيبتي ها هنا؟
فقالت: ابناك خرجا غدوة، فقد خفي عليّ خبرهما: فمضى النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقفو اثرهما حتّى صار إلى كهف جبل، فوجدهما نائمين وحيّة مطوّقة عند رأسهما، فأخذ النبيّ (صلى الله عليه وآله) حجراً، فأهوى إليها، فقالت: السلام عليك يا رسول الله والله ما أقمت عند رأسهما إلاّ حراسة لهما، فدعا لها بخير.
ثمّ حمل الحسن على كتفه اليمنى والحسين على كتفه اليسرى، فنزل جبرئيل، فأخذ الحسين وحمله، فكانا بعد ذلك يفتخران، فيقول الحسن: حملني خير أهل الأرض ويقول الحسين: حملني خير أهل السماء، وفي ذلك قال حسان بن ثابت:
فجاء وقد ركبا عاتقيه | فنعم المطيّة والراكبان(1) |
____________
1 ـ مدينة المعاجز: 194.
فلمّا رأت رسول الله (صلى الله عليه وآله) صارت كانها خيط، فالتفت إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: ألا تدري ما تقول هذه يا أخا كندة؟
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: قالت: "الحمد لله الّذي لم يميتني حتّى جعلني حارساً لابني رسول الله". وجرت في الرمل ـ رمل الشعاب ـ.
فنظرت إلى شجرة لا اعرفها بذلك الموضع ـ لأني ما رأيت فيه شجرة قط قبل يومي ذلك، وقد اتيت بعد ذلك اليوم اطلب الشجرة، فلم أجدها ـ وكانت الشجرة اظلّتهما بورق.
وجلس النبيّ بينهما، فبدأ بالحسين، فوضع رأسه على فخذه الأيمن ثمّ وضع رأس الحسن على فخذه الأيسر، ثمّ جعل يرخي لسانه في فم الحسين، فأنتبه الحسين، فقال: يا أبه، ثمّ عاد في نومه. فأنتبه الحسن وقال: يا أبه وعاد في نومه.
فقلت: كأنّ الحسين أكبر؟(2)
____________
1 ـ البكر: ولد الناقة.
2 ـ إنّما قالت: ذلك لما رأت أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) وضع لسانه في فم الحسين قبل الحسن (عليه السلام).
ثمّ أتت فاطمة، فوقفت بالباب، فأتت حمامة(1) قالت: يا أخا كندة.
قلت: من اعلمك أنّي بالباب؟
فقالت: أخبرتني سيّدتي إنّ بالباب رجلا من كندة من أطيبها اخباراً، يسألني عن موضع قرّة عيني.
فكبر ذلك عندي، فولّيتها ظهري كما كنت أفعل حين ادخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منزل امّ سلمة ـ، فقلت: لفاطمة: ما منزلة الحسين؟
قالت: إنّه لما ولدت الحسن أمرني أبي أن لا البس ثوباً أجد فيه اللّذة حتّى افطمه، فأتاني أبي زائراً، فنظر إلى الحسن وهو يمص الثدي، فقال: فطمتيه؟ قلت: نعم قال: إذا أحبّ عليّ الاشتمال، فلا تمنعيه، فإنّي أرى في مقدم وجهك ضوءاً ونوراً، وذلك إنّك ستلدين حجة لهذا الخلق.
فلمّا تمّ شهر من حملي وجدت فيّ سخنة(2)، فقلت: لأبي ذلك، ودعا بكوز من ماء، فتكلّم عليه، وتفل عليه، وقال: اشربي، فشربت، فطرد الله عنّي ما كنت اجد.
وصرت في الأربعين من الأيام، فوجدت دبيباً في ظهري كدبيب النمل في بين الجلدة والثوب، فلم ازل على ذلك حتّى تمّ الشهر الثاني، فوجدت الإضطراب والحركة، فوالله لقد تحرك وأنا بعيدة من المطعم والمشرب، فعصمني الله كأنّي شربت لبناً، حتّى تمت الثلاثة اشهر وأنا اجد الزيادة والخير في منزلي.
____________
1 ـ كذا في البحار: ولعلّه اسم لمن كانت في دار فاطمة من النساء. وسيأتي ذكرها في آخر الحديث أيضاً.
2 ـ سخنة: أي مرض، كأنّه مأخوذ من الحميات، ثمّ أطلق على كل مرض.
فلمّا صارت الستّة كنت لا احتاج في الليلة الظلماء إلى مصباح وجعلت اسمع إذا خلوت بنفسي في مصلاّي التسبيح والتقديس في باطني.
فلمّا مضى فوق ذلك، تسع ازددت قوّة، فذكرت ذلك لام سلمة، فشدّ الله بها ازري.
فلمّا زادت العشرة غلبتني عيني واتاني آت، فمسح جناحه على ظهري، فقمت واسبغت الوضوء وصلّيت ركعتين.
ثمّ غلبتني عيني، فأتاني آت في منامي وعليه ثياب بيض، فجلس عند رأسي ونفخ في وجهي وفي قفاي، فقمت وأنا خائفة، فاسبغت الوضوء وادّيت اربعاً، ثمّ غلبتني عيني، فأتاني آت في منامي، فاقعدني ورقاني وعوّذني(1)، فاصبحت ـ وكان يوم امّ سلمة ـ، فدخلت في ثوب حمامة، ثمّ أتيت ام سلمة فنظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى وجهي، فرأيت أثر السّرور في وجهه، فذهب عنّي ما كنت اجد، وحكيت ذلك للنبيّ (صلى الله عليه وآله).
فقال: ابشري أما الأوّل، فخليلي عزرائيل الموكّل بأرحام النساء، وأمّا الثاني، فخليلي ميكائيل الموكل بأرحام أهل بيتي، فنفخ فيك؟
قلت: نعم، فبكى ثمّ ضمّني إليه، وقال: وأمّا الثالث، فذلك حبيبي جبرئيل يخدمه الله ولدك، فرجعت، فنزل تمام السنة(2).
____________
1 ـ من الرقية والعوذة.
2 ـ بحار الأنوار 43: 271 ـ 273.
قال المؤلف: ورواه النوري في دار السلام 1:70 عن الراوندي في الخرائج، وعن محمّد بن اسماعيل البرمكي، عن الحسين بن الحسن، عن يحيى بن عبدالحميد، عن شريك بن حماد، عن أبي ثوبان الأسدي، وكان من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام)، عن الصلت بن المنذر، عن المقداد بن الأسود الكندي، عن فاطمة (عليها السلام).
____________
1 ـ في بحار الأنوار 43:273 عند بيانه لهذا الحديث: والمراد باخبار الستة هي الأخبار الدالة على أنّ مدّة حمل الامام الحسين (عليه السلام) كانت ستة شهر فقط.
قالت: إنّ الحسن والحسين فقدتهما منذ أصبحت، فلم احسهما، وما كنت اظنّهما إلاّ عند رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال عليّ: هما عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فارجعي ولا تؤُذي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنّها ليست بساعة اذن.
فسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلام عليّ وفاطمة، فخرج في ازار ليس عليه غيره، فقال: ما ازعجك هذه الساعة من رحلك؟
فقالت: يا رسول الله ابناك الحسن والحسين خرجا من عندي، فلم ارهما حتّى الساعة وكنت احسبهما عندك وقد دخلني وجلّ شديد.
قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة إنّ الله عزّ وجلّ وليّهما وحافظهما ليس عليهما ضيعة إن شاء الله، ارجعي يا بنيّة، فنحن احقّ بالطّلب.
فرجعت فاطمة إلى بيتها، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وجه وعليّ في وجه، فابتغياهما، فانتهيا اليهما وإنّهما في اصل حائط قد احرقتهما الشمس، وأحدها متسّتر بصاحبه، فلمّا رآهما على تلك الحال خنقته العبرة وأكبّ عليهما يقبلهما، ثمّ حمل الحسن على منكبه الأيمن وجعل الحسين على منكبه الأيسر ثمّ أقبل بهما رسول الله يرفع قدما ويضع اخرى مما يكابد من حرّ الرمضاء وكره ان يمشيا،
216 ـ مدينة المعاجز عن الفخري قال: روي أن النبيّ (صلى الله عليه وآله) خرج من المدينة غازياً واخذ عليّاً معه، وبقي الحسن والحسين عند امّهما لأنّهما طفلان صغيران، فخرج الحسين (عليه السلام) ذات يوم من دار امّه يمشي في شوارع المدينة ـ وكان عمره يومئذ ثلاث سنين، فوقع بين نخيل وبساتين حول المدينة، فجعل يسير في جوانبها ويتفرّج في مضاربها، فمرّ على يهودي يقال له صالح بن زمعة اليهودي، فأخذ الحسين إلى بيته وأخفاه عن امّه، حتّى بلغ النهار إلى وقت العصر والحسين لم يتبيّن له اثر، فطار قلب فاطمة بالهمّ والحزن على ولدها الحسين (عليه السلام)، فصارت تخرج من دارها إلى باب مسجد النبيّ سبعين مرّة، فلم تر أحداً تبعثه في طلب الحسين (عليه السلام)، ثمّ أقبلت إلى ولدها الحسن (عليه السلام). وقالت له: يا بهجة قلبي وقرّة عيني قم واطلب أخاك الحسين، فإنّ قلبي يحترق من فرقه، فقام الحسن وخرج من المدينة وأتى إلى دور حولها نخيل وجعل يصيح: يا حسين بن عليّ يا قرّة عين النبيّ أين أنت يا أخي.
قال: فبينما الحسن (عليه السلام) ينادي إذ بدت له غزالة في تلك الساعة، فالهم الله الحسن إن يسأل الغزالة، فقال لها: يا ظبية هل رأيت أخي حسيناً؟
فانطق الله الغزالة ببركات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالت: يا حسن يا نور عيني المصطفى وسرور قلب المرتضى ويا بهجة فؤاد الزهراء إعلم انّ أخاك اخذه صالح اليهودي واخفاه في بيته.
فسار الحسن (عليه السلام)، حتّى أتى دار اليهودي، فناداه، فخرج صالح، فقال الحسن (عليه السلام): يا صالح اخرج إليّ الحسين من دارك وسلّمه إليّ وإلاّ أقول لاُمّي تدعو
____________
1 ـ مناقب ابن المغازلي: 377.
فتحيّر صالح اليهودي من كلام الحسن (عليه السلام)، وقال له: يا صبيّ من أمّك؟
فقال: امّي الزهراء بنت محمّد المصطفى، قلادة الصفوة، ودرّة صدف العصمة، وغرّة جمال العلم والحكمة، وهي نقطة دائرة المناقب والمفاخر، ولمعة أنوار المحامد و المآثر، خمرت طينة وجودها من تفاحة، من تفاح الجنّة، وكتب في صحيفتها عتق عصاة الاُمّة، وهي اُمّ السادّة النجباء وسيّدة النساء، البتول العذراء فاطمة الزهراء.
فقال اليهودي: أما امّك، فعرفتها، فمن أبوك؟
فقال الحسن (عليه السلام): اسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب، الضارب بالسيفين، والطاعن بالرمحين، والمصلّي مع النبيّ الى القبلتين، والمفدي نفسه لسيّد الثقلين، وأبو الحسن والحسين.
فقال: صدقت يا صبيّ، قد عرفت اباك، فمن جدّك؟
قال: جدّي درّة من صدف الجليل، وثمرة من شجرة ابراهيم، والكوكب الدرّي، والنور المضيء من مصباح التبجيل، المعلّقة في عرش الجليل، سيّد الكونين، ورسول الثقلين، ونظام الدارين، وفخر العالمين، ومقتدى الحرمين، وإمام المشرقين والمغربين، وجدّ السبطين أنا وأخي الحسين.
قال: فلمّا فرغ الحسن (عليه السلام) من تعداد مناقبه، انجلى صدى الكفر من قلب صالح اليهودي، وأهملت عيناه بالدموع، وجعل ينظر كالمتحيّر معتجّباً من حسن
واتيا الى امّهما، فلمّا رأته اطمأن قلبها وزاد سرورها بولديها قال: فلمّا كان في اليوم الثاني أقبل صالح ومعه سبعون رجلا من رهطه وأقاربه وقد دخلوا جميعهم في الاسلام على يد الامام ابن الامام اخي الامام عليهم افضل الصلواة والسلام.
ثمّ تقدم صالح إلى باب الزهراء رافعاً صوته بالثناء على السادّة الاُمناء وجعل يمرغ وجهه وشيبته على عتبة دار فاطمة الزهراء، وهو يقول: يا بنت محمّد المصطفى عملت سوءاً بابنك واذيت ولدك، وأنا على فعلي نادم، فاصفحي عن ذنبي.
فارسلت إليه فاطمة الزهراء تقول: يا صالح اما أنا، فقد عفوت من حقّي ونصيبي وصفحت عمّا سؤتني به لكنّهما ابناي وابنا علي المرتضى، فاعتذر إليه عمّا اذيت ابنه.
ثمّ انّ صالحاً انتظر عليّاً حتّى أتى من سفره واعرض عليه حاله واعترف عنده بما جرى وبكى بين يديه واعتذر ممّا أساء إليه.
فقال له: يا صالح أما أنا، فقد رضيت عنك وصفحت عن ذنبك ولكن هؤلاء ابنا وريحانتا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فامض اليه واعتذر اليه مما أسأت اليه.
فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله): أما أنا، فقد رضيت عنك وصفحت عن جرمك لكن يجب عليك أن تعتذر إلى الله تعالى وتستغفره ممّا أسأت به قرّة عين الرسول وبهجة فؤاد البتول حتّى يعفو الله عنك.
قال: فلم يزل صالح يستغفر ربّه ويتوسّل إليه ويتضرّع بين يديه في اسحار الليل واوقات الصلاة، حتّى نزل جبرائيل على النبيّ باحسن التبجيل وهو يقول: يا محمّد قد صفح الله عن جرم صالح حيث دخل في دين الاسلام على يد الامام ابن الامام أخي الامام (عليه السلام) (1).
طعام الجنّة للحسنين عليهما السلام (2)
217 ـ مدينة المعاجز: أبو الحسن محمّد بن أحمد بن عليّ بن شاذان وفي المناقب المائة، عن سلمان الفارسي(رحمه الله)، قال: أتيت النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فسلّمت عليه ثمّ دخلت على فاطمة، فسلّمت عليها.
قالت: يا أبا عبدالله إنّ الحسن والحسين جائعان يبكيان، فخذ بيدهما، فأخرج [بهما] إلى جدّهما.
فاخذت بايديهما، فحملتهما حتّى أتيت بهما إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فقال
____________
1 ـ مدينة المعاجز: 195.
2 ـ قد سبقت عنه أحاديث في بيان إطعام الله أهل البيت من طعام الله أهل البيت من طعام الجنّة في فصل: "إكرام الزهراء (عليها السلام) بطعام الجنّة".
فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): اللّهم اطعمهما ـ ثلاثاً ـ، فنظرت، فإذا سفرجلة في يد رسول الله (صلى الله عليه وآله): شبيهة قلّة من قلال هجر، اشدّ بياضاً من اللبن وأحلى من العسل والين من الزبد، ففركها بابهامه، فصيّرها نصفين، ثمّ دفع إلى الحسن نصفها، وإلى الحسين نصفها فجعلت انظر إلى النصفين في ايديهما وأنا اشتهيها.
فقال: يا سلمان هذا طعام الجنّة لا يأكله أحد حتّى ينجو من الحساب، وإنّك لعلى خير(1).
218 ـ مدينة المعاجز: عن الثاقب في المناقب: عن عبدالرحمن بن أبي ليلى مرسلا، قال: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فاطمة وذكر فضلها وفضل زوجها وابنيها في ـ حديث طويل ـ، فقالت: لقد باتا وإنّهما لجائعان، فقال (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة قومي فهات القصاع، فقالت: يا رسول الله وما ها هنا من قصاع؟!
قال: يا فاطمة قومي، فإنّه من أطاعني، فقد اطاع الله ومن عصاني، فقد عصى الله، قال: فقامت إلى المسجد وإذا هي بقصاع مغطّى قال: فوضعته قدام النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فقال النبيّ: فإذا هو مغطّى بمنديل شامي، فقال: دعا بعليّ وأيقظ الحسن والحسين ثمّ كشف عن الطبق، فإذا فيه كعك ابيض ككعك الشام وزبيب يشبه زبيب الطائف وتمر يشبه العجوة يسمى الرابع، (وفي رواية) وصيحاني مثل صيحاني المدينة، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): كلوا(2).
____________
1 ـ مدينة المعاجز: 56 و198.
2 ـ مدينة المعاجز: 58 و233.